أسواق الباله... عمّـــان فــي زمـــن العــولمـــــة
عمان-الدستور-خالد سامح
انه «بازار» البالة الذي يمتد كل جمعه على طول شارع طلال وسقف السيل وصولا الى رأس العين في وسط عمان والذي يشهد نشاطا متزايدا كلما اقترب موعد العيد، ذلك الفردوس الذي ينهل منه فقراء المدينة مايقيهم برد الشتاء ويكسيهم يوم عيدهم وبالنسبة للكثير من الميسورين أيضا فهو مصدر للماركات العالمية من البسة وأحذية بنسخها الاصلية لا المقلدة المطروحة في كثير من أفخر متاجر المولات. فتيان رغم نعومة أناملهم الا أن اصواتهم خشنة جافة كصوت الطاحون الحجري يصيحون دون تعب من الصباح وحتى المساء في بورصة البالة الفتوحة ..عمال وافدين يتفنون في جذب الزبائن ويصيغون عبارات ظريفة ..» بليرة ونص تعال وبص « ...» سيبك من الزبالة وتعال على الوكالة « ..أكوام من الملابس تغوص فيها ايدي الزبائن وتنثرها في كل الاتجاهات ..تلك صورا ومشاهدات رصدتها مجلة « عمّان « الثقافية ضمن سعيها لالتقاط ابرز الظواهر في المشهد العمّاني لاسيما البارزة منها في قاع المدينة الغني بكل ماهو مدهش ، فقد قامت بجولة على أسواق البالة مستطلعة أجواء وعوالم تلك البقع الشعبية المتناثرة في فضاء العاصمةالمهمش و القديم.
المصدر والبدايات
لا تاريخ محدد لبداية غزو البالة لأسواق عمان الى ان الكثير من الباعة يشيرون الى أنها بدأت بالانتشار منذ منتصف الستينيات وكان مصدرها الوحيد اوروبا الغربية الا انه ومنذ بداية التسعينيات فان المصادر تعددت لتشمل الولايات المتحدة الامريكية وكوريا الجنوبية ودول اوروبا الشرقية ويقول البائع عبد الرحمن ابو شرارة ( 62 عام ) أتاجر في البالة منذ العام 1980 وقد افتتحت معرض في منطقة سقف السيل وحاليا لي معرض آخر بمخيم المحطة « وعن البدايات يقول « أذكر ان البالة بدأت بالانتشار في عمان منذ الستينيات ولم يكن الاقبال كبير عليها لأن الناس كانت تخاف من الامراض المعدية كما أن الطبقة الفقيرة في عمان كانت محدودة وبعد ازدياد الفقر وثبوت عدم وجود اي خطر صحي من الملابس المستعملة فان الاقبال بدأ يتزايد بصورة كبيرة وصولا الى مرحلة الثمانينيات والتي شهدت فيها محلات الملابس الجديدة ركود كبير نتيجة لاقبال الناس على البالة».
كما يقول البائع سمير عمران « تستورد البالات عن طريق ميناء العقبة بحاويات كبيرة وقد كنا فيما مضى نفتحها و نقوم باعادة تصنيفها لأنها تضم ملابس وأحذية والعاب اطفال ولكن حاليا فانها تأتي مرتبة ومصنفة من دول المنشأ» وعن دول المنشأ يقول « حاليا فان معظم البالات تأتي من المانيا وايطاليا وأمريكا وتتميز البالات الامريكية باحتواءها على العاب اطفال فاخرة وهي في حالة جيدة».
تعدد الموديلات والمستويات
كما يؤكد تاجر البالة منذ بداية التسعينيات عزام ذياب النويهي أن تعدد الموديلات والخيارات هو مايجذب الزبائن للبالة ويتابع « تأتي البالات بصورة اساسية من أمريكا وهولندا وبريطانيا والمانيا وتضم احيانا آخر صرعات الموضة التي لم تصل بعد الى المولات الفخمة بالاضافة الى انها تضم البسة ذات موديلات قديمة وهذا يتبع تصنيف البالة من ( الكريما ) الى الدرجة الاولى فالثانية والثالثة ولكل صنف ودرجة سعرها».
وعن معنى ( الكريما ) ودلالاتها في السوق قال النويهي « تسمى البالات التي تضم البسة بحالة ممتازة الكريما نظرا لجودتها ولتمييزها عن باقي البضاعة المضروبةاو ذات الموديلات القديمة».
ويشير النويهي الى ان عدد الوكلاء والمستوردين في المملكة كثر كما ان معظمهم يبيع البضاعة الى المحال التجارية وصغار التجار دون فواتير وذلك تهربا من دفع الضرائب وحول اسعار البالة الواحدة ، أي ربطة الملابس او الالعاب قال النويهي « تتراوح بين الثلاثين والثلاثمائة دينار تبعا لنوعيتها ومحتوياتها وقد ارتفع سعر البالات مؤخرا بصورة كبيرة نظرا لفتح الاسواق الروسية امامها» ، وعما تضمه الشحنات من بضائع قال « تتنوع بين الالبسة الرجالية والنسائية والالبسة الداخلية للجنسين والادوات المنزلية وألعاب الاطفال « ويتابع حول العاب الاطفال « تصلنا العاب حديثة وغريبة جدا غير موجودة في افخم متاجر عمان ومعظمها يأتي من الولايات المتحدة الامريكية وبحالة ممتازة.
طقس أسبوعي
اذا كان الكثير من ابناء الطبقة البرجوازية في عمان يقضون عطلة نهاية الاسبوع في فنادق الخمسة نجوم في العقبة وشرم الشيخ وطابا ولبنان وغيرها فإن عشرات الالوف من ابناء الطبقة الكادحة يجدون في يوم الجمعة فرصة للنزول الى قاع المدينة لاسيما منطقتي سقف السيل او مايعرف شعبيا باسم ( الشارع الطلياني ) ومنطقة مجمع العبدلي القديم .. يمكن لك ان تشاهد بداية ارتال البالة المتناثرة بنزق وفوضى على الارصفة لكن لايكن ان ترصد نهايتها ...الاصوات تصدح في كل زاوية والاسعار تبدأ من الربع دينار بعض الباعة يقفون خلف بسطاتهم على كرسي ويلوحون بقطع الملابس والقطعه التي تساوي دينار اول النهار تهبط الى الربع دينار آخره وعن ذلك يقول البائع جمال حمدي : « يوم الجمعة فرصة كبيرة للبيع والسوق يتحول الى مايشبه البورصة المفتوحة في اول النهار تكون البضاعة في اعلى سعر لها وتهبط في آخره فالباعة يرغبون بالتخلص من بضاعتهم حتى ولو بربح قليل استعداد لفتح بالات اخرى للاسبوع الذي يليه» ويؤكد سمير ان بضاعة البسطات من الصنف الثاني او الثالث وهي لذلك رخيصة للغاية.