مذكرة الوفود العربية إلى المستر ايمري
وزير المستعمرات البريطانية أثناء زيارته لفلسطين (*)
1925
1 -
إن عرب فلسطين قد قدموا تقارير كثيرة وأرسلوا وفدهم إلى لندن مرتين وفي كل ما قدموه بينوا التناقض الغريب الذي يظهر في مسلك الحكومة الانجليزية في بلاده على الرغم من:
(أ)
نص عهد جامعة الأمم
(ب)
العهود المقطوعة للملك حسين
(جـ)
بعض مواد صك الانتداب
(د)
البيانات الرسمية والشبه الرسمية الصادرة من الوزارات.
2 -
ان السياسة التي تسير عليها الحكومة في فلسطين جرت البلاد إلى حالات اقتصادية صعبة لا يمكن للبلاد أن تستمرعلى تحملها ودوام الحال على هذا الشكل دون أن يجد العرب آذانا صاغية عادلة يؤدي حتما إلى سقوط البلاد في هوة أشد عمقا من الحالة الحاضرة إذ أنهم:
(أ)
يكلفون بضرائب باهظة للإنفاق على ترتيبات واسعة لا تتحملها البلاد لتنفيذ السياسية الصهيونية التي لا يمكن أن تتفق مع مصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
(ب)
قد حرموا إدارة بلادهم وتمتعهم باستقلال ذاتي على حين ليسوا أقل مستوى من سكان البلدان العربية الأخرى مثل العراق وشرق الأردن التي تتمتع بحكم ذاتي نيابي.
(جـ)
وقد حرموا حتى مما كانوا يتمتعون به من بلديات ومجالس إدارة ومجالس عمومية منتخبة، ومن إرسال أعضاء إلى البرلمان في العهد التركي.
(د)
قد فتحت أبواب بلادهم لهجرة يهودية ضخمة تحتوي على كثير من العناصر غير الصالحة لحياة البلاد وتحملها اقتصاديا واجتماعيا.
(هـ)
قد جعل للعناصر اليهودية أرجحية ظاهرة في إدارة البلاد الرئيسية وفي تيسير المصالح اليهودية القومية والاجتماعية هذا وهم أقلية ضئيلة في البلاد عددا ومصلحة.
العرب يطلبون حقهم في الحكم التشريعي:
3 -
إن العرب في فلسطين وهم يطلبون حقهم فى الحكم التشريعي لم يريدوا قط أن يغمطوا حقوق اليهود الذين يساكنونهم ولكنهم يريدون أن يتمتعوا بحقهم باعتبار أنهم أكثرية ساحقة في العدد والمصلحة وباعتبار أنهم وعدوا بوعود صريحة وباعتبار أن عهد جامعة الأمم يخولهم ذلك مع حفظ حق اليهود الوطنين في الاشتراك معهم في الإدارة والتشريع بحسب نسبتهم.
4 -
إن العرب يعتقدون أنهم لن يطمئنوا في بلادهم ويروا في الحكومة البريطانية النية الحسنة التي طالما أعلنتها بالنسبة إليهم إذا ظلت مستمرة في طرز الإدارة والسياسة التي سارت عليها في فلسطين إلى الآن على أنهم يريدون دائما أن يكونوا على وفاق تام معها في مصالحها النزيهة ويعتقدون أنه قد آن للحكومة البريطانية أن تقلع عن تجربتها العقيمة وأن تعيد نظرها بصورة جدية في هذه السياسة التي جعلت البلاد وأهلها في حالة اضطراب روحي وانحطاط اقتصادي وقلق.
مطالب الأمة:
5 -
وها نحن نقدم لها مطالب البلاد بصورة صريحة واضحة وأن تبدل علاقة الانتداب السيئة:
(أ)
تأسيس حكومة وطنية مسئولة أمام مجلس نيابي منتخب من الأهالي الفلسطينيين بحسب التمثيل النسبي.
(ب)
تسن جمعية وطنية منتخبة القانون الأساسي الذي يضمن بقاء الأماكن المقدسة بيد أهلها القديمين على أن لا يغير شيء فيها وحفظ حقوق الأجانب ومصالح الدولة المساعدة المتفقة مع مصالح البلاد وضمانة مشاركة اليهود الوطنيين بالحكم والتشريع بحسب النسبة على أن يراعي في وضعهما تحمل حالة البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضمانة التعهدات الدولية التي تحملتها الدولة المساعدة وهي التعهدات الصحيحة وحفظ الآثار وحرية الأديان ونحوها على النمط الوارد في المعاهدة المعقودة بين الحكومة الانجليزية والعراق.
* عيسى السفرى. فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، يافا، مكتبة فلسطين الجديدة 1927، ص (114 - 116).
