الدكتاتورية الأسوأ.. والتي لم تسمع بها أبدا
الدكتاتور الغامبي يحيى جامع
جيفري سميث - (فورين بوليسي) 21/4/2016
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
منذ استيلائه على السلطة في انقلاب أبيض في العام 1994، ترأس يحيى جامع أسوأ دكتاتورية لم تسمع بها أبداً. فالرئيس الغامبي الغريب الأطوار والذي يمارس طقوساً في السحر والشعوذة، ويدَّعي أنه يستطيع أن يشفي كل مرض، بدءاً من نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" إلى العقم بواسطة علاج عشبي، يحكم دولته الغرب أفريقية بمزيج من الخرافة والخوف. ويشكل التعذيب الذي تقره الدولة وحالات الاختفاء القسري والاعدامات التعسفية، مجرد قلة من التكتيكات المفضلة التي توظفها أجهزته الأمنية والمخابراتية سيئة الصيت.
في الأماكن الأخرى من أفريقيا، نعى المنافحون عن الحقوق الإنسانية طاعون "الفترة الرئاسية الثالثة"، حيث يعمد المزيد والمزيد من القادة إلى إزالة الحدود الدستورية من أجل التشبث بالسلطة. لكن جامع ربما يتجه في غامبيا نحو فترة رئاسية خامسة في الانتخابات المقبلة المقررة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وسوف يحصل ذلك، بطبيعة الحال، ما لم تتحول موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي انفجرت في أواسط شهر نيسان (أبريل) إلى ثورة شعبية عارمة.
كان التوتر يتصاعد ويتراكم ببطء في غامبيا منذ أعوام، لأسباب ليس أقلها البيئة الأمنية القمعية والفساد واسع النطاق، ونقص الغذاء المزمن والاقتصاد سيء الإدارة على نحو رهيب.
تحتل غامبيا المركز الأخير في غرب أفريقيا من حيث حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لتكون بذلك البلد الوحيد الذي يعيش تراجعاً منذ العام 1994. لكن الرئيس جامع نجح على الأغلب في لجم مشاعر الاستياء، فيما يعود في جزء منه إلى قانون التعويض في غامبيا -الذي وقعه الرئيس في العام 2001- بمناسبة حادث في العام السابق حين أطلقت القوات الأمنية النار على مجموعة من الطلبة المحتجين. وفي المجمل، قتل في الحادثة 14 شخصاً في رابعة النهار. وأعطى القانون الجديد اللرئيس صلاحيات كاسحة لمنع محاكمة عناصر القوات الأمنية بسبب إخماد "التجمعات غير القانونية".
يوم 14 نيسان (أبريل)، تفجرت مشاعر الإحباط والحنق المتراكمة منذ وقت طويل بشكل حتمي. وخرج العشرات من الغامبيين بشجاعة إلى الشوارع في ذلك اليوم للمطالبة بإجراء إصلاحات انتخابية قبل انتخابات كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وعلى نحو غير مفاجئ، تصدت شرطة مكافحة التابعة لجامع للتظاهرات، وهاجمت المحتجين وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود التي كانت قد تجمعت في ضاحية محاذية للبحر في العاصمة، بانجول.
وكان هذا الرد الأولي من النظام على الاحتجاجات مكبوحاً إلى حد كبير عند مقارنته بتطورات مشابهة حدثت في الماضي في غامبيا. لكن المواطنين احتشدوا مرة أخرى بعد يومين، يوم 16 نيسان (أبريل) ليقيموا أكبر وأكثر أجراءات التمرد استدامة ضد جامع منذ استيلائه على السلطة قبل أكثر من عقدين. وهذه المرة، ردت الشرطة المهزوزة بقوة أكبر، حيث استخدمت الذخيرة الحية ضد المتظاهرين وهاجمت الناس في الشوارع. وبالإجمال، ذكر أنه تم اعتقال 55 شخصاً، العديد منهم عذبوا بوحشية داخل المعتقل.
