بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين
حوله "الخطة الجديدة لتصفية
القضية الفلسطينية".
بيروت، 14 / 2 / 1967
( " فلسطين "، بيروت، شباط 1967، ص 80 ) (1)
ان الهيئة العربية العليا لفلسطين التي تعتبر القضية الفلسطينية، امانة مقدسة ما زالت تحمل اعباءها وتقوم بواجبها نحوها بكل اخلاص وتصميم، متوخية صالح الوطن والشعب وفقا لاهداف الميثاق الوطني الفلسطيني، والتي اتبعت في جميع الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية والادوار التي تعاقبت عليها، خطة مصارحة الشعب العربي الفلسطيني بالحقائق واطلاعه على الاخطار التي تهدد قضيته، ومساعي الاعداء الحثيثة لتصفيتها، والقضاء على كيان شعبها، تتقدم الان للشعب الفلسطيني والأمة العربية عامة، ببيانها التالي الذى يمليه عليها واجبها الوطني، وشعورها باعباء المسؤولية التى تضطلع بها في الظرف الخطير الحاضر:
1 - ان الاعداء الذين كانوا سبب وقوع كارثة فلسطين، من صهيونيين واستعماريين، ما زالوا منذ تحقق لهم الشطر الأول من خطتهم الغادرة عام 1948، بتشتيت شمل الشعب الفلسطيني واغتصاب الجزء الأكبر من وطنه المقدس، يوالون خطتهم الغاشمة ومساعيهم الاجرامية لتصفية قضية فلسطين تصفية نهائية بمختلف الوسائل، غير ان حيوية الشعب الفلسطيني ويقظته وتأييد المخلصين الواعين من الأمة العربية له في مقاومته الباسلة، قد احبطت كيد الاعداء ومؤامراتهم، وصانت للقضية الفلسطينية نصوع الحق ووضوحه فيها، لكن الاعداء ما ازدادوا الا غلوا وامعانا في مساعيهم، لتصفية قضيتنا الوطنية والقضاء على كيان شعبنا، مستغلين المناسبات الملائمة لتحقيق غايتهم، ولا سيما تردي الاوضاع وتفرق الشمل بين الدول العربية، والصرع الأجنبى حول مناطق النفوذ في الوطن العربي لنهب خيراته وتوطيد اقدامهم في مواقعه الجغرافية والاستراتيجية، فتسللوا بضغطهم ونفوذهم إلى صميم الصفوص العربية وبعض المسؤولين من العرب، حتى استطاعوا تجميد قضية فلسطين واجتذاب بعض ضعاف الايمان من العرب للتعاون معهم، وتسخيرهم لتنفيذ خطة تصفية القضية، واستغلالها لمصالحهم، لكن خطة الاعداء هذه منيت بالفشل مرة اخرى امام صمود الفلسطينيين في المطالبة: بحقهم.
2 - حيال هذا الفشل الذريع الذي لازم الاعداء في خطتهم، توسلوا بما لهم من سيطرة ونفوذ سياسي واقتصادي في المنطقة العربية، بخطة ماكرة جديدة هدفها تمزيق صفوف الفلسطينيين ومناهضة عناصرهم الصلبة المجربة، بشن حملة دعاية مركزة على رجال الحركة الوطنية الفلسطينية وحملة لواء الجهاد الفلسطيني، وايجاد فئة من الفلسطينيين تقبل بالتعاون مع الاعداء تحت ستار خداع من التظاهر بالاخلاص والغلو والحمية المصطنعة، التى لم تتجاوز الخطب الجوفاء.
وكان العامل الرئيسي الذي حفز الأعداء إلى هذا العمل يقينهم إن كل حد لقضية فلسطين لا يقترن باقرار اهلها وموافقتهم، لن يكون مقبولا، ويبقى مفتقرا إلى الشكل الدستوري والصفة الشرعية، باعتبار الشعب الفلسطيني هو الفريق الاصيل والأساسي في قضيته وصاحب الكلمة الأخيرة في قبول أي حل لها او رفضه.
