أوساط سياسية في تل أبيب: تصريحات السيسي ظاهرها فلسطيني وجوهرها إسرائيلي
وديع عواودة
الناصرة ـ «القدس العربي»: تساءلت أوساط سياسية وإعلامية واسعة في إسرائيل عن الدافع الحقيقي لدعوات الرئيس المصري
عبد الفتاح السيسي لتسوية القضية الفلسطينية.
وترجح هذه الأصوات أنها جاءت بالتنسيق السري مع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لتيسير عملية ضم «المعسكر الصهيوني» للائتلاف الحاكم التي تصطدم حتى الآن بمعارضة داخلية واسعة.
ويأتي هذا في سياق علاقة تعاون سرية وعلنية بين
السيسي وإسرائيل التي يرى فيها حليفا في ظل تحديات داخلية كثيرة في سيناء وخارجها تهدد حكمه. وربما تفسر هذه الترجيحات إسراع نتنياهو وهرتسوغ، لإصدار بيانين متزامنين رحبا فيهما بدعوة
السيسي لاستئناف العملية السلمية.
ونفى المقربون من هرتسوغ ونتنياهو أن يكون الرئيس المصري قد نسق خطابه معهما، او أنهما كانا يعرفان عنه مسبقا. وذكرت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، أن نتنياهو وهرتسوغ يعتزمان زيارة مصر ولقاء
السيسي من أجل تحريك عملية سياسية. وكان رئيس رئيس «المعسكر الصهيوني»، قد قال في مطلع الاسبوع إن انضمام حزبه إلى الائتلاف من شأنه دفع خطوة سياسية اقليمية نادرة، لكنه لم يدخل في التفاصيل. وخلال لقاء عقد في تل ابيب مع عشرات نشطاء معسكر رابين في حزب العمل، قال إنه يشخص فرصة إقليمية سياسية نادرة قد تمر ولا تتكرر، وإنه يقول ذلك عن سابق معرفة.
وتأتي الشكوك حول الدوافع الحقيقية خلف تصريحات
السيسي هل هي خدمة لنتنياهو أم للقضية الفلسطينية على خلفية التعاون الوثيق وغير المسبوق بينه وبين إسرائيل ورئيس حكومتها.
وتجلى ذلك بوضوح خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة صيف 2014، و تندر بعض المعلقين السياسيين الإسرائيليين أمثال رفيف دروكر في القناة العاشرة، بالقول إن رئيس مصر
عبد الفتاح السيسي بموقفه من الحرب قد انضم على ما يبدو لحزب «البيت اليهودي» اليميني العنصري المتطرف بقيادة نفتالي بنيت.
وكان نتنياهو يتمنى أن يبدي رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين موقفا مماثلا لموقف رئيس مصر بأن يدعو لحكومة وحدة وطنية. لكن الرئيس حتى الآن يرفض طلبات من مقربي نتنياهو وهرتسوغ بالدعوة لحكومة وحدة لأنه يدرك الحقيقة أن الحديث يدور عن توليفة مصالح لا تمهيدا لخوض تجربة حقيقية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين. ويدرك ريفلين جيدا هو الآخر حقيقة مواقف نتنياهو وزمرته ووعوده الفارغة ورفضه تغيير سياسات حكومته. ويكفي أن نتنياهو يرفض تعديل مبادئ حكومته والالتزام بتمرير قرار في حكومته يؤيد تسوية الدولتين وبتجميد الاستيطان.
بين هذا وذاك فالمؤكد أن رئيس «المعسكر الصهيوني» سيوظف تصريحات
السيسي ورقة التوت ليغطي بها فضيحته كما يتهمه زملاؤه في حزبه. هرتسوغ الذي لم يطرح بديلا سياسيا لحكم الليكود بل سبق وقال في الشهر الماضي إن تسوية الصراع مع الفلسطينيين غير ممكنة، سيلوح بالتأكيد بتصريحات
السيسي كمبرر للهثه وراء التشريفات والتعيينات، في مؤتمر حزبه الذي سيلتئم الأحد القادم لاتخاذ قرار نهائي بشأن الانضمام للحكومة اليمينية. هرتسوغ الذي يزحف على بطنه للانضمام لحكومة نتنياهو اليمينية طمعا بمقعد وزاري وثير وبإنقاذ حياته السياسية في ظل انحطاط شعبيته وفق استطلاعات رأي كثيرة يواجه معارضة أغلبية الإسرائيليين وفقا لاستطلاعي رأي للقناتوت العاشرة والثانية ومعارضة واسعة داخل حزبه.
ويوضح مسؤولون في «المعسكر الصهيوني» أن هرتسوغ ينتظر المصادقة على الاتفاق في مؤتمر الحزب على أمل أن يساعده ذلك في إنزال بعض النواب المعارضين عن الشجرة. حتى الآن يعارض أحد عشر نائبا من نواب المعسكر الصهيوني (24 نائبا)الانضمام لهرتسوغ في الحكومة. وبحسب تسريبات هناك اجواء فوضى تعم «المعسكر الصهيوني». ويتحدث مسؤولون كبار فيه علانية عن الانقسام الذي لا مفر منه داخل الحزب إذا قرر هرتسوغ الانضمام إلى الحكومة.
واشار النائب ميكي روزنطال، أمس، لخطر حقيقي في حدوث انقسام داخل الحزب تحت قيادة هرتسوغ الذي يتجه نحو تشييعه لمثواه الأخير متهما إياه بخيانة الناخبين.
وهذا ما تدركه زميلته ومنافسته على القيادة داخل «المعسكر الصهيوني» شيلي يحيموفيتش ولذا كررت أمس، الهجوم على هرتسوغ.
وكتبت على صفحتها في الفيسبوك «يكفي مؤامرات، يكفي خيانة لثقة الناخبين، يكفي زحفا مخجلا للحكومة.لم يطرح أمام هرتسوغ اقتراح بتشكيل حكومة وحدة بل يلقي بعظمة للمعسكر الصهيوني.
والأهم اعترافها علانية بأن «الاقتراح» بضم حزبها هو ورقة توت، وتخليل الدنس، ومقاولة لتبييض الغسيل للحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. ويبدو أن القرار قد اتخذ رغم المعارضة الداخلية ولم يعد بوسع هرتسوغ التراجع بعد كشف أوراقه واعترافه ضمنيا بأنه غير مؤهل لطرح بديل سياسي لحكومة اليمين وأنه كما قيل عنه لا يقدر أن يكون أكثر من وزير.
وهرتسوغ ليس أول قائد في «المعسكر الصهيوني» يتذيل حكومة اليمين منذ سقوط «العمل» مؤسس الدولة عام 1977 وصعود اليمين لسدة الحكم حتى اليوم. سبق وتذيل رؤساء «العمل» إيهود باراك وشمعون بيريز وغيرهما حكومات اليمين التي استغلتهم كورقة توت لإخفاء مواقفها المتطرفة وإمعانها بالاحتلال والاستيطان بل غسالة لغسل قاذوراتها ومحاولة تبييض وجهها أمام العالم. وهذا ما يؤكده زهير بهلول عضو الكنيست العربي عن «المعسكر الصهيوني» بقوله ردا على سؤال «القدس العربي» إن هرتسوغ ماض في مساعيه رغم مخاطر انشطار الحزب نتيجة الخلافات.
كما يوضح أنه يعارض هذا الانضمام ويقول إنه ربما يعيد النظر بموقفه في حال رضي نتنياهو الالتزام بتغيير خطوط حكومته من أجل العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين، وتجميد الاستيطان وإزالة مشاريع قوانين عنصرية عن طاولة الكنيست. وتابع «نتنياهو عرض على هرتسوغ حقائب الخارجية والاقتصاد والاتصالات ومن جهتي لن تنطلي علي هذه الوعود».
ونفى رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» المعارض أفيغدور ليبرمان وجود مفاوضات مع نتنياهو وأكد في مؤتمر صحافي جاهزيته للانضمام لحكومة نتنياهو في حال تلقى عرضا محترما مباشرا كحقيبة الأمن والالتزام بتمرير قانون لإعدام «المخربين» الفلسطينيين.
وردا على سؤال عن تصريحات
السيسي وتوقيتها قال ليبرمان بسخرية : هذه «الصدفة الكبيرة» تدلل على المساعي الحثيثة لضم « المعسكر الصهيوني» لحكومة نتنياهو بكل ثمن.
ولا يستبعد السفير الإسرائيلي السابق شمعون شمير محاولة
السيسي مساعدة نتنياهو في توسيع حكومته كي لا يبقى أسيرا سياسيا نظرا لحكومته الضيقة. وقال شمير للإذاعة العامة أمس إن
السيسي ربما رغب باصطياد أكثر من عصفور بتصريحاته الحميمية للإسرائيليين ومنها القول للغرب إنه مستعد للعب دور مهم بالتسوية وفي الوقت نفسه رسالة للعرب مفادها أن مصر لم تهمل القضية الفلسطينية.
وفي حال انضم ليبرمان أو «المعسكر الصهيوني» للحكومة تكون هذه أول فرصة لأ يكون رئيس المعارضة في إسرائيل عربيا إذ أن الاصطفاف الجديد يعني فتح الباب أمام رئيس «المشتركة» أيمن عودة لإشغال هذا المنصب.
ويؤكد أيمن عودة لـ «القدس العربي» أن انضمام «المعسكر الصهيوني» يقدم عجل نجاة لنتنياهو مقابل فتات، منوها أن «المشتركة» هي المعارضة الحقيقية لحكومة الاحتلال والاستيطان والسياسات العنصرية. ولا يستبعد تواطؤ كتل أخرى بالمعارضة لاستبداله برئيس حزب» هناك مستقبل» يائير لبيد لرئاسة المعارضة.