لعل الأكثر إثارة للصدمة هو أن سولو ساندنغ، قائد جناح الشباب في حركة المعارضة الرئيسية في غامبيا، الحزب الديمقراطي الموحد، تعرض للتعذيب حتى الموت اثناء فترة الاحتجاز، وفق ما زعم. وبعد شيوع أخبار وفاة ساندنغ، حشد الحزب الديمقراطي الموحد مؤيديه مرة أخرى وساروا بشكل سلمي في العاصمة للمطالبة بالاستجابة لمطالبهم. ومرة أخرى، هرعت شرطة مكافحة الشغب إلى المكان واعتقلت أوساينو داربو، الأمين العام للحزب الديمقراطي الموحد. ووفق نشرة صحفية للحزب صدرت مساء 16 نيسان (أبريل) فإنه تم اعتقال أكثر من دزينتين من أعضاء الحزب، بينما قتل ثلاثة آخرون بمن فيهم ساندنغ. ووجهت إلى العديد منهم تهمة "التجمع غير القانوني" بين جرائم أخرى، لكن الحزب قال إنه سينظم المزيد من المظاهرات في الأيام المقبلة.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ووزارة الخارجية الأميركية كلهم الرد العنيف للحكومة الغامبية على الاحتجاجات السلمية، وطالبت وزارة الخارجية الأميركية الحكومة الغامبية بممارسة ضبط النفس والهدوء. ولكن، إذا مضى الحزب الديمقراطي الموحد قدماً بخططه لتنظيم المزيد من الاحتجاجات، فستكون هناك خطورة في أن ترد حكومة جامع القلقة بمزيد من القوة المميتة. وفي الحقيقة، هدد الرئيس أصلاً بأن "المحتجين لن ينجوا" وأنحى باللائمة على البلدان الغربية، متهماً إياها بالتحريض على إثارة القلاقل.
ولذلك، يجب على الولايات المتحدة التحرك إلى ما هو أبعد من الخطاب السياسي ومعاقبة نظام جامع على سجله الواضح من الانتهاكات. ويجب عليها فرض قيود السفر على الأشخاص المتورطين في الإساءة لحقوق الإنسان، وتجميد أصول جامع وأفراد عائلته وأعضاء دائرته الداخلية في الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن عزبة مسكن جامع المترف في بوتوماك بولاية ميريلاند، والذي تبلغ قيمته نحو 3.5 مليون دولار، ستكون مكاناً جيداً للاستهلال به.
يعود جزء من السبب في توتر حكومة جامع إلى أنها كانت قد أحبطت محاولة انقلاب قبل عامين. وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام 2014، شنت مجموعة غير متوقعة من أفراد الشتات -بمن فيهم اثنان من المتقاعدين من الجيش الأميركي ورجل أعمال من مينيسوتا- هجوماً على القصر الرئاسي بينما كان جامع خارج البلاد. لكن الانقلاب فشل، ورد النظام بغضب وحكم على ثمانية من المخططين المزعومين للانقلاب بالإعدام، وسجن بشكل عشوائي عشرات الغامبيين الذين شك بأنهم مرتبطون بالانقلابيين، بعضهم بعمر 84 عاماً وبعضهم لا تتعدى أعمارهم 14 عاماً.
واستدعت الحملة توبيخات قاسية من ناشطي حقوق الإنسان، لكنه تكشف لاحقاً أن الولايات المتحدة ربما كانت قد أبلغت الحكومة الغامبية سراً بأن ثمة انقلاباً كان قيد الإعداد والتنفيذ. ووفق صحيفة "الواشنطن بوست"، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي "(أف. بي. آي) يرصد بعض اتصالات المخططين المتآمرين، وتولت وزارة الخارجية الأميركية إبلاغ دولة غرب أفريقية أخرى بأن أحدهم قد غادر الولايات المتحدة، بهدف التعرض له واحتجازه. وعلى الرغم من سجل جامع البشع في حقوق الإنسان، امتنعت الحكومة الأميركية بشكل عام عن التحدث ضده طوال السنوات. (تجدر الإشارة إلى أن القائد الغامبي استقبل في البيت الأبيض في آب (أغسطس) من العام 2014 عندما حضر أول قمة تعقد للقادة الأميركيين والأفارقة).
