الكتاب الأبيض
الذي أصدره وزير المستعمرات البريطانية
"مستر تشرشل" في يونيو سنة 1922 (*)
نظر وزير المستعمرات مجددا فى الحالة السياسية الحاضرة فى فلسطين برغبة صادقة بغية الوصول إلى حل - للمسائل المعلقة التى أفسحت مجالا للغموض والقلق اللذين استحوذا على بعض طبقات من السكان. وقد وضع البيان التالي بعد استشارة المندوب السامى لفلسطين وهو يتضمن خلاصة الأجزاء المهمة من المخابرات التى دارت بين وزير المستعمرات ووفد الجمعية الإسلامية المسيحية في فلسطين الذي مضى على وجوده بعض الزمن في انكلترا وغير ذلك من الاستنتاجات الأخرى التى تم الوصول اليها مند ذلك الحين.
إن التوتر الذي ساد فلسطين من حين إلى آخر يعزى معظمه إلى مخاوف أخذت تساور بعض طبقات من السكان العرب واليهود. أما مخاوف العرب فبعضها مبني على تفاسير مبالغ فيها لمعنى التصريح الذي أعطى بالنيابة عن حكومة جلالته فى اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917 والذي يحبذ انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ذلك لأنه نشرت بيانات غير رسمية بأن الغاية المنشودة هي جعل فلسطين يهودية برمتها واستعملت عبارات قيل فيها إن فلسطين ستصبح يهودية كما أن انكلترا انكليزية. فحكومة جلالته تعتبر هذه الآمال غير قابلة للتحقيق وتعلن أنها لا ترمي إلى مثل هذه الغاية وإنها لم تفكر قط في اخضاع أو محو السكان العرب أو القضاء على لغتهم وآدابهم في فلسطين كما يتخوف الوفد العربي - وهى تلفت النظر إلى أن عبارات التصريح المنوه بها لا تشير إلى تحويل فلسطين بجملتها وجعلها وطناً قوميا لليهود بل إنما تعنى بأن وطنا كهذا يؤسس في فلسطين. ومما يلاحظ بسرور فيما يتعلق بهذا الأمر أن المؤتمر الصهيوني الذي عقد في كارلسباد في شهر آيلول سنة 1921 وهو المجلس الأعلى المسيطر على الجمعية الصهيونية اتخذ قرارا أعرب فيه رسميا عن المقاصد الصهيونية جاء فيه:
"إن الشعب اليهودي عقد النية على أن يعيش مع الشعب العربي باتحاد واحترام متبادلين وأن يسعيا معا لجعل هذا الوطن المشترك زاهراً بحيث يضمن تجديده الرقي القومي لكل من الشعبين بسلام".
وهنالك أمر آخر لابد من لفت النظر إليه وهو أن اللجنة الصهيونية فى فلسطين المعروفة الآن باللجنة التنفيذية الصهيونية لا ترغب فى أن يكون لها كما أنها لا تملك أي قسط فى إدارة البلاد العامة والمركز الخاص الذي تشغله الجمعية الصهيونية بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب لا يخولها صلاحية تولي هذه الوظيفة وإنما ينحصر
مركزها الخاص فى التدابير التي تتعلق باليهود ومساعدة البلاد في تقدمها دون أن يخولها ذلك حق الاشتراك بصورة ما في حكومتها.
وفضلا عن ذلك فإن الحكومة تفكر في جعل جنسية الأهالي في نظر القانون الجنسية الفلسطينية ولم يقصد قط أن يكون للأهالي أو لأي فئة منهم صفة قانونية أخرى.
أما فيما يتعلق بسكان فلسطين اليهود فالظاهر أن بعضهم يخشى أن تنحرف حكومة جلالته عن السياسة المدرجة في التصريح الصادر فى سنة 1917 ولذا من الضروري التأكد مرة أخرى بأن هذه المخاوف لا أساس لها وأن ذلك التصريح الذي تأيد في مؤتمر دول الحلفاء الكبرى المنعقد في سان ريمو ثم معاهدة سيفر هو غير قابل للتغيير.
وقد أعاد اليهود في الجيلين أو الثلاثة الأجيال الأخيرة إنشاء طائفة لهم في فلسطين يبلغ عددها الآن ثمانين ألفا ربعهم تقريبا مزارعون أو عملة فى الأرض ولهذه الطائفة إدارات سياسية خاصة منها مجمع منتخب لإدارة شئونها الداخلية ومجالس منتخبة في المدن وهيئة تشرف على مدارسها ورئاسة حاخامين ومجلس رباني لإدارة شئونها الدينية وتدار أعمالها أي هذه الطائفة باللغة العبرية كلغتها الوطنية ولها صحف عبرية تفي بحاجتها. وهي تتبع نمطاً تهذيبيا يميزها عن سواها وتبدي نشاطاً كبيراً في الحركة الاقتصادية. فهذه الطائفة بسكان المستعمرات والمدن وهيئاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعوائدها وطرق معيشتها الخاصة لها في الحقيقة مميزات قومية. ومتى سأل سائل ما هو معنى ترقية الوطن القومي اليهودي في فلسطين يمكن أن يجاب على ذلك بأنه لا يعنى فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالاً بل زيادة رقي الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين فى جميع أنحاء العالم حتى تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والقومية. ولكن حتى يكون للطائفة اليهودية أمل وطيد في تقدمها الحر ويفسح للشعب اليهودي مجال واف لكي يظهر فيه مقدرته كان من الضروري أن يعلم أن وجوده في فلسطين هو كحق وليس كمنه. ذلك هو السبب الذي جعل من الضروري ضمان إنشاء الوطن اليهودي ضمانا دوليا والاعتراف رسميا بأنه يستند إلى صلة تاريخية قديمة.
