“صراع الدواوين” في البحرين: أبو ظبي تدعم حمَد للإطاحة بعمِّه
عباس الزين
يعود “صراع الدواوين” في البحرين، بين الديوان الملكي وديوان رئاسة مجلس الوزراء، للظهور من جديد، بمواصلة الملك البحريني، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، محاولاته لإقصاء عمه رئيس الوزراء، خليفة بن سلمان آل خليفة، عن معظم مهامه، عبر العمل على تقليص سلطته وإفراغها من أي تأثير أو مسؤولية، بالتعاون مع مجموعة من العائلة الحاكمة مقربة من الملك، يحاول كل شخص فيها أن يأخذ دورا في الحكم. وتتداخل في هذا الصراع، عوامل داخلية قديمة تتجدد، مع تأثيرات خارجية، لا سيما الدور الإماراتي، الداعم للإطاحة برئيس الوزراء خليفة بن سلمان، الذي يشغل هذا المنصب منذ تأسيس البحرين عام 1971.
صراع تاريخي
تتبُّع مسار العلاقة بين العائلة الحاكمة في البحرين يوضح أن “صراع الدواوين” الحالي له خلفيات تاريخية بدأت تظهر في نهاية الثمانينيات، وتحديدا عام 1988 عندما بدأ أمير البحرين السابق عيسى بن سلمان، بتجهيز السلطة لنجله حمد، على حساب أخيه خليفة، فأجرى تعديلا وزاريا قضى بتعيين وزير دفاع جديد هو خليفة بن أحمد آل خليفة، بدلا من نجله، الذي لم يعد وزيرا للدفاع تحت قيادة عمه، بل قائدا لقوة الدفاع، ما جعل ميزان القوى داخل الدولة في صالح حمد، بعد أن أصبح وزير الدفاع معينا تحت قيادتين، هما رئيس الوزراء، خليفة، والقائد العام لقوة الدفاع، حمد، الذي استعد منذ ذلك الحين لتسلم السلطة، بعد ازدياد نفوذه وتقليص نفوذ عمه، وسط تدهور في صحة الأمير عيسى.
تسلّم حمد السلطة في آذار/مارس عام 1999 بعد وفاة الأمير عيسى وبقي خليفة رئيسا للوزراء، لكن ومنذ ذلك الحين يخوض حمد حرب نفوذ مع عمه من خلال تقليص صلاحياته لصالح نجله سلمان الذي استلم ولاية العهد. ففي الشهر الذي تولى فيه حمد مقاليد الحكم قام بتعيين نجله سلمان، قائدا عاما لقوة دفاع البحرين برتبة فريق أول، وهو المنصب ذاته الذي تولاه الأب، وسيطر من خلاله على مكامن النفوذ داخل الدولة على حساب عمه. لم يحصر حمد مهام سلمان بالأدوار العسكرية، بل بدأ أيضا بزجه في عالم الاقتصاد والإدارة المدنية، فتم تعيينه عام 2002 رئيسا لمجلس “التنمية الاقتصادية” ليشرف بذلك على صياغة ومراقبة استراتيجية “التنمية الاقتصادية البحرينية” من خلال الاستثمارات الأجنبية، وهذا ما أسس لصدام مع عم أبيه.
خاض بعد ذلك سلمان حربا ضد شركات حكومية بحرينية، تحت مزاعم مكافحة الفساد، في حين أن السبب الحقيقي لتلك المواجهة كان عزل الإداريين المقربين من رئيس الوزراء، والتشكيك بنزاهة رئاسة الوزراء في إدارة الشؤون الاقتصادية للدولة. وفي السنوات الأخيرة، بدأ حمد خطوات مؤثرة على “صراع الدواوين” القائم، بدفع نجله إلى مناصب أكثر نفوذا عبر إصداره أمرا ملكيا بتعيين نجله سلمان نائبا للقائد الأعلى، ومشرفا على تنفيذ السياسة العامة لقوة دفاع البحرين والحرس الوطني. وفي استمرار لتقويض صلاحيات منصب رئاسة الوزراء قام حمد بتعيين سلمان في عام 2013 وبالتوازي مع الاحتجاجات داخل البلاد، نائبا أول لرئيس الوزراء بمهام “تطوير أداء أجهزة السلطة التنفيذية”. وفي تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، استلم سلمان منصب رئيس “مجلس الخدمة المدنية” والذي يحق له من خلاله تعيين المدراء، وجميعها صلاحيات كانت موكلة لرئيس مجلس الوزراء.
