إن سعينا في هذا اليوم الدولي للمرأة إلى إبراز أهمية قيام المساواة لصالح النساء والفتيات ليس ناشئا من مجرد الحرص على تحقيق العدالة وإعمال حقوق الإنسان الأساسية وإنما هو ناشئ من كون أن التقدم لا يقوم في ميادين عديدة إلا بتحقق تلك المساواة. فالبلدان التي تكون فيها نسبة المساواة بين الجنسين أكبر يكون نموها الاقتصادي أفضل، والشركات التي تولي أمور قيادتها لعدد أكبر من النساء يكون أداؤها أحسن، واتفاقات السلام التي يشترك في إعدادها عدد أكبر من النساء تكون أدوم أثرا، والبرلمانات التي يشغل مقاعدها عدد أكبر من النساء تستن تشريعات أكثر في القضايا الاجتماعية الرئيسية كالصحة والتعليم ومناهضة التمييز ومؤازرة الطفولة. فثمة إذن دليل واضح على أن تمتع المرأة بالمساواة يحقق التقدم للجميع. وهذه الحقيقة البسيطة يجب أن تحظى باهتمام مركزي فيما نبذله من جهود في سبيل التعجيل بالتقدم المحرز صوب تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في موعدها المحدد السنةَ المقبلة وصياغة خطة ما بعد سنة 2015. ولقد تحققت مكاسب مهمة في توفير التعليم الأساسي للفتيات وفي التمثيل السياسي للمرأة، غير أن التقدم المحرز ما زال بطيئا ومتفاوتا. فالطفلة التي تولد اليوم سوف تظل تتعرض لعدم المساواة والتمييز أيا كان الموطن الذي تعيش فيه أمها. ومن واجبنا المشترك أن نكفل لها الحق في أن تعيش في مأمن من العنف الذي تتعرض له امرأة واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، وأن تكون قيمة أجرها على قدر العمل الذي تنجزه، وأن لا تكون عرضة للتمييز الذي يعوقها عن المشاركة في الاقتصاد، وأن يُفسح لها المجال أسوةً بالرجل للإدلاء برأيها في القرارات التي تهم حياتها، وأن تكون صاحبة القول الفصل في قرار الإنجاب وتحديد موقته وعدد الأطفال الذين ترغب في إنجابهم. إن لدي رسالة أوجهها إلى كل طفلة ترى النور اليوم وإلى كل امرأة وفتاة على ظهر الكوكب، وهي أن تحقيق حقوق الإنسان والمساواة ليس حلما، وإنما هو واجب يقع على عاتق الحكومات والأمم المتحدة وعلى عاتق كل إنسان. ولدي أيضا رسالة أوجهها إلى نظرائي رجالا وفتيانا أدعوهم فيها إلى أن يقوموا هم أيضا بدورهم. إذ كلنا نستفيد عندما تتمكن النساء والفتيات، وهن أمهاتكم وشقيقاتكم وصديقاتكم وزميلاتكم، من تحقيق كل إمكاناتهن. فلنعمل سويا في سبيل منح النساء حقوقهن وتمكينهن وتحقيق المساواة بينهن وبين الرجال، بموازاة مع جهودنا من أجل القضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة. فتحقيق المساواة لصالح المرأة يكفل التقدم للجميع! تعتبر المشاركة السياسية جوهر الديمقراطية وإحدى آلياتها الهامة، كما تمثل معيارا كاشفا لحقيقة الوضع الديمقراطي في أي مجتمع من المجتمعات. وتتعدد أشكال المشاركة السياسية وقنواتها، ابتداء من المشاركة في التصويت في الانتخابات وانتهاء بتقلد الفرد لمنصب سياسي ، وتمثل المشاركة الانتخابية من خلال الترشح والتصويت أو الاشتراك في الحملات الانتخابية أكثر أشكال المشاركة السياسية اتساعاً، ، فضلا عن علاقتها بجوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية .ولما تمثله من آلية لتقاسم السيطرة على القرارات السياسية بين القوى المتباينة في المجتمع. تمثل المرأة اليوم نحو 70% من فقراء العالم البالغ عددهم 1.2 بليون نسمة. وتمثل عدم المساواة فيما يتعلق بتمتعها بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعي، والثقافية حقيقة مركزية في حياة النساء في كل منطقة من مناطق العالم؛ وهي حقيقة نتجت عن التمييز ضد المرأة ووضعها الأدنى في المجتمعات الذكورية. تساهم المرأة، في جميع أنحاء العالم، مساهمة كبيرة في الاقتصاد وسوق العمل من خلال عملها المأجور وغير المأجور، في المحيطين العام والخاص. بيد أن عدم المساواة المستمر في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يساهم في إدامة تبعية المرأة وجعلها أكثر عرضة للعنف، على وجه الخصوص، وكذل الاستغلال، وغيرهما من أشكال الانتهاكات. ويمكن أن يُفضي إنفاذ حقوق المرأة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، في حد ذاته، إلى تحول، ليس فقط من حيث ضمان الوفاء باحتياجات المرأة المادية المباشرة، ولكن أيضاً من حيث إعادة التشكيل الجذرية لعلاقات القوى غير المتساوية بين الجنسين. باختصار، الوفاء بحقوق المرأة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، يجب أن يمثل استراتيجية ذات أولوية في التعامل مع، ومعالجة، عدم المساواة الاجتماعية التي تعانيها المرأة.