هذا إذن التفسير الذي تفسر به حكومة جلالته تصريح سنة 1917 ويرى وزير المستعمرات أن هذا التصريح إن فهم على هذا الوجه لا يتضمن صراحة أو ضمنا شيئاً من شأنه أن يثير مخاوف عرب فلسطين أو يسبب استياء لليهود.
ومن الضروري لأجل تطبيق هذه السياسة تمكين الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عددها بالمهاجرة. ولكن هذه المهاجرة لا يمكن أن تكون كبيرة إلى حد يزيد في أية ظروف كانت على مقدرة البلاد الاقتصادية في قبول مهاجرين جدد إذ ذاك ومن الضروري عدم صيرورة المهاجرين عالة على أهالي فلسطين عموماً وعدم حرمان أي فئة من السكان الحاليين من أشغالها. وقد جرت المهاجرة حتى الآن على هذه الشروط وبلغ عدد المهاجرين منذ الاحتلال البريطاني نحو 25 ألف مهاجر ومن الضروري أيضا ضمان عدم ادخال الأشخاص غير المرغوب فيهم سياسياً إلى فلسطين. وقد اتخذت الإدارة وستتخذ كل الاحتياطات لهذه الغاية.
وفي النية تأليف لجنة خاصة في فلسطين من أعضاء المجلس التشريعي الجديد المنتخبين من الأهالي للبحث مع الإدارة في الأمور المتعلقة بتنظيم المهاجرين فإذا وقع خلاف في الرأي بين هذه اللجنة والإدارة يرفع الأمر إلى حكومة جلالته وهي تعيره اهتماما خاصاً وفضلاً عن ذلك فلكل طائفة مذهبية أو أي قسم كبير من أهالي فلسطين توفيقا
لأحكام المادة (81) من مشروع دستور فلسطين حق استئناف أي مسألة يرى أن حكومة فلسطين لم تجر فيها على أحكام صك الانتداب إلى جمعية الأمم بواسطة المندوب السامي ووزير المستعمرات.
أما بشأن الدستور المنوي تطبيقه في فلسطين والذي نشر مشروعه فمن المرغوب فيه إيضاح بعض النقاط بشأنه. ففى الدرجة الأولى ليس الأمر كما ادعى الوفد العربي بأن حكومة جلالة الملك أعطت في أثناء الحرب تعهدا بأن ينشأ حالا حكومة وطنية مستقلة في فلسطين. إن هذا القول يستند في الغالب إلى كتاب أرسله في 24 أكتوبر سنة 1915 السير هنري مكماهون الذي كان عندئذ مندوبا ساميا في مصر إلى شريف مكة الملك حسين ملك الحجاز اليوم. وقد ادعى أن هذا الكتاب يتضمن وعداً لشريف مكة بالاعتراف باستقلال العرب ضمن البلاد التي اقترحها الشريف وتأييده. غير أن هذا الوعد أعطى معلقا على تحفظ ورد في نفس الكتاب وهذا التحفظ يستثنى في جملة ما يستثنيه من المناطق ذلك القسم من سوريا الواقع غربي ولاية الشام. وقد اعتبرت حكومة جلالته على الدوام أن هذا التحفظ يشمل ولاية بيروت وسنجق القدس المستقل وبناء عليه تكون فلسطين برمتها غربي الأردن مستثناة من تعهد السير هنرى مكماهون.
ومع ذلك ففي عزم حكومة جلالته تأسيس حكومة ذاتية واسعة النطاق في فلسطين ولكنها ترتئي بالنظر للظروف الخاصة في تلك البلاد أن يتم ذلك تدريجيا لا طفرة وقد خطت الخطوة الأولى في هذا السبيل حين تأسيس الإدارة المدنية فعينت المجلس الاستشاري الحالي وذكر المندوب السامي وقتئذ أن هذه الخطوة هي الخطوة الأولى في سبيل ترقية مؤسسات الحكم الذاتى وفي النية الآن اتخاذ خطوة ثانية بتأليف مجلس تشريعي تكون أكثرية أعضائه منتخبة على أساس انتخابي واسع.
وقد اقترح في مشروع الدستور أن يكون ثلاثة من أعضاء المجلس غير موظفين يعينهم المندوب السامي. ولكن بالنظر للاعتراضات التي وجهت إلى هذا النص المستند إلى اعتبارات قوية فإن وزير المستعمرات مستعد لأن يحذفه من الدستور.
