منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 7:54 am

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي


مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11822   تمهيـد
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11823   القسم الأول: نبذة عن السيرة الذاتية للرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11824   القسم الثاني: قرار التقسيم
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11825   القسم الثالث: مشروعات التسوية المقدمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11826   القسم الرابع: مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11827   القسم الخامس: ردود الفعل على مشروع الرئيس بورقيبة
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11828   القسم السادس: مبادرة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1973
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11821   الملاحق
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11819   الخرائط
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي BOlevel11820   المصادر والمراجع




       
تمهيـد

       كان الهدف الأساسي للحركة الصهيونية، منذ نشأتها، استقطاب أكبر عدد من يهود العالم، وتركيزهم في فلسطين، بعد طرد سكانها منها. وعلى الرغم من النجاحات، التي حققتها الحركة الصهيونية، في مجالات شتى، فإن التخلص من العرب (عرب فلسطين)، كان ـ ولا يزال ـ الحل الناجع لتحقيق هدف الحركة الصهيونية. كما أنه يمثل جزءاً أساسياً من مشروعها.

       كان هذا الهدف واضحاً لدى الزعماء الصهاينة، منذ البداية. فقد كتب تيودور هرتزلTheodor Herzl، في يومياته، بتاريخ 12 يونيه 1885: "يجب أن نستخلص ملكية الأرض التي ستعطى لنا، لكن باللطف وبالتدريج. سنحاول أن نشجع فقراء السكان على النزوح إلى البلدان المجاورة، وذلك بتأمين أعمال لهم هناك، ورفض إعطائهم أي عمل لدينا".

       وبعد أن نجحت الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها، بإعلان دولة "إسرائيل"، في 14 مايو  1948، واقتلاع أكثر من نصف مليون فلسطيني من ديارهم، وإجبارهم على اللجوء إلى البلدان العربية المجاورة، أخذت الصهيونية والاستعمار، اللذان توافقت مصالحهما، يسعيان إلى تنفيذ الجزء الثاني من المشروع الصهيوني، المتمثل في توطين اللاجئين الفلسطينيين، واستيعابهم في البلدان المضيفة لهم. وهي محاولة لطمس الهوية الفلسطينية والحقوق الثابتة لشعب فلسطين، مما يسمح، من ثمّ، بإضفاء الشرعية على الوجود الصهيوني، من طريق تكبيل حركة الفلسطينيين السياسية وشل فاعليتهم، لأن مرور الوقت، دون حل سياسي للقضية الفلسطينية، ودون حل لمشكلة اللاجئين، يشكلان أعظم خطر يهدد الوجود الصهيوني، واستطراداً، مصالح القوى الاستعمارية.

       ومنذ صدور قرار التقسيم، في 29 نوفمبر 1947، وحتى المشروع التونسي، في 21 أبريل 1965، قُدِّمت، عشرات المشاريع لتسوية النزاع العربي ـ  الإسرائيلي، وحل قضية فلسطين. ولكي نتعرف طبيعة المشروع التونسي، لا بد لنا من أن نتطرق إلى قرار التقسيم ومشروعات التسوية، التي قُدِّمت، لنتبين الفارق الجوهري بين هذا وذاك، وكذا، ردود الفعل على المشروع التونسي، أو مشروع الحبيب بورقيبة. كما ينبغي أن يسبق ذلك، دراسة سريعة لشخصية الحبيب بورقيبة، لنعرف مفتاح شخصيته، ورؤيته السياسية.






       
القسم الأول
نبذة عن السيرة الذاتية للرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة
مولده وحياته

       ولد الحبيب بورقيبة في مدينة المنستير Monastir، إحدى مدن الساحل التونسي، في 3 أغسطس 1903. وكان سابع إخوته، محمد وأحمد ومحمد وناجية وعيشوشة ومحمود. وينحدر الحبيب بورقيبة من أسرة متوسطة الحال، وكان والده، علي بن الحاج محمد بورقيبة، جنديا في جيش الباي  ، ثم أحيل إلى التقاعد، بعد أن أمضى تسعة عشر عاماً في خدمة الجيش، عندما فُرضت الحماية الفرنسية على تونس، عام 1881، وسلّحت فرنسا الجيش التونسي.

       وعندما بلغ الحبيب بورقيبه الخامسة من عمره، بعث به أبوه إلى العاصمة، حيث يستقر إخوته محمد ومحمد ومحمود. وهناك، دخل المدرسة الصادقية، وحصل على الشهادة الابتدائية، وواصل التعليم الثانوي بالصادقية. وفى تلك الفترة، توفيت والدته عن أربعين عاماً، فكانت تلك أول صدمة تصيب الطفل، وهو في المدرسة بعيداً عن أهله.

       بدأت مدارك الحبيب بورقيبة السياسية تتفتح، في تلك السن المبكرة، وبدأ يستوعب أبعاد المحنة التي يعيش فيها وطنه، وجبروت الاحتلال الفرنسي، الذي يجثم كالكابوس على أرض تونس الخضراء، ويقودها إلى الدمار والانهيار. وكان دائم الحديث مع قرنائه في المدرسة عن هذه الأوضاع المتردية. وكان يحاول دائماً إثارة حماسهم، وحثّهم على الغضب والنقمة على هذه الأوضاع، مما أدى إلى إيقاع العقاب به عدة مرات. وقد حال حماسه وثورته، في نهاية الأمر، دون حصوله على شهادة إتمام التعليم الثانوي، بالصادقية.

       وفى ديسمبر 1919، أصيب الحبيب بورقيبة بأعراض مرض السل، نتيجة سوء التغذية، وحياة العوز والحرمان، التي كان يعيشها. ودخل المستشفى، حيث أمضى في العلاج عدة أسابيع، أتيح له خلالها أن يقرأ كتاب "تونس الشهيدة"، للشيخ عبد العزيز الثعالبي، أحد مؤسسي الحزب الحر الدستوري. وكان لذلك الكتاب أثره الكبير في نفس الحبيب.

       وفي سبتمبر 1921، التحق الحبيب بمدرسة "كارونو" الثانوية. وكان اختلاطه بالطلبة الأجانب، في تلك المدرسة، حافزاً له على التفوق الدراسي، حتى يثبت لهم أن التونسي، لا يقل ذكاء ومقدرة عن الأوروبي. واستطاع أن يفوز، عام 1922، بشهادة المدرسة العليا للغة والآداب العربية. ثم نال الجزء الأول من البكالوريا، عام 1923، والجزء الثاني، عام 1924. وفي 5 أبريل 1922، انضم الحبيب بورقيبة إلى الحزب الحر الدستوري. وكان يتتبع بإعجاب حركة "أتاتورك" الإصلاحية في تركيا، ويتمنى لو استطاعت تونس أن تنسج على منوالها.

       وقد أتيح للحبيب بورقيبة، بعد الحصول على البكالوريا، أن يذهب في رحلة إلى العاصمة الفرنسية، ضمن وفد من الطلبة. وكانت هذه الرحلة ذات فائدة عظيمة له، فقد أمضى أياماً حافلة في باريس، يتابع، في عمق، مظاهر التقدم الحضاري الرائع، والمعالم التاريخية الباهرة، ويسأل ويستفسر عن كل ما تقع عليه عيناه. وتركت الزيارة في نفسه أبلغ الأثر، فما أن ظفر بالجزء الثاني من البكالوريا، حتى قرر السفر إلى باريس، لاستكمال دراسته. وكان ذلك في خريف عام 1924.

       التحق الحبيب بكلية الحقوق بباريس، مفضلاً أن يدرس القانون، حتى يتعرف بأحوال المجتمعات البشرية وأنظمتها وتشريعاتها.  وكان في الوقت عينه، يدرس علم النفس،بكلية الآداب بجامعة السوربون، والمالية العامة بمعهد العلوم السياسية.

       وفي عام 1926، توفي والده، قبل أن يسعد برؤية ابنه محامياً مرموقاً. وفى أغسطس 1927، خلال إقامته في باريس، تزوج السيدة ماتيلد لوران (Matild Loran)، بعد أن تعرف بها، وأعجب بدماثة أخلاقها وحبها للخير. فأنجب منها الحبيب الابن، وأسلمت بعد استقلال تونس، وحصلت على الجنسية التونسية.

       في ديسمبر 1927، حصل على شهادة الحقوق، وشهادة العلوم السياسية. وانخرط الحبيب في سلك المحامين. والتحق بمكتب الأستاذ فابيان سيريى (Fabian Seree)، ثم ما لبث أن تركه، والتحق بمكتب المحامى فيليكس(Felix)، ثم مكتب الأستاذ برنارسبو (Bernarsebo)، ثم قرر أن يستقل بعمله. ولكن تيار الحياة السياسية جرفه، فقد شُغل بالكفاح في سبيل وطنه، وتحريره من ربقة الاستعمار الفرنسي، والعمل على إيقاظ الشعب التونسي، وحثه على  النضال من أجل حريته. وبدأ يكتب في جريدة "العمل التونسي"، ويجوب البلاد، طولاً وعرضاً، داعياً إلى الكفاح ومناهضة المستعمر، معرضاً  نفسه للسجن والإبعاد، ومعرضاً أسرته لضيق العيش والأزمات المالية المتلاحقة.
حياته السياسية

       بدأ الحبيب بورقيبة حياته السياسية عام 1929، بالمساهمة في تحرير جريدة "اللواء التونسي" التي كانت تصدر بالفرنسية، ثم جريدة "صوت التونسي"، التي تعرضت، على نحو متصل، لاضطهاد السلطات الفرنسية وبطشها.

       وبعد ثلاثة أعوام، أسّس بورقية، في نوفمبر 1932، جريدة "العمل التونسي". وقرر مؤتمر الحزب الحر الدستوري، ضم الحبيب بورقيبة إلى اللجنة التنفيذية للحزب. وعقد الحزب مؤتمراً سياسياً كبيراً، طالب فيه بقيام برلمان تونسي منتخب بالاقتراع العام، يتمتع بالسلطة التشريعية الكاملة، وتشكيل حكومة مسؤولة أمام البرلمان، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومنح الحريات العامة للتونسيين، وجعل التعليم إجبارياً للجميع، وحماية اقتصاد البلاد. وأعقب هذه القرارات الخطيرة انتخاب الحبيب بورقيبة كاتباً عاماً للحزب (أي أميناً عاماً للحزب).

       وأدرك الشعب التونسي أن روحاً جديدة، بدأت تدب في الحركة الوطنية، وأن النضال أصبح أمراً جدّياً، له وسائله وأهدافه وخططه. وظل الحبيب بورقيبة يطوف في أنحاء البلاد، ويخطب في الجماهير، مندداً بالاستعمار، ومطالباً بالاستقلال، وداعياً مواطنيه إلى التضحية بكل شئ من أجل حرية تونس. وكانت الجماهير تستقبله، في كل مكان، بالحفاوة والحماس، فانتشرت دعوته. ولم تمضِ أشهر قليلة، حتى أدرك المقيم العام الفرنسي، بيروتون (Biroton)، الخطر الذي يمثله بورقيبة على الاستعمار الفرنسي، فطلب من بورقيبة الكف عن جولاته في أقاليم تونس، وعن عقد الاجتماعات السياسية. ولكن بورقيبة رفض ذلك رفضاً قاطعاً. فأمر المقيم العام بإلقاء القبض على الحبيب بورقيبة يوم الإثنين 3 سبتمبر 1934، وأبعد إلى قرية قبلي الصحراوية. وأتاح له ذلك الإبعاد أول اتصال بالجنوب التونسي، الذي يخضع مباشرة للحكم العسكري الفرنسي. فراح يتردد إلى أسواق المنطقة، يوقظ الناس من سباتهم، ويستنهض هممهـم. فعمدت السلطات الفرنسية إلى نقله إلـى أماكن متعددة، بين الحين والآخر، حتى لا يجد فرصة كافية للاتصال بالناس.

       وعقب إطلاق سراح الحبيب بورقيبة، عقد الحزب الحر الدستوري اجتماعاً استثنائياً برئاسته، طالب فيه سلطات  الاحتلال بمنح الشعب التونسي الضمانات الدستورية الكافية، وتَوْنَسَة الإدارة، وجعل التعليم إجبارياً، وانتشال الشعب من الفقر والبؤس، ومقاومة البطالة التي تفشت في البلاد. ولكن السلطات الفرنسية، لم تستجب لمطالب الحزب. فراح بورقيبة يدعو الشعب إلى الإضراب العام، احتجاجاً على تعسف سلطات الاحتلال. فخرجت التظاهرات الشعبية في كل أنحاء البلاد، وسقط عشرات القتلى، ومئات الجرحى، برصاص جنود الاحتلال الفرنسي. وخطب الحبيب في جماهير الشعب، قائلاً: "إن الشعب سيقابل رصاص الرشاش بقوة إيمانه، الذي لا يتزعزع، وصموده المستميت".

       وألقي القبض على الحبيب بورقيبة، للمرة الثانية. وكان، وقتذاك، مريضاً وطريح الفراش. واقتيد إلى السجن العسكري في العاصمة. ووجِّهت إليه تهم التآمر ضد أمن الدولة الداخلي، والتحريض على التباغض بين الأجناس، وحثّ الشعب على مخالفة قوانين البلاد، والتواطؤ مع إيطاليا الفاشية، وهي تُهم كفيلة بِلفّ حبل المشنقة حول رقبته. ولكن بورقيبة، صمد أمام القاضي العسكري، وأكد موقفه الرافض للحماية الفرنسية، وبطشها بالشعب، وطالب بمنح الشعب التونسي حريته واستقلاله.

       ونُقل الحبيب بورقيبة، في اليوم نفسه، إلى السجن المدني. وأحيل ملف القضية إلى محكمة التعقيب في باريس. وفي تلك الفترة، نشبت الحرب العالمية الثانية، ونُقل بورقيبة، مرة أخرى، إلى السجن المدني في العاصمة، ثم ما لبث أن نُقل إلى حصن "سان نيكولا" في مرسيليا Marseille. وعندما احتل الألمان المنطقة الحرة في فرنسا، نُقل الحبيب إلى حصن "مونليك" بمدينة ليون Lyon، ثم إلى قلعة "فانسيا"، ثم إلى روما، حيث حاولت الحكومة الإيطالية إغراءه بالتعاون معها. وفى 9 أبريل 1943، وصل الحبيب بورقية إلى العاصمة التونسية، وقابل "المقيم العام" الجديد، الجنرال "ماست"، وقدَّم بورقيبة إليه مشروع برنامج لتطوير نظام الحماية، والنهوض بتونس. ولكن المقابلة، لم تسفر عن أي نتيجة.

       غادر الحبيب بورقيبة تونس، سراً، إلى القاهرة، يوم 26مارس 1945، وبقى بها حوالي عشرين شهراً. وفي 2 ديسمبر 1946، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لاستقطاب تأييدها لكفاحه. ثم عاد إلى القاهرة، في مارس 1947، ليستأنف نشاطه السياسي، ثم شرع في جولة سياسية في العواصم العربية.

       ظلّ الحبيب بورقيبة، طوال هذه الغربة، على اتصال مستمر بجميع المناضلين في تونس. يحثهم، في كل حين، على القيام بعمل إيجابي، يحرك القضية الوطنية في الداخل، بالصورة التي تتيح له مجال العمل الإيجابي في الخارج. ثم أدرك، في نهاية الأمر، أنه ما لم يرجع إلى تونس، ليشرف بنفسه  على سير النضال، ويكون في قلب المعركة، فإن الحركة الوطنية، سوف تنتهي إلى الزوال. فسافر إلى العاصمة التونسية، يوم 8 سبتمبر 1949، واستأنف، على الفور، الاتصال المباشر بالشعب، بعد غياب عن تونس دام أربع سنوات ونصف السنة.

       وفى 12 أبريل 1950، سافر إلى باريس، للدعوة لقضية بلده. وأجرى مقابلات مع قادة الرأي العام الفرنسي، واستطاع أن يكسب تأييـد الفرنسيين الأحـرار. وعـاد إلى تونس، في 3 أغسطس من العام نفسه. ثم ما لبث أن قرر القيام بحملة سياسية حول العالم، فزار مصر، ثم "كراتشي" بباكستان، فالهند، فإندونيسيا، ثم قصد الدول الغربية، مبتدئاً بإيطاليا، فإنجلترا، فالدول الإسكندينافية، فالولايات المتحدة الأمريكية، فأسبانيا، ثم اختتم حملته بزيارة تركيا ولبنان.
الكفاح المسلح بقيادة بورقيبة

       بعد عودته إلى تونس، بدأ الحبيب بورقيبة حملة مكثفة لتهيئة الشعب للكفاح المسلح. وقرر إحالة القضية التونسية إلى منظمة الأمم المتحدة، من أجل تدويل القضية، والخروج بتونس من عزلتها، التي أبقتها وحدها، وجهاً لوجه، أمام فرنسا. وبدأت المظاهرات الدامية تجتاح أنحاء البلاد. وفي 18 يناير 1952، ألقت السلطات الفرنسية القبض على الحبيب بورقيبة، للمرة الثالثة. فاندلعت الثورة في مختلف أرجاء تونس، احتجاجاً على اعتقال المجاهد الأكبر. ففرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول في البلاد، وأنزلت الدبابات الفرنسية إلى الشوارع، لبث الرعب في القلوب. ولكن حماس الشعب، كان أقوى من نيران الاحتلال.

       ومن المعتقل، كان الحبيب بورقيبة يغذي جذوة الكفاح، ويبعث بصوت تونس المدوي إلى قلب فرنسا، وإلى عواصم العالم. وباء "الباي" بالفشل، عندما تنكر لشعبه، واستسلم لسلطات الاستعمار، ووقّع مشروع الإصلاحات، الذي فرضه المقيم العام، الطاغية " دي هوتكلوك"، في مايو 1953، على الرغم من الرسالة التي وجهها إليه الحبيب بورقيبة من منفاه، يحذره فيها من الموافقة على ذلك المشروع، الذي يضر بالقضية التونسية أبلغ الضرر.

       وتولت وزارة "بيير منديس فرانسPierre Mendes-France" الحكم في فرنسا، وكانت ذات أفكاراً تقدمية جديدة. وسافر "منديس" إلى تونس، وأعلن، في خطاب رسمي، استقلال تونس الداخلي. وتشكلت أول حكومة تفاوضية، شارك فيها الحزب الحر الدستوري بوزيرين. وانتصرت الخطة البورقيبية، التي عملت، طوال أربعة وعشرين عاماً، من أجل  تخليص السيادة التونسية من التبعية لفرنسا، وخلق مناخ من التفاهم بين البلدين، وإنهاء الحكم المباشر، على مراحل، تراعَى فيها مصالح الطرفين. وبدأت المفاوضات بين تونس وفرنسا، في 4 سبتمبر 1954، واتضح، منذ أول وهلة، الخلاف الشديد بين الطرفين، في تحديد مفهوم الحكم الذاتي، وطريقة تحقيقه. ولهذا، طالت المفاوضات، وتعثرت مراراً، قبل أن يوقع الاتفاق من الطرفين.

       بدأ الحبيب بورقيبة مرحلة ثانية من النضال، من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي، وتمثلت هذه المرحلة في حث الحكومة الفرنسية على إعادة النظر في اتفاقيات الحكم الذاتي، وتطويرها نحو المرحلة النهائية، وهي الاستقلال الكامل. وفي 20 مارس 1956، اعترفت فرنسا، باستقلال تونس، وتم توقيع معاهدة الاستقلال، التي نصّت على أن تونس دولة مستقلة، ذات سيادة، لها حقها في ممارسة مسؤولياتها، في ميادين: الشؤون الخارجية والأمن والدفاع وتشكيل جيش وطني تونسي. وعُهد إلى بورقيبة بتشكيل الحكومة، فشكّل في 14 أبريل 1956 أول حكومة مستقلة.

       ونادى الحبيب بورقيبة بجلاء الجيوش الفرنسية عن تونس، حتى تكتمل لها سيادتها على التراب التونسي. ولكن فرنسا أعلنت رفضها لسحب قواتها من تونس .

       وفي 12 نوفمبر 1956، صدقت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، على قبول تونس في عضويتها. فسافر الحبيب إلى نيويورك، حيث ألقى خطاباً من على منبر المنظمة الدولية، طالب فيه بحق الشعب الجزائري الشقيق في الحرية والكرامة، وناشد الدول الصناعية الغنية، أن تمد يد المساعدة إلى الدول النامية، لتطوير حياتها الاقتصادية والاجتماعية.

       وأعلن الحبيب بورقيبة بداية معركة الجلاء عن مدينة "بنزرت"، إن لم تستجب فرنسا لرغبة تونس، وتسحب قواتها المتبقية. وبدأت المدينة تستقبل الأفواج الأولى من المتطوعين، إلى جانب القوات المسلحة النظامية. وخطب الحبيب بورقيبة في الجماهير، قائلاً: "قررنا خوض معركة الجلاء، ولسنا مستعدين لإيقاف تيارها أو تأجيله، حتى يجلو آخر جندي أجنبي عن أرض الوطن".

       وبأمر من بورقيبة، شرعت دوريات المتطوعين تزحف على موقع العلامة 233، في جنوب الجمهورية، لترفع فوقها العلم التونسي، بينما أخذ الحرس الوطني والشرطة يسدون المنافذ على جيش الاحتلال ببنزرت، وإيقاف حركة البواخر. ولم تتردد القوات الفرنسية في إرسال طائراتها، لقذف المراكز التونسية. فتصدت لها قوات الجيش والحرس وجماهير المتطوعين، بما تمتلك من أسلحة متواضعة. وجرت اشتباكات دامية بين الطرفين. وواصل الطيران الفرنسي قصف المدينة، مما أدى إلى انقطاع إمدادات المياه والتيار الكهربائي عنها، فأعلن بورقيبة قطع العلاقات الدبلوماسية بفرنسا.

       وصرح بورقيبة أن تونس ستخوض حرب العصابات، وهدد بقبول مبدأ مشاركة المتطوعين من جميع شعوب العالم، في المعركة. وفى ذروة المعركة، أصدر مجلس الأمن قراراً عاجلاً، يقضي بوقف إطلاق النار فوراً، ورجوع قوات الطرفين إلى أماكنها الأولى. ولكن فرنسا رفضت الخضوع للأمر. وأعلن بورقيبة أن معركة الجلاء مستمرة، حتى خروج آخر جندي فرنسي من البلاد، مما اضطر الحكومة الفرنسية إلى التسليم بالجلاء، دون قيد أو شرط. وبدأت القوات الفرنسية، بالفعل، في الانسحاب التدريجي من القاعدة. وما أن جاء يوم 4 أكتوبر 1963، حتى بشّر بورقيبة الشعب، في افتتاح الدورة السنوية لمجلس الأمة، بالجلاء الكامل عن بنزرت.
تأسيس تونس

       وعقب الجلاء، بدأ الحبيب بورقيبة إرساء قواعد الدولة، بتطهير البلاد من عناصر الفوضى والاضطراب، وتوفير أسباب الأمن والاستقرار. فأنشأ، عام 1956، محكمة القضاء العليا وطوّر نظام الإدارة المحلية، وكوّن نواة الجيش الوطني والحرس الوطني، الذي أنشئ على أنقاض "الجندرمة الفرنسية"، وعهد  إليه بسلطة مراقبة الحدود، وأعاد الشرطة إلى السلطات الوطنية، وطهّر القضاء ممن اتخذوا من وظيفتهم وسيلة للرشوة، والإثراء على حساب العدل والإنصاف.

       وكان بورقيبة يرى أن قوة الدولة الحقيقية، تكمن في إصلاح ما فسد من أحوالها، وتغيير نظرة أفرادها إلى الحياة، وإرساء المعايير والقيم لدى أفرادها، وتجديد العلاقات بينهم على أساس، يضمن للمجتمع تماسكه، ويحقق للفرد نموه الكامل، حتى يضطلع بدوره في الحياة الاجتماعية على أحسن وجه. ومن ثمّ، فقد شن بورقيبة، في هذا المجال، حملات موفقة، جمع فيها بين أصالة الرأي، وجرأة التشريع، وبراعة التطبيق. فكان في كل ذلك نموذجاً باهراً للمصلح السياسي والاجتماعي، الذي عرف كيف ينفذ إلى المعتقدات المتحجرة، والتقاليد والعادات البالية، ويحرر منها العقول.

       أعلن بورقيبة، في 13 أغسطس 1956، ولمّا يمر سوى أربعة أشهر على توليه مقاليد السلطة، صدور قانون الأحوال الشخصية، الذي يمنع تعدد الزوجات، ويقيد حرية الطلاق، ويجعل المرأة شريكة في الحياة الزوجية، على قدم المساواة مع الرجل . كما أسّس الحزبُ الحر الدستوري الاتحادَ القومي النسائي، ليوقظ المرأة، ويدربها على ممارسة حقوقها، والقيام بواجباتها، ومعالجة مشاكلها . دعا بورقيبة إلى انتخابات للمجالس البلدية. ومارست المرأة حق الانتخاب للمرة الأولى .
إعلان النظام الجمهوري

       دعا بورقيبة إلى اجتماع مهم للحزب الحر الدستوري، لإعادة النظر في نظام الحكم. ونادى بإلغاء الحكم الملكي، وإحلال الجمهورية محله. فكان إجماع نواب الأمة على إلغاء النظام الملكي، وإعلان الجمهورية، وانتخاب الحبيب بورقيبة رئيساً لها .

       وفى 29 يوليه 1957، أعلن الرئيس الحبيب بورقيبة أول حكومة للعهد الجمهوري. وقد اختار المجلس القومي التأسيسي النظام الجمهوري الرئاسي، فاحتفظ رئيس الجمهورية برئاسة الحكومة، وعيّن كتّاباً للدولة، بدلاً من الوزراء. واكتملت مبادئ الدستور، الذي نص على أن تونس دولة حرة مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، وأن الشعب هو صاحب السيادة فيها، ونظامها الجمهوري نظام رئاسي.

       وقد عكف المجلس القومي التأسيسي على وضع دستور، كفيل بتحقيق تطلعات الأمة، وقّعه بورقيبة في أول يونيه 1959. ودعا الشعب لأول انتخابات رئاسية وتشريعية ، فمنحه من الأصوات نسبة 91.47%. وأدى بورقيبة اليمين الدستورية في موكب مهيب، بمجلس الأمة.

       وقد تركز الاهتمام الأكبر للرئيس بورقيبة على المحافظة على الوحدة القومية، التي بناها وركز عليها في بناء صرح الدولة الفتية. ودعا إلى نبذ فكرة الطبقية، وحث المواطنين، في كل مناسبة، على تنمية روح الإحساس بالمسؤولية فيهم، وركز على حرية الفكر، مؤكداً أن الفكر هو العنصر الدافع إلى التقدم والرقي، على أن تكون هذه الحرية خاضعة للقيم الأخلاقية.

       ي أكتوبر 1959، أعلن الرئيس التونسي بورقيبة دعمه لعرض الرئيس الفرنسي شارل ديجولCharles de Gaulle، الذي يمنح الجزائر حق تقرير المصير، وتولّى الوساطة بين الطرفين.

       وفي مطلع عام 1961، زار بورقيبة فرنسا، واجتمع بالرئيس ديجول. غير أن العلاقات الفرنسية - التونسية، تدهورت بسرعة، بسبب مطالبة بورقيبة باستعادة قاعدة بنزرت، وبقسم من الصحراء متاخم لجنوب غربي تونس.

       وبعد استقلال الجزائر، تدهورت علاقات تونس بها، بحكم خلاف الأيديولوجيات بين نظامَي البلدين. وفي يناير 1963، استدعت تونس سفيرها لدى الجزائر، بحجة تورط سلطات الجزائر في الاتصال بالمعارضة التونسية بقيادة صالح بن يوسف، في محاولات يوسفية[1]، والتي شارك فيها عناصر عسكرية، لاغتيال بورقيبة. وأدت وساطة المغرب، التي أسفرت عن عقد مؤتمر للبلدان الثلاثة في الرباط، والمحادثات الثنائية التي عقبته، إلى عقد اتفاقية حدود بين البلدين، وتحسين العلاقات بينهما.

       وتبنّى الرئيس الحبيب بورقيبة المطالب، التي كانت تنادي بضرورة مصادرة الأراضي الزراعية التي يملكها الأجانب. وبالفعل، أقرت الجمعية الوطنية التونسية تشريعاً، يقضي بمصادرة الأراضي الزراعية، التي يملكها الأجانب، على أساس اتفاقية 1963 مع فرنسا، التي وضعت عبئاً مالياً ثقيلاً على كاهل تونس. وردت فرنسا بإلغاء العون المالي، الذي نصت عليه اتفاقيات، كانت عقدت بين البلدين في مطلع السنة نفسها.

       وعُدَّ تأميم الأراضي الزراعية المملوكة من أجانب، خطوة نحو تطوير ما دُعي بالاشتراكية التونسية في القطاع الزراعي.

       وأثناء الانتخابات الرئاسية العامة، في نوفمبر 1964، التي فاز فيها الرئيس بورقيبة وحزبه من دون منافسة، تم تغيير اسم الحزب الحاكم، ليصبح الحزب الاشتراكي الدستوري.

       وفي هذه الفترة، أجرى الرئيس بورقيبة تغييرات وزارية، تضمنت تعيين الحبيب بورقيبة الابن وزيراً للخارجية . وفي عام 1966، أعلن تشكيل مجلس رئاسة، تكون من أعضاء الحكومة، ومن المكتب السياسي للحزب. من بين مهامه تأمين انتقال السلطة، في حال وفاة رئيس الجمهورية.

       ظلت السياسة العربية، في هذه الفترة، الشاغل الرئيسي للرئيس بورقيبة، في سياسته الخارجية. وفي أبريل 1965، انتقد الرئيس التونسي السياسات العربية إزاء قضية فلسطين، ودعا إلى التفاوض مع إسرائيل حول مشروع التقسيم، الذي أقرته الأمم المتحدة في قرارها رقم 181، عام 1948.

       وفي أكتوبر 1970، عين الرئيس بورقيبة الهادي نويرة رئيساً للحكومة، وأعلن أنه سيكون خليفته في الحكم.

       وفي عام 1973، شدد الرئيس بورقيبة، ورئيس حكومته، الهادي نويرة، قبضتهما على الحياة السياسية للبلاد. وفي سبتمبر 1974، انتخب المؤتمر التاسع للحزب الحاكم، الرئيس بورقيبة رئيساً للحزب مدى الحياة. وعين الرئيس بورقيبة مكتباً سياسياً من 20 عضواً، ضم 14 وزيراً، دلالة على الرغبة في تقوية العلاقة بين الحزب والحكومة. وفي نوفمبر 1974، جدد انتخاب بورقيبة رئيساً، من دون منافس، وفاز أعضاء الحزب الدستوري في انتخابات الجمعية الوطنية، التي لم يخضها أي مرشح منافس. وبعد الانتخابات، عدلت الجمعية الوطنية الدستور، كمقدمة لانتخاب بورقيبة رئيساً مدى الحياة، ولتسمية الهادي نويرة خلفاً له. وأقرت إصلاحات دستورية لاحقاً (عام 1975) عزّزت سلطات رئيس الجمهورية. وفي هذه السنة، تغير أحد شعارات الدولة، فحلّ شعار "النظام" محل شعار "الحرية".

       وفي 12 يناير 1974، وعقب اجتماع بين الحبيب بورقيبة والعقيد معمر القذافي، أعلن أن تونس وليبيا سوف تتحدان، وأن بورقيبة سيكون رئيس الدولة الجديدة، والقذافي نائب الرئيس. إلا أنه لم يقدّر لمشروع الوحدة النجاح.

       وقد تصدى بورقيبة لأكبر حدث داخلي، شهدته تونس منذ استقلالها. فقد انفجر الصراع السياسي، الذي شاركت فيه النقابات العمالية، حول قضايا سياسية واجتماعية متعددة. وبلغ هذا الانفجار ذروته يوم الخميس الأسود، في 26 يناير 1978، حينما تدخّل الجيش لكسر الإضراب العام، الذي دعت إليه الحركة النقابية. ومنذ ذلك الحين بدأ التفسخ في صفوف الطبقة الحاكمة.

       وانطلقت التعددية الحزبية في تونس، منذ سريان الانتخابات التشريعية عام 1981، من محاولة الرئيس بورقيبة تجاوز إخفاق نظام الحزب الواحد في تحقيق متطلبات التنمية، من جانب، وعجزه عن استيعاب أو الحدّ من فاعلية القوى المنافسة على الساحة السياسية، من جانب آخر.

       وقد لمس الرئيس بورقيبة هذا الواقع، في خطابه عند افتتاح المؤتمر الاستثنائي للحزب الدستوري الحاكم، في أبريل 1981 إذ أشار إلى أن "مشكلة الديموقراطية، لم تغب يوماً عن أذهاننا، وإن كنا أحياناً أَحْرَص على حماية المجتمع من الفوضى. فلم أمانع في وجود أحزاب مختلفة، تتبارى في خدمة المصلحة العامة، وذلك إذا ما توافرت الشروط اللازمة للتنافس النزيه، الذي لا يؤدي إلى تناحر، تذهب ضحيته المثُل العليا، ومصلحة المجتمع".

       والواضح أن قبول الرئيس بورقيبة بمبدأ التعددية، لم يكن كافياً لتجاوز أزمة النظام، التي أظهرها، بحدّة، رفض حركة النهضة توجهاته العلمانية، واجتذابها قطاعات مختلفة من الشعب التونسي، فضلاً عن الاضطرابات الشعبية، وما اقترن بها من دخول دائرة العنف الجماعي (1980، 1983، 1984). فقد سمح بورقيبة لثلاث قوى سياسية بممارسة نشاطها، كأحزاب سياسية، وهي: حركة الديموقراطيين الاشتراكيين، برئاسة أحمد المستيري، وحزب الوحدة الشعبية، برئاسة محمد بلحاج، والحزب الشيوعي، برئاسة محمد حرمل.

       ونُحِّي بورقيبة عن حكم تونس في 7 نوفمبر 1987، بعد الانقلاب السلمي، الذي قام به الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء.

وفاته

       وفي 6 أبريل 2000م، الموافق الأول من المحرم 1421هـ، توفي بورقيبة عن عمر يناهز 97 عاماً. ونُقل جثمانه من مدينة المنستير، مسقط رأسه، إلى تونس العاصمة، ليسجى في مقر حزب "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم؛ لإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وأعيد الجثمان إلى مسقط رأسه، السبت 8 أبريل، حيث شٌيع رسمياً، بمشاركة عدد كبير من الوفود العربية والأجنبية.

[1]  يُنسب تعبير الـ ``يوسفية`` إلى صالح بن يوسف، المعارض لحكم الرئيس بورقيبة. ويُطلق على أنصار صالح بن يوسف اسم ``اليوسفيون``. وقد حُكم عليه، في عهد بورقيبة، وعلى عدد من مؤيديه، غيابياً، بالإعدام بتهمة التآمر على اغتيال بورقيبة









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:00 am

القسم الثاني

قرار التقسيم


       في 26 فبراير 1947، وأمام فشل المحاولات البريطانية لإجهاض المقاومة الفلسطينية، وتزايد الإرهاب الصهيوني، والضغط الأمريكي، أعلنت بريطانيا أنها قررت نفض يديها من قضية فلسطين، ورفعها إلى الأمم المتحدة لبتّها.


       وعلى أثر تقديم بريطانيا قرارها إلى الأمم المتحدة، بإنهاء انتدابها على فلسطين، أوفدت هيئة الأمم "لجنة دولية" خاصة إلى فلسطين، بتاريخ 15مايو 1947، وكلفتها بإعداد تقرير في شأن مسألة فلسطين، للنظر فيه خلال دورة الجمعية العادية المقبلة، وقد قررت تلك اللجنة تقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية، والأخرى يهودية. كما أوصت أن توضع مدينة القدس تحت حكم دولي خاص، بعد جلاء القوات المسلحة، التابعة لسلطات الانتداب، عنها، في فترة لا تتجاوز الأول من أكتوبر  1948.


       وفى 29 نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثانية، القرار رقم "181"، الخاص بخطة تقسيم فلسطين (انظر ملحق نص قرار تقسيم فلسطين). وقد فاز القرار، بأغلبية "33" صوتاً ضد "13" صوتاً، نظراً إلى تدخل بعض الدول الكبرى لمصلحة اليهود. وجاء في خطة التقسيم، ما يلـي:


أولاً: يُنهى الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن، على ألا يتأخر، في أي حال، عن الأول من أغسطس 1948.


ثانياً: يجب أن تجلو القوات المسلحة، التابعة للسلطة المنتدبة، عن فلسطين بالتدريج. ويتم الانسحاب في أقرب وقت ممكن، على ألا يتأخر، في أي حال، عن أول أغسطس 1948. وعلى السلطة المنتدبة أن تخطر اللجنة، في أبكر وقت ممكن، بنيّتها إنهاء الانتداب والجلاء عن كل منطقة. وعلى السلطة المنتدبة أن تبذل أفضل مساعيها، لضمان الجلاء عن منطقة واقعة في أراضي الدولة اليهودية، تضم ميناء بحرياً وأرضاً خلفية، كافيين لتوفير تسهيلات لهجرة كبيرة، وذلك في أبكر موعد ممكن، على ألاّ يتأخر، في أي حال، عن الأول من فبراير1948.

ثالثاً: تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان، العربية واليهودية، والحكم الدولي الخاص بمدينة القدس. وذلك بعد شهرين من إتمام جلاء القوات المسلحة، التابعة للسلطة المنتدبة، على ألا يتأخر ذلك، في أي حال، عن أول أكتوبر 1948.

رابعاً: تعدّ الفترة ما بين تبنِّي الجمعية العامة توصيتها، في شأن مسألة فلسطين، وتوطيد استقلال الدولتين، العربية واليهودية، فترة انتقالية.

       وهكذا اقتطع قرار التقسيم جزءاً من أرض فلسطين العربية، بما نسبته (54%)، لإنشاء دولة إسرائيل، على الرغم من أن اليهود، في عام 1945، كانوا يملكون (1.491.699) دونماً من أرض فلسطين، التي تبلغ مساحتها (26.323.023) دونماً. أي أن مساحة ما كان يملكه اليهود من أرض فلسطين، هي 5.66% من مساحة فلسطين الكلية. كما أن عدد اليهود، عام 1947، كان أقل كثيراً من ثلث السكان، وكان 10% منهم فقط سكاناً أصليين من فلسطين.


       وفيما يلي مقارنة إحصائية للأرض، التي كان يملكها السكان، اليهود والعرب، في كل منطقة من فلسطين، وهي توضح ما كان الوضع عليه في أبريل 1945، إذ كانت فلسطين، آنذاك، مقسمة إلى ست مقاطعات:


[rtl]      [/rtl]





[rtl]المساحة [/rtl]



[rtl]عرب/يهود [/rtl]



[rtl]اسم المنطقة [/rtl]



[rtl]الرقم [/rtl]



[rtl]1815536  دونما 576028  دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة الجليل [/rtl]



[rtl]1 -[/rtl]



[rtl]434666    دونما 364276    دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة حيفا [/rtl]



[rtl]2 -[/rtl]



[rtl]2736077 دونما 145627 دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة نابلس [/rtl]



[rtl]3 -[/rtl]



[rtl]3993000  دونما 39678 دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة القدس [/rtl]



[rtl]4 -[/rtl]



[rtl]828805 دونما 251598 دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة اللد[/rtl]



[rtl]5 -[/rtl]



[rtl]830314   دونما 49260     دونما[/rtl]



[rtl]عرب يهود [/rtl]



[rtl]منطقة غزة [/rtl]



[rtl]6 -[/rtl]



[rtl]26323023  دونما[1][/rtl]



[rtl]مجموع مساحة فلسطين [/rtl]



 
[rtl]توزيع السكان، العرب واليهود، في مناطق فلسطين، كما كان عليه في عام 1946 [/rtl]



[rtl]اليهود [/rtl]



[rtl]العرب [/rtl]



[rtl]المنطقة [/rtl]



[rtl]الرقم [/rtl]



[rtl]4[/rtl]



[rtl]96[/rtl]



[rtl]عكا [/rtl]



[rtl]1 -[/rtl]



[rtl]13[/rtl]



[rtl]87[/rtl]



[rtl]صفد [/rtl]



[rtl]2 -[/rtl]



[rtl]16[/rtl]



[rtl]84[/rtl]



[rtl]الناصرة [/rtl]



[rtl]3 -[/rtl]



[rtl]33[/rtl]



[rtl]67[/rtl]



[rtl]طبرية [/rtl]



[rtl]4 -[/rtl]



[rtl]47[/rtl]



[rtl]53[/rtl]



[rtl]حيفا [/rtl]



[rtl]5 -[/rtl]



[rtl]30[/rtl]



[rtl]70[/rtl]



[rtl]بيسان [/rtl]



[rtl]6 -[/rtl]



[rtl]- [/rtl]



[rtl]100[/rtl]



[rtl]جنين [/rtl]



[rtl]7 -[/rtl]



[rtl]17[/rtl]



[rtl]83[/rtl]



[rtl]طولكرم [/rtl]



[rtl]8 -[/rtl]



[rtl]- [/rtl]



[rtl]100[/rtl]



[rtl]نابلس [/rtl]



[rtl]9 -[/rtl]



[rtl]71[/rtl]



[rtl]29[/rtl]



[rtl]يافا [/rtl]



[rtl]10 -[/rtl]



[rtl]22[/rtl]



[rtl]78[/rtl]



[rtl]الرملة [/rtl]



[rtl]11 -[/rtl]



[rtl]- [/rtl]



[rtl]100[/rtl]



[rtl]رام الله [/rtl]



[rtl]12 -[/rtl]



[rtl]38[/rtl]



[rtl]62[/rtl]



[rtl]القدس [/rtl]



[rtl]13 -[/rtl]



[rtl]أقل من 1% [/rtl]



[rtl]99[/rtl]



[rtl]الخليل [/rtl]



[rtl]14 -[/rtl]



[rtl]2[/rtl]



[rtl]98[/rtl]



[rtl]غزة [/rtl]



[rtl]15 -[/rtl]



[rtl]أقل من 1% [/rtl]



[rtl]99[/rtl]



[rtl]بئر سبع [/rtl]



[rtl]16 -[/rtl]






















































































 
































 




















































وهكذا يتضح من الجدوليْن والأرقام السابقة، أن قرار التقسيم، أعطى الدولة اليهودية ما مساحته 14.000 كيلو متر مربع. ثم احتلت إسرائيل، بعد حرب عام 1948، حوالي 6000 كيلو متر مربع أخرى، من أصل المساحة المخصصة للدولة العربية.
[rtl]

       وفي الوقت الذي بدأ فيه البريطانيون بالانسحاب من فلسطين، ونظراً إلى التناقض والتباين الجوهريين، بين الموقفين العربي واليهودي، إزاء قرار التقسيم، ازداد خطر الموقف، وتصاعدت حدّة الاشتباكات، وتجدد القتال، وعمّ أجزاء فلسطين كلها، وأخذت المقاومة الفلسطينية تستعد لجولة حاسمة، وباشرت اللجان القومية الفلسطينية، في جمع الأموال، وشراء السلاح، وبدأت عمليات التعبئة والتدريب، وأُنشئت قيادة الجهاد المقدس.

        وفى الأول من يناير 1948، تكوّن جيش الإنقاذ، وخاض معارك ضارية ضد العصابات الصهيونية، في مناطق مختلفة من فلسطين. لكن الحركة الصهيونية، وبمساندة قوات الانتداب البريطانية وتأييدها، تمكنت من الاستيلاء على المراكز والمواقع الحساسة عسكرياً في فلسطين. وفى الساعة الرابعة من بعد ظهر 14 مايو 1948، كان بن جوريون يقف أمام أعضاء المجلس القومي اليهودي، في تل أبيب، ليعلن قيام الدولة اليهودية في فلسطين، دون أن يحدد حدود تلك الدولة.


[1]  كما ورد في المرجع السابق، علماً أن الرقم لا يساوي مجموع مساحات المناطق.
      [/rtl]






القسم الثالث
مشروعات التسوية المقدمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي
منذ عام 1948 وحتى المشروع التونسي

       عندما تدخلت الحكومات العربية عسكرياً، لإنقاذ فلسطين من السيطرة الصهيونية، عقب قرار أتُخذ في اجتماع دمشق، يوم 12 أبريل 1948، تعرضت، فور دخولها إلى فلسطين، للضغوط الدولية، لحمْلها على قبول الهدنة[1]. وبينما كان العرب يخوضون المعارك ضد اليهود، فُرضت الهدنتان، الأولى والثانية من قبل مجلس الأمن، وكانتا تمثلان نقطة تحول في معركة فلسطين، إذ استغلهما اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

       وهكذا، قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية، قبول طلب مجلس الأمن، في يونيه 1948، على أساس أن وقف القتال وسيلة لإيجاد حل عادل للقضية. وبدأ الوسيط الدولي، الكونت فولك برنادوت Folke Bernadotte (Count) ، اتصالاته بالفريقين، بحثاً عن تسوية للنزاع، فقدَّم، في 27 يونيه 1948، أول مشروع سلام.
مشروع الكونت فولك برنادوت

تضمن مشروع وسيط الأمم المتحدة، في فلسطين، النقاط التالية:

أولاً: الانتقال من مرحلة وقف القتال، إلى تحقيق هدنة دائمة، أو سلام، بين العرب واليهود.

ثانياً : توضع القدس تحت رقابة الأمم المتحدة.

ثالثاً : تتولى لجنة منبثقة من الأمم المتحدة، ترسيم الحدود بين العرب واليهود.

رابعاً: تشرف لجنة دولية على حل مشكلة اللاجئين حلاً، يختار اللاجئون بموجبه بين العودة إلى منازلهم، أو تعويضهم عما فقدوه وفي هذا الصدد، قال الكونت برنادوت: "إن حرمان اللاجئين من العودة إلى ديارهم، سيُعدّ خرقاً لأبسط مبادئ العدالة، خصوصاً في الوقت الذي يتدفق فيه اليهود إلى فلسطين".

خامساً: دعوة الأمم المتحدة إلى تأليف لجنة متابعة ومصالحة دولية، للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع في فلسطين.

       لكن الصهاينة، اغتالوا الكونت برنادوت، على يد عصابة "شتيرن" الصهيونية، في القدس، يوم 17 سبتمبر 1948. وخرقوا اتفاقية الهدنة، واجتاحوا النقب، واستولوا على معظم القرى العربية في الجليل. فعيّنت الأمم المتحدة، يوم 4 نوفمبر 1948، رالف بانشRalph Bunche ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وسيطاً دولياً، خلفاً لبرنادوت، ليشرف على تنفيذ قرار مجلس الأمن، القاضي بانسحاب الطرفين إلى المراكز، التي كان كل طرف يحتلها، قبل 14 أكتوبر.
لجنة التوفيق والمصالحة[2]

       شُكلت هذه اللجنة بقرار الأمم المتحدة الرقم 194، بتاريخ 11 ديسمبر 1948، من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة، وهم فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، على أن تكون مهمة اللجنة، ما يلي:

أولاً: تنفيذ بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة السابق، الكونت برنادوت، بموجب قرار الجمعية العامة الرقم 186، الصادر بتاريخ 14مايو 1948. وكانت مهام الوسيط الدولي، التي وردت في هذا القرار، تنحصر في الآتي:

أ.  بذل مساعيه الحميدة، لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، من أجل تأمين الخدمات العامة، الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم.

ب. تأمين حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية.

ج. التعاون مع لجنة الهدنة في فلسطين.

د. التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، لضمان رفاهية سكان المنطقة.

ثانياً: تنفيذ المهام والتوجيهات المحددة، الصادرة إليها بموجب القرار الحالي، وكذلك المهام والتوجيهات الإضافية، التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة ومجلس الأمن.

ثالثاً: تنفذ اللجنة، بناء على طلب مجلس الأمن، أي مهمة، تَكِلها، حالياً، قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة.

        وتطلب الأمم المتحدة من اللجنة، أن تبدأ عملها فوراً، حتى تقيم، في أقرب وقت، علاقات بين الأطراف نفسها، وبين هذه الأطراف واللجنة. كما تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات، وإلى البحث عن اتفاق بطريق المفاوضات، التي تجري إمّا مباشرة، أو مع لجنة التوفيق، بغية إجراء تسوية لجميع المسائل المعلقة.

        وتقرر الجمعية العامة أيضاً وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين، الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم. وأصدرت الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات.
المشروع النرويجي

        بعد فشل مهمة لجنة التوفيق، التابعة للأمم المتحدة، تقدَّم مندوب النرويج بمشروع قرار إلى هيئة الأمم المتحدة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، من أجل تسوية الخلافات العربية - الإسرائيلية. وقد شارك بعض الدول في تقديم هذا المشروع. وهو ينص على ما يلي:

أولاً: مناشدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، الامتناع عن أي أعمال عدوانية ضد بعضهما.

ثانياً: التأكيد من جديد للمبدأ القائل "إن المسؤولية الرئيسية في الوصول إلى تسوية الخلافات، تقع على عاتق الحكومات المعنية".

ثالثاً: حث تلك الحكومات على الدخول في مفاوضات مباشرة، وفي أقرب فرصة ممكنة.

رابعاً: دعوة لجنة التوفيق لتقديم خدماتها من أجل تحقيق التسوية.
مشروع "جاما" الأمريكي

        بعد نجاح ثورة يوليه 1952، في مصر، وبعد أن تركزت جهود النظام الجديد في مصر على التخلص من بقايا الاستعمار الإنجليزي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك فرصة لعرض وساطتها السرية، لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. وعلى الرغم من أن الاتصالات المصرية ـ الإسرائيلية، كانت قد انقطعت، في أوائل عام 1955، إثر عودة ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion إلى السلطة، وهجوم إسرائيل على غزة، وتوجه مصر للحصول على السلاح من مصادر غير المصادر الغربية التقليدية، والذي تُوِّج بصفقة السلاح المعروفة مع تشيكوسلوفاكيا، عادت الدبلوماسية الأمريكية إلى محاولاتها، لإحياء الاتصالات المصرية -  الإسرائيلية، على أعلى المستويات. ففي سبتمبر 1955، أجرى كيرميت روزفلت[3] (Kermet Roosevelt) اتصالات سرية مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها إقناعه باتخاذ إجراءات معينة، بهدف موازنة صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، وذلك خدمة للسلام في المنطقة وكان من رأي روزفلت أن يعلن الرئيس عبدالناصر، أن صفقة السلاح التشيكية تمثل أسلحة دفاعية محضة، وأن مصر مستعدة لاتخاذ خطوات إيجابية نحو السلام، إذا رأت أن الطرف الإسرائيلي سيستجيب بخطوات مماثلة. ومع أن وزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاسJohn Foster Dulles ، كان قد ندد بصفقة الأسلحة التشيكية، وتأثيرها السلبي، على حد زعمه، إلاّ أن الدبلوماسية الأمريكية، حرصت على استمرار الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل. ولقد أطلق اسم "جاما" على المشروع، وتكفل روزفلت مع مايلز كوبلاند، بالجانب السري، وتكفل روبرت أندرسون بالجانب العلني. أمّا تفاصيل مشروع "جاما"، وفقاً لرواية كوبلاند ومذكرات بن جوريون، فهي كما يلي:

        يجري كل من روزفلت ومايلز كوبلاند سلسلة من المحادثات مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها الوصول إلى تحديد موقف أساسي، تنطلق منه المفاوضات. كما يجري أمريكيان آخران محادثات مماثلة مع بن جوريون، من أجل الوصول إلى تحديد موقف إسرائيلي مشابه. بعد ذلك، ينتقل أندرسون بين القاهرة وتل أبيب، من أجل تضييق شقة الخلاف بين الموقفين، إلى أدنى حدٍّ ممكن. عندئذ، يتمّ ترتيب اجتماع سري بين عبدالناصر وبن جوريون، على متن يخت خاص في البحر الأبيض المتوسط، لسد الفجوة نهائياً بين الطرفين. ويؤكد كوبلاند، أن روزفلت حصل على موافقة كل من الرئيس جمال عبدالناصر وبن جوريون على هذه الترتيبات، مع إصرار الرئيس عبدالناصر على نقطتين:

الأولى: يجب أن تحصل مصر على أكثر من مجرد ممر (وسيتم تحديد عرض هذا الممر في المفاوضات مع إسرائيل) لربطها بالأردن.