استحوذت حقوق المرأة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية على اهتمام المجتمع الدولي خلال العقد الماضي بشكل متزايد. وذلك أن زيادة الاعتراف بالمساهمة الرئيسية التي تقدمها المرأة في الاقتصاد العالمي من خلال جهودها الإنتاجية والإنجابية، وكذل الاعتراف باستمرار تهميشها على المستوى الاجتماعي، من خلال التوجهات الجديدة في الحياة الاجتماعية والثقافية، والتي تسعي إلى تحديد نفاذ المرأة إلى الحياة العامة، أدت جميعاً إلى وضع حقوق المرأة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية في بؤرة الاهتمام. فبعد أن كان يُنظر إلى تلك الموضوعات على أنها مسائل هامشية في محيط اهتمامات حقوق الإنسان أصبح حضور كل حقوق المرأة (المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية) أكثر وضوحاً – الاعتراف بأن تحقق كل حقوق الإنسان بالنسبة للمرأة لن يتأتى إلا بالوفاء بكل حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
ما من شك في أن المناصرين من جميع أن حاء العالم أصبح لديهم إدراك متزايد بوجود ارتباط أساسي وجوهري بين عددٍ من القضايا من قبيل: العنف ضد المرأة، وحرمان المرأة من حقوقها المتساوية في الملكية والميراث، والتمييز ضد المرأة في مجالات الصحة والتعليم والتوظف والمشاركة السياسية، وحرمان المرأة من حقوقها الإنجابية والجنسية، وتجارب المرأة مع الإخلاء القسري، وتأثير وباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب/ الإيدز على حقوق المرأة والفتاة، والتمييز في حصولها على المياه والطعام بشكل آمن. تلك الحقوق لا غنى عنها في حياة المرأة اليومية، ولانتهاكها تأثير سلبي على أنحاء متعلقة بالنوع الاجتماعي، وهو ما يؤكد وضع المرأة غير المتساوي داخل أسرتها، وجماعتها، ومجتمعها.
وتعد مشاركة المرأة في الانتخابات ضرورة ملحة ومطلب اجتماعي يستهدف النهوض بالمجتمع،كما ترتبط بكافة التغيرات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع، وبدورها السياسي في المجتمع،وبطبيعة أدوار النوع الاجتماعي،وهي الأدوار التي يتم تحديدها اجتماعياً وثقافيا عبر التطور التاريخي للمجتمع والعلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل.
لقد شهد المجتمع اليمني منذ تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م التي اقترن تحقيقها بالأخذ بالديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية، إجراء العديد من العمليات الانتخابية البرلمانية والرئاسية والمحلية ، شارك فيها المواطنون ( الرجال والنساء ) في ممارسة حقوقهم التي كفلتها لهم النصوص الدستورية والقانونية ،للترشح لعضوية هذه المجالس أو التصويت لاختيار ممثليهم فيها .
غير أن مشاركة الرجال والنساء في الانتخابات قد تباينت فيما يتعلق بنسبة المشاركة وما تمخض عنها من نتائج، حيث أظهرت الانتخابات التي تمت حتى الان العديد من الصعوبات التي تواجه مشاركة المرأة فيها التي ترتبط بقضية عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وبنظرة المجتمع السلبية لعمل المرأة في ميدان السياسية التي لا تزال نظرة قاصرة تعوق دورها السياسي في المجتمع ، بسبب الثقافة الذكورية المسيطرة على الطابع العام .ويشمل ذلك المرأة نفسها التي لا تزال تحمل عن نفسها الصورة ذاتها المفروضة من قبل المجتمع، وتقوم بإعادة إنتاجها بصورة تلقائية .
فالثقافة السائدة في المجتمع اليمني ورغم التغير النسبي تجاه حقوق المرأة، لا تزال تعمل على مبدأ الإعلاء من قيمة ومكانة الرجل, من خلال تمكينه من تولي المسئولية بشتى أنواعها. الأمر الذي أدى في الغالب إلى إقصاء المرأة عن المجال السياسي ومواقع صناعة القرار. كما أسهمت في التأثير سلباً على دور الدولة والنخب السياسية في دعم وتمكين المرأة،فقضية مشاركتها في الانتخابات وتمثيلها السياسي في المجالس المنتخبة لا تمثل أولوية ضمن الاهتمامات الحزبية إلا في المناسبات السياسية، فالأحزاب تعمل على احتواء مشاركة المرأة وتوظيفها سياسيا وفقا لمقتضيات الصراع السياسي فيما بينها .
إن المشاركة الفاعلة في العمليات الانتخابية تتطلب قدرات ومهارات معينة مثل المعرفة السياسية والقدرة على التواصل مع الجماهير وامتلاك المال، ما يشكل صعوبات حقيقة أمام مشاركة المرأة نظرا لافتقارها لهذه المتطلبات بسبب التوزيع غير المتكافئ بين الرجال والنساء فيما يعرف بالموارد السياسية.كما أن التصويت في الانتخابات ووفق نظام الدائرة الفردية المعمول به حاليا يجعل من علاقة الناخب بالمرشح غالبا ما تقوم على العلاقة المصلحية أو ما يعرف بالزبونية السياسية والتي لا تكون في صالح المرأة. كما تؤثر قلة تنظيمات المجتمع المدني العاملة في المجال السياسي والحقوقي وضعف نشاط الموجود منها على ما يعول عليها من أدوار هامة في مسألة تمكين المرأة وتفعيل دورها السياسي .