3 - نبهت الهيئة العربية الشعب الفلسطيني والأمة العربية ودولها، إلى اضرار الخطة الجديدة التي وضعها الاعداء، وحذرت من مغبتها، وصارحت المسؤولين من العرب بابعادها ومراميها، واصرت على وجوب المبادرة بانشاء الكيان الفلسطيني، الذي ما انفكت تطالب به منذ عام 1950 عن طريق الانتخاب العام، صيانة لسلامة قضية فلسطين والحيلولة دون وقوعها في ايد ضعيفة لا تستمد سلطاتها من الشعب.
4 - على اثر انعقاد مجلس جامعة الدول العربية في دورته الأربعين، في أيلول 1963، وصدور قراراته بالأكثرية، بشأن الكيان الفلسطيني، حذرت الهيئة العربية من خطر السياسة التي اتبعت في مجلس الجامعة وعواقبها، وصارحت الشعب العربي باعتقادها الجازم بأن مؤامرة على سلامة قضية فلسطين كانت تدبر في الخفاء، هدفها تصفية هذه القضية وتزييف موافقة الفلسطينيين عليها.
كذلك وجهت الهيئة العربية الأنظار إلى بعض قرارات مؤتمرات القمة العربية، المتعلقة بالشؤون الفلسطينية، وبصورة خاصة الكيان الفلسطيني وما يسمى منظمة التحرير وحذرت من النتائج الضارة التي تترتب عليها، واعربت عن رأيها، بصراحة، بأن هناك تواطؤا لتحقيق خطة التصفية على ايدي بعض العرب والفلسطينيين.
5 - جاءت الحوادث والتطورات التي تعاقبت على مسرح القضية الفلسطينية منذ عام 1963، تقطع بسلامة وجهة نظر الهيئة العربية، وتؤكد صحة المخاوف التي نبهت اليها، وتهتك الستار عن مخططات ترسم، ومشاريع تصاغ، لتصفية هذه القضية، وتبين بكل وضوح الدور الذي سيلعبه في هذا المضمار بعض العناصر الفلسطينية المعينة تعيينا والمفروضة فرضا. لكن جهات عربية رسمية، تجاوزت عن امور كثيرة خطيرة، وتغاضت عن تحذيرات الهيئة العربية، وتأكيداتها، مدفوعة إلى ذلك بعوامل مختلفة، منها ادعاء الحرص على مظهر وحدة الصف العربي، والتمسك بما وضعته مؤتمرات القمة من مبادئ التعاون ونبذ الاحقاد، ووقف المنازعات والمهاترات، واحترام ميثاق التضامن العربي.
وتعود الهيئة العربية اليوم، وقد تفاقمت اخطار مؤامرة تصفية قضية فلسطين، والإجهاز على البقية الباقية من كيان شعبها، ورقعة ارضها، إلى مصارحة الشعب الفلسطيني خاصة، والأمة العربية عامة، بالحقائق السافرة، والوقائع الثابتة، والمحاولات الجديدة التي تبذل في هذه السبيل، وتهيب بالعرب في كل مكان، ان ينفروا خفافا وثقالا، لدرء الخطر الداهم، واحباط مخططات الاعداء والقضاء على نزوات الاتباع والعملاء، وانقاذ العالم العربي من كارثة دهماء تهدده في صميم وجوده.
ان الصهيونيين وانصارهم من ساسة الدول الأجنبية الكبرى، على اختلاف اتجاهاتها مصممون على تصفية قضية فلسطين في هذه الفترة القريبة، وقبل انعقاد الدورة القادمة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، لمواجهتها بالامر الواقع، وقبل بدء معركة انتخابات رئاسة جمهورية الولايات المتحدة الأميركية الوشيكة. ويشجع الاعداء على التفاؤل والوثوق بان في امكانهم بلوغ هدفهم، الحالة المحزنة من المنازعات والخصومات التي لا مبرر لها، والمهاترات المريرة المؤسفة التي تفتك في الامة العربية، وتمزق وحدة صفوفها، والمغامرات التي تقوم بها فئات عربية معروفة، بينها بعض عناصر مأجورة، تمهيدا لتحقيق خطة التصفية، والحروب العربية الجانبية، التي تستنزف جهود الأمة العربية وطاقاتها، وتهدر دماءها جزافا، وتحرم فلسطين وقضيتها مما تحتمه المصلحة العربية العليا من وحدة الصف والهدف، وحشد القوى العربية حول المنطقة الفلسطينية المحتلة.
