أولمرت في السجن وقبله كتساف.. ماذا يعني ذلك؟
<< الأربعاء، 17 فبراير/شباط، 2016
ياسر الزعاترة
يوم الاثنين الماضي حل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت في السجن لقضاء حكم لمدة 19 شهرا بتهمة الفساد، بينما يجد أمامه رئيسا إسرائيليا سابقا أيضا هو موشيه كتساف يقضي حكما بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة الاغتصاب. أما رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، فقد مثل أمام المحكمة بتهم تتعلق بقضية الغاز، فيح حين خسرت زوجته قبل ذلك بأيام قضية رفعها عليها مدير بيتها بتهمة إساءة المعاملة؛ هي التي ما برحت قصص “بذخها” تشغل الصحافة في إسرائيل.
لكل هذه القضايا، وقد سبقها كثير في السنوات الأخيرة أكثر من بُعد يمكن الحديث عنه، لكن الوجه الأبرز الذي لا شك أنه ورد على ذهن كل مواطن عربي سمع الخبر
هو إننا إزاء قوم ينطبق عليهم تحذير نبينا عليه الصلاة والسلام من مغبة أن يسرق الشريف فيُترك، فيما يقام الحد على الضعيف إذا فعل ذلك.
القضية التي واجهها أولمرت وحُكم عليه بسببها، ليست سرقة بالمفهوم المتعارف عليه في عالمنا العربي، بل إنها تحدث بشكل يومي من مستويات متعددة من المسؤولين، بل أكبر منها بكثير، من دون أن يقف أحد منهم أمام القضاء، فضلا عن أن يُحكم عليه بالسجن لهذه المدة الطويلة.
ثمة حالات هنا وهناك تمت خلالها محاكمة مسؤولين فاسدين، ولكنها لم تكن سوى حالات نادرة في منظومة عربية تحالفت فيها السلطة مع المال، وشكلا -محروسين بقوة الأمن- منظومة فساد رهيبة أهلكت الحرث والنسل.
ثروات بالمليارات سُرقت وتُسرق أمام أعين الناس في عدد كبير من دولنا العربية من دون أن يجرؤ أحد على محاسبة اللصوص، بل حتى على انتقادهم، وثمة أقوام يراكمون ثروات هائلة لا تأكلها النيران بوسائل فاسدة، من دون أن يُحاكموا، بل من دون أن يغادروا المجالس التي يتصدرونها.
هذا هو البعد الأهم، فالدولة العادلة التي تساوي بين الغني والفقير والشريف والوضيع أمام القضاء هي دولة يمكنها أن تحقق قدرا عاليا من المواطنة.
على أن هذا الأمر لا يخفي من زاوية أخرى تلك العنصرية التي تتسم بها تلك الدولة، ليس ضد مواطنيها من غير اليهود وحسب، بل أيضا ضد مواطنيها من اليهود الذين يصنفون درجة ثانية مثل الأفارقة، لكن ذلك يحدث على صعيد الممارسات اليومية، بينما يمكن لكل متظلم أن يذهب إلى القضاء ويحصل على حقه.
القضاء هو الملاذ الحقيقي للناس، وحين يفسد، فهو يشير إلى فساد على كل المستويات، لأن الفاسدين لن يسمحوا بوجود قضاء نزيه، ولا شك أن القضاء في دولة الاحتلال يسجل قدرا عاليا من النزاهة، باستثناء موقفه من الفلسطيني بطبيعة الحال.
على أن الوجه الآخر للصورة التي نحن بصددها، وهي التي تعنينا بدرجة كبيرة، هو ذلك المتمثل في حقيقة المجتمع الصهيوني يتغير شكل لافت. وقد علق الكاتب الإسرائيلي المعروف شمعون شيفر على الحكم على أولمرت الأولي قبل عام ونيف بكلمات بالغة الأهمية، وتستحق التوقف، حيث قال: “نحن ملزمون بالاعتراف بأنه في الدولة التي يجلس فيها رئيس في السجن، ورئيس وزراء سابق يرسل للانضمام إليه، يوجد شيء ما فاسد. شيء ما يحتاج إلى نظرة عميقة ومحاولة لمواجهة السؤال: كيف وصلنا إلى مثل هذا الوضع، وما هي العلة في نظام حكمنا؟”.
إن تغيرات بنيوية تحدث في المجتمع الإسرائيلي، وهي تغيرات همّشت روح المبدئية فيه، وحوّلته إلى مجتمع استهلاكي يركض خلف ملذاته، وها إن بعض أبنائه يستعيدون جنسياتهم الأوروبية، ويحسبون الأمر بمدى الأفضلية في العيش هنا أو هناك.
لقد تبدى ذلك جليا أيضا في الحروب الأخيرة، فالجندي الذي خاض الحروب ضد قطاع غزة، وقبلها حرب تموز 2006 في لبنان، لم يكن هو ذاته الذي خاض الحروب السابقة.
المجتمع الصهيوني يتغير، وهامش المبدئي والانتماء يتراجع فيه بشكل جلي، وهذا يشير إلى أن منحناه قد أخذ في الهبوط، وأن مواجهتنا معه في المراحل المقبلة ستكون أسهل، حتى لو حاول جبر الفارق من خلال التفوق التكنولوجي.
إن انتفاضة شاملة في الأرض الفلسطينية ستؤكد ذلك بكل وضوح، وهي تؤكده الآن رغم ضعفها، وموقف السلطة المعروف منها، وعموم الحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.