وبشكل عام يمكن القول:إن إسقاط القيود القانونية المقيدة للمشاركة السياسية للمرأة ومن ذلك حقها في التصويت أو الترشيح للمؤسسات والهياكل المنتخبة لا يكفي لوصولها وتمثيلها بما يتناسب مع وزن المرأة في المجتمع أو دورها في الانتخابات بوصفها ناخبة وقوة تصويتية في ظل الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي السائد الذي يفرز العديد من الصعوبات أمام مشاركة المرأة، الأمر الذي يتطلب تهيئة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لجعل مشاركة المرأة مشاركة حقيقية وفاعلة.م.
طبعا حين نتحدث عن أوضاع المرأة العربية علينا أن نأخذ بعين الاعتبار وجود تفاوت بين المجتمعات العربية في درجة تحرير المرأة والتطوير في عملية مشاركتها وادماجها، فالتجارب السياسية للدول ودور النخب الفكرية وتراكم عمليات الاصلاح ودرجة الانفتاح على الآخر كلها عوامل تؤثر في مستوى تطور وضعية المرأة هذا بشكل عام. أما إذا تعمقنا في الموضوع من الناحية الكيفية فاننا سنجد بعض التحديات التي تحتاج الى مزيد العمل وتضافر الجهود من أجل تطوير أوضاع المرأة العربية. صحيح أنها اليوم أصبحت متعلمة في غالبية الأقطار وصحيح أن نسبة النساء في البرلمانات وفي المؤسسات في الازدياد وصحيح أن نسبة الطالبات في الجامعات العربية فاقت نسبة الطلاب الذكور وكذلك الشأن في نسبة الحاصلين على الباكالوريا في السنوات الأخيرة فضلا عن بعث مجموعة من المؤسسات النسائية المختصة بشؤون المرأة المدافعة عن حقوقها وأهمها منظمة المرأة العربية . لكنّ المجتمع العربي مازال مهددا بحصول تراجع في وضعية المرأة نتيجة تصاعد التيار السلفي وامتداداته الشعبية وهو مرشح في بعض الأقطار للسيطرة على مقاليد الأمور، هذا ما يجعلني لا أطمئن كباحث في علم الاجتماع الى بعض الاحصائيات.
ان نظام المجتمع الذكوري مازال مهيمنا بطريقة قوية في بعض الأقطار فالعلاقات الأبوية مازالت تخترق المجتمع العربي طولا وعرضا وقد بدأ يحصل ارباك وتوتر اجتماعي في بعض الأقطار ذات التقاليد العريقة في مجال تحرير المرأة بسبب تأثير بعض القنوات التلفزية التي تبث أفكارا سلفية متطرفة في صفوف الشباب من ذلك تقليد بعض الفتيات لسلوكيات بعض المذاهب الدينية الغريبة عن مناطقهن وخاصة في اللباس (لباس الشيعة مثلا فهو غريب عن منطقة المغرب العربي) ثمة مسألة أخرى تستحق التحليل واعادة النظر ولها علاقة وطيدة بالتحديات : انها موقف المرأة العربية «المتحررة من المجتمع « يبدو لي من منظور سيسيوثقافي ان سلوكات بعض النساء المتأثرات بالحداثة في معانيها الشكلية «اللباس الزينة، اللغة، العادات..» يساهم بطريقة أو بأخرى في عرقلة عملية تطوير وضعية المرأة وتحريرها. لأن الاجهار ببعض السلوكيات التي تتصف بنوع من العنف الرمزي الموجه للقيم الثقافية للمجتمع، هذا السلوك اتضح انه يؤدي الى ردود فعل محافظة ومقاومة لكل تغيير . هذا الموقف يضاهيه موقف آخر يفسر عمليات العودة الى نظام الحريم عند فئة كبيرة من الفتيات والنساء العربيات لأنه ردّة فعل على التدخل السافر من قبل الدول المسماة عظمى في سياد ة الدول وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وفرض نظام التبعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وفي ما يتعلق بمشاركة المرأة العربية في العمل التنموي فهي اشكالية كبرى تحتاج الى منهجية خاصة تتمثل في ضرورة التمييز بين النساء كفئات اجتماعية وكفئات عمرية بين المرأة الريفية والمرأة الحضرية بين المرأة العاملة في قطاع الفلاحة والمرأة العاملة في قطاع الصناعة، المرأة العاملة في قطاع الوظيفة العمومية والمرأة العاملة في القطاع الخاص ، بين صاحبة الاسرة والعازبة...
فمشاركة المرأة من حيث التنمية هو أمر معتبر في جميع الاسباب والمنظمات إلا أن عملية المشاركة تبدو محتشمة لعدة أسباب وأول هذه الأسباب على المستوى العربي سيادة العقلية الذكورية في التنمية هذه العقلية التي يغلب عليها طابع محافظ كاعتبار المرأة عنصرا غير قادر على بعث المشاريع أو غير قادر على التسيير.
اذن يبدو أن الأمر مرتبط ببعض القيم التي لها علاقة بالكفاءة والأهلية إلا أن هذه القيم في حاجة الى تغيير بعدما اثبتت المرأة في كثير من الحالات قدرتها على المساهمة الفعالة في انجاح التنمية وتقديم تجارب ناضجة.
مازلت المرأة العربية العاملة تعاني على صعيد المستوى الميداني من بعض العراقيل في اقناع الزوج بضرورة الاستمرار في العمل أو ضرورة الحصول عليه أضف الي ذلك رفض بعض الزملاء من الذكور أن تكون المرأة مسؤولة عليهم هذه بعض الصعوبات التي تعترضها بالإضافة الى الضغوطات النفسية والاجتماعية خاصة في القطاع الخاص وهذا ما يعرقل اداءها.