فخلال انعقاد الدورة الماضية للجمعية العمومية للامم المتحدة نادى زعماء الصهيونيين وأنصارهم، بضرورة حل قضية فلسطين على اساس الامر الواقع، في حين طالب عدد من مندوبي الدول الأعضاء، بايعاز من اليهود وتوجيه من المستعمرين، بانشاء قوة طوارئ دولية تقيم على سائر خطوط الهدنة المؤقتة من فلسطين، بحجة العمل على اقرار السلام، على غرار قوة الطوارئ الدولية التي اقيمت على حدود قطاع غزة علما بأن مثل هذا الاجراء هو بمثابة التجميد
لقضية فلسطين والتمهيد لتصفيتها، وفضلا عن ذلك فان مقاومة الاعداء، وانصارهم، لمشروع وضع الممتلكات العربية في المنطقة المحتلة تحت ادارة قيم عليها من قبل الامم المتحدة واصرارهم على تكليف لجنة التوفيق بمواصلة اعمالها، ينطوي على التمهيد لخطة التصفية. كما ان ما بدأ من اصرار على المطالبة باعطاء اللاجئين حق الاختيار بين العودة والتعويض هو واد لقضية فلسطين واعتراف بالأمر الواقع.
وتستطيع الهيئة العربية ان تؤكد، اعتمادا على اوثق المعلومات، ان الاعداء ينشطون نشاطا غير عادي لتصفية القضية الفلسطينية. وتظهر هذه الحقيقة من خلال تحركات الاعداء الاخيرة، في الميادين السياسية أو العسكرية، ومن سلسلة التصريحات الرسمية التي ادلى بها مسؤولون امريكيون وصهيونيون خلال الاسابيع الأخيرة، ومن البيانات الدولية المختلفة، وتعليقات الصحف اليهودية والاستعمارية ومقالاتها، من مثل التصريحات السناتور ادوارد كنيدي اثر زيارته للمنطقة العربية، وبيانات موشيه ديان، وشمعون بيريتز وغيرهما من زعماء الصهيونية في فلسطين المحتلة، عن وجوب حل قضية فلسطين بانهاء النزاع العربي الصهيوني بكل وسيلة، ومن الاقتراح الذي قدم إلى " البرلمان اليهودي " في الشهر المنصرم بانشاء اتحاد فيدرالي بين كونفيدر إلي بين ( اسرائيل ) والاردن " والضفة الغربية "، وما نقلته الانباء مؤخرا عن مساع تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية بذلها لحل مشكلة اللاجئين على أساس سياسي وما جاء في برقية رئيس الولايات المتحدة في 2 / 2 / 1967 إلى مجلس الحاخامين التي دعا فيها إلى ايجاد حلول اساسية لانهاء التوتر في الشرق الاوسط.
ولعل في حادث العدوان الغادر على قرية السموع، وما عقبه من حوادث مؤسفة وتوقيت وقوعها فور اقتراف الصهيونيين لعدوانهم الاجرامي، دليلا واضحا على امعان الاعداء في محاولاتهم لتصفية القضية الفلسطينية.