تقرير اللجنة التنفيذية
إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم (*)
11 / 5 / 1927
من الحقائق العامة أن البلاد الواقعة تحت الانتداب هي وديعة مقدسة وضعتها عصبة الأمم في أيدى المنتدبين بمقتضى عهد عصبة الأمم لأجل مساعدة أهلها على إدارة شئون بلادهم "لبينما يتمكنوا من القيام بذلك بأنفسهم". لهذا فإن اللجنة التنفيذية ترغب في إلفات نظركم إلى ما ورد في خطاب للمستر ايمري ناظر المستعمرات في مجلس العموم بلندن في بحر هذه السنة مما يناقض هذا المبدأ الذي من أجله وجد مجلسكم الموقر. وبهذه المناسبة ترغب اللجنة التنفيذية العربية في فلسطين أن تنظر نظرة عامة إلى حالة فلسطين من وجهة علاقتها المزدوجة بانجلترا وعصبة الأمم مدة السنين التسع الماضية كي ترى ما إذا كانت الدولة المنتدبة قد طبقت بالفعل قول المستر ايمري المنوه عنه أعلاه وبذلك سلبت العرب حقوقهم السياسية المعترف بها مخالفة في ذلك نصوص عهد عصبة الأمم.
الهجرة اليهودية:
جاء في تقرير مجلسكم الموقر المصدق في مجلس عصبة الأمم سنة 1924 "أن الهجرة لم تكن دائما متناسبة مع حالة البلاد الاقتصادية" وقرر أن تتخذ الحكومة مباديء أساسية للهجرة "تكون بمقتضاها قائمة على حاجة البلاد الاقتصادية في الدرجة الأولى". وفوق ذلك فإن المادة 6 من "صك الانتداب" توجب على حكومة فلسطين. "أن تسهل الهجرة اليهودية بشرط أن لا يخل ذلك بحقوق ووضعية السكان غير اليهود. وأن تجرى الهجرة مناسبة". أما حكومة فلسطين فبرغم اكفهرار الجو الاقتصادي في البلاد فقد فتحت لليهود أبواب الهجرة وسمحت بدخول ما يقارب الخمسين ألفا منهم في السنتين اللاحقتين وهما 1925 و 1926. وأن هذه السياسة الخرقاء المنافية لما أوجبته وأوحت به لجنة الانتدابات في تقريرها المذكور أعلاه وللمادة 6 في "صك الانتداب" قد ولدت بالطبع مصائب اقتصادية اكتنفت اليهود والعرب معا.
فقد ازدادت الأزمة الاقتصادية تعقدا وبدلا من أن نرى الذهب الكثير الذي قيل بأنه سيتدفق على البلاد مع الهجرة رأينا أزمة اقتصادية لم يسبق لفلسطين أن شعرت بمثلها. وبقي ما يقرب من عشرة آلاف عامل يهودي بلا عمل يهددون الأمن العام طيلة
العام الماضي. وبالنظر لكثرة التفاليس بين تجار اليهود الناتجة عن المضاربة والمزاحمة غير المعقولة التي ولدتها سياسة الهجرة الخرفاء وقفت معاملة البنوك وتسمم الجو التجاري. وهكذا فإن الحكومة بالنظر لاقتصارها على تطبيق الوجهة اليهودية في "صك الانتداب" ولإهمالها تواصي لجنة الانتدابات الدائمة في أهم الأمور الأساسية التي ترتكز عليها القضية الفلسطينية فقد دفعت البلاد إلى الخراب الاقتصادي وحيث أن اليهود يمكنهم أن يتركوا فلسطين راجعين إلى بلادهم فلا تصيبهم مصائب هم المسئولون عنها فإن العرب المربوطين في بلادهم ولا يمكنهم مفارقتها يضطرون أن يتحملوا مصائب لم تكن لهم يد في إيجادها.
تأسيس الحكم الذاتي:
أوصت لجنة الانتدابات في جميع تقاريرها إلى الحكومة المنتدبة "أن توسع أنظمة الدوائر الاستقلالية" بمقتضى المادة 2 وأن "تشجع على توسيع الحكم الذاتي" لا بمقتضى المادة 3 في "صك الانتداب" ولكن برغم هذه التواصي فإن البلاد بالعكس هي الآن خالية من أي مؤسسة استقلالية خلاف الدوائر الدينية حتى أصبحت البلاد بعيدة عن الحكم الذاتي بعد أحط المستعمرات البريطانية. إذ يدير فخامة المندوب السامي الحكومة بمجلسه التنفيذي وجميع أعضائه بريطانيون. ويسن القوانين في مجلسه الاستشاري وعموم أعضائه من رؤساء دوائر الحكومة وكلهم بريطانيون. ولم يتمكن الأهالي إلا مؤخرا وبعد إلحاح منهم وتواصى متوالية من لجنة الانتدابات من انتخاب مجالسهم البلدية ولكن بعد أن نزع الكثير من سلطتها وبموجب قانون انتخاب لم يكن لممثلي الأهلين في وضعه يد مما زاد عداء الطوائف فالسكان الذين كانوا يتمتعون إبان الحكم التركي بمجلس بلدية ومجالس إدارية منتخبة في المقاطعات ومجالس عمومية تمثل الولايا ت بقطع النظر عن ممثليهم في البرلمان العثماني يرون هذا عوضا ضئيلا من عصبة الأمم المعروف أنهم تحت حمايتها.
