يديعوت أحرونوت
أمنون أبراموفيتش 23/2/2016
لا يعيش الجيش على الشعارات، والمقاتل الحقيقي لا يفرغ خزان رصاص على طفلة مع مقص. هذا في نطاق المسؤولية الحصرية لرئيس الأركان. أما مسؤولية القيادة السياسية فهي خلق وضع لا يلتقي فيه الجندي المقاتل على الإطلاق طفلة مع مقص.
منذ حرب يوم الغفران لم تكن معركة واحدة نجح الجيش الإسرائيلي في حسمها. حرب لبنان الأولى، لبنان الثانية، الرصاص المصبوب، الجرف الصامد، وكل الحملات التي بينها. الانتفاضة الأولى انتهت باتفاقات أوسلو. الانتفاضة الثانية بفك الارتباط عن غزة. والآن تجري انتفاضة ثالثة لفتيات وفتيان وهي مستمرة منذ خمسة أشهر. ومتى انتهت هذه، فإن هذا سيكون مرة اخرى بلا انتصار – إذ أن الجيش لا يمكنه أن ينتصر على فتيات وفتيان تحت الاحتلال. فهل يتذكر احد ما اصطلاح "فتيان الـ آر بي جي"؟ في غزو لبنان في 1982، حملة سلامة الجليل، فوجئت قوات الجيش الإسرائيلي حين اصطدمت بفتيان يحملون قاذفات آر بي جي ممن القوا بروحهم ضدها. وقد فتكوا بدباباتنا ومجنزراتنا. في البلدة اللبنانية الدامور علقت بفضلهم دبابات مركفاه.
ذات يوم في تشرين الثاني 2005 في ساعة متأخرة من المساء، كنت في حديث خلفية لدى رئيس الأركان دان حلوتس. وأنا اتذكر الحديث ايجابا، إذ إنه كان ممكنا التدخين، واذكره سلبا إذ أنه ثار عندي إحساس بشع في أن قصته ستنتهي على نحو سيئ – لنا وله. قبل بضعة ايام من ذلك قتل جندي احتياط بنار قواتنا. كتيبة دبابات استدعي للاحتياط – لا للتدريب بل لحماية المستوطنات في أرجاء المناطق. وقد افلتت لواحد من رجال الدبابات رصاصة فقتلت رفيقه. قلت في حينه لحالوتس، انظر كيف أنك تخسرهم مرتين – كرجال دبابات وكحراس على حد سواء. وقدم حالوتس شروحاته الجوية والهوائية، والتي اساسها تقزيم اهمية القتال البري. بعد بضعة اشهر من ذلك تشكلت لجنة فينوغراد. ضباط من الأسلحة البرية، بينهم قادة كتائب في المدرعات، أدلوا في اللجنة شهادات محرجة عن القصور المهني، انعدام التدريب. وكان هناك من رووا أنهم لم يحركوا أبدا كتيبة في الليل.
قبل نحو سنتين وربع السنة قتل مظلي مقاتل في النظامي بنار قناص في الحرم الإبراهيمي. بعد سقوطه انكشفت امور كتبها على الفيس بوك: كل ليلة نحن نبحث عن مطلوبين في نابلس، في الخليل، في جنين. نحن نطوق المنازل، نقتحها في منتصف الليل، نوقظ الشيوخ والأطفال والرضع الباكية. "حتى متى؟" سأل المظلي. حتى احتلال المناطق تحدثوا في الجيش عن الأساسي وعن الثانوي، عن احتمال (الحرب) وعن جاهزية (الأمن الجاري). عشرات سنوات الاحتلال افترست الأساسي والثانوي، وجعلت الجيش الإسرائيلي شرطة. من جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جيش حفظ النظام لبلاد إسرائيل.
التقيتُ شاؤول موفاز لأول مرة عندما كان قائد فرقة المناطق. في مقال مؤطر: أنا أنتمي للأقلية التي تعتقد بأن موفاز هو اليوم البديل الافضل لنتنياهو، والذي ينبغي لمعسكر الوسط أن يضعه على رأسه. عندما التقيته في حينه، كقائد فرقة الضفة، طلبت منه ان يصف لي جدول أعماله اليومي. في نهاية الوصف، الذي تلوى كله وأحاط المستوطنات والمستوطنين، الأولاد والتسفيرات، الطرق والمفترقات – قلت له هذا جدول أعمال منظم مواصلات في ايجد، وليس لقائد عسكري. فهز موفاز رأسه بلا صوت.
التاريخ العسكري، القديم والحديث، مليء بأمثلة عن تراجع جيوش الغزاة امام مدنيين ومقاتلين محتلين. الجنود الإيطاليون كانوا معروفين كمقاتلين جسورين في حربهم التحريرية، أما في الحرب العالمية الثانية، التي لم تكن وجودية من ناحيتهم، فقد سارعوا إلى رفع الأيادي والوقوع في الأسر وعرفوا كطباخي باستا وبيتسا لاسريهم، جنود الحلفاء. في حرب البور في جنوب افريقيا سخرت التنظيمات السرية الصغيرة والسريعة التي قاتلت في سبيل حريتها من آلة الحرب الهائلة للجيش البريطاني. وغني عن الذكر أن هذا لم يكن منذ زمن بعيد ما حصل للأميركيين في فيتنام، للفرنسيين في الجزائر، للروس في افغانستان.
قادة الجيش البارزون في تاريختا توصلوا في معظمهم في نهاية حياتهم وبتأخير مأساوي من ناحيتنا إلى الاستنتاج أن أمن إسرائيل يستوجب إنهاء السيطرة على الفلسطينيين. يغئال الون وموشيه دايان، عيزر وايزمن وإسرائيل تل، إسحق رابين واريك شارون، وكثيرون آخرون – بينهم كل رؤساء الأركان في الجيل الأخير.
وختاما، لا توجد ولم تكن مشكلة مع تعليمات فتح النار. ولا حتى مع الشعارات. المشكلة هي أن التعليمات والشعارات على حد سواء لا تستوي ولا يمكنها أن تستوي مع الواقع السياسي.