الثانية: على الإسرائيليين أن يوافقوا، من حيث المبدأ، على قبول الفلسطينيين، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

        على هذا الأساس، سافر روبرت أندرسون[4] من القاهرة إلى تل أبيب، يوم 3 يناير 1956، حيث عقدت اجتماعات مطولة مع المسؤولين هناك، بمن فيهم بن جوريون في حضور ممثل عن وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية)CIA. ويستفاد من مذكرات بن جوريون، أن المحادثات كانت تدور حول قضيتين:

أولاً: السلام بين مصر وإسرائيل، وتخفيف حدة التوتر والاشتباكات على الحدود. ويؤكد بن جوريون ما قاله كوبلاند حول اشتراط عبدالناصر لتحقيق السلام، أن تقبل إسرائيل حل مشكلة اللاجئين، وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة.

ثانياً: تأمين اتصال إقليمي بين أفريقيا وآسيا العربيتين.

        وخلاصة القول، إن مشروع جاما قد مات ودفن، نتيجة لرفض بن جوريون مناقشة التفاصيل المتعلقة بالتنازلات الإسرائيلية. وقد برر يعقوب هيرتزوج[5]، الذي حضر الاجتماعات الإسرائيلية مع أندرسون، موقف إسرائيل، بقوله، في صحيفة "معاريف"، يوم 6 أغسطس 1971: "لم تكن إسرائيل تعتقد أن في استطاعة عبدالناصر عقد صلح معها، حتى لو أراد ذلك، بسبب المعارضة، الداخلية والعربية، لمثل هذه الاتصالات". كما يقول بن جوريون في مذكراته، إنه كان يعتقد أن عبدالناصر، كان يجري هذه الاتصالات على سبيل المناورة، ومن أجل كسب الوقت، كي يتيح الفرصة أمام جيشه لاستيعـاب السلاح السوفيتي الجديد.
بيان دالاس في التمهيد لمشروع جونستون

        في ربيع عام 1953، قام جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، بجولة في دول الشرق الأوسط. وقدَّم دالاس، في أول يونيه 1953، تقريراً عن جولته، تطرق فيه إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومما جاء في التقرير: "وعلى مقربة من إسرائيل، يتجمع العدد الأكبر من اللاجئين العرب. وعددهم يزيد على 800 ألف لاجئ، وهم الذين هربوا من فلسطين، عندما استولى عليها الإسرائيليون. إن بعض هؤلاء اللاجئين، يمكن إسكانهم في المنطقة التي تحتلها إسرائيل حالياً، لكن معظمهم يستطيع، بصورة أجدى، أن يندمج في حياة البلدان العربية المجاورة. بيد أن هذا يعتمد على مشاريع الري، التي يمكن بواسطتها استثمار أراضٍ جديدة. ففي طول المنطقة، نجد أن الحاجة الكبرى هي إلى الماء. وتتوافر أموال الأمم المتحدة، وأموال أخرى أيضاً لمساعدة اللاجئين. هذه الأموال، يمكن إنفاق القسم الأكبر منها في سبيل استثمار الأنهار، التي تمر في البلدان العربية وإسرائيل، استثماراً منسقاً".

        ويلاحظ الدكتور فايز صايغ، مدير، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، أن السياسة الأمريكية هذه، ترتكز على القواعد التالية:

    التخلي عن فكرة العودة، إلاّ للعدد القليل من اللاجئين الفلسطينيين.
    إدماج السواد الأعظم من الفلسطينيين في البلاد العربية المجاورة، وحصر قضيتهم في النطاق الاقتصادي، وربطها بالتنمية الاقتصادية الزراعية في المنطقة العربية.
    اقتراح مشاريع ري مشتركة، تقوم بها البلدان العربية وإسرائيل معاً، بواسطة معونات مالية من الخارج.

وقد مهّد وزير الخارجية الأمريكي، دالاس، بهذا البيان، لمشروع جونستون، الذي أُعلن في العام نفسه.
مشروع جونستون 1953 - 1955

        يستهدف هذا المشروع معالجة، قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية فلسطين برمّتها، أو بمعنى أدق تصفيتهما، من طريق تعاون الدول العربية وإسرائيل على استثمار مياه نهر الأردن استثماراً مشتركاً.

        وقد بدأ أريك جونستون، مبعوث الرئيس أيزنهاورDwight David Eisenhower، زياراته إلى المنطقة، في أكتوبر 1953. ثم عاود زيارتها ثلاث مرات، كان آخرها في خريف 1955. ويتضح الاستمرار في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، في أن قواعد مشروع جونستون، كانت قد أرسيت في عهد الرئيس هاري ترومانHarry Truman. ويتلخص مشروع جونستون في النقاط التالية:

أولاً: ينفذ المشروع على خمس مراحل. تستغرق كل مرحلة منها سنتين أو ثلاثاً. وتقدر نفقات المشروع بنحو مائة وثلاثين مليون دولار. ينفق منها نحو ثلاثين في المائة على توليد الطاقة الكهربائية، وبناء محطاتها.

ثانياً: إنشاء خزان، على بعد نحو عشرين كم من ملتقى نهر الحاصباني بنهر الأردن، في منطقة واقعة شرق قرية "إبل السقي" اللبنانية. وفي هذا الخزان، تجمع مياه النهر في فصل الشتاء، وتقدر بنحو مائة وثلاثين مليون متر مكعب في العام، وتوزع في الأشهر التي تمس الحاجة فيها إلى الري. وبواسطة هذا الخزان، يصبح في الاستطاعة التحكم، نسبيا،ً في مياه القسم العلوي من نهر الأردن، التي تصب في بحيرة طبرية. وتُشق قناة، تتفرع من هذا الخزان إلى قرب مستعمرة "تل حي" (في فلسطين المحتلة)، تُشيد عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية، ثم تجري منها المياه إلى القناة الأساسية، التي ستزود منطقة جبال الجليل بالمياه.

ثالثاً: إنشاء سد على ملتقى مياه نهر "دان" بالقناة الأساسية في الجليل، لتحويل مياه نهر دان وتل قاضي إلى تلك القناة.

رابعاً: إنشاء سد آخر بالقرب من قرية عين الحمراء (في فلسطين المحتلة)، لتحويل مياه نهر بانياس إلى القناة الأساسية، لري منطقة جبال الجليل.

خامساً: إنشاء قناة أساسية، طولها مائة وعشرون كيلومتراً، تتحول إليها مياه نهر بانياس ونهر دان ومنابع تل القاضي ومياه القسم، الذي يقع تحت السد في نهر الحاصباني. وتجري المياه في هذه القناة جنوباً، حتى تصل إلى غرب مدينة طبرية. وتتفرع عن هذه القناة الأساسية أقنية فرعية، طولها نحو مائة وعشرة كيلومترات، لري جبال الجليل ومرج ابن عامر.

سادساً: تجفيف المستنقعات الواقعة شمالي بحيرة الحولة، واستغلالها، بعد ذلك، في زراعة الحبوب. وإنشاء قنوات محلية في تلك المنطقة، وتوسيع مخرج المياه من بحيرة طبرية.

سابعاً: زيادة مترين في ارتفاع السد القائم على نهر الأردن، عند خروجه من بحيرة طبرية، لزيادة تخزين المياه.

ثامناً: إنشاء قناتين من سد بحيرة طبرية، الأولى لري جميع أراضي الغور الغربي من بحيرة طبرية إلى البحر الميت، ويبلغ طولها نحو مائة كيلومتر (عدا الأقنية التي تتفرع عنها). أمّا القناة الأخرى، فالغرض منها ضخ المياه من بحيرة طبرية إلى الغور الشرقي، في أوقات الجفاف.

تاسعاً: إنشاء قناة تبدأ من سد نهر اليرموك، قرب العدسية (في الأردن)، تستخدم مياهها في توليد الكهرباء، بواسطة محطة تُنشأ قرب العدسية، وتحول منها مياه النهر إلى بحيرة طبرية.

عاشراً: إنشاء سد ومحطة كهرباء لمياه اليرموك، قرب محطة (المقارن) في الأردن، لزيادة مخزون المياه في خزان بحيرة طبرية.

        وقد شكّلت الحكومات العربية، المصرية والسورية واللبنانية والأردنية، لجنة فنية من الخبراء العرب، لدراسة هذا المشروع، وإبداء رأيهم فيه. وفيما يلي اعتراض لجنة الخبراء العرب على المشروع:

أولاً: رفضت لجنة الخبراء العرب مبدأ تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبرية، لأن معظم هذه البحيرة، يقع تحت إشراف السلطة اليهودية، بينما تنبع هذه المياه من أراضٍ عربية.

ثانياً: في ما يتعلق بإنشاء سد المقارن على نهر اليرموك، يقترح مشروع جونستون جعل هذا السد بارتفاع 58 متراً، بطاقة تخزينية 73 مليون متر مكعب من الماء، وتصريف بقية المياه إلى بحيرة طبرية. على أن يكون في الإمكان تعلية السد إلى ارتفاع 95 متراً، في المستقبل، لحجز 195مليون متر مكعب، إذا دعت الحاجة إلى تخزين كمية أكبر من المياه، لري الأراضي. ويبدو أن الغاية من ذلك أن يتكلف مشروع جونستون الإنفاق على تعلية السد وزيادة التخزين. وأن تمول المشروع الحكومتان السورية والأردنية، كل منهما من ميزانيتها الخاصة. ولذلك، اعترضت لجنة الخبراء العرب على هذا الاقتراح، وطالبت بإنشاء السد على نهر اليرموك، بارتفاع 150 متراً، من البداية، لحجز 400 مليون متر مكعب من الماء، للاستفادة منها في ري الأراضي وتوليد الكهرباء.

ثالثاً: يقترح مشروع جونستون، أن تكون محطة توليد القوة الكهربائية في العدسية (الأردن)، بقوة 23 ألف كيلو وات، على أن تزداد قوتها إلى 28 ألف كيلو وات، إذا زاد ارتفاع السد. لكنه يرجئ أمر إنشاء هذه المحطة، بحجة أن الأردن في غير حاجة إليها الآن. ويبدو أن سبب الإرجاء هو توفير نفقات إنشائها، وإلقاء هذه النفقات على عاتق الحكومة الأردنية، إذا ما رغبت في إنشائها، في المستقبل.

رابعاً: اعترضت لجنة الخبراء العرب على اقتراح مشروع جونستون، إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية من مياه الحاصباني، في مستعمرة "تل حي" اليهودية، وحرمان لبنان من الاستفادة منها. وطالبت بإنشاء هذه المحطة في الأراضي اللبنانية، وإمداد اليهود بما يزيد على حاجة لبنان من الكهرباء.

خامساً: بموجب مشروع جونستون، لا تستطيع سورية أن تروي أكثر من ثلاثين ألف دونم من الأراضي الزراعية، من مياه نهر اليرموك. كما أن المشروع يحرمها من الاستفادة من مياه نهرَي بانياس ودان وتل القاضي، في ري أي مساحة من الأرض. على حين قررت لجنة الخبراء العرب، أن سورية تستطيع أن تروي ما مساحته 68 ألف دونم من مياه نهر اليرموك، و20 ألف دونم من مياه نهر بانياس، و22 ألف دونم من مياه نهر الأردن.

سادساً: بينما يحرم مشروع جونستون الأراضي اللبنانية من أي ري من مياه نهر الحاصباني، بعد إنشاء سدّ عليه، وتحويل مياهه إلى المنطقة اليهودية، تقرر لجنة الخبراء العرب، أن في الاستطاعة ري ثلاثين ألف دونم من الأراضي اللبنانية، من مياه النهر.

        وقد ارتفعت أصوات الاحتجاج العربية، الشعبية والرسمية، تطالب برفض مشروع جونستون. وكان الفلسطينيون أول من رفع صوته باستنكارها، وآخر قرار لهم برفض مشروعات جونستون، هو القرار الذي اتخذه مؤتمر اللاجئين، المنعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955.
الموقف الفلسطيني من مشروع جونستون

        اتخذ مؤتمر اللاجئين الفلسطينيين، الذي انعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955، قراراً بالإجماع برفض المشروع، جاء فيه: يرفض اللاجئون الفلسطينيون كل مشروع، أو تفكير يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين، وحل قضية فلسطين حلاٍّ، لا يحقق المطالب الوطنية. كما يرفضون مشاريع الإسكان، ومشروع جونستون، الذي يؤدي، في النهاية، إلى عقد صلح مع إسرائيل أو التعاون معها".

        كما أصدرت اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين، في قطاع غزة، مذكرة، أرسلتها إلى رؤساء الحكومات العربية. ومما جاء في هذه المذكرة: "إن دولة إسرائيل، ما هي إلا بذرة الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي في البلاد العربية. ولن يكون نضال العرب نضالاً صحيحاً، منبعثاً من الأماني القومية للأمة العربية، إلاّ إذا حاربنا الأصل والفرع، والذين أمدّوا إسرائيل بالحياة، ولا يزالون يمدّونها. وإن في معاونة الاستعمار أو مهادنته تدعيماً لإسرائيل، وتثبيتاً لأركانها، وتقوية لبنائها. وهاهو الاستعمار يأتي بمشروع جونستون، الذي أُعد لتوطين عرب فلسطين في البلاد العربية، وإعطاء إسرائيل كميات كبيرة من المياه العربية، لاستصلاح الأرض المغتصبة، حتى تتسع ليهود آخرين، يجلبون إليها من مختلف بقاع العالم. فإذا ما وافقت الدول العربية على مشروع جونستون وأمثاله، الذي يرفضه عرب فلسطين، إنما تكون:

    قد باعدت بين عرب فلسطين وعودتهم إلى بلادهم، بتوطينهم في البلاد العربية.
    قد قضت على قرارات الأمم المتحدة، في خصوص فلسطين.
    قد قوَّت إسرائيل، بجلب إمدادات جديدة من الرجال، تكون مادة هذه الدولة، لتلتهم بلداً بعد آخر من البلاد العربية، حتى يتحقق الحلم، وتصبح إسرائيل من الفرات إلى النيل".

        فالموافقة على مشروع جونستون، وأشباهه من مشاريع الاستعمار، لا تقضي به الدول العربية على فلسطين بالاندثار من الوجود فحسب بل تقضي به كل دولة من هذه الدول بالإعدام على شعبها نفسه".


   

[1]  في 14 أبريل 1948، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 46، يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين.

[2]  تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة، مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية  والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث، التي ستتكون منها ``لجنة التوفيق``، على الجمعية العامة، لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية. واقترحت اللجنة، فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين ``لجنة التوفيق والمصالحة``. وقد أقرت الجمعية الاقتراح.

[3]  كان من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، قبل قيام ثورة 23 يوليه 1952. ثم أصبح، خلال فترة إدارة الرئيس أيزنهاور، عام 1953، المستشار الشخصي لوزير الخارجية، جون فوستر دالاس.

[4]  عمل وزيراً للبحرية، عامَي 1953، 1954، ثم نائباً لوزير الدفاع، حتى يوليه 1955، ثم خلف جورج همفري، كوزير للخزانة، عام 1957.

[5]  ممثل الحكومة الإسرائيلية، في المباحثات، التي أجراها أندرسون.

[6]  وُلد في روسيا، 15 أكتوبر 1894، وتوفـي عام 1965. هاجر إلى فلسطين عام 1906، وأصبح، في عام 1933، عضواً بارزاً في الوكالة اليهودية، وأحد المساعدين المقربين إلى ديفيد بن جوريون. من حزب الماباي. تولى وزارة الخارجية، من  مايو 1948 إلى يناير 1954. وتولى رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية، من يناير 1954 إلى نوفمبر 1955. ثم عيِّن وزيراً للخارجية من نوفمبر 1955 إلى يونيه 1956. راجع: مايكل بريشر، ``نظام السياسة الخارجية لإسرائيل``، إعداد مركز البحوث والمعلومات، لندن، جامعة أكسفورد، 1972، ص 892.

[7]  رجل سياسي لبناني، درس الحقوق، وشغل منصب رئيس الوزراء، في لبنان، عدة مرات.





عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 25 مارس 2016, 8:45 am عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:16 am

ملحق

نص قرار تقسيم فلسطين

القرار رقم 181 (الدورة 2) بتاريخ 29 نوفمبر 1947

التوصية بخطة لتقسيم فلسطين ( أ )

إن الجمعية العامة، وقد عقدت دورة استثنائية، بناء على طلب السلطة المنتدبة، لتأليف لجنة، وتكليفها الإعداد للنظر في مسألة حكومة فلسطين المستقبلة، في الدورة العادية الثانية،

وقد ألفت لجنة خاصة، وكلفتها التحقيق في جميع المسائل والقضايا، المتعلقة بقضية فلسطين، وإعداد اقتراحات لحل المشكلة،

وقد تلقت وبحثت تقرير اللجنة الخاصة (الوثيقة أ / ج ع / 364)، بما في ذلك عدد من التوصيات الإجماعية، ومشروع تقسيم مع اتحاد اقتصادي أقرته أكثرية اللجنة الخاصة، تعتبر أن من شأن الوضع الحالي في فلسطين إيقاع الضرر بالمصلحة العامة والعلاقات الودية بين الأمم،

تحيط علماً بتصريح سلطة الانتداب، بأنها تسعى إلى إتمام جلائها عن فلسطين في 1 أغسطس 1948،

توصي المملكة المتحدة، بصفتها السلطة المنتدبة على فلسطين، وجميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، في ما يتعلق بحكومة فلسطين في المستقبل، بتبنّي مشروع التقسيم والاتحاد الاقتصادي، المرسوم أدناه، وتنفيذه.

وتطلب:

أ. أن يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية، كما هي مبينة في الخطة، من أجل تنفيذها.

ب. أن ينظر مجلس الأمن، إذا كانت الظروف، خلال الفترة الانتقالية، تقتضي مثل ذلك النظر، في ما إذا كان الوضع في فلسطين، يشكل تهديداً للسلم. فإذا قرر مجلس الأمن وجود مثل هذا التهديد، وجب عليه، في سبيل المحافظة على السلم والأمن الدوليين، أن يضيف إلى تفويض الجمعية العامة، اتخاذ إجراءات، تمنح لجنة الأمم المتحدة، تماشياً مع المادتين 39 و41 من الميثاق، وكما هو مبين في هذا القرار، سلطة الاضطلاع، في فلسطين، بالمهمات المنوطة بها في هذا القرار.

ج. أن يعتبر مجلس الأمن كل محاولة لتغيير التسوية، التي ينطوي عليها هذا القرار، بالقوة، تهديداً للسلام، أو خرقاً له، أو عملا عدوانياً، وذلك بحسب المادة 39 من الميثاق.

د. أن يبلغ مجلس الوصاية بمسؤولياته، التي تنطوي عليها هذه الخطة.

وتدعو سكان فلسطين إلى القيام، من جانبهم، بالخطوات اللازمة لتحقيق هذه الخطة.

وتناشد جميع الحكومات والشعوب، أن تحجم عن القيام بأي عمل، يحتمل أن يعيق أو يؤخر تنفيذ هذه التوصيات.

وتفوض الأمين العام تغطية نفقات السفر والمعيشة لأعضاء اللجنة، المشار إليها في الجزء الأول، القسم ب، الفقرة 1، أدناه. وذلك بناء على الأساس والصورة، اللذين يراهما ملائمين في هذه الظروف، وتزويد اللجنة بالموظفين، اللازمين للمساعدة على الاضطلاع بالمهمات، التي عينتها الجمعية العامة لها[1].

(ب) ('تم تبنّي هذا القرار دون الرجوع إلى اللجنة.')

إن الجمعية العامة

تفوض الأمين العام سحب مبلغ من صندوق رأس المال العامل، لا يتجاوز   2.000.000 دولار، للأغراض المبيّنة في الفقرة الأخيرة، من القرار المتعلق بحكومة فلسطين في المستقبل.

خطة التقسيم مع الاتحاد الاقتصادي الجزء الأول - دستور فلسطين وحكومتها في المستقبل

أ - إنهاء الانتداب: التقسيم والاستقلال

1. ينتهي الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن، على ألاّ يتأخر، في أي حال، عن 1 أغسطس 1948.

2. يجب أن تجلو القوات المسلحة، التابعة للسلطة المنتدبة، عن فلسطين، تدريجياً. ويتم الانسحاب في أقرب وقت ممكن، على ألاّ يتأخر، في أي حال، عن 1 أغسطس 1948.

يجب أن تعلم السلطة المنتدبة اللجنة، في أبكر وقت ممكن، بنيّتها إنهاء الانتداب والجلاء عن كل منطقة.

تبذل السلطة المنتدبة أفضل مساعيها، لضمان الجلاء عن منطقة واقعة في أراضي الدولة اليهودية، تضم ميناءً بحرياً وأرضاً خلفية، كافيين لتوفير تسهيلات لهجرة كبيرة، وذلك في أبكر موعد ممكن، على ألاّ يتأخر، في أي حال، عن 1 فبراير 1948.

3. تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان، العربية واليهودية، والحكم الدولي الخاص بمدينة القدس، المبيَّن في الجزء الثالث من هذه الخطة، وذلك بعد شهرين من إتمام جلاء القوات المسلحة، التابعة للسلطة المنتدبة، على ألاّ يتأخر، ذلك، في أي حال، عن 1 أكتوبر 1948. أمّا حدود الدولة العربية، والدولة اليهودية ومدينة القدس، فتكون كما وضعت في الجزءين، الثاني والثالث، أدناه.

4. تكون الفترة ما بين تبنّي الجمعية العامة توصيتها، في شأن مسألة فلسطين، وتوطيد استقلال الدولتين، العربية واليهودية، فترة انتقالية.

ب- خطوات تمهيدية للاستقلال

1. تؤلف لجنة مكونة من ممثل واحد لكل دولة، من خمس دول أعضاء. وتنتخب الجمعية العامة الأعضاء الممثلين في اللجنة، على أوسع أساس ممكن، جغرافياً وغير جغرافي.

2. في الوقت الذي تسحب فيه السلطة المنتدبة قواتها المسلحة، تسلم إدارة فلسطين، بصورة تدريجية، إلى اللجنة، التي ستعمل وفق توصيات الجمعية العامة، بتوجيه مجلس الأمن. وعلى السلطة المنتدبة أن تنسق، إلى أبعد حد ممكن، خططها للانسحاب مع خطط اللجنة لتسلّم المناطق، التي يتم الجلاء عنها، وإدارتها.

وفي سبيل تنفيذ هذه المسؤولية الإدارية، تخوَّل اللجنة سلطة إصدار الأنظمة الضرورية، واتخاذ الإجراءات الأخرى، كما يقتضي الحال. على السلطة المنتدبة، ألاّ تقوم بأي عمل، يحُول دون تنفيذ اللجنة للإجراءات، التي أوصت بها الجمعية العامة، أو يعرقله، أو يؤخره.

3. تمضي اللجنة، لدى وصولها إلى فلسطين، في تنفيذ الإجراءات لإقامة حدود الدولتين، العربية واليهودية، ومدينة القدس، بحسب الخطوط العامة لتوصيات الجمعية العامة في شأن تقسيم فلسطين. على أن الحدود، الموصوفة في الجزء الثاني من هذه الخطة، يجب تعديلها، كقاعدة، بحيث لا تقسم حدود الدولة مناطق القرى، ما لم تقتض ذلك أسباب ملحّة.

4. تختار اللجنة، وتنشئ في كل دولة، بأسرع ما يمكن، بعد التشاور مع الأحزاب الديموقراطية والمنظمات العامة الأخرى، في الدولتين، العربية واليهودية، مجلس حكومة مؤقتاً، وتسير أعمال مجلسَي الحكومة المؤقتين، العربي واليهودي، بتوجيه اللجنة العام. إذا لم يكن في الإمكان اختيار مجلس حكومة مؤقت لأي من الدولتين، في 1 أبريل 1948، أو إذا انتخب (المجلس)، ولم يستطع الاضطّلاع بمهماته، فعلى اللجنة أن تبلغ مجلس الأمن ليتخذ إزاء هذه الدولة التدابير التي يراها ملائمة، كما تبلغ الأمين العام به، كي يحيط أعضاء الأمم المتحدة علماً بذلك.

5. مع مراعاة نصوص هذه التوصيات، يكون لكل من المجلسين، في أثناء فترة الانتقال، تحت إشراف اللجنة، سلطة تامة على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، على الأخص السلطة على المسائل المتعلقة بالهجرة وتنظيم الأراضي.

6. يتسلم، بصورة تدريجية، كل من المجلسين المؤقتين، في كل دولة، من اللجنة التي يعملان تحت إشرافها، كامل التبعات الإدارية لكل منهما (المسؤولية التامة لإدارة تلك الدولة)، خلال الفترة التي تنقضي بين إنهاء الانتداب وتثبيت استقلال الدولة.

7. توعز اللجنة إلى مجلسَي الحكومة المؤقتين لكل من الدولتين، العربية واليهودية، بعد تكوينهما، المضي في إنشاء أجهزة الحكومة الإدارية، المركزية منها والمحلية.

8. يجند مجلس الحكومة المؤقت لكل دولة، في أقصر وقت ممكن، ميليشيا مسلحة، من سكان تلك الدولة، تكون كافية، في عددها، للمحافظة على النظام الداخلي، وللحيلولة دون اشتباكات على الحدود. يجب أن تكون هذه الميليشيا المسلحة في كل دولة، من أجل أغراض العمليات، تحت إمرة ضباط، يهود أو عرب، مقيمين في تلك الدولة. بيد أن السيطرة، السياسية والعسكرية، العامة على الميليشيا، بما فيها اختيار قيادتها العليا، يجب أن تمارسها اللجنة.

9. يجري مجلس الحكومة المؤقت لكل دولة، انتخابات "الجمعية التأسيسية"، على أسُس ديموقراطية، بحيث لا يتأخر ذلك عن شهرين اثنين من انسحاب القوات المسلحة، التابعة للسلطة المنتدبة. يضع مجلس الحكومة المؤقت أنظمة الانتخاب في كل دولة، وتوافق عليها اللجنة. ويكون مؤهلاً لهذا الانتخاب، في كل دولة، مَن تجاوزت سنهم ثمانية عشر عاماً، على أن يكونوا (أ) مواطنين فلسطينيين، مقيمين في تلك الدولة. و(ب) عرباً ويهوداً، مقيمين في الدولة، وإن لم يكونوا مواطنين فلسطينيين، ولكنهم وقّعوا، قبل الاقتراع، بياناً، أعربوا فيه عن نيتهم في أن يصبحوا مواطنين في تلك الدولة. يحق للعرب واليهود، المقيمين في مدينة القدس، ممَّن وقعوا بياناً، أعربوا فيه عن نيتهم في أن يصبحوا مواطنين، والعرب في الدولة العربية، واليهود في الدولة اليهودية، أن يقترعوا في الدولتين، العربية واليهودية، بالترتيب المذكور. يمكن للنساء أن يقترعن، وأن ينتخَبن للجمعية التأسيسية. في أثناء الفترة الانتقالية، لا يسمح ليهودي، أن يجعل إقامته في منطقة الدولة العربية المقترحة، ولا لعربي، أن يجعل إقامته في منطقة الدولة اليهودية المقترحة، إلاّ بإذن خاص من اللجنة.

10. تضع الجمعية التأسيسية لكل دولة مسوّدة دستور ديمقراطي، وتختار حكومة مؤقتة، لتخلف مجلس الحكومة المؤقت، الذي عينته اللجنة. ويضم دستورا الدولتين الفصلين، الأول والثاني، من التصريح المذكور في القسم (ج)، أدناه. ويحويان، في جملة ما يحويان، أحكاماً لما يلي:

أ. تأسيس هيئة تشريعية في كل دولة، تنتخب بالتصويت العام، وبالاقتراع السري، على أساس التمثيل النسبي، وهيئة تنفيذية مسؤولة أمام الهيئة التشريعية.

ب. تسوية جميع الخلافات الدولية، التي قد تصبح الدولة طرفاً فيها، بالوسائل السلمية، وبطريقة لا تعرض السلام والأمن والعدل الدولي للخطر.

ج. قبول التزام الدولة بالامتناع، في علاقاتها الدولية، عن التهديد بالقوة، أو استعمالها ضد الوحدة  الإقليمية، والاستقلال السياسي لأية دولة، أو بأية وسيلة أخرى، تناقض هدف الأمم  المتحدة.

د. أن تكفل الدولة لكل شخص، وبغير تمييز، حقوقاً متساوية في الشؤون الدينية والسياسية والمدنية والاقتصادية، والتمتع بحقوق الإنسان، وبالحريات الأساسية، بما في ذلك حرية العبادة، وحرية استعمال اللغة التي يريدها، وحرية الخطابة والنشر والتعليم، وعقد الاجتماعات، وإنشاء الجمعيات.

هـ. المحافظة على حرية المرور والزيارة، لجميع سكان ومواطني الدولة الأخرى في فلسطين، ومدنية القدس. ويخضع ذلك لاعتبارات الأمن القومي، على أن تضبط كل دولة الإقامة ضمن حدودها.

11. تعيّن اللجنة لجنة اقتصادية تحضيرية، من ثلاثة أعضاء، لوضع ما يمكن من ترتيبات للتعاون الاقتصادي، بغية إنشاء الاتحاد الاقتصادي والمجلس الاقتصادي المشترك، كما هو مبيّن في القسم ( د )، أدناه، وذلك في أسرع وقت ممكن.

12. في أثناء الفترة ما بين تبنّي الجمعية العامة التوصيات المتعلقة بمسألة فلسطين، وبين إنهاء الانتداب، تحتفظ السلطة المنتدبة في فلسطين بالمسؤولية التامة عن إدارة المناطق، التي لم تسحب منها قواتها المسلحة، وتساعد اللجنة السلطة المنتدبة على الاضطّلاع بهذه المهمات. كذلك، تتعاون السلطة المنتدبة مع اللجنة على تنفيذ مهماتها.

13. ولضمان استمرار الخدمات الإدارية، ولضمان انتقال الإدارة برمّتها، لدى انسحاب القوات المسلحة للسلطة المنتدبة، إلى المجلسين المؤقتين والمجلس الاقتصادي المشترك، بالترتيب، العاملة تحت إشراف اللجنة، يجب أن تنتقل، بصورة تدريجية، من السلطة المنتدبة إلى اللجنة، مسؤولية جميع مهمات الحكومة، بما فيها المحافظة على القانون والنظام في المناطق، التي انسحبت منها قوات الدولة المنتدبة.

14. تسترشد اللجنة، في أعمالها، بتوصيات الجمعية العامة، وبالتعليمات التي قد يرى مجلس الأمن ضرورة إصدارها. تصبح الإجراءات، التي تتخذها اللجنة، ضمن توصيات الجمعية العامة، نافذة فوراً، ما لم تكن اللجنة، قد تسلمت، قبل ذلك، تعليمات مضادة من مجلس الأمن. وعلى اللجنة أن ترفع إلى مجلس الأمن، تقريراً، شهرياً، عن حالة البلاد، أو أكثر من تقرير، إذا رغبت في ذلك.

15. ترفع اللجنة تقريرها النهائي إلى الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة، وإلى مجلس الأمن، في الوقت نفسه.

ج - تصريح

         ترفع الحكومة المؤقتة، في كل دولة مقترحة، قبل الاستقلال، تصريحاً إلى الأمم المتحدة، يتضمن، في جملة ما يتضمنه، النصوص التالية:

حكم عام

تعتبر الشروط، التي يتضمنها التصريح، قوانين أساسية للدولة. فلا يتعارض قانون أو نظام أو أجراء رسمي مع هذه الشروط، أو يتدخل فيها، ولا يُقدّم عليها أي قانون أو نظام أو إجراء رسمي.

الفصل الأول: الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية

    لا تنكر أو تمس الحقوق القائمة، المتعلقة بالأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية.
    في ما يخص الأماكن المقدسة، تضمن حرية الوصول والزيارة والمرور، بما ينسجم مع الحقوق القائمة، لجميع المقيمين والمواطنين في الدولة الأخرى، وفي مدينة القدس. وكذلك للأجانب، دون تمييز في الجنسية، على أن، يخضع ذلك لمتطلبات الأمن القومي، والنظام العام، واللياقة. ذلك، تضمن حرية العبادة، بما ينسجم مع الحقوق القائمة، على أن يخضع ذلـك لصيانة  النظام العام، واللياقة.
    تصان الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية، ولا يسمح بأي عمل، يمكن أن يمس، بطريقة من الطرق، صفتها المقدسة. فإذا بدا للحكومة أن أي مكان مقدس أو مبنى أو موقع ديني معين، بحاجة إلى ترميم عاجل، جاز للحكومة أن تدعو الطائفة، أو الطوائف المعنية، لإجراء الترميم. وإذا لم يعمل شيء، في وقت معقول، أمكن للحكومة أن تجريه بنفسها، على نفقة الطائفة أو الطوائف المعنية.
    لا تفرض ضريبة على أي مكان مقدس أو مبنى أو موقع ديني، كان معفى منها في تاريخ إنشاء الدولة. يجب ألاّ يحدث أي تغيير في مواقع هذه الضريبة، يكون من شأنه التمييز بين مالكي أو قاطني الأماكن المقدسة أو الأبنية، أو المواقع الدينية، أو يكون من شأنه وضع هؤلاء المالكين أو القاطنين في موضع أقل شأناً، بالنسبة للوقع العام للضريبة، مما كان عليه حالهم وقت تبنّي توصيات الجمعية.
    يكون لحاكم مدينة القدس الحق في تقرير ما إذا كانت أحكام دستور الدولة، المتعلقة بالأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية، ضمن حدود الدولة والحقوق الدينية المختصة بها، تطبق وتحترم بصورة صحيحة. وله أن يبت، على أساس الحقوق القائمة، الخلافات، التي قد تنشب بين الطوائف الدينية المختلفة، أو من طقوس طائفة دينية واحدة، بالنسبة إلى هذه الأماكن والأبنية والمواقع. ويتلقى الحاكم تعاوناً تاماً، ويتمتع بالامتيازات والحصانات الضرورية للاضطّلاع بمهماته في الدولة.

الفصل الثاني: الحقوق الدينية، وحقوق الأقليات

    تكفل للجميع حرية العبادة، والممارسة الحرة لجميع طقوس العبادة، المتفقة مع النظام العام والآداب الحسنة.
    لا يجوز التمييز بين السكان، بأي شكل من الأشكال، بسبب العِرق، أو الدين، أو اللغة، أو الجنس.
    يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة، حق التساوي، في حماية القانون.
    يجب احترام قانون الأسرة والأحوال الشخصية، لمختلف الأقليات، وكذلك مصالحها الدينية، بما في ذلك الأوقاف.
    باستثناء ما يتطلبه حفظ النظام وحسن الإدارة، لا يُتخذ أي إجراء، من شأنه أن يعيق أو يتدخل في نشاط المؤسسات الدينية أو الخيرية لجميع الأديان، أو يجحف بحقوق أي ممثل لهذه المؤسسات أو عضو فيها، بسبب الدين أو القومية.
    تؤمن الدولة للأقلية، العربية أو اليهودية، القدر الكافي من التعليم الابتدائي والثانوي، بلغتها الخاصة (أي لغة الأقلية)، ووفق تقاليدها الثقافية. لا ينكر أو يمس حق كل طائفة في إقامة مدارسها الخاصة والاحتفاظ بها، لتعليم أبنائها بلغتها الخاصة، ما دامت تلتزم بمقتضيات التعليم العامة، التي قد تفرضها الدولة. وتستمر المؤسسات التعليمية الأجنبية في مزاولة نشاطها، على أساس حقوقها القائمة.
    لا تفرض قيود على حرية استعمال أي مواطن في الدولة لأية لغة، في العلاقات الخاصة، أو التجارة، أو الدين، أو الصحافة، أو المنشورات، من أي نوع، أو في الاجتماعات العامة[2].
    لا يسمح بمصادرة أرض يملكها عربي في الدولة اليهودية (يملكها يهودي في الدولة العربية)[3]، للأغراض العامة. وفي جميع حالات المصادرة، يدفع تعويض كامل، قبل نزع الملكية، كما تحدد ذلك المحكمة العلياً.

الفصل الثالث: المواطنة، والمواثيق الدولية، والالتزامات المالية

1. المواطنة Citizenship

يصبح المواطنون الفلسطينيون، المقيمون في فلسطين خارج مدينة القدس، وكذلك العرب واليهود، الذين لا يتمتعون بالمواطنة الفلسطينية، ويقطنون في فلسطين خارج مدينة القدس، عند الاعتراف بالاستقلال، مواطنين في الدولة، التي يقطنون فيها، ويتمتعون بالحقوق، المدنية والسياسية، كاملة. ويمكن للأشخاص، الذين تجاوزوا سن الثمانية عشر عاماً، أن يختاروا المواطنة في الدولة الأخرى، وذلك خلال عام واحد من تاريخ الاعتراف باستقلال الدولة، التي يقطنون فيها، على ألاّ يحق لعربي مقيم في منطقة الدولة العربية المقترحة، أن يختار المواطنة في الدولة اليهودية المقترحة، ولا ليهودي مقيم في الدولة اليهودية المقترحة، أن يختار المواطنة في الدولة العربية المقترحة.

ويفهم من حق الخيار هذا، أنه يتضمن زوجات الأشخاص الراغبين في ممارسة هذا الحق، وأطفالهم، الذين لم يبلغوا سن الثمانية عشر عاماً.

يحق للعرب، المقيمين في منطقة الدولة اليهودية المقترحة، ولليهود، المقيمين في منطقة الدولة العربية المقترحة، الذين وقعوا بياناً، يعربون فيه عن نيتهم في اختيار مواطنة الدولة الأخرى، أن يقترعوا في انتخابات الجمعية التأسيسية لتلك الدولة، لا في انتخابات الجمعية التأسيسية للدولة، التي يقيمون فيها.

2. الاتفاقيات الدولية

أ. تلتزم الدولة بجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، العامة منها والخاصة، التي أصبحت فلسطين طرفاً فيها. وتحترم الدولة مثل هذه الاتفاقيات والمواثيق، طوال المدة التي أبرمت لها، على أن يخضع ذلك لحق إنهائها، المنصوص عليه فيها.

ب. يحال كل خلاف في تطبيق واستمرار صحة المواثيق أو المعاهدات الدولية، التي وقعتها أو وافقت عليها السلطة المنتدبة، بالنيابة عن فلسطين، على محكمة العدل الدولية، وفقاً لأحكام نظام المحكمة.

3. الالتزامات المالية

أ.  تحترم الدولة الالتزامات، التي ارتبطت بها السلطة المنتدبة، بالنيابة عن فلسطين، في أثناء قيامها بالانتداب، والتي اعترفت بها الدولة، وتفي بها، مهْما كانت طبيعتها. ويتضمن هذا الحكم حق الموظفين المدنيين في التقاعد، أو التعويض، أو المكافآت.

ب. يتم الوفاء بهذه الالتزامات، بالمساهمة في مجلس الاقتصاد المشترك، بالنسبة إلى تلك الالتزامات، المتعلقة بفلسطين ككل، وفردياً، بالنسبة إلى تلك المتعلقة بالدولتين، والموزعة بينهما بالتساوي.

ج. يجب إنشاء "محكمة ادعاءات Court of Claims"، ترتبط بالمجلس الاقتصادي المشترك، وتتألف من عضو، تعيّنه الأمم المتحدة، وآخر، يمثل المملكة المتحدة والدولة المعنية. ويجب أن يحال كل خلاف بين المملكة المتحدة والدولة، متعلق بمطالب، لا تعترف بها الأخيرة، على تلك المحكمة.

د. تبقى الامتيازات التجارية الممنوحة، بالنسبة إلى أي جزء من فلسطين، قبل تبنّي قرار الجمعية العامة، شرعية بحسب شروطها، ما لم تعدل باتفاق بين صاحب الامتياز والدولة.

الفصل الرابع: أحكام متنوعـــة

1.  تضمن الأمم المتحدة أحكام الفصلين، الأول والثاني، من التصريح، ولا يجري عليها أي تعديل، دون موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويحق لأي عضو في الأمم المتحدة، أن ينبه الجمعية العامة إلى أي خرق لهذه البنود، أو إلى خطر خرقها. ويجوز للجمعية العامة، بناء على ذلك، أن توصي بما تراه ملائماً للظروف.

2.  يحال كل خلاف، متعلق بتطبيق هذا التصريح، أو تفسيره، على محكمة العدل الدولية، بناء على طلب أحد الطرفين، ما لم يتفق الطرفان على أسلوب تسوية آخر.

د- الاتحاد الاقتصادي والمرور

1.  يأخذ مجلس الحكومة المؤقت لكل دولة على عاتقه تعهداً، في ما يتعلق بالاتحاد الاقتصادي والمرور. وتضع اللجنة، المنصوص عليها في القسم ب، الفقرة 1، مسوّدة هذا التعهد، مستفيدة، إلى أقصى حد ممكن، من مشورة المنظمات والهيئات، الممثلة لكل من الدولتين المقترحتين، وتعاونها. ويتضمن (هذا التعهد) أحكاماً لإنشاء اتحاد فلسطين الاقتصادي، وينص على مسائل أخرى، ذات مصلحة مشتركة. فإن لم يتفق مجلسا الحكومة المؤقتان، في مدة أقصاها 1 أبريل 1948، على هذا التعهد، تقوم اللجنة بتنفيذه.

اتحاد فلسطين الاقتصادي

2.  ستكون أغراض اتحاد فلسطين الاقتصادي كما يلي:

أ. اتحاد جمركي.

ب. إقامة نظام نقدي مشترك، يتضمن سعر صرف واحد.

ج. العمل في السكك الحديدية، ضمن المصلحة المشتركة، وعلى أسُس غير متحيزة. وكذلك في الطرق، التي تصل ما بين الدولتين، وفي الخدمات، البريدية والتليفونية والبرقية، وفي الموانئ والمطارات، المستعملة في التجارة الدولية.

د. تنمية اقتصادية مشتركة، وخصوصاً بالنسبة إلى الري واستصلاح الأراضي، وصيانة التربة.

هـ. توصيل تسهيلات الماء والكهرباء إلى كلتا الدولتين، وإلى مدينة القدس، على أساس غير متحيز.

    يجب إنشاء المجلس، الاقتصادي والاجتماعي، التابع للأمم المتحدة. ويعين هؤلاء الأعضاء الأجانب، في بادئ الأمر، لمدة ثلاثة أعوام، ويعملون كأفراد، لا كممثلين لدول.
    تكون مهمات المجلس الاقتصادي المشترك، تطبيق الإجراءات، اللازمة لتحقيق أغراض الاتحاد الاقتصادي، إما مباشرة، أو بالتفويض. وتكون له جميع سلطات التنظيم والإدارة، اللازمة لإتمام مهماته.
    تلزم الدولتان نفسيهما بتنفيذ قرارات المجلس الاقتصادي المشترك. وتتخذ قرارات المجلس بأغلبية الأصوات.
    في حالة تخلّف إحدى الدولتين عن القيام بالعمل اللازم، يمكن للمجلس، بتصويت ستة أعضاء، أن يقرر الامتناع من دفع قسم ملائم من مخصصات العائدات الجمركية للدولة المعنية، المقررة بموجب الاتحاد الاقتصادي. فإذا أصرت الدولة على رفضها التعاون، جاز للمجلس، أن يقرر، بتصويت الأغلبية البسيطة، أن يوقِع بها ما يراه ملائماً من عقوبات أخرى، بما فيها التصرف في الأمور، التي تحتفظ بها.

7.   في ما يتعلق بالتنمية المشتركة الاقتصادية، تكون مهمات المجلس تخطيط مشاريع التنمية المشتركة، واستقصائها، وتشجيعها. ولكنه، لا يضطّلع بمثل هذه المشاريع، إلاّ بعد موافقة كلتا الدولتين، ومدينة القدس، في حالة ما إذا كانت القدس داخلة مباشرة في مشروع التنمية.

8.   في ما يختص بنظام العملة المشتركة، تصك العملة، المتداولة في الدولتين، وفي مدينة القدس، تحت سلطة المجلس الاقتصادي المشترك، الذي يعتبر السلطة الوحيدة لإصدار النقد، والذي يقرر ما يغطي العملة من احتياطي.

9.   تستطيع كل دولة، أن تدير مصرفها المركزي الخاص، وتشرف على سياستها، المالية والتسليفية، ومقبوضاتها ومصروفاتها في التبادل الخارجي، ومنح رخص الاستيراد، ويجوز لها أن تسير أعمالها، المالية الدولية، على عاتقها وذمتها، على ألاّ يتعارض ذلك مع الفقرة (ب). وفي أثناء العامين الأولين، بعد إنهاء الانتداب، تصبح للمجلس الاقتصادي المشترك سلطة اتخاذ الإجراءات اللازمة، لتضمن أن يكون لكل دولة ما يكفي من النقد الأجنبي، لضمان التزود بكميات من البضائع المستوردة والخدمات للاستهلاك، داخل منطقتها، بحيث يعادل كميات البضائع والخدمات المثيلة، المستهلكة في تلك المنطقة، في فترة اثني عشر شهراً تنتهي في 31 ديسمبر 1947، وذلك إلى الحد، الذي يجيزه مجموع عائدات التبادل الأجنبي لدى الدولتين، من تصدير البضائع والخدمات، على أن تتخذ كل دولة الإجراءات الملائمة، للمحافظة على مصادر تبادلها الأجنبي.

    كل سلطة اقتصادية، غير منوطة بالمجلس الاقتصادي المشترك، بصورة محدودة، تـترك لكل دولة.
    تكون هنالك تعريفة جمركية مشتركة، وحرية تجارية تامة، بين الدولتين، وبينهما وبيـن مدينة القدس.
    تضع جداول التعريفة الجمركية لجنةُ تعريفة جمركية، مكونة من ممثلين لكل من الدولتين متساوين في العدد. وترفع الجداول إلى المجلس الاقتصادي المشترك، للموافقة عليها بأغلبية الأصوات. وفي حالة الاختلاف داخل لجنة التعريفة الجمركية، يحكم المجلس الاقتصادي المشترك في نقاط الاختلاف. فإذا فشلت لجنة التعريفة  في وضع أي جدول، في موعد، يحدد تاريخه، يقوم المجلس الاقتصادي المشترك بوضع ذلك الجدول.
    تكون المواد التالية، أول ما يحسم من الجمارك والعائدات المشتركة الأخرى، للمجلس الاقتصادي المشترك.

أ.  مصروفات الخدمة الجمركية، وعمل الخدمات المشتركة.

ب. المصروفات الإدارية للمجلس الاقتصادي المشترك.

ج. الالتزامات المالية لإدارة فلسطين، المكونة من:

(1) خدمات الدَّين العام، غير المدفوع.

(2) مصروفات رواتب التقاعد، التي تدفع الآن، أو التي يستحق دفعها في المستقبل، بحسب القواعد، وضمن الحدود المنصوص عليها في الفقرة 3 من الفصل الثالث، أعلاه.

    بعد الوفاء التام بهذه الالتزامات، يقسم فائض عائدات الجمارك والخدمات العامة الأخرى، بالطريقة التالية: يخصص لمدينة القدس ما لا يقلّ عن 5 في المائة، وما لا يزيد على 10 في المائة. ويقوم المجلس الاقتصادي المشترك بتوزيع ما يتبقى بين الدولتين، بالتساوي. وذلك للمحافظة على مستوى من الحكم والخدمات الاجتماعية كافٍ وملائم في كل دولة، على ألاّ تتجاوز حصة أية دولة مقدار مساهمة تلك الدولة في واردات الاتحاد الاقتصادي، بمبلغ يربو على أربعة ملايين جنيه تقريباً، في أية سنة. وللمجلس أن يعدل المقدار الممنوح، بحسب مستوى السعر، بالنسبة إلى الأسعار السائدة وقت إنشاء الاتحاد. وبعد خمس سنوات، يجوز للمجلس الاقتصادي المشترك، أن يعيد النظر في قواعد توزيع العائدات المشتركة، على أساس المساواة.
    تلتزم كلتا الدولتين بجميع المواثيق والمعاهدات الدولية، المتعلقة بنسب التعريفة الجمركية، وكذلك بخدمات المواصلات، في ظل قانون المجلس الاقتصادي المشترك. وعلى هاتين الدولتين، أن تعملا، في مثل هذه المسائل، بحسب أغلبية أصوات المجلس الاقتصادي المشترك.
    على المجلس الاقتصادي المشترك، أن يبذل جهده لتأمين وصول صادرات فلسطين إلى أسواق العالم، بصورة مرْضية، وعلى أساس التساوي.
    تدفع جميع المشاريع، التي يديرها المجلس الاقتصادي المشترك، أجوراً مرْضية، علـى أساس موحد.

حرية المرور والزيارة

    يتضمن التعهد أحكاماً، تحفظ حرية المرور والزيارة لجميع سكان أو مواطني كلتا الدولتين ومدينة القدس، ضمن اعتبارات الأمن، على أن تضبط كل دولة ومدينة القدس الإقامة داخل حدودها.

إنهاء التعهد، وتعديله، وتغييره

    يبقى التعهد، وأية اتفاقية صادرة عنه، نافذين مدة عشر سنين. ويستمر كذلك حتى يطلب أي من الطرفين إنهاءه، فينهى بعد بعامين.
    لا يجوز، خلال فترة السنوات العشر الأولى، تعديل هذا التعهد، أو أية اتفاقية صادرة عنه، إلاّ بقبول كلا الطرفين، وموافقة الجمعية العامة.
    كل نزاع متعلق بتطبيق، أو تفسير التعهد، وأية اتفاقية صادرة عنه، يرجع فيه، بناء على طلب أي من الفريقين، إلى محكمة العدل الدولية، ما لم يتفق الطرفان على وسيلة أخرى للتسوية.

هـ. الموجودات

    توزيع موجودات حكومة فلسطين المنقولة بين الدولتين، العربية واليهودية، ومدينة القدس، على أساس متسـاوٍ. وتقـوم بهذا التوزيع لجنة الأمم المتحدة، المشار إليها في القسم ب، الفقرة 1، أعلاه. وتصبح الموجودات غير المنقولة ملكاً لحكومة الإقليم، الذي تقع فيه.
    في أثناء الفترة ما بين تعيين لجنة الأمم المتحدة وإنهاء الانتداب، تتشاور السلطة المنتدبة، في ما خلا الأعمال العادية، مع اللجنة، حول أي إجراء، قد تفكر به، يتضمن تصفية موجودات حكومة فلسطين، أو التصرف فيها، أو تقليصها. مثل فائض الخزينة المتراكم، وحصيلة السندات الحكومية وأراضي الدولة، وأية أموال أخرى.