وتؤكد الهيئة العربية ان مخططات الاعداء والعملاء تعمل جاهدة لفصل الضفة الغربية وجعلها " جمهورية " ضعيفة هزيلة، منزوعة السلاح، وتحت اشراف دولي، ريثما يحين الوقت لدمجها نهائيا في "الدولة اليهودية " المحتلة، كما تستهدف هذه المخططات تدويل القسم العربي من مدينة القدس، تمهيدا لتهويدها كلها. وقد اكدت الأنباء العالمية ان مباحثات التدويل جرت اخيرا بين الفاتيكان واحد الرسميين في احدى الدول العربية. وبذلك يتم تحقيق المؤامرة الصهيونية الاستعمارية على تصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
ومن الامور التي تقطع بوجود هذه المؤامرة وان غرضها الحقيقى هو تصفية قضية فلسطين، ما وقع من حوادث وتطورات لم يقع مثلها في حوادث عدوانية يهودية سابقة على المدن والقرى الفلسطينية وعلى الحدود العربية الاخرى رغم خطورتها وجسامة الخسائر التي نجمت عنها، من مثل العدوان على قبية، ونحالين، وجنين، وقلقيلية، والشونة، ومنطقة الخليل وغيرها، مما يثر الشبهة بوجود تخطيط سابق لاستغلال حادث العدوان على السموع لتنفيذ المخطط المرسوم.
فبعد وقوع حادث العدوان على السموع وقيام الشعب بالتظاهر مطالبا بالحماية والسلاح، اندست عناصر مشبوهة معروفة بصلاتها العريقة الوثيقة بالاستعمار، لاستغلال حماسة الشعب الوطنية وتوجيهه، نحو تنفيذ خطة مرسومة، وما حدث من تدخلات وتحريضات اجنبية، وما يروجه بعض اجهزة الدعاية من انباء مغرضة من دعوة سافرة إلى شق صفوف الأمة واثارة النزعة الإقليمية، ان هو الا مظهر خطير لهذه المؤامرة الغادرة المبيتة، ودليل واضح على وجود خطة مرسومة هدفها تحقيق برنامج الدول الاستعمارية الكبرى في تسهيل استيلاء الصهيونيين على البقية الباقية من فلسطين، وافتعال الحوادث التي تبرز هذا الاستيلاء.
وقد كانت الهيئة العربية اعلنت في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في بيروت بتاريخ 11 نيسان 1964 ان هنالك مؤامرة صهيونية استعمارية مبيتة لتصفية القضية الفلسطينية، وان بعض الجهات العربية تعهدت بحل سلمي وعقد صلح بين العرب واليهود، وان بعض العناصر الفلسطينية المستأجرة قد تم تعيينها وفرضها وتنظيمها لتنفيذ هذه المؤامرة.
ويحزننا جدا ان يكون جميع ما ارهصت به الهيئة العربية وما اصدرته في بياناتها العديدة من تحذير ونصح، لم يلق ما كان جديرا به من عناية ويقظة، وان تيارات التهريج والتدجيل والتضليل التي اشتدت خلال انعقاد مؤتمرات القمة، قد طغت على اصوات الحق والاخلاص والسداد.
وبعد فان الفلسطينيين كانوا وسيظلون من اشد المؤمنين بالوحدة العربية وهم اول من دعا اليها الشعوب العربية كما نص على ذلك اول ميثاق وطني لهم في عام 1919 في المؤتمر الفلسطيني الأول المنعقد في بيت المقدس. وقد بذلوا أقصى الجهود في سبيل الدعوة إلى هذه الوحدة والسعي الصادق في سبيلها، وقد عززوا هذه الدعوة في المؤتمر السوري الفلسطيني في دمشق عام 1920، فهم طلاب وحدة ودعاة تجميع وتأليف وليسوا دعاة تفريق وتمزيق.
وان الخطر الذي يهدد فلسطين من الصهيونية والاستعمار، لا يمكن صده الا بالتضامن الواسع النطاق في المنطقة العربية لتفادي الغائلة الصهيونية المعززة بالاستعمار الأجنبي ودفع شرها المستطير، ولذلك فان كل دعاية للانقسام، او نعرة اقليمية ولا سيما في الظرف الخطير الحاضر ليس لها مبرر، ويجب ان تلقى من الإعراض ما يبرهن على أن الشعب الفلسطيني المجاهد الذي ضرب اروع الامثال للعالم اجمع في بسالته وحسن بلائه ودفاعه عن وطنه ضد الاستعمار الصهيونية، انما هو شعب واع ويقظ وانه ليس من السهل تضليله واخذه بالمغريات وتغذيته بالاوهام التي هي ابعد ما تكون عن الحقائق الراهنة والبراهين الساطعة.