فمن خلال دراسة قمنا بها منذ سنتين في اطار وضع خطة مستقبلية للنهوض بالمرأة الريفية تحت اشراف وزارة المرأة وشؤون الاسرة والطفولة والمسنين تبين لنا أن نسبة نجاح المشاريع التنموية الصغرى في صفوف النساء الريفيات أكبر بكثير من نسبة نجاح المشاريع الصغرى التي يشرف عليها الذكور حيث بينت الدراسة تميزا نسائيا في مجالات التسيير والضغط على المصاريف والقدرة علي المنافسة والحكمة في التصرف في القروض التنموية الصغرى كما أثبتت المرأة العربية كفاءة عالية في بعض القطاعات مثل قطاع التعليم والخدمات خاصة الادارة وقطاع الصحة وهي قطاعات تلائم البنية الجسدية والنفسية للمرأة والبنية الثقافية للمجتمع العربي الاسلامي.
الصعوبات التي تواجه ترشيح المرأة في الانتخابات العامة والفوز فيها .
تتنوع الصعوبات التي تواجهها النساء المشاركات في الانتخابات، سواء كان ذلك قبل عملية الترشح أو أثنائها، أو بعد الانتخابات لمن يتمكن من الفوز في الانتخابات، وقد أوضحت المبحوثات أن هناك العديد من الصعوبات التي تقف أمام المشاركة الفاعلة للمرأة ، سواء تلك التي واجهنها من خلال تجربتهن الشخصية ،أو من معرفتهن بطبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي لمشاركة المرأة في الانتخابات، وبالرغم من تعدد هذه الصعوبات وتنوعها- وفقا لما ذكرته المبحوثات - فقد حظيت الصعوبات الحزبية أو المتعلقة بالأحزاب والتنظيمات السياسية بأهمية نسبية وتركيز المرشحات مقارنة بغيرها من الصعوبات، تليها في ذلك الصعوبات المادية، ويمكن عرض هذه الصعوبات على النحو الأتي :
- صعوبات تتعلق بالأحزاب والتنظيمات السياسية :
وتتمثل أهم الصعوبات في هذا الجانب في الأتي :
- عدم وجود رغبة حقيقية لدى الكثير من أعضاء الأحزاب والتنظيمات السياسية والقيادات الحزبية في ترشيح المرأة ودعم فوزها في الانتخابات.
- تعرض المرشحات للمضايقات من بعض الحربين المتطلعين للترشح في الانتخابات في الحزب نفسه الذي قد تنتمي إلية من ترغب من النساء في الترشح في الانتخابات .
- عدم قيام الحزب /الأحزاب بدورها في عملية الدعاية الانتخابية لصالح المرشحة، وتذليل الصعوبات التي تعترضها في هذا الجانب،مما يؤدي إلى اضطرار المرشحات لخوض الانتخابات بجهود ذاتية، الأمر الذي يؤثر سلبا على ترشحها وإمكانية فوزها بنتيجة الانتخابات.
- افتقار بعض المرشحات لأي شكل من أشكال الدعم الحزبي والاكتفاء فقط بمنحها مذكرة الترشح باسم الحزب.
- تخاذل الأحزاب السياسية وعدم وقوفها إلى جانب المرأة ودعمها للمشاركة في الانتخابات من خلال ترشيحها أو العمل على دعم فوزها في الانتخابات- لاسيما الحزب الحاكم- أو عدم تأييد بعضها ومعارضتها للترشح المرأة للمناصب العامة.
- تقديم وتغليب الأحزاب السياسية للمصالح الحزبية الضيقة المتمثلة بكسب بعض المقاعد الانتخابية على المصالح العامة، وعدم تقديم بعض التنازلات التي يمكن من شأنها أن تعمل على تشجيع النساء على المشاركة والفوز في الانتخابات. من خلال وقوف بعض الأحزاب ضد بعض من يترشحن كمستقلات أو ينتمين إلى أحزاب سياسية أخرى.
- ممارسة الكثير من الأعضاء والقيادات الحزبية،لاسيما في المستويات الدنيا والوسطية للتميز السلبي ضد بعض النساء الحزبيات الراغبات في الترشح، أو من ترشحن في الانتخابات سواء من الحزب نفسه أو الأحزاب السياسية الأخرى.
- ضعف معظم الأحزاب في الساحة السياسية وعدم امتلاكها لقاعدة شعبية وجماهيرية في الواقع.
- ضعف، أو انعدام عملية التنسيق فيما بين المرشحين، لاسيما مرشحي الأحزاب السياسية المتحالفة.
- صعوبات مالية :
- ضعف الدعم المالي المقدم للمرشحات من الحزب/ الأحزاب، لاسيما أحزاب المعارضة ،وعدم توافر المال الكافي التي تتطلبها عملية الترشح والفوز في الانتخابات، لاسيما في ظل الإمكانيات المالية الكبيرة التي تتطلبها العمليات الانتخابية وعملية الدعاية الانتخابية والنزول الميداني للاتقاء بالناخبين ،والدفع بهم للتصويت لصالح من تتمكن من النساء من الترشيح في الانتخابات.
- عدم وجود جهات أو مؤسسات معنية بتقديم دعم مالي لمن يرغبن في الترشح في الانتخابات، أو قلة ما يقدم من مبالغ مالية من بعض المنظمات .