و - القبول في عضوية الأمم المتحدة

عندما يتحقق استقلال أي من الدولتين، العربية أو اليهودية، كما هو مبيّن في هذا المشروع، وعندما توقع أي منهما التصريح والتعهد، كما هما مبيّنان في هذا المشروع، يجب أن ينظر بعين العطف إلى طلبها عضوية الأمم المتحدة، بحسب المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:18 am

ص قرار تقسيم فلسطين

القرار رقم 181 (الدورة 2) بتاريخ 29 نوفمبر 1947



الجزء الثاني - الحدود[4]

أ.  الدولة العربية

يحد منطقة الدولة العربية في الجليل الغربي، من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال حدود لبنان، من رأس الناقورة إلى نقطة شمالي الصالحة. ومن هناك يسير خط الحدود في اتجاه الجنوب، تاركاً منطقة الصالحية المبنية في الدولة العربية، فيلاقي النقطة الواقعة في أقصى جنوبي هذه القرية. ومن ثم، يتبع خط الحدود الغربية لقرى علما والريحانية وطيطبة، ومنها يتبع خط الحد الشمالي لقرية ميرون، فيلتقي بخط حدود قضاء عكا - صفد. ويتبع هذا الخط إلى نقطة غربي السموعي، ويلاقيه، مرة أخرى، في نقطة في أقصى شمالي قرية الفراضية. ومن هناك، يتبع خط حدود القضاء إلى طريق عكا - صفد العام، ومن هنا، يتبع الحدود الغربية لقرية كفر عنان، حتى يصل خط حدود قضاء طبريا - عكا، ماراً بغربي تقاطع طريقَي عكا - صفد ولوبية - كفر عنان. ومن الزاوية الجنوبية الغربية لقرية كفر عنان، يتبع خط الحدود، الحدود الغربية لقضاء طبريا، إلى نقطة قريبة من خط الحدود بين قريتَي المغار وعيلبون، ومن ثم، يبرز إلى الغرب، ليضم أكبر مساحة من الجزء الشرقي من سهل البطوف، لازمة للخزان، الذي اقترحته الوكالة اليهودية لري الأراضي، إلى الجنوب والشرق.

تعود الحدود فتلتقي بحدود قضاء طبريا، على طريق الناصرة - طبريا إلى الجنوب الشرقي من منطقة طرعان المبنية، ومن هناك، تسير في اتجاه الجنوب، تابعة، بادئ الأمر، حدود القضاء، ثم مارة بين مدرسة خضوري الزراعية وجبل تابور، إلى نقطة في الجنوب، عند قاعدة جبل تابور. ومن هنا، تسير إلى الغرب، موازية لخط التقاطع العرضي 230، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من أراضي قرية تل عداشيم[5]. ثم تسير إلى الزاوية الشمالية الغربية من هذه الأراضي، ومنها تنعطف إلى الجنوب والغرب، حتى تضم إلى الدولة العربية مصادر مياه الناصرة، في قرية يافا. وحين تصل جنجار، تتبع حدود أراضي هذه القرية، الشرقية والشمالية والغربية، إلى زاويتها الجنوبية الغربية، ومن هناك، تسير في خط مستقيم، إلى نقطة على سكة حديد حيفا - العفولة، على الحدود ما بين قريتَي ساريد والمجيدل. وهذه هي نقطة التقاطع.

تتخذ الحدود الجنوبية الغربية من منطقة الدولة العربية، في الجليل، خطاً من هذه النقطة، ماراً نحو الشمال، على محاذاة حدود ساريد وغفات الشرقية، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من نهلال، ماضياً، من هناك، عبْر أراضي كفار هاحوريش، إلى نقطة متوسطة على الحدود الجنوبية القرية عيلوط، ومن ثم، نحو الغرب، محاذياً حدود تلك القرية، إلى حدود بيت لحم الشرقية، ومنها نحو الشمال، فالشمال الشرقي، على حدودها الغربية، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من ولدهايم، ومن هناك، جنوب الشمال الغربي، عبْر أراضي قرية شفا عمرو، إلى الزاوية الجنوبية الشرقية من رامات يوحانان. ومن هنا، يسير شمالاً، فشمالاً شرقياً، إلى نقطة على طريق شفا عمرو - حيفا، إلى الغرب من اتصالها بطريق عبلين. ومن هناك، يسير شمالاً شرقياً إلى نقطة على الحدود الجنوبية من طريق عبلين للبروة. ومن هناك، يسير على تلك الحدود إلى أقصى نقطة غربية لها، ومنها ينعطف إلى الشمال، فيمضي عبر أراضي قرية تمرة، إلى أقصى زاوية شمالية غربية، وعلى محاذاة حدود جوليس الغربية، حتى يصل إلى طريق عكا - صفد، بعد ذلك، يسير صوب الغرب، على محاذاة الجانب الجنوبي من طريق عكا - صفد، إلى حدود منطقة الجليل - حيفا، ومن هذه النقطة، يتبع تلك الحدود إلى البحر.

تبدأ حدود منطقة السامرة واليهودية الجبلية، على نهر الأردن، في وادي المالح، إلى الجنوب الشرقي من بيسان، وتسير نحو الغرب، فتلتقي بطريق بيسان - أريحا، ثم تتبع الجانب الغربي من ذلك الطريق، في اتجاه شمالي غربي، إلى ملتقى حدود أقضية بيسان ونابلس وجنين. ومن هذه النقطة، تتبع حدود مقاطعة نابلس - جنين، في اتجاه الغرب، إلى مسافة تبلغ نحو ثلاثة كيلومترات، ثم تنعطف نحو الشمال الغربي، مارة بشرقي المنطقة المبنية من قرى جبلون وفقوعة، إلى حدود مقاطعتي جنين وبيسان، في نقطة إلى الشمال الشرقي من نورس. ومن هنا، تسير، بادئ الأمر، نحو الشمال الغربي إلى نقطة شمالي المنطقة المبنية من زرعين، ثم شطر الغرب، إلى سكة حديد العفولة - جنين، ومن ثم، في اتجاه شمالي غربي، على طول خط حدود المنطقة، إلى نقطة التقاطع على الخط الحديدي الحجازي. ومن هنا، تتجه الحدود إلى الجنوب الغربي، بحيث تكون المنطقة المبنية وبعض أراضي خربة ليد، ضمن الدولة العربية، ثم تقطع طريق حيفا - جنين، في نقطة على حدود المنطقة، بين حيفا والسامرة، إلى الغرب من المنسى، وتتبع هذه الحدود إلى أقصى نقطة جنوبي قرية البطيمات. ومن هنا، تتبع الحدود الشمالية والشرقية لقرية عرعرة، ملتقية، مرة أخرى، بخط حدود المنطقة بين حيفا والسامرة، في وادي عارة، ومن هناك، تتجه نحو الجنوب، فالجنوب الغربي، في خط مستقيم تقريباً، ملتقية بحدود قاقون الغربية، ومتجهة معها إلى نقطة، تقع إلى الشرق من سكة الحديد، على حدود قرية قاقون الشرقية.

ومن هنا، تسير، مع سكة الحديد، مسافة إلى الشرق منها، نحو نقطة تقع شرقي محطة سكة الحديد في طولكوم، ومن هناك، تتبع الحدود خطاً في منتصف المسافة بين سكة الحديد وطريق طولكوم - قلقيلية - جلجيولية - رأس العين، حتى نقطة تقع شرقي محطة رأس العين، التي تسير منها، في اتجاه سكة الحديد، مسافة إلى الشرق، حتى نقطة على سكة الحديد، جنوبي ملتقى سكك حيفا - اللد - بيت نبالا، ومن هنا، تسير في اتجاه حدود مطار اللد الجنوبية، إلى زاويته الجنوبية الغربية، ومن ثم، في اتجاه جنوبي غربي، إلى نقطة المنطقة المبنية من صرفند العمار، ومن هناك، تنعطف شطر الجنوب، مارة غربي المنطقة المبنية من أبو الفضل، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من أراضي بير يعقوب (يجب تحديد خط الحدود، بحيث يسمح باتصال مباشر بين الدولة العربية ومطار اللد)، ومن هناك، يتبع خط الحدود، حدود بلدة الرملة الغربية والجنوبية، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من قرية النعاني، ومن ثم، يسير، في خط مستقيم، إلى نقطة في أقصى الجنوب من البرية، على محاذاة حدود تلك القرية الشرقية، وحدود قرية عنابة الجنوبية. ومن هناك، ينعطف شمالاً، فيتبع الجانب الجنوبي من طريق يافا - القدس، حتى القباب، ومنها يتبع الطريق إلى حدود أبي شوشة، ويسير، في محاذاة الحدود الشرقية لأبي شوشة وسيدون وحلدة، حتى نقطة في أقصى الجنوب من حلدة. ويسير، من هنا، نحو الغرب، في خط مستقيم، إلى الزاوية الشمالية الشرقية من أم كلخا، ومنها يتبع الحدود الشمالية لأم كلخا والقزازة وحدود المخيزن الشمالية والغربية، إلى حدود منطقة غزة، ومنها يسير،عبْر أراضي قريتَي المسمية الكبيرة وياصور، إلى النقطة الجنوبية من التقاطع، الواقع في منتصف المسافة بين المناطق المبنية من ياصور وبطاني شرقي.

تتجه خطوط الحدود من نقطة التقاطع الجنوبية نحو الشمال الغربي، بين قريتَي غان يفنه وبرقة، إلى البحر، في نقطة تقع في منتصف المسافة بين النبي يونس وميناء القلاع، ونحو الجنوب الشرقي، إلى نقطة غربي قسطينة، ومنها تنعطف، في اتجاه جنوبي غربي، مارة شرقي المناطق المبنية من السوافير الشرقية وعبدس، ومن الزاوية الجنوبية الشرقية من قرية عبدس، تسير إلى نقطة في الجنوب الشرقي من المنطقة المبنية من بيت عفا، قاطعة طريق الخليل - المجدل، إلى الغرب من المنطقة المبنية من عراق سويدان. ومن هناك، تسير، في اتجاه جنوبي، على محاذاة الحدود الغربية لقرية الفالوجة، إلى حدود قضاء بئر السبع. ثم تسير، عبْر الأراضي القبلية لعرب الجبارات، إلى نقطة على الحدود، ما بين قضاءي بئر السبع والخليل، إلى الشمال من خربة خويلفة، ومن هناك، تسير، في اتجاه جنوبي غربي، إلى نقطة على طريق بئر السبع - غزة العام، على بعد كيلومترين إلى الشمال الغربي من البلدة. ثم تنعطف، شطر الجنوب الشرقي، فتصل وادي السبع، في نقطة واقعة على بعد  كيلومتر واحد، إلى الغرب منه. من هنا، تنعطف، في اتجاه شمالي شرقي، وتسير على محاذاة وادي السبع، وعلى محاذاة طريق بئر السبع - الخليل، مسافة كيلومتر واحد، ومن ثم، تنعطف شرقاً، وتسير في خط مستقيم، إلى خربة كسيفة، لتلتقي بحدود المقاطعة بين بئر السبع والخليل. ثم تتبع حدود بئر السبع - الخليل، في اتجاه الشرق، إلى نقطة شمالي رأس الزويرة، ثم تنفصل عنها، فتقطع قاعدة الفراغ ما بين خطّي الطول 150 و160.

وعلى بعد خمسة كيلومترات إلى الشمال الشرقي من رأس الزويرة، تنعطف الحدود شمالاً، بحيث تستثني من الدولة العربية قطاعاً على محاذاة ساحل البحر الميت، لا يزيد عرضه على سبعة كيلومترات، وذلك حتى عين جدي، حيث تنعطف، من هناك، إلى الشرق، لتلتقي حدود شرق الأردن، في البحر الميت.

تبدأ الحدود الشمالية للجزء العربي من السهل الساحلي، من نقطة ميناء القلاع والنبي يونس، مارة بين المناطق المبنية من غان يفنه وبرقة، حتى نقطة التقاطع. ومن هنا، تسير، في اتجاه الجنوب الغربي، مارة عبر أراضي بطاني شرقي، على محاذاة الحد الشرقي من أراضي بيت داراس، وعبْر أراضي جوليس، تاركة المناطق المبنية من بطاني شرقي وجوليس في الغرب، وماضية حتى الزاوية الشمالية الغربية من أراضي بيت طيما. ومن هناك، تتجه إلى الشرق من الجية، عبْر أراضي قرية البربرة، على محاذاة الحدود الشرقية من قرى بيت جرجا ودير سنيد ودمرة. ومن الزاوية الجنوبية الشرقية لدمرة، تعبُر حدود أراضي بيت حانون، تاركة الأراضي اليهودية من نير عام، صوب الشرق. ومن الزاوية الجنوبية الشرقية لبيت حانون، تتجه الحدود إلى الجنوب الغربي، نحو نقطة إلى الجنوب من خط التوازي 100، ثم تنعطف نحو الشمال الغربي مسافة كيلومترين، وتنعطف، ثانية، في اتجاه جنوبي غربي، وتمضي، في خط مستقيم تقريباً، إلى الزاوية الشمالية الغربية من أراضي خربة أخزاعة، ومن هناك، تتبع خط حدود هذه القرية، إلى أقصى نقطة جنوبية منها، بعد ذلك، تسير، في اتجاه جنوبي، على محاذاة خط الطول 90، حتى نقطة تقاطعه مع خط العرض 70. ثم تنعطف، في اتجاه جنوبي شرقي، إلى خربة الرحيبة، وتمضي، في اتجاه جنوبي، إلى نقطة معرفة باسم البها، حيث تعبُر، من خلفها، طريق بئر السبع - العوجا العام، إلى الغرب من خربة المشرف. ومن هناك، تلتقي بوادي الزياتين، إلى الغرب من السبيطة. ومن هناك، تنعطف إلى الشمال الشرقي، ثم إلى الجنوب الشرقي تابعة هذا الوادي، ثم تمضي إلى الشرق من عبدة، فتلتقي بوادي النفخ، وتبرز، بعد ذلك، إلى الجنوب الغربي، على محاذاة وادي النفخ ووادي عجرم ووادي لسان، حتى النقطة، التي، يقطع فيها وادي لسان الحدود المصرية.

تتكون منطقة قطاع يافا العربي من ذلك الجزء، من منطقة تخطيط مدينة يافا، التي تقع إلى الغرب من الأحياء اليهودية، الواقعة جنوبي تل أبيب، وإلى الغرب من امتداد شارع هرتزل، حتى التقائه بطريق يافا - القدس، الواقع إلى الجنوب الشرقي من نقطة الالتقاء تلك، وإلى الغرب من أراضي مكفيه يسرائيل، وإلى الشمال الغربي من منطقة مجلس حولون المحلي، وإلى الشمال من الخط، الذي يصل الزاوية الشمالية الغربية من حولوم، بالزاوية الشمالية الشرقية من منطقة مجلس بات يام المحلي، وإلى الشمال من منطقة مجلس بات يام المحلي. أمّا مسألة حي الكارتون، فستبت فيها لجنة الحدود، بحيث تأخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى الاعتبارات الأخرى، الرغبة في ضم أقل عدد ممكن من سكانه العرب، وأكبر عدد ممكن من سكانه اليهود، إلى الدولة اليهودية.

ب. الدولة اليهودية

تحد القطاع الشمالي الشرقي من الدولة اليهودية (الجليل الشرقي)، من الشمال والغرب، الحدود اللبنانية، ومن الشرق، حدود سورية وشرق الأردن. ويضم كل حوض الحولة وبحيرة طبريا وكل مقاطعة بيسان، حيث يمتد خط الحدود إلى قمة جبال الجلبوع ووادي المالح. ومن هناك، تمتد الدولة اليهودية نحو الشمال - الغربي، ضمن الحدود، التي وصفت في ما يتعلق بالدولة العربية.

يمتد الجزء اليهودي من السهل الساحلي، من نقطة بين ميناء القلاع والنبي يونس، في مقاطعة غزة، ويضم مدينتَي حيفا وتل أبيب، تاركاً يافا قطاعاً تابعاً للدولة العربية. وتتبع الحدود الشرقية للدولة اليهودية الحدود، التي وصفت في ما يتصل بالدولة العربية.

تتألف منطقة بئر السبع من جميع قضاء بئر السبع، حيث تضم النقب والجزء الشرقي من مقاطعة غزة، ولكنها لا تضم بلدة بئر السبع، ولا تلك المناطق، التي ذكرت في ما يتعلق بالدولة العربية. وتضم أيضاً شريطاً من الأرض، محاذياً للبحر الميت، ممتداً من خط حدود قضاء بئر السبع - الخليل إلى عين جدي، وذلك كما وصف في ما يتعلق بالدولة العربية.

ج. مدينة القدس

تكون حدود مدينة القدس كما هي محددة في التوصيات المتعلقة بمدينة القدس (راجع الجزء الثالث، القسم ب، أدناه).

الجزء الثالث - مدينة القدس[6]

أ.  نظام حكم خاص

سيؤسس لمدينة القدس كيان منفصل، تحت نظام حكم دولي خاص، تقوم على إدارته الأمم المتحدة. ويعيَّن مجلس الوصاية ليضطّلع بمسؤوليات السلطة الإدارية، بالنيابة عن الأمم المتحدة.

ب. حدود المدينة

تضم مدينة القدس بلدية القدس الحالية، بالإضافة إلى القرى والمدن المحيطة بها، حيث تكون أبو ديس أقصاها شرقاً، وبيت لحم أقصاها جنوباً، وعين كارم أقصاها غرباً (بما في ذلك أيضاً المنطقة المبنية من موتسا)، وتكون شعفاط أقصاها شمالاً، وذلك كما هو مبيَّن في مسوّدة الخريطة المرفقة.

ج. النظام الأساسي للمدينة

يقوم مجلس الوصاية، في غضون خمسة أشهر من الموافقة على المشروع الحالي، بوضع نظام أساسي مفصل للمدينة، والموافقة عليه، بحيث يحتوى، في جملة ما يحتوى عليه، الأحكام التالية:

1. الإدارة الحكومية، أهداف خاصة

على السلطة الإدارية أن تتبع، أثناء تنفيذها التزاماتها الإدارية، الأهداف الخاصة التالية:

أ. حماية وحفظ المصالح، الروحية والدينية، الفريدة في المدينة، للأديان التوحيدية الكبرى الثلاثة في جميع أنحاء العالم، وهي المسيحية واليهودية والإسلام. ولهذه الغاية، يجب التأكّد من سيادة النظام والسلام في القدس، خصوصاً السلام الديني.

ب. تعزيز روح التعاون بين سكان المدينة جميعهم، في سبيل مصالحهم، ومن أجل تشجيع ودعم التطور السلمي للعلاقات المشتركة بين شعبي فلسطين، في الأراضي المقدسة بأسرها، وتأمين الأمن والرفاهية، وتشجيع كل إجراء بنّاء من شأنه أن يُحسّن حياة السكان، مع مراعاة الظروف والعادات، الخاصة بالشعوب والطوائف المختلفة.

2. الحاكم والهيئة الإدارية

يعين مجلس الوصاية حاكماً لمدينة القدس، يكون مسؤولاً أمامه. ويتم اختيار هذا الحاكم على أساس مؤهلات خاصة، دون اعتبار لجنسيته. بيد أنه لن يكون مواطناً تابعاً لأي من الدولتين في فلسطين.

يمثل الحاكم الأمم المتحدة في مدينة القدس. ويمارس، بالنيابة عنها، جميع سلطات الإدارة، بما في ذلك تسيير الشئوون الخارجيـة. ويسـاعده موظفون إداريـون، مصنفون كضباط دوليين، وفق المادة 100 من الميثاق، ويختارون من سكان المدينة وبقية فلسطين، من دون أي تمييز عنصري. ويرفع الحاكم إلى مجلس الوصاية خطة تفصيلية لتنظيم إدارة المدينة، لينال الموافقة عليها.

3. الاستقلال المحلي

أ. تتمتع الوحدات المستقلة، المحلية، الحاضرة، في منطقة المدينة (القرى والنواحي والبلديات) بسلطات واسعة في الحكم والإدارة المحليين.

ب. على الحاكم أن يدرس خطة لإنشاء وحدات مدنية خاصة، تتألف من القطاعات اليهودية والعربية في القدس الجديدة، ويرفعها إلى مجلس الوصاية، للنظر والبت فيها، وتبقى هذه الوحدات جزءاً من بلدية القدس الحاضرة.

4. إجراءات الأمن

أ. تجرد مدينة القدس من السلاح، ويعلن حيادها ويصان، ولا يسمح بأية تشكيلات أو أعمال أو نشاطات شبة عسكرية، ضمن حدودها.

ب. إذا عرقلت إدارة المدينة، بصورة خطرة، أو حيل دونها، نتيجة عدم تعاون أو تدخل قطاع من السكان أو أكثر، كان للحاكم أن يتخذ من الإجراءات، ما يلزم لإعادة سير الإدارة بصورة فعالة.

ج. للمساعدة على استتباب القانون والنظام الداخلي، وبصورة خاصة لحماية الأماكن المقدسة والمواقع والأبنية الدينية في المدينة، يقوم الحاكم بتنظيم شرطة خاصة ذات قوة كافية، يُجند أفرادها من خارج فلسطين. ويُعطى الحاكم الحق في التصرف في بنود الميزانية، بحسب الحاجة للمحافظة على هذه القوة والإنفاق عليها.

5. التنظيم التشريعي

       يختار سكان مدينة القدس البالغون، من دون النظر إلى الجنسية، وعلى أساس الانتخاب العام، والاقتراع السري، والتمثيل النسبي، مجلساً تشريعياً، له سلطات التشريع وفرض الضرائب. بيد أنه لا يجوز لأية إجراءات تشريعية، أن تتضارب مع الأحكام الواردة في نظام المدينة، أو تتدخل فيها. كذلك، لا يجوز لأي قانون أو تنظيم أو إجراء رسمي، أن يطغى عليها. ويمنح النظام الأساسي الحاكم حق الاعتراض (VETO)على مشاريع القوانين، التي تتضارب مع الأحكام المشار إليها في الجملة السابقة. كذلك، يخوّله سلطة إصدار أوامر وقتية، في حالة ما إذا فشل المجلس، في الوقت الملائم، في إقرار قانون، يعتبر ضرورياً لسير الإدارة سيراً طبيعياً.

6. القضاء

       يقضي النظام الأساسي لمدينة القدس بإنشاء جهاز قضائي مستقل، يتضمن محكمة استئناف، ويخضع لولايتها سكان المدينة.

7. الاتحاد الاقتصادي والنظام الاقتصادي

       تدخل مدينة القدس ضمن الاتحاد الاقتصادي لفلسطين، وترتبط بجميع بنود هذا التعهد، وبأية معاهدات صادرة عنه. وكذلك بقرارات المجلس الاقتصادي المشترك. وسيقام المقر الرئيسي للمجلس الاقتصادي في منطقة المدينة.

       يقوم النظام الأساسي بتنظيم المسائل الاقتصادية، غير الواردة في نظام الاتحاد الاقتصادي، وذلك على أساس المساواة في المعاملة، وعدم التمييز بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومواطنيها.

8. حرية العبور (Transit) والزيارة، والسيطرة على المقيمين

       تكون حرية الدخول إلى المدينة والإقامة فيها ضمن حدود المدينة، للمقيمين في الدولتَيْن، العربية واليهودية، أو لمواطنيهما، وذلك بشرط عدم الإخلال باعتبارات الأمن، مع مراعاة الاعتبارات الاقتصادية كما يقررها الحاكم بتوجيه من مجلس الوصاية. ويراقب الحاكم، بتوجيه من مجلس الوصاية أيضاً، الهجرة إلى المدينة والإقامة فيها ضمن حدودها، بالنسبة إلى رعايا الدول الأخرى.

9. العلاقات بين الدولتين، العربية واليهودية

       يتقدم ممثلا الدولتين، العربية واليهودية، بأوراق اعتمادهما إلى الحاكم، ويضطلعان بمهمة حماية مصالح دولتيهما ورعاياهما، في ما يتصل بالإدارة الدولية للمدينة.

10. اللغات الرسمية

       تكون العربية والعبرانية اللغتين الرسميتين في المدينة. ولا يستبعد هذا تبنّي لغة أو لغات إضافية عدة، بحسب الحاجة.

11. المواطنة

       يصبح جميع سكان مدينة القدس مواطنين فيها، على أساس الأمر الواقع، ما لم يختاروا التوطن في الدولة، التي كانوا مواطنين فيها، أو إذا كان العرب أو اليهود، قد أفصحوا عن نيتهم في أن يصبحوا مواطنين في الدولة العربية، أو اليهودية، بالترتيب، وذلك بحسب الفقرة 9، من القسم ب من الجزء الأول من هذه الخطة. يتخذ مجلس الوصاية ترتيبات لحماية مواطني المدينة، خارج حدودها، حماية قنصلية.

12. حريات المواطنين

أ.  يضمن لسكان المدينة، بشرط عدم الإخلال بمقتضيات النظام العام والآداب العامة، التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مشتملة حرية العقيدة والدين والعبادة واللغة والتعليم، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية الاجتماع، والانتماء إلى الجمعيات وتكوينها، وحرية التظلم.

ب. لا تمييز بين السكان، من أي نوع، على أساس العِرق أو الدين أو اللغة أو الجنس.

ج. لكل الأشخاص، داخل المدينة، الحق في الحماية من جانب القوانين، بالتساوي.

د. يحترم قانون الأسرة والأحوال الشخصية المختلفة الأشخاص والمجتمعات، وتحترم مصالحهم الدينية، بما في ذلك الأوقاف.

هـ. في ما خلا ما تتطلبه المحافظة على النظام العام والحكم القويم، لا يتخذ أي إجراء، يعرقل نشاط الهيئات الدينية أو الخيرية، التابعة لجميع الأديان، أو يتدخل فيه، أو يتحامل على أي ممثل أو عضو تابع لهذه الهيئات، على أساس دينه أو جنسيته.

و. تكفل المدينة تعليماً ابتدائياً وثانوياً كافياً للطائفتين، العربية واليهودية، بالتوالي بلغتيهما، وبحسب تقاليدهما الثقافية. لا ينكر أو يمس حق أية طائفة في إقامة مدارسها الخاصة، لتعليم أفرادها بلغتها الخاصة، ما دام ذلك متماشياً مع المقتضيات التعليمية، ذات الصفة العامة، التي تفرضها المدينة. وتستمر المؤسسات التعليمية الأجنبية في مزاولة نشاطها، على أساس حقوقها القائمة.

ز. لا يفرض قيد على حرية استعمال أي من ساكني المدينة لأية لغة، في العلاقات الخاصة، أو التجارة، أو الدين، أو الصحافة، أو المنشورات من أي نوع، أو في الاجتماعات العامة.

13. الأماكن المقدسة

أ. لا تنكر أو تمس الحقوق القائمة، المتعلقة بالأماكن المقدسة والأبنية أو المواقع الدينية.

ب. تؤمن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة والأبنية أو المواقع الدينية، وكذلك حرية العبادة، بما يتفق والحقوق القائمة، على أن يخضع ذلك لمقتضيات النظام واللياقة.

ج. تصان الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية. ولا يسمح بأي عمل، يمكن أن يمس، بطريقة من الطرق، صفتها القدسية. فإذا بدا للحاكم، في أي وقت، أن أي مكان مقدس أو مبنى أو موقع ديني، بحاجة إلى ترميم عاجل، جاز له أن يدعو الطائفة أو الطوائف المعنية لإجراء الترميم. وإذا لم يعمل شيء، في وقت معقول، أمكن للحاكم أن يجريه بنفسه، على نفقة الطائفة أو الطوائف المعنية.

د. لا تفرض ضريبة على مكان مقدس أو مبنى أو موقع ديني، كان معفى منها في تاريخ إنشاء المدينة. يجب ألاّ يحدث أي تغيير في هذه الضريبة، يكون من شأنه التمييز بين مالكي أو قاطني الأماكن المقدسة أو الأبنية أو المواقع الدينية، أو يكون من شأنه وضع هؤلاء المالكين أو القاطنين، من أثر الضريبة العام، في وضع أقل شأناً مما عليه حالهم وقت تبنّي توصيات الجمعية العامة.

14. سلطات الحاكم الخاصة، في ما يتصل بالأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية وفي أي جزء من فلسطين:

أ. تكون حماية الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية، الموجودة في مدينة القدس، موضع اهتمام خاص من الحاكم.

ب. في ما يتصل بهذه الأماكن والأبنية والمواقع، الموجودة في فلسطين، خارج المدينة، يقرر الحاكم، بموجب السلطات، التي منحه إياها دستور كلا الدولتين، ما إذا كانت أحكام دستورَي الدولتين، العربية واليهودية، في فلسطين، المتعلقة بها وبالحقوق الدينية، قد أحسن تطبيقها واحترامها.

ج. يخوّل الحاكم، أيضاً، اتخاذ القرارات، على أساس الحقوق القائمة، في حالات النزاع، الذي قد ينشأ بين الفئات الدينية المختلفة، أو من طقوس طائفة دينية واحدة، بالنسبة إلى الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية، في أي جزء من فلسطين.

ويمكن أن يساعده في هذه المهمة، مجلس شورى، مكون من ممثلين عن الطوائف المختلفة، يعملون بصفة استشارية.

د. مدة نظام الحكم الخاص ينفذ النظام، الذي وضع تفصيلاته مجلس الوصاية على أساس المبادئ التي ذكرت، في مدة لا تتجاوز الأول من أكتوبر 1948، ويبقى نافذاً، أول الأمر، مدة عشر سنوات، ما لم يجد مجلس الوصاية من الضروري، أن يعيد النظر في هذه الأحكام، قبل انقضاء هذه المدة. وبعد انتهاء هذه المدة، يعيد مجلس الوصاية النظر في المخطط برمّته، في ضوء ما اكتسب من تجربة في تطبيقها. ويكون لسكان المدينة، عند ذلك، حرية التعبير عن رغباتهم في ما يختص بالتعديلات، الممكن إجراؤها في حكم المدينة، وذلك عن طريق استفتاء عام.

الجزء الرابع - الامتيازات

       إن الدول، التي كان مواطنوها، في الماضي، يتمتعون، في فلسطين، بالامتيازات والحصانات، الخاصة بالأجانب، بما في ذلك فوائد القضاء والحماية القنصليين، التي كانوا يتمتعون بها في الإمبراطورية العثمانية، بالامتياز أو الاستعمال، مدعوّة إلى التخلي عن أي حق لها في العودة إلى مثل هذه الامتيازات والحصانات، في الدولتين، العربية واليهودية، وفي مدينة القدس.

       تبنّت الجمعية العامة هذا القرار، في جلستها العامة الرقم 128، بـ 33 صوتاً، مقابل 13، وامتناع 10، كالآتي:

مع القرار:

       أستراليا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بييلوروسيا، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، جمهورية الدومينيكان، إلإكوادور، فرنسا، جواتيمالا، هاييتي، أيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورج، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراجوا، النرويج، بنما، باراجواي، بيرو، الفيليبين، بولندا، السويد، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة الأمريكية، أوروجواي، فنزويلا.

ضد القرار:

       أفغانستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية، سورية، تركيا، اليمن.

امتناع:

       الأرجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، السلفادور، الحبشة، هندوراس، المكسيك، المملكة المتحدة، يوغسلافيا.

 

[1]  انتخبت الجمعية العامة، في جلستها العامة رقم 128، المنعقدة في 29 نوفمبر 1947، وفقاً لنصوص القرار المذكور أعلاه، الدول الأعضاء التالية، كأعضاء في لجنة الأمم المتحدة لفلسطين: بوليفيا، وتشيكوسلوفاكيا، والدانمارك وبنما، والفيلبين.

[2]  يضاف البند التالي إلى التصريح، المتعلق بالدولة اليهودية: ويمنح المواطنون، الناطقون بالعربية، في الدولة اليهودية، تسهيلات كافية لاستعمال لغتهم، سواء في الكلام، أو في الكتابة، في التشريع وأمام المحاكم وفي الإدارة.

[3]  في التصريح، المتعلق بالدولة العربية، تحل عبارة ``يملكها عربي في الدولة اليهودية``، محل عبارة ``يملكها يهودي في الدولة العربية

[4]  الحدود الموصوفة في الجزء الثاني محددة في المرفق (أ)، إن الخريطة الأساسية، المستعملة في تحديد ووصف هذه الحدود، هي ``فلسطين 1: 250.000``، المنشورة في ``مسح فلسطين`` THE SURVEY OF PALESTINE 1946.

[5]  تل عدس.

[6]  بالنسبة إلى مسألة تدويل القدس، اُنظر قرارَي الجمعية العامة، 185(الدورة الاستثنائية - 2)، الصادر في 26 أبريل 1948، 187 (الدورة الاستثنائية -2) الصادر في 6 مايو 1949، وقرارات مجلس الوصاية (القسم 4).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:19 am

ص قرار تقسيم فلسطين

القرار رقم 181 (الدورة 2) بتاريخ 29 نوفمبر 1947


 
القسم الثالث
مشروعات التسوية المقدمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي
منذ عام 1948 وحتى المشروع التونسي

       عندما تدخلت الحكومات العربية عسكرياً، لإنقاذ فلسطين من السيطرة الصهيونية، عقب قرار أتُخذ في اجتماع دمشق، يوم 12 أبريل 1948، تعرضت، فور دخولها إلى فلسطين، للضغوط الدولية، لحمْلها على قبول الهدنة[1]. وبينما كان العرب يخوضون المعارك ضد اليهود، فُرضت الهدنتان، الأولى والثانية من قبل مجلس الأمن، وكانتا تمثلان نقطة تحول في معركة فلسطين، إذ استغلهما اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

       وهكذا، قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية، قبول طلب مجلس الأمن، في يونيه 1948، على أساس أن وقف القتال وسيلة لإيجاد حل عادل للقضية. وبدأ الوسيط الدولي، الكونت فولك برنادوت Folke Bernadotte (Count) ، اتصالاته بالفريقين، بحثاً عن تسوية للنزاع، فقدَّم، في 27 يونيه 1948، أول مشروع سلام.
مشروع الكونت فولك برنادوت

تضمن مشروع وسيط الأمم المتحدة، في فلسطين، النقاط التالية:

أولاً: الانتقال من مرحلة وقف القتال، إلى تحقيق هدنة دائمة، أو سلام، بين العرب واليهود.

ثانياً : توضع القدس تحت رقابة الأمم المتحدة.

ثالثاً : تتولى لجنة منبثقة من الأمم المتحدة، ترسيم الحدود بين العرب واليهود.

رابعاً: تشرف لجنة دولية على حل مشكلة اللاجئين حلاً، يختار اللاجئون بموجبه بين العودة إلى منازلهم، أو تعويضهم عما فقدوه وفي هذا الصدد، قال الكونت برنادوت: "إن حرمان اللاجئين من العودة إلى ديارهم، سيُعدّ خرقاً لأبسط مبادئ العدالة، خصوصاً في الوقت الذي يتدفق فيه اليهود إلى فلسطين".

خامساً: دعوة الأمم المتحدة إلى تأليف لجنة متابعة ومصالحة دولية، للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع في فلسطين.

       لكن الصهاينة، اغتالوا الكونت برنادوت، على يد عصابة "شتيرن" الصهيونية، في القدس، يوم 17 سبتمبر 1948. وخرقوا اتفاقية الهدنة، واجتاحوا النقب، واستولوا على معظم القرى العربية في الجليل. فعيّنت الأمم المتحدة، يوم 4 نوفمبر 1948، رالف بانشRalph Bunche ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وسيطاً دولياً، خلفاً لبرنادوت، ليشرف على تنفيذ قرار مجلس الأمن، القاضي بانسحاب الطرفين إلى المراكز، التي كان كل طرف يحتلها، قبل 14 أكتوبر.
لجنة التوفيق والمصالحة[2]

       شُكلت هذه اللجنة بقرار الأمم المتحدة الرقم 194، بتاريخ 11 ديسمبر 1948، من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة، وهم فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، على أن تكون مهمة اللجنة، ما يلي:

أولاً: تنفيذ بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة السابق، الكونت برنادوت، بموجب قرار الجمعية العامة الرقم 186، الصادر بتاريخ 14مايو 1948. وكانت مهام الوسيط الدولي، التي وردت في هذا القرار، تنحصر في الآتي:

أ.  بذل مساعيه الحميدة، لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، من أجل تأمين الخدمات العامة، الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم.

ب. تأمين حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية.

ج. التعاون مع لجنة الهدنة في فلسطين.

د. التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، لضمان رفاهية سكان المنطقة.

ثانياً: تنفيذ المهام والتوجيهات المحددة، الصادرة إليها بموجب القرار الحالي، وكذلك المهام والتوجيهات الإضافية، التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة ومجلس الأمن.

ثالثاً: تنفذ اللجنة، بناء على طلب مجلس الأمن، أي مهمة، تَكِلها، حالياً، قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة.

        وتطلب الأمم المتحدة من اللجنة، أن تبدأ عملها فوراً، حتى تقيم، في أقرب وقت، علاقات بين الأطراف نفسها، وبين هذه الأطراف واللجنة. كما تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات، وإلى البحث عن اتفاق بطريق المفاوضات، التي تجري إمّا مباشرة، أو مع لجنة التوفيق، بغية إجراء تسوية لجميع المسائل المعلقة.

        وتقرر الجمعية العامة أيضاً وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين، الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم. وأصدرت الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات.
المشروع النرويجي

        بعد فشل مهمة لجنة التوفيق، التابعة للأمم المتحدة، تقدَّم مندوب النرويج بمشروع قرار إلى هيئة الأمم المتحدة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، من أجل تسوية الخلافات العربية - الإسرائيلية. وقد شارك بعض الدول في تقديم هذا المشروع. وهو ينص على ما يلي:

أولاً: مناشدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، الامتناع عن أي أعمال عدوانية ضد بعضهما.

ثانياً: التأكيد من جديد للمبدأ القائل "إن المسؤولية الرئيسية في الوصول إلى تسوية الخلافات، تقع على عاتق الحكومات المعنية".

ثالثاً: حث تلك الحكومات على الدخول في مفاوضات مباشرة، وفي أقرب فرصة ممكنة.

رابعاً: دعوة لجنة التوفيق لتقديم خدماتها من أجل تحقيق التسوية.
مشروع "جاما" الأمريكي

        بعد نجاح ثورة يوليه 1952، في مصر، وبعد أن تركزت جهود النظام الجديد في مصر على التخلص من بقايا الاستعمار الإنجليزي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك فرصة لعرض وساطتها السرية، لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. وعلى الرغم من أن الاتصالات المصرية ـ الإسرائيلية، كانت قد انقطعت، في أوائل عام 1955، إثر عودة ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion إلى السلطة، وهجوم إسرائيل على غزة، وتوجه مصر للحصول على السلاح من مصادر غير المصادر الغربية التقليدية، والذي تُوِّج بصفقة السلاح المعروفة مع تشيكوسلوفاكيا، عادت الدبلوماسية الأمريكية إلى محاولاتها، لإحياء الاتصالات المصرية -  الإسرائيلية، على أعلى المستويات. ففي سبتمبر 1955، أجرى كيرميت روزفلت[3] (Kermet Roosevelt) اتصالات سرية مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها إقناعه باتخاذ إجراءات معينة، بهدف موازنة صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، وذلك خدمة للسلام في المنطقة وكان من رأي روزفلت أن يعلن الرئيس عبدالناصر، أن صفقة السلاح التشيكية تمثل أسلحة دفاعية محضة، وأن مصر مستعدة لاتخاذ خطوات إيجابية نحو السلام، إذا رأت أن الطرف الإسرائيلي سيستجيب بخطوات مماثلة. ومع أن وزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاسJohn Foster Dulles ، كان قد ندد بصفقة الأسلحة التشيكية، وتأثيرها السلبي، على حد زعمه، إلاّ أن الدبلوماسية الأمريكية، حرصت على استمرار الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل. ولقد أطلق اسم "جاما" على المشروع، وتكفل روزفلت مع مايلز كوبلاند، بالجانب السري، وتكفل روبرت أندرسون بالجانب العلني. أمّا تفاصيل مشروع "جاما"، وفقاً لرواية كوبلاند ومذكرات بن جوريون، فهي كما يلي:

        يجري كل من روزفلت ومايلز كوبلاند سلسلة من المحادثات مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها الوصول إلى تحديد موقف أساسي، تنطلق منه المفاوضات. كما يجري أمريكيان آخران محادثات مماثلة مع بن جوريون، من أجل الوصول إلى تحديد موقف إسرائيلي مشابه. بعد ذلك، ينتقل أندرسون بين القاهرة وتل أبيب، من أجل تضييق شقة الخلاف بين الموقفين، إلى أدنى حدٍّ ممكن. عندئذ، يتمّ ترتيب اجتماع سري بين عبدالناصر وبن جوريون، على متن يخت خاص في البحر الأبيض المتوسط، لسد الفجوة نهائياً بين الطرفين. ويؤكد كوبلاند، أن روزفلت حصل على موافقة كل من الرئيس جمال عبدالناصر وبن جوريون على هذه الترتيبات، مع إصرار الرئيس عبدالناصر على نقطتين:

الأولى: يجب أن تحصل مصر على أكثر من مجرد ممر (وسيتم تحديد عرض هذا الممر في المفاوضات مع إسرائيل) لربطها بالأردن.

الثانية: على الإسرائيليين أن يوافقوا، من حيث المبدأ، على قبول الفلسطينيين، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

        على هذا الأساس، سافر روبرت أندرسون[4] من القاهرة إلى تل أبيب، يوم 3 يناير 1956، حيث عقدت اجتماعات مطولة مع المسؤولين هناك، بمن فيهم بن جوريون في حضور ممثل عن وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية)CIA. ويستفاد من مذكرات بن جوريون، أن المحادثات كانت تدور حول قضيتين:

أولاً: السلام بين مصر وإسرائيل، وتخفيف حدة التوتر والاشتباكات على الحدود. ويؤكد بن جوريون ما قاله كوبلاند حول اشتراط عبدالناصر لتحقيق السلام، أن تقبل إسرائيل حل مشكلة اللاجئين، وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة.

ثانياً: تأمين اتصال إقليمي بين أفريقيا وآسيا العربيتين.

        وخلاصة القول، إن مشروع جاما قد مات ودفن، نتيجة لرفض بن جوريون مناقشة التفاصيل المتعلقة بالتنازلات الإسرائيلية. وقد برر يعقوب هيرتزوج[5]، الذي حضر الاجتماعات الإسرائيلية مع أندرسون، موقف إسرائيل، بقوله، في صحيفة "معاريف"، يوم 6 أغسطس 1971: "لم تكن إسرائيل تعتقد أن في استطاعة عبدالناصر عقد صلح معها، حتى لو أراد ذلك، بسبب المعارضة، الداخلية والعربية، لمثل هذه الاتصالات". كما يقول بن جوريون في مذكراته، إنه كان يعتقد أن عبدالناصر، كان يجري هذه الاتصالات على سبيل المناورة، ومن أجل كسب الوقت، كي يتيح الفرصة أمام جيشه لاستيعـاب السلاح السوفيتي الجديد.
بيان دالاس في التمهيد لمشروع جونستون

        في ربيع عام 1953، قام جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، بجولة في دول الشرق الأوسط. وقدَّم دالاس، في أول يونيه 1953، تقريراً عن جولته، تطرق فيه إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومما جاء في التقرير: "وعلى مقربة من إسرائيل، يتجمع العدد الأكبر من اللاجئين العرب. وعددهم يزيد على 800 ألف لاجئ، وهم الذين هربوا من فلسطين، عندما استولى عليها الإسرائيليون. إن بعض هؤلاء اللاجئين، يمكن إسكانهم في المنطقة التي تحتلها إسرائيل حالياً، لكن معظمهم يستطيع، بصورة أجدى، أن يندمج في حياة البلدان العربية المجاورة. بيد أن هذا يعتمد على مشاريع الري، التي يمكن بواسطتها استثمار أراضٍ جديدة. ففي طول المنطقة، نجد أن الحاجة الكبرى هي إلى الماء. وتتوافر أموال الأمم المتحدة، وأموال أخرى أيضاً لمساعدة اللاجئين. هذه الأموال، يمكن إنفاق القسم الأكبر منها في سبيل استثمار الأنهار، التي تمر في البلدان العربية وإسرائيل، استثماراً منسقاً".

        ويلاحظ الدكتور فايز صايغ، مدير، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، أن السياسة الأمريكية هذه، ترتكز على القواعد التالية:

    التخلي عن فكرة العودة، إلاّ للعدد القليل من اللاجئين الفلسطينيين.
    إدماج السواد الأعظم من الفلسطينيين في البلاد العربية المجاورة، وحصر قضيتهم في النطاق الاقتصادي، وربطها بالتنمية الاقتصادية الزراعية في المنطقة العربية.
    اقتراح مشاريع ري مشتركة، تقوم بها البلدان العربية وإسرائيل معاً، بواسطة معونات مالية من الخارج.

وقد مهّد وزير الخارجية الأمريكي، دالاس، بهذا البيان، لمشروع جونستون، الذي أُعلن في العام نفسه.
مشروع جونستون 1953 - 1955

        يستهدف هذا المشروع معالجة، قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية فلسطين برمّتها، أو بمعنى أدق تصفيتهما، من طريق تعاون الدول العربية وإسرائيل على استثمار مياه نهر الأردن استثماراً مشتركاً.

        وقد بدأ أريك جونستون، مبعوث الرئيس أيزنهاورDwight David Eisenhower، زياراته إلى المنطقة، في أكتوبر 1953. ثم عاود زيارتها ثلاث مرات، كان آخرها في خريف 1955. ويتضح الاستمرار في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، في أن قواعد مشروع جونستون، كانت قد أرسيت في عهد الرئيس هاري ترومانHarry Truman. ويتلخص مشروع جونستون في النقاط التالية:

أولاً: ينفذ المشروع على خمس مراحل. تستغرق كل مرحلة منها سنتين أو ثلاثاً. وتقدر نفقات المشروع بنحو مائة وثلاثين مليون دولار. ينفق منها نحو ثلاثين في المائة على توليد الطاقة الكهربائية، وبناء محطاتها.

ثانياً: إنشاء خزان، على بعد نحو عشرين كم من ملتقى نهر الحاصباني بنهر الأردن، في منطقة واقعة شرق قرية "إبل السقي" اللبنانية. وفي هذا الخزان، تجمع مياه النهر في فصل الشتاء، وتقدر بنحو مائة وثلاثين مليون متر مكعب في العام، وتوزع في الأشهر التي تمس الحاجة فيها إلى الري. وبواسطة هذا الخزان، يصبح في الاستطاعة التحكم، نسبيا،ً في مياه القسم العلوي من نهر الأردن، التي تصب في بحيرة طبرية. وتُشق قناة، تتفرع من هذا الخزان إلى قرب مستعمرة "تل حي" (في فلسطين المحتلة)، تُشيد عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية، ثم تجري منها المياه إلى القناة الأساسية، التي ستزود منطقة جبال الجليل بالمياه.

ثالثاً: إنشاء سد على ملتقى مياه نهر "دان" بالقناة الأساسية في الجليل، لتحويل مياه نهر دان وتل قاضي إلى تلك القناة.

رابعاً: إنشاء سد آخر بالقرب من قرية عين الحمراء (في فلسطين المحتلة)، لتحويل مياه نهر بانياس إلى القناة الأساسية، لري منطقة جبال الجليل.

خامساً: إنشاء قناة أساسية، طولها مائة وعشرون كيلومتراً، تتحول إليها مياه نهر بانياس ونهر دان ومنابع تل القاضي ومياه القسم، الذي يقع تحت السد في نهر الحاصباني. وتجري المياه في هذه القناة جنوباً، حتى تصل إلى غرب مدينة طبرية. وتتفرع عن هذه القناة الأساسية أقنية فرعية، طولها نحو مائة وعشرة كيلومترات، لري جبال الجليل ومرج ابن عامر.

سادساً: تجفيف المستنقعات الواقعة شمالي بحيرة الحولة، واستغلالها، بعد ذلك، في زراعة الحبوب. وإنشاء قنوات محلية في تلك المنطقة، وتوسيع مخرج المياه من بحيرة طبرية.

سابعاً: زيادة مترين في ارتفاع السد القائم على نهر الأردن، عند خروجه من بحيرة طبرية، لزيادة تخزين المياه.

ثامناً: إنشاء قناتين من سد بحيرة طبرية، الأولى لري جميع أراضي الغور الغربي من بحيرة طبرية إلى البحر الميت، ويبلغ طولها نحو مائة كيلومتر (عدا الأقنية التي تتفرع عنها). أمّا القناة الأخرى، فالغرض منها ضخ المياه من بحيرة طبرية إلى الغور الشرقي، في أوقات الجفاف.

تاسعاً: إنشاء قناة تبدأ من سد نهر اليرموك، قرب العدسية (في الأردن)، تستخدم مياهها في توليد الكهرباء، بواسطة محطة تُنشأ قرب العدسية، وتحول منها مياه النهر إلى بحيرة طبرية.

عاشراً: إنشاء سد ومحطة كهرباء لمياه اليرموك، قرب محطة (المقارن) في الأردن، لزيادة مخزون المياه في خزان بحيرة طبرية.

        وقد شكّلت الحكومات العربية، المصرية والسورية واللبنانية والأردنية، لجنة فنية من الخبراء العرب، لدراسة هذا المشروع، وإبداء رأيهم فيه. وفيما يلي اعتراض لجنة الخبراء العرب على المشروع:

أولاً: رفضت لجنة الخبراء العرب مبدأ تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبرية، لأن معظم هذه البحيرة، يقع تحت إشراف السلطة اليهودية، بينما تنبع هذه المياه من أراضٍ عربية.

ثانياً: في ما يتعلق بإنشاء سد المقارن على نهر اليرموك، يقترح مشروع جونستون جعل هذا السد بارتفاع 58 متراً، بطاقة تخزينية 73 مليون متر مكعب من الماء، وتصريف بقية المياه إلى بحيرة طبرية. على أن يكون في الإمكان تعلية السد إلى ارتفاع 95 متراً، في المستقبل، لحجز 195مليون متر مكعب، إذا دعت الحاجة إلى تخزين كمية أكبر من المياه، لري الأراضي. ويبدو أن الغاية من ذلك أن يتكلف مشروع جونستون الإنفاق على تعلية السد وزيادة التخزين. وأن تمول المشروع الحكومتان السورية والأردنية، كل منهما من ميزانيتها الخاصة. ولذلك، اعترضت لجنة الخبراء العرب على هذا الاقتراح، وطالبت بإنشاء السد على نهر اليرموك، بارتفاع 150 متراً، من البداية، لحجز 400 مليون متر مكعب من الماء، للاستفادة منها في ري الأراضي وتوليد الكهرباء.