ثم إنه يفهم من نظام الانتداب أن الدولة المنتدبة تسهل السبل للسكان كي يتبوءوا مناصب الحكم فيتمرنوا على إدارتها تحت اشراف الدولة المنتدبة ولكننا نرى حكومة فلسطين تجرى على خلاف ذلك فإن رؤساء الدوائر ومساعديهم وفي كثير من الحالات رؤساء الكتاب هم بريطانيون لا بل نرى أن وظائف البريطانيين تزداد في وقت تتناقض فيه وظائف السكان بحجة الاقتصاد مع أن الوظائف البريطانية المتزايدة هي التي ترهق الميزانية بثقلها وهي التي يجب الاقتصاد فيها وفوق هذا فقد سنت الحكومة قانونا جديدا لترقي مأموريها حصرت فيه الوظائف العليا بالفعل بالأجانب دون غيرهم.
وهكذا فإنا نرى الحكومة المنتدبة ذاهبة في إدارة البلاد حسب أهوائها غير مكترثة للأهلين ولأفكارهم العامة. فقد قررت القيام بمشاريع أساسية عامة كإدخال عملة فلسطينية جديدة وعقد قرض فلسطيني بدون استشارة السكان. وأخذت تبحث في المشاريع الحيوية كمشروع استخراج أملاح البحر الميت وفيها أماني فلسطين الاقتصادية وتنظر في منحه للطالبين بدون علمهم. وبالإجمال فإن الحكومة المنتدبة المدينة بوجودها للمادة 22 من عهد عصبة الأمم والمفروض عليها تطبيق المادة الثالثة من "صك الانتداب" مازالت على مدى الزمن تبتعد عنها حتى أصبحت فلسطين تسير وراء انجلترا كما تسير وراءها أحط مستعمرات أفريقيا.
اللغة:
ان المادة 22 من "صك الانتداب" تنص على أن "اللغات الانجليزية والعربية والعبرانية تكون هى اللغات الرسمية. وكل عبارة أو نقش على الطوابع والنقد والخ كتب في العربية يعاد بالعبرانية" والعكس بالعكس ورغما عن شدة هذه المادة التي توجب أن تتساوى لغة أقلية ضئيلة لا يتكلم فيها من تلك الأقلية إلا أقلية مثلها بلغة أهل البلاد الذين يتحملون من أجل ذلك نفقات باهظة فإن حكومة فلسطين قد تجاوزت هذه المادة وناقضتها بأن أخذت تكتب وتنقش على عموم ماتكتب وتنقش عليه حرفي (ا . ى) بجانب كلمة "بالاستينا" العبرية دلالة على كلمة "أرض اسرائيل" وعدا عن هذا فإن أهم أعمال الحكومة لا تكتب إلا بالانجليزية.
حتى إن التقارير العامة كتقرير ضريبة الإعشار المطلوب إلى السكان انتقاده لم يطبع إلا بالانجليزية.
لهذا فإن عرب فلسطين يرغبون في أن يعرفوا من مجلسكم الموقر كيف يمكنهم أن يستفيدوا من حماية عصبة الأمم إن كانت هي عاجزة عن حمايتهم في الأمور المتقدمة الذكر وهي المسئولة عنها لأنها من وضعها وتواصيها ومنها يطلب أمر تطبيقها في النهاية.
وان اللجنة التنفيذية ترغب أن ترفع مع هذا وبرسالة منفصلة تقريرا عن قضية برة قيسارية المعروفة، والمقدم من قبل وكيل أصحابها العرب كي يتمكن مجلسكم الموقر من أن يرى إلى أي درجة وصل مندوب الدولة المنتدبة في مغالطته عند إيراد الأمور التي يطلب أن تكون خالية من الغلط. وهي ترفعه كمثال يبين وجه الخطأ في اتباع الأصول المرعية في مجلسكم الموقر من استماع وجه واحد في أوجه القضية بسماع أحد المتداعين فقط، وفي عدم إمكانكم من زيارة فلسطين لدرس القضية في مكان وجودها.
وتفضلوا....
سكرتير اللجنة التنفيذية
جمال الحسيني
(*) الجامعة العربية - القدس - 23 / 5 / 1927 ص 2.
بيان لجنة الدفاع عن البراق الشريف (*)
إلى المؤتمر الاسلامي
المعقود في القدس سنة 1928
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فلما كان المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس هو عند المسلمين عامة من أعظم بيوت الله التي اذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
بيت الله الذي ولى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والمسلمون حينا وجوههم شطره. بيت الله الذى أسرى سبحانه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. إليه وبارك حوله. بيت الله الذي قرنه صل الله عليه وسلم بالبيت الحرام وبمسجده النبوي في شد الرحال إليه. بيت الله الذى جاءت الشريعة الإسلامية الغراء بجليل قدره وعظيم فضله، فهو بذلك أولى القبلتين وثالث المسجدين الذي كان الاسراء إليه والمعراج منه فـسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير.