وسيؤلف المجلس التشريعي برئاسة المندوب السامي من اثني عشر - عضوا منتخبا وعشرة أعضاء من الموظفين. وفي رأي وزير المستعمرات أن من الحكمة أن يمر وقت ما قبل توسيع الحكم الذاتي في فلسطين وقبل تخويل المجلس صلاحية المراقبة على السلطة التنفيذية وبعد بضع سنوات يعاد النظر في حالة البلاد فإذا أسفر الاختيار في سير النظم الدستورية التي يراد تأسيسها الآن عن نجاح تعطى إذ ذاك صلاحية أوفر لنواب الشعب المنتخبين.
ويود وزير المستعمرات أن يلفت النظر إلى أن الإدارة الحالية قد نقلت للمجلس الإسلامي الأعلى المنتخب من الطائفة الإسلامية في فلسطين حق الرقابة على الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية. وقد أعادت الإدارة لهذا المجلس أيضاً اختيارا منها إيرادات كبيرة لأوقاف قديمة كانت الحكومة العثمانية قد ضبطتها. ولدائرة المعارف لجنة استشارية تمثل جميع طبقات الأهالي كما أن دائرة التجارة والصناعة تستفيد من تعاون الغرف التجارية التي تأسست في المدن الكبرى. وتنوي الإدارة أيضا إشراك أمثال هذه اللجان التمثيلية مع دوائر الحكومة المختلطة بصورة أعم.
ويعتقد وزير المستعمرات أن سياسة تبنى على مثل هذه الخطط مع المحافظة على أوسع معان الحرية الدينية فى فلسطين والمحافظة التامة على حقوق الطوائف كافة فيما يتعلق بأماكنها المقدسة لا يمكن إلا أن تكون مقبولة لدى جميع طبقات السكان وأنه على هذا الأساس يمكن أن يبنى روح التعاون الذي يتوقف عليه لدرجة كبرى رقى ورخاء الأرض المقدسة فى المستقبل.
(*) من كتاب "وثائق القضية الفلسطينية" اصدار جامعة الدول العربية
خطاب وايزمان إلى تشرشل
في 18 يونية سنة 1922
ردا على الكتاب الأبيض
"بالإشارة إلى كتابكم بتاريخ الثالث من يونيو، لي الشرف أن أبلغكم أن اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية درست البيان الذي أصدرته حكومة جلالته عن سياستها في فلسطين، واتخذت القرارات التالية:
تؤكد اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية، بعد أن أخذت بعين الاعتبار البيان الصادر عن حكومة جلالته عن سياسة بريطانيا فى فلسطين، والمبلغ إليها بمذكرة وزارة المستعمرات بتاريخ الثالث من يونيو عام 1922، لحكومة جلالة الملك، بأن سياسة المنظمة الصهيونية ستسير طبقا للسياسة التي أعلنت عنها الحكومة.
وتلاحظ اللجنة الصهيونية بكثير من الرضا، أن حكومة جلالته في تحديدها لسياستها المقبلة في فلسطين، اهتبلت الفرصة من جديد لتأكيد الوعد الصادر في الثاني من نوفمبر عام 1917، وأنها قد عرضت على مسامع الرأى العام العالمي واهتمامه أن من واجب الشعب اليهودي أن يعرف أن وجوده في فلسطين أمر يمت إلى الحق لا إلى شيء آخر.
وتلاحظ اللجنة الصهيونية أيضا أن حكومة جلالته، قد اعترفت إلى جانب هذا الحق، وكشيء مكمل له، بأن من الضروري أن يتمكن اليهود من زيادة عددهم في فلسطين، عن طريق الهجرة، وهي تفهم من بيان الحكومة أن حجم هذه الهجرة سيتقرر على ضوء طاقة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب من وقت إلى آخر، وقدرتها على قبول مهاجرين جدد. وتثق اللجنة التنفيذية أنه مهما كانت الترتيبات التي ستوضع لتنظيم هذه الهجرة، فإن حكومة جلالته وإدارتها في فلسطين، ستضعان دائماً هذا المبدأ نصب أعينهما.
وكانت المنظمة الصهيونية جد راغبة دائما للسير بالتعاون الصادق مع جميع الطوائف الأخرى في فلسطين. وقد سبق لها أن أوضحت دائما، قولا وعملا، أن ليس ما هو أبعد عن أهدافها من أن تنزل الضرر مهما كان قليلا بالحقوق المدنية والدينية أو المصالح المادية للسكان من غير اليهود في البلاد. وستواصل المنظمة الصهيونية بذل كل جهد في طاقتها لتعزيز روح الثقة التي أشارت إليها حكومة جلالته، كالأساس الثابت الوحيد لازدهار فلسطين في المستقبل. وتأمل اللجنة التنفيذية في أن تؤدي السياسة التي ستعلن عنها حكومة جلالته إلى تبديد كل ما هناك من مخاوف باقية حتى الآن، وأن تسجل هذه السياسة التي سيقبل بها جميع الفرقاء المعنيين، بداية عهد جديد من التقدم السلمى".
التوقيع
حاييم وايزمن