ثالثاً: يقترح مشروع جونستون، أن تكون محطة توليد القوة الكهربائية في العدسية (الأردن)، بقوة 23 ألف كيلو وات، على أن تزداد قوتها إلى 28 ألف كيلو وات، إذا زاد ارتفاع السد. لكنه يرجئ أمر إنشاء هذه المحطة، بحجة أن الأردن في غير حاجة إليها الآن. ويبدو أن سبب الإرجاء هو توفير نفقات إنشائها، وإلقاء هذه النفقات على عاتق الحكومة الأردنية، إذا ما رغبت في إنشائها، في المستقبل.

رابعاً: اعترضت لجنة الخبراء العرب على اقتراح مشروع جونستون، إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية من مياه الحاصباني، في مستعمرة "تل حي" اليهودية، وحرمان لبنان من الاستفادة منها. وطالبت بإنشاء هذه المحطة في الأراضي اللبنانية، وإمداد اليهود بما يزيد على حاجة لبنان من الكهرباء.

خامساً: بموجب مشروع جونستون، لا تستطيع سورية أن تروي أكثر من ثلاثين ألف دونم من الأراضي الزراعية، من مياه نهر اليرموك. كما أن المشروع يحرمها من الاستفادة من مياه نهرَي بانياس ودان وتل القاضي، في ري أي مساحة من الأرض. على حين قررت لجنة الخبراء العرب، أن سورية تستطيع أن تروي ما مساحته 68 ألف دونم من مياه نهر اليرموك، و20 ألف دونم من مياه نهر بانياس، و22 ألف دونم من مياه نهر الأردن.

سادساً: بينما يحرم مشروع جونستون الأراضي اللبنانية من أي ري من مياه نهر الحاصباني، بعد إنشاء سدّ عليه، وتحويل مياهه إلى المنطقة اليهودية، تقرر لجنة الخبراء العرب، أن في الاستطاعة ري ثلاثين ألف دونم من الأراضي اللبنانية، من مياه النهر.

        وقد ارتفعت أصوات الاحتجاج العربية، الشعبية والرسمية، تطالب برفض مشروع جونستون. وكان الفلسطينيون أول من رفع صوته باستنكارها، وآخر قرار لهم برفض مشروعات جونستون، هو القرار الذي اتخذه مؤتمر اللاجئين، المنعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955.
الموقف الفلسطيني من مشروع جونستون

        اتخذ مؤتمر اللاجئين الفلسطينيين، الذي انعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955، قراراً بالإجماع برفض المشروع، جاء فيه: يرفض اللاجئون الفلسطينيون كل مشروع، أو تفكير يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين، وحل قضية فلسطين حلاٍّ، لا يحقق المطالب الوطنية. كما يرفضون مشاريع الإسكان، ومشروع جونستون، الذي يؤدي، في النهاية، إلى عقد صلح مع إسرائيل أو التعاون معها".

        كما أصدرت اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين، في قطاع غزة، مذكرة، أرسلتها إلى رؤساء الحكومات العربية. ومما جاء في هذه المذكرة: "إن دولة إسرائيل، ما هي إلا بذرة الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي في البلاد العربية. ولن يكون نضال العرب نضالاً صحيحاً، منبعثاً من الأماني القومية للأمة العربية، إلاّ إذا حاربنا الأصل والفرع، والذين أمدّوا إسرائيل بالحياة، ولا يزالون يمدّونها. وإن في معاونة الاستعمار أو مهادنته تدعيماً لإسرائيل، وتثبيتاً لأركانها، وتقوية لبنائها. وهاهو الاستعمار يأتي بمشروع جونستون، الذي أُعد لتوطين عرب فلسطين في البلاد العربية، وإعطاء إسرائيل كميات كبيرة من المياه العربية، لاستصلاح الأرض المغتصبة، حتى تتسع ليهود آخرين، يجلبون إليها من مختلف بقاع العالم. فإذا ما وافقت الدول العربية على مشروع جونستون وأمثاله، الذي يرفضه عرب فلسطين، إنما تكون:

    قد باعدت بين عرب فلسطين وعودتهم إلى بلادهم، بتوطينهم في البلاد العربية.
    قد قضت على قرارات الأمم المتحدة، في خصوص فلسطين.
    قد قوَّت إسرائيل، بجلب إمدادات جديدة من الرجال، تكون مادة هذه الدولة، لتلتهم بلداً بعد آخر من البلاد العربية، حتى يتحقق الحلم، وتصبح إسرائيل من الفرات إلى النيل".

        فالموافقة على مشروع جونستون، وأشباهه من مشاريع الاستعمار، لا تقضي به الدول العربية على فلسطين بالاندثار من الوجود فحسب بل تقضي به كل دولة من هذه الدول بالإعدام على شعبها نفسه".


   

[1]  في 14 أبريل 1948، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 46، يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين.

[2]  تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة، مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية  والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث، التي ستتكون منها ``لجنة التوفيق``، على الجمعية العامة، لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية. واقترحت اللجنة، فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين ``لجنة التوفيق والمصالحة``. وقد أقرت الجمعية الاقتراح.

[3]  كان من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، قبل قيام ثورة 23 يوليه 1952. ثم أصبح، خلال فترة إدارة الرئيس أيزنهاور، عام 1953، المستشار الشخصي لوزير الخارجية، جون فوستر دالاس.

[4]  عمل وزيراً للبحرية، عامَي 1953، 1954، ثم نائباً لوزير الدفاع، حتى يوليه 1955، ثم خلف جورج همفري، كوزير للخزانة، عام 1957.

[5]  ممثل الحكومة الإسرائيلية، في المباحثات، التي أجراها أندرسون.

[6]  وُلد في روسيا، 15 أكتوبر 1894، وتوفـي عام 1965. هاجر إلى فلسطين عام 1906، وأصبح، في عام 1933، عضواً بارزاً في الوكالة اليهودية، وأحد المساعدين المقربين إلى ديفيد بن جوريون. من حزب الماباي. تولى وزارة الخارجية، من  مايو 1948 إلى يناير 1954. وتولى رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية، من يناير 1954 إلى نوفمبر 1955. ثم عيِّن وزيراً للخارجية من نوفمبر 1955 إلى يونيه 1956. راجع: مايكل بريشر، ``نظام السياسة الخارجية لإسرائيل``، إعداد مركز البحوث والمعلومات، لندن، جامعة أكسفورد، 1972، ص 892.

[7]  رجل سياسي لبناني، درس الحقوق، وشغل منصب رئيس الوزراء، في لبنان، عدة مرات.


 
القسم الثالث
مشروعات التسوية المقدمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي
منذ عام 1948 وحتى المشروع التونسي

       عندما تدخلت الحكومات العربية عسكرياً، لإنقاذ فلسطين من السيطرة الصهيونية، عقب قرار أتُخذ في اجتماع دمشق، يوم 12 أبريل 1948، تعرضت، فور دخولها إلى فلسطين، للضغوط الدولية، لحمْلها على قبول الهدنة[1]. وبينما كان العرب يخوضون المعارك ضد اليهود، فُرضت الهدنتان، الأولى والثانية من قبل مجلس الأمن، وكانتا تمثلان نقطة تحول في معركة فلسطين، إذ استغلهما اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

       وهكذا، قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية، قبول طلب مجلس الأمن، في يونيه 1948، على أساس أن وقف القتال وسيلة لإيجاد حل عادل للقضية. وبدأ الوسيط الدولي، الكونت فولك برنادوت Folke Bernadotte (Count) ، اتصالاته بالفريقين، بحثاً عن تسوية للنزاع، فقدَّم، في 27 يونيه 1948، أول مشروع سلام.
مشروع الكونت فولك برنادوت

تضمن مشروع وسيط الأمم المتحدة، في فلسطين، النقاط التالية:

أولاً: الانتقال من مرحلة وقف القتال، إلى تحقيق هدنة دائمة، أو سلام، بين العرب واليهود.

ثانياً : توضع القدس تحت رقابة الأمم المتحدة.

ثالثاً : تتولى لجنة منبثقة من الأمم المتحدة، ترسيم الحدود بين العرب واليهود.

رابعاً: تشرف لجنة دولية على حل مشكلة اللاجئين حلاً، يختار اللاجئون بموجبه بين العودة إلى منازلهم، أو تعويضهم عما فقدوه وفي هذا الصدد، قال الكونت برنادوت: "إن حرمان اللاجئين من العودة إلى ديارهم، سيُعدّ خرقاً لأبسط مبادئ العدالة، خصوصاً في الوقت الذي يتدفق فيه اليهود إلى فلسطين".

خامساً: دعوة الأمم المتحدة إلى تأليف لجنة متابعة ومصالحة دولية، للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع في فلسطين.

       لكن الصهاينة، اغتالوا الكونت برنادوت، على يد عصابة "شتيرن" الصهيونية، في القدس، يوم 17 سبتمبر 1948. وخرقوا اتفاقية الهدنة، واجتاحوا النقب، واستولوا على معظم القرى العربية في الجليل. فعيّنت الأمم المتحدة، يوم 4 نوفمبر 1948، رالف بانشRalph Bunche ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وسيطاً دولياً، خلفاً لبرنادوت، ليشرف على تنفيذ قرار مجلس الأمن، القاضي بانسحاب الطرفين إلى المراكز، التي كان كل طرف يحتلها، قبل 14 أكتوبر.
لجنة التوفيق والمصالحة[2]

       شُكلت هذه اللجنة بقرار الأمم المتحدة الرقم 194، بتاريخ 11 ديسمبر 1948، من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة، وهم فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، على أن تكون مهمة اللجنة، ما يلي:

أولاً: تنفيذ بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة السابق، الكونت برنادوت، بموجب قرار الجمعية العامة الرقم 186، الصادر بتاريخ 14مايو 1948. وكانت مهام الوسيط الدولي، التي وردت في هذا القرار، تنحصر في الآتي:

أ.  بذل مساعيه الحميدة، لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، من أجل تأمين الخدمات العامة، الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم.

ب. تأمين حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية.

ج. التعاون مع لجنة الهدنة في فلسطين.

د. التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، لضمان رفاهية سكان المنطقة.

ثانياً: تنفيذ المهام والتوجيهات المحددة، الصادرة إليها بموجب القرار الحالي، وكذلك المهام والتوجيهات الإضافية، التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة ومجلس الأمن.

ثالثاً: تنفذ اللجنة، بناء على طلب مجلس الأمن، أي مهمة، تَكِلها، حالياً، قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة.

        وتطلب الأمم المتحدة من اللجنة، أن تبدأ عملها فوراً، حتى تقيم، في أقرب وقت، علاقات بين الأطراف نفسها، وبين هذه الأطراف واللجنة. كما تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات، وإلى البحث عن اتفاق بطريق المفاوضات، التي تجري إمّا مباشرة، أو مع لجنة التوفيق، بغية إجراء تسوية لجميع المسائل المعلقة.

        وتقرر الجمعية العامة أيضاً وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين، الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم. وأصدرت الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات.
المشروع النرويجي

        بعد فشل مهمة لجنة التوفيق، التابعة للأمم المتحدة، تقدَّم مندوب النرويج بمشروع قرار إلى هيئة الأمم المتحدة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، من أجل تسوية الخلافات العربية - الإسرائيلية. وقد شارك بعض الدول في تقديم هذا المشروع. وهو ينص على ما يلي:

أولاً: مناشدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، الامتناع عن أي أعمال عدوانية ضد بعضهما.

ثانياً: التأكيد من جديد للمبدأ القائل "إن المسؤولية الرئيسية في الوصول إلى تسوية الخلافات، تقع على عاتق الحكومات المعنية".

ثالثاً: حث تلك الحكومات على الدخول في مفاوضات مباشرة، وفي أقرب فرصة ممكنة.

رابعاً: دعوة لجنة التوفيق لتقديم خدماتها من أجل تحقيق التسوية.
مشروع "جاما" الأمريكي

        بعد نجاح ثورة يوليه 1952، في مصر، وبعد أن تركزت جهود النظام الجديد في مصر على التخلص من بقايا الاستعمار الإنجليزي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك فرصة لعرض وساطتها السرية، لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. وعلى الرغم من أن الاتصالات المصرية ـ الإسرائيلية، كانت قد انقطعت، في أوائل عام 1955، إثر عودة ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion إلى السلطة، وهجوم إسرائيل على غزة، وتوجه مصر للحصول على السلاح من مصادر غير المصادر الغربية التقليدية، والذي تُوِّج بصفقة السلاح المعروفة مع تشيكوسلوفاكيا، عادت الدبلوماسية الأمريكية إلى محاولاتها، لإحياء الاتصالات المصرية -  الإسرائيلية، على أعلى المستويات. ففي سبتمبر 1955، أجرى كيرميت روزفلت[3] (Kermet Roosevelt) اتصالات سرية مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها إقناعه باتخاذ إجراءات معينة، بهدف موازنة صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، وذلك خدمة للسلام في المنطقة وكان من رأي روزفلت أن يعلن الرئيس عبدالناصر، أن صفقة السلاح التشيكية تمثل أسلحة دفاعية محضة، وأن مصر مستعدة لاتخاذ خطوات إيجابية نحو السلام، إذا رأت أن الطرف الإسرائيلي سيستجيب بخطوات مماثلة. ومع أن وزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاسJohn Foster Dulles ، كان قد ندد بصفقة الأسلحة التشيكية، وتأثيرها السلبي، على حد زعمه، إلاّ أن الدبلوماسية الأمريكية، حرصت على استمرار الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل. ولقد أطلق اسم "جاما" على المشروع، وتكفل روزفلت مع مايلز كوبلاند، بالجانب السري، وتكفل روبرت أندرسون بالجانب العلني. أمّا تفاصيل مشروع "جاما"، وفقاً لرواية كوبلاند ومذكرات بن جوريون، فهي كما يلي:

        يجري كل من روزفلت ومايلز كوبلاند سلسلة من المحادثات مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها الوصول إلى تحديد موقف أساسي، تنطلق منه المفاوضات. كما يجري أمريكيان آخران محادثات مماثلة مع بن جوريون، من أجل الوصول إلى تحديد موقف إسرائيلي مشابه. بعد ذلك، ينتقل أندرسون بين القاهرة وتل أبيب، من أجل تضييق شقة الخلاف بين الموقفين، إلى أدنى حدٍّ ممكن. عندئذ، يتمّ ترتيب اجتماع سري بين عبدالناصر وبن جوريون، على متن يخت خاص في البحر الأبيض المتوسط، لسد الفجوة نهائياً بين الطرفين. ويؤكد كوبلاند، أن روزفلت حصل على موافقة كل من الرئيس جمال عبدالناصر وبن جوريون على هذه الترتيبات، مع إصرار الرئيس عبدالناصر على نقطتين:

الأولى: يجب أن تحصل مصر على أكثر من مجرد ممر (وسيتم تحديد عرض هذا الممر في المفاوضات مع إسرائيل) لربطها بالأردن.

الثانية: على الإسرائيليين أن يوافقوا، من حيث المبدأ، على قبول الفلسطينيين، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

        على هذا الأساس، سافر روبرت أندرسون[4] من القاهرة إلى تل أبيب، يوم 3 يناير 1956، حيث عقدت اجتماعات مطولة مع المسؤولين هناك، بمن فيهم بن جوريون في حضور ممثل عن وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية)CIA. ويستفاد من مذكرات بن جوريون، أن المحادثات كانت تدور حول قضيتين:

أولاً: السلام بين مصر وإسرائيل، وتخفيف حدة التوتر والاشتباكات على الحدود. ويؤكد بن جوريون ما قاله كوبلاند حول اشتراط عبدالناصر لتحقيق السلام، أن تقبل إسرائيل حل مشكلة اللاجئين، وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة.

ثانياً: تأمين اتصال إقليمي بين أفريقيا وآسيا العربيتين.

        وخلاصة القول، إن مشروع جاما قد مات ودفن، نتيجة لرفض بن جوريون مناقشة التفاصيل المتعلقة بالتنازلات الإسرائيلية. وقد برر يعقوب هيرتزوج[5]، الذي حضر الاجتماعات الإسرائيلية مع أندرسون، موقف إسرائيل، بقوله، في صحيفة "معاريف"، يوم 6 أغسطس 1971: "لم تكن إسرائيل تعتقد أن في استطاعة عبدالناصر عقد صلح معها، حتى لو أراد ذلك، بسبب المعارضة، الداخلية والعربية، لمثل هذه الاتصالات". كما يقول بن جوريون في مذكراته، إنه كان يعتقد أن عبدالناصر، كان يجري هذه الاتصالات على سبيل المناورة، ومن أجل كسب الوقت، كي يتيح الفرصة أمام جيشه لاستيعـاب السلاح السوفيتي الجديد.
بيان دالاس في التمهيد لمشروع جونستون

        في ربيع عام 1953، قام جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، بجولة في دول الشرق الأوسط. وقدَّم دالاس، في أول يونيه 1953، تقريراً عن جولته، تطرق فيه إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومما جاء في التقرير: "وعلى مقربة من إسرائيل، يتجمع العدد الأكبر من اللاجئين العرب. وعددهم يزيد على 800 ألف لاجئ، وهم الذين هربوا من فلسطين، عندما استولى عليها الإسرائيليون. إن بعض هؤلاء اللاجئين، يمكن إسكانهم في المنطقة التي تحتلها إسرائيل حالياً، لكن معظمهم يستطيع، بصورة أجدى، أن يندمج في حياة البلدان العربية المجاورة. بيد أن هذا يعتمد على مشاريع الري، التي يمكن بواسطتها استثمار أراضٍ جديدة. ففي طول المنطقة، نجد أن الحاجة الكبرى هي إلى الماء. وتتوافر أموال الأمم المتحدة، وأموال أخرى أيضاً لمساعدة اللاجئين. هذه الأموال، يمكن إنفاق القسم الأكبر منها في سبيل استثمار الأنهار، التي تمر في البلدان العربية وإسرائيل، استثماراً منسقاً".

        ويلاحظ الدكتور فايز صايغ، مدير، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، أن السياسة الأمريكية هذه، ترتكز على القواعد التالية:

    التخلي عن فكرة العودة، إلاّ للعدد القليل من اللاجئين الفلسطينيين.
    إدماج السواد الأعظم من الفلسطينيين في البلاد العربية المجاورة، وحصر قضيتهم في النطاق الاقتصادي، وربطها بالتنمية الاقتصادية الزراعية في المنطقة العربية.
    اقتراح مشاريع ري مشتركة، تقوم بها البلدان العربية وإسرائيل معاً، بواسطة معونات مالية من الخارج.

وقد مهّد وزير الخارجية الأمريكي، دالاس، بهذا البيان، لمشروع جونستون، الذي أُعلن في العام نفسه.
مشروع جونستون 1953 - 1955

        يستهدف هذا المشروع معالجة، قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية فلسطين برمّتها، أو بمعنى أدق تصفيتهما، من طريق تعاون الدول العربية وإسرائيل على استثمار مياه نهر الأردن استثماراً مشتركاً.

        وقد بدأ أريك جونستون، مبعوث الرئيس أيزنهاورDwight David Eisenhower، زياراته إلى المنطقة، في أكتوبر 1953. ثم عاود زيارتها ثلاث مرات، كان آخرها في خريف 1955. ويتضح الاستمرار في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، في أن قواعد مشروع جونستون، كانت قد أرسيت في عهد الرئيس هاري ترومانHarry Truman. ويتلخص مشروع جونستون في النقاط التالية:

أولاً: ينفذ المشروع على خمس مراحل. تستغرق كل مرحلة منها سنتين أو ثلاثاً. وتقدر نفقات المشروع بنحو مائة وثلاثين مليون دولار. ينفق منها نحو ثلاثين في المائة على توليد الطاقة الكهربائية، وبناء محطاتها.

ثانياً: إنشاء خزان، على بعد نحو عشرين كم من ملتقى نهر الحاصباني بنهر الأردن، في منطقة واقعة شرق قرية "إبل السقي" اللبنانية. وفي هذا الخزان، تجمع مياه النهر في فصل الشتاء، وتقدر بنحو مائة وثلاثين مليون متر مكعب في العام، وتوزع في الأشهر التي تمس الحاجة فيها إلى الري. وبواسطة هذا الخزان، يصبح في الاستطاعة التحكم، نسبيا،ً في مياه القسم العلوي من نهر الأردن، التي تصب في بحيرة طبرية. وتُشق قناة، تتفرع من هذا الخزان إلى قرب مستعمرة "تل حي" (في فلسطين المحتلة)، تُشيد عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية، ثم تجري منها المياه إلى القناة الأساسية، التي ستزود منطقة جبال الجليل بالمياه.

ثالثاً: إنشاء سد على ملتقى مياه نهر "دان" بالقناة الأساسية في الجليل، لتحويل مياه نهر دان وتل قاضي إلى تلك القناة.

رابعاً: إنشاء سد آخر بالقرب من قرية عين الحمراء (في فلسطين المحتلة)، لتحويل مياه نهر بانياس إلى القناة الأساسية، لري منطقة جبال الجليل.

خامساً: إنشاء قناة أساسية، طولها مائة وعشرون كيلومتراً، تتحول إليها مياه نهر بانياس ونهر دان ومنابع تل القاضي ومياه القسم، الذي يقع تحت السد في نهر الحاصباني. وتجري المياه في هذه القناة جنوباً، حتى تصل إلى غرب مدينة طبرية. وتتفرع عن هذه القناة الأساسية أقنية فرعية، طولها نحو مائة وعشرة كيلومترات، لري جبال الجليل ومرج ابن عامر.

سادساً: تجفيف المستنقعات الواقعة شمالي بحيرة الحولة، واستغلالها، بعد ذلك، في زراعة الحبوب. وإنشاء قنوات محلية في تلك المنطقة، وتوسيع مخرج المياه من بحيرة طبرية.

سابعاً: زيادة مترين في ارتفاع السد القائم على نهر الأردن، عند خروجه من بحيرة طبرية، لزيادة تخزين المياه.

ثامناً: إنشاء قناتين من سد بحيرة طبرية، الأولى لري جميع أراضي الغور الغربي من بحيرة طبرية إلى البحر الميت، ويبلغ طولها نحو مائة كيلومتر (عدا الأقنية التي تتفرع عنها). أمّا القناة الأخرى، فالغرض منها ضخ المياه من بحيرة طبرية إلى الغور الشرقي، في أوقات الجفاف.

تاسعاً: إنشاء قناة تبدأ من سد نهر اليرموك، قرب العدسية (في الأردن)، تستخدم مياهها في توليد الكهرباء، بواسطة محطة تُنشأ قرب العدسية، وتحول منها مياه النهر إلى بحيرة طبرية.

عاشراً: إنشاء سد ومحطة كهرباء لمياه اليرموك، قرب محطة (المقارن) في الأردن، لزيادة مخزون المياه في خزان بحيرة طبرية.

        وقد شكّلت الحكومات العربية، المصرية والسورية واللبنانية والأردنية، لجنة فنية من الخبراء العرب، لدراسة هذا المشروع، وإبداء رأيهم فيه. وفيما يلي اعتراض لجنة الخبراء العرب على المشروع:

أولاً: رفضت لجنة الخبراء العرب مبدأ تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبرية، لأن معظم هذه البحيرة، يقع تحت إشراف السلطة اليهودية، بينما تنبع هذه المياه من أراضٍ عربية.

ثانياً: في ما يتعلق بإنشاء سد المقارن على نهر اليرموك، يقترح مشروع جونستون جعل هذا السد بارتفاع 58 متراً، بطاقة تخزينية 73 مليون متر مكعب من الماء، وتصريف بقية المياه إلى بحيرة طبرية. على أن يكون في الإمكان تعلية السد إلى ارتفاع 95 متراً، في المستقبل، لحجز 195مليون متر مكعب، إذا دعت الحاجة إلى تخزين كمية أكبر من المياه، لري الأراضي. ويبدو أن الغاية من ذلك أن يتكلف مشروع جونستون الإنفاق على تعلية السد وزيادة التخزين. وأن تمول المشروع الحكومتان السورية والأردنية، كل منهما من ميزانيتها الخاصة. ولذلك، اعترضت لجنة الخبراء العرب على هذا الاقتراح، وطالبت بإنشاء السد على نهر اليرموك، بارتفاع 150 متراً، من البداية، لحجز 400 مليون متر مكعب من الماء، للاستفادة منها في ري الأراضي وتوليد الكهرباء.

ثالثاً: يقترح مشروع جونستون، أن تكون محطة توليد القوة الكهربائية في العدسية (الأردن)، بقوة 23 ألف كيلو وات، على أن تزداد قوتها إلى 28 ألف كيلو وات، إذا زاد ارتفاع السد. لكنه يرجئ أمر إنشاء هذه المحطة، بحجة أن الأردن في غير حاجة إليها الآن. ويبدو أن سبب الإرجاء هو توفير نفقات إنشائها، وإلقاء هذه النفقات على عاتق الحكومة الأردنية، إذا ما رغبت في إنشائها، في المستقبل.

رابعاً: اعترضت لجنة الخبراء العرب على اقتراح مشروع جونستون، إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية من مياه الحاصباني، في مستعمرة "تل حي" اليهودية، وحرمان لبنان من الاستفادة منها. وطالبت بإنشاء هذه المحطة في الأراضي اللبنانية، وإمداد اليهود بما يزيد على حاجة لبنان من الكهرباء.

خامساً: بموجب مشروع جونستون، لا تستطيع سورية أن تروي أكثر من ثلاثين ألف دونم من الأراضي الزراعية، من مياه نهر اليرموك. كما أن المشروع يحرمها من الاستفادة من مياه نهرَي بانياس ودان وتل القاضي، في ري أي مساحة من الأرض. على حين قررت لجنة الخبراء العرب، أن سورية تستطيع أن تروي ما مساحته 68 ألف دونم من مياه نهر اليرموك، و20 ألف دونم من مياه نهر بانياس، و22 ألف دونم من مياه نهر الأردن.

سادساً: بينما يحرم مشروع جونستون الأراضي اللبنانية من أي ري من مياه نهر الحاصباني، بعد إنشاء سدّ عليه، وتحويل مياهه إلى المنطقة اليهودية، تقرر لجنة الخبراء العرب، أن في الاستطاعة ري ثلاثين ألف دونم من الأراضي اللبنانية، من مياه النهر.

        وقد ارتفعت أصوات الاحتجاج العربية، الشعبية والرسمية، تطالب برفض مشروع جونستون. وكان الفلسطينيون أول من رفع صوته باستنكارها، وآخر قرار لهم برفض مشروعات جونستون، هو القرار الذي اتخذه مؤتمر اللاجئين، المنعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955.
الموقف الفلسطيني من مشروع جونستون

        اتخذ مؤتمر اللاجئين الفلسطينيين، الذي انعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955، قراراً بالإجماع برفض المشروع، جاء فيه: يرفض اللاجئون الفلسطينيون كل مشروع، أو تفكير يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين، وحل قضية فلسطين حلاٍّ، لا يحقق المطالب الوطنية. كما يرفضون مشاريع الإسكان، ومشروع جونستون، الذي يؤدي، في النهاية، إلى عقد صلح مع إسرائيل أو التعاون معها".

        كما أصدرت اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين، في قطاع غزة، مذكرة، أرسلتها إلى رؤساء الحكومات العربية. ومما جاء في هذه المذكرة: "إن دولة إسرائيل، ما هي إلا بذرة الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي في البلاد العربية. ولن يكون نضال العرب نضالاً صحيحاً، منبعثاً من الأماني القومية للأمة العربية، إلاّ إذا حاربنا الأصل والفرع، والذين أمدّوا إسرائيل بالحياة، ولا يزالون يمدّونها. وإن في معاونة الاستعمار أو مهادنته تدعيماً لإسرائيل، وتثبيتاً لأركانها، وتقوية لبنائها. وهاهو الاستعمار يأتي بمشروع جونستون، الذي أُعد لتوطين عرب فلسطين في البلاد العربية، وإعطاء إسرائيل كميات كبيرة من المياه العربية، لاستصلاح الأرض المغتصبة، حتى تتسع ليهود آخرين، يجلبون إليها من مختلف بقاع العالم. فإذا ما وافقت الدول العربية على مشروع جونستون وأمثاله، الذي يرفضه عرب فلسطين، إنما تكون:

    قد باعدت بين عرب فلسطين وعودتهم إلى بلادهم، بتوطينهم في البلاد العربية.
    قد قضت على قرارات الأمم المتحدة، في خصوص فلسطين.
    قد قوَّت إسرائيل، بجلب إمدادات جديدة من الرجال، تكون مادة هذه الدولة، لتلتهم بلداً بعد آخر من البلاد العربية، حتى يتحقق الحلم، وتصبح إسرائيل من الفرات إلى النيل".

        فالموافقة على مشروع جونستون، وأشباهه من مشاريع الاستعمار، لا تقضي به الدول العربية على فلسطين بالاندثار من الوجود فحسب بل تقضي به كل دولة من هذه الدول بالإعدام على شعبها نفسه".


   

[1]  في 14 أبريل 1948، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 46، يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين.

[2]  تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة، مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية  والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث، التي ستتكون منها ``لجنة التوفيق``، على الجمعية العامة، لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية. واقترحت اللجنة، فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين ``لجنة التوفيق والمصالحة``. وقد أقرت الجمعية الاقتراح.

[3]  كان من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، قبل قيام ثورة 23 يوليه 1952. ثم أصبح، خلال فترة إدارة الرئيس أيزنهاور، عام 1953، المستشار الشخصي لوزير الخارجية، جون فوستر دالاس.

[4]  عمل وزيراً للبحرية، عامَي 1953، 1954، ثم نائباً لوزير الدفاع، حتى يوليه 1955، ثم خلف جورج همفري، كوزير للخزانة، عام 1957.

[5]  ممثل الحكومة الإسرائيلية، في المباحثات، التي أجراها أندرسون.

[6]  وُلد في روسيا، 15 أكتوبر 1894، وتوفـي عام 1965. هاجر إلى فلسطين عام 1906، وأصبح، في عام 1933، عضواً بارزاً في الوكالة اليهودية، وأحد المساعدين المقربين إلى ديفيد بن جوريون. من حزب الماباي. تولى وزارة الخارجية، من  مايو 1948 إلى يناير 1954. وتولى رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية، من يناير 1954 إلى نوفمبر 1955. ثم عيِّن وزيراً للخارجية من نوفمبر 1955 إلى يونيه 1956. راجع: مايكل بريشر، ``نظام السياسة الخارجية لإسرائيل``، إعداد مركز البحوث والمعلومات، لندن، جامعة أكسفورد، 1972، ص 892.

[7]  رجل سياسي لبناني، درس الحقوق، وشغل منصب رئيس الوزراء، في لبنان، عدة مرات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:23 am

القسم الرابع
مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة
       تمهيد

       طرح الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، مشروع تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، في 21 أبريل 1965، على أساس قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في 22 نوفمبر 1947.

       والتقى الرئيس التونسي، يوم 21 فبراير، أعضاء مجلس الأمة المصري، وقال: إنه على الرغم من أن الاتفاق، الذي تم في مؤتمر القمة، في خصوص "المشكل الصهيوني"، قد جاء خلافاً للخطة، التي اقترحتها تونس، "فإن بلاده مستعدة للمساهمة بقسط في تنفيذ كل قرارات مؤتمر القمة، تضامناً مع إخوانها، وتفاؤلاً بما أظهرته اجتماعات القمة من عزيمة". وأشار إلى أنه كان دوماً يرى، أن هذا "المشكل" هو "مشكل استعمار، وأن الطرق الكفاحية التي توخيناها في المغرب العربي، قد تكون ناجحة لتحرير أرض فلسطين. لذلك، أعلنا واجبنا أن نواجه مشكلة فلسطين مواجهة الجد، وأن نمد يد المساعدة لإخواننا، حتى يتحرروا من سيطرة، لا تختلف كثيراً، في جوهرها وأهدافها، عن تلك التي ابتلينا بها نحن في المغرب العربي".

       وفي 22 فبراير 1965، صدر البيان المشترك عن محادثات الرئيسين، عبدالناصر وبورقيبة، في القاهرة. وفيه أكّدا "تأييدهما لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومساعدتها على استرداد حقوق الشعب الفلسطيني كاملة". كما أعلنا "أن تزويد السلطات الإسرائيلية بالأسلحة، هو تشجيع للعدوان الإسرائيلي، وتهديد خطير لكيان الدول العربية كلها، الأمر الذي يستدعي متابعة تطوراته باهتمام شديد، حماية لسلامة الدول العربية وصيانة لأمنها".

       وقد ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة خطاباً في أبناء فلسطين، في أريحا، يوم 3 مارس 1965، أثناء زيارته الرسمية إلى الأردن. دعا فيه إلى اتِّباع سياسة المراحل، بالنسبة إلى تحقيق آمال العرب في فلسطين. وأخذ على العرب تمسكهم بما أسماه "الكل أو لا شئ". وقال إنه كان على العرب أن يقبلوا التقسيم، لأنهم لو فعلوا، لكانوا في حالة أفضل مما هم عليه الآن (انظر ملحق خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أبناء فلسطين).

       وتحدث الرئيس بورقيبة، في مؤتمر صحافي، عقده في بيروت، يوم 11 مارس 1965، بمناسبة انتهاء زيارته الرسمية إلى لبنان، عن فلسطين. فدعا إلى الأخذ بسياسة "خذ وطالب". وأكد أن تحقيق آمال العرب في فلسطين، لا يكون إلاّ على مراحل. فسّر سياسة "لا غالب ولا مغلوب"، بقوله إنها تعني "تجاوز إطار الغلبة، الذي أنا فيه، والارتفاع إلى نطاق التساوي بعدم غلبة أحدنا للآخر. وعندها، أضمر في نفسي ما يجب أن أضمر من أسباب الكر والفر، واستخدام الدهاء السياسي، وأدرس قوة خصمي، فأوجهها، دولياً، إلى مصلحتي، وعندها، أفوز بمبتغاي".

       ورداً عن سؤال صحافي، حول الضجة، التي رافقت تصريحاته عن قضية فلسطين، قال الرئيس بورقيبة، في إستانبول، يوم 29 مارس، أثناء زيارته الرسمية إلى تركيا، إن كل ما فعله هو "أننا اقترحنا طريقة في النضال، حققت لنا النجاح في تونس. وهي طريقة تتناسب مع إمكانياتنا، وتقبل مبدأ المراحل في الكفاح، ولا تسد الباب أمام المناقشة والمفاوضات، ولا هي من تلك الطرق التي تعتمد مبدأ (الكل أو لا شيء).

       ونشرت جريدة "الصباح" التونسية، في عددها الصادر في الأول من أبريل، نص الخطاب، الذي ألقاه الدكتور وليد القمحاوي، نقيب أطباء الأردن، في مؤتمر الأطباء العرب الرابع، المنعقد في تونس، في حضور الرئيس الحبيب بورقيبة. وفيه حيّا كل الذين يؤمنون، مع شعب فلسطين، بأن المأساة الفلسطينية، لا تحتمل سوى حل واحد، هو القضاء على إسرائيل". وأمّا الأصوات، التي ترتفع، بين الحين والحين، داعية إلى التعايش مع إسرائيل، أو التعايش مع الغزاة الصهيونيين في فلسطين، فهي ليست أصوات شعبنا. إن شعار الواقعية، التي تتستر وراءها، إنما هي واقعية الاستعمار، الذي يزعم أن إسرائيل حقيقة قائمة، وأنها وجدت لتبقى". وقال إن واقعية الشعب العربي، هي واقعية الثوار، الذين رفضوا الاعتراف بالاستعمار الفرنسي في المغرب العربي الكبير، "وكافحوه بإصرار، حتى جعلوه يحمل عصاه ويرحل". وإن هذه الواقعة الثورية، هي التي "تملي على أمتنا العربية، أن تقف من حكومة ألمانيا الموقف الحازم، الذي تملية الكرامة الوطنية والمصلحة القومية، لا يلهينا إغراء، ولا يثنينا وعيد". وقد نخسر نتيجة الوقفة الحازمة شيئاً، ولكن يجب أن نجعل عدونا يخسر أكثر. ثم أشار إلى زيارة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، قبل أسابيع قليلة، إلى مدينة نابلس، حيث خرج الآلاف يهتفون لفلسطين، إيماناً منهم بالعودة إليها، وعودتها إلى أهلها. وقال: "وعرب فلسطين، لا يتعلقون بالأوهام، كما يتصور البعض، عندما يؤمنون بالعودة، وإنما يعلمون أن طريق العودة شاقة طويلة. فهم يستعدون لها بالنفَس الطويل، وبالأمل، يجسدونه في منظمة التحرير الفلسطينية، وبالعمل الجبار الدؤوب".

       وفى 15 أبريل، أصدر الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، بياناً، قال فيه إنه ليس صحيحاً ما ذكرته صحف تونس، من أن هيئة المكتب، قدمت اعتذاراً إلى الرئيس بورقيبة، عند مقابلته في اليوم السابق، عمّا ورد في خطاب الدكتور القمحاوي، رئيس الدورة السابقة للاتحاد. ولكن الحقيقة أن هيئة المكتب، توجهت لتقديم الشكر إلى الرئيس التونسي، لافتتاحه المؤتمر. وأعلن البيان، أن ما ورد في خطاب الدكتور القمحاوي، يعبر تعبيراً صادقاً عن رأي الأطباء العرب، الذي أعلنوه في جميع مؤتمراتهم السابقة. وقد رفض الرئيس بورقيبة استقبال أعضاء المؤتمر، كما كان مقرراً من قبل، وبعد أن وصلوا، فعلاً، إلى قصره، طبقاً لبرنامج الزيارات، وذلك بسبب إذاعة البيان المشار إليه.

       وفى 14 أبريل، صرح الرئيس بورقيبة لجريدة "نوفل أوبزرفاتور" الفرنسية، "أن ما من أحد، إلاّ ويعلم أن الحرب مستحيلة، وأنه لا تنقضي بضع ساعات على إشهارها، حتى توقفها الدول الكبرى، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، التزمت التدخل بكل عزم، لتحُول دون عدوان إسرائيل على العرب، أو عدوان عربي على إسرائيل.
تصريح الرئيس بورقيبة لتليفزيون باريس

       أثناء زيارة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، إلى تشيكوسلوفاكيا، أدلى، في الأول من أبريل 1965، تصريحات مهمة لتليفزيون باريس، حول جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، والضجة التي قامت حول مقترحاته، المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وفيما يلي نص الحديث:

س: أدليتم في بيروت، في شأن قضية إسرائيل، بتصريحات، كان لها وقع كبير، وأثارت حتى الامتعاض. فما الذي حدا بكم على الحديث في هذه الفترة بالذات؟

ج: ذلك هو اعتقادي. ولقد تصرفت، إلى حدّ ما، مثل تصرفي أثناء المعركة ضد الاستعمار. فمع الاستعمار الفرنسي، لم أتخذ قط موقفاً متحجراً عاطفياً أعده سلبياً. ولقد عرفنا مثل هذه النظرة في تونس، وكانت نظرة سلبية عاطفية، سادت تونس نصف قرن، دون أن تتقدم بها خطوة واحدة في سبيل التحرر. ومنذ ذلك اليوم، الذي تولينا فيه أمر الحركة الوطنية، ميزنا بين التعاون والهيمنة، بين فرنسا بلد المبادئ، وفرنسا بلد الحضارة، من جهة، وبين المعمرين والجندرمة أو العسكريين، من جهة أخرى. ولقد أدخلنا هذا التمييز في تفكير الشعوب، وكثيراً ما قلت، ونحن في خضم المعركة ضد الهيمنة الفرنسية، إننا نريد التعايش مع الفرنسيين، ونريد أن تكون لنا علاقات عادية ووُدية بالفرنسيين، وإننا سنكون في حاجة إلى أن نعيش مع الفرنسيين في صفاء، لكننا نريدها مطهرة من نزعات الغزو والهيمنة، وصدق هذا القول أيضاً أنه ما دمنا تحت الهيمنة الفرنسية أن نقول قولاً جميلاً لفرنسا.

ولقد أردت أن أجمع بين الأمرين، فقلت إن اليهود، من جهة، يمكن التعايش معهم، ومن جهة أخرى، هناك كرامة العرب وحريتهم في تقرير مصيرهم. فصدم هذا القول البعض، وأستطيع أن أؤكد لكم، أنه لم يصدم كل الناس، وأن الاستقبالات الشعبية، التي لقيتها، والحماس الذي قوبلت به، سواء في فلسطين أو من لدن اللاجئين الفلسطينيين، في الأردن وفي مصر، تقيم الدليل على أن بعض الصحافيين يمثلون، فعلاً، نظريات قد تكون مخلصة، لكنهم لا يمثلون رأي الأغلبية الساحقة لسكان هذه المنطقة.

وإجابة عن سؤال آخر، قال الرئيس بورقيبة:

        إنني التزمت دائماً لغة الإخلاص. ولكن القادة، أبدوا، أثناء المحادثات، تفهماً أكثر مما أبدوه أمام الجماهير. ولقد قبلوا التقدم شيئاً فشيئاً، وهنالك بعض الحلول الوسطى، يمكن أن تشكل مراحل، على أن هنالك في تلك البلدان مشكلة الجماهير، التي تأثرت بالإذاعة والخطب، إلى درجة أنها تحدّ من حرية عمل الزعماء. فهؤلاء الزعماء، يعمدون، في سبيل الهتاف لهم، إلى الظهور على جانب كبير من الوطنية، فيلاطفون الميول، ويعدون الجماهير الجائعة، المعذبة، المهانة، بالأماني، ويعدونهم بتحقيق آمالهم بين عشية وضحاها. وما أن يحاول زعيم، والحالة تلك، تدبير وسيلة، تستهدف حلاً وسطاً، حتى يجد نفسه متضايقاً في أعماله، وفي طريقة تصرفه. وهي حالة تتواصل منذ سبع عشرة سنة. وأذكر، فعلاً، منذ ثلاثين سنة خلت، عندما كنا في بداية المعركة التحريرية في تونس، أنه كان هناك حرب العصابات في فلسطين، والتي لم تعد الآن موجودة. تلك هي النتيجة.
مشروع بورقيبة

       في21 أبريـل 1965، تقدّم الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، بمشروع تسويـة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، على أساس قرار التقسيم[1]، الصادر في نوفمبر 1947، تضمن النقاط البارزة التالية:

أولاً: تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة، التي احتلتها منذ إنشائها، لتقوم عليها دولة عربية فلسطينية.

ثانياً: يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولتهم الجديدة.

ثالثاً: تتم المصالحة بين العرب وإسرائيل لتنتهي حالة الحرب بينهما.

       ونشرت جريدة "العمل"، في عددها الصادر في 23 أبريل 1965، نص الحديث، الذي دار بين الرئيس بورقيبة وأعضاء "المكتب القومي للطلبة الدستوريين"، حول فلسطين. وكان مما قاله: "إنني لست زعيماً للفلسطينيين. ولو كنت كذلك، لما رأيت مانعاً من التقابل مع الإسرائيليين. ولقد تقابلت مع الفرنسيين، والحماية قائمة في تونس، وتفاوضنا، فنجحت المفاوضات أحياناً، وأخفقت في أحيان أخرى. فأي ضرر لحقنا من ذلك؟". ودعا إلى لقاء عربي ـ  إسرائيلي، إمّا في روما، أو في أي بلد أجنبي، من أجل الوصول إلى حل وسط، "يضمن لنا عودة اللاجئين، ويضمن لها (أي لإسرائيل) اعترافنا بوجودها داخل الحدود، التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة، داخل الأراضي التي استحوذت عليها، في إثر الغلطة الفادحة، التي ارتكبها العرب، عندما رفضوا مقررات الأمم المتحدة، مما جعل نصيبهم يتضاءل، ويصبح أقل مما أعطتهم الأمم المتحدة. وهكذا، فإن الحل يقتضي احترام مبدأ وجود إسرائيل، ويضمن لنا، في مقابل ذلك، ربحاً مهماً، يفوق الأرض والمدن، التي نسترجعها، إذ نتمكن من إعادة اللاجئين، ومن إيجاد وضع يسوده التوازن، لفائدة العرب والفلسطينيين".

       ونفى السيد محمد بدرة، رئيس المكتب القومي للطلبة الدستوريين، في تصريحات صحفية، في القاهرة، في 28 أبريل، أن يكون الرئيس التونسي قد دعا إلى الاعتراف بإسرائيل، بل هو يدعو إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وذلك بقصد مضايقة إسرائيل. وهو أمر قد حدث، على حد قوله، إذ رفضت إسرائيل تنفيذ القرارات، وحدثت وقيعة بينها وبين أمريكا. وهذا ما كنا نقصده. وقال إنه إذا اتفق العرب على حل غير هذا، فإننا سنكون مع العرب. وأضاف: ولكن الرئيس التونسي يرى أن السلاح، ليس هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على إسرائيل، ولكن هناك "الرأي" أيضاً (انظر ملحق حديث الرئيس بورقيبة إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين).
رسالة بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حول قضية فلسطين

       وفى 29 أبريل 1965، بعث الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، برسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حاول فيها توضيح تصريحاته، مؤكداً أنها تستهدف خدمة حقوق العرب في فلسطين (انظر ملحق رسالة الرئيس بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر).
بيان ممثلي الملوك والرؤساء العرب

       وفى 29 إبريل 1965، أصدر ممثلو الملوك والرؤساء العرب بياناً، أكدوا فيه أن اللجنة، نظرت في مذكرة رئيس منظمة تحرير فلسطين بتصريحات السيد الحبيب بورقيبة، رئيس جمهورية تونس، في شأن القضية الفلسطينية، واستذكرت ما أجمعت عليه الأمة العربية، منذ نشأة المطامع الصهيونية الاستعمارية في فلسطين، من الجهاد المقدس ضد هذه المطامع وأخطارها على الوطن العربي، وما قام عليه ميثاق الجامعة، من تمسك الدول العربية كلها بعروبة فلسطين واستقلالها، والتزاماتها بالعمل صفاً واحداً لتحقيق هذا الاستقلال.

       كما استذكرت النضال العربي المتصل، ضد محاولات الاستعمار والصهيونية تصفية قضية فلسطين واعتراف العرب بإسرائيل. وتذاكرت ما كسبته القضية العربية في المجالين، القومي والدولي، نتيجة لهذه السياسة الجديدة في وحدة العمل العربي لتحرير فلسطين، والمؤامرات الاستعمارية الصهيونية، التي تُدبَّر ضد هذه السياسة القومية. وقررت، بالإجماع، ما يأتي:

أولاً: تؤكد اللجنة، من جديد، باسم ملوك ورؤساء الدول العربية وحكوماتها، التمسك التام بمقررات مؤتمرَي القمة العربيين ورؤساء الحكومات العرب، والتزامهم الكامل بجميع ما تنطوي عليه من واجبات ومسؤوليات.

كما تؤكد أن الحكومات العربية، معّبرة عن إرادة شعوبها، ماضية بخطى ثابتة في دعم القيادة العربية الموحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وفي تنفيذ المشروع العربي لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده. وأنها على استعداد تام لمواجهة جميع الاحتمالات، وبذل التضحيات في سبيل تحرير الوطن العربي الفلسطيني تحريراً كاملاً.

ثانياً: يؤكد الممثلون الشخصيون باسم ملوكهم ورؤسائهم، رفض أي دعوة إلى الاعتراف، أو المصالحة، أو التعايش مع إسرائيل، التي اغتصبت، بمؤازرة الاستعمار، جزءاً من الوطن العربي، وأخرجت شعبه منه. واتَّخذها الاستعمار والمطامع الأجنبية العدوانية في العالم العربي، قاعدة تهدد البلاد العربية كلها، وتحُول دون قوَّتها وتقدُّمها. كما يعدّون مثل هذه الدعوة خروجاً على الإجماع العربي في قضية فلسطين، وعلى ميثاق الجامعة، ونقضاً للخطط، التي أجمع عليها ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية، وباركتها الأمة العربية.

ثالثاً: دعوة مجلس رؤساء الحكومات العربية، للاجتماع في الرابع والعشرين من شهر مايو المقبل، للنظر في تطور الموقف العربي، واتخاذ القرارات الكفيلة بدعم وحدة العمل في قضية فلسطين، وإحباط المؤامرات العدوانية ضدها، وكفالة اطِّراد التقدم، الذي أحرزه العرب في المجالين، القومي والدولي.

       وفى الأول من مايو 1965، ألقى الرئيس بورقيبة خطاباً، أكد فيه دعوته السابقة، في خصوص قضية فلسطين، وقال: "يجب أن لا يَغْرُب عن بالنا، أن إسرائيل عضو في الأمم المتحدة. وهذا ما يجعل الدول، لا تنظر إلينا بعين الجد، عندما نتحدث عن الحرب، لأن جميع تلك الدول، بما فيها أمريكا وروسيا، بحكم اعترافهما بإسرائيل، وتعاملهما معها، ستتدخل حتماً لوقف الحرب".

       وقد نشرت جريدة "العمل" في عدديها، الصادرين في 22 و 23 مايو 1965، نص بيان مطول للرئيس بورقيبة، ألقاه في المجلس القومي للحزب الدستوري التونسي، مما لا يخرج عن مواقفه من قضية فلسطين، على النحو الذي ورد أعلاه. كما نشرت جريدة "العمل" في عددها، الصادر في 23 مايو نص بيان، أصدره المجلس القومي للحزب، أعلن فيه تأييد حقوق عرب فلسطين، من ناحية، وإيمانه بمقترحات بورقيبة لحل القضية الفلسطينية، من ناحية أخرى.

       وفي 11 يونيه، أذاع السيد عبدالعزيز شوشان، الأمين العام "للجبهة الوطنية الديموقراطية" التونسية، بياناً، قال فيه إن الجبهة تعلن للعالم أجمع، وللعرب على وجه الخصوص، أن الشعب التونسي، يرفض، بإصرار، موقف بورقيبة من قضية فلسطين. كما أكد أن الشعب التونسي، ممثلاً في هذه الجبهة، يؤمن إيماناً ثابتاً بحقوق شعب فلسطين في أرضه، ويؤكد عزمه على المشاركة في معركة تحرير فلسطين، التي هي جزء لا يتجزأ من معركة تحرير الوطن العربي كله.

       ونشرت جريدة "العمل" التونسية، في عددها الصادر في 15 يوليه، نص حديث، أدلى به الرئيس بورقيبة إلى جريدة "الأوبزرفر" (Observer) البريطانية، وفيه اعتراف "بسقوط الحل"، الذي نادى به "تحت ضربات العرب والإسرائيليين على حد سواء". وأضاف: "على هذا النحو، كان من المحتوم أن لا تأتي اقتراحاتي بأي نتيجة، وذهبت الفرصة أدراج الرياح".

