باحث ومؤرخ إسرائيلي يكشف كيف باشرت قيادة الحركة الصهيونية في سرقة أراضي النقب عام 1948
وديع عواودة
الناصرة – «القدس العربي» : يؤكد باحث إسرائيلي أن إسرائيل شرعت في سرقة أراضي البدو في النقب غداة نكبة 48 التي تتزامن ذكراها مع ما يطلق عليه الإسرائيليون «يوم الاستقلال» الذي يصادف اليوم الخميس. ويوضح المؤرخ المحاضر في جامعة تل أبيب د. غادي الغازي أن سرقة أراضي النقب تمت بالأساس بين الأعوام 1948 إلى 1954. ورسميا سرقت إسرائيل أراضي الفلسطينيين بواسطة قانونين مركزيين: قانون «أملاك الغائبين» لعام 1950الذي استولى على أراضي اللاجئين، وقانون استملاك الأراضي لعام 1953، الذي سمح بمصادرة غالبية الأراضي لمن نجحوا بالبقاء في البلاد.
بيد أن عمليات السلب هذه لم تستكمل لأن أهالي النقب العرب صمموا على التمسك بالقليل الذي تبقى من أراضيهم، وكانوا على استعداد لمكابدة معاناة مستمرة في قرى غير معترف بها لقاء الحفاظ على أراضيهم. وفي حين يعيش هؤلاء بظل هدم البيوت اليومي، في ضائقة مستمرة، فجل ما تحاول إسرائيل القيام به في السنوات الأخيرة هو محاولة استكمال ما شرعت به في 1948. ويستذكر الغازي أنه في العقد الأول قبل النكبة ركز السماسرة الصهاينة على محاولة شراء الأراضي من البدو- ولم يكونوا ليقوموا بذلك لو أنهم لم يعترفوا بحقوق ملكيتهم. ويضيف «مع بداية 1948، استمروا بالاعتراف بملكية البدو، ليس من منطلق طيبة قلب ولا من منطلق مساواة- بل لأنهم لم يستوعبوا، في حينه، بأنه بالإمكان حقاُ تجاهل حقوق الملكية وسرقة الأراضي بالقوة».
ويشير إلى أن ديفيد بن غوريون أطلع مدير قسم الأراضي في «الكيرن كييمت « (الصندوق القومي اليهودي) آنذاك، يوسف فايتس على خطته للاستيلاء على أراض في النقب بموجبها يقوم الجيش الإسرائيلي باحتلالها ومن ثم يبيعها لـ « كيرن كييمت « بسعر 25 ليرة للدونم. هكذا سيكون لديه مصدر لصناعة الملايين. ويرد فايتس على بن غوريون ضاحكاً»: نحن لا نعيش في القرون الوسطى، والجيش ليس بسارق أراض. بعد انتهاء الحرب سيعود البدو إلى مكانهم إن خرجوا أصلاً- وسيحصلون على أراضيهم. لم يخطر في بال فايتس بأن تهجير/هروب الناس من بيوتها بوقت الحرب سيتحول إلى حالة دائمة من اللجوء. بعد سنوات من شراء الأراضي باسم « الكيرن كييمت « لم يخطر لرؤسائه أن بن غوريون يفكر ببضع خطوات إلى الأمام ويرى إمكانية للسيطرة على الأراضي دون حاجة للشراء والبيعط. في نهاية الحديث يذكر فايتس بن غوريون بأن الأرض الطيبة في النقب هي ملكية البدو، وستكون هناك حتماً حاجة للدفع مقابلها.
ويقول الغازي إن فايتس صدق فيما قال حول ملكية البدو ولكنه أخطأ عندما أعتقد بأنه «ستكون هناك حاجة بعد اليوم للدفع مقابل شراء الأراضي».
وفي مذكراته يقول بن غوريون: لن نشتري الأرض في النقب. سوف نحتلها. لا ننسى بأننا في حرب، وكل البدو الذين سيحاربوننا لن يعودوا، أما هؤلاء الذين سيبقون هنا فسنعطيهم أراضي للتطوير وليس أموالا».
سلب ونهب
ويوضح أن بن غوريون رأى في بصيرته لاجئين لن يعودوا، بينما تنتقل أراضيهم لأيدي الدولة. ويتابع «فايتس لا يصدق ما يسمعه فيقول لبن غوريون: باعتقادي أنت على خطأ. أنت، كرئيس الدولة العبرية، لا يمكنك أن تسلب أرض البدو. «فايتس اخطأ مرة أخرى . إذ سيتم بعد ذلك إيجاد المعادلة: الدولة ستقوم حقاً بالسرقة، لتبيع الأراضي التي سرقتها للكيرن كييمت» في إطار ما سمي بـ « صفقة المليون « ولتدعي بأن أراضي اللاجئين ليست بين يديها. «وينوه الغازي أن فايتس لم يقل ذلك من منطلق المدافع عن حقوق الفلسطينيين، لافتا إلى أنه هو الذي أيد بشكل منهجي خطط الترانسفير حتى أنه شجعها خلال حرب 1948 بنفسه- فأقنع الآخرين بتخطي معارضتهم واستعمل «الكيرن كييمت» كجسم مستقل يحث على هدم القرى دون عودة أهاليها.»