مما لا شك فيه أن المرأة المصرية كانت تعاني التهميش والعنف قبل قيام ثورة يناير حتي أن النظام السابق كان يستخدم ملف المرأة لتجميل وجهه أمام العالم. كما استخدمت حقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية والمجلس القومى للمرأة وجمعية سوزان مبارك للسلام ومكتبة الإسكندرية وغيرها لتجميل وجه النظام، هى نفسها المرأة التى تعانى الآن بعد الثورة. فالمرأة المصرية صاحبة الريادة بين الدول العربية في خروجها إلى المظاهرات للمطالبة باستقلال أوطانهم فخرجت المرأة سنة 1919 للمطالبة باستقلال مصر عن الاحتلال الانجليزي وكانت المرأة رائدة في حث المواطنين للنضال ضد الاحتلال كما فعلت أم المصريين (صفية زغلول) والمرأة المصرية هي أول امرأة عربية لها حق التصويت في الانتخابات، المرأة المصرية كانت دائما في الريادة لحقوق المرأة ولكن أكثر من 30 عام تهميش من الأنظمة الحاكمة مما سمح بتقليص فرص المرأة في المشاركة في إدارة الشأن العام واستغلال ملفات وقضايا المرأة لتجميل صورة النظم المختلفة.
وفى الواقع، تتجلى أهمية موضوع الدراسة في أنه يعكس نقاط تقاطع عديدة في تطور نظم الأفكار والجماعات السياسية على اختلافها, فضلا عن أنظمة القيم والتقاليد والعادات, والبيئة الدينية, ومحمولاتها من التأويلات والتفسيرات الدينية المحافظة, بل إن موضوع التمثيل البرلماني للمرأة في الحزب والبرلمان والحكومة والقضاء.. إلخ, هو ذروة تصادم بين المدارس الفكرية والإيديولوجية والسياسية السائدة في مصر الآن. كما أن مفهوم المشاركة السياسية يلعب، دوراً مهماً، في تطوير آليات وقواعد الحكم الصالح، كمفهوم بات قيد التداول السياسى في الوقت الراهن، وفى إطار ما يعرف "بالتنمية المستدامة" للمجتمعات، خاصة مجتمعات العالم الثالث التى توصف أنظمتها بالشمولية أو بسيادة المفاهيم الإرثية على مفاهيم المواطنة في تحديد النخب السياسية.
وتعنى المشاركة السياسية عند صومائيل هانتجنتون وجون نلسون: ذلك النشاط الذى يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومى، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أو عفوياً، متواصلاً أو متقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعى، فعالاً أم غير فعال.
ويمكن القول أن المشاركة السياسية في أى مجتمع هى محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية، تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعنى ونظامه السياسى وسماتها وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذى بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة. ويمكن القول إن المشاركة السياسية هى جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، فالمواطنون هم ذو الحقوق المدنية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التى يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعى، ويصونها القانون الذى يعبر عن هذا العقد، فالمشاركة السياسية تمثل أساس الديمقراطية وتعبيراً عن سيادة الشعب.
- صعوبات مجتمعية:
وتتمثل في الأتي :
- استمرار النظرة الدونية والقاصرة للمرأة وحقوقها وأهمية دورها السياسي في المجتمع بسبب الموروث الثقافي والقبلي السلبي.ويشمل تأثير ذلك الكثير من القيادات الحزبية أو المسئولين في الجهات الحكومية المعنية بتمكين المرأة.
- تعرض بعض المرشحات للاستهداف الشخصي،والإيذاء اللفظي أو المادي، واستخدام أساليب الترهيب أو الترغيب من قبل بعض النافذين والقيادات المحلية، بغرض إثنائهن عن الترشح أو إثناء الناخبين من التصويت لصالحهن.
- تعرض المرشحات لممارسات تميزية من قبل أعضاء أو القيادات الحزبية أو المرشحين المنافسين أو الجان المسئولة عن إدارة العمليات الانتخابية واللجان الأمنية.
- عدم وقوف الناخبات النساء إلى جانب المرأة والتصويت لصالحها بسبب استبطانهن للنظرة المجتمع الدونية للمرأة وانتشار الثقافة السياسية الذكورية التي تربط قيم الانجاز في المجال السياسي بالرجل .
- توظيف الدين واستخدامه كسلاح في المعركة الانتخابية ضد المرأة للانتقاص من قدراتها وعدم أهليتها للترشح أو ألفوزها في الانتخابات.
- عدم تكوين أو امتلاك المرشحة لقاعدة شعبية من خلال العمل في أوساط المجتمع المحلي خلال الفترة التي تسبق الترشح في الانتخابات.
- صعوبة الالتقاء بالناخبين والتواصل معهم خاصة الرجال بسبب طبيعة العادات والتقاليد المجتمعية واقتصار الدعاية الانتخابية للمرشحات في الغالب على بعض ألأشكال التقليدية مقارنة بالفرص المتاحة أمام المرشحين الرجال.
- عدم تمكن الكثير من المرشحات من القيام بتنفيذ الدعاية الانتخابية بالشكل المطلوب،كإقامة المهرجانات الانتخابية أو نشر وتوزيع الصور والملصقات الدعائية، والاكتفاء في كثير من الأحيان بتوزيع محدود لملصقات تحمل السيرة الذاتية فقط للمرشحة، نظراً للخوف من المضايقات الشخصية والأسرية التي قد تتعرض لها.