       كما نشرت "العمل"، في عددها، الصادر في 23 يوليه، نص حديث، جرى بين "وفد الاتحاد الدولي للشبيبة الاشتراكية" والرئيس بورقيبة، قال فيه، إنه من، الممكن، في نظره، "تصور حلول وسطى مشرّفة، قد تسهّل الحل النهائي، وتضمن التعايش بين العرب واليهود، حالما يتم إيجاد تسوية لمشاكل الكرامة، والبلدان العربية، ليست موافقة على هذا الرأي".
البيان الذي وجَّهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث

       وفى 13 سبتمبر 1965، وجَّه الرئيس الحبيب بورقيبة مذكرة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث، المنعقد في الدار البيضاء في المغرب، والذي تخلّف بورقيبة عن حضوره، حاول فيها توضيح تصريحاته، التي تضمنت مقترحاته لحل قضية فلسطين، على أساس الاعتراف بوجود إسرائيل (انظر ملحق بيان الرئيس بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث).
قرار مجلس وزراء الخارجية العرب

       وقد أصدر مجلس وزراء الخارجية العرب قراراً برفض مذكرة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لمؤتمر القمة العربي الثالث، المنعقد في 13 - 17 سبتمبر 1965، وعدم توزيعها على الملوك والرؤساء العرب.

       وفى 13 سبتمبر 1965، اجتمع وزراء الخارجية العرب في الدار البيضاء، مجدداً، في جلسة مغلقة، باستثناء وزير خارجية تونس، بناء على دعوة الأمين العام للجامعة العربية، عبدالخالق حسونة، للاطلاع على مذكرة، تسلمها من الحبيب الشطي، سفير تونس في الرباط، ومقدمة من الرئيس بورقيبة، حول موقفه من مؤتمر القمة، مع طلب من وكيل وزارة الخارجية التونسية، لعرضها على مجلس الملوك والرؤساء، وإدراجها كوثيقة رسمية من وثائق المؤتمر. وأُعلن، بعد انتهاء الاجتماع، أن وزراء الخارجية قرروا، بالإجماع.

    رفض تسجيل مذكرة الرئيس التونسي في سجلات الجامعة العربية.
    رفض توزيعها على وفود الدول العربية.
    رفض عرضها على الملوك والرؤساء العرب.

       وقد بنى الوزراء هذا القرار، على أساس أن المذكرة، تتضمن تهجماً على القضية الفلسطينية، وتهجماً على دولة عربية.

       وفي ما يلي نص قرار مجلس وزراء الخارجية العرب، الخاص برفض مذكرة الرئيس بورقيبة لمؤتمر القمة العربي الثالث، بتاريخ 13 سبتمبر 1965:

       أحيط مجلس وزراء الخارجية علماً بما جاء في رسالة السيد كاتب الدولة للشؤون الخارجية التونسية، للأمين العام للجامعة ، المقدمة في مساء 12/9/1965، والمتضمنة رجاء أن يرفع البيان المرافق لها في شأن موقف تونس من مؤتمر القمة العربي، إلى علم أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء، وأن يثبت كوثيقة رسمية ضمن وثائق الجامعة، كي يتم توزيعه على الوفود المشاركة، قبل انعقاد المؤتمر.

        وقرر المجلس عدم إبلاغ البيان إلى الملوك والرؤساء، وعدم إثباته كوثيقة رسمية ضمن وثائق الجامعة، وعدم توزيعه على الوفود المشاركة في المؤتمر.

       وفي حديث، نشر في مجلة "رباليتيه" الباريسية، في 5 نوفمبر، قال الرئيس التونسي، بورقيبة، في معرض حديثه عن فلسطين، إنه يعتقد أن إسرائيل ومصر، لا تريدان الحرب، وأنهما تحبذان بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. وأضاف أنه لا يعتقد أن مصر تتطلع إلى حرب مع إسرائيل، سواء اليوم أو غداً. وقال "إذا كانت مصر تملك القنبلة الذرية، فإنها تعرف أن العالم كله سيمنعها من استخدامها، واليهود في  الموقف نفسه، لا يريدون الاعتراف بالهزيمة، ولذلك، فإنهم يعطون الانطباع بالاستعداد للعدوان، إلا أنهم يعتقدون، في قرارة أنفسهم، أن أهون الشرين هو الوضع الراهن".

       وفى 7 يناير 1966، أوردت جريدة "العمل" التونسية خبراً عن منظمة التحرير الفلسطينية، قالت فيه إن عدداً من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، قدّموا مذكرة إلى رئيس المنظمة، قالوا فيها: "إن المبرر الوحيد لقيام المنظمة، هو نقل العمل الفلسطيني إلى مكانه الطبيعي، فوق الأرض المحتلة". وأضافت الجريدة، أن هذا هو ما نادى به الرئيس بورقيبة، كما دعت إلى إخراج القضية الفلسطينية "من المرحلة الجدلية السلبية، إلى العمل والواقع، وإلى الأرض"، حتى يبعث الفلسطينيون الرعب في قلب المغتصب، "ويرغموه على التفاوض، ويجعلوا القضية، تطرح على المحافل الدولية".

       وفى 18 أبريل 1966، هبط الطيار الإسرائيلي السابق، أبى ناثان، في تونس، في نطاق محاولته الاجتماع بقادة العرب. وقد صرح بأن بورقيبة "هو الرجل الوحيد، الذي أعلّق عليه كل آمالي". كما أنه صرح، بعد وصوله، في 19 أبريل 1966، بأن المسؤولين التونسيين، أبلغوه بأن الرئيس بورقيبة، كان يحضر اجتماعاً، ولكنهم قالوا له: "نرجو أن تعود قريباً".

       وقال الرئيس التونسي، في مقابلة، أجرتها معه محطة الإذاعة الفرنسية، "أوروبا"، في 26 مايو 1966، إن هدفه من دعوة العرب للاعتراف بإسرائيل، هو "الوصول إلى حل معقول، يضمن التعايش السلمي والسلام في هذا العالم". وأضاف أنه خلال تجوله في العالم العربي، لم يشاهد "أي فلسطيني لديه فكرة إشهار الحرب لتحرير فلسطين". وقال إن محطات الإذاعة العربية، "لا تعمل شيئاً سوى تحريض الفلسطينيين".

       وفى 16 يونيه، أدلى وزير خارجية إسرائيل، أبا إيبان Abba Eban، بتصريح إلى صحيفة "كومبا" الفرنسية، قال فيه إن فكرة الرئيس بورقيبة، من أن إزالة إسرائيل من الوجود، أمر لا يمكن تحقيقه، ستلاقي تأييداً من جانب بعض القادة العرب.

       وخلال زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة إلى ألمانيا الغربية، جدد دعوته لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي بالوسائل السلمية. فقد أعلن في 19 يوليه، أمام الصحفيين في بون، أنه "يجب حل قضية فلسطين من طريق الطرفين المعنيين، وعلى مستوى دولي". وقال إن الحل هو قبول قرار الأمم المتحدة، الصادر عام 1947، والاعتراف بحدود إسرائيل كما كانت عليها في ذلك الحين، والسماح بعودة اللاجئين إلى بلادهم.

[1]  راجع قرار تقسيم فلسطين، في 22 نوفمبر 1947، المشار إليه سابقاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:24 am

ملحق
خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أبناء فلسطين، بمنطقة أريحا

إني شديد التأثر من هذه المناظر، وشديد الاعتزاز كذلك. أمّا تأثري، فلِما شاهدت من آثار النكبة، التي مُنينا بها في فلسطين، منذ 17 سنة. وأما اعتزازي وتفاؤلي، فلِما لمسته من حماس وإرادة حديدية وتصميم على استرجاع الحق كاملاً، غير منقوص.

تعلمون أن الشعب التونسي، كان، إبان النكبة، مغلوباً على أمره، يعانى وطأة الحكم الاستعماري المباشر. ومع ذلك، فقد أسهم في القيام بالواجب المقدس، وشارك في حرب فلسطين، إذ وفَد التونسيون، شباباً وكهولاً، من كل أنحاء القطر التونسي، كي ينالوا شرف المشاركة في النضال من أجل أرضٍ إسلامية، عربية شقيقة، لا يفرقون بينها وبين الأرض التونسية. ثم خاضت تونس معارك عنيفة وكفاحاً مريراً، حتى تخلصت من الاستعمار، ووقفت على قدميها، وأقامت دولة عربية إسلامية، في أرض مطهرة من كل ازدواج أو احتلال، ومن كل هيمنة أو نفوذ أجنبي.

لكننا نعتبر في تونس، أننا لا نزال مقصّرين، وأن علينا واجبات، يتحتم أن نقوم بها لتخليص كل شبر من الوطن العربي الكبير، وقد أكّدت، في الكلمة التي ألقيتها في مؤتمر القمة العربي الأول، أن تونس تسخّر كل إمكانياتها، لتدعيم الصف العربي، وللخروج من هذه المعركة الفاصلة، والنصر المبين يكلّل جبيننا. لكن ما أريد أن ألفت إليه نظركم، أصحاب الحق السليب، كما كنا نحن أصحاب الحق، الذي استبد به الاستعمار في تونس، هو أنه يجب أن تكونوا في الصف الأول من هذه الواجهة، التي تعمل على حماية فلسطين. إنني أصارحكم بما أعتقده في قرارة نفسي، وما آمنت به، من بعد تجربتي في الكفاح من أجل التحرر والانعتاق، التي دامت 34 سنة، فإن دوركم في المعركة هو الدور الأول، وهذا ما يجب أن تضعوه نصب أعينكم في قرارة نفوسكم وعقولكم، وإذ أخاطب، في هذه اللحظة، الأمة العربية وكل العرب، الذين يعتبرون هذه القضية قضيتهم، أريد أن ألفت نظركم إلى أن تجربتي الشخصية في كفاحي الطويل، أكّدت لي أن العاطفة المشوبة، والأحاسيس الوطنية المتقدة، التي أرى نموذجاً حيا منها على وجوهكم، لا تكفى لتحقيق الانتصار على الاستعمار، فهي، وإن كانت شرطاً أساسياً وضرورياً، غير كافية، بل لا بد مع الحماس والاستعداد للتضحية والموت والاستشهاد من قيادة موفقة، تتحلى بخصال كثيرة، ولا بد من رأس يفكر ويخطط، وينظر إلى المستقبل البعيد.

والكفاح المركز، يقتضي فهْم العدو، ومعرفة إمكانياتنا الحقيقية، وتقدير إمكانيات الخصم، وضبطها بأكثر ما يمكن من الموضوعية والتحري والتثبت، حتى لا نرتمي في مغامرة أخرى، تصيبنا بنكبة ثانية، وتعود بنا أشواطاً بعيدة إلى الوراء. هذا ما يجب أن نفكر فيه ونقرا له حسابه[1]. ولذا، لا بد لنا من الصبر، ومن التخطيط، ومن توفير الأسباب، وتهيئة البشر والعتاد، وحشد الأنصار والحلفاء، ويجب أن نعطي لهذا العمل وقتاً كافياً، وألاّ نتسرع ونرتمي في المعركة الحاسمة، قبل أن نوفر أكثر ما يمكن من أسباب النجاح. على أننا، مهْما وفرنا من هذه الأسباب، فلا بد لنا من أن نتكل على الله، فنحن على حق، والحق يعلو، ولا يعلى عليه.

وإن توفير أسباب النجاح من خصائص القادة والزعماء والمسؤولين وهذه الأسباب، كانت تنقصنا في السنين الماضية، حين خضنا المعركة. وسنعمل - إن شاء الله - بكد وجد وإخلاص وصدق على توفيرها للمعركة المقبلة، وسيكون هذا نصب أعيننا في ندوات القمة، وفي الاجتماعات التي تليها، وفي كل أعمالنا الإيجابية. وعلينا أن ننتفع بالتجارب السابقة، وأن نمعن النظر، لكي نتمكن من ضبط المعطيات، التي تتغير وتتطور بتطور الزمن، ومن ضبط القوى، التي يمكن أن نعتمد، عليها والقوى التي يستند إليها العدو. ولقد بدأنا هذا العمل الإيجابي، ولكنه لم ينتهِ بعد، وهو يحتاج إلى جانب عظيم من الصدق والإخلاص والجدية والشجاعة الأدبية.

إن الإكثار من الكلام الحماسي، أمر سهل، وبسيط للغاية. أمّا ما هو أصعب وأهم، فهو الصدق في القول، والإخلاص في العمل، ودخول البيوت من أبوابها. وإذا اتضح أن قوانا، لا قِبل لها بمحق العدو ورميه في البحر، فعلينا ألاّ نتجاهل ذلك، بل يجب أن ندخله في حسابنا، وأن نستخدم، مع مواصلتنا الكفاح بالسواعد، الإستراتيجية، وأن نستوحيها في مواقفنا، حتى نتقدم نحو الهدف، مرحلة بعد مرحلة، مستعينين في ذلك بالحيلة والجهد، فإن الحرب، كما لا يخفى، كر وفر، فهكذا انتصر أجدادنا في المعارك العظيمة، التي دوخوا بها العالم. وإذا كان من حق الشخص العادي، أن يتحمس للهدف النهائي، ويتخذ منه قمراً، يعينه على السير إلى الأمام، فإن على الزعيم المسؤول عن المعركة، أن يتثبت من الطريق الموصل إلى الهدف، وأن يدخل في حسابه المنعرجات، التي قد يضطر إلى اتّباعها، لاجتياز العراقيل والصعوبات. والمنعرج لا ينتبه إليه، في غالب الأحيان، مَن تسيطر عليهم العواطف، لأن العاطفة تأبى إلاّ أن تسير في خط مستقيم. لكن عندما يدرك الزعيم، أن الخط المستقيم، لا يمكن أن يوصل إلى غاية، فإنه يضطر لاتّباع المنعرج، فيبدو، في الظاهر، وكأنه ترك الهدف جانباً، الأمر الذي يثير ضجة الأتباع. وفي هذه الحالة، يجب على القائد، أن يفهمهم أنه اضطر إلى ذلك اضطراراً، وأنه سيعود إلى الطريق، بعد اجتياز الصعوبة، التي واجهته، وتسلّق الجبل، الذي اعترضه، وأن يقنعهم بأن إمكانياته المتواضعة، فرضت علية ذلك، وأنه لن ينسى الهدف، بل سيواصل، بعد تخطّي تلك العقبات، السير، حتى يصل إليه.

ويبدو أن هذا الأمر، قد تعذر على الكثير من الزعماء العرب. والواقع أن الكارثة، التي مُنينا بها، ووقوفنا على حدود فلسطين العربية، دليل على أن القيادة، لم تكن موفقة، فإن عجز الجيش عن تحقيق النصر، مع توافر الحماس، يدل على خطأ القيادة، بدون شك. وكما قلت لكم، فإننا نعمل بجد واجتهاد، على رفع مستوى القيادة، وجعلها في مرتبة مسؤولياتها، بالاجتماعات الدورية، وبمؤتمرات القمة وغيرها. لكن هذا وحده، لا يكفي، بل لا بد لأمثالكم، سواء في المشرق أو في المغرب، من ألاّ يعرقلوا بحماسهم المتدفق عمل القادة، وألاّ يدفعهم تمسكهم بالخط المستقيم إلى وضع الصعوبات في طريق تنفيذ الخطة، التي ربما استقر عليها رأي الساسة. ولا شك في أنه لا يمكن لأي زعيم عربي، يتهم، لحديثه عن الحل المنقوص، أو عن الحل الوقتي، بالخيانة، ويوصف بأنه صنيعة الاستعمار، أن يواصل عمله في أتون من المهاترات.

ولكي لا يعطل الشعب تنفيذ الخطة، يجب أن تكون له، وهذا ما توافر في تونس - والحمد لله - ثقة في زعمائه وفي قادته وفي المسؤولين، حتى يمكنهم من حرية التصرف والوصول إلى الهدف. وقد حدث لي كثيراً، أن اضطررت، سعياً وراء التحكم في بعض المواقف، إلى الموافقة على تحقيق غاية من الغايات في عدة مراحل، وعندما كان الشعب يبدي شيئاً من الاحتراز، نقنعه بأن لا بد من التمسك بحبل التعقل والتفهم، والاعتقاد بأن المعركة، لا بد أن تكلل بالنصر، وخصوصاً وأن الخصوم، أصبحوا منهارين، وعلينا أن نواصل تشتيت صفوفهم، من جهة، وكسب بعض الأنصار، من جهة ثانية. وهذا لا يمكن أن يتم، إذا تمسكنا بسياسة (الكل أو لا شيء)، التي أوصلتنا، في فلسطين، إلى هذه الحالة، وأصابتنا بهذه الهزائم، خصوصاً وقد أبينا إلاّ أن نتجاهل وجود اليهود، وإلاّ أن ننكر التطورات والمعطيات الجديدة، وإلاّ أن نستهين بما حققه اليهود، ونبالغ في تقدير قوة العرب وكفاءة جيوشهم.

وما كنا لننجح في تونس، خلال بضع سنوات، لولا أننا تخلينا عن سياسة (الكل أو لا شيء)، وقبلنا كل خطوة، تقربنا من الهدف، رغم أن فرنسا، كانت ترضى بها، على أساس أنها أخف الضررين، وظنّاً منها، أنها ستبقى، وتضمن بذلك التوازن وما بقي من نفوذها وسطوتها واستعمارها. وكلما خطونا خطوة إلى الأمام، ضيقنا الخناق على الاستعمار، بالمظاهرات والمقاومة المسلحة، وغيرها من الوسائل، التي تضطره لقبول الخطوة الموالية، باعتبارها أيضاً، أخف الضررين. وهكذا إلى أن وجدت فرنسا نفسها في آخر معركة، أعني معركة بنزرت، حيث لم تجد بداً من الاندحار. أمّا هنا، فقد أبى العرب الحل المنقوص، ورفضوا التقسيم وما جاء به الكتاب الأبيض. ثم أصابهم الندم، وأخذوا يرددون: ليتنا قبِلنا ذلك الحل، إذاً لكنا في حالة أفضل من التي نحن عليها.

ولو رفضنا في تونس، عام 1954، الحكم الذاتي، باعتباره حلاً منقوصاً، لبقيت البلاد التونسية، إلى يومنا هذا، تحت الحكم الفرنسي المباشر، ولظلت مستعمرة، تحكمها باريس. وهكذا، فالمُهم أن تكون للقيادة حرية اختيار السبُل، وحرية التصرف، لكن مع الصدق والإخلاص والنزاهة والتفاني والحكمة، حتى تكون كل مرحلة تمهيداً لِما بعدها من مراحل. وهذا ما أردت أن أقوله لكم، بصفتي أخاً، له تجربة في الكفاح أكثر منكم، ولا سيما في الكفاح ضد الاستعمار. وهذا ما غرسته في قلوب التونسيين، حتى صاروا يتبعون كل الخطط، التي نرسمها، وقد يضايقهم بعض هذه الخطط، أحياناً، ولكنهم يقبِلون على تجربتها، ذلك لأنهم جربوني في الماضي، وكانت - النتيجة والحمد لله - ما ترونه، فقد أصبحنا أحراراً في بلادنا، أسياداً في وطنناً.

هذا ما أحببت أن أقوله لكم في هذه الزيارة، التي سيتذكرها، دائماً، هذا الرجل المتواضع أخوكم الحبيب بورقيبة. وهذه هي نصيحتي، التي أقدمها لكم ولكل العرب، حتى تضعوا في الميزان، لا العاطفة والحماس فقط، بل كذلك جميع معطيات القضية، بناء على ما قاله لكم رجل نزيه، لا تشكّون في صدقه وإخلاصه وتفانيه. وهكذا نصل إلى الهدف، ولا نبقى سبع عشرة سنة أخرى، أو عشرين سنة، نردد: (الوطن السليب... الوطن السليب)، دون جدوى. إنا إذا اقتصرنا على العاطفة، سنظل على هذه الحال مئات السنين. هذا ما أنبهكم إليه، وأعتقد أنه يجب أن يبرز من صفوف العرب رجال، لهم الشجاعة الكافية على مصارحة الشعب، ومواصلة الكفاح بجميع منعرجاته وأطواره وحيله وكرّه وفرّه، حتى نضمن، لا لأنفسنا فقط، بل للأجيال، التي من بعدنا، النصر الكامل، واسترجاع الحق السليب.

هذا ما أردت أن أقوله لكم  في هذه الزيارة، وأطلب منكم إمعان النظر فيه. ولا شك في أن كل واحد، لا بد أن يحاسبه الله وضميره على ما يعمل وما ينوي؛ وإنما الأعمال بالنيات. وأخيراً، أدعو لكم بالتوفيق وسعة الصبر، حتى نوفر أسباب النجاح. أدعو للمسلمين بالتكتل، وللقيادة بالانسجام والابتعاد عن المركبات، سواء كانت مركبات للنقص إزاء العدو، باعتباره في منتهى القوة، أو مركبات الغرور والتهور والارتماء على الهزيمة المحققة، التي يمكن تلافيها بإمعان النظر، وهكذا، نضمن النجاح. )وللهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤمِنِينَ(. (المنافقون: Cool

والسلام عليكم ورحمة الله.

 

[1]  كما وردت في نص الخطاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:26 am

ملحق
حديث الرئيس بورقيبة إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين

 

سؤال حول موقف الرئيس من قضية فلسطين. جواب فخامة الرئيس

إني لم أذهب إلى الشرق من أجل قضية فلسطين. ولكن بعض الإخوان، أبوا إلاّ أن يطلعوني على حالة، أثارت شفقتي. وبما أن طبيعتي أبعد ما تكون عن اللف والدوران، فقد أبَيت، لِما عرفت به من جدية، أن أنساق في تيار التدجيل، الذي كان الإخوان الفلسطينيون ضحيته منذ عشرين سنة، لم تزدهم إلاّ تعاسة، ولم تكفِ لحمل المخطئين على التراجع عن خطئهم. وهكذا، فتحت صدري لهؤلاء الإخوان، وقلت لهم إن هذا الحماس، الذي لمسته، وهذه المناداة بالعودة إلى الديار والرجوع إلى الوطن السليب، أمر مرغوب فيه. فإن هذا الحماس أشبه ما يكون بالمحرك، لكن لا بد من عقل لتوجيه قوة هذا المحرك وطاقته، في سبيل الهدف. وهذه الطريقة الفعالة، لم يستطيعوا تصورها، ولم يقبلوا دعوتي إلى اتّباعها لمضايقة إسرائيل، بل اكتفوا بشتم الصهاينة وسبّهم. وقد أكّدت لهم، أنني أوافقهم على أن إسرائيل جديرة بكل ما يوجهون لها من شتم وسباب، ولكن، أي جدوى من هذا الشتم؟ وماذا جنينا من ورائه، خلال سبع عشرة سنة؟

وهكذا، بينما أحدثهم عن الطريقة المؤدية إلى الهدف، يأبون إلاّ أن يقفوا عند الهدف، وأن يسترسلوا في التشكي والتظلم.

ولو وقفنا مثل هذا الموقف، وانتظرنا الاستقلال، وامتنعنا عن مفاوضة فرنسا، ما لم تخرج من بلادنا، لَما أمكن أن تخرج، فعلاً. ولكننا تحايلنا عليها، وأخذنا نحاورها ونداورها، واعتمدنا ما يقره القانون الدولي، وما أمضت عليه فرنسا نفسها، في معاهدة باردو، من أن الحماية وضع وقتي، شبيه بالوصاية، وأنه يهدف إلى الأخذ بيد الدولة المحمية، حتى تتقدم، وتصبح دولة عصرية، لا إلى ابتلاعها وإرهاقها وتسليط وسائل العنف عليها. وهكذا اعتمدنا في كفاحنا الجدل المنطقي، من جهة، والقوة الشعبية، من جهة ثانية. وأمّا الإخوان في الشرق، فقد وقفوا عند المناداة باستقلال فلسطين، وأبَوْ أن يقبلوا النصيحة، التي تساعدهم على تحقيق الاستقلال. ذلك أنهم يعانون نفسية، كتلك التي عرفت تونس، منذ 30 سنة، ولم يجدوا مَن يستنبط لهم حلاً لقضيتهم، ولو كانت هناك طريقة أخرى، لرحّبنا بها. ولكنهم يصرون على اتّباع تلك التي جربوها طيلة 17 سنة، دون جدوى. أمّا طريقتنا، فقد حققت خلال عشر سنين فقط، هذه النتائج الباهرة. وبينما كانت فلسطين على أبواب الاستقلال، إذ نزلت الدول العربية كلها الميدان من أجل تحريرها، كنّا نحن في المغرب، نخوض الكفاح بمفردنا، ومع ذلك، فقد استطعنا أن نتخلص من فرنسا. ورغم أنى أبديت استعدادي لاتّباع أية طريقة مجدية، فقد أبَوْا إلاّ أن يزعموا، أنني ضد فلسطين، وأنني مع اليهود. تلك هي نفسيتهم.

وأجاب الرئيس عن سؤال، يتعلق بالأخبار الرائجة حول التفاهم مع إسرائيل، فقال:

هذه الأخبار صادرة عن تل أبيب. وأعتقد أن الهدف منها هو التمويه على الرأي العام العربي، وتوريط تونس، بادعاء أنها ستتفاوض مع إسرائيل.

إنني لست زعيماً فلسطينياً. وقد أكّدت لإخواننا أنه لا يمكنني، نظراً إلى وضع تونس الجغرافي، أن أتزعم الحركة الفلسطينية، رغم العطف الأخوي، الذي أشعر به نحو إخواننا الفلسطينيين. على أنني أتمنى، أن تكون هناك نية طيبة، واتجاه لقبول الحل الوسط، الذي عرضته، أعني تطبيق كل مقررات الأمم المتحدة، بما فيها قرار التقسيم، الذي يمكّننا من مساحة شاسعة من الأراضي، التي بيد إسرائيل، وبما فيها، أيضاً، قرار عودة اللاجئين؛ فإن هذه القرارات مترابطة، وضرورية لإقرار التوازن.

أجل، إنني أتمنى أن تكون هناك نية صادقة لقبول هذا المبدأ، واعتماده أساساً للتفاوض، لكن الإسرائيليين، لم يعلنوا قبولهم، ولا رغبتهم في التفاوض، وإنما تظاهروا بميلهم إلى دعوة بورقيبة، لأنه أبدى رأياً معقولاً وموقفاً. وإذا كانوا يعتقدون هذا، فما عليهم إلاّ أن يتصلوا بالفلسطينيين، للتفاهم معهم حول هذا الرأي، الذي استصوبوه. إن شعور الإخوان العرب بفداحة مسؤولياتهم في هذه النكبة إذا أخرجوا الناس من ديارهم، بدعوى أنهم سينزلون جيوشهم في أرض فلسطين، جعلهم يغرقون في هذه الحرب الكلامية، التي تشنها الإذاعات. أمّا أنا، فقد أكّدت عزمي على عرض القضية في مؤتمر القمة، الذي تقرر انعقاده في الرباط عرضاً صريحاً. ذلك أنه لم يعد هناك مجال للتمويه والتهرب، إذا ما أعلنت إسرائيل استعدادها للتفاوض، على أساس المبدأ، الذي تقدم ذكره، والذي يمكّننا من جانب عظيم من الأراضي الفلسطينية، ومن إعادة اللاجئين إلى ديارهم، ويخفف، في الوقت ذاته، حدة الهلع من الحرب وسَورة العداء وشدة التوتر، ويتيح للجميع أن يتنفسوا الصعداء، وأن يظفروا بوضع أفضل من الوضع الحالي. وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تغيير نظرة كل من العرب واليهود إلى بعضهم بعضاً، ويساعد على إيجاد جو يسُوده التعاون لفائدة الجميع.

ولا شك أن مثل هذا الوضع، أفضل بكثير من الوضع الحالي، الذي يقف فيه الطرفان، وجهاً لوجه، ويأبى كل منهما، أن يعترف بالآخر، بينما يتغلغل النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا وآسيا. وهذا هو موقفي. فأنا لا أريد أن أفرض نفسي زعيماً للشعب الفلسطيني، وإنما دعاني إلى إبداء رأي في حل هذه القضية، شعوري العربي، وحساسيتي التي جعلتني أتألم للحالة، التي وجدت عليها الإخوان الفلسطينيين. ولو كنت ممن يحسبون حساب أنفسهم، لقلت لأولئك الإخوان ما يطربون لسماعه من العبارات المعسولة، التي تؤكد عودتهم، واستماتتنا جميعاً في سبيل تحقيق هذه العودة. لكني أبعد الناس عن مثل هذا السلوك الملتوي، القائم على التمويه والتضليل. إنه أفدح العيوب، أن نلقي في رَوع هؤلاء الإخوان المنكوبين، أننا سنحقق عودتهم، بينما لا توجد أية دولة، تعمل على تهيئة خطة هجومية لتحرير فلسطين، وإن تصريحات أركان الحرب والعسكريين العرب، تؤكد ذلك، إذ يقولون إنهم إنما يجمعون الأسلحة لرد العدوان الإسرائيلي المتوقع. لكن أي عدوان هذا الذي يتحدثون عنه؟ ألم تقم الدنيا في وجه إسرائيل، عند عدوانها الماضي؟ ألم تجبرها على النكوص على أعقابها؟

إن دول العالم، لم تترك الصهيونيين يعتدون على العرب، ولن تترك العرب يعتدون على الصهاينة. وهكذا، تتراكم الأسلحة، التي يجمعونها دون فائدة، وتتبدد الأموال، وتفشل خطط التنمية، بسبب الانقلابات والثورات والانتفاضات، ومن أجل مشكلة مغلوطة.

ونحن إنما ننادي باحترام مقررات هيئة الأمم المتحدة، لأنها تعود علينا بالفائدة، حتى لو رفضت إسرائيل هذا المبدأ. ذلك لان العدالة، تكون إلى جانبنا، ولأننا نكون أقوى حجة. إذا أشعلنا نار الحرب، فلا يخفى أن هناك مواقف سياسية، تحتد لتدعيم الكفاح المسلح، وتمكينه من سند قانوني، يجعله مقبولاً لدى الشعوب والرأي العام العالمي، وهكذا نأمن من أن يكون جميع الناس ضدنا.

أمّا إذا وافقت إسرائيل على هذا المبدأ، فعليها أن تتفاوض مع الفلسطينيين، الذين يهمهم الأمر. إنني أبديت رأيي بكل وضوح. ولكن بقي أن نعرف موقف اليهود من هذا الرأي. فإذا قبلوه، فالأمر واضح، كما تقدم. وإذا لم يقبلوه، فعلى أي أساس نتفاهم؟ وأي مبرر للذهاب إلى تل أبيب، أو للقدوم إلى هنا، لكي أُتهم اتهامات باطلة، ويفرغ من أمري، ليهدأ الجميع بالاً؟ فإني أبعد الناس عن ذلك.

أجل، إنني لو كنت زعيم فلسطين، لتفاوضت مع الإسرائيليين، كما تفاوضت مع فرنسا، كلما وجدت منها ميلاً إلى ذلك. ولقد حدث، عندما كنت في القاهرة، عام 1945، أن دعاني السيد لوكوي، سفير فرنسا هناك، فلم أتردد في الاتصال به، الأمر الذي أثار استنكار بعض الغرانطة المستقرين في مصر، مثل السيد الخضر حسين، الذي بعث لي من يشاورني في الأمر، ويوضح لي أن ما أبلغه عن ذلك الاتصال، يعد من قبيل التواتر، الذي يفيد القطع، وأن عدم اطّلاعه بنفسه على ذلك، يدعوه إلى التوقف، حتى لا يحرق قبره بيده. ولكنني أكّدت لذلك الذي جاء يشاورني، اتصالي بالسفارة الفرنسية، وتساءلت: أي حرج في ذلك، بعد السنوات الخمس، التي قضيتها في سجون فرنسا، والعامين اللذين أمضيتهما في المنافي؟ وأوضحت أنني سلمت للسفير لوكوي تقريراً حول مطالبنا الوطنية، وأن هذا التقرير، نال إعجابه، وجعله ينقلب على حكومته، ويذهب إلى فرنسا، لبيان وجهة نظره.

هكذا يقتضي الكفاح. أمّا أن أغلق باب داري، وأقيم فيها، على مقتي للفرنسيين، فلن أكون إلاّ كهذا الرجل، الذي ما كاد يفتح باب داره، في أول أيام الحماية، ويشاهد جندياً فرنسياً، حتى أغلق الباب، وعاد إلى عقر بيته، ولم يبارحه إلاّ إلى قبره.

إن طريقة كهذه، تصادف، بدون شك، هوى في نفس إسرائيل، خصوصاً وأنها تمكّنا من استغلال السباب والتهديد، اللذين توجههما إليها الإذاعات العربية، للحصول على مزيد من الأموال والأسلحة، بدعوى أنها مهددة بالخطر من قِبل العرب. أمّا الاتجاه المعقول، الذي يجلب لنا عطف الدول، فإنه لا يروقها. والأمر، هنا، شبيه بما حدث إبّان كفاحنا التحريري، إذ فضل كولونا جماعة الغرانطة[1]، رغم تطرفهم على بورقيبة، الذي أبدى استعداده لقبول الحكم الذاتي، عندما قدم مشروع النقاط السبع.

وإذا ثبت أن الأمر جد، فإننا مستعدون لمفاتحة الدول العربية في الموضوع، وطلب رأيها في الموقف، الذي ينبغي اتخاذه. على أنني أدرك، أن ليس هناك بينهم من يستطيع أن يتخلص من النزعة الغوغائية، ولا من الخوف، من أن يظهر أمام الرأي العام، أقلّ وطنية وغيرة على الفلسطينيين. ولهذا، فإني أشك في نجاح سعي مثل هذا. ولكنه، على كل حال، سعي قائم على أساس متين، وبعيد عما تريد أن توحي به هذه الأخبار، من الذهاب إلى إسرائيل، أو القدوم إلى تونس، للتحدث مع بورقيبة. فإن هذه الأمور، لا أساس لها من الصحة. ذلك لأن بورقيبة، لا يريد أن يكون طرفاً في الحوار، وما على إسرائيل، إذا وافقت على الرأي، الذي أبديناه، إلاّ أن تتصل بإخواننا العرب، لترى موقفهم من ذلك الرأي. ويمكن أن يتم مثل هذا الاتصال في روما، أو في أي بلد أجنبي. وهكذا، يمكن أن تجتمع عناصر من هنا وهناك، ويتم التفاهم مع عبدالناصر، ونصل إلى نتيجة، حَرية بتغيير وجه الشرق الأدنى.

ولكن أين نحن من هذا؟ فالإسرائيليون لا يقبلون التفريط في أي جزء من أرض يافا أو عكا أو الناصرة أو غيرها. والعرب متخوفون من بعضهم بعضاً، بحيث لا يستطيعون أن يتخلوا عن المواقف، التي عرفتم عيّنة منها في موقف الدكتور القمحاوي[2]، الذي لا يهمه إلاّ أن يقول ما تُملي عليه العاطفة الجموح، ثم يستريح، ويترك أهل البلاء في بلائهم، ولا يعنيه أن تتحرر فلسطين، بقدر ما يعنيه أن يظهر بمظهر المناضل في سبيلها. وهكذا، فهو لا يعترف بإسرائيل ويأبى إلاّ أن يردد، أن أرض فلسطين، لا تتسع لليهود، متناسياً أنها اتسعت لهم منذ 17 سنة، وأنهم مستقرون بها، دون أن يعبأوا بنا، ودون أن يأخذوا مواقفنا مأخذ الجد.

وجواباًعلى سؤال آخر، قال الرئيس

إن تصريحات عبدالناصر لصحيفة "رياليتيه"، حول القضية الفلسطينية، تفتقر إلى الوضوح، ذلك أنه اكتفى بذكر القرار، الخاص بعودة اللاجئين، حتى لكأن القضية انحصرت في هذه العودة، وكأن يريد أن يقول إننا مستعدون لقبول الحل، إذا مكّنت إسرائيل اللاجئين من العودة إلى ديارهم. وفي هذا من التعجيز ما لا يخفى، ذلك لأن إسرائيل، لا تقبل مثل هذه العودة، التي تعني حلول اللاجئين محلها.

ومن أجل ذلك، ملت إلى حل وسط، يضمن لنا عودة اللاجئين، ويضمن لها اعترافنا بوجودها داخل الحدود، التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة، داخل الأراضي، التي استحوذوا عليها إثر الغلطة الفادحة، التي ارتكبها العرب، عندما رفضوا مقررات المنتظم الأممي، مما جعل نصيبهم يتضاءل، ويصبح أقلّ مما أعطتهم الأمم المتحدة. وهكذا، فإن الحل يقتضي احترام مبدأ وجود إسرائيل، ويضمن لنا، في مقابل ذلك، ربحاً هاماً، يفوق الأرض والمدن، التي نسترجعها، إذ نتمكن من إعادة اللاجئين، ومن إيجاد وضع يسُوده التوازن، لفائدة العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص. وإنني أرى أن نتمسك بهذا المبدأ، وأن نترك الصهاينة يرفضون، فإن تمسكنا به، يدل على أننا تراجعنا في خطئنا، وعدنا إلى طريق الصواب. وفي هذا ما لا يخفى من مضايقة إسرائيل، ووضعها في موقف حرج لا تحسد عليه.      

 

[1]  هكذا وردت في نص الإجابة.

[2]  إشارة إلى كلمة الدكتور وليد القمحاوي، نقيب أطباء الأردن، التي ألقاها في المؤتمر الرابع للأطباء العرب، المنعقد في تونس، خلال شهر أبريل 1965.



       
ملحق
رسالة الرئيس بورقيبة[1]
إلى الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة

أمّا بعد، فإن واجب الأخوّة، وواجب العروبة، يُمليان عليّ أن أخاطبكم في قضية عزيزة علينا جميعاً، كثيراً ما تبادلنا الرأي في شأنها، وكان يخيّل إليّ أنّا متفقان بخصوص النقط الجوهرية منها.

وإن ما توطد بيننا من روابط الأخوّة والتفاهم، أثناء مقابلاتنا العديدة، وبخاصة خلال زيارتي الأخيرة إلى الجمهورية العربية المتحدة، لَيجعلني أعتقد، أن الخلافات، مهْما تكن، يمكن التغلب عليها بالمنطق السليم والنية الطاهرة والعزيمة الصادقة.

وإن ما لقيته من شعب مصر، ومن شعوب المشرق العربي عامة، من إكرام وتبجيل، لَمرتسم في نفسي، ولن يمحي أثره مهْما تقلبت الأحوال. وإن ذلك لَدَين يضاف إلى واجبي، كعربي، فيُملي عليّ أن أفعل كل ما في وسعي لأجنب الشعوب العربية مغبة الانقسام والتناحر، في ظروف هم فيها أحوج ما يكونون إلى التكاتف والتضامن من أجل العمل الإيجابي.

ولقد زرت اللاجئين في المملكة الأردنية، ووقفت بنفسي على ما يقاسونه من حرمان وخَصاصة ومس في الكرامة؛ والعيان أقوى من ألف رواية. وكان في مقدوري أن أقول لهم ما تعودوه من كلام معسول، يثير حماسهم، ويكسبني إعجابهم وتأييدهم. ولكنى شعرت بأن الواجب، الذي لا يمكننا الإخلال به أو التغاضي عنه، هو مصارحتهم بما يعيد إليهم الشعور بأن مصيرهم بأيديهم، وأنهم مسؤولون عن صنع هذا المصير بما يقيمونه من خطط، ويرسمونه من أهداف ويأتونه من أعمال، بدل التجمد في موقف المطالبة العاطفية، التي تتغذى بالآمال، ولا تسفر عن فعل.

ولم أستغرب ما ذهبت إليه بعض الصحف في بعض الأقطار العربية، من استنكار وثلب[2]، بقدر ما استغربت ما بدر من بعض الأوساط المسؤولة في القاهرة، بخصوص الموقف، الذي وقفته، والتصريحات التي فُهْتُ بها؛ والحال؛ أننا متفقان في الجوهر، كما تبيّن لي ذلك من خلال محادثاتنا الكثـيرة عن قضية فلسطين.

وأنتم أعلم الناس بأن المشكل، لا يتعلق بالهدف، الذي لا يمكن أن يتطرق إليه خلاف أو نزاع، هو تمكّن إخواننا الفلسطينيين من استرجاع وطنهم المغصوب، وإنما الذي أشَكَلَ فهْمه على بعض الأوساط، أو أُسيء فهْمه عمداً، في بعض الدوائر، إنما يتعلق بكيفية الوصول إلى ذلك الهدف. فخلطوا، عمداً وغفلة، بين الغاية والوسيلة، وحملوا الاجتهاد في استنباط الوسائل محمل التخلي عن الهدف، أو التنكر له.

ولئن كان ما قلته، يغاير ما ألِفَه الكثيرون من جمجمة لفظية، لا طائل من ورائها، فإن المسؤولين العرب عامة، والمسؤولين المصريين بوجه أخص، على علم من حقائق الأمور. واعتقادي أن الشخصيات الرسمية، التي تسرعت إلى إبداء الاستنكار، إنما فعلت ذلك بغية مرضاة الجمهورية العربية المتحدة، وذلك لأسباب داخلية، لا تغرب عن أحد. لذا، أعتبر من المفيد، أن أخاطبكم أنتم مباشرة. وسأتوخّى نفس الصراحة التي عهدتموها فيّ، سواء في مباحثاتنا الخاصة، أو في الخُطب، التي صدعت بها على رؤوس الملأ، في شتى المناسبات.

ونحن جميعاً متفقون على أنه من المستحيل، في الظروف الراهنة، أن تشن الدول العربية حرباً على إسرائيل لتحرير فلسطين، وإرجاعها إلى أهلها وأصحابها. وأذكّركم، في هذا الصدد، بمداولات اجتماعَي القاهرة والإسكندرية. ولست أعتقد أن في تأكيد ذلك إفشاء لسر ما.

ويتعذر على الدول العربية القيام بأي عملية هجومية، في الوقت الحاضر، لسببين: أولهما أنها غير متأهبة لمواجهة الحرب، ولا قابلة لمبدأ تسلل عصابات المقاومين من أبناء فلسطين. والثاني أن الوضع الدولي يحُول، أيضاً، دون ذلك، لاجتماع الشقين، الغربي والشرقي، في الأمم المتحدة على المحافظة على السلم، واستعدادهما لردع أي محاولة، تهدف إلى تغيير الوضع الحالي، بالعنف، في هذه المنطقة.

وليس هناك، في الوقت الحاضر، ما يحمل على الأمل بأن الحالة، سوف تتغير في أمد معقول، يمكن التكهن به، بينما تزداد تكاليف التسليح وطأة على الدول العربية، فتحد من قدرتها على النمو واكتساب الأسباب الحقيقية للقوة والمناعة.

وكثيراً ما تناولت هذا الموضوع مع عدد من المسؤولين في المشرق العربي، فكانوا دوماً يجيبون بأن أكبر حسرة في نفوسهم إصرارهم على التمسك بمواقف سلبية، تجاه الحلول، التي عرضتها عليهم منظمة الأمم المتحدة.

ولقد قلتم لي، بلسانكم، خلال محادثة لنا عن ذلك، إنكم أثرتم موجة من الغضب، لمّا صرحتم، أثناء باندونج، بأن ما عرضته الأمم المتحدة، سنة 1948، يمكن اعتباره حلاً مرْضياً، فأجبتكم بأني مستعد لاتخاذ مواقف جريئة في هذا الصدد، وأضفت مازحاً: (وآمل أن لا تهاجمني، عندئذ، أبواق إذاعة القاهرة وصوت العرب).

وإن الخطة التي اقترحتها في أريحا، ثم شرحتها، ووضعتها في تصريحات متوالية، لا تختلف، في الجوهر، عن الموقف الذي أعلنتم عنه، سنة 1955. وقد تقدمت بهذه الخطة نفسها في الخطاب، الذي ألقيته في الاجتماع الأول لرؤساء الدول العربية، بالقاهرة، في يناير من سنة 1964.

وهي خطة لا تهدف إلى الاستكانة وقبول الحلول، كما يظن البعض، بل هي تهدف إلى تحريك القضية، بعد أن تجمدت وتعفنت، وكاد الرأي العام العالمي ينساها، وأجمع أصدقاؤنا من العالم الثالث، من الدول غير المنحازة، على اعتبارها من القضايا المحفوظة. فمن أوكد واجباتنا انتشال القضية من هذا التدهور، الذي وصلت إليه، وذلك بإرجاعها إلى الحيّز، الذي تصبح فيه من شواغل الرأي العام العالمي.

ومن أؤكد واجباتنا، أيضاً، أن نقرأ للخطة السياسية حسابها، فلا نعوّل على القول وحدة، لأنه كما أسلفنا، لا يفضي إلى نتيجة إيجابية. فلا بد، إذاً، من كسب الأنصار، وتهيئة الرأي العام الدولي إلى مساندتنا بصورة من الصور. لذلك، اقترحت أن نعود إلى قبول مقررات الأمم المتحدة، في شأن إرجاع اللاجئين إلى ديارهم، وتخلّي إسرائيل عن جانب هام من فلسطين المحتلة.

وكنت أتوقع - والأيام أقامت دليلاً على ذلك - إن إسرائيل لن تقبل الخضوع لمقررات الأمم المتحدة، وأنها بذلك، ومن حيث لا تريد، سوف تعزز موقفنا، إذ تظهر الدول العربية، في نضالها من أجل فلسطين، في موقف المدافع عن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمبادئها.

وكنت واثقاً - والأحداث قد أيدت ذلك - أن الدول الكبرى، ستستنكر رفض إسرائيل الانصياع لمقررات الأمم المتحدة فيكسب العرب من ذلك بصورة غير مباشرة، وتتزعزع الأركان، التي يعتمد عليها الاستعمار الصهيوني، نتيجة للتفرقة بين إسرائيل ومناصريها. ولا يخلو الحال من أحد أمرين: إما أن تقبل إسرائيل، في النهاية، مقررات المنظمة الدولية، وهو الأبعد، فتسمح برجوع اللاجئين، وتتنازل عن قسم من الأرض المحتلة فتتغير بذلك المعطيات لمصلحة العرب، وتظهر إمكانيات جديدة من شأنها أن تؤدي إلى الحل النهائي.

وإمّا، وهو الأقرب، أن تصر إسرائيل على الرفض، فيكون موقف العرب، هو الأقوى في حال نشوب حرب بين الطرفين.

ومهْما يكن من أمر، فإن المهم هو الخروج بالقضية من حالة الموات، ودفعها إلى الأمام.  وإذّاك، لا بد لها من التطور السريع نحو الوضع، الذي يمكّن حتماً من بلوغ الحل النهائي، ما دامت قد دخلت الأحداث الحية، واندفعت بقوة اندفاعها. فالخطة التي صدعت بها، تهدف إلى مضايقة إسرائيل، وقلب الآية عليها، وكسب عطف الرأي العام الدولي على قضيتنا.

وهى لا تختلف، في جوهرها عن الموقف، الذي عبّرتم عنه، باقتضاب، في تصريحاتكم الأخيرة إلى صحيفة "ريالتيه" ووكالة (أوبرا موندي)، إذ قلتم ما معناه، أن العرب راضون بما طالب به الأفارقة والآسيويون، سنة 1955، من رجوع إلى مقررات الأمم المتحدة، في خصوص قضية فلسطين.

فأين الخلاف بيننا إذاً؟ ألسنا متفقين من صلب القضية؟ ألسنا على رأي واحد، في خصوص عدم نجاعة الحرب في الظروف الراهنة؟ مع تأكيد تضامن تونس مع شقيقاتها، في حالة نشوب حرب مع إسرائيل، وذلك طبقاً لما تعهدنا به في نطاق الدفاع المشترك وضمن هيئة القيادة العربية الموحدة.

ألسنا نرى معاً ضرورة الأخذ بسياسة المراحل، في استرجاع الوطن السليب؟ وذلك على غرار ما فعلته كافة الشعوب العربية، في استرجاع سيادتها، لا أستثني منها شعباً واحداً، لا مشرقاً، ولا مغرباً.

وإني لأتذكر أني قلت، في خطابي إلى الملوك والرؤساء المجتمعين بالقاهرة، إن الكفاح يقتضي، أحياناً، من المسؤولين، أن يغامروا بسمعتهم وماضيهم، فيجابهوا غضب الجماهير، في سبيل حلول جريئة، لا تظهر نجاعتها للعيان، إلاّ بعد مدة.

ولقد كرست حياتي كلها للكفاح من أجل الحرية والعدالة، لا بالنسبة إلى تونس فقط، بل في مصلحة الأمة العربية جمعاء. وإني مستعد للمغامرة من جديد في سبيلها، رغم الحملات المستعرة والتهجمات السخيفة، التي تهدف إلى تضليل الرأي العام العربي، باستعمال لغة الشتم والندب، بدل التروي وإعمال العقل وإجراء الحوار النزيه.

وإني لمستعد لذلك، وإن أدى الأمر إلى القطعية مع بعض الأشقاء، الذين يعز علينا التخالف معهم، ولكن التخلي عن الحق، أشقّ على نفوسنا.

ولقد عرفت تونس محنة القطيعة، من قَبْل، وواجهتها بصبر وجلد. ولم يغير ذلك من وفائها لعروبتها، ولم ينل من إيمانها بنفسها، ولم يزعزع ثقتها بمصيرها.

وإن كانت القضية، وهو ما نأمل، ناشئة عن مجرد سوء التفاهم، ولا تشوبها النوايا، فإني مستعد لعقد اجتماع معكم، في التاريخ والمكان، اللذين يمكن الاتفاق عليهما، قصد توضيح الموقف وحماية الوحدة العربية من التصدع، وتعزيزاً للطاقة العربية على بناء الكرامة والحرية والمناعة. وفّقنا الله جميعاً إلى ما فيه الخير والرشد.

الحبيب برقيبة      رئيس الجمهورية التونسية

 

[1]  هي الرسالة التي بعثها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، في 29 أبريل 1965.

[2]  كما وردت في نص الرسالة.




       
ملحق
بيان الرئيس بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث[1]
 

نذكر جميعاً أن السبب، الذي دعانا إلى عقد ندوة يناير 1964[2]، إنما هو تأهب إسرائيل لإحياء صحراء النقب، بتحويل المياه العربية، والاستئثار بها، لتدعيم كيانها، البشري والاقتصادي. وكنا مجمعين على وجوب الحيلولة دون تنفيذ هذا الأرب. غير أنه سرعان ما اتفقنا، في أولى جلساتنا إذّاك، أن مشكل مياه الأردن، على خطورته وجدارته بالاهتمام في حد ذاته، مشكل فرعي، وأن القضية الرئيسية، إنما تتعلق بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني.

على هذا الأساس، تقرر "اعتبار أن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي..." وتقرر، لذلك، أنه "على الدول العربية أن تضع الخطط، اللازمة لمعالجة الجوانب، السياسية والاقتصادية والإعلامية، حتى تحقيق النتائج المطلوبة، كان الاستعداد العسكري... هو الوسيلة الأخيرة، العملية للقضاء على إسرائيل نهائياً".

هذه فحوى المقررات، التي وقع الاتفاق عليها في ندوة القاهرة. ولم يزدها اجتماع الإسكندرية إلاّ توضيحاً، إذ وقع التنصيص على أن الخطة العربية، تستهدف أمرين: هدف عاجل، وهو تنفيذ عدة مقررات، "وفي مقدمتها المشروعات العربية لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده". وهدف نهائي، وهو تحرير فلسطين.

أمّا الهدف العاجل، فقد تشكلت، لبلوغه، هيئات فنية عسكرية، انهمكت في دراسات ومناقشات مع البلدان، التي يهمها الأمر مباشرة. وطال بها الأخذ والرد، حتى انغمست أشغالها في الجزيئات والتفاصيل، بينما تمكّنت إسرائيل من الشروع في تنفيذ برامجها، الرامية إلى الاستفادة من المياه العربية.