ولم يحدث في التاريخ السياسي المعاصر أن خرج وزير في حكومة، ليقول إن الموقف الذي صدر عن رئيس الحكومة لا يمثل موقف الدولة، لكن البحرين أبت إلا أن تسجل ذلك لصالحها. ففي مطلع الشهر الحالي تلقى أمير قطر، اتصالا هاتفيا من رئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان، وهو أول اتصال من نوعه منذ 5 حزيران/يونيو 2017 تاريخ قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر. وذكرت الوكالة الرسمية القطرية للأنباء، أن “الأمير خليفة هنأ الأمير تميم، خلال الاتصال، بحلول شهر رمضان المبارك” لكن السلطات البحرينية وبأوامر من الديوان الملكي سارعت إلى التقليل من تأثير هذا الاتصال، ونقلت وكالة الأنباء البحرينية عن وزير في الحكومة قوله إن “الاتصال لا يمثل الموقف الرسمي للدولة” وأعلن وزير شؤون مجلس الوزراء، محمد إبراهيم المطوع، أن الاتصال “لا يؤثر على التزام البحرين مع شقيقاتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر”. تبرأت السلطات البحرينية من فعل قام به رئيس وزرائها، واعتبرته خارجا عن قرارها الرسمي، في إهانة واضحة وجهت إلى الأخير. وتلك الإهانة ليست فقط في أن “الاتصال لا يمثل الدولة” بل بصدور ذلك عن وزير داخل الحكومة من المفترض وفي الحالة الطبيعية أن يكون مسؤولا أمام رئيسها لا عنه، وعن مواقفه، ما يشي أن المشهد كان مقصودا إظهاره بهذا الشكل من قبل الديوان الملكي، لإحراج رئيس الوزراء والإمعان في إهانته. بعد تلك الحادثة غاب خليفة، وعلى غير عادته، عن استقبال الملك البحريني حمد لكبار المسؤولين الذين قدموا لتهنئته بمناسبة شهر رمضان، في قصر الصخير بالعاصمة المنامة، ليظهر بشكل مفاجئ، بعد ساعات، في الكويت، لتهنئة أميرها بشهر رمضان، وهو ما وجد فيه مراقبون تحديا من قبل خليفة لملك البحرين واصرارا على مخالفته، لا سيما وأن الكويت تلعب دور الوسيط في معالجة الأزمة المستمرة مع قطر. واللافت أن رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، دخل منذ أيام على خط الأزمة الدائرة في البحرين، بين الملك ورئيس الوزراء، معلنا تضامنه مع الأخير، وقال في تغريدة على “تويتر” إن رئيس الوزراء البحريني “صاحب مواقف ثابتة فهو لا يتلون بالصداقة أو بالعداء حسب الأجواء”.
سبق اتصال خليفة بأمير قطر وما تبعه من ردات فعل، هجوم شنه بعض النواب ضمن ما عرف بـ “بيان النواب المجهول” على رجل الدين الشيعي عبد الله الغريفي. يلحظ في البيان آثارا لهجوم مبطن على رئيس الوزراء، خليفة بن حمد، وهذا سبب من أسباب بقاء البيان مجهولا من جهة هوية النواب الذين وقعوا عليه. فقد تضمن هجوما على زيارة قام بها نواب من البرلمان البحريني للغريفي، والتي تبعت زيارة خليفة بن سلمان له في الأول من أيار/مايو الجاري، فظهر البيان في سياق الرد على الزيارات التي افتتحها خليفة وشرّع أبوابها، وهو ما لا يتأقلم مع سياسة “فرّق تسد” التي يتبعها الديوان الملكي.