- صعوبات إدارية:
وتتمثل أبرزها في الأتي :
- تحيز بعض الجهات في مؤسسات الدولة والأجهزة الحكومية وقيادات المجتمع المحلي، على المستويات المحلية لصالح مرشح الحزب الحاكم، مما يؤدي إلى عدم التكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين كاستخدام الأماكن والمرافق العامة للقيام بالدعاية الانتخابية، وتقديم التسهيلات للمرشحين أو تذليل الصعوبات أمام الناخبين للتصويت لصالح هؤلاء المرشحين.
- صعوبة الحصول على تزكية الناخبين على مستوى مراكز الدائرة الانتخابية لتنفيذ الاشتراطات القانونية للراغبات في الترشح كمستقلات أو تعمد عرقلة ترشحهن بالامتناع على المصادقة تلك التزكية من قبل الأمناء أو عقال الحارات والمحاكم الابتدائية.
- ممارسة بعض اللجان المسئولة عن إدارة العمليات الانتخابية بمراحلها المختلفة وكذا الجان الأمنية لسلوك تمييزي ضد بعض المرشحات، لاسيما إذا كن مرشحات مستقلات أو ينتمين لأحزاب سياسية معارضة.
- حدوث عمليات تزوير في نتائج الانتخابات بهدف عرقلة فوز بعض المرشحات بعضوية المجالس المحلية والنيابية.
- صعوبات تتعلق بالتدريب التأهل :
- عدم حصول من يترشحن من النساء في الانتخابات على التدريب الكافي عن الكيفية التي تمكنهن من وضع الخطط الانتخابية أو منهجية العمل في الحملات الانتخابية وتنفيذها أو قيام بعض المنظمات بدورات قصيرة غير كافية قبل الانتخابات بفترة وجيزة.
- ضعف أو عدم الاستعداد القبلي للكثير ممن يرشحن أنفسهن في الانتخابات، والقيام بدراسة جوانب القوة والضعف ووضع الحسابات التي تتطلبها عملية الفوز في الانتخابات.
- عدم التدرج في ممارسة أنشطة أو عمل سياسي كالترشح في مناصب في مستويات أدنا، الأمر الذي يمكن معه اكتساب الخبرة الأزمة تستفيد منها عند خوضها تجربة الترشح في الانتخابات.
- عدم وجود هيئات أو منظمات متخصصة، تعنى بتدريب وتأهيل المرشحين/المرشحات للانتخابات وتقديم الاستشارات التي تمكنهم من إدارة الحملات الانتخابية وتساعدهم في الحصول على تأييد الناخبين وكسب أصواتهم الانتخابية.
- صعوبات تتعلق بالمرأة ذاتها:
وتتمثل أبرز هذه الصعوبات في الأتي :
- ضعف ثقة المرأة ذاتها بنفسها وقدرتها على ممارسة العمل السياسي ومنافسة الرجل في هذا المجال.
- ضعف وعي المرأة بأهمية ممارستها لحقوقها السياسية وتواجدها في مراكز صناعة القرار والمؤسسات السياسية.وبمساعدتها ودعمها للمرأة للفوز في الانتخابات لتمثيلها في المجالس النيابية والمحلية أو غيرها من المجالس المنتخبة.
- صعوبات سياسية :
تتمل أهم هذه الصعوبات في:
- غياب الإرادة السياسية لدى القيادات السياسية وصناع القرار والنخب السياسية في المجتمع بأهمية دور و مشاركة المرأة في الشئون العامة والحياة السياسية، وتمكينها من ممارسة حقوقها السياسية.
- طبيعة الظروف السياسية التي تتسم بهيمنة حزب سياسي حاكم على مقاليد السلطة، وعدم وجود تداول حقيقي للسلطة بين الأحزاب السياسية.
- مظاهر الفساد السياسي التي تشهدها العمليات الانتخابية، مثل تزوير نتائج الانتخابات لصالح بعض المرشحين أو الأحزاب، وتقديم الرشاوى الانتخابية العينة أو المادية للناخبين.
- ضعف أداء المجالس المحلية والنيابية، وقيامها بمهامها الدستورية، الأمر الذي ينعكس بدورة بصورة سلبية على صورة هذا المؤسسات ودورها لدى المواطنين والناخبين واختيارهم للمرشحين أو التصويت لصالحهم.
- ضعف تنظيمات المجتمع المدني، لاسيما تلك التنظيمات المعنية بقضايا المرأة عموما ،وبمشاركتها في الحياة السياسية.
- استشراف لمستقبل مشاركة المرأة في الانتخابات.
وعن اعتقاد المرشحات فيما إذا كانت المرأة في بلادنا تشارك بصورة حقيقة وفاعله في الانتخابات العامة وفي صناعة القرارات أو التأثير في السياسية العامة. فقد أجمعت المبحوثات أن المرأة اليمنية في الوقت الراهن لا تشارك مشاركة حقيقية وفاعلة في صناعة القرار السياسية أو التأثير فيها ويرجع سبب ذلك من وجهة نظرهن إلى غياب المرأة وضعف تواجدها في مراكز صناعة القرار والمؤسسات السياسية مثل مجلس النواب أو المجالس المحلية وغيرها من مؤسسات النظام السياسي. وبسبب استمرر النظرة الدونية للمرأة واحتكار الرجال لممارسة السياسية في المجتمع .