لما كان ذلك وكنا نحن أهل البلاد المقدسة قد أقامنا الله حراس هذا البيت وسدنته فإننا نرى من واجبنا أن نتقدم لإخواننا المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها ببيان ما أصبح يحيق بهذا المسجد من الخطر من جراء مطامع اليهود في انتزاعه من أيدى المسلمين لا سمح الله تلك المطامع التي ظهرت جلية بما يحاولونه الان من الاعتداء عليه وتثبيت حقوق لهم فيه وحوله وبما يبذلونه من المساعي بمختلف الوسائل للتأثير على الحكومة البريطانية والحكومات الأخرى وعلى عصبة الأمم لتأييد فكرتهم وتحقيق مطامعهم والله ولي هذا البيت وحارسه وهو نعم المولى ونعم الوكيل.
جدار المسجد الأقصى الغربى:
يحيط بالمسجد الأقصى من جهاته الأربع سور الحرم الشريف وهو سور عظيم منيع عني المسلمون به وبما حوله في مختلف العصور لما له من التأثير في المحافظة على هذا المسجد المبارك فأنشئوا فوقه المدارس والزوايا وحبسوا ما حوله عن الخارج أوقافا حتى أصبح محاطا حينئذ داخلا وخارجا بألوف المتعلمين والعابدين والزائرين.
وفي الناحية من القسم الغربي من هذا السور مكان له قيمة عظمى عند المسلمين لما أنه موضع البراق الشريف نسبة إلى براق النبي صل الله عليه وسلم ليلة الإسراء. فكان له منهم عناية خاصة إذ حبسوا ما يحيط ويتصل به أوقافا على المسلمين وعلى زاوية الشيخ الإمام العالم العارف أبي مدين شعيب بن الشيخ المجاهد العالم أبي عبد الله محمد بن أبي مدين شعيب المغربي قدس الله سره. وأنشئت هنالك منازل الوقف متراصة بحيث احاط المسلمون سكانها بمكان البراق الشريف من الخارج إحاطة مؤدية إلى حراسته. وقد بلغ من تراص هذه المنازل حول هذا المكان الذي هو جدار الحرم الغربي إن جدار الحرم وبقية أبنية هذا الوقف استعمل ممرا ليسلك منه السكان المسلمون إلى منازلهم.
هذا الممر الخاص الموقوف وقفا إسلاميا لم يمانع المسلمون فيما مضى الزائرين والسائحين على اختلاف طوائفهم وأديانهم وفي جملتهم اليهود من الوقوف فيه للنظر إلى تلك الناحية التاريخية الأثرية من الخارج.
غير أن اليهود أخذوا تدريجا يقبلون هذه الزيارة العادية إلى مراسم دينية الأمر الذي انتبه إليه المسلمون في حينه وأخذوا يقفون دون أية محاولة من هؤلاء الطامعين يخرجون بها عن حدود الزيارة العادية.
مطامع اليهود ومحاولاتهم قبل الاحتلال:
يرمي اليهود منذ أمد بعيد إلى غاية رهيبة هي انتزاع المسجد الاقصى من يد المسلمين بزعم أنه "الهيكل" ولكنهم لم يكونوا يصرحون بهذا قبلا لأن البلاد المقدسة كانت في حراسة المسلمين أنفسهم وإنما كانوا يحاولون من آن لآخر اغفال ذوي الشأن والاستفادة من إباحة الوقوف خلف الجدار المذكور ليمنحوا تساهلاً أوسع.
ولكن هذه المحاولات لم تكن تجديهم نفعا رغم ما كانوا يتوسلون به من شتى الوسائل وخصوصا في عهد الحكومة العثمانية. فقد دأب زعماؤهم وكبراؤهم على التوسل إليها بمختلف الطرق وبألوان من المطالب التي قد تخفى تحتها تلك الغاية من تأسيس حق لهم في ذلك المكان الإسلامي المقدس يكون خطوة في سبيل تحقيق مطامعهم الرهيبة فكانوا يحاولون حينا أن يصحبوا معهم كراسي ومقاعد يجلسون عليها وحينا آخر يحاولون وضع موائد ومصابيح وغيرها.
غير أن ولاة الأمور حينذاك كانوا يحظرون عليهم ذلك ويقمعونه بشدة و يمنعونهم من أن يتجاوزوا الزيارة العادية بوضعها وشكلها إلى أيسر يسير كما ظهر ذلك من الوثائق ومن قرارات "مجالس إدارة اللواء" في زمن الحكومة العثمانية.
محاولات اليهود بعد الاحتلال البريطاني:
لم يكن فشل اليهود المتكرر في عهد السلطات الإسلامية ليقلع بهم عن تلك المطامع الرهيبة ولكنها خبت في نفوسهم كما تخبو النار تحت الرماد.
