الشرق الأوسط
مقدمة الفصل الأول: التاريخ والمصطلح أولاً: التاريخ السياسي والحضاري للمنطقة التاريخ القديم للمنطقة وامتزاجه بالأساطير العصر التاريخي للمنطقة ثانياً: المصطلح الفصل الثاني: الرؤى الإقليمية والدولية أولاً: الرؤية العربية الرؤية السعودية الرؤية المصرية ثانياً: الرؤية الإيرانية ثالثاً: الرؤية التركية رابعاً: الرؤى الدولية الفصل الثالث: قضايا الشرق الأوسط قضية عولمة الشرق الأوسط قضية الصراع العربي الإسرائيلي قضية أمن الخليج قضية التسلح النووي قضية الخلافات الحدودية الفصل الرابع: الرؤى المستقبلية للشرق الأوسط المراجع والمصادر
مقدمة
أصبحت إعادة النظر في تاريخ الشرق عموما، والشرق الأوسط خصوصا، ضرورة من خلال رؤية عربية إسلامية؛ إزاء سيطرة نظريات مؤرخي الغرب، على معظم الاتجاهات الحديثة والمعاصرة، في كتابة تاريخ الشرق، حتى لدى الكتاب العرب والمسلمين أنفسهم، سواء على مستوى فلسفة التاريخ، أو الكتابة التاريخية أو التأريخ الفعلي لشعوب المنطقة. لقد ربطت الرؤية الغربية تاريخ المنطقة، عبر العصور المختلفة، حيناً بالتاريخ اليهودي ومصلحة اليهود، وحيناً آخر بالتاريخ المسيحي، أو بالحركات الغربية الفلسفية والعقائدية، مثل العلمانية، والشيوعية، والمادية التاريخية، وهذا ما أدى إلى تشويه تاريخ المنطقة، وإبعاده عن مساره الصحيح، وإهمال الشعوب الفاعلة في هذا التاريخ.
وعلى الرغم من المحاولات القليلة لبلورة رؤية عربية إسلامية لتاريخ المنطقة[1]، إلا أن الحاجة مازالت ماسة إلى رؤية شمولية علمية، تستند إلى أدلة تاريخية وحضارية، تثبت رؤية هذا التاريخ، وانتظام مراحله التاريخية العربية، وتوجه حركته التاريخية تجاه تحقيق مصلحة الأمة العربية، وتبرز استقلالها من ناحية، وفضلها على تاريخ المنطقة والتاريخ الإنساني، عامة، من ناحية أخرى.
يقدم هذا البحث دراسة سياسية وحضارية لمنطقة الشرق الأوسط، من خلال رؤية عربية محايدة، مستخدماً منهج الدراسة الوصفية المقارنة، في فصول أربعة، تسبقها مقدمة حول طبيعة الموضوع. يتناول الفصل الأول نقطتين:
ـ التاريخ السياسي والحضاري للمنطقة منذ أقدم العصور.
ـ المصطلح: حدوده وتطوراته.
ويتناول الفصل الثاني، الرؤى الإقليمية والدولية للمنطقة، مثل الرؤية العربية، التي تتضمن، بطبيعة الحال، الرؤية المصرية، والرؤية الإيرانية، والرؤية التركية، والرؤى الغربية، التي تتضمن الرؤية الإسرائيلية. بينما يتناول الفصل الثالث، قضايا الشرق الأوسط، مثل قضية عولمة الشرق الأوسط، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية أمن الخليج، وقضية التسلح النووي، وغيرها، أما الفصل الرابع، فيتعلق بالرؤى المستقبلية للمنطقة.
[1] مثل: ـ أحمد سوسة في كتابه: العرب واليهود في التاريخ ـ حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الأثرية.
ـ محمد خليفة حسن في كتابه: دراسات في تاريخ وحضارة الشعوب السامية القديمة، وكتابه: رؤية عربية في تاريخ الشرق الأدنى القديم وحضارته.
ـ أحمد فخري في كتابه: دراسات في تاريخ الشرق القديم.
ـ محمد بيومي مهران في كتابه: دراسات في تاريخ العرب القديم.
الفصل الأول
التاريخ والمصطلح
أولاً: التاريخ السياسي والحضاري للمنطقة ثانياً: المصطلحأولاً: التاريخ السياسي والحضاري للمنطقة
تشير الوثائق والآثار إلى أن منطقة الشرق الأوسط، قد ضمت مجموعتين من الشعوب: الأولى مجموعة الشعوب الداخلية، التي تكون قلب الشرق، والتي توحد بينها مجموعة عوامل، وتشتمل على عرب شبه الجزيرة العربية، وشعوب المنطقة السورية مثل الفينيقيين، والآراميين، والأموريون، والعبريين، وبعض الجماعات العربية الصغيرة كالمؤابيين، والأدوميين، واليبوسيين، وغيرهم، فضلاً عن سكان بلاد النهرين، كالأكديين، الذين انقسموا، فيما بعد، إلى البابليين والآشوريين.
المجموعة الثانية: وهي الشعوب الخارجية، وتشمل مصر غرباً، وإيران شرقاً، وشعوب الأناضول شمالاً.
وكانت هناك، علاقات طبيعية بين شعوب المجموعتين، سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وثقافية، سلباً وإيجاباً، على الرغم من تباين اللغات، والعقائد، والإمكانات الطبيعية، والبشرية.
يؤكد علماء الأجناس وجود وحدة جنسية بين شعوب المنطقة؛ يقول سباتيني موسكاتي: "إن الصحراء العربية هي قلب الشرق، وهي موطن الساميين، والعرب الذين اشتغلوا بالرعي منذ البداية، وقد أجبرهم قحط بلادهم على الهجرة، مرات متتالية، إلى الأقاليم الخصبة المحيطة." وتمكن العرب من فرض سيادتهم على هذه المناطق كلها. وقد رصد علماء الحضارة الهجرات العربية القديمة، وأهمها الهجرة إلى وادي النيل، نحو 3500 ق.م. والهجرة إلى وادي الرافدين، في الفترة نفسها تقريباً، والهجرة إلى سوريا، نحو 2500 ق.م. وكان لهذه الهجرات أثرها الكبير في تحقيق الاندماج بين شعوب المنطقة الداخلية، والاحتكاك الإيجابي، مع شعوب المنطقة الخارجية، فتوحدت منطقة الشرق الأوسط، حضارياً وثقافياً، بسبب ظهور قوى سياسية ذات حضارة قوية، تمكنت من نشر ثقافتها وحضارتها، وفتحت فرص الاحتكاك الثقافي والحضاري، بين شعوب المنطقة. وظلت هذه الوحدة الحضارية الثقافية، حتى زمن الغزو اليوناني للمنطقة، والذي تميز بأنه كان غزواً فكرياً؛ فقد عمد الإسكندر الأكبر وأتباعه، إلى استغلال الفتوحات العسكرية، في نشر الثقافة اليونانية، واستمر التأثير الثقافي اليوناني، فترة طويلة من الزمن، لم تنجح المسيحية في محوه، في حين استطاع الإسلام استعادة الوحدة الحضارية الثقافية للمنطقة، مرة أخرى.
ثانيا: المصطلح
مر مصطلح الشرق الأوسط بمراحل عديدة، من حيث الدلالات، والمؤشرات، والأهداف، ففي البداية، أُطلق مصطلح الشرق الأدنى، على المنطقة الجغرافية الخاصة بغرب آسيا وما يجاورها، أي البلاد العربية، بدءاً من الخليج وحتى شمال أفريقيا، عندما ارتبطت هذه المنطقة بالقوى الاستعمارية الأوربية، ومع تزايد حركة التجارة العالمية، واتساع العلاقات الاقتصادية بين منطقتي شرق آسيا والصين وأوربا، بدأ المؤرخون يطلقون، على هذه المنطقة الجديدة، مصطلح الشرق الأقصى، أما مصطلح الشرق الأوسط، فقد أطلقه مؤرخون، أمثال الأمريكي ألفرد ماهان، الذي كان أول من استخدم هذا المصطلح، في إطار رؤيتهم لتطورات الإستراتيجية البريطانية وتحركها، وفي إطار رؤيتهم للتنسيق السياسي الهيكلي للإستراتيجية البريطانية، مع الأنشطة الروسية، والمشروعات الألمانية، في مناطق الخلافة العثمانية، وكانوا يعنون، بهذا المصطلح، المنطقة الجيوبوليتيكية، المحصورة بين الشرق الأدنى والشرق الأقصى، ولا ينطبق عليها أي من المصطلحين السابقين.
درجت الأوساط السياسية والأكاديمية، عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى، على استخدام مصطلح الشرق الأوسط، مع تطويره ليشمل بعضاً من البقاع الجغرافية، التي كان يحملها مصطلح الشرق الأدنى، ولعل أوضح دليل على ذلك، قيام الحكومة البريطانية بتشكيل إدارة للشرق الأوسط، تعنى بأمور العراق، وفلسطين، وشرق الأردن، وتوحيد قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط، ومقرها العراق، ومثيلتها، ومقرها في مصر، وإطلاق اسم قيادة الشرق الأوسط على هاتين القيادتين.
في الفترة، التي سبقت الحرب العالمية الثانية، شاع استخدام مصطلح الشرق الأوسط، وبدأت الدول الكبرى، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، في إطلاق مفهوم الشرق الأوسط على تلك المنطقة، من غرب الهند، في آسيا إلى شمال أفريقيا، بل أصبح العديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تعمل تحت قيادة الحلفاء، تُعرف بمنظمات الشرق الأوسط، التي بدأت في التعامل مع دول المنطقة العربية، وتقديم المساعدات والخبرات في مجال العمل والأعمال والاقتصاد والتنمية.