ومع حرص الهيئة العربية العليا التام على صالح القضية الفلسطينية وانشاء الكيان الفلسطيني الحقيقي القادر على التحرير ترى ان اغراء الشعب الفلسطيني باقامة حكومة فلسطينية مشوهة في الضفة الغربية مفتقرة إلى جميع مقومات الحياة والصمود في وجه الطامعين والعمل على اقامتها بوسائل الدس والافساد، واستغلال شعور الاسي والالم الكامن في نفوس الفلسطينيين بسبب عظم الكارثة التي اصابتهم في الماضي، ولا يزالون عرضة لاعقابها وذيولها، ليس الا جريمة مقنعة بقناع مهلهل من الوطنية الزائفة، بل هى جناية مستترة بستار الخلاص الذي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
كما ان عزل الضفة الغربية وانشاء حكومة ضعيفة مشوهة فيها، يؤدي بصورة تلقائية إلى المحاذير الاتية:
1 - الاعتراف رسميا ودوليا بنتائج العدوان الصهيوني الاستعماري على فلسطين وتمزيقها وانشاء "الدولة اليهودية" فيها والاستسلام للمقررات الجائرة من تقسيم وتدويل واتحاد اقتصادي مع الاحتلال الصهيوني.
2 - تعريض الضفة الغربية، وهي الجزء الأكبر من البقية الباقية من فلسطين، لاجتياح يهودي مسلح في الوقت الذي يختاره الاعداء لهذا الاجتياح، فتسقط في ايديهم غنيمة باردة دون ان يكون لها سند من دفاع عربي تعتمد عليه في دفع العدوان، وينشأ عن ذلك كارثة جديدة بضياع اقدس بقاع فلسطين واهم مواقعها العسكرية، وتشريد بقية الفلسطينيين، وضياع ممتلكاتهم واموالهم ومقدساتهم وفي طليعتها المسجد الاقصي المبارك، وسائر الاماكن المقدسة، وبخسائر فادحة في النفوس، كما وقع في قطاع غزة عام 1956 بل أشد وادهى.
3 - اذا لم يقدم اليهود لسبب من الاسباب القاهرة على اجتياحهم المسلح المرتقب للحكومة الهزيلة، فانهم سيغزونها اقتصاديا ويمارسون عليها ضغطا اقتصاديا شديدا تكون نتيجته هجرة اهلها وطردهم منها في فترة قصيرة.
4 - ان الدول الاستعمارية الكبرى، تريد ان تكون هذه الحكومة منزوعة السلاح وتابعة لاشراف دولي يكون بمثابة اشراف يهودي او تمهيدا له.
5 - ان الدعوة الاقليمية تثير الفتنة والبغضاء بين أهل الضفتين وهم شعب عربي واحد مرتبط بوشائج من الدم والقربى والجوار والمصالح الاقتصادية ووحدة المصير، وتترك ردة فعل سيئة في سكان الضفة الشرقية ينبعث منها روح الكراهية والحقد على الفلسطينيين المقيمين فيها وهم عدد ضخم ولهم فيها مصالح اقتصادية وحيوية بالغة الأهمية، وقد يؤدى ذلك إلى اكراههم على الانتقال إلى الضفة الغربية.
6 - إن اقامة حكومة شكلية هزيلة في الضفة الغربية، لا تضمن لها العيش اقتصاديا ولا عسكريا، ولا حماية حدودها والدفاع عن نفسها في وجه المطامع الصهيونية الاستعمارية. ولا يستطيع الشعب العربي الفلسطيني، في ضوء التجارب المريرة التي مر بها، ان يثق بأي وعد يعطى له بالمساعدة الاقتصادية او تعهد بالحماية العسكرية، وهو لن ينسى كيف ضاعت بلاده في ظلال عهود ووعود عربية قطعت له بالدفاع عنه وانقاذ وطنه من الغزو الصهيوني عام 1948، ولا كيف ضاعت مياهه ومصالحه في ظل عهود عربية اخرى عام 1964.