فما أن كان الاحتلال وما أن منحوا الوعد البريطاني بالوطن القومي اليهودي بفلسطين حتى تطاير ذلك الرماد وعادت تلك المطامع تتأجج وظهر لهيبها على ألسنة زعمائهم وغوغوائهم في جميع العالم فأخذوا يعلنون ما كتموا متخذين من الاحتلال والوعد بالوطن القومى قوة ظنوها كافية لتحملهم على الاستهانة بالرأي العام الإسلامي
غير حاسبين لتحديهم أربعمائة مليون من المسلمين فى أولى قبلتيهم وثالث مساجدهم "المسجد الأقصى المبارك" أي حساب فقد قال أحد كبار زعمائهم السر الفردموند في مقال له "إن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أضحى قريبا جدا وإنني سأكرس بقية حياتي لبناء هيكل عظيم مكان المسجد الأقصى".
وقال أحد زعمائهم أيضا - زنكويل - "وما على المسلمين إلا أن يرحلوا إلى أرض غير هذه الأرض" بل قد بلغ من غرورهم ومطامعهم أن أخذوا ينشرون ويوزعون صورا لبيت الله المقدس وقد علت أسواره الأعلام الصهيونية واستوى التاج اليهودي فوق القبة من صخرة الله المشرفة مكان الهلال.
وإننا نثبت هنا إحدى هذه الصور - التي ينشرونها بين بني قومهم ناقلين إلى العربية ما كتب عليها بالعبرانية وقد صدرت بهذه العبارة "ينتظر جميع العالم فرج ربنا لإعادة شعبه إلى جبله المقدس".
وقال أحد أقطابهم المستر بنتويش الذي يشغل بفلسطين منذ سنين حتى اليوم أكبر وظيفة فى العدلية والذي هو صاحب الكلمة العليا بل الكلمة الأخيرة في القضاء والتقنين والتشريع وهو من صميم الصهيونيين في مؤلف له مطبوع أثناء كلامه عن البراق الشريف ما نص ترجمته: "وأكبر محل ديني لاجتماع اليهود بالقدس هو "قوتل حمارابي" الحائط الغربي من الحرم أو الهيكل "إلى أن قال" وهو بحسب التقاليد جزء من هيكل سليمان وهو القسم الوحيد من الحرم والهيكل الذي يصل إليه اليهود "وإلى أن قال" وقد قال - زنكويل - حديثا: إن اليهودي عند المبكي (أى البراق الشريف) هو في نفسه أكثر إغراقا في الخيال من اليهودي السائر فى الشارع ولكن لا هذا ولا ذاك سيجدد بناء المبكى ولكن أبناء الجيل الذين سيقومون بهذا والذين يعتقدون أن العمل هو الصلاة الحقيقية ينزلون فى القدس ويسكنونها وهم ينتظرون قيام "كوروش" جديد وقيام "نحيما" جديد ليشقا الطريق في استعادة المكان المقدس الظاهر لليهودية" وقد فسر المستر بنتويش المكان المقدس بقوله: "والمكان المقدس على جبل موريا المعروف الآن بالحرم الشريف" (كذا). ووضع المستر بنتويش عند "كوروش" المارة هذه العلامة (1) ليعلق عليها في ذيل الصفحة ما يأتى:
"(1) بعد كتابة هذه السطور بعدة أشهر ظهر تصريح كوروش الحديث في هذا العصر ممثلا بوعد الحكومة البريطانية الصادر في 2 نوفمبر سنة 1917 القائل بأن الحكومة البريطانية تبذل جهودها في إعادة بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين".
فلينظر المسلمون إلى تفسير المستر بنتويش الحقوقي الكبير وعد بريطانيا بالوطن القومي لليهود وليقارنوا بين هذا التفسير وبين أشغال المستر - بنتويش - نفسه اليوم أكبر وظيفة في فلسطين من صلاحيتها سن القوانين ثم ليستعرضوا القوانين التي سنت إلى اليوم في فلسطين والتي من جملتها قانون نزع الملكية الذي جعلوه يشمل أوقاف المسلمين وليربطوا ذلك كله بطلب اليهود استملاك وقف أبى مدين الإسلامي المتصل بالبراق الشريف.
وقد ظهرت بوادر هذه الفكرة الرهيبة في أول الاحتلال إذ حمل اليهود بعض كبار موظفي الحكومة المحتلة العسكرية حينئذ على السعى في إقناع المسلمين وإغرائهم على أن يستبدل اليهود بالدراهم وقف المسلمين هذا الذي ذكرنا ملاصقته للبراق الشريف "جدار الحرم الغربي" واتصاله فيه. فثار ثائر مسلمي فلسطين لذلك ووقفوا سدا منيعا متكاتفين أمام هذه المحاولة رافضين كل الرفض أن يفرطوا بذرة من تراب مجدهم وما يحيط به من جدران وأوقاف معلنين استعدادهم لبذل نفسهم ونفيسهم في الدفاع عن جدار المسجد الأقصى وموضع البراق إزاء أي طمع.
وإن قصد اليهود من الاستيلاء على هذه الأوقاف إقامة كنيس مكانها تعلو جدار المسجد وتستند عليه وحينئذ يسهل عليهم النفاذ إلى المسجد الأقصى بوسائل مختلفة.