أمّا الهدف النهائي، فبقدر ما أكّدت ندوتَا القاهرة والإسكندرية، عزم الملوك والرؤساء على العمل في سبيل تحقيقه، بقدر ما أشارت المقررات، المتفق عليها، إلى أن هذا العمل، لا بد أن تكون له جوانب، سياسية واقتصادية وعسكرية، ولا بد أن يكون طويل المدى. وكان الاعتقاد السائد في عامة الوفود، أن تحرير فلسطين، لن يتأتى بصورة عاجلة، وأنه صراع، ينبغي أن تتضافر فيه الطاقات، السياسية والعسكرية.

لذلك، تقرّر إنشاء منظمة كفاحية، شعبية، تتكفل بتنظيم الطاقات الفلسطينية بالذات، لتمكينها من القيام بدورها في تحرير أرض الوطن. بينما تقوم الدول الأعضاء في الجامعة بحملة سياسية واسعة النطاق، في العواصم الأجنبية، للدعوة لقضية فلسطين، وشرح جوانبها، السياسية والإنسانية، وكسب الأنصار لها في العالم.

وصادقت تونس على هذه المقررات، بما فيها احتمال الحرب. وتعهدت بالمساهمة فيها، بما تمسح لها به إمكانياتها. وما دام احتمال أن تشنها كافة الدول العربية على إسرائيل، في العاجل، مستبعداً، لعدم تأهبها لذلك، واعتباراً للظروف العالمية الراهنة، وهذا ما يقره أغلب الأعضاء، فإن المرحلة الأولى، التي كان علينا أن نواجهها، هي مرحلة سياسية، وكان الهدف الرئيسي من هذه المعركة، عزل العدو لدى الرأي العام العالمي، وكسب عطف الدول غير الموالية لإسرائيل، ومضايقة الكيان الصهيوني، في الداخل بأعمال التخريب وحرب العصابات، وفي الخارج بتنظيم حملة دعائية، تشترك فيها أجهزة الإعلام ووزارات الخارجية.

ولمّا كان من واجب تونس، أن تقدم مشاركة إيجابية، في هذا الصدد، أخذنا المسألة على أنها مسألة جد، تفرض علينا الاضطّلاع المباشر بما تعهدنا به من مسؤوليات، لا في التنفيذ فحسب، بل أيضاً في تدعيم الخطة، بما تحتاج إليه في الميدان الدولي.

ورأينا أن أنجح وسيلة، تكسب المناصرة الإيجابية، أن نستند إلى مقررات، كانت صدرت عن هيئة الأمم المتحدة، ولم تطبق، بسبب المعارضة الإسرائيلية. وكانت خطتنا تستهدف أحد أمرين: "إمّا أن ترضخ إسرائيل لمقررات المنظمة الدولية، وهو الأبعد، فتسمح برجوع اللاجئين، وتتنازل عن قسم من الأرض المحتلة، فتغير بذلك معطيات المشكل لمصلحة العرب، وذلك بقيام دولة فلسطينية حرة، تكون هي قاعدة الانطلاق للمعارك القادمة، من أجل الحل النهائي. وإمّا، وهو الأقرب، أن تصرّ إسرائيل على الرفض، فيضعف موقفها في المجال الدولي، ويتضاءل عدد أنصارها، بما سيجده حتماً أصدقاؤها من حرج، في التمادي في تأييدها، رغم خروجها عن شرعية الأمم المتحدة. وبذلك يكون الموقف العربي هو الأقوى في صورة استعمالنا القوة، لتطبيق القانون الدولي".

فهذا هو معنى التصريحات، التي فُهْتُ بها في خطابي للاجئين، بأريحا، ثم تناولتها بالشرح، في مناسبات عديدة. وقد انزعجت منها إسرائيل أيما انزعاج، لأنها أدركت خطورة الموقف، وفهمت ما يراد بها، في حالتَي الرفض والقبول. فمن الغريب، أن يجتمع مجلس رؤساء الحكومات العربية، بعد ذلك، بالقاهرة للنظر في هاته التصريحات[3]، فلا يمعن النظر في مراميها البعيدة، ولا يلمّ بكل جوانب القضية، المعروضة عليه للدرس والتمحيص.

ويقرر ما نصه:

أولاً: "الرفض البات للمقترحات، التي انفرد السيد رئيس جمهورية تونس بإعلانها، خروجاً على الإجماع العربي، الحكومي والشعبي، ونقضاً للالتزام، القومي والرسمي، بالفعل، لتحرير الوطن العربي من الاستعمار الصهيوني في فلسطين.

ثانياً: التأكيد التام لتمسك الدول العربية، المشتركة في الاجتماع، بمقررات مؤتمَري القمة، الأول والثاني، وتصميمها على تنفيذها كاملة"

فبقطع النظر عمّا إذا كان لرؤساء حكومات الحق في إصدار قرار، في شأن أحد رؤساء الدول الأعضاء بالجامعة، وما تشكله هذه السابقة من خطورة، فإن المنطق النزيه، يفند هذا القرار، ويجعله غير ذي موضوع.

فالموقف التونسي، لم يكن، بأي صورة من الصور، خروجاً لا على ولا حتى عن الإجماع العربي، الذي ظهر في مقررات المؤتمرين، المشار إليهما. فكلاهما، كما أسلفنا، وكما يتبين من مراجعة الوثائق، كلاهما حدد الهدف، وأشار إلى أن الوسائل من أنواع ثلاثة: اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولكنه جعل الوسائل في المرتبة الأخيرة، "إذا لم تتحقق النتائج المطلوبة" بواسطة الوسائل، السياسية والإعلامية والاقتصادية.

فمقررات الندوتين، إذاً، مقررات إطارية، تعيّن الاتجاه، ولا تحدد التفاصيل، وهي تجعل الأولوية للمساعي، التي من شأنها أن تهيئ أسباب النجاح والانتصار، إذا ما أصبح الصدام الحل الناجع الوحيد.

فالذي نادينا به، ليس إلاّ خطة سياسية، تهدف إلى تحريك القضية من سُباتها، والدخول بها في طور، يجعلها، من جديد، في صميم الضمير العالمي، ويُكسبها، إلى جانب العدالة، قوة القانون الدولي، الذي يشكل، في ظروفنا الراهنة، أقوى سلاح، يمكننا التذرع به في مقاومة إسرائيل.

وقد قال البعض: كان من واجب الرئيس التونسي إطْلاع مجلس الملوك والرؤساء على آرائه، قبل الإعلان عنها. وهل فعلت غير ذلك، سواء في المناقشات، أو في الخطاب، الذي ألقيته في مستهل أشغال ندوة القاهرة؟

فقد كانت النقطة الأولى، التي ركزت عليها كلامي، أن الوضع بفلسطين، يشبه، إلى حد بعيد، أوضاع البلاد المستعمرة. وأنه ينبغي توخّي الطرائق الكافية، التي نجحت في تلك البلاد. وهي تعتمد الدوام في المضايقة والشغب وحرب العصابات، في الداخل. وفي الخارج، "تهدف إلى عزل العدو في الميدان الدولي، وإظهاره، لدى الرأي العام العالمي، بما يكره أن يظهر به، وفضح كل ما يرتكبه من شنائع، حتى تتألف الدنيا عليه، تدريجياً، وحتى يضطر حلفاؤه إلى الابتعاد عن مناصرته، شيئاً فشيئاً".

وبيّنت أن هذا العمل، ينبغي أن يقوم به الفلسطينيون أنفسهم، من الداخل. وأن واجب الدول العربية المجاورة، أن تقوم بنفس الدور، الذي اضطّلعت به تونس والمغرب، طيلة حرب الجزائر، وأن تتحمل المشاقّ والمخاطر، التي سوف تنجرّ لها من ذلك.

وألقيت، إذّاك، السؤالين التاليين:

ـ هل الشعب الفلسطيني مستعد للقيام بدوره الرئيسي في هذه المعركة، باعتباره صاحب الحق الأول، الذي وقع الاعتداء عليه مباشرة؟

ـ وهل الدول العربية مستعدة لتحمّل مسؤولياتها في مناصرة كفاح الشعب الفلسطيني، كلفها ذلك ما كلفها؟

أمّا النقطة الثانية، التي وجهت إليها الاهتمام، وشرحتها بأمثلة مقتبسة من كفاح شعوب مختلفة، فهي تتعلق بطريقة الوصول إلى الحل النهائي. فبينت أن الإصرار على الظفَر بالحل الكامل، دفعة واحدة، عندما يتعذر ذلك لأسباب قاهرة، ليس بطريقة موصلة، بل لها نتائج وخيمة على القضية نفسها، وعلى المجتمعات المشغولة بتلك القضية.

وتبسّطت في تحليل الطريقة الثورية، التي هي مسيرة نحو الهدف، طويلة المدى، وتعتمد على تمييز صحيح للمراحل، التي لا بد من قطْعها لبلوغ الهدف النهائي، إذ الحل المنقوص الإيجابي، الثوري، هو الذي يساعد على الإمعان في التقدم، ويزيد في طاقات الكفاح، فينبغي أن لا يشتبه على المكافحين بالحل المغشوش، الذي يعرقل السير، ويوصد الأبواب. وهي طريقة مستوحاة من الخطط الحربية، التي تعتمد على استغلال الوسائل التكتيكية، لتحسين المواقف الإستراتيجية.

أمّا النقطة الثالثة، التي نبهت إلى خطورتها في مثل هذا الكفاح، فهي خاصة بما يجب أن يجتمع في القائد، من خصال أدبية، تمكّنه من ممارسة القيادة على وجهها الصحيح. وذلك بأن يُقدم على تحمل مسؤولية الاختيار، وعلى الجهر برأيه، ولو كان مصادماً للشعور السائد في الجماهير، وأن يصبر على المآخذ والمكروه، في سبيل ما يعتقد أنه الحق.

بهذا الاستعراض السريع لما ورد في خطابي إلى الملوك والرؤساء في ندوتهم الأولى بالقاهرة، يظهر جلياً أن ما ذهبت إليه في خصوص مبدأ المطالبة بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة، إنما هو تطبيق لخطة، وقع التعرض لها في أولى ندواتنا، ولم ينكرها عليّ أحد. أمّا مسألة الانفراد بالإعلان عن هذا الموقف، وهو أحد الأخذ الواردة في قرار رؤساء الحكومات، فإنه غير مطابق للواقع في شيء، وهو محض جهل أو تجاهل للحقائق التاريخية، البعيدة منها والقريبة على السواء.

ذلك أن ما وُصف بالخروج عن الإجماع القومي، الرسمي منه والشعبي، إنما هو عين الموقف العربي الرسمي، منذ سنين، ولم يزل يطالب به العرب في المحافل الدولية. وقد قال المتكلم بلسان فلسطين، في اجتماع اللجنة السياسية العامة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، باللفظ الواحد: "إننا نلتزم بمقررات الأمم المتحدة".

وهذا المتكلم هو السيد أحمد الشقيري. وأعلن أيضاً نفس المتكلم، أي السيد الشقيري، أمام اللجنة السياسية الخاصة، في جلستها المنعقدة في 14 ديسمبر 1962، ما لفظه: "إني أقبل نداء زميلنا من الفلتا العليا، لتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة. ونحن لا نختار قراراً منها، ونؤثِره على أي قرار آخر. فإذا كنتم تريدون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، تلك التي تظنون أنها ضدنا، أو تلك التي تعتقدون أنها لمصلحتنا، فإننا نعلن قبول هذه القرارات كلها، جملة وتفصيلاً".

وإذ ينكر، اليوم، نفس ذلك المتكلم إمكان التفاوض على أساس القرارات الدولية، فهل نسي ما كان يطالب به الدورات المتوالية لجمعية الأمم المتحدة؟ فقد قال الشقيري، في دورة 1952:

"وإني أودّ أن أعلن، بصراحة، أننا نقبل المباحثات المباشرة، بل إني مستعد أن أتفاوض مع أي شخص، كائناً من كان، يحترم الميثاق ومقررات الجمعية العمومية... إن رغائب الأمم المتحدة هي رغائب العالم بأسره، فلماذا نتجاهلها ولا نحترمها؟ لنعمل جميعاً لأجل السلام، بتحقيق مقررات الأمم المتحدة، وليس أمامنا غير هذه السبيل".

بل إن الشقيري، كان يجتهد في إقناع إسرائيل بضرورة الاعتراف بالمقررات الدولية، قبل التفاوض، إذ بدون ذلك، في نظره، لا يبقى لدولة إسرائيل كيان شرعي. فقد قال مخاطباً إسرائيل: "فإذا جئتم للمفاوضة، وهذه القرارات معكم، فإنكم ممثلون إسرائيل، ونحن نتباحث معكم... ولكن إذا أردتم تجاهل هذه القرارات، فلن تكونوا ممثلين لشيء اسمه إسرائيل، بل ممثلين ليهود فلسطين. ونحن مستعدون أيضاً أن نتباحث مع ممثلي سكان فلسطين اليهود الشرعيين".

فالذي ظنّه حضرات رؤساء الحكومات انفراداً وشَقّاً للإجماع العربي، يرجع أصله، إذاً، إلى مواقف، كادت تصبح تقليدية. فمن مقررات مؤتمر باندونج، المنعقد سنة 1955، والذي اشتركت فيه الجمهورية المصرية، هذه الفقرة، بالضبط: " تعلن الندوة الأفريقية - الآسيوية تأييدها لحقوق الشعب العربي بفلسطين، وتطالب بتطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبتحقيق حل سلمي للمشكل الفلسطيني".

وقد يتبادر إلى الذهن، أن الموقف العربي قد تغير منذ تلك التصريحات، وأن مقررات الأمم المتحدة، لم تعد تناسب الظروف الراهنة. وقد قال قائل: هذا باب طرقناه مراراً، بلا جدوى، فلِمَ الرجوع إليه؟

الجواب عن هذا في تصريح فاه به الرئيس جمال عبدالناصر نفسه، صاحب الاعتراض، وعبّر فيه عن نفس الخطة، التي ناديت بها في الأردن وفي لبنان، في أوائل مارس 1965. وقد نشر تصريح الرئيس المصري بمجلة "ريالتيه"، الفرنسية، في عددها المؤرخ بأبريل 1965، أي بعد تصريحاتي بشهر

فقد أجاب عن سؤال متعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، بما نصه: "نعم، على الفلسطينيين أنفسهم، أن يقوموا، ابتداء من الآن، بتحقيق رغباتهم. وجميع البلدان العربية مؤيدة، إلى أقصى حد، ما ستقوم به هذه المنظمة، التي لها جيش، تتولى تدريبه وتجهيزه الدول العربية. وعندما تستكمل المنظمة استعدادها، سوف تشرع في العمل من أجل تطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين".

ثم رد على سؤال آخر، بقوله: "إن أمة تسعى إلى فرض تطبيق الأمم المتحدة، لا يمكن أن تنعت بأنها معتدية". وهو بذلك يقر نفس الخطة، التي أعلنت عنها، والتي ترمى إلى جعل القانون الدولي إلى جانب القضية العربية، في صورة نشوب عمليات حربية، بين الطرف العربي والطرف المعادي.

وفى تصريحات الرئيس المصري نقط أخرى، جديرة بأن يُلفت إليها النظر. فهو إذ يقول: "وعندما تستكمل المنظمة استعداداتها، سوف تشرع في العمل من أجل تطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين"، فهو إذ يقول ذلك على انفراد، وبدون أي استشارة سابقة، يحدد مهمة منظمة التحرير الفلسطينية، بأن يجعلها تهدف إلى تطبيق مقررات الأمم المتحدة، التي نعتها بأنها خاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين.

ولئن ذهبت أنا إلى اعتبار تطبيق تلك المقررات مرحلة نحو الحل النهائي، فإن المفهوم من تصريحات الرئيس المصري، أن المقررات الدولية، تمثل أقصى ما يمكن أن يطالب به العرب الفلسطينيون من حقوق.

وقد يتبادر إلى بعض الأذهان، أن ما عناه السيد جمال عبدالناصر بكلامه ذاك، هو ما يذهب إليه عادة المسؤولون العرب، عندما يتحدثون عن مقررات الأمم المتحدة في شأن فلسطين، وذلك بأن يقفوا عند نصف الآية. ويعنون - بضرب من الاحتراز الذهني المألوف[4] - أن ما يؤيدونه من هذه القرارات، إنما هو المتعلق برجوع اللاجئين، لا غير.

وقد تنبه الصحفي، ممثل المجلة الفرنسية، إلى هذه النقطة، فقال: "لنفرض، لحظة، وإن كان ذلك غير واقعي،  أن إسرائيل، تقبل برجوع اللاجئين العرب، وأن مقررات الأمم المتحدة، يمكن تطبيقها، فإنه يبقى، بعد ذلك، لا محالة، كيان لدولة إسرائيل، وسط العالم العربي. فهل تقبلون هذا الوضع؟ الجواب: أن الأمم الأفريقية الآسيوية، قالت في ندوة باندونج، إنها ترضى بتطبيق مقررات الأمم المتحدة، والدول العربية متفقة معها في ذلك".

فَعَلى الرغم من أن الرئيس عبدالناصر، لم يشأ أن يتلفظ مباشرة بموافقته على بقاء دولة إسرائيل، في صورة تقسيم التراب الفلسطيني بين دولتين، إحداهما عربية، والأخرى يهودية، فإن الكلمات والصيغ، لا تكفي لتغطية الحقائق، وإن ما صرح به، هو عين ما ذهبت إليه في مختلف تصريحاتي، في الصدد نفسه. فكل هذه الوثائق، التي أشرت إليها، سواء الخاصة بندوة باندونج، أو المتعلقة بتصريحات الرئيس المصري وتصريحات السيد الشقيري، كان من النزاهة والإنصاف، أن تحال إلى نظر رؤساء الحكومات العربية، حتى يقع درسها إلى جانب التصريحات، التي فُهْت بها، من جهتي، وحتى تتخذ القرارات في شأنها جميعاً، بدون مَيْزٍ ولا تلبيس.

 

[1]  واقتصر في نشر هذا البيان، على الفقرات المتصلة اتصالا مباشراً بوجهة نظر الرئيس التونسي من قضية فلسطين.

[2]  إشارة إلى مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في الفترة من 13 إلى 17 يناير 1964.

[3]  كما وردت في نص البيان.

[4]  كما وردت في نص البيان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:47 am

القسم الخامس
ردود الفعل على مشروع الرئيس بورقيبة

       أثارت تصريحات الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، في خصوص قضية فلسطين، ومشروعه، الذي أعلنه في 21 أبريل 1965، الكثير من ردود الفعل العربية، الرسمية والشعبية. كما أثارت ردود فعل لدى إسرائيل وكثير من دول العالم. وكذلك أثار خطابه في أبناء فلسطين، بمنطقة أريحا، ضجة في الأوساط والقوى السياسية الشعبية في المشرق العربي.
أولاً: ردود الفعل الفلسطينية

       أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بياناً، بتاريخ 23 أبريل 1965، شجبت فيه تصريحات الرئيس بورقيبة في 22 أبريل، التي يقترح فيها حلاً للقضية الفلسطينية، على أساس بقاء الوجود الإسرائيلي. وأعلنت تمسكها التام بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة.

        وفى يوم 24 أبريل، تظاهر عدد من طلبة فلسطين في القاهرة، أمام السفارة التونسية، وقدَّموا احتجاجاً، أعلنوا فيه "براءتهم" من الرئيس بورقيبة، ورفضهم "لأن يكون متكلماً عن قضيتهم، ورفضهم لأنصاف الحلول والمساومات لتصفية قضية فلسطين".

       وفى 24 أبريل 1965، صدر بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين، الذي ترفض فيه أنصاف الحلول للقضية الفلسطينية. وقد جاء في البيان ما يلي:

        "لقد دأبت "الهيئة العربية العليا لفلسطين"، على تحذير الشعب العربي الفلسطيني من الدسائس والمؤامرات، التي تحكيها الدول الاستعمارية، الضالعة، مع الصهيونية العالمية، من تصفية قضية فلسطين، والقضاء على شعبها بشتى السُّبٌل ومختلف الأساليب. وأصدرت الهيئة، في هذا الشأن، البيانات والنداءات المتكررة، محذرة من نتائج المؤامرات والدسائس، داعية إلى إحباطها. وكان آخرها البيان، الذي أصدرته بتاريخ 29 آذار (مارس) 1965، وأشارت فيه إلى الأصوات الشاذة، التي أخذت ترتفع، في الآونة الأخيرة، منادية بوجوب الاعتراف بالأمر الواقع، وتقدير الظروف القائمة، تلك الأصوات التي تهدف إلى إيجاد جو، تسوده القناعة بضرورة الالتجاء إلى ما يسمى بالحلول "العملية الواقعية" للقضية الفلسطينية، في الوقت نفسه، الذي آخذت فيه الدعوة إلى حلول مماثلة، تنطلق من بعض العواصم الغربية، على لسان المسؤولين من المستعمرين الصهيونيين.

       غير أن التصريحات، التي أدلى بها غير مسؤول عربي، في الأسبوع الأخير، إلى الصحف والمجلات الأجنبية، قد بلورت وكشفت، بشكل واضح، دوافع وأبعاد وأهداف هذه التصريحات، التي دعت إلى القبول بقرارات الأمم المتحدة، الخاصة بتقسيم فلسطين، مما حدا بالهيئة العربية العليا على الانكباب على دراستها دراسة موضوعية وافية، من جميع جوانبها، وتقدير نتائجها، وتحديد مدى خطرها على المصير العربي عامة، والفلسطيني بشكل خاص.

       ولقد قابل الشعب العربي الفلسطيني بالسخط والنقمة هذه التصريحات المشبوهة وعدّها طعنة غادرة جديدة، توجه إلى صميم حقوقه ومستقبله، واعتداء فاضحاً على حقه في تقرير مصيره، واستنكر صدورها عن بعض المسؤولين العرب، خاصة بعدما أُعلن، في مؤتمرَي القمة العربيين، في العام الماضي، عزم الدول العربية على الالتزام بخطة موحدة لتحرير فلسطين، وتمكين شعبها من إنشاء كيانه وجيشه، طليعة لعملية تحرير عربية موحدة.

       وإن سياسة الهيئة العربية العليا، في هذا المجال، واضحة كل الوضوح، إذ إنها ترى أن المحافظة على الوحدة المقدسة للتراب الفلسطيني، والعمل على تحرير الجزء المقتطع من الوطن المغتصب، هما المبرر لوجودها، والسبب الوحيد، الذي دفع البعض إلى إيذائها والتضييق عليها لخفوت صوتها، سعياً وراء تنفيذ خطة مبيتة لتصفية فلسطين، وتوطين شعبها بعيداً عن وطنه، بعد التمهيد الطويل، الذي خطط لتجميدها، وشل حركة شعبها عن التأهب والحركة وحرية العمل.

       وتجدد الهيئة العربية إعلانها أن الدعوة إلى القبول بقرارات الأمم المتحدة، الخاصة بتقسيم فلسطين، وإلى التفاوض مع العدو الصهيوني المغتصب، هي اعتراف بشرعية الوجود الصهيوني العدواني في فلسطين المحتلة، وقبول بالأمر الواقع، القائم على الظلم، الذي بذلت الأمة العربية الغالي من دماء أبنائها، والوفير من أموالها، في سبيل اجتثاثه من جذوره، وتنكُّر سافر للتضحيات الجسام، التي قدَّمها الشعب العربي الفلسطيني، طوال أربعين عاماً من أجل الحفاظ على خط الدفاع العربي الأول، وصون وحدة فلسطين الجغرافية. وهي وخيانة للأمة العربية، التي تؤمن بأن قضية فلسطين، هي قضية مصيرها ووجودها.

       كما تؤكد الهيئة العربية العليا، أن الشعب العربي الفلسطيني، هو وحدة صاحب الرأي الأول والأخير، في كل ما يتعلق بمصير قضيته ومستقبل وطنه، وأنه يرفض رفضاً باتاً فرض الوصاية علية من أي أحد، كائناً من كان. كما يرفض كافة أنصاف الحلول، من تقسيم وتوطين، وتدويل وتعويض، واقتطاع أي شبر من أرض فلسطين العربية. ولا يرضى من تحرير وطنه بديلاً. ويرى أن السبيل الوحيد إلى تحقيق ذلك، هو سبيل الكفاح العملي، الذي يضطلع فيه الشعب الفلسطيني بالدور الرئيسي.

       وتعلن الهيئة العربية العليا، أن الظروف الحرجة، التي تمر بها القضية الفلسطينية، في الوقت الحاضر، تدعو الفلسطينيين، أكثر من أي وقت مضى، إلى جمع صفوفهم، وتوحيد كلمتهم، ونبذ خلافاتهم، والمبادرة إلى تشكيل كيان فلسطيني شعبي، تنتظم فيه جميع فئات هذا الشعب، ويتمتع بالقدرة على الوقوف سداً منيعاً في وجه تيارات المؤامرات، وتطويق جميع المحاولات، الرامية إلى العبث بمقدراته، ويعمل على تنسيق جهوده مع الشعب العربي، في جميع أقطاره، لتحرير فلسطين.

       وتطالب الهيئة العربية كل مسؤول في الدول العربية بالمبادرة إلى إعلان رأيه الصريح، في شأن هذه التصريحات، المريبة للشعب العربي الفلسطيني، حتى يكون على بيّنة من أمره، وإلى تحديد موقفه الواضح من موضوع تحرير فلسطين، حتى يتمكن هذا الشعب، في ضوء ذلك، من تقدير الظروف، وتقرير المواقف، التي سيتخذها دفاعاً عن حقوقه ومصيره ومستقبله.

       وتهيب الهيئة العربية بالأمة العربية، التي تعلق عليها أكبر الآمال، أن تقف وقفة رجل واحد مع الشعب العربي الفلسطيني، في هذه المحنة الخطيرة، التي تعد محكاً لقدرة العرب على خوض معركة المصير الواحد".

       ونشرت جريدة "الأهرام"، في عددها الصادر في 25 إبريل 1965، تصريحاً للشقيري، قال فيه: "إنه نظراً إلى التصريحات الأخيرة، التي أدلى بها الرئيس بورقيبة، والتي احتوت، بمجموعها، مغايرة صريحة لقرارات مؤتمرَي القمة، في القاهرة والأسكندرية، لا حاجة، في الوقت الحاضر، لافتتاح مكتب في تونس. ونعد كل تونسي يعيش فوق أرض تونس، ممثلاً للشعب الفلسطيني في كفاحه ونضاله".
رد الفعل الفلسطيني في لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب

       اجتمعت اللجنة في يوم 28 إبريل 1965، في أعقاب سلسة من التصريحات، أدلى بها رئيس الجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة، حول حل قضية فلسطين، وكان آخرها حديثه إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين، المنشور في جريدة "العمل" التونسية، في عددها الصادر في 23 أبريل، والذي دعا فيه إلى مفاوضة إسرائيل، على أساس احترام مبدأ وجودها. وقد وافقت اللجنة على وضع تصريحات الرئيس التونسي، بورقيبة، على رأس جدول الأعمال، بناء على طلب منظمة التحرير الفلسطينية. وقدَّم السيد أحمد الشقيري، رئيس المنظمة، مذكرة شرح فيها رأي المنظمة في تصريحات بورقيبة، وطالب بإسقاط عضويته وعضوية حكومته من مؤتمرات القمة، والمؤسسات التابعة لها، ودعوة مجلس الجامعة العربية لدورة استثنائية، لإقرار فصل تونس من الجامعة العربية، ومجلس الدفاع المشترك، وجميع الهيئات واللجان المتفرعة عنها، مع تحية الشعب التونسي، لكفاحه من أجل تحرير وطنه، ولمشاعره وإرادته القومية، بالنسبة إلى تحرير فلسطين. كما طلب أحمد الشقيري دراسة هذه المقترحات في جلسة علنية، "لأن الأمر يتصل بأكبر قضية عربية في عصرنا الحاضر، ومن حق الأمة العربية أن تعرف كل شيء عنها".
وفي 29 أبريل، أصدرت لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب بياناً إجماعياً، تضمن النقاط التالية:

1. التمسك التام بقرارات مؤتمرَي القمة العربيين ومؤتمر رؤساء الحكومات العربية، والالتزام الكامل بجميع ما تنطوي علية من واجبات ومسؤوليات. وكذلك، تأكيد الدعم المتواصل، تعبيراً عن إرادة الشعب العربي، لكل من القيادة العربية الموحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وفي تنفيذ المشروع العربي لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده، والاستعداد التام لمواجهة جميع الاحتمالات، وبذل التضحيات في سبيل تحرير فلسطين تحريراً كاملاً.

2. رفض أي دعوة إلى الاعتراف أو المصالحة أو التعايش مع إسرائيل، واعتبار مثل هذه الدعوة "خروجاً على الإجماع العربي في قضية فلسطين، وعلى ميثاق الجامعة، ونقضاً للخطط، التي أجمع عليها ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية، وباركتها الأمة العربية".

3. دعوة مجلس رؤساء الحكومات العربية للاجتماع، في 24 مايو 1965، "للنظر في الموقف العربي، واتخاذ القرارات الكفيلة بدعم وحدة العمل في قضية فلسطين، وإحباط المؤتمرات العدوانية ضدها، وكفالة اطِّراد التقدم، الذي أحرزه العرب في المجالين، القومي والدولي".

       وقد انسحب أحمد الشقيري، رئيس منظمة تحرير فلسطين، من اجتماع لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب، لأن اقتراحه بإسقاط عضوية تونس من جامعة الدول العربية، لم يؤخذ في الحسبان. إلاّ أنه عاد، بعد ذلك، إلى الجلسة، بعد أن سجل في المحضر، أنه سيعلن تنحِّيه عن تحمل تبعات العمل في المنظمة، "إذا سارت الأمور بهذه الطريقة".

       وذكرت جريدة "الأهرام"، أن اللجنة، لم تناقش اقتراح أحمد الشقيري، لأنه ليس من حقها بتّ  موضوع العضوية، إذ إن ذلك من اختصاص مجلس جامعة الدول العربية. وذكرت أن اللجنة، قررت أن تطلب من الحكومات العربية، أن تقطع علاقاتها مع ألمانيا الغربية، فور اعترافها بإسرائيل.

       وفى مساء يوم 29 أبريل 1965، أذاع أحمد الشقيري بياناً، من إذاعة "صوت فلسطين"، قال فيه: إن المنظمة، لا توافق على بيان الممثلين الشخصيين للملوك والرؤساء العرب، الذي صدر اليوم. وإن هذا البيان أثار تساؤلاً في نفسه عن جدوى المنظمة، ما دامت مرتبطة بالمجال العربي الرسمي. وقال إن رفضه البيان، يعود إلى أن بورقيبة، قد دعا إلى الصلح مع إسرائيل، "وهذا ما لم يفعله عربي من قبل وما اعتقد أن عربياً سيفعله من بعد". وإن بورقيبة نادى بالمفاوضة مع إسرائيل، وهو أمر رفضه شعب فلسطين، ومعه الأمة العربية، منذ عام 1919. كما أنه دعا إلى التعايش والتعاون مع إسرائيل، وعد تحرير فلسطين عملاً عدوانياً، وحرباً غير مشروعة شبّهها بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.
رد الفعل الفلسطيني، في الدورة الثانية لمجلس رؤساء الحكومات العربية

       وفى 26 مايو 1965، انعقد المؤتمر الثاني لمجلس رؤساء الحكومات العربية، وتخلفت تونس عن الحضور، بسبب وضع "تصريحات الرئيس التونسي" على جدول الأعمال، طبقاً لما جاء في مذكرة تونسية إلى الأمانة العامة للجامعة. وقد تضمن جدول الأعمال "جميع المسائل السياسية والعسكرية والفنية والمالية والاقتصادية، التي تهم الدول العربية". وأولاها موقف الرئيس بورقيبة وتصريحاته المتكررة في صدد القضية الفلسطينية، والتحرشات الإسرائيلية بمواقع العمل في مشروعات استثمار نهر الأردن وروافده، في الأراضي العربية.

       وفى اجتماع بتاريخ 27 مايو، بحث المجلس عدداً من "مشروعات بقرارات" تتعلق بالموقف من تصريحات الرئيس بورقيبة. وقد تراوحت هذه المشروعات بين مشروع منظمة التحرير، القاضي بإسقاط عضوية تونس من كل من الجامعة العربية ومؤتمرات القمة، إلى مشروع سوري بإسقاط عضوية تونس من مؤتمر القمة، إلى مشروع سوداني بتأكيد قرارات مؤتمرات القمة السابقة، الخاصة بقضية فلسطين، مع التنديد بموقف الرئيس التونسي منها، ورفض أي صلح مع إسرائيل.

       وقد تواصلت مناقشة صيغة القرار، الخاص بتصريحات الرئيس بورقيبة، خلال اجتماعات المجلس في جلسات يوم 28 مايو، إلى أن تقررت الموافقة على مشروع القرار المقدم من وفد السودان. وقد كان من نتيجة ذلك، أن انسحب أحمد الشقيري من الاجتماع، معلناً أن القرار المتخذ غير كافٍ لمقابلة موقف الرئيس بورقيبة، وأعلن اعتذاره عن الاستمرار في تمثيل فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني

       عقد المجلس الوطني الفلسطيني دور انعقاده الثاني في القاهـرة، خلال الفترة من 31 مايـو حتى 4 يونيه 1965، وحضره الرئيس جمال عبدالناصر. وأصدر المجلس مجموعة من القرارات السياسية، كان أهمها القرارات الخاصة بتصريحات الحبيب بورقيبة، والتي تتلخص في الآتي:

1 . يعلن المجلس الوطني الفلسطيني، أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، وخروج على الاجتماع العربي، وافتئات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وقد بادر هذا الشعب، في كل مكان، إلى الإعراب عن بالغ سخطه واستنكاره لهذه التصريحات، بمختلف الوسائل. وأن المجلس الوطني الفلسطيني، يرفض هذه التصريحات، جملة وتفصيلاً.

2. يؤيد المجلس الوطني الفلسطيني، تأييداً تاماً، رئيس اللجنة التنفيذية، الأستاذ أحمد الشقيري، في موقفه من تصريحات الحبيب بورقيبة، ذلك الموقف الذي اتخذه أمام لجنة ممثلي الملوك والرؤساء، وأمام مجلس رؤساء الوزراء العرب. وسجل المجلس تقديره لهذا الموقف الحازم.

3 . يؤكد المجلس ثقته بوعي الشعب التونسي الشقيق، وإدراكه حقيقة القضية الفلسطينية، واستعداده للقيام بدوره في سبيل تحرير فلسطين.

4. يشكر المجلس دولة الكويت، للقرار الوطني الذي أصدرته بقطع المعونة عن تونس، نظراً إلى موقف الرئيس بورقيبة من قضية فلسطين.

       وقد ألقى أحمد الشقيري خطاباً في هذا المؤتمر، الذي افتتحه الرئيس جمال عبدالناصر، في قاعة الاجتماعات الكبرى، بجامعة القاهرة، مساء 31/5/1965، قال فيه: "إننا رفضنا مقترحات الرئيس بورقيبة، ورفضتها معنا الدول العربية". وأضاف "أن شعب فلسطين يرفض التقسيم أو التوطين، يرفض التعايش السلمي مع إسرائيل أو الصلح معها، ليس عن عاطفة، ولكن عن تفكير هادئ". وأضاف "أن بورقيبة يطالبنا بأن نكون على الحياد، ولا نتدخل في الخلافات بين الدول العربية". وقال "إننا نريد أن نكون على الحياد حقاً في الخلافات العربية. لكن لا يمكننا أن نكون على الحياد، بالنسبة إلى قضية فلسطين. وإننا مع الدول التي تكون مع فلسطين. وإن كل ملك أو رئيس دولة، لا يؤيد قضية فلسطين، فإننا لا نسير معه".
برقية الهيئة العربية العليا لفلسطين، إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية

       وفى 28 أبريل 1965، أرسلت الهيئة العربية العليا لفلسطين برقية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، حول عقد اجتماع عربي على أعلى المستويات. وفي ما يلي نص البرقية:

        "إن الشعب العربي الفلسطيني، صاحب الحق الأصيل في تقرير مصيره، بات يشعر بقلق شديد، وخطر بالغ على مستقبل قضية القدس، نتيجة للتصريحات الصادرة، أخيراً، عن غير مسؤول عربي، والتي تثير الشكوك حول خطة مدبرة لتصفية قضية فلسطين. ويكرر استنكاره الشديد، ورفضه القاطع لجميع أنصاف الحلول، كالتقسيم والتوطين، والتدويل والتعويض، ويطالب بعقد اجتماع عربي على أعلى المستويات، لوضع ميثاق قومي علني صريح، خاص بتحرير فلسطين، تلزم به جميع الدول العربية، ولرسم خطة موحدة لتنفيذ هذا الميثاق. ويطالب بإطلاق يده لإنشاء كيانه الشعبي الحقيقي، الذي يجمع كافة قواه المناضلة، وينطلق باسمه، عن جدارة، لإحباط مؤامرة التصفية، وتعبئة طاقاته للقيام بدور الطليعة في معركة التحرير".
ثانياً: ردود الفعل في الجمهورية العربية المتحدة

       وفى أعقاب ما أذيع من تصريحات للرئيس التونسي، بورقيبة، حول فلسطين، أمام أعضاء المكتب القومي للطلبة التونسيين، والتي دعا فيها عرب فلسطين إلى التفاوض مع إسرائيل، على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقبول الوجود الإسرائيلي في فلسطين، ظهرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 23 أبريل، لتعلن "موقف" القاهرة من "المؤامرة". وقالت إن تصريحات بورقيبة الأخيرة، "تقطع كل حيرة"، وتوضح، للمرة الأولى، أن الرئيس التونسي، بورقيبة "يتحرك وفق خطة مرسومة، جرى تنسيقها،  ووضعها، بواسطة قوى الاستعمار الغربي، تآمراً على قضية المصير العربي كله". وذكرت "الأهرام" أن القاهرة، أصبحت ترى "أن الأمر لا يمكن السكوت عليه"، وأنها قررت طلب إدراج "موضوع هذه التصريحات ودلالاتها وآثارها" في جدول أعمال مؤتمر رؤساء الحكومات العربية، الذي سيعقد في شهر مايو في القاهرة. وأضافت أن الدوائر في القاهرة، تعتقد أن نتيجة بحث هذه التصريحات في المؤتمر، "سوف يتوقف عليها كل سياسة مؤتمرات القمة". وأنه ما لم يتضح الموقف في هذا المؤتمر، بطريقة قاطعة، "فإن القاهرة سوف تجد حتماً عليها أن تصل إلى قرار في شأن اشتراكها في مؤتمر القمة العربي، المنتظر عقده في المغرب، في شهر سبتمبر القادم، فإن هذا المؤتمر، لا يصبح له، باشتراك بورقيبة فيه، أي قيمة". وقالت "الأهرام": "إنه إذا جاز الحكم على أساس التصريحات المنقولة عن الرئيس التونسي، فإن المكان الذي اختار الوقوف فيه، لا يسمح للجمهورية العربية المتحدة، بأن تشترك معه في مداولات سياسية، تمس الحاضر العربي والمستقبل العربي، ولا يسمح لها أيضاً، بأن تترك أي سر من أسرارها الدفاعية يصل إليه، خصوصاً في مرحلة حرجة حاسمة كالمرحلة الحالية.

       ونشرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 25 أبريل 1965، نص برقية بعث بها السيد حافظ محمود، نقيب الصحفيين في الجمهورية العربية المتحدة، إلى الرئيس التونسي، طالبه فيها، باسم النقابة، "تصحيح الآراء الخاطئة"، التي صدرت عنه في قضية فلسطين. "وهي الآراء التي رفضها الضمير العربي، لما فيها من إساءة، لا إلى شعب فلسطين فقط، بل وبالذات إلى شعب تونس الحر بين أشقائه الأحرار". كما أشارت إلى بيان، أصدره السيد مصطفى البرادعي، نقيب المحامين في الجمهورية العربية المتحدة، استنكر فيه، باسم النقابة، تصريحات الرئيس بورقيبة، وأعرب عن أسف الشعب العربي "أن يكون بين حكامه من يجرؤ على مثل هذه النوايا، والتي يجب أن يوضع لها حد زاجر". كما نشرت "الأهرام"، في عددها نفسه، بياناً للبابا، كيرلس السادس، بابا الأسكندرية وسائر أفريقيا، بمناسبة عيد القيامة المجيد، أعلن فيه أن الحل الوحيد لقضية فلسطين، هو إعادة أرض فلسطين إلى أصحابها الأصليين. وقال إنه على العالم المسيحي، "الذي تدفعه الأهواء السياسية إلى تأييد إسرائيل"، أن يدرك التعاليم السامية والسماوية، التي نادى بها السيد المسيح، من أنه "ما من دولة قامت بحد السيف، إلاّ هوت بحد السيف".

       وفى 27 أبريل 1965، ناقش مجلس الأمة تصريحات بورقيبة الأخيرة، وطالب عدد كبير من الأعضاء، بطرد حكومة تونس من الجامعة العربية، ومن مؤتمرات القمة، وبسحب السفير العربي من تونس.

       وألقى السيد محمود رياض، وزير الخارجية، بياناً مسهباً بتصريحات بورقيبة، قال في نهايته، "إن الرئيس التونسي، لا يستطيع الجمع بين صفته كعربي، وصفته كوسيط في هذه القضية المقدسة، خاصة أن الوسطاء، حتى الآن، في هذه القضية، كانوا من الدول التي عملت على إقامة إسرائيل". كما أعلن أن الحكومة، قررت سحب سفيرها من تونس.

       وأصدر مجلس الأمة قراراً جماعياً، في نهاية الجلسة، طلب فيه من الحكومة "ضرورة العمل على تحديد موقف عربي حازم من رئيس الجمهورية التونسية، وكل خروج على إجماع العرب، وما يتعاهدون عليه من خطط للعمل القومي".

       وفى 28 أبريل، خرجت تظاهرات في القاهرة، استنكاراً لتصريحات الرئيس بورقيبة، وحاصرت سفارة تونس وحاولت إحراق منزل السفير التونسي. إلا أنها رُدت عن ذلك، بعد اشتباكها بقوات الشرطة، مما أدى إلى وقوع خمسين إصابة من المتظاهرين ورجال الشرطة.
خطاب الرئيس عبدالناصر في مناسبة عيد العمال

       وفى عيد العمال، الأول من مايو 1965، ألقى الرئيس عبدالناصر خطاباً سياسياً، تحدث فيه عن مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة بتسليح إسرائيل، وقال "إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت وراء إنشاء إسرائيل، تشجعها اليوم على العدوان، وتحقيق مطامعها التوسعية من طريق تزويدها بالسلاح. ورفض حجة الغرب في تسليح إسرائيل، التي تقوم على أساس توازن القوى بينها وبين الدول العربية مجتمعة". وقال "سنظل دوماً في مركز التفوق على إسرائيل، لأن العرب يملكون القوة البشرية، التي تمكنهم من تجنيد مليونين أو ثلاثة ملايين من الجنود، إلاّ أن ذلك يحتاج إلى القوة الذاتية، القائمة على العمل". ثم تحدث عن تصريحات الرئيس بورقيبة، الخاصة بفلسطين، والتي كانت "صدمة عنيفة للأمة العربية، في الوقت الذي تمر فيه قضية فلسطين بمرحلة حاسمة". وأشار إلى ارتباط بورقيبة بقرارات مؤتمرَي القمة، الأول والثاني، اللذين حددا الهدف العربي النهائي بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني. وقال "إن تصريحات بورقيبة ومقترحاته، تعني التعايش السلمي مع إسرائيل، وإن هذا الكلام يضعف قضية فلسطين، على الرغم من أن الشعب العربي كله، قد رفضه". وأضاف "أن اقتراح بورقيبة التفاوض مع إسرائيل، والتعايش معها، قد قوبل بالتهليل في الغرب، وفي إسرائيل، لأن ذلك هو تماماً ما تريده إسرائيل والغرب". وقال "إن منطق بورقيبة وكلامه، لا يخدمان القضية العربية، ولكنهما يخدمان فقط قضية إسرائيل وقضية الاستعمار. وأن قضية فلسطين، هي قضية الشعب العربي كله، وأنه سيأتي اليوم، الذي سيجند فيه العرب مليونين أو ثلاثة ملايين، ليحرروا فلسطين، ويستعيدوا حقوق شعب فلسطين، مهما كانت كمية السلاح، التي تمنحها الدول الغربية لإسرائيل" (انظر ملحق خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العمال).

       وفى 16 مايو 1965، نشرت جريدة "الأهرام" تفاصيل المؤتمرات، التي عقدت في الجمهورية العربية المتحدة وقطاع غزة، بمناسبة يوم 15 مايو، الذي وصفه كمال رفعت، نائب رئيس الوزراء، بأنه "يوم اليقظة العربية، لا النكبة الفلسطينية". كما وصف تصريحات بورقيبة بأنها محاولة صريحة، لتثبيت أقدام الاستعمار في الشمال الأفريقي، بل محاولة أكثر صراحة لتسليم الوطن العربي كله إلى "استعمار جديد". وتحدث السيد حسن صبري الخولي، الممثل الشخصي للرئيس عبدالناصر، فقال "إن بداية نكبة فلسطين، تعود إلى اليوم الأول لانعقاد مؤتمر بال الصهيوني في عام 1897". وقال "إن اتفاق عشر دول عربية على قطع العلاقات مع حكومة ألمانيا الغربية، لمناصرة حرية شعب فلسطين وعودته، هو انتصار لا يمكن أن تؤثر فيه الخيانة أو الرجعية أو المساومات البورقيبية". وقد عقدت "إدارة المدرعات" بالقوات المسلحة، ندوة قومية، في مناسبة هذه الذكرى، حضرها عدد كبير من القادة وضباط الصف والجنود.
البيان المشترك للقيادة السياسية الموحدة

       وفى 25 مايو، صدر بيان القيادة السياسية الموحدة للجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة، أثر انتهاء اجتماعاتها في القاهرة، في حضور كل من الرئيس عبد السلام عارف والرئيس جمال عبدالناصر. وقد تضمن البيان تقدير "القيادة" لموقف دول عدم الانحياز، والدول التي ارتضت الوقوف، في قضية فلسطين، "إلى جانب العدالة والحق". كما تضمن استنكار "موقف الرئيس التونسي، بورقيبة، الذي يخدم الاستعمار والصهيونية". ونص البيان، كذلك، على تمسك "القيادة" بقرارات مؤتمر القمة العربي الثاني، "في ما يختص بخطة العمل العربي الجماعي في تحرير فلسطين، التي قررت أن الهدف العربي القومي هو القضاء على إسرائيل، والهدف العاجل، هو تعزيز الدفاع العربي، على وجه يؤمن للأقطار العربية، التي تجري فيها روافد نهر الأردن، حرية العمل العربي في الأرض العربية". كما نص على اعتبار شعب فلسطين "طليعة النضال في منظمة التحرير الفلسطينية، وتزويدها بكافة الإمكانيات المادية والمعنوية[1].
خطاب الرئيس جمال عبدالناصر في المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني (انظر ملحق خطاب الرئيس عبد الناصر في المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني)

ألقى الرئيس عبدالناصر، في 31 مايو 1965، خطاباً سياسياً جامعاً، اقتصره على فلسطين، وذلك في جلسة افتتاح المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني، المنعقد في القاهرة. فتحدث، أولاً، عن مشاعر الضيق والمرارة والشك واليأس، التي تنتاب كثيراً من المواطنين الفلسطينيين والعرب، بسبب التناقضات القائمة في الوسط العربي، ونتيجة استغلال الاستعمار لهذه المتناقضات وتغذيتها. وذكر الرئيس عبدالناصر، في خصوص موضوع بورقيبة، النقاط الرئيسية التالية:

1. ضِيق كثير من الفلسطينيين من عدم تناسب القرار، الذي صدر عن رؤساء الحكومات العربية، رداً على تصريح الرئيس بورقيبة.

2. دعا الدول العربية إلي مقاطعة الرئيس التونسي، لأن موقفه يُعد هجومًا على القيادة العربية الموحدة وتشكيكًا فيها.

3. إن الفلسطينيين أصبحوا هدفًا لحملات مستمرة من داخل العالم العربي وخارجه.

4. أعرب عن إحساسه بوجود تناقضات، تتعلق بقضية فلسطين، ووجوب تحديد المواقف المختلفة تجاهها.

5. إن الصحف والإذاعات، قد خلقت جوًا من البلبلة للفكر العربي تجاه قضية فلسطين، بغرض المزايدة والكسب.

6. بسبب سوء عرْض قضية فلسطين، ممّن يبيعون الوطن العربي للاستعمار والصهيونية، ساعد ذلك على إحداث جو من اليأس في الحاضر والمستقبل.

7. إن بورقيبة يتخذ خطًا، يخدم الصهيونية والاستعمار، وما على الشعب العربي إلا النضال والكفاح من أجل آماله، وإفساد خطط الصهيونية.

 

[1]  أُنشئت هذه القيادة بين العراق و الجمهورية العربية المتحدة بموجب الاتفاق المعقود بين البلدين في 16 أكتوبر 1964. والبيان المذكور صدر إثر الاجتماعات الأولى لهذه القيادة، التي عقدت في القاهرة، في الفترة من 19 حتى 25 مايو 1965، في حضور وفد الجمهورية العربية المتحدة، برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر ووفد الجمهورية العراقية، برئاسة المشير عبد السلام عارف.







       
القسم السادس
مبادرة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1973

جهود بورقيبة، خلال عام 1973

       شهد عام 1973 نشاطاً كبيراً على المسار الفلسطيني، لحل القضية الفلسطينية. ففي 17 يناير 1973، زار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تونس، حيث أجرى مباحثات مع رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة، ووزير الخارجية، محمد المصمودي، تتعلق بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني، الذي كان قد انعقد في القاهرة، في السادس من الشهر نفسه. كما تناقشوا في شأن اجتماع وزراء الخارجية والدفاع العرب، الذي كان من المزمع عقده في فبراير 1973.

       وخلال عام 1973، أجرى الرئيس بورقيبة مقابلات عديدة، لتوضيح مواقفه من القضية الفلسطينية وحلوله المقترحة لتسويتها. ففي 23 فبراير، تحدث إلى التليفزيون اليوغسلافي، مؤكداً أن الحل الوحيد لمشكلة الشرق الأوسط، يتمثل في الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني، والسعي إلى إيجاد حل وسط، يكون مقبولاً من الفلسطينيين والإسرائيليين، في آن واحد. وأشار إلى التغير في السياسة العربية، التي أصبحت مستعدة للاعتراف بإسرائيل، "لكن ضمن الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة، في قرارها الرقم 181، الخاص بتقسيم فلسطين، وعلى أن تقوم إلى جانب إسرائيل دولة فلسطينية، تبرِم الصلح مع إسرائيل".

       وشدّد الرئيس بورقيبة على أهمية الأمن الأوروبي، لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. كما أنه حثّ الولايات المتحدة الأمريكية على إجراء محادثات مباشرة، مع الزعماء الفلسطينيين، لإيجاد تسوية لأزمة الشرق الأوسط.