بعد “البيان المجهول” بأيام، خرجت وزارة الداخلية البحرينية بتصريحات تحدثت عن الغريفي متهمة إياه بـ “التعاطف مع الأعمال الإرهابية” ومضيفة “أن مواقفه عكست قبولا لهذه الأعمال” في حين أن خليفة قال خلال زيارته الغريفي إن “المجتمع البحريني سيبقى أبد الدهر، عصيا على كل محاولات الفرقة والانقسام”. تكشف تلك التصريحات المتضاربة بين وزارة الداخلية ورئيس الوزراء حجم الصراع المتنامي بين أجنحة السلطة الموالية للديوان الملكي وتلك الموالية لديوان رئاسة مجلس الوزراء، فليس من الطبيعي في العلاقة بين أجنحة الحكم أن يقوم رئيس الوزراء بزيارة إلى شخصية دينية، تتهمها وزارة الداخلية بـ “دعم الإرهاب”. لذا فإن الأحداث، المتشابكة والمتتالية في البحرين، تشير أيضا إلى أن دائرة الخلاف بين الديوان الملكي وديوان مجلس الوزراء تتسع. وفيما يحاول الملك إهانة رئيس الوزراء بشكل مستتر أحيانا وعلني أحيانا أخرى، فإن الأخير يتعمد إظهار تلك الإهانات إلى العلن، والاستمرار في اتباع سياسة مواجهة للديوان الملكي، وكأنه يريد التأكيد على وجود صراع أجنحة ودواوين، في ظل محاولات تهميشه وعزله.
الدور الإماراتي
منذ مدة بدأت تظهر على موقع “تويتر” ما يمكن تسميته بـ “لجان الكترونية” مقربة من ديوان رئاسة مجلس الوزراء في البحرين، ردّا على إنشاء الديوان الملكي للجان مشابهة هدفها تشويه صورة رئيس الوزراء. وقد كشفت تلك اللجان في تغريدات متتالية علاقة أبو ظبي بمحاولات الملك حمد عزل عمه، ودعمها له في هذا المجال. وتوضح التغريدات أن الديوان الملكي في البحرين هو من وضع وأوجد “الدولة العميقة” التي لها مواردها البشرية وبنيتها الاقتصادية وجهازها الأمني، مشيرة إلى أنه “بهذه الطريقة تشترى الوطنية والولاء للقيادة في البحرين”. وتؤكد المعلومات الواردة في التغريدات أن “جميع مجريات ومستجدات البلاد تحصل بتدبير من الدولة العميقة التي تتحكم بجميع مفاصل الدولة ومؤسساتها وأجهزتها”، بينما “70 في المئة من رواتب الدولة العميقة تأتي من خزائن أبو ظبي إلى خزينة الديوان الملكي، الذي هو أيضا يصرف للكوادر رواتب من ميزانيته، بالإضافة إلى رواتب وظائفهم”. ووفق المعلومات، فإن “الدولة العميقة وجدت في أبو ظبي حليفا مهما لا بد منه لتنفيذ وتمرير الأجندة، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، سرعان ما انتهز الفرصة واستثمر في الديوان الملكي البحريني لتحقيق مشاريعه موفرا له غطاء إقليميا ودوليا عريضا”. ووصفت بعض التغريدات الأخوين خالد بن أحمد آل خليفة (وزير خارجية البحرين الحالي) والمشير خليفة بن أحمد آل خليفة (القائد العام الحالي لقوات دفاع البحرين) بـ “العصابة المارقة” في إشارة إلى توليهم مسؤولية “الدولة العميقة” التي انتقلت مؤخرا حسب ما ذكرته التغريدات، من “استراتيجية تقزيم وتحجيم دور رئيس الوزراء إلى استراتيجية الحرب المباشرة” وقد حازت تلك السياسة بدورها على تأييد ودعم من أبو ظبي.
وكانت “القدس العربي” قد كشفت في حزيران/يونيو العام الماضي، عن مساع يقودها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لـ “إعادة رسم بلاط الحكم في البحرين”. ونقلت عن مصادر تأكيدها، أن “التوافق بين محمد بن زايد وحمد بن عيسى على هذه التغييرات مرتبط بمصلحتين، مصلحة ولي عهد أبو ظبي في التخلص من أي مصدر قوة لا يكون قابلا لبسط هيمنة الإمارات الكاملة على البحرين، أما بالنسبة لملك البحرين فهي إزاحة الرجل القوي، الذي يظل حضوره شبحا يذكره بأن الإدارة الحقيقية للبلاد هي في يد رئيس الوزراء”.