ولما رأى اليهود أن المسلمين لن يتساهلوا في هذا الأمر وأنهم لن يتأخروا عن الوقوف أمامهم فيه مهما كلفهم ذلك عادوا يذرون الرماد يسترون ما فضح من غايتهم كما أنهم عادوا إلى الوسائل التي كانوا يتوسلون بها قديما من العمل على إغفال المسلمين لتأسيس بعض حقوق لهم بوضع ما منعوا منه بتاتا من الأدوات في البراق الشريف.
عادوا إلى ذلك وعاد المسلمون إلى منعهم مزدادين بعد الاحتلال يقظة وحذرا وحرصا متخذين من حقهم المقدس سلاحا مشروعا للدفاع عن أماكنهم الدينية فلم يتساهلوا ولن يتساهلوا بشيء منها وهم يقفون منذ الاحتلال إزاء كل محاولة من اليهود في هذا الشأن موقفا لم يتزحزحوا عنه قيد شعرة وواصلوا الاحتجاجات على هذه المحاولات إلى السلطات المحلية وحكومة لندن وغيرهما.
الحادث الأخير:
عاجل اليهود المسلمين في أول الاحتلال بطلب استبدال الوقف المذكور كما ذكرنا. وما كادوا يفشلون حتى ظهرت لهم بارقة أمل أخرى في تحقيق غايتهم وذلك أنه بلغهم ما كان عليه المسجد الأقصى حينئذ من خطر السقوط الداهم بسبب ما أصابه من خراب. فمنوا أنفسهم بأنه لا يلبث أمام أية صدمة أو زلزال أن ينهار ويندك ويصبح أثراً بعد عين وحينئذ يسهل تحقيق أمانيهم فيه.
ولكن سرعان ما خابت آمالهم من هذه الناحية أيضا فإن المجلس الإسلامي الأعلى بفلسطين تمكن والحمد لله بفضل بذل المسلمين ومؤازرتهم الصادقة من دفع الخطر عنه وعمارته عمارة محكمة متينة مما دعا اليهود على أن يعودوا سيرتهم الأولى من أمل استبدال الوقف واستخلاص جدار المسجد الأقصى لأنفسهم بادئين بمعاودة التجارب الماضية مغتنمين الفرصة في عيد غفرانهم من هذه السنة. فحاولوا التصرف بالبراق الشريف تصرف المالك بملكه إذ ملأوه بالمقاعد والكراسي والموائد والخزائن والستائر أو المصابيح وغيرها بحيث أصبح الناظر يحسب جدار المسجد الأقصى مكان براق محمد صل الله عليه وسلم كنيسا يهوديا بحتا الأمر الذي حمل مسلمي فلسطين ومن بلغه نبأ هذا الاعتداء من مسلمي الأقطار الأخرى أن يستنكروا هذه الحالة ويخشوا عواقبها خصوصا بعد الذي ظهر واضحا من موقف اليهود أثناء طلب المسلمين من الحكومة المحلية أن توقف هؤلاء المعتدين عند حدودهم. فإنهم قاموا بمظاهرات عنيفة في فلسطين وأحدثوا ضجة شديدة في الخارج وانبعثوا يبثون الدعاية لفكرتهم لدى الحكومة البريطانية في فلسطين ولندن وغيرها. وقام زعماؤهم في فلسطين يطلبون أن تحل قضية البراق لصالحهم وطلبوا استملاكه بجميع برقياتهم وكتبت صحفهم بأن جدار المسجد لهم وأن من حقهم التصرف فيه.
رأى المسلمون هذه الحركة العنيفة فسارعوا إلى عقد عدة اجتماعات عامة في المساجد وخصوصا في المسجد الأقصى المبارك الذي تتعلق هذه القضية به للمشورة فيما يجب عمله ازاء الاعتداء الفظيع والمحاولة الرهيبة فشكلوا لجنة ممثلة لهم سموها لجنة الدفاع عن البراق الشريف وكلوا إليها أمر تنفيذ قراراتهم التي قرروها مجتمعين تحت قبة المسجد الأقصى بعد أن عاهدوا الله على الدفاع عن هذا المكان إلى النهاية. فقامت اللجنة بواجبها من مراجعة الحكومة والاحتجاج إليها وتطيير هذا النبأ المفزع إلى العالم الإسلامي صاحب المسجد الأقصى والمطالب بحراسته.
هذا وقد أخذت وفود المسلمين من جميع أنحاء فلسطين تفد إلى القدس باسم الجمعيات والهيئات والأفراد معلنة استعدادها على الدفاع مادام فيها عرق ينبض وأمطرت البلاد جميعها الحكومة الفلسطينية بالبرقيات الكثيرة طالبة منها أن تحول دون ما ينجم عن اعتداء اليهود هذا من إثارة فتنة دينية عمياء في البلاد. كما أرسلت إلى المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الدفاع البرقيات والرسائل تطلب منهما الثبات في موقفهما الحازم وتعلن بأن المسلمين جميعهم من وراء العاملين على محافظة البراق الشريف وأنهم يؤيدونهم ويؤازرونهم بأموالهم وأنفسهم وجهودهم.
وكذلك أخذت الهيئات الإسلامية في أنحاء فلسطين تقابل الحكومة محتجة بنفسها وحاملة مضابط الاحتجاج الموقع عليها من آلاف المسلمين الذين ظن اليهود أن تحديهم في مقدساتهم سهل هين.
وظل المجلس الإسلامي الأعلى حازما في موقفه نائبا نيابة حسنة عن العالم الإسلامي في الدفاع شديد التمسك بحق المسلمين فى هذا المكان المقدس الذي هو جزء من المسجد الأقصى المبارك مراقبا بكل حذر موقف اليهود في البراق يوما فيوماً عاملا كلما رأى اعتداء على إزالته. وقد قابل المندوب السامي والحكومة مرارا بنفسه وبواسطة سكرتيره وموظفيه وأرسل كتب الاحتجاجات وأبرق إلى جلالة ملك الانجليز ووزارة المستعمرات وأعلن إلى الصحف في العالم الإسلامي والغربي عن هذا الحادث وما يجره اعتداء اليهود هذا من الفتن في البلاد المقدسة.
خطة الفلسطينيين:
هذا وإن المسلمين بفلسطين الذين يعدون أنفسهم بالنيابة عن كافة المسلمين حراس المسجد الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية في بلادهم سيظلون قائمين بواجبهم بكل استبسال وحزم إزاء ما وكل إليهم حراسته وسيظهرون بأنهم كانوا ولن يزالوا جديرين بأن يقفوا في الصف الأول لا يتقهقرون خطوة واحدة في سبيل الدفاع عن أولى القبلتين وثالث المساجد مع جدرانه التي هي جزء منه وما يحيط به من الأوقاف وغير ذلك من الأماكن الإسلامية المقدسة. وهم يطلبون من إخوانهم المسلمين حيثما كانوا وملوكهم وامرائهم وعامتهم أن يشدوا أزرهم ويعاضدوهم بكل ما يستطيعون فالمسجد الأقصى لهم جميعا ومكان البراق المقدس لهم كافة فليجعلوا من قواهم قوة واحدة تحرس بيوت الله ومن أصواتهم صوتا واحدا يرن في كل فضاء ويسمع كل أذن بأن المسلمين لن يتأخروا عن الدفاع عن مساجدهم.
والله حافظ بيته وناصر جندهإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
* الجامعة العربية - القدس 10 / 11 / 1928 -
موقف المجلس الإسلامي الأعلى
بشأن حوادث البراق
القدس 1928 (*)
عطفا على جميع المخابرات التحريرية والمحادثات الشفهية التي جرت بين المجلس الإسلامي الأعلى وبين الحكومة المركزية بالقدس قديما وحديثا بشأن البراق الشريف (جدار الحرم الغربي) نلفت نظر فخامتكم إلى ما يأتى:
1 -
إن هذه الناحية من الجدار المذكور هي مكان البراق الشريف نسبة لبراق النبى محمد صل الله عليه وسلم ليلة الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وإن المسلمين، في جميع الأقطار يجلون الإسراء الذي جاء نصا في القرآن الكريم.
2 -
إن هذا الجدار هو جدار المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين الذي هو عند المسلمين عامة بمنزلة حرم مكة المشرفة وحرم المدينة المنورة.
3 -
إن كل جزء من الحرم الشريف وكل جدار يحيطه بما فيه هذا الجدار الغربي هو في عقيدة المسلمين جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك الذي أشار النبي صل الله عليه وسلم إلى فضل زيارته والصلاة فيه وشد الرحال إليه من أدنى الجهات وأقصاها.
من هذا كله يعلم أن المسجد الأقصى وكل جزء من الحرم الشريف القدسي وخصوصا هذه الناحية من الجدار الغربي التي هي مكان البراق الشريف له مكانة مقدسة عظمى عند المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها وأنهم يتعلقون بهذا المسجد المذكور في القرآن الكريم تعلقا دينيا شديدا مقرونا بالاجلال والتعظيم.
* الجامعة العربية - القدس - 8 / 10 / 1928 ص 1.
مذكرة اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني
إلى المندوب السامي بطلب الحكم النيابي لفلسطين (*)
سنة 1928
تتشرف اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني المنعقد في القدس في 20 حزيران سنة 1928 الممثل لعموم الأحزاب العمومية إسلامية ومسيحية بأن ترفع لفخامتكم قرار المؤتمر المذكور بطلب تأسيس حكومة نيابية في فلسطين مشفوعا بما يؤيد هذا الطلب وما يدفع الأمة العربية الفلسطينية بمجموعها إلى التمسك به والعمل له بكل طريقة مشروعة.
إن لفلسطين كغيرها من البلاد حقا صريحا في تقرير مصيرها أقرته جميع دول الحلفاء قبل الهدنة وبعدها واتخذه العالم بأجمعه مبدأ ساميا تسير الأمم على نوره في معاملة بعضها بعضا فيرتاح القوي للضعيف ويثق الضعيف بالقوي ويحل الوئام محل الخصام وليس قرار المؤتمر العربي الفلسطيني المذكور أعلاه إلا ظاهرة من مظاهر هذا الحق.