بورقيبة يرفض الوساطة بين إسرائيل والدول العربية

       أكّد الرئيس بورقيبة مواقفه السابقة، الخاصة بمشروعه القديم لتسوية القضية الفلسطينية. ثم أوضح أن سياسة مصر، تسير في اتجاهين: الاستعداد للحرب، وسلوك الطرق السلمية. فإذا فشلت الجهود لإيجاد حل سلمي، فإن الحرب يمكن أن تقع. وأضاف أنه متخوف من هزيمة رابعة للعرب. وأكد إمكان عقد اتفاقيات بين الدول العربية وإسرائيل. لكنه رفض أن يكون وسيطاً بينهما، خوفاً من أن يُساء الحكم عليه من الطرفين.

       وفي الأول من يونيه 1973، أعلن الرئيس بورقيبة، في تصريح لصحيفة لوفيجارو "Le Figaro" الفرنسية، استعداده للاجتماع مع أبا إيبان، شرط تحقُّق أمرين: الأول: الاعتراف بحق الفلسطينيين في أرض فلسطين.

والثاني: الموافقة على قرار الأمم المتحدة الرقم 181 لسنة 1947، الخاص بتقسيم فلسطين.

بورقيبة يؤكد أنه لا بديل من السلام العادل

       وخلال المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية، الذي انعقد في جنيف، في 19 يونيه 1973، أكّد الحبيب بورقيبة، في كلمته إلى المؤتمر، أن إحلال السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، يجب أن يأخذ في الحسبان حق الشعب العربي في ألاّ يُهان، وحق الشعب الفلسطيني في ألاّ يُشرَّد، وحق الإسرائيليين في ألاّ يُقضى عليهم، ويُقذفوا في البحر.

البيان التونسي ـ اليوغسلافي المشترك

       وفي البيان التونسي ـ اليوغسلافي المشترك، الذي صدر إثر زيارة جمال بياديتش، رئيس المجلس التنفيذي الفيدرالي اليوغسلافي، إلى تونس، في 27 يونيه، طالب الطرفان إسرائيل بالجلاء عن الأراضي العربية، والاعتراف بالحقوق الشرعية الثابتة للشعب الفلسطيني. وسجّلا أيضاً أن أمن أوروبا مرتبط بالأمن في البحر الأبيض المتوسط.

       وفي حديث للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، إلى جريدة لوموند "Le Monde" الفرنسية، في 29 يونيه 1973، رأى أن اقتراحه لحل النزاع في الشرق الأوسط، لم يجد تجاوباً كافياً لتنفيذه. لكنه اعترف بأن الوقت يعمل لمصلحة فكرته، وأنه كان هناك تقبّل عربي وفلسطيني لاقتراحه. كما أظهر تخوفاً من تركيز الاتحاد السوفيتي في المنطقة، من خلال مساعدته للعرب.

مبادرة بورقيبة، عام 1973

       في الثاني من شهر يوليه 1973، طرح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية. إذ أكّد أن جوهر القضية، هو: "أن ثمة شعبين، يتنازعان أرضاً واحدة. وأنا أقول، لماذا لا نتصور إمكان تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ بالطبع، سيضحي كل شعب بشيء ما. الإسرائيليون، من جهتهم، يتخلون عن الأراضي، التي احتلوها بقوة السلاح، ويحتفظون بما منحتهم إياه الأمم المتحدة، عام 1947، بموجب قرار التقسيم الرقم 181".

       ويضيف بورقيبة: لم يكن ما اقترحته لقاءَ الإسرائيليين فقط، بقدر ما هو حل للنزاع، القائم بينهم وبين العرب. إذ إنني أتبين أن الوضع، يسير من سيئ إلى أسوأ. وتتضمن مبادرة الرئيس بورقيبة النقاط التالية:

1. قبول إسرائيل بمبدأ تقسيم فلسطين، وفق قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة، عام 1947.

2. تعيين الحدود بين العرب وإسرائيل، من طريق المفاوضات.

3. إقامة دولة فلسطينية.

       وقال بورقيبة إن العرب، يتمسكون بمبدأ محدد، بينما معطيات الواقع، أصبحت تناقض ذلك المبدأ[1]، إضافة إلى أننا لا نملك القوة الكافية لاستخلاص حقّنا المهضوم.

       وفي الخامس من يوليه 1973، جدّد بورقيبة اقتراحـه إنشـاء دولة فلسطينية. لكنه ركّز في أن "لا شيء في التاريخ، اسمه شرق الأردن ... فقد اجتزأت بريطانيا الجزء الصحراوي من فلسطين، مع من عليه من قبائل، وسمته شرق الأردن". ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية على ما يطلق عليه، الآن، شرق الأردن، إضافة إلى الجزء، الذي كان من نصيب العرب في قرار التقسيم الرقم 181 لسنة 1947.

رد فعل الأردن على مبادرة بورقيبة

       وقد أثارت تصريحات بورقيبة دهشة الحكومة الأردنية، وانتقادات رئيس مجلس النواب الأردني، كامل عريقات. فصدر بيان عن الاتحاد الوطني الأردني، هاجم تصريحات بورقيبة، ووصفها بأنها إعادة لأسطوانة الوطن البديل. وجاء في البيان: "إن إطلاق هذه التصريحات، بما فيها من مغالطات وتشويه، في هذا الظرف الخطير، من التفكك والعجز العربي، والأهل يرزحون تحت نير الاحتلال، تبدو وكأنها تهدف إلى إثارة مزيد من البلبلة والتشويش، وتحويل الأنظار عن قضية العدوان الاستيطاني الصهيوني، إلى تمييع وإضاعة الحق الفلسطيني في الأرض والوطن، ومن المشاركة وتوحيد الجهد لتحرير الوطن المغتصب، إلى التفتيش عن رقعة بديلة، يستقر فيها ضحايا هذا العدوان". ووزع بيان للاتحاد الوطني الأردني، في 7 يوليه 1973، يستنكر ويشجب صدور مثل هذه التصريحات.

       أمّا الرد الرسمي الأردني، فقد تمثل في قرار مجلس الوزراء الأردني، في 17 يوليه 1973، بقطع العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وتونس. وجاء في القرار: "لما كان الموقف التونسي، ينسجم مع موقف إسرائيل، الذي يهدف إلى تكريس الاحتلال للأراضي العربية، ويدعو إلى إقامة دولة فلسطينية خارج فلسطين، كبديل لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية، فقد قرر مجلس الوزراء قطع العلاقات السياسية بين الأردن وتونس".

       وفي إثر تصريحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، لجريدة "النهار"، في 6 يوليه 1973، التي أعلن فيها أن الأردن دولة مصطنعة، واقترح إقامة دولة فلسطينية بدل دولة الأردن، أعلن الملك حسين، في 19 يوليه، أن هذا الاقتراح هو "دعوة مريبة" و"مشروع مشبوه".

       وتطرق الملك حسين، في حديث صحفي، يوم 27 يوليه 1973، إلى جريدة "النهار" البيروتية، إلى موضوع "مَن يمثل الشعب الفلسطيني"، فشدد على أهمية الضفة الغربية، بالنسبة إلى الأردن. وقال إنه، في حال تنازله عن تمثيل الشعب الفلسطيني، لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن ذلك سيؤدي، في رأيه، إلى "ضياع الضفة الغربية". كذلك أشار إلى أن تمثيل الفلسطينيين، يمكن أن يكون من غير منظمة التحرير الفلسطينية.

رأي بورقيبة في القوة العربية

       وفي مناسبة زيارة الشيخ صباح السالم الصباح، أمير دولة الكويت، إلى تونس، في 12 سبتمبر 1973، قال الرئيس بورقيبة أنْ لا جدوى من الحروب الكلاسيكية مع إسرائيل، لأن إسرائيل أقوى من العرب. وطالب بالتمسك بالقانون الدولي.

       وفي اليوم الأول لاندلاع حرب السادس من أكتوبر 1973، اتصل الرئيس الحبيب بورقيبة بكل من الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد، وأبلغهما تأييد بلده لهما، ووقوفه إلى جانبهما في قتالهما ضد إسرائيل. وأعلن، في خطاب له، في اليوم التالي، أن الجيش التونسي في حالة تأهب، وسيبعث بوحدات منه إلى جبهات القتال. وطالب ليبيا بالمشاركة، وأكد تخوفه من نتائج القتال، بسبب التفوّق الإسرائيلي. وأعلن أيضاً، في 11 أكتوبر 1973، أنه مستعد، إذا شارك الأردن في الحرب، أن يعيد العلاقات الدبلوماسية به. وبَيّن أهمية مشاركة الأردن في المواجهة، إذ إنها "ستسهل المصالحة مع المقاومة الفلسطينية". وفعلاً، قررت تونس، في 15 أكتوبر، إعادة العلاقات بالأردن، بعد أن بعث الأردن بوحدات من جيشه، للقتال على الجبهة السورية.

رد فعل الجزائر

       وظهر رد فعل الحكومة الجزائرية لتصريحات بورقيبة يومَي 3 و 6 يوليه 1973، في تصريحات عبدالعزيز بوتفليقة، وزير الخارجية الجزائري، في حديث صحفي، في باريس، أن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ممكنة، ولكن من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، على أساس أن يتم الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني.

رد الفعل العربي

       لم يكن لمبادرة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الجديدة، رد فعل في المحيط العربي. ويرجع ذلك إلى انشغال مصر وسورية، في ذلك الوقت، بالإعداد والتجهيز لحرب أكتوبر 1973 ... فعجلة الحرب، كانت قد دارت، وبدأ العد التنازلي لهذه الحرب، التي نقلت المنطقة من مرحلة إلى أخرى جديدة، أصبح فيها السلام ممكناً، وأصبح ما كان يدعو إليه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، من سلام مع إسرائيل، في ضوء تطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 181، لسنة 1947، يمثل واقعاً جديداً، بعد أن استرد العرب كرامتهم.

موقف الحكومة الإسرائيلية

       وظهر موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، ومشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الجديد، في التقرير الشامل، الذي قدمته جولدا مائير Golda Meir ، رئيسة الحكومة الإسرائيلية، إلى الكنيست، في 25 يوليه 1973، عن نشاط حكومتها تجاه النزاع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية.

       وقد استهلّت جولدا مائير تقريرها بالإشارة إلى الارتياح لأن إسرائيل في سنة 1973، أكثر قوة ونمواً مما كانت عليه في سنة 1969. وبعد أن زعمت جولدا مائير، أن هدف السياسة الإسرائيلية الرئيسي، هو تحقيق السلام، وصفت هذا السلام بأنه "يحل مكان الترتيبات المؤقتة، الخاصة بالهدنة ووقف القتال. وهو سلام يقوم على حدود دائمة، ومتفق عليها، سلام يضع حدّاً نهائياً لحالة الحرب والنزاع، بل لكل وضع مؤقت. وبغياب السلام، انتهجنا سياسة المحافظة على وقف القتال، على أساس متبادل. وهذه السياسة، وجهت خطواتنا، من الناحيتين العسكرية والسياسية معاً".

       وزعمت جولدا مائير أن سبب استمرار الوضع الراهن، هو رفض العرب مفاوضة إسرائيل، مع أن إسرائيل أعلنت أنها لن تعود إلى خطوط الخامس من يونيه 1967، لكنها توافق على عقد تسوية جزئية مع مصر في شأن إنهاء حالة الحرب. ثم تطرقت إلى القضية الفلسطينية، والدولة الفلسطينية، فنفت أن يكون هناك مليونان ونصف المليون من الفلسطينيين دون وطن. وأضافت أن "العرب الفلسطينيين يعيشون بين أشقائهم، ذوي الديانة والثقافة واللغة نفسها، والذين يتجمعون في دولهم المستقلـة. ويصرح العرب أنفسهم بأنهم أمـة عربيـة واحدة، مع أنها تتوزع على ثماني  عشرة دولة ...". ثم كررت موقف حكومتها من الدولة الفلسطينية، فقالت: "ليس هناك مكان بين البحر الأبيض المتوسط والصحراء الشرقية، إلا لدولتين فقط: دولة يهودية، وأخرى عربية. إننا نرفض إقامة دولة عربية أخرى".

       ثم تطرقت جولدا مائير إلى الجسور المفتوحة على نهر الأردن، فأشارت إلى أن نصف مليون عربي، عبَروا هذه الجسور، خلال العامين الأخيرين، بما في ذلك 210 آلاف من سكان المناطق، عبَروا الجسور إلى الأردن وسائر البلاد العربية، ونحو 290 ألفاً من مواطني الدول العربية، زاروا المناطق وإسرائيل، وخصوصاً خلال العطلات الصيفية. وتحدثت أيضاً عن مشكلة اللاجئين، فقالت إن إسرائيل مستعدة، ضمن معاهدات سلام، أن "تدفع تعويضات عن الأملاك العربية المتروكة. وهي مستعدة، أيضاً، أن تقدم مساعدات فنية، لتوطين اللاجئين في البلاد العربية. أمّا بالنسبة إلى اللاجئين الموجودين تحت سيطرة دولة إسرائيل، فسنهتم نحن بتوطينهم. وسنطالب، خلال عقد معاهدات السلام، بإنهاء النزاع العربي ـ الإسرائيلي، والاتفاق على ألاّ تبقى للعرب، بعد ذلك، مطالب من إسرائيل".

[1]  المقصود بالمبدأ، الذي يتمسك به العرب، هو رفض قرار التقسيم الرقم 181 لسنة 1947، والمطالبة بكل فلسطين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:51 am

الملاحق
 









       
ملحق
بيان الرئيس بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث[1]
 

نذكر جميعاً أن السبب، الذي دعانا إلى عقد ندوة يناير 1964[2]، إنما هو تأهب إسرائيل لإحياء صحراء النقب، بتحويل المياه العربية، والاستئثار بها، لتدعيم كيانها، البشري والاقتصادي. وكنا مجمعين على وجوب الحيلولة دون تنفيذ هذا الأرب. غير أنه سرعان ما اتفقنا، في أولى جلساتنا إذّاك، أن مشكل مياه الأردن، على خطورته وجدارته بالاهتمام في حد ذاته، مشكل فرعي، وأن القضية الرئيسية، إنما تتعلق بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني.

على هذا الأساس، تقرر "اعتبار أن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي..." وتقرر، لذلك، أنه "على الدول العربية أن تضع الخطط، اللازمة لمعالجة الجوانب، السياسية والاقتصادية والإعلامية، حتى تحقيق النتائج المطلوبة، كان الاستعداد العسكري... هو الوسيلة الأخيرة، العملية للقضاء على إسرائيل نهائياً".

هذه فحوى المقررات، التي وقع الاتفاق عليها في ندوة القاهرة. ولم يزدها اجتماع الإسكندرية إلاّ توضيحاً، إذ وقع التنصيص على أن الخطة العربية، تستهدف أمرين: هدف عاجل، وهو تنفيذ عدة مقررات، "وفي مقدمتها المشروعات العربية لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده". وهدف نهائي، وهو تحرير فلسطين.

أمّا الهدف العاجل، فقد تشكلت، لبلوغه، هيئات فنية عسكرية، انهمكت في دراسات ومناقشات مع البلدان، التي يهمها الأمر مباشرة. وطال بها الأخذ والرد، حتى انغمست أشغالها في الجزيئات والتفاصيل، بينما تمكّنت إسرائيل من الشروع في تنفيذ برامجها، الرامية إلى الاستفادة من المياه العربية.

أمّا الهدف النهائي، فبقدر ما أكّدت ندوتَا القاهرة والإسكندرية، عزم الملوك والرؤساء على العمل في سبيل تحقيقه، بقدر ما أشارت المقررات، المتفق عليها، إلى أن هذا العمل، لا بد أن تكون له جوانب، سياسية واقتصادية وعسكرية، ولا بد أن يكون طويل المدى. وكان الاعتقاد السائد في عامة الوفود، أن تحرير فلسطين، لن يتأتى بصورة عاجلة، وأنه صراع، ينبغي أن تتضافر فيه الطاقات، السياسية والعسكرية.

لذلك، تقرّر إنشاء منظمة كفاحية، شعبية، تتكفل بتنظيم الطاقات الفلسطينية بالذات، لتمكينها من القيام بدورها في تحرير أرض الوطن. بينما تقوم الدول الأعضاء في الجامعة بحملة سياسية واسعة النطاق، في العواصم الأجنبية، للدعوة لقضية فلسطين، وشرح جوانبها، السياسية والإنسانية، وكسب الأنصار لها في العالم.

وصادقت تونس على هذه المقررات، بما فيها احتمال الحرب. وتعهدت بالمساهمة فيها، بما تمسح لها به إمكانياتها. وما دام احتمال أن تشنها كافة الدول العربية على إسرائيل، في العاجل، مستبعداً، لعدم تأهبها لذلك، واعتباراً للظروف العالمية الراهنة، وهذا ما يقره أغلب الأعضاء، فإن المرحلة الأولى، التي كان علينا أن نواجهها، هي مرحلة سياسية، وكان الهدف الرئيسي من هذه المعركة، عزل العدو لدى الرأي العام العالمي، وكسب عطف الدول غير الموالية لإسرائيل، ومضايقة الكيان الصهيوني، في الداخل بأعمال التخريب وحرب العصابات، وفي الخارج بتنظيم حملة دعائية، تشترك فيها أجهزة الإعلام ووزارات الخارجية.

ولمّا كان من واجب تونس، أن تقدم مشاركة إيجابية، في هذا الصدد، أخذنا المسألة على أنها مسألة جد، تفرض علينا الاضطّلاع المباشر بما تعهدنا به من مسؤوليات، لا في التنفيذ فحسب، بل أيضاً في تدعيم الخطة، بما تحتاج إليه في الميدان الدولي.

ورأينا أن أنجح وسيلة، تكسب المناصرة الإيجابية، أن نستند إلى مقررات، كانت صدرت عن هيئة الأمم المتحدة، ولم تطبق، بسبب المعارضة الإسرائيلية. وكانت خطتنا تستهدف أحد أمرين: "إمّا أن ترضخ إسرائيل لمقررات المنظمة الدولية، وهو الأبعد، فتسمح برجوع اللاجئين، وتتنازل عن قسم من الأرض المحتلة، فتغير بذلك معطيات المشكل لمصلحة العرب، وذلك بقيام دولة فلسطينية حرة، تكون هي قاعدة الانطلاق للمعارك القادمة، من أجل الحل النهائي. وإمّا، وهو الأقرب، أن تصرّ إسرائيل على الرفض، فيضعف موقفها في المجال الدولي، ويتضاءل عدد أنصارها، بما سيجده حتماً أصدقاؤها من حرج، في التمادي في تأييدها، رغم خروجها عن شرعية الأمم المتحدة. وبذلك يكون الموقف العربي هو الأقوى في صورة استعمالنا القوة، لتطبيق القانون الدولي".

فهذا هو معنى التصريحات، التي فُهْتُ بها في خطابي للاجئين، بأريحا، ثم تناولتها بالشرح، في مناسبات عديدة. وقد انزعجت منها إسرائيل أيما انزعاج، لأنها أدركت خطورة الموقف، وفهمت ما يراد بها، في حالتَي الرفض والقبول. فمن الغريب، أن يجتمع مجلس رؤساء الحكومات العربية، بعد ذلك، بالقاهرة للنظر في هاته التصريحات[3]، فلا يمعن النظر في مراميها البعيدة، ولا يلمّ بكل جوانب القضية، المعروضة عليه للدرس والتمحيص.

ويقرر ما نصه:

أولاً: "الرفض البات للمقترحات، التي انفرد السيد رئيس جمهورية تونس بإعلانها، خروجاً على الإجماع العربي، الحكومي والشعبي، ونقضاً للالتزام، القومي والرسمي، بالفعل، لتحرير الوطن العربي من الاستعمار الصهيوني في فلسطين.

ثانياً: التأكيد التام لتمسك الدول العربية، المشتركة في الاجتماع، بمقررات مؤتمَري القمة، الأول والثاني، وتصميمها على تنفيذها كاملة"

فبقطع النظر عمّا إذا كان لرؤساء حكومات الحق في إصدار قرار، في شأن أحد رؤساء الدول الأعضاء بالجامعة، وما تشكله هذه السابقة من خطورة، فإن المنطق النزيه، يفند هذا القرار، ويجعله غير ذي موضوع.

فالموقف التونسي، لم يكن، بأي صورة من الصور، خروجاً لا على ولا حتى عن الإجماع العربي، الذي ظهر في مقررات المؤتمرين، المشار إليهما. فكلاهما، كما أسلفنا، وكما يتبين من مراجعة الوثائق، كلاهما حدد الهدف، وأشار إلى أن الوسائل من أنواع ثلاثة: اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولكنه جعل الوسائل في المرتبة الأخيرة، "إذا لم تتحقق النتائج المطلوبة" بواسطة الوسائل، السياسية والإعلامية والاقتصادية.

فمقررات الندوتين، إذاً، مقررات إطارية، تعيّن الاتجاه، ولا تحدد التفاصيل، وهي تجعل الأولوية للمساعي، التي من شأنها أن تهيئ أسباب النجاح والانتصار، إذا ما أصبح الصدام الحل الناجع الوحيد.

فالذي نادينا به، ليس إلاّ خطة سياسية، تهدف إلى تحريك القضية من سُباتها، والدخول بها في طور، يجعلها، من جديد، في صميم الضمير العالمي، ويُكسبها، إلى جانب العدالة، قوة القانون الدولي، الذي يشكل، في ظروفنا الراهنة، أقوى سلاح، يمكننا التذرع به في مقاومة إسرائيل.

وقد قال البعض: كان من واجب الرئيس التونسي إطْلاع مجلس الملوك والرؤساء على آرائه، قبل الإعلان عنها. وهل فعلت غير ذلك، سواء في المناقشات، أو في الخطاب، الذي ألقيته في مستهل أشغال ندوة القاهرة؟

فقد كانت النقطة الأولى، التي ركزت عليها كلامي، أن الوضع بفلسطين، يشبه، إلى حد بعيد، أوضاع البلاد المستعمرة. وأنه ينبغي توخّي الطرائق الكافية، التي نجحت في تلك البلاد. وهي تعتمد الدوام في المضايقة والشغب وحرب العصابات، في الداخل. وفي الخارج، "تهدف إلى عزل العدو في الميدان الدولي، وإظهاره، لدى الرأي العام العالمي، بما يكره أن يظهر به، وفضح كل ما يرتكبه من شنائع، حتى تتألف الدنيا عليه، تدريجياً، وحتى يضطر حلفاؤه إلى الابتعاد عن مناصرته، شيئاً فشيئاً".

وبيّنت أن هذا العمل، ينبغي أن يقوم به الفلسطينيون أنفسهم، من الداخل. وأن واجب الدول العربية المجاورة، أن تقوم بنفس الدور، الذي اضطّلعت به تونس والمغرب، طيلة حرب الجزائر، وأن تتحمل المشاقّ والمخاطر، التي سوف تنجرّ لها من ذلك.

وألقيت، إذّاك، السؤالين التاليين:

ـ هل الشعب الفلسطيني مستعد للقيام بدوره الرئيسي في هذه المعركة، باعتباره صاحب الحق الأول، الذي وقع الاعتداء عليه مباشرة؟

ـ وهل الدول العربية مستعدة لتحمّل مسؤولياتها في مناصرة كفاح الشعب الفلسطيني، كلفها ذلك ما كلفها؟

أمّا النقطة الثانية، التي وجهت إليها الاهتمام، وشرحتها بأمثلة مقتبسة من كفاح شعوب مختلفة، فهي تتعلق بطريقة الوصول إلى الحل النهائي. فبينت أن الإصرار على الظفَر بالحل الكامل، دفعة واحدة، عندما يتعذر ذلك لأسباب قاهرة، ليس بطريقة موصلة، بل لها نتائج وخيمة على القضية نفسها، وعلى المجتمعات المشغولة بتلك القضية.

وتبسّطت في تحليل الطريقة الثورية، التي هي مسيرة نحو الهدف، طويلة المدى، وتعتمد على تمييز صحيح للمراحل، التي لا بد من قطْعها لبلوغ الهدف النهائي، إذ الحل المنقوص الإيجابي، الثوري، هو الذي يساعد على الإمعان في التقدم، ويزيد في طاقات الكفاح، فينبغي أن لا يشتبه على المكافحين بالحل المغشوش، الذي يعرقل السير، ويوصد الأبواب. وهي طريقة مستوحاة من الخطط الحربية، التي تعتمد على استغلال الوسائل التكتيكية، لتحسين المواقف الإستراتيجية.

أمّا النقطة الثالثة، التي نبهت إلى خطورتها في مثل هذا الكفاح، فهي خاصة بما يجب أن يجتمع في القائد، من خصال أدبية، تمكّنه من ممارسة القيادة على وجهها الصحيح. وذلك بأن يُقدم على تحمل مسؤولية الاختيار، وعلى الجهر برأيه، ولو كان مصادماً للشعور السائد في الجماهير، وأن يصبر على المآخذ والمكروه، في سبيل ما يعتقد أنه الحق.

بهذا الاستعراض السريع لما ورد في خطابي إلى الملوك والرؤساء في ندوتهم الأولى بالقاهرة، يظهر جلياً أن ما ذهبت إليه في خصوص مبدأ المطالبة بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة، إنما هو تطبيق لخطة، وقع التعرض لها في أولى ندواتنا، ولم ينكرها عليّ أحد. أمّا مسألة الانفراد بالإعلان عن هذا الموقف، وهو أحد الأخذ الواردة في قرار رؤساء الحكومات، فإنه غير مطابق للواقع في شيء، وهو محض جهل أو تجاهل للحقائق التاريخية، البعيدة منها والقريبة على السواء.

ذلك أن ما وُصف بالخروج عن الإجماع القومي، الرسمي منه والشعبي، إنما هو عين الموقف العربي الرسمي، منذ سنين، ولم يزل يطالب به العرب في المحافل الدولية. وقد قال المتكلم بلسان فلسطين، في اجتماع اللجنة السياسية العامة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، باللفظ الواحد: "إننا نلتزم بمقررات الأمم المتحدة".

وهذا المتكلم هو السيد أحمد الشقيري. وأعلن أيضاً نفس المتكلم، أي السيد الشقيري، أمام اللجنة السياسية الخاصة، في جلستها المنعقدة في 14 ديسمبر 1962، ما لفظه: "إني أقبل نداء زميلنا من الفلتا العليا، لتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة. ونحن لا نختار قراراً منها، ونؤثِره على أي قرار آخر. فإذا كنتم تريدون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، تلك التي تظنون أنها ضدنا، أو تلك التي تعتقدون أنها لمصلحتنا، فإننا نعلن قبول هذه القرارات كلها، جملة وتفصيلاً".

وإذ ينكر، اليوم، نفس ذلك المتكلم إمكان التفاوض على أساس القرارات الدولية، فهل نسي ما كان يطالب به الدورات المتوالية لجمعية الأمم المتحدة؟ فقد قال الشقيري، في دورة 1952:

"وإني أودّ أن أعلن، بصراحة، أننا نقبل المباحثات المباشرة، بل إني مستعد أن أتفاوض مع أي شخص، كائناً من كان، يحترم الميثاق ومقررات الجمعية العمومية... إن رغائب الأمم المتحدة هي رغائب العالم بأسره، فلماذا نتجاهلها ولا نحترمها؟ لنعمل جميعاً لأجل السلام، بتحقيق مقررات الأمم المتحدة، وليس أمامنا غير هذه السبيل".

بل إن الشقيري، كان يجتهد في إقناع إسرائيل بضرورة الاعتراف بالمقررات الدولية، قبل التفاوض، إذ بدون ذلك، في نظره، لا يبقى لدولة إسرائيل كيان شرعي. فقد قال مخاطباً إسرائيل: "فإذا جئتم للمفاوضة، وهذه القرارات معكم، فإنكم ممثلون إسرائيل، ونحن نتباحث معكم... ولكن إذا أردتم تجاهل هذه القرارات، فلن تكونوا ممثلين لشيء اسمه إسرائيل، بل ممثلين ليهود فلسطين. ونحن مستعدون أيضاً أن نتباحث مع ممثلي سكان فلسطين اليهود الشرعيين".

فالذي ظنّه حضرات رؤساء الحكومات انفراداً وشَقّاً للإجماع العربي، يرجع أصله، إذاً، إلى مواقف، كادت تصبح تقليدية. فمن مقررات مؤتمر باندونج، المنعقد سنة 1955، والذي اشتركت فيه الجمهورية المصرية، هذه الفقرة، بالضبط: " تعلن الندوة الأفريقية - الآسيوية تأييدها لحقوق الشعب العربي بفلسطين، وتطالب بتطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبتحقيق حل سلمي للمشكل الفلسطيني".

وقد يتبادر إلى الذهن، أن الموقف العربي قد تغير منذ تلك التصريحات، وأن مقررات الأمم المتحدة، لم تعد تناسب الظروف الراهنة. وقد قال قائل: هذا باب طرقناه مراراً، بلا جدوى، فلِمَ الرجوع إليه؟

الجواب عن هذا في تصريح فاه به الرئيس جمال عبدالناصر نفسه، صاحب الاعتراض، وعبّر فيه عن نفس الخطة، التي ناديت بها في الأردن وفي لبنان، في أوائل مارس 1965. وقد نشر تصريح الرئيس المصري بمجلة "ريالتيه"، الفرنسية، في عددها المؤرخ بأبريل 1965، أي بعد تصريحاتي بشهر

فقد أجاب عن سؤال متعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، بما نصه: "نعم، على الفلسطينيين أنفسهم، أن يقوموا، ابتداء من الآن، بتحقيق رغباتهم. وجميع البلدان العربية مؤيدة، إلى أقصى حد، ما ستقوم به هذه المنظمة، التي لها جيش، تتولى تدريبه وتجهيزه الدول العربية. وعندما تستكمل المنظمة استعدادها، سوف تشرع في العمل من أجل تطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين".

ثم رد على سؤال آخر، بقوله: "إن أمة تسعى إلى فرض تطبيق الأمم المتحدة، لا يمكن أن تنعت بأنها معتدية". وهو بذلك يقر نفس الخطة، التي أعلنت عنها، والتي ترمى إلى جعل القانون الدولي إلى جانب القضية العربية، في صورة نشوب عمليات حربية، بين الطرف العربي والطرف المعادي.

وفى تصريحات الرئيس المصري نقط أخرى، جديرة بأن يُلفت إليها النظر. فهو إذ يقول: "وعندما تستكمل المنظمة استعداداتها، سوف تشرع في العمل من أجل تطبيق مقررات الأمم المتحدة، الخاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين"، فهو إذ يقول ذلك على انفراد، وبدون أي استشارة سابقة، يحدد مهمة منظمة التحرير الفلسطينية، بأن يجعلها تهدف إلى تطبيق مقررات الأمم المتحدة، التي نعتها بأنها خاصة بفلسطين وبحقوق العرب في فلسطين.

ولئن ذهبت أنا إلى اعتبار تطبيق تلك المقررات مرحلة نحو الحل النهائي، فإن المفهوم من تصريحات الرئيس المصري، أن المقررات الدولية، تمثل أقصى ما يمكن أن يطالب به العرب الفلسطينيون من حقوق.

وقد يتبادر إلى بعض الأذهان، أن ما عناه السيد جمال عبدالناصر بكلامه ذاك، هو ما يذهب إليه عادة المسؤولون العرب، عندما يتحدثون عن مقررات الأمم المتحدة في شأن فلسطين، وذلك بأن يقفوا عند نصف الآية. ويعنون - بضرب من الاحتراز الذهني المألوف[4] - أن ما يؤيدونه من هذه القرارات، إنما هو المتعلق برجوع اللاجئين، لا غير.

وقد تنبه الصحفي، ممثل المجلة الفرنسية، إلى هذه النقطة، فقال: "لنفرض، لحظة، وإن كان ذلك غير واقعي،  أن إسرائيل، تقبل برجوع اللاجئين العرب، وأن مقررات الأمم المتحدة، يمكن تطبيقها، فإنه يبقى، بعد ذلك، لا محالة، كيان لدولة إسرائيل، وسط العالم العربي. فهل تقبلون هذا الوضع؟ الجواب: أن الأمم الأفريقية الآسيوية، قالت في ندوة باندونج، إنها ترضى بتطبيق مقررات الأمم المتحدة، والدول العربية متفقة معها في ذلك".

فَعَلى الرغم من أن الرئيس عبدالناصر، لم يشأ أن يتلفظ مباشرة بموافقته على بقاء دولة إسرائيل، في صورة تقسيم التراب الفلسطيني بين دولتين، إحداهما عربية، والأخرى يهودية، فإن الكلمات والصيغ، لا تكفي لتغطية الحقائق، وإن ما صرح به، هو عين ما ذهبت إليه في مختلف تصريحاتي، في الصدد نفسه. فكل هذه الوثائق، التي أشرت إليها، سواء الخاصة بندوة باندونج، أو المتعلقة بتصريحات الرئيس المصري وتصريحات السيد الشقيري، كان من النزاهة والإنصاف، أن تحال إلى نظر رؤساء الحكومات العربية، حتى يقع درسها إلى جانب التصريحات، التي فُهْت بها، من جهتي، وحتى تتخذ القرارات في شأنها جميعاً، بدون مَيْزٍ ولا تلبيس.

 

[1]  واقتصر في نشر هذا البيان، على الفقرات المتصلة اتصالا مباشراً بوجهة نظر الرئيس التونسي من قضية فلسطين.

[2]  إشارة إلى مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في الفترة من 13 إلى 17 يناير 1964.

[3]  كما وردت في نص البيان.

[4]  كما وردت في نص البيان.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:56 am

ملحق
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العمال الأول من مايو 1965[1]
 

أيها الإخوة: وإحنا لازم نخلص الكلام بسرعة … حاننتقل إلى موضوع بورقيبة، ونتكلم فيه بالمكشوف.حكاية بورقيبة.. أنا كنت دايماً بقول إن إحنا مبدأناش مع حد بالعدوان، واحنا كنا باستمرار في موقف الدفاع عن النفس، موضوع بورقيبة موضوع واضح. تفتكروا أيام نوري السعيد.. احنا لم نبدأ نوري السعيد بالعدوان، ولكن نوري السعيد بدأنا بالعدوان، وأمثلة أخرى كثيرة على هذا.

حصل خلاف بيننا وبين بورقيبة في الماضي. كلنا عارفين هذا الخلاف، ولكن حينما تعرضت تونس للعدوان وحصل عدوان على بنزرت كنا في خلاف. أعلنا أننا نؤيد تونس في معركتها، ونحن على استعداد ان احنا نديهم السلاح، ووقفنا بجانب بورقيبة.

في ذكرى الجلاء عن بنزرت دعاني بورقيبة، وكان معنديش وقت، كان شواين لاي جاى تاني يوم ومع هذا رحت وقعدت يوم واحد علشان نحتفل بذكرى الجلاء عن بنزرت، وقلنا نفتح الطريق، وأهم وأحسن شئ ومكسبنا الكبير أن تكون هناك وحدة في العمل العربي، وأن تكون هناك وحدة عربية توحد البلاد العربية كلها.

بورقيبة طلب منا أن يزورنا جالنا هنا، وأتكلم قدامكم واستقبلناه في كل مكان بكل ترحاب، لعل وعسى تبدأ صفحة جديدة كل ما فيها جديد.

طبعاً بورقيبة مشى من هنا، بعد ما مشى من هنا، بدأ كلام غريب يطلع من بورقيبة.. دهشنا ليه؟ دهشنا من التصريحات اللي أدلى بها الرئيس بورقيبة عن قضية فلسطين.

مقترحات بورقيبة اللي قالها لحل قضية فلسطين صدمة عنيفة للأمة العربية في الوقت اللي تمر فيه قضية فلسطين بمرحلة حاسمة، الشعوب العربية تجد نفسها ازاء تجمع استعماري صهيوني يستهدف تصفية قضية فلسطين في الوقت التى تزود فيه إسرائيل بالسلاح ارتبط بورقيبة في مؤتمر القمة الأول بقرار مؤتمر القمة الأول الذي أجمعت فيه الأمة العربية على اعتبار قيام إسرائيل هو الخط الأساسي الذي جمعت الأمة العربية على دحره.

وارتبط بورقيبة  بمؤتمر القمة الثاني حدد الهدف العربي بأنه هدف نهائي وهو تحرير فلسطين من الاستعمارارتبط بورقيبة بقرارات مؤتمر عدم الانحياز إللي عقد في أكتوبر واشتركت فيه 57 دولة، أعلنت تأييد استعادة حقوق شعب فلسطين في وطنه وتأييد الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه للتحرر من الاستعمار الصهيوني.

بورقيبة طلع بتصريحات جديدة ايه التصريحات الجديدة؟ تصريحات بورقيبة الأخيرة، ومقترحاته معناها: وتنص على التعايش السلمي مع إسرائيل. الاعتراف بإسرائيل، مطالبة الدول العربية بالتعاون مع إسرائيل، إقامة علاقات اقتصادية بين العرب وإسرائيل.

طبعا هذا الكلام ولو أن الشعب العربي كله رفضه يضعف قضية فلسطين.

فيه  ناس كثير أيدوا حقوق شعب فلسطين. وحقوق شعب فلسطين لن تعود إلاّ بكفاحنا. وزي ما قلت لكم الدول الاستعمارية بتسلح إسرائيل. ولكن احنا ببنائنا، بقدرتنا، وطاقتنا نستطيع أن نتفوق بقوتنا البشرية، وكل ما نطور نفسنا صناعياً نستطيع أن نتفوق. المهم بورقيبة قال هذا الكلام. احنا الحقيقة استغربنا وقعدنا ندرس هذا الكلام، وأول مرة يحصل منى تعليق على هذا النهارده. "وزير الخارجية تكلم في مجلس الأمة"

ولكن طبعاً الشعب العربي كله قابل تصريحات بورقيبة باستغراب واستنكار. وحصلت عليه حملة وترك هذا، وأراد أنه يعمل المعركة معانا. طلعت مظاهرة في تونس، وهاجمت السفارة المصرية وهاجمت السفارة السورية أيضاً، وهاجمت السفارة العراقية. ولكن هو أراد أنه يبين أن المعركة معانا. هو اللي بدأ بالعدوان وهو اللي عاوز يعمل المعركة معانا لحساب مين بيعمل هذه المعركة معانا؟ إيه الموقف بتاعنا؟ هو أعلن رسالة، وقال إنه بعث لي رسالة، وأعلن الرسالة في الراديو بيقول إنه لما راح الأردن وزار اللاجئين في أريحا.. اكتشف الحل.. الحل هو أيه؟ هو الاعتراف بإسرائيل والتعايش معاها. وقال إن احنا بقالنا 17 سنة والقضية قضية إدمت، والقضية تعفنت وقال إنك أنت وافقت في عام 55، إن أنا يعنى جمال عبدالناصر، وافقت في سنة 55 في مؤتمر باندونج على قرارات الأمم المتحدة، اللي هو أعلنها. فهذا بنحرج إسرائيل.

من سنة 55 بل من قبل سنة 55، وفي سنة 49 مؤتمر في لوزان فيه العرب وفيه إسرائيل ـ وفي لجنة كونتها الأمم المتحدة ـ اسمها لجنة التوفيق لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. إسرائيل قعدت في هذه اللجنة لغاية ما إتقبلت في الأمم المتحدة. وأول ما إتقبلت في الأمم المتحدة أخدت بعضها ومشيت وقالت إنها لن تنفذ قرارات الأمم المتحدة. في سنة 55 في مؤتمر باندونج أخذ مؤتمر باندونج وكان فيه كل الدول العربية قرار بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين. طبعاً إسرائيل رفضت في سنة 56 في الأمم المتحدة حصل كلام، إسرائيل رفضت وهكذا لغاية من سنة فاتت أيضاً الدول العربية طلبت تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة اللاجئين إلى فلسطين والأمم المتحدة أخذت هذا القرار تقريباً باجماع الآراء، وأعلنت إسرائيل إنها ترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة.

إذن واضح أن إسرائيل بترفض قرارات الأمم المتحدة من سنة 49 وواضح أيضاً أن العرب وقفوا في الأمم المتحدة وقالوا إنهم يطالبوا بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وإسرائيل قالت لا، ومع هذا حصل إيه؟ هل ضغطت الدول العربية على إسرائيل؟ هل بطلت الدول الغربية إنها تساعد إسرائيل؟ أبداً لم يحصل شئ.

بورقيبة بيقول إنه عاوز في الرسالة اللي بعثها لي انه بيقول هذا الكلام لأن إسرائيل إذا ماقالت أنها ماهش حاتنفذ قرارات الأمم المتحدة دا بيخلي الأمريكان بيضغطوا عليها. طيب ما هي بقالها من سنة 49 بتقول إنها ماهياش حاتنفذ قرارات الأمم المتحدة، والأمريكان لا ضغطوا عليها، بل في أمريكا فيه نفوذ صهيوني، شايفين أن النفوذ الصهيوني موجود في أمريكا. مفيش نفوذ عربي موجود في أمريكا. بعدين بورقيبة في الرسالة بيقول إن إحنا نتيجة لهذا موقفنا متشابه، موقف بورقيبة مع موقفنا.

أنا بقول له لا أبداً. موقفنا ماهش متشابه، إحنا في سنة 55 طالبنا في باندونج بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وبعد هذا معروف أن إسرائيل ترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، واحنا ننادى دائماً بتحقيق حقوق شعب فلسطين، أو استعادة حقوق شعب فلسطين. هوه بيقول إن إحنا نتفاوض مع إسرائيل. طيب ونتعايش مع إسرائيل ونتعامل اقتصادياً مع إسرائيل ونعترف بإسرائيل. طيب هي إسرائيل بتطلب إيه؟ إسرائيل باستمرار ويومياً وفى سنة 56 ـ قبل العدوان ـ بن جوريون قال إن أنا مستعد أتفاوض مع أي قائد عربي بلا قيد ولاشرط.. إسرائيل كل سنة في الأمم المتحدة تطالب بالتفاوض مع العرب. إسرائيل كل سنة في الأمم المتحدة تدفع بعض الدول لتطالب بالتفاوض مع العرب. إذن بورقيبة في الكلام اللي قاله هو تبنى موقف إسرائيل وموقف الدول الاستعمارية اللي بتعمل على تدعيم إسرائيل. بيقول إن القضية بقالها 17 سنة ما تحلتش. طيب ما الدول العربية كلها كانت مستعمرة … إحنا النهارده  بنبني قوتنا الذاتية وأنا بقول أن الزمن معانا وأنا بأقول إن القوى البشرية العربية تستطيع أن يكون لها التفوق على الأسلحة اللي ممكن الغرب يديها لإسرائيل، وبقول إن إحنا مش حانحرر النهارده فلسطين، ولكن سنعمل على تحرير فلسطين ببناء بلدنا ذاتياً، وبناء قوتنا الذاتية، وبناء جيوشنا العربية، وسنعيد حقوق شعب فلسطين.. بورقيبة بيقول هذا الكلام ده مزايدات، الغرض منها كسب الزعامات وكسب زعامات عربية. احنا في هذا الموضوع لا هو زعامة ولا هو قيادة.

الموضوع هو إيمان بقضية، والموضوع هو إيمان بأن قطعة من الأمة العربية اغتصبت. وشعب عربي هو شعب فلسطين أخرج من بلاده، واغتصبت أملاكه ووجدت بدلها قاعدة عدوانية صهيونية والاستعمار بيؤيدها. كيف نواجهها؟ هذه هي الخطة إللي علينا، أن إحنا نواجهها.

طبعاً في مؤتمر القمة الأول، ومؤتمر القمة الثاني وصلنا إلى ثلاث حاجات. وصلنا إلى قيادة عربية مشتركة، ووصلنا إلى تحويل روافد نهر الأردن، وصلنا إلى الكيان الفلسطيني، وإلى منظمة التحرير الفلسطينية. هل تقبل إسرائيل هذا؟ دا البداية الحقيقة للعمل من أجل حل مشكلة فلسطين، وتحقيق حقوق شعب فلسطيـن، طبعاً القياده العربية لا تقلبها إسرائيل. وفى سنة 56 كلنا نعلم ازاي بن جوريون قال بعد ما اتفقت سوريا والأردن ومصر إن إسرائيل بهذه القيادة الموحدة أصبحت زي البندقة داخل كسارة الجوز. كلنا نعلم هذا الكلام. إذن كان علينا أن نعمل، وأحنا يدوبك ابتدينا نعمل، ابتدينا نعمل من أجل وحدة عمل عربي.

ليه بورقيبة طلع يقول هذا الكلام؟ وبعدين في الجواب بيقول إنه إذا رفضت إسرائيل هذا الكلام بيكون الموقف في جانب العرب، وبيقول إن أنا مستعد نتقابل معاك علشان نتفاهم في هذا الموضوع. طبعاً أنا رأيى أن هذا الجواب هو ما كانش للنشر لان أنا قبل ماأستلم الجواب، الجواب انتشر في الإذاعة وطلع. طبعاً.. إذا كان بورقيبة.. أهي إسرائيل رفضت كلامه..

ولكن طبعاً إسرائيل بتهلل له. والغرب بيهلل له، طيب ليه؟ الغرب بيهلل له وليه إسرائيل بتهلل له؟ أنا بقول ليه لأنه قال نتفاوض مع إسرائيل وده مطلب إسرائيل والدول الاستعمارية وقال نتعايش مع إسرائيل وده مطلب إسرائيل والدول الاستعمارية، وهو أول رئيس عربي ينادى بهذا.

هو أنا رأيي أن كلامه لا يخدم العرب بأي حال من الأحوال. هو بيقول إنه بهذا حايخدم العرب، ويحرك القضية. أنا بقول إنه بيحرك القضية في صالح إسرائيل، لأن إسرائيل بتأخذ هذا الكلام، وبتوريه للدول الأفريقية والآسيوية اللي أيدتنا في مطالبنا بالنسبة لفلسطين. وبهذا ممكن دول من اللي أيدتنا ترجع عن تأييدها بسبب أن رئيس عربي تبنى وجه نظر إسرائيل، واللي بتنادى بيها إسرائيل.

طبعاً النهارده أنه باين أن بورقيبة عاوز يفتعل معركة معانا، واحنا ما بنخافش من بورقيبة، ولا احنا غاويين خناقات. طبعاً ده هدف الصهيونية والاستعمار، لأن الوحدة العربية، ووحدة العمل العربي إللي حصل بعد مؤتمرات القمة لا يمكن لإسرائيل والاستعمار أنهم يقبلوه. بيقول إنه عاوز يقابلني. طيب إسرائيل رفضت قرارات الأمم المتحدة.

إمبارح بورقيبة اتكلم، بورقيبة اتكلم، امبارح في صفاقس. قال: بعد إسرائيل ما رفضت إقتراحاته اقتراحات إيه؟... اقتراحات تنفيذ قرارات الأمم المتحدة مارفضتش اقتراح التفاوض، رحبت باقتراحات التفاوض، مارفضتش اقتراحات التعايش السلمي، رحبت بالتعايش السلمي، مارفضتش التعامل الاقتصادي. رحبت بالتعامل الاقتصادي ولكن قالت إن احنا نتفاوض بدون شروط.

هو بيقول إن أنا كان قصدي أحرج إسرائيل علشان ترفض قرارات الأمم المتحدة. رفضت قرارات الأمم المتحدة، ورحبت بالباقي. بورقيبة اتكلم في صفاقس بتونس. قال إن تصريحاته بدأت ترغم الناس على التفكير في هذه القضية وهذا كسباً في حد ذاته.. بالباقي. إمبارح بورقيبة تكلم في صفاقس بتونس قال إن تصريحاته اللي أدلى بيها حتما ستأتي بنتائج إيجابية، إذ أن هذه التصريحات بدأت ترغم الناس على التفكير في هذه القضية وهذا يعد كسباً في حد ذاته..

إذن كلام بورقيبة في جوابه هو كلام للإستهلاك المحلى، وكلام الغرض منه التلاعب بالألفاظ، ويبين أن الوحي جاء في أريحا، وأنه هناك وجد الحل. الحل إيه؟ الحل ان احنا نسلم بمطالب إسرائيل.

قضية فلسطين ـ أيها الاخوة ـ لا يمكن أنها تقبل المساومات، ولا يمكن أنها تقبل التخاذل. قضية فلسطين قضية عزيزة علينا، معركة بورقيبة مش معايا، هو حايخانقنا، وطلع الناس وإداهم أجازات بفلوس، لمدة ساعتين.

وكالة رويتر قالت إن موظفي الدولة وعمالها أخذوا أجر إضافي ساعتين عشان يطلعوا يهاجموا السفارة المصرية، ويمشوا في الشوارع، ويهتفوا ضد جمال عبدالناصر. بيهتف وبيعمل معركة، المعركة ما هي معايا.

المعركة مع الشعب العربي، وقضية فلسطين ما هياش بتاعتى، قضية فلسطين دى بتاعت الشعب العربي في جميع أنحاء الأمة العربية.

أيها الاخوة: دى موضوعنا من بورقيبة. ماشتمتش بورقيبة، ولا حشتم بورقيبة. اللي عايزين يدخلونا معركة مع بورقيبة، ويقولوا دي معركة على الزعامة، وتهلل الجرايد الصهيونية وإذاعة إسرائيل. أنا بقول إن بورقيبة بيدخل معركة معانا، وأنا مابدخلش معركة معاه عاوز يدخل مع الجمهورية العربية المتحدة مايدخلش هو إللي ابتدأ بالعدوان، احنا ماابتدناش. هم شتموا، واحنا ماشتمناش.

طبعاً بيقولوا إن سفارتهم هنا اتهاجمت ولكن بعد سفارتنا احنا ما اتهاجمت بـ 24 ساعة. وبعدين هو، بعث لى الجواب ده بعد ماطلع الناس وراحوا دخلوا السفارة وكسروها وهاجموها.

منطق بورقيبة وكلام بورقيبة لا يخدم القضية العربية ولكنه يخدم فقط قضية إسرائيل، وقضية الاستعمار.

قضية فلسطين مش بتاعتى بتاعتكوا بتاعة الشعب العربي، والشعب العربي هو الحريص على قضية فلسطين.

أنا بقول أن قضية فلسطين بقالها 17 سنة ولكن مع الوقت ومع الزمن احنا اللى حنكسب قضية فلسطين لأن إحنا عندنا الحق وعندنا القوة البشرية. وبقول حاييجي اليوم إللي العرب يجندوا فيه 2 مليون و3 مليون ويحرروا فلسطين ويستعيدوا حقوق شعب فلسطين مهما كانت كمية السلاح اللى حتديها الدول الغربية لإسرائيل.

هذا هو سبيلنا إلى حل قضية فلسطين. ولا يمكن أن تكون قضية فلسطين قضية مساومات.

والله الموفق للأمة العربية كلها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

[1]  تناول فيه تصريحات بورقيبه.





   
ملحق
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني
بخصوص القضية الفلسطينية، وتصريحات الرئيس بورقيبة
(31 مايو 1965)

أيها الأخوة:

لقد قررت في آخر لحظة، النهارده بعد الظهر أن أجئ إلى اجتماعكم. وكان من المقرر أن يحضر الأخ كمال رفعت لينوب عن الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها في تحيتكم ويترك مؤتمركم ليبحث أموره. ولكن في آخر لحظة النهارده بعد الظهر قررت أن أحضر معاكم وأتكلم معاكم.