وقد بدأ المؤرخون، منذ أواسط الخمسينيات، في التعامل مع الشرق الأوسط، على أنه حقيقة جغرافية ثابتة، وقد جاء ذلك، في تصنيفات وزارة الخارجية الأمريكية لمناطق العالم المختلفة، خاصة في أفريقيا، وأوربا، والعالم العربي، ويذكر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، أن الشرق الأوسط هو المنطقة، التي تبدأ من المغرب، على المحيط الأطلنطي والبحر المتوسط في شمال أفريقيا غرباً، إلى باكستان على الحدود الغربية للهند شرقاً، ومن تركيا على البحر الأسود شمالاً، حتى السودان والقرن الإفريقي جنوباً.
على كل حال صار مصطلح الشرق الأوسط ثابتاً في الكتابات والدراسات العلمية المختلفة، ويشمل منطقة جغرافية معينة، يتفق على وحداتها السياسية، وهي: مصر، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل، وسوريا، ولبنان، والعراق، ودول الخليج العربية (المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان)، واليمن، إضافة إلى تركيا، وإيران، وأثيوبيا، وأريتريا، وهناك اختلاف على إدخال قبرص، والسودان، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، ودول المنطقة المغاربية، بصفتها وحدات سياسية ضمن المنطقة، ومن هنا فإن التوصل إلى تعريف جامع مانع للشرق الأوسط، لازال أمراً لم يتحقق بعد، فالمصطلح قد يشمل، أيضاً، مجموعة الدول، التي تدين شعوبها بالإسلام في جنوب ماكان يعرف بالاتحاد السوفييتي، وقد تزايدت أهمية الإقليم؛ لاعتبارات مختلفة أهمها أنه يمثل مصدراً لإنتاج أكثر من ربع بترول العالم، و60 % من احتياطياته المؤكدة، كما أنه، نظراً لاعتبارات تاريخية وسياسية متطورة، فإن مجموعة الدول الإسلامية وما يجاورها في منظومة الاتحاد السوفييتي السابق، بات التعريف يشملها أيضًا.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونتيجة للحرب الباردة بين القطبية الثنائية: قطب رأسمالي، تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، وقطب اشتراكي، يقوده الاتحاد السوفييتي، اكتسب الشرق الأوسط أهمية بالغة، وفقاً لتصورات وعقائد أيديولوجية مختلفة، حيث بدأ السعي الغربي لاحتواء النفوذ السوفييتي، وحصاره، والحيلولة دون انتشاره، خاصة إلى أفغانستان، وتركيا، وباكستان، والعالم العربي، الذي يشتمل على أهم وحدات الشرق الأوسط السياسية، وبالتالي صار الشرق الأوسط، والعالم العربي في القلب منه، هدفاً حيوياً للإستراتيجيات الكونية، خاصة الغربية، وذلك في ظل محاولاتها العسكرية السياسية لإعادة تشكيل القوى، بما يسمح بخلق تكتلات إقليمية جديدة، تسمح بإحكام السيطرة الغربية على هذه المنطقة، وبما يؤدي إلى توظيف إمكاناتها ومواردها؛ من أجل تحقيق أهداف الإستراتيجيات الغربية، وذلك باحتواء الخطر الشيوعي، من جانب، والحفاظ على بقاء وأمن دولة إسرائيل، التي أنشأتها الدول الغربية على أرض فلسطين، في مايو 1948م، من ناحية أخرى.
في ظل هذه الأجواء، سعت الحكومات الغربية، إلى إعادة دمج وحدات العالم العربي، في إطار مجموعة تكتلات وكيانات إقليمية، ترتبط بالنظام الغربي، وقواعده، وأيديولوجياته المختلفة، والأمثلة عديدة على المحاولات الغربية، منها البيان الثلاثي عام 1951م، وحلف بغداد (تركيا، العراق، إيران)، والهلال الخصيب (العراق، سوريا، تركيا، الأردن، لبنان، فلسطين)، ومشروع أيزنهاور.
أما الشرق الأوسط الآن، وبغض النظر عن التعريف الجغرافي السياسي المستخدم، فهو نظام إقليمي أو نظام دولي فرعي، أي أنه عبارة عن مجموعة من الدول، تتسم بالجوار الجغرافي، وبوتيرة كثيفة من التفاعلات والتشابك فيما بينها، وتؤدي المشكلات الكبيرة والكثيرة في المنطقة، وتنوع الأعراق الاجتماعية، إلى إثارة الجدل الواسع والساخن حول مفهوم الشرق أوسطية، حيث تسعى بعض التوجهات، إلى قلب النظام العربي، وتقويض أركانه، ويسعى بعضها، إلى تجاوز النظام الجغرافي، وتخطي مرحلة القوميات والأيديولوجيات، إلى مرحلة التكتلات والتجمعات الاقتصادية العملاقة.