وان فلسطين لبلاد عربية محكمة الاتصال بجميع البلاد العربية التي قطعت لها عهودا صريحة من قبل حكومة انجلترا في أوائل الحرب العظمى فكان من أجلها أن انتظمت هذه البلاد في صفوف الحلفاء وسفكت دماء أبنائها في سبيل نيل حريتها المقدسة واستقلالها المنشود.
على أن لو اعتبرنا ما لم تقر البلاد من أن فلسطين تعتبر من الوجهة الدولية بلادا تحكم بموجب المادة 22 من عهد عصبة الأمم لوجدنا أن طلب تشكيل حكومة نيابية في فلسطين هو نفسه ما تنص عليه تلك المادة ضمنا وصراحة.
وقد صرحت انجلترا وفرنسا في دمشق ثم نشر تصريحهما بمناشير وزعت من الإدارة المحتلة عندئذ في عموم المدن والقرى من أن لسوريا وفلسطين حق التمتع بالحكم النيابي والاستقلال.
وعلى هذه الأسس نالت جميع البلاد العربية المجاورة لها حق تقرير مصيرها بنفسها والمشمولة بالعهود المقطوعة للعرب والمنصوص عنها فى المادة 22 من عهد عصبة الأمم لفلسطين والتي كانت بنفس الحالة التي كانت بها فلسطين قبل الحرب كالعراق وسوريا وشرق الأردن نالت قسطا من الحكم النيابي أو أنها ستناله قريبا ولم تبق غير فلسطين ترسف في قيود حكم استعمارى مطلق.
وفوق كل ما تقدم فإن الخبرة التي اكتسبها الفلسطينيون في تطبيق الحكم الاستعماري المطلق مدة السنوات العشر الأخيرة تدفعهم إلى أن يعلنوا عقيدتهم الراسخة من أن هذا الحكم قد أخفق اخفاقا تاما، مستدلين على ذلك بنتائجه المحزنة الظاهرة للعيان لاستمرار الأزمة المالية التي استحكمت حلقاتها منذ سنتين كما تنطق بذلك البيانات والأرقام الرسمية المنشورة في تقارير الحكومة السنوية وفي إرهاق السكان الفقراء بالضرائب الثقيلة لإعداد البلاد للهجرة الصهيونية كما صرح بذلك فى هذا الشهر المستر سايمس مندوب الحكومة البريطانية أمام لجنة الانتدابات. فكان من ذلك أن أسيء إلى أهل البلاد بتحميلهم ما لا طاقة لهم به وأسيء إلى المهاجرين باستدراجهم من بلادهم التي كانوا فيها آمنين إلى بلاد يقاسي أكثرهم اليوم فيها أشد حالات البؤس والشقاء، والظاهرة أيضا بما قذفت به الحكومة هذه البلاد من القوانين التي لا توافق طبائع أهلها وعاداتهم وشرائعهم فأوقعت البلاد في ذهول ودهشة ورجال القضاء والمحاكم في حيرة وفوضى وفي عدم الاتساق والتناسب في توزيع الميزانية العامة وعدم استقرارها على حال وفي أمور متنوعة أخرى كانت كلها نتيجة منتظرة لاستقلال رجال الحكومة بسلطتي التشريع والتنفيذ وكلهم من الغرباء الذين يجهلون حالات البلاد وطبائعها وعقلية سكانها وطبائعهم.
فاستنادا على الحقوق الطبيعية وعلى العهود المقطوعة للعرب في أمر استقلالهم وعلى عصبة الأمم وما نشر في طول البلاد وعرضها على لسان إنجلترا وحلفائها واستنادا على إخفاق الحكم الاستعماري مدة العشر سنوات الماضية قرر المؤتمر العربي الفلسطيني المنعقد في القدس في 20 حزيران 1928 مطالبة حكومة انجلترا بتأسيس حكومة نيابية في فلسطين.
وان الأمة العربية الفلسطينية بمجموعها على اختلاف طبقات أفرادها ونزعاتهم قد أقرت في مؤتمرها كل هذا الطلب وهي تعتقد أنه الحل الوحيد للمعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بها.
وإن اللجنة التنفيذية التي انتخبها المؤتمر المذكور لتمثله وتنفذ قراراته لعلى استعداد للمذاكرة مع مندوبي الحكومة فى الأسس والطرق التي تضمن للبلاد حقوقها المشروعة. وهى تأمل بما تعهده في فخامتكم من الميل إلى مناصرة العدل وتأييد حقوق الأمم أن تتوصل بمساعدتكم الثمينة إلى نيل حقوقها كاملة وبذلك تكونون قد وضعتم أسس الاصلاح والسلام في هذه البلاد المقدسة.
وتفضلوا يا صاحب الفخامة بقبول فائق الاحترام.
* الجامعة العربية - القدس - 26 / 7 / 1928 ص 2.