أما عن رأي المبحوثات واعتقادهن عما إذا كانت مشاركة المرأة في الانتخابات ستسهم في تغيير في الأوضاع القائمة نحو الأفضل فقد رأت غالبية المبحوثات أن استمرار مشاركة المرأة في الانتخاب من خلال التصويت أو الترشيح أو الفوز فيها، سيؤدي إلى تراكم في طبيعة هذه المشاركة،ومن ثم تقبل المجتمع لمشاركة المرأة وعملها في المجال السياسي من جهة، وتعزيز تواجدها في المؤسسات والمجالس المنتخبة، بما يؤدي إلى إشراكها في صناعة القرارات التي تعنى بشئون المجتمع.ألأمر الذي سيسهم في أحداث تغيرات إيجابية في طبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والسياسية وتطوير المجتمع من جهة ثانية. فبالرغم من المعوقات الراهنة التي تقف أمام المرأة وتحد من مشاركتها الايجابية والفاعلة في الانتخابات والحياة السياسية ،إلا أن المبحوثات ينظرن بتفاؤل وإيجابية، كما يرين أن هذا التفاؤل يجب أن يقترن بعمل جاد من قبل المرأة ذاتها والدولة وتنظيمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الأحزاب والتنظيمات السياسية في تمكين المرأة من الحصول على حقوقها وممارستها في المجالات المختلفة، ومن ذلك حقها في المشاركة في الانتخابات العامة والحياة السياسية .
تتشابه أوضاع المرأة في جميع الدول العربية، مع وجود تباينات طفيفة بين دولة وأخرى، مما يجعل دراستها مجملة ممكنة، بل مفيدة، مع التركيز على المكاسب التي حصلت عليها المرأة في بعض الدول، وأسباب ذلك، تمهيدا للاستفادة من تلك التجارب وتعميمها على الدول العربية الأخرى. يختلف واقع المرأة في الدول العربية في بعض الأمور، ويتفق في الكثير منها، فالمرأة العربية تخضع في أغلب البلدان العربية لقوانين مجحفة بحقها، وعلى الأخص قانون الأحوال الشخصية، الذي يحكم تفاصيل حياتها، مع اختلافات بسيطة بين بلد وآخر، ففي حين تم منذ سنوات تطوير بعض مواد قانون الأحوال الشخصية التونسي لصالح المرأة، بقيت المرأة في بعض الدول العربية كالكويت والسعودية مثلا محرومة من حق الترشيح والانتخاب، بل حتى من حق قيادة سيارتها الخاصة.
وتتراوح مشاركات المرأة في المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية من بلد لآخر، إلا أنها تتقارب في النسب العامة، وقد حفلت السنة الماضية بإصلاحات طالت أوضاع المرأة بشكل لم يسبق له نظير تحت تأثير ضغوط داخلية وخارجية.
لايمكن فصل نضال المرأة العربية من أجل نيل حقوقها، عن الظروف السياسية، التي تقع الدول العربية تحت تأثيرها، والتي تعتبر من اهم التحديات التي تواجه حركة تحرر المرأة في هذه الدول.
التحديات السياسية:
العيش تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية:
لقد أحكمت الأنظمة الشمولية المستبدة قبضتها على شعوب المنطقة، و " التهمت" المجتمع بما فيه، و نصبت نفسها وصية على المجتمع وصادرت دوره، وغيبته عن الفعل السياسي تماما، بل إنها صادرت الأحزاب والنقابات التي كانت قد بدأت تأخذ دورا حقيقيا رياديا فاعلا، في مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار، والاستقلال فيما بعد، ولا زالت في ذاكرة شعوبنا العربية ومضات ذهبية من عمر الزمن، عاشت فيها مجتمعاتنا العربية مرحلة ديمقراطية جنينية، لم تلبث أن أجهضت بعد تسلم الأنظمة الاستبدادية الشمولية السلطة في الوطن العربي بانقلابات عسكرية، أو قبضات حديدية خنقت بها الشعوب وصادرت الحريات، ودخلت بعدها الشعوب العربية في مرحلة سبات العاجز، الذي وجد في النوم هروبا من واقع مر من العسف والقهر والاضطهاد.
في ظل تلك الأنظمة تحولت الأحزاب إلى توابع للسلطة، منضوية تحت ردائها في جبهات وهمية واهية، أو ممثلة ببضع نواب في برلمانات شكلية، أما الأحزاب التي عارضت فقد لوحق أفرادها وتعرضوا للقمع والسجن والتعذيب والاضطهاد، حتى انتهى وجود تلك الأحزاب فعليا على أرض الواقع.
كما تحولت النقابات، والمنظمات الشعبية، ومن بينها المنظمات النسائية، إلى منظمات شبه حكومية نفعية مترهلة، لا تخدم مصالح الفئات التي تمثلها، بل تعمل فقط كبوق للسلطة مصفقة مهللة لكل أفعالها، وبؤرة لتجمع الطفيليين الذين لاهم لهم إلا إظهار ولائهم للسلطة والانتفاع من هذا الولاء.
وحصر عمل الجمعيات في الجمعيات الخيرية، وضيق على نشاطها، واشترط فيها أيضا الولاء، والابتعاد عن أي تنظيم مجتمعي فاعل، وحصر منح التراخيص لأي جمعية جديدة بيد الجهات الادارية، التي تحيل الموافقة إلى الأجهزة الأمنية المتحكمة بكل مفاصل المجتمع، وبذلك حظر عمل الجمعيات التنموية التي يمكن أن تسهم في تطوير المجتمع وتقدمه.