7 - أما خطة تدويل القدس، التي يسعى الخصوم إلى تنفيذها، فهي جزء لا يتجزأ من مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية وتعريض الضفة الغربية للاجتياح اليهودي.
ان تدويل القدس العربية، الذي نعتبره خطة تمهيدية لسيطرة اليهود عليها يعني وضع الأماكن المقدسة فيها تحت سيطرة الدول الأجنبية التي عملت على تقويض عروبة فلسطين وانشاء الدولة اليهودية على انقاض اهلها، ويمسح لليهود بدخول القطاع المدول والاقامة به، وهو امر يعرض مدينة القدس ومقدساتها لاخطار المطامع اليهودية المعروفة، ويدنيهم من تحقيق خطتهم الرامية إلى الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك وإعادة بناء الهيكل اليهودي على انقاضه والعياذ بالله.
فضلا عن ذلك فان تدويل القدس يؤدي بصورة تلقائية إلى حرمان الضفة الغربية كلها من موردها المالي الرئيسي المستمد من السياحة والزيارة. ففى حالة التدويل يستطيع اليهود والأجانب التحكم في منطقة القدس، والاستيلاء على جميع الأعمال السياحية، كمكاتب السفر، والفنادق، والنقل وغيرها، بفضل ما لهم من تفوق مالي واقتصادي وبمظاهرة الدول الأجنبية لهم.
هذا وتعود الهيئة العربية العليا، لهذه المناسبة، إلى توكيد المبادىء والأهداف الوطنية المقررة في الميثاق الوطني الفلسطيني الخاصة بتحرير فلسطين من الصهيونية والاستعمار، واعادتها إلى مكانها المرموق من الكيان العربي العام، وعودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه المحرر، ورفض مقررات الامم المتحدة بتقسيم فلسطين وتدويل منطقة القدس، ورفض مشاريع التعويض والتوطين، ومقاومة كل خطة ترمي إلى تصفية قضية فلسطين أو تجميدها، واقرار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصير وطنه ومستقبله بعد تحريره وهو الحق الذي اعترفت به واكدته الدول العربية نفسها.
كما تعود الهيئة العربية فتؤكد ضرورة تعزيز الدفاع العربي عن الضفة الغربية وقطاع غزة بتحصين الخطوط الامامية وتدريب القادرين على حمل السلاح وانعاش الوضع الاقتصادي وكل ما يؤدي إلى تثبيت الأقدام وتقوية العزائم للصمود في وجه العدو واعادة الوطن السليب إلى اهله.
وبعد، فهذا بيان صريح لاخواننا الفلسطينيين والعرب جميعا في هذه الظروف الدقيقة والأخطار المحدقة، نورده للتبصرة والذكرى، مكررين دعوتنا إلى التأخي والتضامن ووحدة الصف، محذرين اخواننا من الانقياد إلى دعايات التضليل والارجاف المغرضة، ومن اتباع كل ناعق، والسير وراء كل منافق.
وان الهيئة العربية اذ تسترعي انتباه الشعب العربي الكريم إلى المؤامرة المبيتة لتصفية قضية فلسطين، التي يرسم خطوطها الصهيونيون والاستعماريون فانها تهيب بهم إلى احباطها وتناشد الدول العربية المبادرة بتوحيد كلمتها وجمع شملها وتعبئة طاقاتها وحشد قواها، لمقاومة خطة التصفية، والقضاء عليها واستئناف الجهود الجدية الموحدة والمساعي المشتركة لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، والوقوف صفا متراصا في وجه عدو العرب الأساسي الذي هو الصهيونية والاستعمار.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
1 - نشرة دورية تشرف عليها " الهئية العربية العليا لفلسطين ".