ويشير إلى أن فايتس قال لبن غوريون إنه لا يستطيع سرقة أراضي البدو لأنه كان معتاداً على المرحلة السابقة للاستعمار الصهيوني- مرحلة لم يتفوق فيها الإسرائيليون سياسياً بعد على الشعب الأصلي، ولهذا فقد تمت عملية السلب والاستيطان خلالها بواسطة شراء الأراضي. فايتس لم يتصور، حتى تلك اللحظة، بأنه كان بالإمكان سرقة الأراضي بوسائل سياسية.
بن غوريون، في المقابل، الذي وقفت الدولة، على جيشها وقوتها، بمركز رؤيته، استطاع بالطبع تصور وضع يقوم به كرئيس الدولة العبرية بسرقة أراضي البدو. ويشير بن غوريون إلى ذلك رمزا في خطاب علني قال فيه: «في عملية الاستيطان في النقب علينا أن ننسى الكثير من الأمور القديمة وأن نتعلم أشياء جديدة. لن نوطن النقب بطرق متشددة مع أن المؤسسات الصهيونية غير قادرة حتى الآن على التفكير بمصطلحات المرحلة الجديدة في «الكيرن كييمت». وأَضاف أنهم ما زالوا معتادين على التسجيل في الطابو «ولا يؤمنون بطرق الشراء الجديدة».
تهجير بالقذائف
ويقول غادي الغازي إن عام 48 شهد إخلاء قرى ومدن ومضاعفة إعداد اللاجئين الفلسطينيين. ويضيف «فايتس- مثله مثل قادة صهاينة آخرين لم يصدق ما كانت تراه عيناه. بعد شهرين من المحادثات أعلاه كتب لزوجته: كم تحسن مزاجنا: جيشنا يذهب ويحتل قرى عربية، وسكانها يخافون ويلوذون بالفرار» . يكفي أن يلقوا فوق رؤوسهم بضع قذائف حتى يفروا خوفاً على حياتهم. قرى كاملة أصبحت فارغة وإذا ما استمرينا هكذا- وبالطبع سنستمر مع ازدياد قوتنا (العسكرية) المجهزة – فستخلو عشرات القرى من سكانها.»
وعن تكريس واقع اللجوء وسلب الأرض يشير الغازي إلى أن الصهيونية شرعت بعد الترحيل بتحويل الفرار/ التهجير المؤقت لسلب دائم. ويضيف «إجابة فايتس كانت بسيطة وقاطعة: منع اللاجئين من العودة، والقيام بكل ما يمكن لإخلاء غيرهم- وتوطين أراضيهم على الفور».
لجنة ترانسفير
في نيسان/ إبريل 1948، أي حوالى شهرين بعد محادثاته المذكورة مع بن غوريون، بدأ فايتس باستيعاب الوضع الجديد. خلال حديثه مع أصدقاء مختلفين في القيادة الصهيونية بدأ يطرح مسألة إخلاء العرب، حتى قامت «لجنة الترانسفر» من أجل تحويل هروب العرب إلى أمر واقع».
في المقابل، يقوم فايتس باستخدام «الكيرن كييمت» نفسها لطرد من بقوا، ومن ثم يرسل الجرافات لهدم القرى المهجورة. في مايو/ أيار 1948، أصبحت المسألة التي يناقشها فايتس مع بن غوريون هي ما العمل بالأراضي الفلسطينية.
في مثل هذه المحادثات الداخلية، التي لا تسجل بالبروتوكولات كما جرت العادة، يتحدث الاثنان بصراحة دون أي محاولة لتجميل الأمور. بن غوريون يفكر مع فايتس بصوت عالي، يبحث عن المعادلة فيتساءل: هل نسرق الأرض؟ الجواب يكمن في السؤال. على ما يبدو فقد نسي بن غوريون يضيف فايتس: ماذا قال قبل فترة، بأنه سيحتل الأرض بالحرب . «سيتم بعد ذلك إيجاد المعادلة: الدولة ستقوم بالسرقة حقاً، لتبيع الأراضي التي سرقتها «للكيرن كييمت» في إطار ما سمي «صفقة المليون»، الأولى والثانية، ولتدعي بأن أراضي اللاجئين ليست بين يديها. نأسف- قمنا ببيع الأراضي «للكيرن كييمت».
ويستذكر الغازي أنه في أيار 1948»يفهم يوسف فايتس بأن الوضع تغير من أساسه في النقب الذي احتل في عملية «موآب» في ظل تقسيم الوظائف الجديد: الدولة تسرق الأرض من العرب وتمنع عودتهم بعد ترحيلهم بينما الكيرن كييمت وبقية مؤسسات الاستيطان تعنى بالتوطين. ويؤكد الغازي الناشط جدا من أجل حقوق البدو في النقب اليوم (200 ألف فلسطيني) أن إسرائيل ما زالت تقوم بذلك في أيامنا هذه.