لعبت السلطات الحاكمة كذلك دورا في شيوع مقولة أن مفهومي الديمقراطية والمجتمع المدني " دخيلان " على مجتمعاتنا، ولا تناسبان شعوبنا وآليات تفكيرها، لطول الفترة التي عاملت فيها تلك السلطات شعوبها كقطعان صماء بكماء، معتبرة عقولها ليست بمستوى عقول البشر في كل العالم، وليس من حقها الاستفادة من خبرات وتطور الحضارة الانسانية، والتي كانت الديمقراطية والمجتمع المدني من نتائجها، فمن حق شعوبنا أن تستفيد من نتاج الحضارة التي ساهمت هي نفسها في صنعها في فترة ما من التاريخ. وقد لعبت أقلام بعض المستشرقين دورا في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ، في حين تكفي نظرة متأنية لتاريخنا الحديث، لتظهر أن مؤسسات المجتمع المدني كانت موجودة في بلادنا في النصف الأول من القرن الماضي، فقد ساهمت الأحزاب الوطنية والتجمعات العمالية والطلابية، والجمعيات النسائية في النضال ضد المستعمر وصولا بالبلاد إلى الاستقلال، ومن ثم في بناء الدولة الوطنية، قبل ان تحكم الأنظمة الشمولية قبضتها عل الشعوب.
من ناحية أخرى أدت أجواء الرعب والخوف التي هيمنت على المواطنين إلى تحجيم العقل العربي , وسيطر الخوف والذل على العباد ويأس البشر من الحل مما قادهم إلى حالة من الاستسلام والإحباط . في هذه الحالة يلجأ العقل الإنساني لأسلوب دفاعي قوامه إعارة العقل للمستبد، وتركه يتحكم بمصائر البشر، ويفكر عوضا عنه، خاصة في حالات الكوارث الكبرى، " فمن قادنا إلى ذلك الجحيم، ليتفضل ويخرجنا منه ". وغابت مفاهيم الحرية والحق والعدالة, وأصبحت غائمة مغيبة خلف مفاهيم الظلم والفساد والمحسوبيات والانتهازية وبيع الضمائر وسيطرة القوي على الضعيف، ونتيجة حظر الاجتماعات والتجمعات، غاب مفهوم العمل المجتمعي، والعمل التطوعي، وبسبب حاجة كل إنسان إلى الانتماء، تعمقت الاختلافات الطائفية العشائرية، الاثنية، بديلا عن التجمعات المدنية التي تميز المجتمعات الحديثة.
وفي الحقيقة أن المؤسسات البرلمانية هي من أهم الأجهزة المشاركة في صنع القرار، ورسم السياسات في الدول، وتزداد أهمية هذه المؤسسات في عمل أنظمة الحكم طبقاً لمستوى الديمقراطية التي يتمتع بها النظام السياسي، إذ تزداد مثل هذه المكانة للبرلمان في نظام ديمقراطي، وتتراجع في وجود الأنظمة الديكتاتورية والشمولية.ولقد شهدت الظاهرة البرلمانية انتشاراً متزايداً في العقد الماضي، وهناك ما يقرب من (176) برلماناً في الاتحاد البرلماني الدولي، منها نحو خمسة وستين برلماناً يتكون من مجلسين، ومثل هذا الانتشار المتزايد من شأنه أن يساعد في توفير فرص افضل لتمثيل المجتمعات السياسية في المؤسسة البرلمانية من جهة، وفي تهيئة أرضية أوسع لمشاركة النساء للرجال في العمل السياسي من جهة أخرىولما للبرلمان من أهمية في قياس نسبة المشاركة السياسية للمرأة، وكمعيار يعكس نجاح أو فشل الحركات النسائية، فسوف نستعرض واقع المرأة في المشاركة السياسية عالمياً وبشكل عام وإقليميا ومحلياً من خلال عرض نسبة تمثيل النساء مقارنة بالرجال.
تخلـص العديـد من الدراسات بأن ضعف تمثيل المرأة في المجالـس التشريعيـة
المنتخبة أصبحت ظاهرة عالمية، مع الأخذ بالاعتبار بوجود تفاوت في نسب التمثيل عند المرأة بين دولة وأخرى، ولعل انخفاض نسبة التمثيل النسائي البرلماني عالمياً، هو أحد الدوافع الرئيسية وراء الحركات النسائية النشطة والجهود الحثيثة التي تبذلها على المستويات الوطنية والدولية من أجل رفع النسبة، ويعزي الباحثون الاجتماعيون تدني هذه النسبة إلى أسباب تاريخية وأخرى علمية تتمثل الأولى؛ في أن معظم الحقب التاريخية للمجتمعات البشرية قد شهدت استبعاداً للنساء عن النشاط السياسي، وعززت هذه النتيجة الاعتقاد لفترات طويلة بعدم ملاءمتهن لهذه المهمة، مما أدى إلى عرقلة سعي النساء إلى احتلال مواقعهن في البرلمان وسواه من المؤسسات السياسية.أما الأسباب العلمية : فمؤداها أن العمل البرلماني خاصة والسياسي عامة يعيق وظيفة المرأة الاجتماعية والتربوية، كما أن التنافس على المكانة والقيادة هو أعلى لدى الرجل منه عند المرأة، التي تطلب الهدوء وتميل إليه اكثر من الرجل، لكن هذه الموروثات الثقافية، وبصرف النظر عن مدى موضوعيتها، أخذت تتراجع تأثيراتها بصورة تدريجية نسبياً، بعد أن ظهر للنساء أن البرلمان الذي يسيطر عليه الرجال سيحرمهن من الحصول على حقوقهن عبر تشريع القوانين التي تعالج أوضاعهن (كالعمل، الزواج، الحمل، أو رعاية الأطفال).