لكن وجهت الإدانات على جامع في الحقيقة بعد أشهر من محاولة الانقلاب ضده، عندما وقع قانوناً قاسياً ضد المثليين كجزء من إعادة هيكلة قانون العقوبات في البلد. وقد رد الاتحاد الأوروبي عبر تعليق مساعدات بقيمة 186 مليون دولار، بينما جعلت الولايات المتحدة غامبيا غير مؤهلة لقانون النمو الإفريقي والفرصة، برنامج التفضيل التجاري الذي ينص على معاملة الإفاء من الضريبة للواردات الأميركية من دول شبه الصحراء الأفريقية، وهو ما جعل غامبيا -بعد سوازيلاند وجنوب السودان- تفقد الأهلية بسبب سجلها المخيب في حقوق الإنسان.
جعلت العزلة الدولية الرئيس جامع أكثر ضعفاً في الوطن. فقبل احتجاجات أواسط نيسان (أبريل)، كانت المعارضة السياسية المتشظية في غامبيا قد شرعت في لم تشكيل جبهة موحدة، جامعة صناع قرار من الصفوة من مختلف الأحزاب لوضع أجندة مشتركة: تحديداً الإطاحة بجامع في الانتخابات الرئاسية في كانون الأول (ديسمبر).
ولكن، وحتى لو عملت المعارضة معاً، فإنها ستكون بصدد خوض معركة قاسية ضد ماكينة جامع السياسية غير الرحيمة. وكان ترهيب الحكومة للمعارضة خلال انتخابات العام 2011 فاضحاً لدرجة أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا رفضت إرسال مراقبين -في إجراء غير مسبوق لتلك الكتلة الإقليمية. وهو ما يفسر السبب في في أن على المانحين الدوليين، والولايات المتحدة بشكل خاص، أن يستثمروا في الحركة الموحدة المؤيدة للديمقراطية، وإعطاء إشارة لجامع بأنه لن يتم التسامح مع جرائم حكومته الوحشية والمتواصلة بعد الآن.
The worst dictatorship you’ve never heard of
Gambia’s President Yahya Jammeh, in a 2013 photo, will probably cruise to a fifth five-year term in elections scheduled for December —unless the unprecedented wave of protests that began last week boil over into a full-fledged popular revolt.
By Jeffrey Smith
Foreign Policy
International donors must step up pressure on eccentric Gambian president Yahya Jammeh
Since taking power in a bloodless coup in 1994, Yahya Jammeh has presided over the worst dictatorship you’ve never heard of.
The eccentric Gambian president, who performs ritual exorcisms and claims to heal everything from AIDS to infertility with herbal remedies, rules his tiny West African nation through a mix of superstition and fear. State-sanctioned torture, enforced disappearances, and arbitrary executions — these are just a few of the favoured tactics employed by his notorious security and intelligence services.
Elsewhere in Africa, rights advocates have increasingly lamented a plague of “third-termism” as more and more leaders move to scrap constitutional limits in order to remain in power. But in Gambia, Jammeh will probably cruise to a fifth five-year term in elections scheduled for December. That is, of course, unless the unprecedented wave of protests that began last week boil over into a full-fledged popular revolt.
Tensions have been slowly building in Gambia for years, not least because of the repressive security environment, widespread corruption, chronic food shortages, and terribly mismanaged economy. (Gambia ranks dead last in West Africa in terms of GDP per capita, the only country to experience a decline since 1994.) But Jammeh has mostly succeeded in keeping discontent in check, in part because of Gambia’s Indemnity Law — signed by the president in 2001 — occasioned by an incident the previous year in which security forces opened fire on a group of student protesters. In total, 14 people were murdered in broad daylight. The new law gave the president sweeping powers to prevent security forces from being prosecuted for quelling “unlawful assembly.”
On April 14, however, long-simmering frustrations inevitably boiled over. Scores of Gambians bravely took to the streets that day to demand electoral reforms before the December elections. Unsurprisingly, Jammeh’s riot police cut the demonstration short, roughing up protesters and firing tear gas to disperse the crowds that had gathered in a seaside suburb of the capital, Banjul.
The regime’s initial response to the protests was actually quite subdued when compared with similar events in Gambia’s past. But citizens mobilized again two days later, on April 16, staging the largest and most sustained act of public defiance against Jammeh since he seized power more than two decades ago.
This time, the agitated police responded more forcefully, spraying demonstrators with live ammunition and assaulting people in the streets. In total, 55 people were reportedly arrested; many of them were brutalized in detention.
Most shockingly, Solo Sandeng, the leader of the youth wing of Gambia’s main opposition movement, the United Democratic Party (UDP), was allegedly tortured to death while in state custody. After news of Sandeng’s death broke, the UDP once again rallied, marching peacefully through the capital to demand answers. And once again, riot police rushed to the scene, arresting Ousainou Darboe, secretary-general of the UDP, and other senior members of the party.
According to a UDP press release issued on the evening of April 16, over two dozen party members were reportedly detained and three people were killed, including Sandeng. Many of them have been charged with “unlawful assembly,” among other crimes, but the party has said it will organize more demonstrations.
UN Secretary-General Ban Ki-moon, the African Union, and the US State Department all condemned the Gambian government’s severe response to the peaceful protests, the latter urging the government to exercise “restraint” and “calm.” But if the UDP goes ahead with its plan for more protests, there is a risk that Jammeh’s paranoid government will respond with additional deadly force. In fact, the president has already threatened that “protesters will not be spared” and blamed Western countries for instigating the unrest.
Washington’s involvement
It is for this reason that the US should move beyond rhetoric and sanction Jammeh’s regime for its clear record of abuse. It should impose travel restrictions on individuals implicated in grave human rights abuses and freeze the US assets of Jammeh, his immediate family, and members of his inner circle. Jammeh’s lavish US$3.5 million mansion in Potomac, Maryland would certainly be a good place to start.
Part of the reason Jammeh’s government is so jittery is that it weathered a coup attempt less than two years ago. In December 2014, an unlikely band of diaspora members - including two US Army veterans and a Minnesota businessman — staged an assault on the presidential palace while Jammeh was abroad. The putsch failed and the regime responded with fury, sentencing eight alleged coup plotters to death and indiscriminately jailing Gambians suspected of being associated with them, some as old as 84 and as young as 14.
The crackdown drew harsh rebukes from rights activists, but it was later revealed that the US may have indirectly tipped off the Gambian government that a coup was in the works. According to The Washington Post, the FBI had been monitoring some of the plotters’ communications, and the State Department later informed another West African nation that one of them had left the US in the hopes it would intercept him. Despite Jammeh’s egregious rights record, the US government has largely refrained from speaking out against him over the years. (The Gambian leader was welcomed to the White House as recently as August 2014, when he attended the first-ever US-Africa Leaders Summit.)
But in truth, the tide had begun to turn against Jammeh months before the attempted coup, when he signed a harsh anti-gay law as part of an overhaul of the country’s penal code. The European Union responded by suspending US$186 million in aid while the US made Gambia ineligible for the African Growth and Opportunity Act, a trade preference scheme that provides duty-free treatment to US imports from sub-Saharan Africa, making it the only nation besides Swaziland and South Sudan to lose eligibility because of its dismal human rights record.
International isolation has made Jammeh only more vulnerable at home. Before last week’s protests, Gambia’s notoriously fractious political opposition had begun to piece together a unified front, with top decision makers from different political parties putting forward a common agenda: namely, unseating Jammeh at the polls in December.
But even if the opposition works together, it will be fighting an uphill battle against Jammeh’s ruthless political machine. So blatant was the government’s intimidation of the opposition during the last election in 2011 that the Economic Community of West African States refused to send observers — an unprecedented move for the regional bloc. That is why it’s crucial that international donors, namely the US, both invest in Gambia’s newly unified pro-democracy movement and signal to Jammeh that his government’s brutal and ongoing crimes will no longer be tolerated.