وفى الحقيقية كلامي معاكم لن يكون مجرد تحية ولا مجرد ترحيب والأسباب إللي يمكن دفعتني أن أجئ أتكلم معاكم حتكلم عنها. حسيت أن اللحظات إللي احنا فيها بتمثل لحظات عصيبة ومضنية في النضال العربي. وحسيت ان أنا لابد أن أجئ وأتكلم معاكم كمواطن عربي يشعر زى مابتشعروا وبيحس بنفس الأحاسيس، بيشوف وبيسمع ونتخلى عن إللي كان مقرر أن يكون هناك من تحية من الجمهورية العربية المتحدة، وتمنياتها بالنجاح. طبعاً كان من الواضح أن أنا لما أجي حانتكلم في مواضيع كتير حنفتح هذه المواضيع ومش حاقدر آجى أقول لكم إن أنا بأحييكم وبأتمنى لكم النجاح في حل قضية فلسطين، وأقول لكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا. بأحاول أقول لكم إننا في المرحلة إللي أحنا فيها تستدعى أن نتكلم بوضوح ونحط كل الأمور بصراحة.. كل واحد فينا في هذه الأيام بيشعر أن هناك فتور في العمل العربي وظروف كثيرة كل واحد فينا بيحس أنها صدمته فيما كان يتصوره وما كان يحلم بيه.

فيما يتعلق بهدايا السلاح الألماني لإسرائيل وظهور الموجة الثورية العارمة في أنحاء العالم العربي تبين مقاومة الأمة العربية.. فيه شعور أن هذه الموجة تهدأ الآن كما يخيل للبعض منا. فيه ناس فيكم تنتابهم عوامل من الضيق. وفيه ناس فيكم تنتابهم عوامل من خيبة الأمل. وفيه ناس بيحسوا بالمرارة فيه إللي إتضايق أن في وسط الإجماع الشعبي تحفظت 3 دول عربية على قرار قطع العلاقات السياسية مع ألمانيا الغربية. فيكم أحياناً رئيس عربي أو ملك عربي بيقف للمرة الأولى ويطالب بالاعتراف بإسرائيل والتعايش السلمي معها. فيكم اللي أتضايق من القرار إللى صدر عن رؤساء الحكومات العربية بخصوص بورقيبة.. وفيه في أنحاء العالم العربي وبين الشعب إللي بيقولوا إن هذا القرار لا يتناسب مع مافعل بورقيبة وآثار ما فعل بورقيبة. بورقيبة باع الوطن العربي للاستعمار والصهيونية.. وإحنا الشركات إللي بتتعامل مع إسرائيل بنقاطعها. فليه مانقاطعش بورقيبة ده الممثلات والممثلين إللي بيتعاونوا مع إسرائيل أو بيجمعوا تبرعات لإسرائيل أو بيعملوا دعاية لإسرائيل بنقاطعهم.. فليه لم يصدر قرار بمقاطعة بورقيبة؟.. ناس بتحس بخيبة الأمل ناس بتحس بالمرارة.. فيه ناس لم تجد في قرارات رؤساء الحكومات العربية.. ماوجدتش في هذه القرارت الحاجة إللى كانت عاوزاها.. فيه صحف نشرت ـ كل صحيفة نشرت طبعاً ـ حسب ما ترى.

وكالات الأنباء نشرت إللي يناسبها. وفى البلد العربي إللي اتنشر لم يشف الغليل. فيه هجوم على القيادة العربية الموحدة.. وفيه تشكيك في القيادة العربية الموحدة.. بنسمع هذا الكلام من بعض الإذاعات العربية وبنقرا هذا الكلام في بعض الصحف العربية حملة مركزة على القيادة العربية الموحدة.. إيه إللي عملته القيادة العربية الموحدة لما وقعت غارات إسرائيلية على حدود الأردن..؟ وفيه عوامل تشكيك كثيرة.

وفيه طبعاً إللى بيحس أن بسبب موقف بورقيبة منظمة التحرير على خلاف مع الدول العربية وانسحب رئيسها من اجتماعات الرؤساء.. فيه كلام كثير.. فيه حملات كثيرة يمكن أنتم الفلسطينيين بالذات كنتم دائماً هدف لحملات مستمرة من داخل العالم العربي ومن خارج العالم العربي كل الكلام إللي أنا قلته ده بيخلق مشاعر كثيرة مشاعر متيقظة مشاعر متعبة بين الفلسطينيين بين الشعب العربي كله.

الحقيقية أنى لما قررت آجي لكم وأتكلم معاكم وجدت أن واجبي في هذه اللحظة وكل شيء كما قصدت أنى آجي وأتكلم معاكم كمواطن عربي لن أتقيد بالرسميات. واحد حاسس بقضية فلسطين. وعايز يتكلم عن القضية. حاسس بالتناقضات الموجودة وجدت من واجبي آجي وأتكلم عن هذه التناقضات الموجودة حاسس أن الوقت يستدعى إن إحنا نعرف إحنا فين ووجدت من واجبي أنى مفتش هذه الفرصة. آجي وأقول لكم إحنا فين بالضبط وبصراحة ووضوح.

وواحد بيقرأ كل يوم كل ما يكتب في العالم عن قضية فلسطين في الصحف الأجنبية أو الصحف العربية وبيسمع الإذاعات الأجنبية أو الإذاعات العربية. باحس في هذه المرحلة بالذات بحدة الهجوم لبلبلة الفكر العربي. وحاسس أيضاً بأن الهجوم ده هجوم تعودنا عليه طوال المدة إللي فاتت من الصهيونية والاستعمار والقوى العربية التي تجد في مسألة فلسطين أمّا موضوع للكسب موضوع للبيع أو موضوع للمزايدة وموضوع للتجارة. والحقيقة كل ما تتعرض قضية فلسطين لجو مشابه لهذا الجو ناس بتيأس من الحاضر وناس بتيأس من المستقبل. ناس تقيس على الماضى احنا كنا فين في الماضي وإحنا فين النهارده وحانكون فين في المستقبل؟ وناس يقولوا قضية فلسطين بقى لنا 17 سنة بنتكلم فيها وكفاية الكلام بقى في قضية فلسطين عايزين عمل. ناس بيقولوا منظمة التحرير الفلسطينية بقى لها سنة أو سنة ونص عملت أيه منظمة التحرير الفلسطينية؟ كفاية كلام عايزين عمل. ناس زمان يقولوا الجامعة العربية. كان زمان بيتكلم عزام سنة 48 وبتقول علية أبو الكلام عزام النهارده حسونة مابيتكلمش ماتغيرتش الجامعة العربية مفيش أمل. الماضي كان حلم. الحاضر فيه تناقضات. ناس بيتكلموا زى بورقيبة ويبيعون الوطن العربي للاستعمار والصهيونية.

بيطلع بورقيبة علشان عايز 100 مليون دولار أو 150 مليون دولار بيبيع العرب كلهم ويجعل من نفسه خادم للاستعمار والصهيونية ويبعت يبشر.

بالنسبة لقضية فلسطين في إفريقية، إن العرب واجب عليهم أنهم يتعايشوا مع إسرائيل، وإن العرب إزاي يتحركوا النهارده تحرك غير واقعي وتحرك غير أخلاقي؟ وإسرائيل عضو في الأمم المتحدة ومعترف بيها دولياً ولا يمكن العدوان على إسرائيل. بورقيبة بيقول هذا الكلام علشان ييأسنا من حاضرنا وييأسنا بعد مابدأت القضية الفلسطينية تتحرك. وبعد ما بدأ الكيان الفلسطيني يبان. وبعد ما بدأت منظمة التحرير الفلسطينية تعمل. الفلسطينيين حرموا على مدى السبعتاشر سنة إللي فاتوا من العمل. يدوبك السنة إللي فاتت بدأ الفلسطينيون يكافحوا ويناضلوا في سبيل كيانهم وفى سبيل وجودهم. طوال السبعتاشر سنة إللي فاتت من قبل سنة 1948 كانت خطة الاستعمار والصهيونية هى تصفية قضية فلسطين. ولا يمكن أن تصفى قضية فلسطين إلاّ بتصفية شعب فلسطين. وكانت المحاولات دائماً مبنية على تصفية شعب فلسطين 17 سنة كانت الدول العربية خاضعة للاستعمار. احنا هنا كان عندنا 80000 عسكري إنجليزي لغاية سنة 56 كانت الدول العربية غير متحررة تحرر كامل. كانت الدول العربية تعمل في سنة 48 وهى في منطقة النفوذ الاستعماري، طيب احنا فين؟ النهارده بعد 17 سنة أو بعد 16 سنة لم تصف قضية فلسطين ولم يصف الشعب الفلسطيني بل حصل العكس. حصلت خطوة إلى الأمام. تجمع الشعب الفلسطيني، بدأ الكيان الفلسطيني، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية. إذن لم يستطيع الاستعمار بأي حال من الأحوال أنهم يصفوا قضية فلسطين لأن شعب فلسطين لن يصفى، والدليل على هذا أنكم هنا النهارده، بتمثلوا شعب فلسطين إللي قاسى النكبة في سنة 1948.

يطلع بورقيبة النهارده ويأخذ هذا الخط، خط يخدم الإستعمار ويخدم الصهيونية ما هو هدف بورقيبة.. هدف بورقيبة في هذا واضح. يعد مؤتمرات القمة آدى رئيس عربي طلع علينا وبيتكلم هذا الكلم إن مفيش فايدة، مفيش فايدة في هذا العمل. يطلع بورقيبة ويقول إن مفيش فايدة في المستقبل ولن تستطيع الدول العربية. ولن تستطيع الشعوب العربية ولن يستطيع الشعب العربي الفلسطيني أن يتحرر. دي مش خطة بورقيبة. دي مش خطة بورقيبة. دي خطة الاستعمار، خطة الصهيونية وبورقيبة في هذا العمل ليس إلاّ أحد أعوان الاستعمار. احنا، أعوان الاستعمار مش جداد علينا. أعوان الاستعمار عاشوا بيننا وأعوان الاستعمار انتهوا كلهم وراحوا، وبقى الشعب العربي يكافح ويناضل من أجل أهدافه ومن أجل آماله لم ييأس الشعب العربي بحاضره ولا بقدرته.

وفى نفس الوقت نبص نلاقى أيضاً من ينادى لمؤتمرات القمة وعقدت القيادات وقامت القيادة العربية الموحدة. وحصل عدوان على سوريا، نبص نلاقى إذاعة سوريا بتهاجم القيادة العربية الموحدة وتهاجم المؤتمرات العربية. معنى ده ايه؟ معناه إن إحنا بنيأس بنيأس من مستقبلنا إذا كانت الحملات تستمر على القيادة العربية الموحدة وكانت الحملات تستمر على المؤتمرات العربية. العربي أو الفلسطيني بيقول إيه؟ بيقول مفيش فايدة. العرب اجتمعوا في المؤتمر الأول للرؤساء والملوك، اجتمع مؤتمر ثاني للرؤساء والملوك واتخذوا قرارات، هذه القرارات هي تحويل الروافد. وقامت القيادة العربية الموحدة، وقام الكيان الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وجيش فلسطين.

في نفس الوقت، نجد ذعر عند إسرائيل من هذا العمل،وحملة عنيفة، حملة نفسية وحملة تشكيك وان جمال عبدالناصر دعا إلى هذا لأنه عايز يسيطر على العرب وعلى الدول العربية.

في نفس الوقت نجد حملة عنيفة على المؤتمر مؤتمر الملوك والرؤساء وحملة عنيفة على القيادة العربية الموحدة والدعوة إلى الحرب والدعوة إلى الهجوم على إسرائيل. معنى هذا ايه؟ نجد حملة بتقول أن القيادة لم تقم بواجباتها وأن الدول العربية لم تقم بواجباتها. طيب وبعدين. انت يا فلسطيني لما بتسمع هذا الكلام النهارده من إذاعة سوريا وتسمع هذا الكلام من صحافة سوريا وبيقولوا إن جميع الدول العربية تخاذلت ماعدا سوريا بتقول ايه؟ بتقول مفيش فايدة أبدا في العمل العربي، مفيش فايدة في العرب، العرب طول عمرهم مابيتفقوش، العرب طول عمرهم بيختلفوا، مفيش فايدة في الحاضر مفيش فايدة في المستقبل. تجد فعلا القوى الانعزالية واعوان الاستعمار ومحطات الإذاعة والاستعمار أيضاً تثبط الهمة وتشكك وتقول ان الوضع بهذا بيكون وضع خطير. الحقيقة بعد ما كنت مش جاى لقيت أنه من الضرورى أنى آجى وأقول لكم.. احنا لازم نكون واضحين. لازم نعرف احنا فين ورايحين فين. مانقفش ونقول العودة. العودة يافلسطين. وأنا قلت قبل كده إن طريق العودة مش طريق مفروش بالورد طريق العودة مفروش بالدم. طريق العودة طريق صعب.

وبعدين علشان نحدد موقنا لازم نعرف إيه هو فعلا العمل العربي. إيه إمكانيات العمل العربي؟ إذا كنا عايزين نحرر فلسطين لازم نعرف أيضاً إيه اللى يحرر فلسطين؟ لازم نحدد المسالك العديدة اللى يتمشى فيها العمل العربي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 8:58 am

ملحق
مقتطفات من خطاب الرئيس العراقي عبد السلام عارف،
في احتفال افتتاح مقر منظمة التحرير الفلسطينية، في بغداد (الأول من مايو 1965)

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المواطنون، يا أبناء فلسطين... يا أبناء العروبة والإسلام، أيها الضيوف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن هذه الدويلة المغتصبة قاعدة لشبكات الجاسوسية، وقاعدة للاستعمار، ومصدر قلق في الشرق الأوسط. ولن يستريح هذا الشرق، إلاّ بزوال هذه العصابة المقحمة في بلادنا. إنها عصابة متكونة من لملمات، كانت مشردة في أنحاء البلاد، العربية والشرقية. وكانت دائماً مصدر قلق لأهل البلاد، التي كانت تعيش فيها. فأُخرجوا منها، وكانوا بلاءً على شرقنا الهادئ، ليكونوا مصدر شغب وقلق فيه[1]. إنكم تعلمون، أيها الاخوة، ويعلم العالم أجمع، ويعلم الاستعمار والصهاينة، ما قام به العراق الحر في إبراز الكيان الفلسطيني، وما يقوم به. وسيظل العراق سنداً قوياً لفلسطين، ومدافعاً عن الحق، حتى يعود هذا الجزء المغتصب من الوطن العربي إلى الوطن الأكبر، إلى الأمة العربية. وإذا كان أهل فلسطين هم رأس الرمح، وهم المسؤولون، في الدرجة الأولى، عن وطنهم السليب، وهم الذين يقررون مصيرهم بأيديهم، فإننا نقول لهم إننا أبناء فلسطين، وليس لأي دولة عربية، أن تنفرد وحدها، ولا لأي فرد عربي أن ينفرد وحده في تقرير مصير مظلمة، لم يعرف التاريخ مثلها، مظلمة وقعت على البشرية.

وإن اقتراحات بورقيبة، كانت مفاجأة وخروجاً على مقررات مؤتمرَي القمة، فضلاً عن أنها غير مقبولة، وأنها مردودة، جملة وتفصيلاً. وقد اتخذنا إجراءات في هذا الصدد، ووقفنا  إلى جانب الأمة العربية، نتحدى الظلم والتعسف ومخططات الاستعمار ومخططات أذنابه. لقد مر على قضية فلسطين زمن طويل، ولكن هذا الزمن أعطانا درساً عميقاً، ووضح لدينا أن القضية الفلسطينية قضية مصير، يجب أن تحل حلاً، يضمن عودة البلاد إلى الوطن الأكبر، وأن أنصاف الحلول أو التراضي، لا محل لها في هذه القضية المصيرية. كيف تحل قضية سرقة في يد سارق صلف، يتحدى الحق والعدل، ثم يأتي صاحب الحق، فيقول له اعطني جزءاً، وأعترف لك بالباقي. كلاً، ثم كلاّ، إن التاريخ يعيد نفسه، فلقد كانت هذه البلاد المقدسة مسرحا لأطماع المستعمرين الصليبيين، كما أصبحت رمز وحدة الأمة العربية والإسلامية، وكانت موقعة حطين شاهد حق على هذه الوحدة[2].

واستطاع بطل العروبة والإسلام صلاح الدين الأيوبي، أن يجمع الفرات والنيل، ويخوض المعركة باسم العروبة والإسلام، ففتح الله عليه، ونصره، وثبت أقدامه، وهزم الغزاة الغاصبين والغرباء المتسللين، وعادت فلسطين إلى الوطن العربي الأكبر، قوية مرفوعة الرأس.

واليوم، أيها الإخوة، يتعانق الرافدان والنيل، والقاهرة وبغداد، وتسيران جنباً إلى جنب، خطوة فخطوة، ونعلن عن خطة مركزة مبنية على الوفاق والوئام والأخوة والوحدة، تتجسد في عمل موحد وتنظيم موحد وحركة عربية واحدة، لبناء جسم هذه الأمة في دولة واحدة، هي دولة الوحدة والعروبة، للدفاع عن حق العروبة والإسلام، وتحرير الأجزاء السليبة في وطننا العربي.

 

[1]  كما وردت في نص الخطاب.

[2]  ورد في نص الوثيقة: ``وكانت موقع تحصين يجاهد حق في هذه الوحدة``.








       
ملحق
بيان القيادة القومية لحزب البعث، حول القضية الفلسطينية
 

"إن حزب البعث الاشتراكي، في الوقت الذي يستنكر فيه موقف الحبيب بورقيبة من قضية فلسطين استنكارا شديدا، ويشتم منه رائحة التواطؤ مع الاستعمار والصهيونية، لا يريد لهذا الموقف أن يمر على الشعب العربي، في كل مكان، مروراً عابراً، لا يثير فيه إلاّ الغضب، وإنما يود أن يبين، كيف أن منطق المساومة، ومنطق المناورة اللذين لا يستندان إلى الأهداف القومية، يمكن أن ينزلقا، بسهولة، إلى مواقف الخيانة.

إن الدعوة، التي وجهها الحبيب بورقيبة إلى الأقطار العربية، للتفاوض مع الصهيونية حول قرار التقسيم، هو حلقة من سلسة، بدأت تحاك خيوطها قبل زيارة الرئيس التونسي إلى عدد من الأقطار العربية في المشرق. ففي 27/12/1964، طرحت مجلة "أفريقيا الفتاة" التونسية، الصادرة باللغة الفرنسية، والمعروفة بصِلاتها بالرئيس التونسي، موضوع الحوار بين العرب والصهاينة، لحل القضية الفلسطينية على أسُس "واقعية"، أي انطلاقاً من أن إسرائيل هي واقع، يجب على العرب أن يعترفوا به. وما أن طرح هذا الموضوع، حتى هب جميع الزعماء الصهاينة إلى الترحيب به، ومن ضمنهم زعماء الأحزاب الصهيونية، بمن فيهم بن جوريون. وقد رسخت الضجة، التي أثيرت حول هذا الطرح، في عدد ضخم من الصحف، الاعتقاد بأن المجلة التونسية، تقوم بعملية جس نبض، بوحي من دوائر عليا، لها كلمتها في توجيه السياسة الدولية.

ثم جاءت زيارة بورقيبة إلى عدد من الأقطار العربية، بعد أن تبنّت أكثر الصحفيين الغربيين هذا الموقف التونسي، "غير الرسمي"، لمتابعة هذا الخط الانهزامي، وترسيخه في نفوس عدد من الحكام العرب، باسم الواقعية والمصالح. وهذه السياسية المبنية على الأمر الواقع، هي التي بشّر بها الغرب، منذ جريمة التقسيم، وقيام دولة الصهيونية. إلاّ أنها فشلت باستمرار، فكان لا بد من وسيط عربي، يجعل الانهزام والاغتصاب أكثر تقبلاً. فوجد الغرب في بورقيبة، الوسيلة المثلى، لتحقيق هذا المخطط القديم - الجديد. وكان من الطبيعي أن يستثنى القطر السوري من هذه الجولة، الرامية إلى القبول باستمرار الكيان السياسي الصهيوني. فاستثناء القطر السوري، لم يكن عفوياً، بل جاء تنفيذاً لرغبة فوق رغبة الرئيس التونسي، وتدخل ضمن إطار المخطط الموضوع لعزل القطر السوري، كوسيلة لإضعافه، أو على الأقل لتجميد تأثيره قومياً.

إن زيارة بورقيبة إلى عدد من أقطار المشرق العربي، لم تكن جولة دعائية، لإعادة اعتبار الرئيس التونسي، ولتقوية مركزه الشخصي، على الصعيدين المحلي والخارجي، بل إن قضية فلسطين، كانت نقطة أساسية في برنامج الرحلة. وقد أثبت ذلك تصريحاته في عمان وبيروت، عندما اقترح "الحل السلمي"، وهو التعبير المنمّق للقبول بالاغتصاب وبالعنصرية العدوانية، كمنطلق لإنشاء الدول.

إن الحبيب بورقيبة، ليس ساذجاً في مواقفه السياسية، وإن كان يعتمد، في كثير من المواقف، الأسلوب المسرحي. فخطبه وتصريحاته وتصرفاته، تعّبر عن خطة مؤقتة ومُحكمة التفاصيل. لقد سبق هذه العرض للاستسلام، تهيئة طويلة ومواقف خاطئة، من قبل الدول العربية وكثير من حكامها. إن بورقيبة لم يكن ليجرؤ على هذا الموقف الخائن لشعب فلسطين، لو لم يجد أن الموقف العربي الرسمي مليء بالثغرات التي تفتح المجال أمام هذه التطورات.

لقد كان الموقف العربي الرسمي، منذ عام 1948 حتى اليوم، ينطلق من القبول بقرارات التقسيم، التي صوتت عليها هيئة الأمم المتحدة، في عام 1947، بتأثير الضغط الأنجلو - أمريكي والتأييد السوفيتي. فالحكومات العربية، كانت، وما زالت، تدافع عن قرارات التقسيم، وتطالب إسرائيل بتنفيذها. والتبرير لهذا الموقف، كان دوماً أن إسرائيل لن تقبل بهذا التقسيم، ومن ثم، فهي تظهر أمام الرأي العام العالمي، أنها متمردة على قرارات الأمم المتحدة. إن هذا التبرير ساذج ومخرب، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وما موقف بورقيبة الأخير، سوى مظهر من مظاهر التخريب، التي أحدثها القبول الرسمي بقرار التقسيم. إن القبول بقرارات التقسيم يعني الاعتراف الضمني بشرعية الكيان الإسرائيلي، وتنحصر القضية، عندئذ، في خلاف حول المساحة والحدود.

فإذا كان قرار التقسيم شرعياً، فإن وجود إسرائيل يصبح واقعاً مفروغاً منه، فأتى عامل الوقت ليرسخه ويقويه. إن التبريرات التكتيكية، لا يجوز، في حال من الأحوال، أن تكون مناقضة لأهداف العرب القومية، وللأسُس التي تُبنى عليها أي شرعية.

هناك مبدأ أساسي، لا معنى لهيئة الأمم المتحدة، إن لم تصنه، وهو حق تقرير الشعوب لمصيرها. وقد جاءت ولادة إسرائيل تحدياً لهذا المبدأ الأساسي، وفرضت إسرائيل بالضغط والقوة، على أنقاض شعب فلسطين العربي وعلى أشلائه. إن قرار التقسيم، هو إجهاض لحرية الشعوب وحقها في تحديد مستقبلها وصياغة كيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لذلك، فإن أي قبول من قبل الحكومات العربية بقرار التقسيم، يعنى تخلّيها عن مبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها. وعندما تتخلى الحكومات العربية عن هذا المبدأ، فإن القضية الفلسطينية، تفقِد طابعها الأساسي الإنساني التحرري، كما تفقِد أيضاً فاعليتها. إذ إن الموقف، الذي ينتج من رفض كلي للوجود الصهيوني، على اعتباره اغتصاباً وعدواناً ووسيلة استعمارية جديدة، يختلف تماما عن الموقف الذي يناقش، رسمياً، الحدود والمساحات، التي تحتلها الدولة الجديدة. وقبول قرار التقسيم من قبل الحكومات، هو الباب الذي يفتح أمام أي حاكم للقبول بإسرائيل.

إن موقف بورقيبة الأخير، ودعوته للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، هما النتيجة الطبيعية لموقف الحكومات العربية الرسمي، ولقبولها بقرار التقسيم في هيئة الأمم المتحدة. إن بورقيبة لا يخرج، في اقتراحاته، عن مضمون قرار التقسيم، بل خطا خطوة في سبيل تحقيق هذا القرار وتجسيده. لقد استغل بورقيبة الموقف العربي الرسمي، وبعض التصريحات الصادرة عن الحكام العرب، لينفُذ من خلالها إلى محاولة تصفية قضية فلسطين.

فالاكتفاء بكشف دور بورقيبة في هذه القضية المصيرية، وشن الحملات الإذاعية والصحفية لفضح المخطط الذي ينفّذه، لا يكفيان لإنقاذ فلسطين من مهالك، يبغيها لها الغرب، من خلال بورقيبة وغير بورقيبة.

إن المسؤولية الأولى، التي تقع على العرب في هذه المرحلة الدقيقة، هي سد الثغرات، التي يمكن أن ينفُذ من خلالها الغرب، ومنفّذو خططه، أمثال الحبيب بورقيبة. والخطوة الأولى، التي يجب على الحكومات العربية أن تتخذها، هي تصحيح طرح قضية فلسطين دولياً، واتّباع منطق المصارحة والتصميم، مكان المراوغة والاختباء وراء الاعتبارات التكتيكية، التي تجر، تدريجياً، إلى الاستسلام للواقع.

الحقيقة الأولى، التي يجب أن ينطلق منها الشعب العربي وحكوماته، هي أن، مجرد وجود الكيان الإسرائيلي الاستعماري، هو عدوان في ذاته، عدوان على حق الشعب العربي في فلسطين في تقرير مصيره، وعدوان على حقه في وجوده في وطنه. وإن نضال شعب فلسطين ليس نضالاً من أجل بضعة كيلومترات هنا وهناك، وإنما هو نضال من أجل حق البقاء والتحرر. وأن فلسطين هي ملك لشعب فلسطين، وأن هذا الشعب هو، وحده، المؤهل لتحديد مستقبل بلده، وأن قرار التقسيم هو نسف للأسُس، التي قامت عليها هيئة الأمم المتحدة.

والحقيقة الثانية، التي يجب أن تنتج من الحقيقة الأولى، هي أن الحل الوحيد لقضية فلسطين، هو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وليس هناك أي حل آخر غير ذلك. وأن على العرب أن يبذلوا كل جهودهم العسكرية والاقتصادية والسياسية، لإزالة هذا الوجود العدواني القائم على الاغتصاب والعنصرية.

لقد وقف بورقيبة، صراحة وعلناً، موقف التواطؤ والخيانة. ولكن الرد الحاسم على موقفه، لا يكون بالاستنكار فحسب، وإنما يكون بإعادة قضية فلسطين إلى أصالتها وحقيقتها، وإبعادها عن ميدان المساومات الرخيصة، التي طبعت موقف كثير من حكام العرب منها. فلئن أباح بورقيبة لنفسه، أن يقف من هذه القضية موقفه المتواطئ، فلقد استند إلى منطلقات، كانت على لسان الحكومات العربية، سواء في هيئة الأمم المتحدة أو في المؤتمرات الدولية.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي، يدعو كافة الهيئات التقدمية العربية إلى التكاتف، للضغط على الحكومات العربية، لتبديل موقفها من قضية فلسطين، وإعلان رفضها الصريح لقرارات التقسيم، واستعدادها لإعادة النظر في كافة خططها ومواقفها، على أساس هذا الرفض، وعلى أساس معارضة الوجود الصهيوني نفسه وعدم شرعيته.

أمّا بورقيبة نفسه، فإن الشعب العربي كله، والشعب في تونس على الأخص، مدعّو إلى بتره من جسم هذه الأمة، وفضحه وفضح مؤامراته الاستعمارية".

 



       

ملحق

بيان كميل شمعون حول مقترحات بورقيبة

 
       "عندما تقرر عقد اجتماع رؤساء الحكومات العربية في القاهرة، في 26 أيار (مايو) الفائت، كان من المؤمل أن ينجح المؤتمر في التغلب على الأزمة، التي ولدتها تصريحات الرئيس الحبيب بورقيبة في بيروت والأردن. غير أن الخطاب الذي ألقاه سيادة الرئيس التونسي، قبيل مؤتمر القاهرة، في اجتماع المجلس الوطني لحزب الدستور، جاء يذكي النار، ويجدد الأزمة. كان الرئيس التونسي قد فاته، بكل أسف، تقدير أسباب ردة الفعل الشديدة، التي أحدثتها تصريحاته تلك، لعدة أسباب، أهمها أنّ حديث الصلح مع إسرائيل، والتعايش السلمي بين العرب وإسرائيل في ظل مقررات الأمم المتحدة، صدر عن الرئيس بورقيبة، الذي كان يتمتع، في العالم العربي، بشهرة، اكتسبها من بعد النظر والشجاعة والعزم والصلابة، منذ أن قاد بلاده، بخطوات ثابتة، نحو السيادة التامة، وأدخل تعديلات وإصلاحات جذرية في جهازها السياسي والاجتماعي.

       لذلك، لم يكن يُنتظر من رجل" بنزرت"، صاحب الإرادة الفولاذية، أن يهوي إلى مستوى الضعف، الذي اتصفت به فكرة المصالحة مع إسرائيل، والتي عرضها على العرب، في خضم نضالهم مع الصهيونيين. والسبب الثاني، هو أن الرئيس التونسي، عالج، بذهنية الرجل المتفرج، قضية نفذت إلى صميم كل عربي، وسمت بها الشعوب العربية قاطبة، فوق جميع القضايا، وأجمعت الرأي عليها، دون تردد أو تخاذل، على كثير من الخلافات، التي تتجاذب بعض الدول العربية حول قضايا أخرى.

       إننا مع إعجابنا بما أنجزه الرئيس بورقيبة في حياته السياسية، لا يسعنا إلاّ القول إنه ارتكب خطأ جسيماً في الحلول، التي اقترحها للقضية الفلسطينية.

أولاً: لأنه عمد، متطوعاً ومنفرداً، إلى تقديم عرض علني، يكون، بالنتيجة، عقد صلح بين العرب وإسرائيل، قبل أن يستطلع آراء زملائه ملوك ورؤساء الدول العربية، حتى أولئك الذين قام بزيارتهم. وكان عليه لا أن يستشيرهم وحسب، في موضوع حيوي كقضية فلسطين، بل أن يدعو الملوك والرؤساء العرب إلى مؤتمر خاص تناقش فيه مقترحاته. فإما أن تُقبَل أو أن تُرَد، وفق ما تستحقه من اهتمام وتقدير.

ثانياً: لأنه أهمل تعاليم التاريخ وعبَره. فجاء يطلب من العرب أن يضحوا، مختارين، بحقوق كرستها الأحقاب والعصور، بحجة أن قضية فلسطين تبرز، في الآونة الحاضرة، كأنها تستعصي على كل حل. وإن التمسك المستميت بالأهداف الوطنية، وملاحقتها بأي وسيلة، كانا الكفيل دائماً ببلوغ هذه الأهداف.

       ومن هنا، نرى كيف تمكن العرب من استعادة سواحل البحر الأبيض المتوسط، بعد ما احتلها الغرب قرنين كاملين. كما أفلحت الشعوب التشيكية واليوغسلافية، في التاريخ الحديث، في بناء دول مستقلة، بعد ما نسفت الإمبراطورية النمساوية المجرية من جذورها. وكيف ازدهر البلقان بدول حديثة بعد ما قاسى من الحكم العثماني طوال أربعة قرون. وكيف نهضت فنلندا من كبوتها الطويلة، وألقت عنها نير القياصرة. وكيف عادت الألزاس واللورين إلى الوطن الأم. وأخيراً، كيف بقيت "بنزرت" تونسية؟

       ونود أن نسأل الرئيس بورقيبة: هل يعتقد أن الشعوب العربية، ستقبل مقترحاته، التي نعتها بالحلول الحكيمة؟ ولماذا يريد أن يفرق بين الحكمة والعدالة، وهما في الأساس رفيقتان متلازمتان؟ لماذا يريد أن يستهدي بالحكمة بعد فوات الأوان؟ مع العلم أن الأمم المتحدة، لو استوحت الحكمة عندما اتخذت قراراتها عام 1947، لكانت أحجمت عن التقسيم؟ لماذا يطلب من العرب، كما طلب سواه من قبل، أن يستسلموا لتلك الحكمة، التي كان من مقتضياتها، دائماً وأبداً، الرضوخ لمشيئة القوي، ومن ثم، التنازل عن حق من حقوقهم، المرة تلو الأخرى؟

       نحن لا نتهم بورقيبة بسوء النية، أو بسلوك طريق المزايدة، ليظفر بعطف الدول الغربية ومساعدتها. فقد يكون عذره - إذا جاز العذر - أن الرئيس التونسي، يجهل بعض نواحي كارثة فلسطين. وعلى كل حال، فمهما اتسع اطّلاعه، فقد ظل معزولاً عنها، ولم يرافقها منذ نشأتها. وهو لم يتألم لفداحة الظلم، الذي حل بشعب آمن، لم يطالب إلاّ بحقه المشروع في حياة حرة كريمة في وطنه، ولم يحس، من ثم، باليأس والقنوط الشديدين اللذين أحدثهما استيلاء شعب غريب على أرض، ارتوت بفيض من دم المواطنين العرب، جيلاً بعد جيل، وباتت محط آمالهم وأمانيهم، ولم يشاهد بأم العين، كيف أقدمت أكبر هيئة عالمية، بتأثير دولة معينة، على تجزئة بلد بكامله، بغية إشباع مطمع الصهيونية الغادرة.

       ولكن إذا اعتبرنا أن الرئيس التونسي قد سبب بعض الاضطراب الفكري، الذي شغل الرأي العام العربي، في الآونة الأخيرة، فإنه لمن الافتئات على الحق والحقيقة، أن نلقي على عاتقه وزر النتائج، التي انتهى إليها مؤتمر القاهرة الأخير. وبعبارة أوضح نقول، إن فشل هذا المؤتمر، وفشل أي مؤتمر عقد في الماضي، وسيعقد في المستقبل، يعود إلى :

أولاً: إن جميع الحكومات العربية، لم تكن دائماً صريحة في ما يتعلق بمستقبل فلسطين، وبشكل يبدد كل تأويل وتفسير. فتارة، كان بعض هذه الحكومات ينكر، في مجال بحث الموضوع مع هيئات أجنبية، أنه يضمر نيات عدائية تجاه إسرائيل. وطورا،ً يعلن، كما حدث في باندونج، موافقته على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، دون أن يستثني قرارات التقسيم. وقد نسبت مجلة فرنسية معروفة إلى رئيس دولة عربية، تصريحاً، التقى في أهدافه ومعانيه مع اقتراحات الرئيس بورقيبة دون أن يصدر عن المراجع الرسمية في تلك الدولة، أي نفي أو تكذيب لما أوردته المجلة.

ثانياً: استغلال قضية فلسطين بغية كسب التأييـد الرخيص، وتجنيد القوى الفلسطينية، لتنفيذ أغراض، لا تمت بصِلة إلى مستقبل وطنهم... وأخيراً سياسة الارتجال.

       فبتأثير سياسة الاستغلال والارتجال، أعلنّا بشدة عزمنا على إنقاذ فلسطين من براثن الصهيونية، وبتأثيرها أيضاً، هددنا بإبادة إسرائيل، إذا حولت مجرى نهر الأردن. ولكن ما أن جرّت إسرائيل مياه الأردن، حتى أعلنّا، بالشدة نفسها، أن للحرب ملابسات وأخطاراً وإننا لسنا على استعداد لإشعال نارها. ثم استبدلنا بفكرة الحرب خاطرة تحويل روافد نهر الأردن، وهي كفيلة، على حدّ قولنا، بأن تمنع كل قطرة ماء عن النهر. وقد فاتنا أن نوضح للرأي العام، إما عن ارتجال، أو عن قصد واستغلال، أن مشروع تحويل الروافد، عند إنجازه وفقاً للخطة المرسومة، لا يحرم إسرائيل، إلاّ من نسبة ضئيلة، لا تتجاوز الخمسة والعشرين بالمائة من مياه نهر الأردن.

       ولم نقف عند هذا الحد. فما أن تأزم الجو بين بعض الدول العربية وإسرائيل، حتى أوضحنا أن مشروع تحويل الروافد نفسه، أصبح أمراً، يصعب تحقيقه، نظراً إلى الأوضاع التي تسود الدول العربية، وبسبب وجود خمسين ألف جندي مصري في اليمن، يقاتلون اليمنيين و "الاستعمار البريطاني". وكم كان وجود هؤلاء في قطاع غزة أجدى وانفع!

ثالثاً: سياسة الأطماع وحب السيطرة، وتدخل بعض الدول العربية في شؤون دول عربية أخرى، بمختلف أساليب الدس والتآمر، والحملات الصحفية، والإذاعة، والتدخل العسكري، مما يخالف صراحة نصوص ميثاق جامعة الدول العربية، التي تدعو إلى احترام سيادة كل دولة. وقد خلق ذلك جواً من الريبة والشك والخوف، وحال دون قيام تعاون صحيح طويل المدى، بين دول الجامعة، وحمل دولاً معينة على إرهاق نفسها بالمحافظة على سلامة أوضاعها الداخلية. فكان أن فقدت هذه الدول تلك الثقة، التي يستحيل عليها ومن دونها أن تؤدي قسطها من التضحية المشتركة لإنقاذ فلسطين، والمحافظة على مصالح العرب وكرامتهم في العالم.

       هذا هو الداء. أمّا الدواء، فهو أن يصار إلى مؤتمر لرؤساء وملوك الدول العربية، يعقد، لا في القاهرة، أو تونس، أو الرياض أو دمشق، وإنما في عاصمة كبيروت، منزهة عن التيارات المتطرفة، وبعيدة عن الخلافات المستمرة. هذا المؤتمر يكون مقدمة لمؤتمر الدار البيضاء ويبحث فيه:

أولاً: موضوع تنقية العلاقات العربية، لا على أساس العاطفة والكرامات الشخصية، بل في ضوء ميثاق الجامعة العربية، نصاً وروحاً.

ثانياً: مستقبل فلسطين بصورة واضحة، حتى لا تُبقى مجالاً للتراجع أو التأويل أو التبديل،إضافة إلى المخطط العملي المدروس، لتحقيق هذا المستقبل، آجلاً أم عاجلاً والذي يضمن للعرب كرامتهم في العالم وسلامة مصالحهم.

ثالثاً: مقدار مساهمة كل دولة تنتمي إلى الجامعة العربية، في تنفيذ هذا المخطط، بكل صراحة وواقعية، بغية تجنب أي خلاف، قد ينشأ، في المستقبل، بين الدول العربية.

       أمّا إذا لم تتم تنقية هذه العلاقات، ولم تحدد المسؤولية والواجبات، فلسنا نرى أي فوائد من عقد المؤتمرات، إلاّ إذا كانت غايتها إلهاء الرأي العام بتوافه الأمور. ولسنا نلمس أيضاً أي فائدة حتى من استمرار الجامعة، وإن كنّا من الذين أشرفوا على ولادتها، وأرادوها منظمة إقليمية مثالية، تسودها المحبة والتعاون والبناء، وتساندها إرادة فاعلة لتحقيق العدالة الدولية والقيم الإنسانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي   مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي Emptyالجمعة 25 مارس 2016, 9:00 am

[rtl]ملحق[/rtl]

[rtl]جدول يبين مشروعات التسوية المطروحة  لحل النزاع العربي -  الإسرائيلي،[/rtl]

[rtl]خلال الفترة من 27 يونيه 1948 وحتى 17 مايو  1965[/rtl]

[rtl]ردود الفعل [/rtl]
[rtl]النقاط الرئيسية للمشروع [/rtl]
[rtl]تاريخ تقديمه أو إعلانه [/rtl]
[rtl]اسم المشروع [/rtl]
[rtl]م [/rtl]
[rtl]ـ اغتالت عصابة "شتيرن" الكونت برنادوت.[/rtl]
[rtl]ـ عينت الأمم المتحدة، في يوم4 نوفمبر 1948،  رالف بانش وسيطاً دوليا،ً خلفاً لبرنادوت. [/rtl]
1.  الانتقال من مرحلة وقف القتال إلى تحقيق هدنة دائمة بين العرب واليهود.
2.  توضع القدس تحت رقابة الأمم المتحدة.
3.  تتولى لجنة من الأمم المتحدة ترسيم الحدود بين العرب واليهود.
4.  تشرف لجنة دولية على حل مشكلة اللاجئين.
5.  دعوة الأمم المتحدة إلى تأليف لجنة متابعة ومصالحة، للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع في فلسطين.
[rtl]27 يونيه 1948 [/rtl]
[rtl]مشروع الكونت فولك برنادوت [/rtl]
[rtl]1 [/rtl]
[rtl]ـ تطلب الأمم المتحدة  من اللجنة أن تبدأ عملها فوراً.[/rtl]
[rtl]ـ تطلب الأمم المتحدة  أيضاً وجوب السماح  بالعودة للاجئين  الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام. [/rtl]
1.  القيام بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة السابق (برنادوت).
2.  تنفيذ المهام والتوجيهات المحددة، التي جاءت في القرار الرقم 149 بتاريخ 11/12/1948
3.  القيام، بناء على طلب مجلس الأمن، بأي مهام تكلف بها.
[rtl]11 ديسمبر 1948 [/rtl]
[rtl]لجنة التوفيق والمصالحة [/rtl]
[rtl]2 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب العربي. [/rtl]1.  مناشدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، الامتناع عن القيام بأي أعمال عدوانية ضد بعضهما.
2.  المسؤولية تقع على عاتق الحكومات المعنية.
3.  حث الحكومات على الدخول في مفاوضات مباشرة.
4.  دعوة لجنة التوفيق، لتقديم خدماتها من أجل تحقيق التسوية.
[rtl]26 نوفمبر 1952 [/rtl]
[rtl]المشروع النرويجي [/rtl]
[rtl]3 [/rtl]
[rtl]ـ رفض بن جوريون  رئيس وزراء إسرائيل مناقشة التفاصيل،  المتعلقة بالتنازلات الإسرائيلية. [/rtl]1.       يجب أن تحصل مصر على أكثر من مجرد ممر، لربطها بالأردن.
2.       على الإسرائيليين أن يوافقوا، من حيث المبدأ، على قبول الفلسطينيين، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.
3.       تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل.
[rtl]11 سبتمبر 1955 [/rtl]
[rtl]مشروع " جاما " الأمريكي [/rtl]
[rtl]4 [/rtl]
[rtl]ـ رفض غالبية العرب مطالب دالاس. [/rtl]1.       التخلي عن فكرة  العودة إلاّ للقليل من اللاجئين الفلسطينيين.
2.       دمج السواد الأعظم من الفلسطينيين في البلاد التي يقيمون فيها، وحصر قضيتهم في النطاق الاقتصادي.
3.       اقتراح مشاريع ري مشتركة بين العرب وإسرائيل.
[rtl]الأول من يونيه 1953 [/rtl]
[rtl]بيان دالاس في التمهيد لمشروع جونستون [/rtl]
[rtl]5 [/rtl]
[rtl]ـ رفضت لجنة خبراء العرب، التي شكلتها الحكومات العربية، مبدأ  تخزين مياه نهر  اليرموك في بحيرة طبرية، كما  رفضت إنشاء محطة  توليد  الطاقة الكهربائية من مياه الحاصباني، في مستعمرة "تل حي" اليهودية.
ـ رفض الفلسطينيين المشروع. [/rtl]
1.       ينفذ المشروع على خمس مراحل، للإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن.
2.       إنشاء مجموعة من السدود على أنهار الحاصباني والأردن ودان  وبانياس.
3.       إنشاء قناة طولها 120 كم، وتتفرع عنها أقنية فرعية لري جبال الجليل ومرج ابن عامر.
[rtl]الفترة من أكتوبر 1953
وحتى أكتوبر 1955 [/rtl]
[rtl]مشروع جونستون [/rtl]
[rtl]6 [/rtl]
[rtl]ـ رد فعل  إسرائيل،  تلخص في استعدادها  لمناقشة موضوع  تعديلات الحدود من دون تقديم تنازلات.
ـ لم تحدد أي دولة عربية موقفها الرسمي، عدا سورية ومصر، اللتين هاجمتا المشروع. [/rtl]
1.       وضع حد لمعاناة حوالي مليون لاجئ فلسطيني.
2.       استعداد أمريكا لمنع أي عمل لتغيير الحدود بين إسرائيل والعرب.
3.       يجب أن يكون هناك اتفاق مسبق حول طبيعة هذه الحدود.
[rtl]26 أغسطس 1955 [/rtl]
[rtl]مشروع دالاس [/rtl]
[rtl]7 [/rtl]
[rtl]ـ رد فعل إسرائيل: رفض المشروع
ـ رد الفعل العربي: لم  تصدر أي تعليقات رسمية باستثناء مصر، التي أيدته. [/rtl]
1.       على الجانبين، العربي والإسرائيلي، أن يقدِّما تنازلات متبادلة.
2.       السعي إلى الاتفاق على "صيغة تسوية" بين الموقف العربي، الذي يطالب بالعودة إلى حدود التقسيم، عام 1947، والموقف الإسرائيلي، الذي يتمسك بخطوط الهدنة، كحدود دائمة.
[rtl]9 نوفمبر 1955 [/rtl]
[rtl]مشروع "أنتوني إيدن" [/rtl]
[rtl]8 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب العربي. [/rtl]1.       موافقة إسرائيل على تعديلات متبادلة في خطوط الهدنة، مع رفضها التفاوض على أساس خط التقسيم لعام 1947.
2.       استعداد إسرائيل للنظر في موضوع منح الدول العربية حقوق الترانزيت.
3.       استعداد إسرائيل لمنح الأردن تسهيلات حرة في ميناء حيفا، وحقوق الترانزيت.
4.       استعداد إسرائيل لتعويض اللاجئين.
[rtl]19 ديسمبر 1956 [/rtl]
[rtl]مشروع إسرائيلي جديد [/rtl]
[rtl]9 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب المصري أو العربي. [/rtl]1.       تتعهد كل من مصر وإسرائيل بنود اتفاقيات الهدنة عام 1949
2.       إقامة إدارة مدنية تابعة لهيئة الأمم المتحدة في غزة.
3.       انسحاب القوات الإسرائيلية من شرم الشيخ، على أن يتبعه دخول قوات الطوارئ الدولية إليها، للمساعدة على حفظ السلام.  
[rtl]26 فبراير 1957 [/rtl]
[rtl]المشروع الكندي [/rtl]
[rtl]10 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب العربي. [/rtl]1.       تسوية نهائية ومضمونة للحدود العربية - الإسرائيلية.
2.                تسوية قضية اللاجئين.
3.       تقديم مساعدات اقتصادية إلى الدول التي تحتاج إليها.
4.       تشجيع التبادل التجاري بين الطرفين.
5.       الاعتراف بالجوانب المدنية والاقتصادية لحلف بغداد، وتوسيعها.
[rtl]21 أكتوبر 1957 [/rtl]
[rtl]المشروع الأسترالي [/rtl]
[rtl]11 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب العربي. ولكن مصر رفضت المشروع. [/rtl]1.       تقديم المساعدات المالية إلى الدول العربية، من أجل التنمية الاقتصادية،  مع الربط بين هذه المساعدات ومقاومة الشيوعية.
2.       طرح أيزنهاور مشروع آخر لتحقيق السلام في الشرق الأدنى.
3.       لم يُشِر أيزنهاور إلى قضية فلسطين، أو إلى قضية اللاجئين.
[rtl]خلال الفترة من 5 يناير 1957
وحتى يونيه 1958 [/rtl]
[rtl]مشروع أيزنهاور [/rtl]
[rtl]12 [/rtl]
[rtl]ـ رفض الفلسطينيين مشروع همرشولد. [/rtl]
[rtl]يقسم مشروع همرشولد منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاثة أقسام: [/rtl]
1.       إسرائيل والبلدان العربية، التى تنتج كميات وافرة من النفط.
2.       البلدان العربية، التي لا تنتج النفط بكميات وافرة.
3.       البلدان العربية، التي ينعدم لديها النفط.
[rtl]15 يونيه 1959 [/rtl]
[rtl]مشروع همرشولد [/rtl]
[rtl]13 [/rtl]
[rtl]ـ لم تصدر أي تعليقات  رسمية من الجانب العربي. [/rtl]1.       يعطى رب كل أسرة من اللاجئين فرصة الاختيار الحر بين العودة أو التعويض.
2.       من حق إسرائيل أن تجري كشفاً أمنياً على كل لاجئ، يختار العودة إلى أرضه.
3.       يحق لكل حكومة الانسحاب من هذا المشروع، إذا رأت أن فيه تهديداً لمصالحها الحيوية.
[rtl]2 أكتوبر 1962 [/rtl]
[rtl]مشروع جونسون [/rtl]
[rtl]14 [/rtl]
[rtl]ـ رفضته كل الدول العربية. [/rtl]1.       المشروع يرتكز على قرار التقسيم الرقم 181، الصادر في 22 نوفمبر 1947.
2.       تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة، التي احتلتها منذ إنشائها، لتقوم عليها دولة فلسطينية.
3.       يعود اللاجئون إلى دولتهم الجديدة.
4.       تتم المصالحة بين العرب وإسرائيل، لتنتهي حالة الحرب بينهما.
[rtl]21 أبريل 1965 [/rtl]
[rtl]مشروع بورقيبة [/rtl]
[rtl]15 [/rtl]
[rtl]ـ رفضته كل الدول العربية. [/rtl]1.       تقترح إسرائيل إجراء مفاوضات مباشرة، بينها وبين البلدان، التي وقعت اتفاقات الهدنة، من أجل إحلال اتفاقية السلام محل هذه الاتفاقات.
2.       تتم التسوية السلمية على أساس وضع إسرائيل القائم، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة.
[rtl]17 مايو 1965 [/rtl]
[rtl]مشروع أشكول [/rtl]
[rtl]16 [/rtl]
[rtl]ـ قطعت الأردن  علاقاتها الدبلوماسية مع تونس.[/rtl]
[rtl]ـ أعربت الجزائر عن  إمكان إجراء مفاوضات مع إسرائيل، من قبل  منظمة التحرير الفلسطينية.[/rtl]
[rtl]ـ لم يكن هناك رد فعل من باقي الدول العربية. [/rtl]
1.       قبول إسرائيل مبدأ تقسيم فلسطين، وفق قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة، عام 1947.
2.       ترسيم الحدود بين العرب وإسرائيل، من طريق المفاوضات.
3.                إقامة دولة فلسطينية.
[rtl]2 يوليه 1973 [/rtl]
[rtl]مبادرة الرئيس
الحبيب بورقيبة [/rtl]
[rtl]17 [/rtl]
 
 


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرئيس الحبيب بورقيبة
» الحبيب بورقيبة
» عز الدين الحزقي أبرز معارضي الرئيس التونسي
»  الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .. سنوات الحكم والثورة والمنفى
» تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الأول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: بلادنا فلسطين :: وثائق اتفاقات ومعاهدات قرارات دوليه وعربيه بيانات ورسائل-
انتقل الى: