صقور حكومة إسرائيل وحمائم الجيش
دانيال كورتزر*
برينستون- غالباً ما يَعتبر قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية السلام مع الفلسطينيين شرطاً ضرورياً لأمن البلاد. ومن الواضح أن مهمتهم في الحفاظ على الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة في العام 1967 أرغمت الجيش وكبار رجال الأمن على دعم التدابير السياسية التي من شأنها إنهاء الاحتلال. وعلى الرغم من ذلك، لا تظهر الحكومة أي اهتمام في السعي وراء التوصل إلى تسوية دائمة.
لأخذ هذا الانقسام بعين الاعتبار، ينبغي النظر إلى الراحل مير داغان، الذي شغل منصب لواء في قوات الدفاع الإسرائيلية، ثم مديرا للموساد، جهاز الاستخبارات الإسرائيلية. وقبل سنوات عدة، كنتُ أسهمتُ في مؤتمر في القدس بدعوة من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز آنذاك. وجلس داغان على يميني، وقد أنهى لتوه ثماني سنوات من العمل كرئيس للموساد. وإلى يساري جلس دور غولد، السفير الإسرائيلي والأكاديمي السابق.
كانت لدى الرجلين وجهات نظر مختلفة جداً حول إيجاد أفضل السبل لضمان أمن إسرائيل، ووجدت أن ذلك يستحق تلخيص حجج كل منهما.
قال غولد إن العودة إلى خطوط هدنة ما قبل العام 1967 ستترك إسرائيل من دون "حدود يمكن الدفاع عنها". وأصر على أن إسرائيل لا يمكنها التصدي لتهديدات الشرق إلا إذا حافظت على وجودها العسكري في الضفة الغربية وسيطرت على نهر الأردن -الذي يمتد على طول الحدود التي تفصل الأردن عن إسرائيل والضفة الغربية.
ورد داغان بأن دور الجيش هو حماية حدود إسرائيل، بغض النظر عن مكان تلك الحدود. في حين أن الجيش الإسرائيلي يفضل بالتأكيد العمل بالمزايا الاستراتيجية لامتلاك المزيد من الأراضي، وهو على استعداد لإنجاز مهمته تحت أي شروط تحددها الحكومة الإسرائيلية لذلك.
لكن داغان ذهب أبعد من ذلك، واصفا مبدأ "حدود يمكن الدفاع عنها" بالإشاعة الكاذبة التي تتجاهل نوايا وقدرات الطرف على الجانب الآخر من الحدود. وبالوصول إلى اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني، سوف ينخفض عبء الدفاع عن الحدود بشكل كبير، لأنه سيكون لإسرائيل شريك جاد عبر الحدود له مصلحة مشتركة في تجنب الصراع المسلح. ولعل تشكيل قوة أمنية فلسطينية يعطي مقياساً مهماً لأمن إسرائيل أيضاً.
ولموقف داغان المسالم تاريخ طويل في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. و"السلام الآن"، هي منظمة غير حكومية تمثل الإسرائيليين الذين يؤيدون الحل السياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي تأسست في العام 1978، عندما بعث 348 جنديا احتياطيا من الجيش الإسرائيلي رسالة إلى رئيس الوزراء مناحيم بيغن آنذاك لحثه على استكمال عملية السلام مع مصر.
وبالمثل، في أعقاب الانتفاضة الأولى، الثورة الفلسطينية التي استمرت من 1987 إلى 1993، واصلت المؤسسة الدفاعية جهدها من أجل السلام. وفي العام 1991 طالب إسحق رابين -قائد الأركان السابق، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع الذي اشتغل في ذلك الوقت في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، الهيئة التشريعية الإسرائيلية- طالب بجهود للتوصل إلى السلام الإقليمي الشامل. ومثل داغان، اعتبر رابين الصراع العربي-الإسرائيلي عبئاً على أمن إسرائيل، وقام كل من الضباط العسكريين العاملين والمتقاعدين منذ ذلك الحين بالقيادة والمشاركة في المفاوضات مع الفلسطينيين ومع سورية.
وفي الآونة الأخيرة، قامت العديد من شخصيات الدفاع البارزة سابقاً بدعم اتفاق تم التوصل إليه بين إيران وما يسمى مجموعة 5+1 (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا) حول البرنامج النووي الإيراني -وهو اتفاق لم توافق عليه حكومة إسرائيل وعارضته بشدة. والآن، أصبحت الفجوة بين المؤسسة الأمنية والسياسيين الذين يحكمون إسرائيل أوسع من أي وقت مضى. وقد استجاب معظم كبار مسؤولي الدفاع السابقين لحجة داغان، في حين يفكر المسؤولون الحكوميون على طريقة غولد.
برزت منظمات عديدة مناصرة للجهود من أجل السلام. وتقول جمعية السلام والأمن، والتي تضم مئات من قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي، الموساد والشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، وفرقة الشرطة الوطنية، إن مهمتها تكمن في "تعزيز التوصل إلى حل سياسي دائم للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني كعنصر أساسي لضمان الأمن الوطني والقدرة على التكيف الاجتماعي في إسرائيل".
في الفترة الأخيرة، قام قادة المنظمة غير الحكومية لأمن إسرائيل، المعززة بأكثر من 200 عضو من النخبة الأمنية في إسرائيل، بنشر مقالة بعنوان "الأمن أولاً" مع تقديم مجموعة شاملة من المقترحات لتنشيط الجهود للتبادل السلمي لأراضي الضفة الغربية عند الأردن. ويعتقد قادة أمن إسرائيل أن الإرهاب ضد إسرائيل لا يمكن أن يهزم بالوسائل العسكرية وحدها، وأن أي عملية سلام ينبغي أن تُحسن من نوعية حياة الفلسطينيين. كما شارك مسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون كبار في دراسة أجراها مركز الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي أنتجت خطة أمنية مفصلة للتوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقد ذهب بعض المسؤولين السابقين إلى أبعد من ذلك: يقول مدير الموساد السابق أفرايم هليفي أن على إسرائيل قبول "الواقع السياسي لحركة حماس" وفتح حوار مع المنظمة التي تحكم قطاع غزة. وبالمثل، في الفيلم الوثائقي "حراس البوابات" للعام 2012 قام ستة رؤساء سابقين لجهاز الأمن الشين بيت بتقييم للعقود القليلة الماضية، وإصدار دعوة للسلام مع الفلسطينيين.
من الواضح أن القيادة السياسية في إسرائيل لم تعان انتخابياً لتجاهل وجهات نظر المؤسسة العسكرية. ولم يكن هناك أي رد فعل من الجمهور عندما أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد أن تم عرض الوثائقي "حراس البوابات" بياناً يقول فيه إنه لم يشاهد هذا الفيلم الوثائقي وليس لديه نية للقيام بذلك.
بالنظر إلى احترام الجمهور الكبير لمؤسسة الدفاع الإسرائيلية، خاصة بالنسبة إلى الحكومة، فإن عدم اكتراث الناخبين يشكل لغزاً. وفي استطلاع العام 2015 الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء، أعرب 93 % من اليهود الإسرائيليين عن ثقتهم في الجيش، بالمقارنة مع 40 % فقط عبروا عن ثقتهم في الحكومة، و22 % فقط في الأحزاب السياسية الإسرائيلية.
الإجابة واضحة، فبعد الكثير من الجهود الفاشلة، لم يعد الجمهور الإسرائيلي يفكر في عملية السلام. وعلاوة على ذلك، فقد تصاعدت أعمال التحريض والعنف الصادرة عن الأراضي المحتلة. ويسمح ذلك للائتلاف الحاكم الحالي بتبرير السياسات التي تزيد من تعميق الصراع -مثل تدعيم النشاط الاستيطاني المنتشر في الضفة الغربية.
على هذه الخلفية، أظهر نتنياهو نفسه على أنه حامي إسرائيل، مستحوذاً على الاحترام الممنوح للمؤسسة الدفاعية. ويجب على أولئك الذين يطالبون باستئناف عملية السلام الآن عرض قضيتهم أمام الشعب واستعادة هذا اللقب. لكن من غير المؤكد أنهم سيتمكنون من فعل ذلك في سياق الاضطرابات الإقليمية وانعدام الأمن المحلي، على أقل تقدير.
*سفير أميركي سابق لدى إسرائيل ومصر، وأستاذ زائر لدراسات سياسة الشرق الأوسط في كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون.