|
| السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:35 pm | |
| السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق
إبراهيم، عزت البكر، أحمد حسن (الرئيس) حسين، صدام (الرئيس) الحكيم، محمد باقر حمّادي، سعدون حمدون، نزار رمضان، طه ياسين فيصل الثاني، (الملك) قاسم، عبدالكريم (الرئيس) عبدالسلام عارف نوري السعيد رشيد عالي الكيلاني
فيصل الثاني بن غازي[1] (1354 ـ 1377هـ) / (1935 ـ 1958م) فيصل (الثاني) بن غازي بن فيصل (الأول) بن الحسين بن علي، الهاشميّ، آخر ملك في العراق
ولد في بغداد، وآل إليه مُلك العراق، بعد وفاة والده، الملك غازي. وكان فيصل، وقتها، في الرابعة من عمره، عندما أصبح ملكاً على العراق. ولذلك عُيِّن خاله، الأمير عبد الإله بن علي، وصياً على عرش العراق، فأدار خاله دفة الحكم. وكان العراق يعيش فترة عصيبة من تاريخه، اتسمت بالتقلبات المثيرة، والأحداث المتلاحقة المتغيرة، على المستويين، الداخلي والخارجي.
أدخله خاله مدرسة عربية، ثم مدرسة إنجليزية، انتقل منها إلي بريطانيا، حيث التحق بكلية إيتون العريقة، وعُرف بتبعيته لخاله، الموالي لبريطانيا.
كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت، عام 1939، وتنافست دول المحور والحلفاء على كسب الدول إلى جانبها. وحرص الإنجليز على أن تكون البلاد العربية في جانبهم، وفرضوا وصاية كاملةً، وتدخلاً واضحاً، في تحديد اتجاه السياسة العراقية.
ظهرت اتجاهات سياسية متضاربة الأهواء، من الوطنيين المحافظين، إلى القوميين العرب والشيوعيين. وعمَّت المظاهرات، وتغيرت عدة وزارات. وزاد الأمر سوءاً، بتدخل الجيش في السياسة، وتدخل الإنجليز، وضربوا بغداد بالطائرات. ولكثرة التغيرات، وصل الأمر إلى حد أن كان بعض رؤساء الوزارات، بعد أن يستبعد من تشكيل وزاري، يعود مرة أخرى، بل مرات ليرأس حكومة أخرى، وخير مثال لذلك، نوري السعيد، الذي رأس عشر حكومات، وتوفيق السويدي، الذي رأس ثلاث حكومات.
في أوائل مايو 1953، تولى الملك فيصل الثاني سلطاته الدستورية، رسمياً، من دون أن تتغير هيمنة عبد الإله، ونوري السعيد على الحكم. حاول الملك فيصل الثاني الاستقلال عن خاله، واختار سياسة كسب وُد الدول العربية، وبقية الدول الأجنبية، فرأس وفداً أقام معاهدة مع تركيا. ودعا جيرانه، من ملوك ورؤساء العرب، لزيارة بلده، وزارهم في بلادهم. فدعي الملك سعود بن عبد العزيز، الذي لبَّى الدعوة، وزار العراق عام 1957. كما قام الملك فيصل الثاني بن غازي، مع وفد عراقي كبير، بزيارة الملك سعود في الرياض.
إلاّ أن هيمنة خاله، ونوري السعيد، على حكم العراق، ظلت هي الأقوى، كما ظلت موالية لبريطانيا، مما ترتب على ذلك انتفاضة 1956، تأييداً لمصر في تأميمها لقناة السويس، واحتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر، في 29 أكتوبر 1956. كما زاد من حدِّة ذلك، ميثاق حلف بغداد، الذي رفعه نوري السعيد.
كان الملك فيصل يعاني أزمة صدرية مزمنة، فعاش منعزلاً في قصره. واستبد خاله، عبد الإله، بشؤون القصر، فضج الناس، وكان ذلك من أكبر عوامل قيام ثورة 14 يوليه 1958.
اشتدت الدعوة إلى اتحاد الدول العربية، في الفترة التي تولى فيها الملك فيصل الثاني الحكم، لأن مصر وسورية كانتا قد اتحدتا بالفعل. ففكر الملك فيصل الثاني والملك حسين، ملك الأردن، في أن يتحد بلداهما، وشجع علي ذلك أن الملكان سليلا جَدٍّ واحد، وكان يأمل في توحيد العرب. ووقع الاتحاد بين البلدين، في اليوم الرابع عشر من فبراير عام 1958، وتم اختيار الملك فيصل الثاني رئيساً للاتحاد العربي الهاشمي، على أن يكون الملك حسين رئيساً عند غيابه. واستبشرت كثير من الدول خيراً بهذا الاتحاد وهَنَّأتْ الملكين. غير أنه لم يكتب لهذا الاتحاد الاستمرار، حيث انتهز الجيش، بقيادة عبد الكريم قاسم، فترة الهدوء التي سادت في عهد الملك فيصل الثاني، ودبر ثورة، في 14 يوليه 1958، قُتل على أثرها الملك فيصل الثاني، وأفراد عائلته، وعدد كبير من الوزراء، ورؤساء الوزارات السابقين.
[1] خير الدين الزركلي، "الأعلام"، مج 5، ص 168 - موسوعة السياسة، مج4، ص 681 - الموسوعة العربية العالمية، ج17، ص671.
نوري السعيد[1] (1306 ـ 1377هـ = 1888 ـ 1958م)
نوري بن سعيد بن صالح بن الملاّ طه، من عشيرة القره غولي، البغدادية: سياسي، عسكري المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولد ببغداد، وتعلم في مدارسها العسكرية. وتخرج في المدرسة الحربية بالأستانة (1906)، ودخل مدرسة أركان الحرب فيها (1911)، وحضر حرب البلقان (1912ـ1913)، وساهم في نشاطات القوميين العرب أيام ظهورها في العاصمة العثمانية؛ فكان من أعضاء (جمعية العهد) السرية. وقامت ثورة الشريف حسين في الحجاز (1916)، فلحق بها، فكان من قادة أركان جيش الشريف (الملك) فيصل بن الحسين، في زحفه إلى سورية. ودخل قبله دمشق، وانحاز إلى السياسة الإنجليزية في المنطقة؛ فكان المؤيد لها في البلاط الفيصلي بسورية، ثم العراق، مجاهراً بذلك إلى آخر حياته. ظل في خدمة الأمير فيصل بن الحسين، بعد أن أصبح ملكاً على العراق. تمرَّس في العمل السياسي، وتولى رئاسة الوزارة العراقية لأول مرة عام 1930، ثم تولاها مرات كثيرة، في أيام الملك فيصل، وابنه الملك غازي، والملك فيصل بن غازي. كما تولى كذلك وزارة الدفاع عام 1926، ووزارة الخارجية عام 1941.
حضر مؤتمر المائدة المستديرة، الذي أُقيم في لندن، في فبراير 1939، لمناقشة قضية فلسطين، وكانت هناك اتصالات بينه وبين هتلر، أثناء الحرب العالمية الثانية، عن طريق السفير الألماني في بغداد، ولكنها لم تسفر عن شيء؛ نظراً لولاء نوري السعيد المعروف لبريطانيا. كان هو صاحب فكرة مشروع الهلال الخصيب، الذي ينادي بتوحيد سورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن في دولة واحدة، وعرض هذا المشروع على الأمم المتحدة. وقيل إنه صاحب فكرة إنشاء الجامعة العربية، وتقدم بها عام 1941، عندما كان سفيراً للعراق في مصر، وأقنع بها محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك.
تفاوض، باعتباره رئيساً للوزراء، لإبرام معاهدة، تحفظ لبريطانيا نفوذاً أكبر في العراق. وفي عام 1955، وافق على انضمام بلاده لحلف بغداد، الذي ضم بريطانيا وباكستان وإيران وتركيا. ويؤكد الكثيرون أن نوري السعيد هو صاحب فكرة مشروع حلف بغداد، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع مصر، والهجوم الشديد من جمال عبدالناصر على نوري السعيد. كذلك كان نوري السعيد لا يؤمن بسياسة "الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، التي كانت تنادي بها مصر والهند ويوغوسلافيا، ويرى أن الحياد بالنسبة للدول الضعيفة، هو مجرد خدعة؛ لأنها لا تمتلك القوة المادية والعسكرية الثابتة للدفاع عن أنفسها، ومن ثم فقد عرض على نهرو زعيم الهند، في مارس 1954، أن ينضم إلى حلف بغداد!. وكان يوالي بريطانيا، ويسعى دائماً إلى ربط العراق بها.
وائتلف مع الشريف عبدالإله بن علي، الوصي على عرش العراق، في أيام فيصل الثاني. وقامت ثورة عبدالكريم قاسم في بغداد (14 يوليه 1958)، فكان فيصل وعبدالإله من قتلاها.
موت نوري السعيد
توجهت قوة عسكرية، بقيادة الرائد بهجت سعيد، في صبيحة يوم الثورة، 14 (تموز) يوليه 1958، إلى بيت نوري السعيد، بهدف القبض عليه. وحين وصلت القوة إلى بيت نوري السعيد، لم تجده؛ فقد لاذ بالفرار وهو بملابس النوم، حاملاً مسدسه معه، بعد أن أخبرته خادمته البدوية، بأن قوة عسكرية على وشك الهجوم عليه. وقيل إن المقدم وصفي طاهر، الذي عمل حارساً شخصياًّ لنوري السعيد سنوات عديدة، هو الذي أخبرها بذلك، وقيل إن وصفي طاهر جاء إلى منزل نوري السعيد، قبل الفجر، وأخبره بما يُدَّبر له، ونصحه بالفرار، وإن وصفي طاهر فعل ذلك ليثبت إخلاصه لنوري السعيد، إذا فشلت الثورة.
وعلى شاطئ نهر دجلة، وجد نوري السعيد قارباً به رجل مسن، فأمره أن يحمله إلى الرصافة، كانت الخطة التي فكر فيها نوري السعيد، هي الوصول إلى الساحل المقابل، ثم الاتجاه رأساً إلى وزارة الدفاع، قبل أن يعبر جيش الثائرين الجسر للوصول إلى داخل المدينة؛ فيتصل تليفونيًّا برئيس أركان الجيش، ورؤساء الفرق الأولى، ويأمرهم بفتح جسر العبور لإحباط الانقلاب.
طلب الصياد المسن من نوري السعيد أن يرقد في قاع القارب، وأسدل عليه شباك الصيد حتى لا ينكشف أمره، وعندما سمع نوري السعيد أصوات القنابل والمدافع التي أطلقها الثائرون، خشي، إن نزل إلى الشاطئ، أن تراه الجموع المكتظة وينفضح أمره، فطلب من الصياد أن يعيده إلى ضفة الكرادة، ثم توجه إلى منزل صديق له، يدعى الدكتور صالح مهدي البصام، وهو منزل لا يبعد كثيراً عن منزله.
دبر له صديقه صالح مهدي البصام طريقة للهرب، في الصندوق الخلفي لسيارة شقيقه، مرتضى البصام. وانطلقت به السيارة إلى حي الصالحية، ثم من هناك إلى حي الكاظمية، حيث منزل صديقه القديم محمود الأسترابادي، كان نوري السعيد يود أن تأخذه السيارة رأساً من الكاظمية إلى حيث ترابط الفرقة الرابعة، وقائدها وفيق عارف في الشمال، ولكن خطورة الموقف جعلته يعدل عن ذلك، ويبقى في منزل صديقه.
وقضى نوري السعيد ليلته هناك، واستمع إلى الإذاعة وهي تذيع بياناً لحكومة الثورة، تحذر فيه أفراد الشعب من التستر على نوري السعيد، أو إيوائه، أو مساعدته بأي شكل من الأشكال، وتدعوهم إلى القبض عليه فوراً، حياًّ أو ميتاً. وتضمَّن البيان أن حكومة الثورة رصدت جائزة كبرى، قدرها عشرة آلاف دينار، لمن يأتي بنوري السعيد حياً أو ميتاً، في ذلك الوقت كان الأمل الوحيد، الذي تعلق به نوري السعيد، هو تدخل قوات الدول الأعضاء في حلف بغداد، والطائرات البريطانية على وجه الخصوص، ولكن ذلك لم يحدث.
بعد ظهر اليوم التالي، 15 (تموز) يوليه 1958، خرج نوري السعيد، مذعوراً، متنكرًا في زي النساء، ومعه زوجة محمود الأسترابادي وخادمتها. ركبوا سيارة محمود الأسترابادي، وقادها مظفر ابن محمود الأسترابادي، وتوجه بهم إلى منزل هاشم جعفر، شقيق الدكتور ضياء جعفر، الوزير السابق. عندما رآه عمر بن هاشم جعفر، وعلم أنه نوري السعيد، وجدها فرصة سانحة للفوز بالجائزة القيمة، والتقرب إلى الحكومة الجديدة؛ ومن ثم خرج مسرعاً إلى وزارة الدفاع، وتمكن، بصعوبة، من مقابلة عبدالكريم قاسم، وأخبره الخبر.
أمر عبدالكريم قاسم بأن تسرع قوة من العسكريين إلى مكان نوري السعيد، واعتقاله على الفور. ولكن، مرة أخرى، حين وصلت هذه القوة، لم تجد نوري السعيد؛ فقد ارتاب في الأمر وتوجس شراًّ حين علم بخروج عمر هاشم جعفر، فأسرع بالهرب، وهو بملابسه النسائية، ومعه زوجة الأسترابادي وخادمتها.
راح نوري السعيد يبحث عن مكان آمن يأوي إليه، وهداه تفكيره إلى التوجه إلى منزل صديقه الشيخ محمد العريبي، في منطقة البتاويين، فربما يمكنه الوصول إليه، ويختفي بين رجال قبيلته حتى يتسنى لهم تهريبه إلى الحدود، فيعبرها إلى إيران. حاول أن يتذكر المنزل وموقعه، وخانته ذاكرته، وسار، وإلى جواره أم عبدالأمير زوجة الأسترابادي، وخادمتها، فراح يسأل المحلات التجارية، وتعرف إليه أحد أصحاب هذه المحلات، فصرخ: "أمسكوه، هذا نوري السعيد، أمسكوه"! تجمهر الناس حوله، وتوجهت إليه شاحنة تحمل عدداً من رجال الشرطة، ومعهم وصفي طاهر، فأخرج نوري مسدسه، وأخذ يطلق النار عشوائياًّ، وهو في رعب وهلع شديدين.
وأسرع الجنود الموجودون في مكان الحادث، ومعهم الجماهير، وأخذوا يطلقون النار عليه، فأُصيب إصابة قاتلة، واقترب منه أحد الجنود، وانتزع المسدس من يده، وأطلق النار عليه فأرداه قتيلاً. وقيل إن نوري السعيد هو الذي أفرغ مسدسه في صدره حين أيقن بهلاكه. ولما وصل إليه وصفي طاهر كان نوري السعيد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فصاحت أم عبدالأمير: "هذا باشتنا يا وصفي، هذا أبوك وأبو الكل، أنقذوه"، وظن وصفي أنها رجل متنكر في زي امرأة، فأطلق عليها الرصاص، ثم أخذ يفرغ رشاشه في جثة نوري السعيد. وكان وصفي طاهر يفخر، بعد ذلك، في الصحف والإذاعة بأنه هو الذي قبض على نوري السعيد وقتله. وكانت الأهازيج الشعبية تلقبه بعد ذلك بـ "قاتل الأسد الميت"، فتقول:
"لعنة عليك سبع لعنة جتّال السبع الميت"
أمَّا ولدا السيد هاشم، فقد قبض كل منهما خمسة آلاف دينار قيمة الجائزة. حمل الجنود جثة نوري السعيد إلى وزارة الدفاع، وألقوا بها أمام عبدالكريم قاسم، الذي نظر إليها، ومعه مجموعة من الضباط والوزراء، ثم أمر بتركها مكانها إلى أن يحل الظلام، ثم التوجه بها لدفنها في مقبرة باب المعظم في بغداد. ولكن بعض العناصر نبشت القبر، في اليوم التالي، وسحبت الجثة، وراحت تسحلها في شوارع بغداد، إلى أن أوصلتها إلى ميدان منطقة الوزيرية، بجوار السفارة المصرية، وكان هناك عدد من سيارات الشرطة وبعض الدبابات، فأمر قائد الشرطة أن تُسحق الجثة تحت جنزير الدبابة، ولما تم ذلك، أشعلوا النار فيها. ويُقال إن سائق الدبابة حين مر بعجلاته فوق القسم الأسفل من الجثة انتصب القسم الأعلى فجأة، فأصاب السائق الهلع، ونقل بعد ذلك إلى مستشفى الأمراض العصبية.
أعلن السفير الأمريكي، أن وفاة نوري السعيد خسارة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وبعث كثير من السياسيين البارزين في العالم رسائل تعزية إلى زوجة نوري السعيد، ومنهم: هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا السابق، وسلوين لويد وزير خارجية بريطانيا السابق، وفرانسيس همفريز المندوب السامي البريطاني في العراق، وأول سفير بريطاني فيها.
ولنوري السعيد كتب مطبوعة، منها (أحاديث في الاجتماعات الصحفية)، و(استقلال العرب ووحدتهم)، و(محاضرات عن الحركات العسكرية للجيش العربي في الحجاز وسورية).
[1] عصمت السعيد، "نوري السعيد. رجل الدولة والإنسان"، لندن، 1992، ص 26 ـ 64، 106 ـ 108، 295 ـ 307. - خير الدين الزركلي، "الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين"، دار العلم للملايين، بيروت، ط 8، 1989، مج 8، ص 53. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 16، بتاريخ 14 أغسطس 1958. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 17، بتاريخ 15 أغسطس 1958. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 42، بتاريخ 3 سبتمبر 1958. - دزموند ستيوارت، "تاريخ الشرق الأوسط الحديث"، ترجمة زهدي خيرالله، دار النهار، بيروت، 1974، ص 343. - والتر جولمان، "عراق نوري السعيد"، مؤسسة الإنتاج، بيروت،ط1 ، 1965، ص 338. - خليل كبة، "العراق أمسه وغده"، دار الريحاني للطباعة، بيروت، ط1، 1966، ص 306. - ناجي شوكت، "مسيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894 ـ 1974"، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط2، 1975، ص617. - الوقائع العراقية، العدد 1، بتاريخ 23 يوليه 1958، بغداد ، ص13. - الموسوعة العربية العالمية، نشِر مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط2، الرياض، 1999، ج12، ص 294. - توفيق السويدي، "مذكراتي ـ قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"، ط2، دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1999، ص 591.
رشيد عالي الكيلاني[1] (1892-1965)
ولد رشيد عالي الكيلاني في بغداد عام 1893، وهو من سلالة الشيخ عبدالقادر الكيلاني، صاحب الطريقة الصوفية، المعروفة بالقادرية، والواسعة الانتشار بين المسلمين، وتعلم في مدارس بغداد الإعدادية والثانوية، ثم التحق بكلية الحقوق. وعقب نيل إجازتها، تقلد عدة مناصب حكومية. وفي الوقت نفسه، كان يعمل سراًّ مع أحرار العرب، في سبيل تنمية الفكرة العربية ونشرها. واشتغل بالتدريس في كلية الحقوق، ثم مديراً عاماًّ لأوقاف الموصل، وقاضياً في محكمة الاستئناف. بيد أنه اصطدم برغبات الإنجليز، فاستقال وعاد إلى المحاماة. وطفق نجمه يبزغ في الأوساط الوطنية والسياسية. وفي عام 1924 عُين وزيراً للعدل، وهو في الواحدة والثلاثين من عمره، ولكنه ما لبث أن قدمّ استقالته على أثر التصادم الذي وقع بين الإنجليز وبين الحكومة، حول استثمار البترول العراقي. واشترك مع ياسين الهاشمي عام 1930، في تأسيس حزب الإخاء الوطني، الذي لعب دوراً خطيراً في سياسة البلاد.
وفي عام 1932، عين رئيساً للديوان الملكي، وسكرتيراً خاصاَّ للملك فيصل الأول، وفي عام 1933 شكل وزارته الأولى، وهي الوزارة، التي نشبت في عهدها ثورة الآشوريين، فتصرف في إخمادها تصرفاً حازماً، وكلف الفريق بكر صدقي بالقضاء عليها، ففعل. وبعد وفاة الملك فيصل، عام 1933، وإبان عهد الملك غازي، شكل الوزارة الثانية، وفي عام 1940 شكل وزارته الائتلافية الثالثة، التي اصطدمت مع الإنجليز؛ لرفضها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا، وكان الإنجليز يكرهونه كراهية شديدة، وطلبوا رسمياً عدة مرات إقالته من منصبه. وتولى الرئاسة لآخر مرة، عقب انقلاب أبريل 1941، إذ وقف ضد الإنجليز وقفته المشهورة، والتي تسببت في إصرار بريطانيا على احتلال العراق بالقوة المسلحة، والقضاء على رشيد عالي الكيلاني ورفاقه، وبالفعل هاجمت بريطانيا العراق بقواتها المسلحة، وحاول الجيش العراقي الصمود، ولكن تفوق الجيش البريطاني جعله يكسب المعركة، ويدخل بغداد في 30 مايو 1941، ففر رشيد عالي الكيلاني، ومعه أربعون من رفاقه إلى الحدود، وعبروها إلى إيران. وعقدت الحكومة الجديدة في العراق المحكمة العسكرية لمحاكمة رشيد عالي الكيلاني ورفاقه، والتي انتهت بالحكم عليه بالإعدام غيابياًّ. وكان قد هرب إلى إيران فتركيا فألمانيا، وظل ببرلين إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. وبهزيمة ألمانيا التجأ إلى المملكة العربية السعودية، إذ التجأ إلى جوار الملك عبدالعزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ فأجاره وحماه، على الرغم من الاحتجاجات المتوالية التي انهالت على بلاطه، من بغداد وغيرها.
ثم التجأ إلى مصر عام 1954، وبعد القضاء على الحكم الملكي في ثورة عام 1958، عاد إلى العراق، وحُكم عليه بالإعدام للمرة الثانية، ثم خفف الحكم إلى الحكم بالسجن ثلاثة أعوام، وأُفرج عنه بعدها في 14 يوليه 1961. فغادر العراق إلى بيروت فالقاهرة، ثم عاد إلى العراق، وبارحها بعد ذلك إلى بيروت، حيث وافته المنية في 28 أغسطس 1965، ونقل جثمانه بطائرة عراقية خاصة إلى بغداد، حيث دفن هناك.
[1] إسماعيل أحمد ياغي، `حركة رشيد عالي الكيلاني. دراسة في تطورات الحركة الوطنية`، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط، بيروت، 1974، ص 4 ـ 6، 240 ـ 250. - محمد كمال الدسوقي، `ثورة رشيد عالي الكيلاني والقومية العربية`، مجلة السياسة الدولية، العدد الرقم (21)، الصادر في يوليه 1970. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:37 pm | |
| عبدالكريم قاسم[1] (1332 ـ 1382هـ = 1914 ـ 1963م)
ولد في منطقة ريفية قريبة من بغداد عام (1332 هـ / 1914م)، من أب عربي وأم كردية، في أسرة فقيرة. أكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في بغداد، والتحق بالأكاديمية العسكرية في بغداد عام 1932، وبعد تخرجه التحق بالجيش، وشغل فيه مناصب كثيرة في أماكن متفرقة، جعلته يعقد صلات مع عدد كبير من أفراد الجيش العراقي. كما التحق بكلية الأركان عام (1940 ـ 1941)، وأُرسل بعد ذلك في بعثة تعليمية عسكرية إلى إنجلترا، فالتحق بمدرسة كبار الضباط فيها عام 1950، ثم شارك في حرب فلسطين عام 1948.
ورُقِّي بعد ذلك، حتى أصبح آمر لواء المشاة التاسع عشر، التابع للفرقة الثالثة، بالجيش العراقي، وكان قد مُنح نوط الخدمة الفعلية عام 1935، ونوط الشجاعة عام 1945. انضم إلى تنظيم، أُطلق عليه الضباط الأحرار العراقيون، وانتخب عام 1957، بحكم رتبته وأقدميته، رئيساً للجنة العليا للتنظيم.
تأثر بالأفكار والآراء السياسية، لجماعة (بكر صدقي)، قائد انقلاب 1936، التي تشدد على الوحدة الوطنية بين الأكراد والعرب. كما تأثر كثيراً بشخصية مصطفى كمال أتاتورك، والتغييرات التي أحدثها في تركيا. وقد حاول أن يطبق هذه التغييرات والأفكار، عندما تسلم زمام السلطة في العراق، في 14 (تموز) يوليه 1958، وأكد بعض رفاقه، منذ عام 1956، أنه اعتنق الشيوعية، بل أكد نيكيتا خروشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي، أن عبدالكريم قاسم كان منتسباً إلى الحزب الشيوعي العراقي، قبل أحداث ثورة 1958 بأربعة أعوام.
وأكد الدكتور جابر عمر، وزير التربية في الوزارة الأولى للثورة، أن عبدالكريم قاسم كان على علاقة وطيدة بالإنجليز، ولا يقبل مطلقاً المساس بمصالحهم في العراق. وأنه كان حريصاً على ولائه لهم، وتجلى ذلك في حضوره الحفل، الذي أقيم في السفارة البريطانية، في وداع السير مايكل رايت، الذي عقد حلف بغداد، مع الحكومة الملكية السابقة، والمخطط لسياسة العراق مع نوري السعيد.
وذكر العقيد فاضل عباس المهداوي، أنه كان لعبدالكريم قاسم، قبل الثورة، جار قريب منه، هو من كبار جواسيس الإنجليز، وكان عبدالكريم على صلة وثيقة بهذا الجاسوس. وأكد المقدم الركن جاسم العزاوي أن عبدالكريم قاسم، كان كلما اجتمع بالسفير البريطاني، في مقرّه بوزارة الدفاع، طلب من الجميع مغادرة الغرفة؛ ليظل بمفرده مع السفير البريطاني.
أشرف بالتعاون مع زميله عبدالسلام محمد عارف، على التخطيط والتنفيذ لثورة (تموز) يوليه 1958، التي قضت على النظام الملكي، وكانت تقارير الأمن، قبل الثورة، تذكر اسم عبدالكريم قاسم ضمن المتآمرين، الذين يخططون للانقلاب على الحكم في العراق، ويقال إن نوري السعيد استدعاه، في عام 1957، وسأله مداعباً: لماذا تريد أن تتخلًّص منا ياكرومي؟ فامتقع لونه، ولكنه تمالك أعصابه وقال: يعزُّ عليَّ أن أسمع منك هذا الكلام ياباشا، وطلقة واحدة من يدك أخف وقعاً من تلك التهمة. وأصبح عبدالكريم قاسم ـ بعد نجاح الثورة ـ قائداً عاماًّ للقوات المسلحة، ورئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع. وإلى جانبه مجلس أسماه "مجلس السيادة"، إلاّ أنّ السلطة الفعلية كانت في يد عبدالكريم قاسم. وعندما بدأ الصراع بين التيارات العقائدية والسياسية، في صيف عام 1958، لتحديد النظام الجمهوري الجديد وهويته، استغلت الفئات المعادية للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية)، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، غموض اتجاهات عبدالكريم قاسم، وحبه للسيطرة، وأذكت الطموح الشخصي عنده؛ رافعة شعار "ماكو زعيم إلاّ عبدالكريم، جمهورية لا إقليم".
وقد أدى التشجيع الشيوعي والإقليمي له إلى الاصطدام بحزب البعث العربي الاشتراكي، والعناصر القومية في الجيش، فأبعد حليفهم، نائبه عبدالسلام محمد عارف من مركز السلطة، بعد أن وصل إليه تقرير من السفارة البريطانية، أنه تأكد لديها أن عبدالسلام محمد عارف، يدبر خطة لقلب نظام الحكم، وطرد عبدالكريم قاسم من رئاسة الوزارة. ثم أحال عبدالسلام محمد عارف إلى المحاكمة بعد شهور قليلة من نجاح الثورة، ونكل بكل خصومه من خلال محكمة الثورة، التي كانت تسمى محكمة الشعب، وعرفت بـ"محكمة المهداوي" الشهيرة. وقد جُمع ما دار فيها من مداولات، في كتاب من 17 مجلداً. اتهمت المحكمة الكثيرين ممن دعتهم "المتآمرين على سلامة الوطن"، وفيهم كثير من خيار القوم، وقضت عليهم بأحكام منها الإعدام، وكان ممن شملهم هذا الحكم عبدالسلام محمد عارف، إلاّ أن عبدالكريم قاسم اكتفى بسجنه، وأُطلق سراحه بعد أربع سنوات.
وفي (آذار) مارس 1959، وقع تذمر عسكري في الموصل، بقيادة عبدالوهاب الشواف، وبمؤازرة الجمهورية العربية المتحدة، وتمكن عبدالكريم قاسم من قمعه، والتنكيل بالمتظاهرين، والمؤيدين لحركة الشواف. كذلك تعرض عبدالكريم قاسم، لحادث اغتيال على يد مجموعة من الشباب البعثيين، ونجا منه بأعجوبة.
وكانت وسائل الإعلام، التي سيطر عليها الشيوعيون، تكيل المديح لعبدالكريم قاسم، وتصفه بصفات خيالية، وتذكي في نفسه الغرور، والإعجاب بالنفس، بل أطلقت عليه من الأسماء والألقاب ما بلغ نحو خمسة وخمسين.
وكان عبدالكريم قاسم، يجيد اللعب على كل التيارات، ويلجأ إلى سياسة "فرِّق تسد"، عن طريق الدسّ، وتفتيت القوى، وتحريض البعض على الآخر، وعدم التورع عن الافتراء، وإلقاء التهم جزافاً ضد خصومه، ولهذا أطلق البعض عليه لقب قاسم العراق، بمعنى الذي قسمها وفتت قواها. كان كثيراً ما يقرأ كتاب "الأمير" لمكيافيللي، ويعجب بالمبدأ الأساسي فيه: "الغاية تبرر الوسيلة".
وأطلق عبدالكريم قاسم يد الشيوعيين في العراق، فانتشر القتل والتعذيب، ونُصبت المشانق في الأماكن العامة، وامتلأت السجون. ولم يمر العراق في تاريخه الحديث، بمثل تجارب العنف، التي مر بها في عهد عبدالكريم قاسم؛ ونتيجة لذلك، سادت الفوضى البلاد، وعمت الاغتيالات. وتغاضت حكومة عبدالكريم قاسم، عن صحف الحزب الشيوعي، التي كانت تثير الناس وتُجمّل لهم أعمال العنف، التي انتشرت في عهده، مثل مجزرة كركوك، التي حدثت في 14 (تموز) يوليه 1959، ومجزرة الموصل، التي أعقبتها، وأثار الشيوعيون الشغب، وحاولوا الاستيلاء على الحكم، وانحازت حكومة قاسم نحو الكتلة الشرقية، وأقامت علاقات خاصة مع روسيا، وسائر الدول الشيوعية.
وفي السياسة الداخلية، أعلنت حكومة قاسم سياسة شاملة لبناء العراق اقتصادياًّ وعسكرياًّ، بدأت بتنفيذ بعض مشروعاتها الإعمارية، في المجالين الصناعي والزراعي، فقد أعلن قانون الإصلاح الزراعي في (أيلول) سبتمبر 1958، والقانون الرقم (80) الخاص بتقليص مساحة الامتياز لشركة نفط العراق بنسبة 90 %، في (كانون الأول) ديسمبر 1961. واستطاعت الحكومة أن تحقق في المجال العسكري بعض النجاح، بعد أن تسلمت القواعد الحربية من بريطانيا.
تصالح مع الأكراد، وسمح للزعيم الكردي مصطفى البارزاني بالعودة إلى العراق، وخصص له راتباً، ومقرّ إقامة في قصر من قصور الملك الهاشمي، وأطلق يدهم في العمل الكردي.
غير أن الفوضى، التي سادت، وعدم الثقة بين المواطنين، وغيرها من الأسباب، تضافرت جميعاً لوقف أي تقدم ملموس داخل العراق. ولم يتمتع الشعب العراقي، في عهد عبدالكريم قاسم، بحكم القانون، أو بنمو المؤسسات الدستورية والشعبية.
تميزت سياسة عبدالكريم قاسم العربية بالانعزال، ونتيجة لذلك، لم يجد له بين العرب ظهيراً، عندما أعلن، عام 1961، أن الكويت جزء من العراق، ولم تجد تهديداته بضمها، طريقها إلى التنفيذ الفعلي.
وفي يناير 1963، رُقي عبد الكريم قاسم إلى رتبة فريق، وبعد شهر واحد من ترقيته، استطاعت الفئات، التي تضررت من نظام حكمه، ومن سيطرة الحزب الشيوعي ـ بقيادة حزب البعث العراقي، أن تطيح بعبدالكربم قاسم وبحكومته، ونُصِّب عبدالسلام محمد عارف رئيساً للدولة في 8 (شباط) فبراير 1963، وأُعدم عبدالكريم قاسم في بغداد، رمياً بالرصاص مع مجموعة من أعوانه في 9 (شباط) فبراير 1963.
[1] عصمت السعيد ، نوري السعيد. رجل الدولة والإنسان، لندن، 1992، ص 218ـ 219. ـ خير الدين الزركلي، "الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين"، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، 1989، مج 4، ص 54. ـ أحمد فوزي، "قصة عبدالكريم قاسم كاملة"، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1963، ص 200. ـ ناصر الدين النشاشيبي، "حفنة رمال"، دار الموعد للطباعة والنشر، بيروت، 1965، ص 285. ـ إبراهيم كبة، `هذا طريق 14 تموز`، دار الطليعة، بيروت، 1969، ص 17. ـ الموسوعة العربية العالمية، ط2، 1999، مج 16، ص 104.
عبد السلام محمد عارف[1] (1339 ـ 1385هـ = 1921 ـ 1966م)
ولد عبدالسلام ـ الذي اشتُهر بـ (عبدالسلام عارف) ـ في 21 مارس 1921، في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ في بغداد، وهو حي شعبي من أحياء بغداد الفقيرة. وكان والده محمد عارف الجميلي (من عشيرة الجميلة) بزاراً (خياط)، وقد هاجر من مدينة الرمادي إلى بغداد .
وينتمي عبدالسلام إلى عائلة لها ماضيها في الجهاد ضد الاستعمار البريطاني، فخاله الشيخ ضاري هو الذي قتل الكولونيل لجمن، القائد البريطاني، أثناء ثورة العشرين، وعمه السيد عباس استُشهد على يد الإنجليز في الرمادي. ولا يزال أبناء عمومته وأبناء أخواله يسكنون في تلك المنطقة حتى يومنا هذا.
أنهى عبدالسلام عارف مراحله الدراسية في منطقة الكرخ في بغداد، وتخرج في ثانوية الكرخ الرسمية عام 1938. وفي السنة نفسها دخل الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1941، برتبة ملازم ثان، وعمره لا يتعدى العشرين عاماً.
اشترك في حركة مارس 1941 التحريرية، قائداً لإحدى سرايا المدرعات في القوة الآلية؛ وكانت مهمته محاصرة القصور الملكية. إلاّ أن هذه الحركة فشلت، ولم تَعْرِف السلطات الرسمية أن عبدالسلام عارف كان مشاركاً في الحركة، فظل في الجيش ولم يقدم للمحاكمة.
وفي نهاية عام 1941 نُقل عبدالسلام عارف من بغداد إلى البصرة، حيث عُين ضابطاً في الاستخبارات العسكرية. وظل في البصرة إلى عام 1944، ثم نُقل إلى لواء الناصرية. وفي عام 1946 اُختير مدرساً في الكلية العسكرية، فأمضى فيها عاماً ثم نُقل إلى كركوك، ومنها سافر إلى فلسطين للاشتراك في حرب عام 1948.
بدأت صداقة عبدالسلام عارف مع عبدالكريم قاسم منذ عام 1938، عندما كان عبدالسلام طالباً في الكلية العسكرية، وعبدالكريم قاسم محاضراً بها. وبعد تخرج عبدالسلام افترق الصديقان لمدة عام، التقيا بعده في البصرة. واستمرت صداقتهما على الرغم من نقل عبدالسلام إلى الناصرية وعبدالكريم إلى جلولاء.
وفي عام 1947، نُقل عبدالسلام عارف إلى كركوك، فالتقى مرة أخرى عبدالكريم قاسم، الذي كان قائداً للفوج، وعبدالسلام مساعداً له. وعندما نشبت حرب فلسطين في 15 مايو 1948، سافرا معاً وكان عبدالسلام في مدينة حنين، وعبدالكريم قاسم في مدينة كفر قاسم القريبة منها، وظل يلتقيان على نحو دائم.
وبعد انتهاء حرب فلسطين ورجوع القوات العراقية، عاد عبدالسلام عارف إلى بغداد، ثم نُقل إلى الموصل فكركوك. وعندما أصبح الفريق نورالدين محمود رئيساً لأركان الجيش، نقل عبدالسلام عارف إلى مقر قيادة الجيش وتولى فيها عدة مناصب مهمة.
وفي عام 1952، نُقل عبدالسلام عارف إلى "دائرة تدريب المناورات"، كما نُقل قاسم إلى الدائرة نفسها وعملا معاً حتى عام 1954. ثم نُقل قاسم إلى منصب قائد اللواء التاسع عشر، ونُقل عبدالسلام عارف إلى منصب قائد فوج في اللواء نفسه.
وفي عام 1954، أُرسل عبدالسلام عارف في دورة للالتحاق بالقطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف في ألمانيا الغربية للتدريب. وبقى فيها حتى عام 1956. ولمّا عاد إلى بغداد أُبلغ بالاستعداد للسفر مع اللواء التاسع عشر، الذي يقوده عبدالكريم قاسم، إلى الأردن. وفي نوفمبر 1956 سافر اللواء التاسع عشر إلى المِفْرق، ليكون على أتم الاستعداد لمعاونة الأردن ضد الكيان الصهيوني، بينما كان الغرض الحقيقي من إرساله هو تهديد سوريا وإسقاط نظامها وضمها إلى العراق. ولكن عبدالكريم قاسم وزميله العقيد الركن عبدالسلام عارف، اتصلا بالضباط السوريين، ورئيس أركان الجيش السوري، اللواء عفيفي البزرى، وأكدا لهم أن الجيش العراقي لن يقوم بحركة عدائية ضد سوريا.
وفي عام 1957، انضم عبدالسلام عارف إلى اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، بناءً على طلب عبدالكريم قاسم. وظل عبدالسلام عارف وفياً لعبدالكريم قاسم في اجتماعات اللجنة العليا للضباط الأحرار، وسانده في تولى رئاسة اللجنة العليا، باعتباره أعلى أعضائها رتبة عسكرية.
أدى عبدالسلام عارف دوراً رئيساً في التخطيط لثورة 14 يوليه 1958، ضد الحكم الملكي. وقد أذاع بنفسه البلاغ الأول للثورة من إذاعة بغداد. وبعد نجاح الثورة عُين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية.
وعلى الرغم من الصداقة الحميمة بين عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم (رئيس وزراء العراق) فقد نشأ خلاف بينهما. مع أن صداقتهما كانت مثار إعجاب ودهشة الضباط الأحرار من أعضاء اللجنة العليا. ولكن ما أن نجحت ثورة 14 يوليه، حتى بدأ الخلاف يدب بينهما منذ اليوم الأول للثورة. وكان سبب الخلاف هو طموح قاسم وعارف نحو السلطة، ومحاولة إيجاد المبررات لإزاحة كل منهما الآخر. وقد حدث الخلاف الأول حول تصفية العائلة المالكة بالشكل الذي تمت به، إذ كان عبدالكريم قاسم غير مقتنع بقتلهم جميعاً. وبسبب تزمر أكثر الضباط الأحرار من هذه التصفية الدموية، استغل عبدالكريم قاسم هذه الحادثة واخذ يلقي اللوم على عبدالسلام عارف، متهماً إياه بأنه هو الذي أمر بتصفيتهم جميعاً.أمّا الخلاف الثاني فقد حدث بسبب التعيينات في المراكز الحساسة بعد الثورة، فأخذ كل منهما يُعين الأشخاص الذين يعتمد عليهم. واشتد الخلاف بينهما إثر زيارة عبدالسلام عارف لدمشق في 19 يوليه 1958، واجتماعه بالرئيس جمال عبدالناصر. وفي هذا الاجتماع عرض عبدالسلام عارف موضوع الوحدة الفورية العاجلة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة. ولكن عبدالناصر نصحه بالتريث وتدعيم الثورة الجديدة أولاً. فضلاً عن أن خطابه في دمشق أثار عبدالكريم قاسم لعدم ذكر اسمه أو دوره في الثورة.
وانقطعت الجسور بين الطرفين بعد أن علم عبدالكريم قاسم، أن عبدالسلام عارف أرسل برقية إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد يعلمها بأنه سيسافر إلى القاهرة على رأس وفد من الضباط، وفي وقت مناسب، لعرض إعلان الوحدة، حتى لو اضطر إلى تنحية عبدالكريم قاسم من الحكم إذا ما عارض ذلك.
ومن ناحية أخرى، دخل عبدالسلام عارف في صراع مع العناصر اليسارية من الضباط والمدنيين. وقد أسفرت جولاته في المحافظات، والخطب الكثيرة التي كان يلقيها حول موضوع الوحدة ووجوب تحقيقها على الفور، عن احتدام الصراع بين القوى والأحزاب السياسية، وعلى الأخص الانشقاق الذي حدث بين القوميين، الذين كانوا يسيرون وراء شعار (الوحدة)، والعناصر الأخرى، بمن فيهم الديمقراطيون والشيوعيون، الذين كانوا يرفعون شعار "الاتحاد الفدرالي".
وكانت خطب عبدالسلام عارف الفتيل، الذي أشعل التمزق بين هذه القوى. فقد أدت الخطب، التي كان يلقيها عبدالسلام عارف دون تحفظ أو بعد نظر، إلى استفزاز كثير من الجهات، داخل العراق وخارجه، بينما الثورة مازالت في مراحلها الأولى. وكانت أغلب هذه الخطب تفتقر إلى الوضوح الفكري أو الأيديولوجي. فقد كان يبتدئ الخطبة بآية من القرآن الكريم، ثم يحي الجماهير باسمه واسم الرئيس جمال عبدالناصر، وقلما يذكر عبدالكريم قاسم. وغالباً ترد في الخطبة مثل هذه العبارات، أو ما يُشابهها، "إن جمهوريتكم عراقية متماسكة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وإِنها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية" أو "اعلموا أن لكم أخواناً في الشام والشمال الأفريقي والجزيرة العربية هم جزء منكم، وعلى رأسهم أخونا جمال عبدالناصر" أو "باسم أخينا الأكبر بطل السلام أهديكم تحية جمال عبدالناصر، فقد حمّلني تحياته وأشواقه، وبذل كل ما عنده في خدمتكم، فليحيا أخونا جمال عبدالناصر" أو "لا إقطاع بعد اليوم ولا تفاوت ولا طبقات ولا جلالات ومعالي وفخامات، بل حرية وعدل ومساواة" أو "هدف واحد، مبدأ واحد، حزبٌ واحد، إن حزب الله هم المفلحون" أو "إنها جمهورية عراقية، شعبية، وطنية، اشتراكية، تحريرية، استقلالية، وهي في خدمتكم". كما كان يُقلد جمال عبدالناصر في التحدث باللغة العامية ... إلخ.
وأخذ عبدالكريم قاسم وضباطه في وضع الخطط للتخلص من عبدالسلام عارف. فأزاح الضباط الموالين له، ثم أبعده عن منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة في 11 سبتمبر 1958. وتمكن عبدالكريم قاسم في النهاية، من تجريد عبدالسلام عارف من جميع مناصبه في 30 سبتمبر 1958 وتعيينه سفيراً للجمهورية العراقية في بون، إلاّ أن عبدالسلام عارف رفض الالتحاق بمنصبه الجديد. وفي اليوم التالي قدم استقالته إلى عبدالكريم قاسم.
وفي 9 ديسمبر 1958 أُحيل عبدالسلام عارف إلى المحاكمة العسكرية العليا الخاصة، ليُحاكم عن تهم كثيرة، منها عدم ذكر اسم عبدالكريم قاسم أو ترديده أثناء خطبه في المحافظات، ومحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم والإعداد لانقلاب ضده. وفي 5 فبراير 1959 صدر الحُكم على العقيد عبدالسلام عارف بالإعدام شنقاً حتى الموت، والطرد من القوات المسلحة. كما صدرت فقرة خاصة في القرار تقول: "تودع الرأفة به لأمر عبدالكريم قاسم وذلك باستعمال سلطته الواردة في المادة 20 من قانون معاقبة المتآمرين".
وظل عبدالسلام عارف في السجن، كما ظل قرار إدانته في درج مكتب عبدالكريم قاسم دون تصديق أو إعفاء حتى سبتمبر 1961. وعقب انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، أُطلق سراح عبدالسلام عارف، ولكنه بقى تحت المراقبة حتى انقلاب 8 فبراير 1963.
وعندمـا نجـح البعثيون في حركتهم العسكرية ـ المــدنية ضد حكـم عبدالكريم قاسم 8 فبراير 1963، نصبوا عبدالسلام عارف رئيساً للدولة. وحكموا على عبدالكريم قاسم بالإعدام رمياً بالرصاص في 9 فبراير 1963. إلاّ أن عبدالسلام ما لبث أن استغل الخلافات الداخلية في الحزب، فتنكر للبعثيين وقام بانقلاب في 18 نوفمبر 1963 ضدهم، متحالفاً مع بعض الضباط البعثيين وبعض الضباط الناصريين. لكنه ما لبث أن عمل بدهاء وتصميم على التخلص من أركان التحالف العسكري المتنافر، الذي أوصله إلى الحُكم.
في 26 مايو 1964، أعلن عبدالسلام عارف عن تشكيل المجلس الرئاسي المشترك، بين العراق ومصر، للتخطيط والتنسيق في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بغية الوصول إلى الوحدة الدستورية بين البلدين. كما نصّ اتفاق المجلس المشترك على إقامة الاتحاد الاشتراكي العربي العراقي أسوة بمصر. وفي هذا الجو أعلنت حكومة بغداد تأميم البنوك وشركات التأمين والمؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى.
في4 سبتمبر 1965م حاول تحالف الضباط الناصريين وحركة القوميين العرب، استغلال غياب عبدالسلام عارف في مؤتمر قمة الدار البيضاء، والقيام بحركة انقلابية بقيادة عارف عبدالرازق، رئيس الوزراء ووزير الدفاع، إلاّ أن المحاولة منيت بالفشل، فاعتقل الآلاف منهم وبطش بهم. ومن ذلك التاريخ اتخذ حكم عبدالسلام عارف طابع النظام الشخصي القطري المحافظ (شبه الطائفي)، المؤيد شكلاً وقولاً للشعارات القومية.
أمَّا علاقاته بالدول العربية، اعتباراً من عام 1964، فكانت مضطربة؛ فعلاقاته مع مصر كانت طيبة في الظاهر، مهزوزة في الواقع، وكان يخشى حزب البعث في سورية. أمَّا الدول العربية الأخرى، فكانت تتوجس من التعاون معه، فقد كان يرفع شعارات وحدوية، ويتشدَّق بمعاداة الرجعية، كما كان لسانه منفلتاً، لا يكفّ عن كيل الشتائم والسباب للكويت، والمملكة العربية السعودية، والبحرين.
أمَّا علاقاته بدول العالم، فكانت مضطربة كذلك؛ فقد كانت كراهيته للشيوعية سبباً في عداوة المعسكر الاشتراكي، ولكنها لم تمكنه من الالتقاء بالمعسكر الغربي، الذي يضم بريطانيا، العدو التقليدي، والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة، التي تحمي إسرائيل، وتدفع كل من يفكر في التعاون معها إلى التردد كثيراً؛ لئلا يتهم بالتهاون في قضية فلسطين، قضية العرب الأولى.
أمَّا فكره السياسي والعقائدي، فقد كان مضطرباً كذلك، فهو يعلن إيمانه بالقومية العربية، وبالإسلام، ثم لا يجرؤ على اقتراح أي شكل من أشكال التعاون بين المسلمين؛ لئلاّ يُتهم بالرجعية والتخلف. وكذلك كان في سياسته الداخلية؛ فهو ينادي بالاشتراكية، وتم في عهده تأميم البنوك، وشركات التأمين، وكبريات الشركات الصناعية، ولكنه، في مجالسه الخاصة، يلعن الاشتراكية ويتبرَّأ منها.
اندلعت، في عهده، الثورة الكردية في شمالي العراق، يناير 1966، وعزم على مواجهتها بالقوة المسلحة، وأراد إقناع مصر بتزويده بالسلاح والعتاد لإنهاء مشكلة الأكراد، وقرر بدء الضربة العسكرية في 15 أبريل 1966، ولكنه مات قبل ذلك بيومين؛ ففي مساء 13 أبريل 1966، كان في حفل في منطقة الأهوار، وتأخرَّ هناك إلى المساء، ثم حلقت به طائرة عمودية إلى البصرة، وانفجرت في الجو، واحترقت بكل من فيها. وقيل إن السبب عاصفة ترابية، جعلت الطائرة تستدير بزاوية 90 درجة نحو اليسار، ثم استدارت نحو اليمين 90 درجة، وأخذ قائدها يرسل الاستغاثات، ثم انفجرت الطائرة. وتم تشييع جثمانه في 16 أبريل 1966. وتولى رئاسة الجمهورية بعده أخوه عبدالرحمن محمد عارف.
[1] فيصل حسون، "مصرع المشير الركن عبدالسلام محمد عارف"، دار الحكمة، ط1، لندن، 1995، ص 11 ـ 64. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم (3)، الصادر بتاريخ 20 يوليه 1958. - صحيفة اتحاد الشعب، العدد الرقم (38)، الصادر بتاريخ 11 مارس 1959. - عبدالسلام محمد عارف، "مذكرات عبدالسلام محمد عارف"، المؤسسة القومية للتأليف والنشر، تقديم علي منير، بغداد 1967. - مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، `الموسوعة العربية العالمية`، الرياض، ط2، 1999، ج 16، ص 97. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:40 pm | |
| نزار حمدون (1944م ـ 2003)
أولاً: بيانات عامة
الاسم بالكامل : نزار حمدون
مكان وتاريخ الميلاد : بغداد، في 18 مايو 1944.
أسرته : متزوج من سحر حمدون، وله منها ابنتان.
ثانياً: الوظائف والمناصب التي شغلها
1. قضى فترة خدمته العسكرية، بين عامي 1968 و1970، في القوات الجوية العراقية.
2. كان عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث العراقي من 1970 إلى 1981.
3. عُين نائباً لوزير الثقافة والإعلام العراقي من 1981 إلى 1983.
4. التحق بوزارة الخارجية، وتولى رئاسة الممثلية العراقية في واشنطن. ثم عُيّن سفيراً عراقياً لدى الولايات المتحدة الأمريكية من 1984 إلى 1987.
5. في عام 1987 عُين نائباً لوزير الخارجية العراقي إلى 1992، حين أصبح المندوب الدائم العراقي في هيئة الأمم المتحدة.
6. تولى نزار حمدون رئاسة جمعية المهندسين العراقيين منذ العام 1990.
7. شغل منصب وكيل وزارة الخارجية العراقية من مطلع يناير 2000.
8. وكان حمدون أول سفير لبلاده في الولايات المتحدة إثر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1984. ثم شغل منصب ممثل بغداد في الأمم المتحدة من 1992 إلى 1999.
9. وقد توفي في إحدى مستشفيات نيويورك يوم الأحد 6 يوليو (تموز) 2003.
سعدون حماديّ[1] (1930م ـ 2007م) سياسي ورجل دولة عراقي
وٍلد في كربلاء، عام 1930، وتلقى دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت. ثم التحق بجامعة وسكنسن الأمريكية، حيث حاز شهادة الدكتوراه في الاقتصاد (الإصلاح الزراعي). وكان قد درس الاقتصاد في جامعة بغداد، عام 1957.
انتسب لحزب البعث العربي الاشتراكي، أثناء دراسته في بيروت، وبرز في صفوف الحزب، في أواخر الخمسينات، ثم عمل في ليبيا، حيث أُودع السجن، إبان العهد الملكي، لقيامه بنشاط ثوريٍّ فيها.
عُين وزيراً للإصلاح الزراعي، في أول وزارة، شكّلت على أثر سقوط حكم عبدالكريم قاسم، في 8 فبراير 1963، وأعفي من منصبه، بعد انقلاب 18 نوفمبر 1963. انضم إلى العمل في الأمم المتحدة، ليعمل خبيراً اقتصادياً في دمشق، كما عمل مستشاراً اقتصادياً للحكومة السورية في منتصف الستينات.
في أكتوبر 1968، عُين عضواً في مجلس التخطيط، وفي الشهر التالي، عين رئيساً لمجلس إدارة شركة النفط الوطنية العراقية وحتى مايو 1975. وبنهاية عام 1969، عين وزيراً للنفط والمعادن. وفي 11 نوفمبر سنة 1974، أصبح وزيراً للخارجية العراقية. وشارك من خلال منصبه هذا في المؤتمرات العربية والدولية منذ ذلك الحين. واشتهر باتزانه وهدوء أعصابه. عينه صدام حسين رئيساً للمجلس الوطني العراقي (مجلس النواب).
وفي عام 1982 أصبح نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، فيما عُيّن رئيسًا للوزراء في مارس عام 1991. وانتُخب عام 1996 رئيسًا للمجلس الوطني (البرلمان) حتى مارس 2003 عند الاجتياح الأمريكي للعراق.
توفي في مارس 2007 في إحدى مستشفيات ألمانيا؛ بعد مرض عضال أُصيب به أثناء فترة أسْره لدى القوات الأمريكية.
وكان "حمادي" قد اعتُقل لعدة أشهرًا بعد الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، وتنقل بين معتقل أمريكي بالقرب من المطار وسجن "أبو غريب" غربي بغداد، قبل أن يُطلق سراحه في فبراير 2004.
له كتابات عديدة حول الإصلاح الزراعي، والوحدة العربية، وقضايا الثورة العربية. وكان من مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية.
[1] موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، مج 3، ص 165.
محمد باقر الحكيم
ولد محمد باقر الحكيم في 25 جمادى الأولى عام 1358 هـ/ 1939م، في مدينة النجف، بالعراق.
وكان والده محسن الطباطبائي الحكيم، (توفي في 27 ربيع الأول عام 1390هـ الموافق 1970م)، المرجع الديني العام للشيعة منذ أواخر الخمسينيات.
وأسرة الحكيم من الأسر العلمية الشيعية في العراق (آل طباطبا)، ولها تاريخ طويل في الاشتغال بعلوم الشيعة. وقد برز منها قبل ذلك علماء شيعة، مشهورون بالطب والأخلاق والفقه والأصول، وعدد كبير آخر من أساتذة الحوزة العلميـة. وفي أوائل الثمانيـنيات من القرن العشرين، تعرضت أسرة الحكيم إلى حملة اعتقال ومضايقات، على يد حزب البعث العراقي.
نشأته وتربيته:
نشأ محمد باقر الحكيم في أسرة فقيرة، وتلقى علومه الأولية في كتاتيب النجف، ثم التحق بالدراسة الابتدائية. بدأ، في مرحلة مبكرة، الدراسة في الحوزة العلمية الشيعية، عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وكان ذلك سنة 1370هـ ـ 1951م.
وتتلمذ على يد أساتذة كبار في اللغة والأدب والفقه من أمثال أبي القاسم الخوئي والإمام محمد باقر الصدر.
وقد عُرِف منذ سنّ مبكرة بنبوغه العلمي، وقدرته الذهنية والفكرية العالية، فنال في أوائل شبابه، من الإمام مرتضى آل ياسين، شهادة اجتهاد في علوم الفقه وأصوله وعلوم القرآن، وذلك في عام 1383هـ. كما أسهم في تأسيس الحركة الإسلامية الشيعية في العراق.
وعندما تأسست جماعة العلماء في النجف في أواخر السبعينات الهجرية، (أواخر الخمسينات الميلادية)، اختير عضواً في اللجنة المشرفة على مجلة (الأضواء الإسلامية)، وهي مجلة إسلامية أسهمت كثيراً في تشكيل الوعي الفكري والسياسي الإسلامي الشيعي، لدى جيل الخمسينيات الميلادية.
مارس التدريس في الفقه والأصول، وكانت له حلقة للدرس في مسجد الهندي في النجف.
ولم يقتصر الإمام محمد باقر الحكيم في علمه على الفقه والأصول، وتثقف بالمعارف والعلوم الحديثة، وكان يطّلع ـ في شبابه ـ على الأفكار الجديدة، التي أخذت تدخل إلى أوساط المجتمع العراقي عبر الكتب والمجلات والصحف.
ومع ذيوع صيته العلمي، عُيّن عام 1964م، وعمره خمسة وعشرون عاماً، أستاذاً في كلية أصول الدين في بغداد، ودرّس علوم القرآن، والشريعة، والفقه المقارن. وقد استمر في التدريس حتى عام 1975م. كما شارك في اجتماعات الهيئة التدريسية، وأشرف على مجلة (رسالة الإسلام).
وقد تعاظم دوره في هذه الكلية، بعد غياب السيد مرتضى العسكري عن عمادة الكلية بسبب ظروف المطاردة التي حدثت في العراق سنة 1968.
وإلى جانب نشاطه العلمي في الحوزة العلمية في النجف، والتدريس في كلية أصول الدين ببغداد، سعى إلى تأسيس [مدرسة العلوم الإسلامية] في النجف، سنة 1384هـ.
كما تولى، بطلب من والده، مهام التبليغ الإسلامي والعالم الديني في مدينة الكوت لمدة شهرين تقريباً، بعد الشيخ سليمان اليحفوفي.
كما شارك في عدد من المؤتمرات الفكرية، وقدّم عدداً من الدروس والمحاضرات في التفسير والفقه والتاريخ والسياسة والمجتمع. وكان حصيلة ذلك مجموعة من الكتب والأبحاث والدراسات.
وقد صدرت له الكتب والدراسات والمنشورات الآتية:
· علوم القرآن [مجموعة المحاضرات التي ألقاها على طلابه في كلية أصول الدين] (مطبوع)، وقد نقّحه وأضاف عليه، وأعيد طبعه في أواخر عام 1417هـ.
· الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق (مطبوع).
· القصّة في القرآن وقصص أنبياء أولو العزم (تحت الطبع).
· الهدف من نزول القرآن وآثاره على منهجه في التغيير (مطبوع).
· مقدمة التفسير وتفسير سورة الحمد (الفاتحة) (تحت الطبع).
· أهل البيت (رضوان الله عليهم) ودورهم في الدفاع عن الإسلام (مطبوع).
· دور الفرد في النظرية الاقتصادية الإسلامية (مطبوع).
· حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية (مطبوع).
· النظرية الإسلامية في العلاقات الاجتماعية.
· منهج التزكية في القرآن.
· تفسير سورة الصف (مخطوط).
· تفسير سورة الجّمعة (مخطوط).
· تفسير سورة المنافقون (مخطوط).
· تفسير سورة الحشر (مخطوط).
· تفسير سورة التغابن (مخطوط).
· المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن ـ وقد كتبه في الستينيات، وطبع في العراق، (مطبوع).
· الظّاهرة الطاغوتية في القرآن (مطبوع).
· ثورة الإمام الحسين (رضي الله عنه) (مطبوع).
· النظرية الإسلامية في التحرك الإسلامي (مطبوع).
· الوجه الآخر للنظام العراقي (مطبوع).
· أفكار ونظرات جماعة العلماء (مطبوع).
· نظرات في تاريخ التحرك السّياسي العراقي.
· لمحة عن مرجعية الإمام الحكيم (مطبوع).
· النظرية السّياسية للشهيد الصدر (مطبوع).
· العلاقة بين القيادة الإسلامية والأمة (مطبوع).
· دعبل بن علي الخزاعي "شاعر أهل البيت" (مطبوع).
· الكفاح المسلّح في الإسلام (مطبوع).
· الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين (مطبوع).
· القضية الكردية من وجهة نظر إسلامية (مطبوع).
· الصراع الحضاري والقضية الفلسطينية (مطبوع).
· العراق.. تصورات الحاضر والمستقبل (مطبوع).
· أزمة الخليج الأسباب والنتائج (مطبوع).
· دور أهل البيت (رضوان الله عليهم) في بناء الجماعة الصالحة (مطبوع).
· وقد طُبعت بعض خطبه، التـي كان يلقيها في المنـاسبات الدينية والسياسية على شكل كراسات، منها:
· مأساة الحسين (رضي الله عنه) وتصعيد روح المقاومة.
· المرجعية الدينية ودورها في الأمة.
· آثار مرجعية الإمام الحكيم.
· المرجعية، الوحدة، الجهـاد.
· السيد النقوي ومدرسة أهل البيت.
· الشهيد السيد محمد مهدي الحكيم وحركة حزب الله.
· السيد محمد مهدي الحكيم الجهاد، الهجرة، الشهادة.
· العمل الجهادي والغطاء السياسي.
· إستراتيجيتنا المستقبليـة.
· المشروع السياسي العسكري.
· انتفاضة الشعب العراقي (15 شعبان) تجسيد الولاء للإسلام.
· حوارات، وهو كتاب ضمّ مجموعة من الحوارات السياسية والثقافية، التي أجريت معه على فترات مختلفة.
المؤسسات الثقافية:
إلى جانب نشاطاته السياسية، أولى محمد باقر الحكيم القضايا الثقافية والإسلامية في إيران اهتماماً كبيراً. فكان له دور كبير في إنشاء مؤسـستين إسلاميـتين عالميتين:
الأولى: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ويشغل فيه منصب رئيس المجلس الأعلى.
والثانية: المجمع العالمي لأهل البيت، ويشغل فيه منصب نائب رئيس المجلس الأعلى.
كما أسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، ومقره في مدينة قم.
وكذلك أسس مؤسسة (دار الحكمة)، التي تضم مدرسة دينية حوزوية، ومركزاً للنشر، ومركزاً آخر للبحوث والدراسات، ومكتبة علمية.
كان محمد باقر الحكيم مسؤولاً عن بعثة الحـج الدينيـة التابعة لوالده الإمام الحكيم، فقد ظل لتسع سنوات متوالية (60 ـ 68م) يسافر إلى الحج.
نشاطه السياسي:
شارك محمد باقر الحكيم في تأسيس التنظيم الإسلامي سنة 1378هـ، مع علماء آخرين منهم محمد باقر الصدر، ومحمد مهدي الحكيم، ومرتضى العسكري. وهو التنظيم الذي أصبح يعرف فيما بعد بـاسم (حزب الدعوة الإسلامية)، وقد استمرت مرحلة التأسيس، التي كان يقوم فيها بدور فكري وثقافي، بشكل عام وتنظيمي بشكل محدود، لمدة سنتين، إلاّ أنّ ظروفاً جعلته والإمام الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم يتركون العمل داخل الإطار الحزبي، عام 1380هـ، ويتخصص للعمل الجماهيري، بقيادة المرجعية الدينية.
ولكنه ظل على علاقته بالعمل السياسي المنظم على مستوى الرعاية والإسناد والتوجيه، من خلال جهاز مرجعية والده الإمام الحكيم، وبشكل مستقل، بعد ذلك ، أو من خلال الموقع القيادي العام، الذي كان يمارسه الإمام الصدر.
وعلى الصعيد الرسمي، مثّل محمد باقر والده الإمام الحكيم، في عددٍ من النشاطات الرسمية، كحضوره في عدة مؤتـمرات واجتماعات، مثل المؤتـمر الإسلامي الذي عُقـد في مكة المكرمة سنة 1965، والمؤتمر الإسلامي الذي عقد في عمّـان بالأردن في أعقاب نكسة 5 حزيران عام 1967 م ـ 1387 هـ.
بعد وفاة والده الإمام الحكيم، استمر محمد باقر على منهج والده. ومع تطورات الأوضاع السياسية، وتنامي حركة الوعي الإسلامي في العراق، ازداد ثقل المسـؤولية التي تحمـلّها الإمام الصدر و محمد باقر الحكيم. لذلك تصاعدت حركة نشاطه السياسي، على الرغم من الرقابة الشديدة السرّية التي كان يتعرض لـها.
اعتقالاته ومحاولات اغتياله
كان اعتقاله الأول خلال حملة الاعتقالات الواسعة، التي شملت عدداً من العلماء، وفي مقدمتهم الإمام الصدر عام 1972م، وكان المعتقل الوحيد الذي نقل إلى بغداد. وعندما صدر قرار الإفراج عنه، أصرّ أن لا يخرج من السجن حتى يصدر قرار الإفراج عن الإمام الصدر، وقد أطلق سراحه بعد الضغط الجماهيري ضد السلطة.
وبعد إطلاق سراحه، استمر في مواصلة نشاطه السياسي والاجتماعي والعلمي، على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي عاشها، ووضعه تحت المراقبة الشديدة، ومنعه من السفر إلى خارج العراق.
وفي عام 1974 م قاد النظام البعثي العراقي، حملة واسعة من الاعتقالات ضد الإسلاميين، تعرّض فيها الإمام الصدر والسيد الحكيم، وقائمة كبيرة من العلماء للتهديد بالاعتقال. ولكن الضغط الجماهيري، خصوصاً من خارج العراق، الذي قاده الإمام موسى الصدر أوقف حملة الاعتقالات. وفي عام 1977م، حدثت انتفاضة صفر، بسبب تدّخل النظام في الشعائر الشيعية، ومنعه إقامة طقوس. وقد شارك فيها مئات الآلاف من أبناء العراق، وكان مركز انطلاقها مدينة النجف. وفي تلك الانتفاضة أرسل الإمام الصدر محمد باقر الحكيم ممثـلاً عنه، لتوجيه خطابه السياسي، ولإشعار المنتفضين أن المرجعية معهم. فاعتقل محمد باقر، وقد عُذب في معتقله، في 22 صفر 1397 هـ الموافق 11 شباط 1977م، ثم صدر عليه الحكم بالسجن المؤبد. وقد أطلق سراحه، في عفو عام عن السجناء السياسيين والعاديين، في 17 تـموز عام 1978م، ولكنه منع من السفر، ووضع تحت المراقبة السرّية والمستمرة.
وعقب موت الإمام الصدر في أوائل نيسان (أبريل) عام 1980م، اتّخذ السيد الحكيم قرار الهـجرة من العراق. وكانت هجـرته في أوائل تموز عام 1980م بشكل سرّي عن طريق سوريا.
وقد تعرَّضَ محمد باقر الحكيم لعدد من محاولات الاغتيال بطرق متعددة، داخل العراق، وبعضها في إيران.
نشاطاته خارج العراق
عقب خروجه من العراق في تموز عام 1980، أمضى ثلاثة أشهر في سوريا، يعمل بصورة غير علنية، وكتب في ذلك بحثين مهمين.
ثمَّ توجّـه نحو إيران، ودخلها في أوائل تشرين الأول عام 1980، قبل الحرب العراقية الإيرانية بأيام قليلة. وفي أول وصوله نزل ضيفاً على الإمام الخميني، الذي خصّص له منزلاً مجاوراً لمقَّره، وأولاهُ عناية كبيرةً، واهتماماً ملحوظاً ومتميّزاً.
وفي طهران قصده العراقيون الموجودون في إيران، في وفود شعبيـة كبيرة. فاستـقبلها في جماران. ومن هناك، أعلن عن المواجهة الشاملة ضد النظام العراقي.
ثم عمل على تأسيس حركة جماعة العلماء العراقية، ومكتب الثورة الإسلامية في العراق، أسفر ذلك النشاط المتواصل عن انبثاق [المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فـي العراق] فـي أواخر عام 1981م ـ 1401هـ، وانتخب ناطقاً رسمياً باسم المجلس، وأوكلت إليه مهمة إدارة العمل السياسي في المجلس وتمثيله. ومنذ عام 1986م أصبح الحكيم رئيساً لهذا المجلس.
وقبل تشكيل المجلس الأعلى، سعى الحكيم إلى إيجاد قوة عسكرية مدّربة تدريباً جيداً، تحمل السلاح. فوجّه نداءاته للشباب العراقي، الذي انخرط في تعبئة سميّت بـ [التعبئة الإسلامية]، فأولى عنايته الخاصّة لهذا التشكيل.
وبعد ذلك اُتخذت الحركة ضد النظام العراقي طابعاً أكثر وضوحاً، على الصعيدين العسكري والسياسي. فعلى الصعيد العسكري تشكّلت في البداية، أفـواج الجهاد، ثم تطورت لتصبح فيلقاً عُرِفَ باسم [فيلـق بـدر]، أما في الداخل فقد تشكّلت قوات المقاومة الإسلامية والجهاد، حيث نفّذت عمليات كبيرة داخل العراق، وكان لـها صدى أكبر في مناطق الأهوار.
وكان لمحمد الحكيم جهوده في رعاية شؤون الأسرى العراقيين، حيث تم بسعيه تشكيل لجنة خاصة لرعايتهم، تحت إشراف مجلس الدفاع الأعلى، وتشكيل لجنة ثقافية لهم.
أما على الصعيد السياسي، فقد تحوّل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، إلى مؤسـسة سياسية مهمة ومعروفة على الصعيد الدولي، وأصبح له وزن دولي كبير.
وظل يبرق برسائله ومذكّراته، إلى الأمم المتحدة وأمينها العام، وملوك ورؤساء البلاد العربية والإسلامية، في كل مناسبة، يطالبهم بـاتخاذ التدابير اللازمة برفع الظلم عن الشعب العراقي.
وأسس المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، وهو مركز يعتني بجمع الوثائق عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، والاستفادة منها في فضح النظام، في أوساط المجتمع الدولي، كما شجّع على التحرك في أروقة الأمم المتحدة، وتحرّك بنفسه حتى التقى بالأمين العام بيريز ديكويلار، في عام 1992م.
وشجّعّ كذلك على إرسال الشهود والوثائق المرتبطة بالسجناء، إلى مؤسسات الأمم المتحدة المعنية، وكذلك التحرك على منظمات حقوق الإنسان في البلدان الأوربية، وفي بعض البلدان الآسـيوية. وكان لتلك الحركة أثرها الكبير في قيام الأزمة بين البلدان الأوربية والأمريكية، والنظام العراقي، وتصعيدها بإيقاف المساعدات، ثم تفجيرها باحتلال العراق لدولة الكويت في 2 أغسطس 1990.
كما أسهم في تأسيس المنظمات والمؤسسات، التي تهتم بالخدمات الإنسانية والثقافية، كالإغاثة والتعليم والصحة والتوثيق، مثل مؤسسة الشهيد الصدر ومستوصفاته المتعددة، والمدارس الابتدائية، ومدارس الحوزة العلمية، وإرسال المبلغين الدينيين، ورعاية حركة حفظ القرآن وتلاوته، وتأسيس المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية.
وعندما تعرّض الشعب العراقي للحصار بعد احتلاله الكويت، أدرك الحكيم، حجم المأساة التي سوف يعانيها الشعب العراقي، فوجّه نداءً إلى كل العراقيين في الخارج، ودعاهم إلى تشكيل لجان الإغاثة استعداداً للمرحلة القادمة.
ومن جانب آخر، تحرّك باقر الحكيم بشكل واسع من أجل إسقاط نظام صدام حسين، فزار الأمم المتحدة، والتقى بالأمين العام خافير ديكويلار، كما طلب الدعم من دول الجوار، فزار السعودية وسوريا والكويت، والتقى برئيس الوزراء التركي، ورئيس الوزراء السوداني، وتحادث مع الملك حسين، وولي عهده الأمير حسن، فضلاً عن علاقاته ولقاءاته المتميزة مع قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبريطانيا وسويسرا، لدعم هذا التحرك.
عاد آية الله باقر الحكيم، زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وهو أكبر جماعة شيعية إسلامية في العراق إلى البلاد بعد 23 عاما قضاها في المنفى بإيران.
في 29 أغسطس 2003م الموافق 1 رجب 1424 هـ، وبعد انتهائه من صلاة الجمعة وخروجه من الصحن الحيدري الشريف، تعرض موكبه لعملية تفجير أدت إلى اغتياله.
طه ياسين رمضان (1938 ـ 2007م) رجل دولة عراقي، نائب رئيس الجمهورية
ولد طه ياسين رمضان في الموصل، ونشأ بها. حصل على الثانوية العامة، والتحق بالكلية العسكرية وتخرج فيها، ثم أحيل إلى التقاعد في عام 1959، ثم أُعيد إلى الخدمة، بعد ثورة 8 فبراير 1963، ثم أُحيل إلى التقاعد، مرة أخري، عام 1964، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية، لمدة سنتين. وبعد ذلك، اُنتخب عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.
وفي 17 يوليه 1968، أُعيد للخدمة في الجيش، ثم عُين عضواً في مجلس قيادة الثورة، في نوفمبر 1969. وترأس محكمة خاصة، في مطلع عام 1970، لمحاكمة أعداء الثورة.
في مارس 1970، عُين وزيراً للصناعة، واستمر في هذا المنصب إلى أن عُين وزيراً للإسكان، عام 1976، ثم أصبح قائداً للجيش الشعبي. وكان طه ياسين رمضان قد أُعيد انتخابه للقيادة القطرية في مطلع عام 1974، وأُسند إليه منصب وزير التخطيط، بالوكالة، من نوفمبر 1974 إلى مايو عام 1976. وفي عام 1977، انتخب عضواً في القيادة القومية للحزب.
تولى طه ياسين رمضان منصب نائب أول لرئيس الوزراء، على أثر تولى صدام حسين رئاسة الجمهورية، في 16 يوليه 1979. وخول له منصبه متابعة نشاط الوزارات ومؤسسات الدولة، كما قام بزيارات لدول أوروبا الغربية، والاتحاد السوفيتي، بهدف تطوير علاقاتها بالعراق. وكان له نشاط دبلوماسي ملحوظ، أثناء وبعد غزو العراق للكويت عام 1990.
شغل منصب نائب الرئيس العراقي للفترة من 1991م إلى 2003م.
اعتقل في 19 أغسطس 2003، في مدينة الموصل، شمالي العراق.
وكان اسمه قد ورد في قائمة الـ55، التي وضعتها الولايات المتحدة لكبار المطلوبين من النظام العراقي السابق.
وقد حكم على "رمضان" أواخر العام 2006 بالسجن المؤبد بسبب دوره فيما يُعرف بقضية "الدجيل"، إلا أن محكمة الاستئناف أوصت بتشديد العقوبة إلى الإعدام.
وفي الثاني عشر من شهر فبراير من عام 2007، أصدرت المحكمة العراقية العليا - المشكلة من قِبل قوات الاحتلال - حكماً يإعدام "رمضان" شنقاً حتى الموت. ونفذ الحكم في 20 مارس 2007.
وكان حُكم إعدامه قد قوبل بردود فعل دولية مختلفة، وطالبت منسقة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة "لويز أربور" بعدم تنفيذ الحكم الذي رأت فيه "خرقاً للقانون الدولي". |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:40 pm | |
| أحمد حسن البكر[1]
(1332 ـ 1403هـ) ـ (1914 ـ 1982م)
سياسي ورجل دولة وعسكري عراقي. عضو في القيادة القومية وأمين سر القيادة القطرية للحزب الحاكم في العراق. رئيس الجمهورية العراقية (1968 ـ 1979م).
ولد في تكريت (في العراق). وتخرج في مدرسة دار المعلمين عام 1932. والتحق بالكلية العسكرية العراقية عام 1938.
كان عضواً في تنظيم الضباط الأحرار، المشاركين في تنفيذ ثورة 14 يوليه 1958، التي أسقطت الملكية وأعلنت الجمهورية العراقية. عُين بعد الثورة عضواً في المجلس العرفي العسكري.
أُتهم بالتآمر على الرئيس عبدالكريم قاسم، خلال ثورة الموصل، التي قادها العقيد عبدالوهاب الشواف، في 8 مارس 1959م، بمؤازرة عناصر بعثية وناصرية، فصودرت أمواله في 19 أبريل 1959، وأحيل إلى التعاقد برتبة مقدم.
شارك في إسقاط نظام عبدالكريم قاسم في 8 فبراير 1963، ومنح رتبة لواء وعُين رئيساً للوزراء.
وفي 18 نوفمبر 1963، أقصى الرئيس عبدالسلام عارف، رئيس الجمهورية العراقية، معظم البعثيين عن الحكم، وأبعد أحمد حسن البكر عن رئاسة الوزراء، وعينه في منصب نائب رئيس الجمهورية. ثم أبعده عن نيابة الرئاسة. أُعتقل أحمد حسن البكر لفترةٍ في عام 1964، إبان حكم الرئيس عبدالسلام عارف.
وفي ليلة 4/5 سبتمبر عام 1965م، شنت السلطة الحاكمة حملة ضد البعثيين بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، وقبض على أحمد حسن البكر، وأُودع السجن. وبعد خروجه فرضت عليه الإقامة الجبرية.
وبعد وفاة عبدالسلام عارف، في حادث طائرة في 13 أبريل 1966، وتولي أخيه عبدالرحمن عارف رئاسة الجمهورية، عُرض على أحمد حسن البكر، المشاركة في الحكم، إلا أنه رفض العرض.
أصبح أحمد حسن البكر أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وتولى، بالتعاون مع عبدالرزاق النايف رئيس الحرس الجمهوري، وعبدالرحمن الداوود، قيادة عملية إسقاط حكم عبدالرحمن عارف، في 17 يوليه 1968، وعين رئيساً للجمهورية، وغدا عبدالرزاق النايف رئيساً للوزراء.
وفي 30 يوليه من العام نفسه، تم إقصاء عبدالرزاق النايف من منصبه، وتولى الرئيس أحمد حسن البكر، القيادة العامة للقوات المسلحة، ومهمة تشكيل الوزارة. وأصبح البكر أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وتحققت لحزب البعث السيطرة الكاملة على السلطة.
وتمكن أحمد حسن البكر من إحباط محاولة انقلاب ضده في 20 يناير 1970، بزعامة العميد عبدالغني الراوي وعدد من الضباط. وبعد هذه المحاولة، أسند الرئيس أحمد حسن البكر صلاحيات واسعة للواء ناظم كزار، مدير الأمن العام، إلاّ أن كزار حاول القيام بانقلابٍ، في يونيه 1973، لكنه فشل وأُعدم، وتعززت مركزية السلطة للبعث.
عمل الرئيس البكر مع قيادة الحزب على حل المشكلات التي تواجه البلاد وبذل الجهود لحل المسألة الكردية في شمالي البلاد، وأعلن في 11 مارس 1970، توصل مجلس قيادة الثورة إلى حلّ لها، يتضمن إعطاء الحكم الذاتي للمنطقة الشمالية.
وفي 18 مارس 1970، شكلت لجنة مشتركة للإشراف على تطبيق الاتفاقية مع الأكراد، وحُددت الفترة من مارس 1970 إلى مارس 1974، كفترة انتقالية تسبق الحكم الذاتي، الأمر الذي أدى إلى تهدئة الصراع في الشمال.
واستغل البرازاني هذه الفترة لتدعيم قواته، وحصل على أعداد كبيرة من الأسلحة والمدفعية والذخائر من إيران، التي كانت تساعده على تثبيت أقدامه في شمال العراق، بغية مشاغلة الحكومة العراقية وتشتيت قواها، وإبعاد البرازاني عن أكراد إيران، ومنعه من تحريضهم على الثورة، كما حدث عام 1946. وتابعت إسرائيل دعم البرازاني بالأسلحة والمدربين، لتشتيت الجيش العراقي. وعندما وجد البرازاني أن قوته غدت كبيرة، وأن المنطقة التي يسيطر عليها حصلت على عمق كاف، وأصبحت متصلة بدولة مجاورة مؤيدة لها، بدأ ينقض الاتفاقات المعقودة مع الحكومة، ويطالب بتوسيع منطقة الحكم الذاتي، حتى تشمل منابع النفط في كركوك، وأدى كل ذلك إلى تجدد القتال في مارس 1974.
وفي 6 مارس 1975 تم التوصل إلى تفاهم عراقي ـ إيراني، وأعلن خلال مؤتمر الدول المنتجة للنفط، المنعقد في الجزائر، عن اتفاق إيراني ـ عراقي (أطلق عليه اتفاقية الجزائر) حول مختلف المشاكل الحدودية المعلقة، وتَعَهُدْ الدولتين بعدم القيام بأي عمل، يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. وكان هذا الاتفاق ضربة إستراتيجية للملا مصطفى البرازاني، الذي فقدت قاعدته عمقها الجغرافي، ولم يعد بوسع قواته الحصول على مساعدات من دولة حليفة، الأمر الذي أدى إلى انهيار هذه القوات بسرعة أمام الضغط العسكري العراقي.
وفي 13 مارس 1975، توقفت العمليات الحربية في شمال العراق، ولجأ البرازاني وعدد من أنصاره إلى إيران، على حين استسلم الباقون للسلطات العراقية، التي أعلنت عفواً عاماً، وبدأت تجمع الأسلحة من أنصار البرازاني (الباشمركة). وفي 3 مايو 1975، صرح الملا مصطفى البرازاني بأن انتفاضة الأكراد ضد الحكومة العراقية لن تتكرر أبداً.
وفي عهد الرئيس البكر توصلت الحكومة العراقية وقوى المعارضة إلى اتفاق لتشكيل جبهة وطنية، ضَمّت حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي العراقي، والفئات الديموقراطية الكردية، والقوميين المستقلين.
أعلن الرئيس أحمد حسن البكر، تأميم النفط في أول يونيه 1972، بعد مفاوضات مع شركات النفط. وقد نتج عن السياسة الاقتصادية ارتفاع في مستوى دخل الفرد العراقي.
وقع الرئيس أحمد حسن البكر معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في 9 أبريل 1972. كما أقام العراق علاقات وثيقة مع بلدان أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، وذلك بالإضافة إلى توثيق العلاقات باليابان، وعدد من دول العالم الثالث، كما ساند العراق حركات التحرر، وانفتح على أفريقيا وآسيا. وزار الرئيس البكر بلغاريا وبولندا عام 1973.
وفي أكتوبر 1973م، شارك العراق في القتال بإرسال فرقة من الجيش العراقي، وسرب طيران إلى جبهة القتال مع إسرائيل. وعلى أثر اتفاقية كامب ديفيد، بين مصر وإسرائيل عام 1978م، بادر الرئيس أحمد حسن البكر إلى الدعوة لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد، وانعقد المؤتمر في نوفمبر 1978م، كما تم توقيع ميثاق العمل القومي الوحدوي بين دمشق وبغداد، في أكتوبر عام 1978م.
وفي يوليه 1979 أعلن في بغداد عن استقالة البكر من رئاسة الجمهورية لأسباب صحية وخلفه صدام حسين.
تُوفي أحمد حسن البكر في بغداد في 4 أكتوبر 1982.
[1] موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1993، ج 1، ص 92 ـ 93 - الموسوعة العربية العالمية، ج1، ص271. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:41 pm | |
| عزت (عزة) إبراهيم الدوري[1] (1942م ـ .......) مناضل ورجل دولة عراقي
ولد عام 1942، في أسرة ريفية فقيرة. درس في قضاء سامراء وبغداد، وانتسب لحزب البعث العربي الاشتراكي.
اُعتقل عام 1959، وأُعيد اعتقاله عام 1963، وأُودع السجن من نوفمبر 1963 حتى عام 1967. بعد ثورة يوليه 1968، عين رئيساً للجنة العليا للعمل الشّعبي، وأصبح عضواً في القيادة القُطْرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقبل نهاية عام 1969، أصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة، وفي نهاية العام نفسه، عُين وزيراً للإصلاح الزراعي، ثم وزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي، بعد دمج الوزارتين عام 1972.
وفي عام 1974، أُعيد انتخابه عضواً في القيادة القطرية. وفي نوفمبر 1974، عُين وزيراً للداخلية.
وفي 16 يوليه 1979، تولى صدام حسين رئاسة الجمهورية، وعين عزت إبراهيم نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة. زار عزت إبراهيم عدداً من الدول العربية والأجنبية، بهدف تطوير علاقات العراق معها.
بعد عملية غزو العراق 2003 اختفى عزة الدوري ورصدت القوات الأمريكية عشرة ملايين دولار لمن يتقدم بأي معلومات تقود إلى اعتقاله أو قتله.
وضعت القوات الأمريكية صورته على كرت ضمن مجموعة أوراق لعب لأهم المطلوبين من قبلها، وكان المطلوب السادس للقوات الأمريكية.
نسب له الإشراف على الكثير من العمليات المسلحة.
نسب له مجموعة من التصريحات التي تدعو قطاعات مختلفة من الشعب العراقي لمقاومة الاحتلال.
أعلن حزب البعث العراقي نبأ وفاته في 11 نوفمبر 2005، ولكن الحزب نفى ذلك لاحقاً.
[1] موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، مج 4، ص 104. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:42 pm | |
| صدّام حُسين[1] (1356هـ ـ ذو الحجة 1427هـ) (أبريل 1937م ـ ديسمبر 2006) رئيس الجمهورية العراقية منذ 16 يوليه 1979م وحتى 20 مارس 2003م
ينتمي لحزب البعث الذي يرفع شعارات القوميّة العربيّة والوحدة الاشتراكيّة، التي انتشرت في العراق بعد سورية. شغل قبل توليه رئاسة الجمهورية، منصب نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، ونائب رئيس الجمهورية.
ولد صدام حُسين في 28 أبريل 1937، في قرية (العوجة)، بالقرب من تكريت ـ مسقط رأس صلاح الدين الأيوبي ـ على نهر دجلة، شمالي العراق، في أسرة سُنيّة متواضعة. نشأ يتيماً، فربّاه خاله خيراللّه طلفاح، الضابط القومي العربي، الذي شارك في ثورة العراق الوطنية، عام 1941. انتقل إلى تكريت للالتحاق بالمدرسة، ثم انتقل مع خاله إلى بغداد.
وبالرغم من أن الرئيس صدام حسين لم يدخل المدرسة إلا في سن التاسعة، إلا أنه تمكن من الالتحاق بمدرسة الكرخ الثانوية وهو في سن الثامنة عشر، حيث بدأ يعمل مع حزب البعث عام 1955.
وفي عام 1957، وجد صدام نفسه يتجاوب بشكل طبيعي مع مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، وكتابات ميشيل عفلق، التي وجد فيها تعبيراً عن مشاعره الوطنية.
وإبان المظاهرات التي قامت في وجه العدوان الثلاثي على مصر، وجد نفسه مهيأ للانضمام إلى صفوف الحزب.
وفي 1958، ألقت به سلطات عبدالكريم قاسم في السجن. ولمس فيه البعثيون، المعتقلون معه، جرأة وشجاعة. وعندما فاتحه بعض أعضاء الحزب بتكليف من قيادة الحزب، بخطة لتصفية عبدالكريم قاسم، لم يتردد في الموافقة على الفور، واعتبر ذلك التكليف تكريماً له.
وفي فبراير 1959، قررت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، اغتيال عبدالكريم قاسم، قبل تنفيذ حكم الإعدام بالضباط الذين ساهموا في حركة الموصل، غير أن عبدالكريم قاسم كان أسرع منهم، إذ نفذ أحكام الإعدام فيهم، في 20 سبتمبر 1959، وصاحب ذلك غليان شعبي، عبرت عنه المظاهرات الصاخبة في بغداد، والتي قمعتها السلطة بالقوة.
وفي مساء 7 أكتوبر 1959، نفذ صدام حسين ورفاقه، خطة محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، الذي أُصيب بجروح طفيفة، كما أصيب صدام حسين برصاصة في ساقه اليسرى، ولكنه، مع ذلك، تمكن من الهرب، واللجوء إلى سورية، بعد رحلة شاقة، محفوفة بالمخاطر. وقد مكث في دمشق أربعة أشهر، انتقل بعدها إلى القاهرة، حيث أنهى الدراسة الثانوية، ودخل بعدها كلية الحقوق في جامعة القاهرة. وفي القاهرة، أخذ يبرز في صفوف تنظيم الحزب (المقتصر على الطلبة العرب آنذاك)، وتوالى انتخابه في القيادات الحزبية، حتى وصل إلى قيادة فرع مصر. كما استفاد، آنذاك، من دراسة التجربة الناصرية، واستخلاص العبر منها.
وقد أحيل الذين ارتكبوا محاولة قتل عبدالكريم قاسم، بما فيهم الهاربون، إلى المحاكمة العسكرية العليا الخاصة، فأجرت محاكمتهم بتاريخ 26 ديسمبر 1959، واستمرت المحاكمة لمدة شهرين، صدرت بعدها أحكام مختلفة، في 26 مارس 1960، حيث صدر الحكم على صدام حسين (غيابياً) بالإعدام شنقاً حتى الموت.
عاد صدام إلى العراق، بعد الانقلاب الذي قاده البعثيون، في 8 فبراير 1963، وسقوط نظام عبدالكريم قاسم، وتنصيب عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية. إلاّ أن عبد السلام ما لبث أن استغل الخلافات الداخلية في الحزب، وتنكر للبعثيين وقام بانقلاب ضدهم في 18 نوفمبر 1963، بعد تسعة أشهر من حكم حزب البعث. وتعرّض صدام حُسين للملاحقة والسجن، إلا أنه تمكن من الهرب، ووثق صلته بقريبه ورفيقه أحمد حسن البكر، رئيس الوزراء في عهد البعث، وأخذا يعملان معاً لبقاء حزب البعث، كحزبٍ قومي. وتولى صدام حسين مسؤولية الإشراف على التنظيم العسكري، وأخذ يُحَضِّر لعملية تغيير النظام، وحدد شهر يوليه 1964، موعداً لتنفيذ العملية، لكن السلطات تمكنت من كشف العملية قبل تنفيذها، وقامت بإلقاء القبض عليه، ثم أفرج عنه، وأعيد اعتقاله في 14 أكتوبر 1964 وسجن، ثم تمكن من الهرب في يوليه 1966. وكان صدام حسين في ذاك الوقت، عنصراً رئيسياً في حزب البعث، فساهم مع زملائه من أعضاء الحزب، في قيادة انقلاب بعثي آخر، في 17 يوليه 1968، أطاح بنظام عبدالرحمن عارف، الذي كان قد تولى رئاسة الجمهورية في 16 أبريل 1966، خلفاً لأخيه عبد السلام عارف، الذي توفي في حادث سقوط طائرة عمودية. وأصبح صدام، بعد هذا الانقلاب، نائباً للرئيس العراقي أحمد حسن البكر. وأشرف صدام بنفسه على إقصاء عبد الرزاق النايف، والداود، اللذين فرضا نفسيهما على قيادة حزب البعث، كشريكين في ثورة يوليه 1968.
في عام 1972، قاد صدام حسين المعركة ضد شركات النفط الأجنبية، ولعب دوراً هاماً في سياسة العراق لتأميم صناعة النفط عام 1972.
وفي 6 مارس 1975، وقّع صدّام حُسين، بصفته نائباً لرئيس الجمهورية، وشاه إيران اتفاقية في الجزائر، قُسَّم، بموجبها، شطّ العرب مناصفة، بين إيران والعراق.
في 16 يوليه 1979، تسلّم صدام حسين رئاسة الجمهورية العراقية، على أثر تقديم الرئيس العراقي أحمد حسن البكر استقالته، عبر محطات الإذاعة والتليفزيون. وقد أُشير في حينه، إلى أن تنحي البكر عن السلطة، كان بسبب مرضه وكبر سنه. وأصبحت جميع السلطات السياسية بيده، وانتخب رئيساً للجمهورية، وأميناً عاماً لحزب البعث العراقي، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة.
وعلى أثر تسلم صدام حسين للسلطة، أعلن عن اكتشاف تنظيم داخلي، يعد لمحاولة انقلابية ضد نظام حكمه، مدعومة من قبل السلطات السورية، وأن من بين أعضاء التنظيم خمسة من القيادة القطرية لحزب البعث. وقد شكلت على أثر ذلك الإعلان محكمة حزبية، قضت بحكم الإعدام على سبعة عشر عضواً من كوادر حزب البعث وقياداته، ونفذ حكم الإعدام بهم فوراً.
وفي 22 سبتمبر 1980، دخل العراق في حرب شاملة ضد إيران استمرت ثماني سنوات، قُدّرت خسائرها بمليون قتيل من الجانبين.
وفي 2 أغسطس 1990، اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت، إثر أزمة سياسية حادة بين البلدين، وتعاونت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والعديد من الحكومات العربيّة، والدول الغربية وشكلت تحالفاً دولياً تمكن من إخراج الجيش العراقي من الكويت وإعادتها دولة مستقلة.
وبعد الحرب، فرض مجلس الأمن الدولي، عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على العراق، مشروط رفعها بأشياء عدّة، أهمها تدمير العراق لما يوصف بأسلحة الدمار الشامل، واعترافه بدولة الكويت، وقبوله المراقبة الدولية لتسلحه، وحظر تصدير النفط، إلاّ بموافقة مجلس الأمن، لأغراض نصّ عليها المجلس.
وفي 27 مايو 1993، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 833 برسم الحدود بين العراق والكويت، الأمر الذي أدى إلى أن يعيد العراق إحدى عشرة بئراً من النفط إلى ملكية الكويت.
وفي نوفمبر 1994، اعترفت الحكومة العراقية بسيادة الكويت، وأعلنت الأمم المتحدة نص القرار الذي اعترف العراق فيه بشرعية الكويت وكيانه.
ولا تزال العقوبات الدولية مفروضة على العراق (1999)، الأمر الذي أدى إلى معاناة الشعب العراقي، من نقص المواد التموينية والأدوية، وتوقف حركة البناء والتعمير والمشروعات الزراعية والصناعية.
ثم وافق مجلس الأمن على تصدير العراق لجزء من بتروله، لسد احتياجات الشعب العراقي من الغذاء والدواء، بموجب برنامج سمي النفط مقابل الغذاء، على أن يتم ذلك تحت إشراف لجنة من الأمم المتحدة.
وشكل مجلس الأمن لجنة لمراقبة أسلحة الدمار الشامل، للتفتيش على العراق، تتبع الأمين العام للأمم المتحدة، يكون لها التفتيش على جميع المواقع والأماكن بالعراق، وحدثت عدة مواجهات بين رئيس اللجنة، ريتشارد بتلر، والسلطات العراقية، وكانت أبرز هذه المواجهات، عندما أراد فريق التفتيش زيارة قصور الرئاسة الخاصة بالرئيس صدام حسين لتفتيشها، فمنعتهم السلطات العراقية من أداء مهمتهم، وعلى أثر ذلك، حشدت الولايات المتحدة قواتها بمنطقة الخليج ومعها قوات من عدة دول غربية. إلا أن السلطات العراقية رضخت لطلبات اللجنة وتم تفتيش القصور وغيرها. ثم تلي ذلك أزمة أخري، بين العراق ولجنة التفتيش، في ديسمبر 1998، والتي أدت إلى انسحاب فريق التفتيش من العراق، وقيام القوات الأمريكية والقوات البريطانية بقصف العراق في شهر يناير 1999.
وفي خلال شهر فبراير 1999، قامت الطائرات الأمريكية بقصف عدة مواقع للرادارات والصواريخ المضادة للطائرات، والتي أعاد العراق تشغيلها لتشكل خطورة على الطائرات الأمريكية والبريطانية، التي تراقب منطقة الحظر في الأراضي العراقية، والتي حددها مجلس الأمن. ومازالت الطائرات الأمريكية والبريطانية توالى قذف مواقع عراقية، تدعي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أن هذه المواقع تشكل خطورة على طائراتهما، التي تراقب مناطق الحظر.
في 20 مارس 2003م، بدأت الحرب الأمريكية - البريطانية على العراق، حيث اختفى الرئيس في ذاك الوقت.
بعد اختفائه قرابة تسعة أشهر، تمكنت قوات الجيش الأمريكي من اعتقاله في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء السبت الموافق 13 ديسمبر/كانون الأول 2003.
في 30 يونيه 2004 سلمت القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية المؤقتة الرئيس العراقي السابق مع أحد عشر مسؤولاً بارزاً في حزب البعث، لغرض محاكمتهم في قضايا "جرائم حرب" و"انتهاك لحقوق الإنسان" و"إبادة جماعية".
في 18 يوليه 2005 وجهت المحكمة الجنائية المختصة في العراق الاتهام رسمياً إلى صدام حسين، في ضلوعه بعملية "إبادة جماعية" لأهالي بلدة الدجيل في عام 1982، بعد تعرض موكبه، أثناء مروره بهذه البلدة، إلى محاولة اغتيال فاشلة.
وقد بدأت أولى جلسات محاكمته يوم 19 أكتوبر 2005. وفي بداية المحاكمة لم يعترف صدام بشرعية المحكمة، ورفض ذكر اسمه، كما رفض الاعتراف بشرعية الجهة التي أمرت بتشكيل المحكمة؛ إلا انه خضع للأمر الواقع وبدأ في التعاون مع المحكمة.
دافع عن صدام حسين: نجيب النعيمي وزير عدل دولة قطر السابق، ورمزي كلارك وزير عدل الولايات المتحدة السابق، والمحامي العراقي خليل الدليمي، والمحامية اللبنانية بشرى الخليل، و المحامي الأردني عصام الغزاوي.
وفي يوم الأحد 5 نوفمبر 2006 حُكم على صدام حضورياً في قضية الدجيل بالإعدام شنقا حتى الموت. كما حكم على المتهمين الآخرين بأحكام تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد والسجن خمسة عشر عاماً وكذلك البراءة لآخرين.
أُعدم الرئيس السابق صدام حسين فجر يوم عيد الأضحى (العاشر من ذو الحجة 1427هـ) الموافق 30 ديسمبر 2006م. ودفن في مسقط رأسه بالعوجة (محافظة تكريت).
[1] موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، مج 3، ص 627 . - الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 1999، مج 15، ص 82.- حسن شكري، "حقائق للتاريخ في أزمة الخليج العربي"، مكتبة مدبولي الصغير، ط2، 1991، ص 188 ـ 191. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الأربعاء 22 فبراير 2017, 4:31 am | |
| عبد السلام عارف.. عبدالكريم قاسم يميناً وعبدالسلام عارف يسار في حقبة الانقلابات العسكرية الدموية برز واشتهر وتحول من ضابط إلى رئيس لحركة انقلابية ستؤثر في حاضر الأمة العربية وتكتب فصولا أخرى في فصول الحروب الدموية في العراق. لم تشفع له علاقته الوثيقة بالرئيس المصري عبد الناصر ولا أحلامه بالوحدة من الدخول في نزاعات مع رفاقه في السلاح على تركة ما بعد الانقلاب. جنرال من الزمن الغابر، نفتح سيرته لاستقراء تاريخ مرحلة ليست بعيدة ولا تزال آثارها ممتدة إلى اليوم، ففي مثل هذه الأيام كانت القوات العراقية تنسحب من الكويت تزامنا مع وصوله للسلطة عام 1963. ولد عبد السلام محمد عارف الجميلي عام 1921 في بغداد لعائلة ثرية تعمل في تجارة الأقمشة في إحدى ضواحي الفلوجة، ومع رحيل والده للعاصمة بغداد، نشأ عارف في العاصمة وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية عام 1934. التحق بالكلية العسكرية التي تخرج منها عام 1941 برتبة ملازم ثان ومع تقدمه في المراتب العسكرية كان عارف أحد الضباط العراقيين الذين شاركوا في الدفاع عن فلسطين عام 1948. بعد النكبة عاد عارف للعراق وأصبح عضواً في القيادة العامة للقوات المسلحة ومنتصف الخمسينات انضم إلى تنظيم الضباط الوطنيين، حيث انضم صديقه الذي سيصبح عدوه اللدود لاحقا عبدالكريم قاسم إلى التنظيم وأصبح أحد الناشطين في التحضير لانقلاب عام 1958 الذي أنهى الحكم الملكي في العراق. بعد الانقلاب بدأت الخلافات تظهر بين قاسم وعارف وتحول الطرفان إلى أعداء يتنافسان على الحكم فأصبح العميد قاسم رئيسا للوزراء فيما تولى عارف منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهو برتبة عقيد أركان حرب، ثم تطورت الخلافات بينهما ما أدى إلى إقدام قاسم على إعفاء عارف من مناصبه، ليتم تعيينه سفيرا بألمانيا وهو ما فهم على أنه إبعاد بطريقة غير مباشرة لتأتي بعد ذلك قضية اتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم ووضعه تحت الإقامة الجبرية لتعلن نهاية الخط الرابط بينه وبين صديقه القديم. مثّل عام 1963 مرحلة استيلاء مجموعة من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة وصعود عارف إلى رأس السلطة وهو برتبة مشير. كان العراق بعد وصول عارف للسلطة يتطلع للاندماج مع مصر بقيادة عبدالناصر في دولة واحدة، إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح بل تطور لاحقا إلى نوع من سعي عبدالناصر لضم عارف تحت جناحه، ووصلت إلى حد وجود شكوك ناصرية بدعم من عارف لجماعة الإخوان المسلمين التي كان يناصبها العداء وينصب لها المشانق كما في قضية المفكر سيد قطب الذي حاول عارف إنقاذه من حكم الإعدام لكن دون جدوى. واجه عارف عددا من محاولات قلب نظام الحكم من قبل شخصيات عسكرية كانت تحمل ميولا ناصرية ومن أبرزها محاولة رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق استغلال وجوده في المغرب لحضور القمة العربية من أجل تنفيذ انقلاب فاشل أجبره على الهروب نحو مصر التي قصدها عارف فورا للقاء عبد الناصر الذي طلب منه العفو عن عبد الرزاق إلا انه رد بالرفض ويقال أنها الحادثة التي قصمت ظهر البعير بينهما، واظهرت عارف وهو يرفض طلبا لعبد الناصر الذي كان ينظر له بوصفه أقل مرتبة منه بوصفه حاكما لـ"أم الدنيا". بعد 3 سنوات من وجوده في الحكم ومن خلال العديد من الانجازات الاقتصادية والعلاقات الوثيقة مع الاتحاد السوفييتي كان عارف يواجه الموت فجأة وعلى متن مروحيته الرئاسية الروسية الصنع فوق مدينة البصرة في حادث تحطم قيل إنه اغتيال بهيئة حادث طبيعي أنهى حكم عارف القصير نسبياً وجاء بأخيه للحكم والذي لم يعمر طويلا بسبب الانقلابات المتتالية من شباب البعث الذين استقر بهم الحال بضابط من تكريت يدعى صدام حسين استولى على السلطة وبقي فيها حتى أزاحته الآلة العسكرية الأمريكية عنها عام 2003. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 24 فبراير 2017, 8:32 pm | |
| عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:قرر المعلم عبد الكريم قاسم الانتساب إلى الكلية العسكرية والاندماج بكل قيمها ومنظومة قواعدها وما تغرسه في نفسية الفرد العسكري، نتيجة الممارسة اليومية لحياة الثكنة ومستلزمات التكييف معها، من حيث التراتيبية ودقتها، والانضباط وصرامته، والإلزامية في التنفيذ دون نقاشها والطاعة بالمعقول واللامعقول. لقد لاقت هذه الحياة هواً في نفسه وتطابقاً مع مزاجه في مقتبل عمره الطامح . مَثَلَ هذا القرار لشاب في عمر الثامنة عشر وبمبادرته الذاتية وقناعته التامة، الخطوة العملية الأولى التي عبرت عن طبيعة شخصيته وما يعتليها من أبعاد استقلالية[1]. كما أن هذه الخطوة لبت طموحه في إكمال دراسته من جهة وفي تلبية طموح عائلته بمساعدتها المادية من جهة ثانية، ورأى في مهنة التعليم كواحدة من أفضل وأقدم المهن، لكنها على صعيد نفسه لم تكن تلبي طموحه ولا معرفة ذاته والتحقق منها وما تصبوا إليه. تزامن هذا، منذ عام 1932 في العراق ودول الجوار، مع التأكيد والمبالغة في دور الضابط في الواجب (المقدس) باعتبارهم " انتليجنسيا الأمة.. والسادة الحقيقيون لهذه البلدان[2] " كماعبر كمال أتاتورك وردد صداها بقوة أعضاء النخبة الحاكمة في العراق من ذوي الأصول العسكرية وذوي النزعة العثمانية، الذين كانوا يرون في الاتاتوركية مثلهم الأعلى، وما صعود دور الضباط في الحياة السياسية إلا أحد تعابير هذا الإعجاب. وقد انعكست هذه النظرة عن الضابط في الوعي الاجتماعي ونظرة إليه بهيبة ووقار. لقد أثار قرار المعلم قاسم معارضة شديدة من أقرب أصدقائه وأساتذته ومنهم مصطفى علي[3]، الذين كانوا يعتقدون أن مهنة التدريس هي الأقرب إلى وضعه النفسي والاجتماعي وبنية جسمه، إذ كان يتسم آنذاك بالضعف والهزال العام، بالإضافة إلى إصابة يده اليسرى بالتشنج نتيجة سقوط فأس حادة عندما كان يعمل مع والده أثناء مرحلة الصبا. كما أن مصطفى علي، كما نعتقد، كان يعول ويرغب في أن يواصل الطالب والمعلم قاسم التعمق في الدراسة الأدبية وينمي شعوره أكثر فأكثر في أدب معروف الرصافي، الذي تأثر به الأستاذ ومن ثم تلميذه . بالمقابل أصر قاسم على وجوب الانتماء للكلية العسكرية، خاصةً بعد التشاور والاتفاق مع أبن بنت عمته الشاب عبد الجبار جواد، الذي أبدى حماساً متوافقاً، لأنه كان هو الأخر يطمح بذلك. وتشير بعض المصادر إلى أن انتسابه للكلية العسكرية كان بناءً على نصيحة عبد الجبار بالذات، أو قل تأثر بها. وبغض النظر عن تأييد ذلك من عدمه، فإن مزاج ونفسية الشاب عبد الكريم وطموحه كانت هي الأقرب إلى عالم العسكرية ومشاقها من مهنة التعليم ورتابتها. ومما ساعده على اتخاذ مثل هذا القرار، هو الاقتداء بالضابط الطيار محمد علي جواد [4] , الأخ الأكبر لعبد الجبار الذي كان بمثابة القدوة والمثل لهما، وقد حثهما على الانتساب للكلية (وربما) حظيا بدعمه المعنوي. أشتهر محمد علي جواد (خريج المدرسة العسكرية العراقية 1925/1927) بالروح الوطنية، وبدوره في المساهمة بتأسيس وتطوير القوة الجوية العراقية، إذ كان أحد خريج الدفعة الأولى من الطيارين العراقيين، وعلى الأخص بعد أن اصبح قائداً لها ولحين اغتياله مع بكر صدقي في الموصل يوم11/09/1937. كان غالباً ما يصطدم مع بعض رموز السلطة المتماهية في تحالفها البريطانيين ومستشاريهم في البعثة العسكرية، الذين كان ينظر إليهم الضباط العراقيين يعتبرونهم السبب في عدم تطوير المؤسسة العسكرية، وتخلفها النوعي والكمي. وقد حبك محمد علي جواد صلات مع الملك غازي والكتلة العسكرية ذات النزعة العراقية, للعمل على تطوير القوة الجوية خارج أطر الاتفاقية العراقية البريطانية، وقد كان هذا أحد أسباب مقتل الملك غازي وبكر صدقي ومحمد علي جواد. وفي الوقت نفسه كانت له صلات سياسية مع مجموعة محمد جعفر أبو التمن والتيار الوطني الديمقراطي. واشتهر أيضاً بكونه ضابطاً متواضعاً ذو انضباط واعي، يحترم المراتب الدنيا " إذ كان الطيارون وعلى رأسهم محمد علي جواد يتعاملون مع ضباط الصف والجنود معاملة سبورت، أي من دون عجرفة عسكرية بيروقراطية، ولم يكن للإضراب الصامت ( الذي قام به منتسبو القوة الجوية في أواسط الثلاثينيات-ع.ن.) نتائج سلبية كالطرد والملاحقة، فالروح الوطنية كانت هي السائدة بين الطيارين. أما سائر القطعات العسكرية فالعصي هي السائدة في العلاقة بين الجنود والضباط [5] ". قيل أن محمد علي جواد قد توسط لأخيه وعبد الكريم في القبول في الكلية العسكرية[6]. وبغض النظر عن مدى تحقق هذه الوساطة من عدمها. يمكننا القول أن رابطة الدم والصلات القرابية، والدينية والطائفية والمدينية وما يشتق من كل هذا، كانت ولا تزال، تمثل أحد أهم الروابط في المجتمع العراقي، وفي الوقت نفسه أحد مصادر القوة السياسية والاجتماعية للأفراد وتحدد مكانتهم في الهرم الاجتماعي. وربما تتجاوز ذلك وتؤثر في الحياة السياسية العامة للبلد. وقد لعبت هذه العلاقات ولا تزال، دوراً نسبياً يفوق دور الأفكار والمصالح الطبقية المشتركة, سواءً للفرد أو الجماعة السياسية، وأصبح لها مجالاً حيوياً في الزعامات المحلية أو الوطنية، وفي توسيع رقعة الأحزاب السياسية لدى هذه العائلة أو تلك، في هذه المنطقة أو غيرها. لقد شملت هذه الحالة كل القوى السياسية وأغلب أعضاء نخب الحكم، سواءً في السلطة أو خارجها.ولقد انعكست هذه العلاقة في الوعي الاجتماعي وتجلت في الكثير من الأمثال التي جسدها المثل المتداول أنا وأخي على أبن عمي، وأنا وأبن عمي على الغريب). وتدلل الوقائع إن ضباط الجيش العراقي يرتبطون بصلات عائلية ومصاهرة مع ضباط آخرين. فقد كان لنوري السعيد وجعفر العسكري رابطة مصاهرة مشترك كل منهما تزوج من أخت الآخر. وكان لجعفر أخوان من الضباط وهما تحسين وعلي رضا. وهناك عائلات قدمت عددا كبيرا من الضباط منها مثلا: الربيعي- نجيب وحسيب, الهاشمي- ياسين وطه وأحفادهم, الداغستاني الأب والابن غازي, سري- رفعت ومدحت وفائق, الشواف- عبد الوهاب ومحمد, عائلة الراوي- خرج منها ستة ضباط, العمري الموصلية التي منها امين وحسين وغيرهم, عارف- عبد السلام وأخيه عبد الرحمن وابنه قيس, والسعدون التي معروف منهت سبعة ضباط, منهم عبد المحسن( رئيس الوزراء السابق) وممتاز وعبد الخالق ...الخ[7]. ونفس الشيء بالنسبة لقاسم فقد كان عمه علي محمد البكر ضابطاً في الجيش العثماني كما مر بنا, كما أن زوج بنت عمته جواد جعفر الربيعي (والد الضابطين محمد علي وعبد الجبار) كان ايضاً ضابطاً في الجيش العثماني. يبقى السؤال الأهم معرفة الدوافع الأرأسية التي دفعت بالمعلم عبد الكريم للانتماء إلى مهنة الضباط ؟؟ هل كانت بتأثير الاقارب ؟ أم يكمن وراءها دوافع أخرى؟ لأن العامل النفسي وحده لا يستطيع تفسير دوافع هذا الانتماء. فهل لعبت دوراً منظومة القيم العسكرية وخطابها التي كانت تخاطب مكنونات الوعي الاجتماعي في تلك الفترة من قبيل الرجولة والعزة والكرامة وما شابه ذلك..؟ أم كانت الدوافع السياسية/ الفكرية النابعة من طبيعة المناخ السياسي المتأثر بالفكرة الوطنية والمناهضة لقوى الاحتلال البريطاني ومشاريعه؟ أم يكمن السبب فيما توفره مهنة الضابط من قدرة على الحراك والإرتقاء الاجتماعيين.. وكذلك ما تفضيه من شعور بالتفوق والمكانة الاجتماعية ياعتبار الضباط فئة اجتماعية متميزة في طريقة تفكيرها ونمط حياتها وموقعها في السلم الاجتماعي؟ إن تفسير انتماء قاسم للكلية العسكرية بعامل تأثره بابن بنت عمته محمد علي جواد.. وحده لا يكفي لشرح ذلك.. ربما يمكن تفسيرها, حسب قراءتي, بمجموعة من هذه العوامل المذكورة ويقف على رأسها ثلاثة عوامل أرأسية هي: 1-العامل النفسي وما تخلقه المؤسسة العسكرية من شعور بالتفوق باعتبارهم جماعة متميزة في طريقة تفكيرها ونمط حياتها وموقعها وملائمتها للقيم الاجتناعية السائدة . 2-العامل الاقتصادي إذ أن سلم الرواتب والفوائد الاقتصادية التي تدرها مهنة الضباط مقارنةً بالمهن الأخرى. 3-عامل الحراك الاجتماعي الذي توفره الخدمة في سلك الضباط وكمدخل لعالم الصفوة الحاكمة وكما يحدث دائماً لأرباب أية مهنة كانت. 1- كما هنالك عامل رئيسي, أزعم أنه مهم ويكمن في امكانية وقدرة المؤسسة العسكرية في تحقيق التغيرات الجذرية كما كان يعتقد قاسم في حينها, وما دللت عليه تاريخية تطور الجيش العراقي. وبالترابط مع ما ذكر لابد من التأكيد على أن المؤسسة العسكرية وعت ذاتها ودورها وامكانيتها المؤثرة, خاصةً بعد أن أصبح " ضباط الجيش في القرن العشرين نمطاً اجتماعياً جديداً.. عضوا بجماعة اجتماعية جديدة, يصفها (هنتنجتون) بقوله: إن سلك الضباط في العصر الحديث هو كيان مهني, وضابط الجيش رجل محترف... والاحتراف نمط خاص لمجموعة وظيفية شديدة التميز. مثل الطبيب والمحامي. وهناك صفات ثلاثة تميز هذه المجموعة المحترفة: المعرفة, المسؤولية والمشاركة [8] ". وهذا ما كان ملموساً ومتبلوراً منذ مطلع الثلاثينيات في المؤسسة العسكرية العراقية التي نشأت في العشرينيات وتبلورت كمهنة في الثلاثينيات وليكن أحد أهم عوامل التغيير منذ الاربعينيات. سبق وأن قلنا أن الكلية العسكرية أتبعت منذ صيف عام 1932سياسة التوسع الكمي والوعي[9]، بعد إطلاق يد الحكومة العراقية (المستقلة) من لزوميات وقيود سلطة الانتداب وإيذاناً بانتهائها وقبول العراق في عصبة الأمم بصفته دولة مستقلة. لكن هذا الإطلاق لم يكن بلا حدود وبصورة مطلقة. إذ لعبت البعثة العسكرية البريطانية دوراً مهماً في كبح جماح رغبة التوسيع لدى الكثير من نخب الحكم السياسية والعسكرية من جهة، وربطه بالتكييف مع مخططاتها المستقبلية سواءً في العراق والمنطقة، وبالتحديد في التجسيد الواقعي لوعد بلفور(ها) وقيام دولة إسرائيل. في صيف ذلك العام أعلنت وزارة الدفاع، حاجتها إلى ضباط جدد، وأن الكلية العسكرية ستستقبل عدداً أكبر من الطلاب من خريجي المرحلة الثانوية. وضمن هذا التوجه تقدم العديد من الموظفين والمعلمين والطلبة المتخرجين حديثاً من مرحلة الثانوية، بطلبات الانتساب للكلية المذكورة. كان من بين هؤلاء المعلم عبد الكريم قاسم، الذي ظهر أسمه من بين الطلبة المقبولين الجدد. لقد بدأت الدراسة لهذه الدورة يوم 15/09/ 1932. وكانت مدتها عشرون شهراً، وتخرج الضباط برتبة ملازم ثاني بتاريخ 15/04/ 1934. وأثناء دراسته في الكلية أندمج الطالب المستجد عبد الكريم في حياة عالم العسكرية، وساهم بوعي الشباب ذو العشرين عاماً وما يحمل من طموح إلى استيعاب المواد النظرية العسكرية وتطبيقاتها العملية. وقد أشار عديد من زملاءه والتقارير الرسمية إلى مثابرته ودراسته الجديتين لأجل فهم المنظور وما يمكن أن يستنبط منها. لقد اندمجت عوالم هذه الحياة في كل كينونته واحساساته، لذا تألق فيها بعد استيعابها وهضم أنظمتها وانضباطها.. حتى غدت الحياة العسكرية، بمفهومها الواسع، عالمه الروحي والمادي بكل شموليته، كما كييف مزاجه النفسي وصقله بما يلائم نمط العلاقات في هذه المؤسسة وأنساقها، إلى درجة أدهشت أقرب المقربين إليه من الذين حاولوا إقناعه بعدم الانتساب لسلك الضباط، كذلك زملاءه وأساتذته في الكلية. وتوافق ذلك مع بنيته القوية التي تتلائم وطبيعة الخدمة في هذه المؤسسة. استطاع في هذا المناخ أن يكون في غاية الانضباط وان يبدع في واجباته ويثير الاهتمام. اصبح مثالاً للعسكري الجيد الحريص على إنجاز واجباته بكل صدق ودقة، مما هيأ له تكوين علاقات مع طلاب دورته تقوم على تقاربات فكرية ومهنية أهلته " صفاته التي تحبب كل شخص إليه وكانت عاملاً مهماً في تكوينه جماعة من طلاب الكلية تعاهدوا على العمل لمصلحة الوطن [10] " . بدأ آنذاك ولأول مرة يحس ويدرك حقيقة كيانه وتطلعه " ففي هذا الجو كانت الشجاعة والانضباط هما معيار الاعتبار والتقدير وليست المنزلة الاجتماعية. وهنا استطاع أن يستعيد ثقته بنفسه، لا لشيء إلا لأنه كان تلميذاً منضبطاً قوي البنية[11] " وفي " هذا الجو أيضاً شعر بتحرره من الاتكال على أب فقير يعيله، لأن الكلية العسكرية كانت تقدم لطلبتها جميعا ما يحتاجون إليه من مأكل وملبس، وكان معظم طلاب الكلية العسكرية من العائلات الفقيرة نسبياً، لأن أبناء العائلات الميسورة كانوا يؤثرون طلب العلم في الخارج أو الالتحاق بكلية الحقوق أو كلية الطب في بغداد. كان هو وجيله من الضباط الذين تشربوا الروح الوطنية (بحكم طبيعته الطبقية) أكثر استعداداً للذود عن الوطن، وهنا أخذت تعتمل في نفسه مطامح كانت مكبوتة وراح يتطلع إلى يوم يقوم فيه بدور كبير في الحياة العامة [12] ", في مجتمع تحكمه التناقضات الاجتماعية العميقة والولاءات القائمة على رابطة الدم، وهو قد شب في عائلة فقيرة لا تمتلك من مصادر القوة السياسية/ الاجتماعية إلا الشيء النزر، والذي يكمن في سلطة ابن بنت عمته الضابط في القوة الجوية آنذاك. بمعنى آخر أن نجاحه كان بالأساس بجهده الخاص و" أن كل هذه النتائج التي حصل عليها بالاعتماد على نفسه وأنه وحيد في هذه الدنيا [13]" كما كان يردد ذلك قاسم نفسه. لقد أظهر سجله في الكلية العسكرية، مدى جديته وتفوقه في كثير من الأمور التي لم يسبق أن تفوق بمثلها من قبل، وعلى وجه الخصوص في القدرة على التحمل والصبر والأداء في التمارين العملية، وبالثقافة العامة مقارنةً بأقرانه. هذه الحالة من الجدية أكسبته رضى رؤساءه والمحيطين به وتوقعوا له مستقبلاً في الجيش. ومن هذا المنطلق أنهى كليته، كالمعتاد، بتفوق وإن لم تذكر المصادر المتوفرة ما هي درجته كانت بالضبط. أثناء دراسته، تأثر عبد الكريم قاسم مثل العديد من زملاءه من هذه الدورة، بالأفكار الوطنية وبالنزعة الاستقلالية التامة والتي كانت منتشرة آنذاك واشتدت أوارها واكتسبت مضامين اجتماعية في أعقاب محاولات المعارضة لإجهاض الاتفاقية العراقية – البريطانية لعام 1930، التي عقدتها وزارة نوري السعيد الأولى (23/03/1930- 19/10/1931) وما أعقبها من احتجاجات واسعة قادتها على مستوى الشارع السياسي جمعية أصحاب الصنائع التي كان موجهها جماعة الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي، والحزب الوطني العراقي برئاسة جعفر أبو التمن. في حين كان حزب الإخاء الوطني بزعامة نخبة من أصحاب النظرة القومية ( ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وغيرهم) هم بمنأى عن تأييد الجماهير الشعبية ومطالبها, وإعلامياً هم ضد الاتفاقية ولكن في الواقع كانوا معها.. بدليل إن زعماءها عندما تم استيسزارهم لم يعملوا حتى على تعديل الاتفاقية، ناهيك عن إلغاءها. وفي الكلية العسكرية، كان مدرس مادتي التاريخ العسكري والجغرافية العسكرية الرئيس الأول (الرائد) توفيق حسين، يلقن الطلاب بالأفكار السياسية الراديكالية التي تناهض المشروع البريطاني والمتعاونين معه في عموم المشرق العربي، ويركز على التوعية والتنظيم السياسيين.[14] هذه الظروف الموضوعية والذاتية، للبلد والمؤسسة العسكرية، قد أثرت على كثير من الطلبة وأنضجت من وعيهم الوطني ووسعت من مداركهم السياسية، كما دللت عليه الحوادث التاريخية اللاحقة ومشاركة العديد منهم في الفعل السياسي المباشر، الحزبي أو المستقل، خاصةً بعد أن أصبحوا مناوئين لتوجهات نخب الحكم. هذا الجيل الجديد من الضباط أختلف نوعياً عن الجيل السابق, ذو النزعة العثمانوية الناقلين ولاءهم لحاضن مصالحهم قوى الاحتلال، إذ انهم مثلوا النزعة العراقية ليس كجغرافية فحسب بل كمضمون وطني/ قومي . وعند تخرجه " آثر أن يخدم في الألوية (المحافظات- ع.ن) ، فلم يقضي في بغداد سوى زمن قصير. وكان يزور بغداد بين الحين والحين يجتمع بأصحابه من الضباط وغيرهم ويتتبع سير الأمور ويناقش ويتحدث ويصمم[15] ". لذا كان أول تعين له في مستودع مشاة الحلة. بعدها شارك في كثير من الحركات الفعلية التي خاضها الجيش العراقي الداخلية والخارجية. وكانت أولى هذه الحركات، هي حركات العشائر في الفرات الأوسط والأدنى للفترة من ( 11/05 –29/07/1935).وأثناء هذه الحركات"كتب عنه آمر فوجه عندما كان أمر فصيل في الفوج الثالث تقريرا ًأشاد بأخلاقه وشهامته التي فاقت حد التصور، حيث أبت وطنيته وإخلاصه أن يكون بعيداً عن فوجه عند قيامه بالهجوم على العصاة في الرميثة. ففي الوقت الذي كان فيه مريضاً ومصاباً بالحمى طلب منه أمر الفوج أن يتأخر في ثكنة الفوج طلباً للراحة ، ولكنه أبى ذلك وكان رأس فصيله في الهجوم، فدخل به قصر(خنيفر) قبل أي شخص أخر – وقد منح نوط الخدمة الفعلية لإشتراكه في حركات الفرات في 14 آب 1935 [16] " . و " في سنة 1935 وعلى اثر انتهاء حركات سوق الشيوخ [17]وعودة الفوج إلى معسكره الدائم في الناصرية في 29 تموز سنة 1939، أصيب الزعيم بالتهاب الزائدة الدودية وارتفعت درجة حرارة جسمه واشتد عليه المرض ولم يتمكن من تناول الطعام فجلب له الزعيم عبد الجبار جواد الذي كان آنذاك من ضباط فوجه طبيباً أعطاه مسهلاً فزاد في ألمه، بينما المعروف في مثل هذا المرض لا يعطى المسهل الذي يزيد من الالتهاب ويفجره ولما علم بذلك أمر فوجه المرحوم العقيد كامل شبيب استدعى مدير صحة اللواء ( المحافظة- ع.ن.) الذي قرر إرساله فورا إلى بغداد بالنظر لخطورة مرضه وقد تم إرساله بالطائرة وادخل المستشفى العسكري فأجريت له الإسعافات الأولية وتقرر إجراء عملية جراحية له من قبل الطبيب أمين رويحة إلا أن الزعيم عبد الكريم قاسم رفض إجراء العملية له من قبل الطبيب المومى إليه وفي المستشفى المذكورة وطلب إجراءها في المستشفى الجمهوري بأيدي أطباء ماهرين فأجيب إلى طلبه وحضر لفحصه الجراح الأول الطبيب البريطاني إبراهام ومساعده الطبيب الجراح صائب شوكت مع أطباء آخرون وهو بحالة إغماء شديدة ، فقرر بأن لا أمل من نجاح هذه العملية لأن المريض لا يرجى شفاءه وذلك لانفجار الزائدة الدودية والتهاب البريطون والعلمية عذاب جديد له وعليه يكتفي بالكمادات الباردة فقط، وفجأةً أنتبه الأطباء إلى المريض الذي يقول بالإنكليزية ما معناه : أنا حاضر أيها الدكتور متى تجري العملية ؟ أدرك الطبيب الإنكليزي أن المريض الذي بين يديه جلد قوي الأعصاب وله ثقة بنجاح العملية. وبعد ساعتين أجريت له العملية بنجاح… وكان الجراح إبرا هام يستشهد بهذه الحالة الشاذة من العمليات الجراحية الخطيرة التي لا ينجو فيها المريض من خطر أكيد…[18] ". بعد شفاءه عاد للحياة العسكرية مجدداً وشارك في شهر شباط/فبراير لعام 1936 لإخماد انتفاضة عشيرة ( بني ركاب) في لواء الناصرية ( محافظة ذي قار)، وعين في هذه الحملة بمنصب نائب مساعد ضابط الاستخبارات في فوج المشاة الذي كان أمره المقدم الركن كامل شبيب، أحد العقداء الأربعة لاحقاً. بعد ذلك تحرك الفوج في شهر نيسان/أبريل لإخماد انتفاضة منطقة الرميثة ثانيةً. أرضى تنفيذ عبد الكريم لواجباته العسكرية وإنضباطيته الصارمة، أمره ونال من إعجابه ووثق صلاته به، واصبح موضع ثقته وأسبغ الأمر عليه رعايته وألتزمه. واستمرت هذه العلاقة بينهما لحين القضاء على حركة مايس التحررية عام 1941، حيث عاد النقيب ( الرئيس الأول) عبد الكريم قاسم يخدم مرة أخرى تحت إمرة العقيد كامل شبيب، الذي كان أمراً للفرقة الأولى، وساهم معه في مقاومة القوات البريطانية الغازية. هذه العلاقة أثمرت و"اضمر ذلك الإحسان الذي عبر عنه (عبد الكريم قاسم –ع.ن.) برعايته لأولاد المرحوم كامل شبيب وأقاربه وبتصريحه أنه من أقاربه [19] ". وبعد الانتهاء من إخماد هذه الحركات العشائرية والانتفاضات الفلاحية[20] التي عجت بها السنوات الأربعة لما بعد الاستقلال، عاد عبد الكريم إلى وحدته في مستودع مشاة الحلة. وعاد لممارسة الحياة العسكرية.وأثناء ذلك غالباً ما كان الضابط عبد الكريم في التمارين العسكرية أو الجولات الاستطلاعية، أن يقوم بنفسه قياس المسافات ويستطلع طرق المواصلات ويدرس الواقع الطوبوغرافي ومن ثم الواقع العملي.. كان دائم الحركة، لا يستقر في مكان واحد. وكان يردد دائماً القول التالي " واوي متحرك خير من أسد نائم ". وعندما يدرس الخطط مع المرؤوسين ويستأنس بآرائهم ن كان لا يعطي رأياً إلا بعد الاستماع إليهم.. هذه الصفة لازمته منذ ذلك الوقت. بدء الشاب عبد الكريم يطلع، منذ مطلع الثلاثينيات، أكثر فأكثر على الأدب السياسي ذات المنحى الوطني والماركسي الناشئ والذي أخذ يستقطب الراديكاليين من الشباب، من خلال حلقات الأصدقاء العاملين في الحقلين السياسي والأدبي ضمن المعارضة الوطنية ذات التوجه العراقي،التي كان مركز قطبها الحزب الوطني برئاسة جعفر أبو التمن والقريبين منه من الحركات السياسية والعمالية الناشئة التي تبلورت لاحقاً في اتجاهاتها الحزبية الثلاثة التي وسمت تاريخ المعارضة السياسية للحكم الملكي وهي: الديمقراطي الليبرالي(الحزب الوطني الديمقراطي) والقومي (حزب الاستقلال) والماركسي ( الحزب الشيوعي ). هذه القراءات وذلك الاحتكاك بالقوى السياسية وملموسية واقع الصراع السياسي/الاجتماعي بين مختلف القوى الاجتماعية من جهة وبينها وبين قوى الاحتلال، صاغت منه شاباً متحمساً يتحسس أبعاد هذا الصراع ومكامن التناقض فيه من جهة، ومن جهة ثانية تجسيد هذه الأحاسيس ضمن غائية مستهدفة تساعد على حسم الصراع وتغيير الواقع لصالح القوى الوطنية وقاعدتها الاجتماعية. حول هذا الموضوع وفي خطاب له أمام وفد مدينة النجف الاشرف بتاريخ 13/9/1958 قال: " ومنذ تخرجي من الكلية العسكرية بدأت وأخواني أبث روح التضحية بين أصدقائي ومعرفي من الضباط،وبمرور الزمن وبصورة تدريجية حصل التقارب وبدأت الاجتماعات وتوسعت وصارت على شكل مؤتمرات حتى استقرت القضية على حال وصارت إلى خطة تعتمد على الصبر والكتمان فأثمرت ليلة 14 تموز الخالدة وحررت أبناء الشعب وها أنتم تجلسون على نفس الطاولة التي كان حكام العهد البائد يحيكون عليها مؤامراتهم [21] ". عكف عبد الكريم قاسم في هذه المرحلة، على التثقيف الذاتي سواءً للعلوم العسكرية أو/و السياسية. وكان يراكم هذه المعرف الجديدة والنظرات السياسية الأكثر واقعيةً لمصالح العراق والتي انصبت بالأساس على فهم دور بريطانيا في التلاعب بمقدرات البلد ومآله، التي كان يتحسس بها يومياً من خلال ضباطها في الجيش من جهة، ومن خلال ما تمارسه النخب الحاكمة ذات الولاء البريطاني من جهة ثانية.. إضافة إلى ما كانت تخطط له بالنسبة للقضية الفلسطينية. هذه الممارسات العملية والنظرية، شكلت منه مَعلَمَاً عسكرياً يتفوق على زملاءه الضباط المتقاربين وإياه في الرتبة، وفي التصورات السياسية العامة وأبعادها المستقبلية. هذا الوضع المستقرأ يؤهلنا للقول: بأن الضابط عبد الكريم كان في هذه المرحلة بمثابة عسكري ذو أهداف سياسية. نظراً لغلبة الصفة الأولى كمهنة ومن حيث الاهتمام والممارسة العملية. لكن هذه المعادلة تغيرت بعد عقدين من الزمن، وذلك لتعمق الخبرة والممارسة والثقافة لديه والوضوح في الهدف السياسي لتصوغ منه في النهاية: رجلاً سياسياً بلباس عسكري. بدأت تتبلور وتعتمل في ذاته مطامحه السياسية منذ ذلك الوقت، وأخذ يتطلع إلى القيام بدور خطير ومهيأً نفسه لهذا الدور، " إذ لم يستطع الضابط الشاب أن يكبح جماح وطنيته المتصاعدة منذ أن كان طالباً في الكلية العسكرية، إزاء هذه الحوادث التي مرت أمامه، إنما أضمر مع نفسه شيئاً: أصر أن يعمل للقضاء على الإجراءات التعسفية بحق إخوانه المواطنين، وأصر في نفسه على تخليص الوطن من الوضاع الفاسدة وأضمر أن ينقذه من سيطرة الاستعمار الذي هو راس البلايا.. وبالتالي أصر على إذكاء الروح الوطنية بين زملاءه وأن يعمل بكتمان وحذر وإناءة لتحقيق أهدافه آخذاً بالاعتبار قوة شكيمة خصمه [22] ". تعمق هذا الشعور من خلال تأثره البالغ بالعقيد كامل شبيب. [23] ومن المواقف المشهودة لعبد الكريم قاسم والتي لها علاقة بالبعد السياسي في تلك الفترة أنه : " ذات يوم زارنا مفتش الجيش الجنرال ووتر هاوس وهو إنكليزي الجنسية، ليفتش الدورة المتخرجة من الكلية العسكرية ووقفنا في ميدان العرض بوضع التفتيش، التفت إلينا عبد الكريم قاسم وهو واقفاً أمام الفصيل قبيل وصول المفتش إلى قاطعنا وقال:انظروا إلى هذا الجنرال الإنكليزي الكلب إننا نؤدي التحية, نؤديها لرتبته لا لشخصه[24] ". اتسم عقد الثلاثينيات كما سبق وان ذكرنا، بصعود دور المؤسسة العسكرية وخروجها من ثكناتها لأول مرة ولم تعد إليها منذ ذلك الحين، إن لم يكن منذ تأسيس الدولة في 23 آب1921 حيث تحكمت في القرار السياسي المباشر أو غير المباشر بصورةٍ لم تكن تخلو من الممارسات القمعية والعنفية. لقد أقترن هذا الصعود للمؤسسة العسكرية بصراع النخب السياسية الحاكمة التي اعتمدت بعضها على بعض من قيادات الجيش أو/و أن بعض هذه القيادات كانت تمنح ولاءها لهذه الكتلة أو تلك. هذه الحالة فرضت على قيادة الجيش أن تفكر باستلام السلطة عوضاً عن أن تكون أداة بيد نخب الحكم. وكان هذا أحد دوافع الانقلاب للأول في العراق والمشرق العربي في عام 1936،الذي فتح شهية الضباط الآخرين لممارسة الفعل الانقلابي المباشر ولغاية 1941، حيث شهدت هذه المرحلة سبعة انقلابات عسكرية، أربعة منها غير مكشوفة( مستترة)، والبقية مكشوفة. وهي حسب الجدول أدناه:[25] جدول يوضح عدد الانقلابات العسكرية المستترة والمكشوفة في الفترة 1936-1941 الحركة الانقلابات المكشوفة: القيادة الهدف النتيجة 29 تشرين أول 1936 بكر صدقي الإطاحة بالحكومة والقيام بإصلاحات نجاح نسبي 11آب 1937 أمين العمري وعزيز ياملكي العودة للحكم القديم النجاح 1مايس 1941 العقداء الأربعة* محاربة بريطانيا وتغيير الحكم الفشل الانقلابات المستترة: 24كانون أول 1938 الزعماء السبعة** تأييداً لنوري السعيد النجاح 5 آب 1939 الزعماء السبعة تنصيب عبد الإله وصياً على العرش النجاح 21 شباط1940 العقداء الأربعة تأييداً لنوري السعيد النجاح 1 شباط 1941 العقداء الأربعة حكومة قومية مدعومة عسكرياً النجاح · العقداء الأربعة هم : صلاح الدين الصباغ؛ محمود سلمان؛فهمي سعيد وكامل شبيب ** الزعماء السبعةهم: العقداء الأربعة واللواء أمين العمري،اللواء حسين فوزي والعقيد عزيز ياملكي. المصدر :الجدول مستل من إليعازر بعيري، ضباط الجيش، ص. 243، مصدر سابق. لقد أوضحت هذه الانقلابات في بعض جوانبها، مدى تغلغل العلاقات الشللية والحزبية ( بالمفهوم الضيق) في رحم المؤسسة العسكرية وتأثيراتها التي أفرزت اتجاهين رئيسيين: يختلفان في تصوراتهما لواقع العراق وتركيبته الاجتماعية والسياسية ومستقبله اللاحق والعلاقة بالعالم العربي المشرقي ودور الجيش في ذلك.. وهما ينطلقان من موقف سياسي يتمركز حول استفهامية أولوية عراقية العراق أم أولوية عروبة العراق. هذان الاتجاهان برزا في المؤسسة العسكرية مع بدايات تشكل الدولة العراقية وكانا انعكاساً لصراع القوى السياسي آنذاك وكانا متعايشان إلى حدٍ ما في العشرينيات، ولكن بعد تبلورهما بوضوح منذ مطلع الثلاثينيات تم التصادم بينهما.. وكان من اسباب التصادم: 2- عدم قدرة المشروع القومي في الانطلاق من واقع الحاجات الاجتماعية/ الاقتصادية للأغلبية السكانية؛ 3- ومن عدم استطاعته فكرياً في تحقيق الاندماج الوطني ومن ثم تحقيق الهوية الوطنية العراقية لينطلق بها متكاملاً أو شبه ذلك, نحو الأمة العربية, والهوية العربية لأغلب سكانه, دون الاخلال بالنعادلة الوطنية- القومية, - مساومته وتحالفاته السياسية مع نخب الحكم المتحالفة مع بريطانيا. استمر الصراع بين الاتجاهين في مختلف مراحل القرن الماضي ومثلا إحدى سماته السياسية، رغم خفوت أواره في بعض الأحيان واشتداده في أحيان أخرى. ورغم إقرارنا بأن هذا الصراع كان غير مبرر علمياً في الكثير من جوانبه وغير مجدي لا للوطن ولا للقوى المتنازعة، فإنه كان أحد أهم الأسباب في ضياع ثورة 14 تموز. كما كان يعكس مدى تدني الوعي الاجتماعي في تجليه السياسي والفلسفي لدى النخب السياسة الحاكمة أو المعارضة. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 24 فبراير 2017, 8:34 pm | |
| عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية: تم اغتيال كل من بكر صدقي ومحمد علي جواد في الموصل في 11 آب 1937. وبعد استتباب الأمر قامت قوى الانقلاب الثاني وحكومتها بمعاقبة أنصار ومؤيدي الانقلاب الأول من عسكريين ومدنيين والثأر منهم، حيث سجن من سجن وأحيل البعض على التقاعد وأغلقت بعض الصحف وأبعد الضباط المؤيدين لبكر صدقي عن الوحدات العسكرية الفعالة وكذلك من الوحدات القريبة من المدن الرئيسية. هذا الإجراء شهدته الساحة السياسية العراقية منذ ذلك الحين سواءً على صعيد الجيش أو السلطة المدنية، وإن اختلف هذا الانتقام من حيث العمق والشمول من مرحلة إلى أخرى[26] لقد أصابت شظايا هذه السياسات الانتقامية الملازمان الأولان عبد الجبار جواد وعبد الكريم قاسم، حيث تم نقلهما إلى الوحدة العسكرية المرابطة في مدينة الديوانية لا لمخالفةٍ ارتكبها، قدر لصلة الرحم التي تربطهما بأمر القوة الجوية وتأيدهما له. كما واجها صعوبات إدارية أثناء ذلك وأغلقت أمامهما، على الأقل مؤقتاً، إمكانيات الخدمة في الوحدات الفعالة وبالتالي الترقية في سلم الوظيفة. كما عانا من ضغوط نفسية جراء العقوبات المعنوية لمخالفة لم يرتكباها . ونحن بصدد تحليل سيرة عبد الكريم قاسم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين كان موضع قاسم من هذا الصراع العنفي الذي غشى المجتمع السياسي وعلى الأخص في المؤسسة العسكرية؟ ومع من كان يقف ولماذا؟ لم تتوفر لدينا الأدلة الكافية التي نستطيع على ضوء معطياتها أن نحدد بدقة موقفه، خاصةً وأن رتبته العسكرية لم تسمح له بتبوء مركزاً مؤثراً ولا مساهمة جدية في الفعل السياسي للمؤسسة العسكرية.. يزيد من ذلك طبيعة أنظمتها الآمرة. لكن مع هذا هناك إشارات وردت بصورةٍ متناثرة في بعض الكتابات والأحاديث التي تطرقت من خلال تقيم شخصيته. كما يمكن الاستدلال عليها من ناحيتين هما: - صلة القربى التي ربطته بأمر القوة الجوية.وهذا عامل مهم جداً في المجتمعات المتأثرة بالقيم العشائرية؛ 4- كذلك من خلال المؤثرات الفكرية التي تشبع بها. ومن خلال هذين المعطيين ومن تحليل ما متوفر عنه.. يمكننا الوصول إلى حالة اقترابية لموقفه السياسي من ذلك الصراع. في البدء.. كان يراقب ذلك الاقتتال والصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية وكتل نخب الحكم وكانت العشائر وقودها؛ ومن ثم بين الاتجاهين الرئيسيين: العراقوي والعروبوي، اللذان فقدا استكمال مهامهما الأرأسية المتمحورة حول تحقيق الاستقلال الحقيقي للبلد وأجراء تغيرات جوهرية في طبيعة الحكم وفي المهام الاجتصادية /السياسية الداخلية، وما طرحته القضية الفلسطينية من مهام على القوى العربية الحية من خارج أطر مؤسسات الحكم الرسمية. هذا الصراع كاد أن يكون شمولياً ليس بين أنصار هذين الاتجاهين فحسب بل شمل كتل نخبة الحكم السياسية، وبينها وبين المعارضة الوطنية، وبين بعض أجنحة المعارضة ذاتها. كما شمل الصراع بين الإقطاع الوليد وجمهرة الفلاحين الفقراء والطرد الكيفي لهم من الأرض بفعل العنف المادي أو/و المعنوي الذي مارسته السلطة المركزية لاستقرار قاعدتها الاجتماعية. عَمَقَ مراقبة قاسم للصراع الاجتماعي المشوبة بالقلق، عُمق العنف الذي مارسته المؤسسة العسكرية في مختلف مناطق ممارساتها في الريف العراقي.هذه الوضعية المادية للمجتمع جعلته يطرح على نفسه أبعاد هذا الصراع وماهياته؟ ودور العنف الذي مارسه الجيش ومدى ضرورته وعمق العواقب التي أصابت الفلاحين وانحياز قادة الجيش والحكم لفئة الإقطاع ؟ هذه الأسئلة دفعته إلى البحث عن إجابات ليطمئن ذاته. إذ لم تستطع التصورات المطروحة في الساحة السياسية آنذاك أن تلبي ما يحتاج إليه, وخاصةً تلك التي لم تأخذ بالاعتبار الابعاد الاجتماعية بعين الاعتبار. يقول أحد الضباط: لقد " استهوته المبادئ الماركسية، فقرأ على هامش بعض مبادئها وأهدافه، ولكنه اشترك معنا وكان ملازماً مثلنا في أول جمعية للضباط القوميين في سنة 1935 ولكن سرعان ما أنحرف عنا ليقف إلى جانب بكر صدقي وأبن عمته محمد علي جواد في انقلابهما المعروف سنة 1936 بدافع من حقده الشعوبي الذي يعتمل في نفسه[27] " (التوكيد منا –ع.ن). إن صح هذا القول بالنسبة لقاسم، فتفسيره، ربما، الوحيد يعكس حالة أغلب الشباب العراقي الواعي آنذاك، في البحث عن إجابات لما تطرحه الحياة من إشكاليات على كافة الأصعدة الحياتية. إذ كانوا يرغبون في تفسيرات توضح جواهر المسببات ومسالك الحل الملائمة. إذ " لم تعد المعارضة الرسمية معارضة (البرلمانية) ترضي مزاجه الثوري، شرع يبحث عن سبل جديدة، وكانت تطرح عليه بدائل مختلفة، عليه أن يختار واحدة منها[28] ". لم نعثر لحد الآن ما يؤيد ما ذكره محمود الدرة من كون قاسم كان منخرطاً في العمل ضمن التيار القومي، لأنه كان متأثراً إلى حد كبير بالمضامين الاجتماعية للحركات السياسية التي كان التيار القومي لم يعطها المكانة المناسبة في برامجه السياسية، ناهيك عن تأثره بالوطنية العراقية. ولو افترضنا صحة قول الدرة فتفسيره الأقرب للصواب هو كان قاسم يبحث عن التنظيم الذي يعبر عن طموحه في التغيير من أجل إعادة تركيب البناء الاجتماعي واجتثاث الفقر المادي ومساعدة الفلاحين، أي تثبيت لفكرة المساواة والعدالة النسبيتين، وتحقيق الاستقلال الناجز خارج أطر نخبة الحكم التي تدعي القومية، ولما لم يجد ذلك لدى هذا التيار افترق عنه. ومما يؤيد استنتاجنا هذا ما تم نشره في الآونة الأخيرة في دراسة أكاديمية تناولت الكتلة القومية للضباط، من خلال دراسة شخصية العقيد الركن فهمي محمد سعيد، وأورد المؤلف قائمة بأسماء " الأشخاص الذين انضموا إلى الكتلة القومية حسب مراحل عملها، وذلك بالاستناد على المعلومات التي جمعناها من خلال المقابلات المختلفة وفي ضوء ما ورد في أوراق فيصل فهمي سعيد[29] ". ومن القراءة المتأنية لهذه الأسماء، التي بلغ عددها 119 اسماً والغلبة المطلقة منهم كانوا من العسكريين، لم نعثر على أسم عبد الكريم قاسم ضمنها. وهذا ما كان مع قاسم في مطلع عقده الثالث، فقد قرأ ما كان يراه أقرب إلى نفسيته وتطلعه اللاحق، وخاصةً أدبيات الفكر الديمقراطي – جماعة الأهالي والفكر الماركسي - الذي بدء يشق لنفسه طريقه الخاص آنذاك، إذ تأثر بالأفكار التي كان يطرحها بصدد الهوية الوطنية العراقية وبكيفية معالجة الأوضاع الاجتماعية المعاشة وظروفها التي كانت تعاني منها الأغلبية المطلقة، بعيداً عن العموميات والأمنيات غير المهيأة ظروف تحقيقها عملياً، وتفهم عدم قدرية الفقر والكامنة مسبباته في النظام الاجتماعي، وكذلك حياة الفلاحين الشبه أرقاء وما يعانون منه من مظالم يعكسها الجنود القادمون من قعر الريف وتركيبته الاجتماعية. وتأسيساً على ذلك كان قاسم بنفسيته وطموحه؛ وبجذوره الطبقية؛ ومطلقاته الفكرية وتأثره بالنزعة الوطنية لمدرسة الأهالي ومن خلال قريبه محمد علي جواد؛ وقبلها بالأفكار التحررية لجماعة الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي من خلال (أستاذه) مصطفى علي. فقد كان الأقرب للكتلة العراقوية. لكن في الحقيقة، عند تحليل مواقف عبد الكريم قاسم السابقة واللاحقة يمكنني القول أنه كان ميالاً إلى عراقيته لكنه لم يعادِ الاتجاه الثاني رغم دوره في مقتل مثله الأعلى في الحياة العسكرية محمد علي جواد، ولم يتخندق أو يتعصب لعراقيته ولم يضعها في تضاد مع عروبته. بل مزج بينهما وأنطلق منها نحو أمته بصورةٍ واعية ومدركة. وهذا ما دللت عليه مساهمته السياسية اللاحقة ودوره الأرأس في تشكيل أول تكتل غائي للضباط الأحرار في فلسطين، ثم تكريمه لشهداء حركتي بكر صدقي وحركة مايس [30]، ثم في سياسته العربية التي سار عليها بعد ثورة 14تموز ودعمه لكل الحركات التحررية في الوطن العربي مادياً ومعنوياً وخاصةً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والجزائرية. وبعد انقلاب 1936، صعدت مكانة القوة الجوية، باعتبارها سلاح المستقبل، والتي طورتها حكومة الانقلاب بصورة سريعة خارج أطر الاتفاقية العسكرية العراقية -البريطانية[31] وكانت محل اهتمام وفخر عموم الضباط والشبان منهم على الأخص الذين اندفعوا للانخراط في القوة الجوية بناءً على طلب وتشجيع رئاسة أركان الجيش. وقد كان من بين الذين قدموا طلب نقل خدماتهم إلى القوة الجوية الملازم الأول عبد الكريم قاسم، وذلك في النصف الأول من عام 1937. لكن طلبه رُفض نظراً لعدم صلاحيته أن يكون طياراً. كما أنه رشح للقبول في المدرسة النقلية الألية.. وفي 3/1/1937 نقل إليها ودخل دورة السواقين ونجح فيها كضابط آلي وأعيد إلى وحدته في مستودع مشاة الحلة بطلب منه. وفي 8/9/1937 رفع إلى رتبة ملازم أول, ونقل إلى منصب مساعد في الفوج الثاتي من اللواء الثاني في الديوانية. و " في مايس 1938 نقل عبد الكريم قاسم من الديوانية، إلى منصب آمر فصيل في الكلية العسكرية وتنسب إلى سرية الدورة السابعة عشر وكان من تلاميذه عبد السلام عارف. وبعد تخرج هذه الدورة نُقل إلى آمر فصيل في سرية الدورة الثامنة عشر.. وفي الكلية العسكرية، تعرف على الكثير من ضباط المستقبل وتعرفوا عليه[32] ". لقد تم ترشيحه لهذا المنصب من بين أسماء ضباط آخرين عرضت على رئيس اركان الجيش آنذاك فإنتقاه من بينهم. أثناء تدريسه في الكلية العسكرية.. بدء عبد الكريم قاسم يرسم خطوط تحقيق تحركاته المستقبلية، من خلال أن يكون محوراً أساسياً للضباط الشباب وخاصة طلبة الكلية. وقد انعكس ذلك في تصرفاته حيث " أشتهر عبد الكريم قاسم بين طلابه بالجدية وأدب الحديث والتزم جانبهم والدفاع عنهم إزاء رؤسائه، حقاً أو باطلاً، رغم بعض التصرفات التي يقوم بها ويعتبرها البعض شاذة[33] ". ويقول عنه أحد طلابه في الكلية آنذاك: " كان من ألمع آمري الفصائل الملازم عبد الكريم قاسم، آمر الفصيل الثاني الذي كان يحبه طلابه ويحترمونه لشدته وضبطه وذكاءه ومعاملته الحسنة لهم . وكنا نتحسر على العناية التي منحت الفصيل الثاني ضابطاً مدركاً كهذا الإنسان اللطيف [34] ". هذا الموقف السلوكي/الإداري من قبل قاسم، أدى إلى التفاف عديد من ضباط المستقبل حوله، وتعرفوا على طبيعته وتكوينه النفسي وعلى الأفكار التي كان يبشر بها بصورة سرية من خلال نقده المؤول إلى الأوضاع العامة، وإلى طبيعة ودور الجيش في عملية التغيير باعتباره ذو رسالة [تاريخية] والقوة الوحيدة القادرة على التأثير في صيرورة التغيير. هذا الموقف المستنبط من واقع عراق تلك السنوات كان يمثل بداية الوعي السياسي المقترن بالطموح لديه من أجل المساهمة في التغيير مستقبلاً. وكان ينعكس بصورة واعية في سلوكه العملي وتعامله مع طلابه. لقد أثر هذا التوجه على بعض طلاب الدورتين السابعة عشر والثامنة عشر حيث لعب بعضهم دوراً مهماً في العراق الجمهوري من أمثال: عبد السلام محمد عارف؛ عبد اللطيف الدراجي؛ رفعت الحاج سري[35]؛ أحمد حسن البكر؛ إسماعيل العارف؛ فريد ضياء محمود؛ فاضل عباس المهداوي؛ عبد الكريم الجدة؛ منير فهمي الجراح؛ وصفي طاهر؛ طه الشيخ أحمد؛ فاضل محسن الحكيم ؛ إبراهيم محمد إسماعيل وغيرهم. يورد أحد طلاب القوميين ( اللواء فيما بعد) مدحت عبد الله ، وصفاً لسيرة وصفات آمر فصيلهم في الكلية العسكرية بالقول: " كانت الدورة مؤلفة من 245 طالباً [36] ضمتهم السرية الأولى التي آمرها الرائد محمد نوري السعيد، وكان يقود فصيلنا الثاني المؤلف من ستين طالباً الملازم الأول ( العميد الركن بعدئذ) أحمد محمد يحيى وهو ضابط ممتاز كفاءةً وأخلاقاً وقد أحسن تدريبنا مدة دورة المستجدين ولقبوله في كلية الأركان فقد نقل إلينا في قيادة الفصيل الملازم الأول عبد الكريم قاسم الذي وجدناه ضابطاً ذا همة ونشاط كبيرين وجدياً وبشوشاً بعين الوقت، وكان يحرص على تدريبنا وتدريسنا ويحثنا على المزيد من الجهد والتدريب والدراسة، وقد تميز عن غيره من آمري فصائل الدورة بمحاضراته المتواصلة منتهزاً كل فرصة ليلقي علينا كلمة حماسية مطولة يحثنا فيها على التمسك بالروح الوطنية ، طالبا من أن نكون ضباطاً مخلصين مسلحين بالإيمان والعلم والروح الوطنية وأن نسعى إلى تقوية الجيش بعد تخرجنا وإنقاذ الوطن من الاستعمار والتبعية واستعادة مجدنا الزاهر. عندما عاد منتسبو دورتنا في الكلية من موقع التمارين التعبوية في جلولاء قبيل التخرج وكما هو معتاد لكل دورة ومررنا في طريق العودة … بمحلة البتاويين عند شارع السعدون الحالي . وكانت بيوتها حديثة تتميز عن دور بغداد ويسكنها أغنياء اليهود, فما كان من عبد الكريم قاسم إلا أن خاطبنا قائلاً انظروا إلى هذه الدور إنها سوف تكون ملكاً مشاعاً لكم جميعاً في المستقبل، إن المستغلين سوف يفقدون امتيازاتهم والمحرومين ينالون حقوقهم…) كان عبد الكريم قاسم يصارح طلاب فصيله بانطباعه عن كل منهم ، فيقول لأحدهم وأسمه فلان ( أنت طرهات ما يصيرلك جارة) أي ( لا يمكن أن تنصلح وتكون ضابط جيد) وفعلاً ظل هذا الضابط خاملاً إلى أن توفاه الله، ويقول لأخر أنت جيد ولأخر ( أنت تحتاج همة أكثر)، ظل يكره الطالب علان حتى انتهاء الدورة لعدم رضاه عن سيرته في الفصيل. كنا مرة في فترة استراحة في الكلية قبيل التخرج ودار حوار بين طلاب الفصيل عن أقوى شخصية بين آمري فصائل الكلية فقال الطالب (العميد بعدئذ) عبد القادر أحمد البهرزي أن عبد الكريم قاسم هو أرجل ضابط في الكلية وقد أيده الباقون …[37] " ( التوكيد منا –ع.ن.) ويشير أحد طلبته (محسن الرفيعي) في حديث نشر في عام 1997,إلى بعض خصائص المعلم في الكلية عبد الكريم قاسم بالقول: " التحقت بالكلية العسكرية عام 1938وكان هو آمر الفصيل الخامس من السرية الثانية الذي كنت أحد منتسبيها.. للأمانة التاريخية كان حرصاً ويرعي شؤون طلابه وبقى على راس الفصيل مدة قليلة ...[38]" بعد فترة منية قصيرة، وتحديداً في 4 نيسان 1939 تم (اغتيال) الملك غازي. كانت هذه العملية، حسب رأي، تمثل إحدى حلقات التسلسل المنطقي لسيناريو التغيير التي رغبت بريطانية وحلفائها في الداخل وعلى رأسهم نوري السعيد إجراءه آنذاك، بعد القضاء على بكر صدقي وإخماد توجهات حكومة الانقلاب قبل تحولها إلى حكم عسكري بحت، واحتدام الصراع بين الجماهير الشعبية وقواها الوطنية التي كانت غرائزها الثورية ومصالحها الحياتية تنسجم مع مضامين ودوافع الانقلاب وتوجهات الملك غازي المناهضة لبريطانيا وسياستها في المنطقة, وعلى رأسها القضية الفلسطينية. زاد اغتيال الملك غازي، من مشاعر السخط ضد بريطانيا وأعوانها في الداخل، حيث تشير كثير من الدلائل على تورط بعض أعضاء نخبة الحكم، وخاصةً السعيد[39]، في هذه العملية. وكان من أثارها تعمق كره الضباط الشباب لنخبة الحكم وحاضنة مصالحهم بريطانيا. هذا الكره عبر عن نفسه في أكثر من ظاهرة، رصدتها الأجهزة الاستخبارية للبعثة البريطانية في الجيش العراقي, لأن الملك غازي كان يولي الجيش الاهتمام الكبير [40] لذا " أن شعبية الملك غازي استمرت بالتعاظم لدى الجيل الناشئ فقد كان الضباط الشباب يحملون صوره وظلوا يحتفظون بواحدة منها في مفكرتهم[41] ", لأن غازي حاول أن يجعل من الجيش قوة حقيقية في الوقت الذي كان الإنكليز " يماطلون فيما نطلبه من أسلحة ومهمات ويعرقلون طلباتنا …[42] " حسب تعبير صلاح الدين الصباغ. كان الملك المغدور يسعى إلى " تمتين علاقته بضباط الجيش العراقي، فحاول أن يتجاوز الروتين الذي يحدد صلاتهم به كقائد عام للقوات المسلحة العراقية ، فبالإضافة إلى تفقده لوحدات الجيش باستمرار ورعايته لمناسباته وإشرافه على مناوراته ، كان يجتمع بالضباط في قصره ويسمح لهم بالاتصال به مباشرةً عند اللزوم وإخباره عما يظهر أمامهم من عراقيل[43] ". حتى أنه كان " يجمع التبرعات الكبيرة لتقوية سلاح الطيران …[44]" مما أثار حفيظة بريطانيا المتهمة بالمشاركة في قتله مع بعض رموزها. 2- عبد الكريم قاسم في كلية الأركان: برزت، في خضم هذه الحياة المضطربة سياسيا واجتماعيا، عند الضابط الشاب قاسم جملة من القيم والمعتقدات الفكرية، من السلوكيات والممارسات الاجتماعية والسياسية المستنبطة من تنوع التجارب الحياتية والقيم الاجتماعية السائدة في تفاعلها مع محيطها العام، دللت على مؤشرات نضجه المبكر، التي صقلتها الخدمة في المؤسسة العسكرية ذاتها، والتي يمكن تحديدها ب : الثقة بالنفس؛ الاعتماد على الذات –الاستقلالية؛ روح المبادرة؛ المثابرة على العمل؛ وأخيراً العقلانية. وعند تحليل هذه المؤشرات نرى أن جميعها تنطوي على قيم اجتماعية ذات حراك متغير وذات طابع نسبي تختلف من مجتمع إلى أخر ومن حضارةٍ لأخرى ومن فترةٍ لثانية في ذات المجتمع وهي تتبلور تدريجياً عند وعي وممارسة الإنسان. وهذا ما يمكن رصده عند تحليل شخصية عبد الكريم قاسم، حيث دللت حياته القاسية إلى حد ما على بلورة اعتماده على نفسه بالدرجة الأولى، سواءً أثناء الدراسة أو العمل، المدني منه أو العسكري. فكما أوضحنا سابقاً كيف كان متفوقاً في دراسته في جميع مراحلها رغم فقر حاله المادي، وكيف كان مثابراً على العمل بصورة دائمة وناجحة في أغلبها، كما كان يطرح أراءه بصورة عقلانية كما يراها هو وليس كما يرغب الآخرون سماعها. وتطور هذا النضج، بجوانبه العملية والنظرية والنفسية، كما عبرت عن ذلك كثير من المؤشرات السلوكية أثناء ممارسته لمهنته العسكرية، مما أهلته إلى الانتساب إلى كلية الأركان. تدرج عبد الكريم قاسم في هذه المرحلة الزمنية من حياته، من طالب معدم ماديا إلى طالب متفوق دراسيا،ً ومن معلم ناجح إلى ضابط مهني واعي، فضابطا سياسيا قديرا. هذا الانتقال التدريجي أستنبط من المكونات الحقيقة لذات شخصيته الطامحة. إذ يوجد في نفسية كل سياسي، مدنياً كان أم عسكرياً، نقياً أم فاسداً، خيراً أم شريراً، نزعة الطموح إلى القيادة التي تجتمع بالدوافع الأيديولوجية والرغبة في تحويل الحلم إلى حقيقة، حتى ولو كان ذلك مجرد إسقاط عقلاني لدوافع سيكولوجية. لقد شعر عبد الكريم قاسم آنذاك أن في " أعماق ذاته بأنه ذو رسالة بل رجل الأقدار، الذي رُسم أن يقوم بدور عظيم في تحرير أبناء جلدته، مثل هذه الأفكار تميز صنفاً قليلاً من الرجال عن الآخرين، الذين يشعرون بأنهم يختلفون عن غيرهم، وانهم عظماء بأنفسهم لطبيعة المهمة العظيمة التي انتدبوا إليها عظماء بأفعالهم مهما بدت صغيرة في أعين الصغار من الناس( وكل الناس اصغر منهم)، وهم على هذا الأساس مستعدون لحرمان أنفسهم من متع حياتهم أجازها الآخرون لأنفسهم ومستعدون للتضحية وركوب أخطار ينكص آخرون عنها [45] ". سقت طبيعة الحياة العسكرية هذه النزعة بصورة ملموسة. وبدء قاسم منذ ذلك الحين برسم طريقه الخاص وبخطوات وئيدة لكنها صلبة، إذ سعى لتكوين مجموعة من المريدين والاتباع من الضباط الأصغر منه رتبةً، وكذلك عزم بإصرار على الانتساب إلى كلية الأركان التي كانت تمثل أولى خطوات تحقيق الذات المهنية لبلوغ المناصب العليا في الجيش والتي تؤهله كوسيلة لتنفيذ ما يجول في داخل نفسه وفكره ولإشباع طموحاتها الشخصية والاجتماعية كتعبير عن طموح لواقع مستقبل العراق كما أراد أن يراه. رُفع عبد الكريم قاسم إلى رتبة رئيس (نقيب) في 12/09/1939، وكانت طموحاته ونضجه يزدادان كلما ترقى في سلم المؤسسة العسكرية، لذا تقدم عبد الكريم قاسم عام 1939 بترشيح نفسه للكلية المذكورة، رغم معرفته علماً اللوائح العسكرية المعمول بها آنذاك " لم تكن تسمح لأي ضابط يقضي 5 سنوات في الخدمة العسكرية أن يقبل في كلية الأركان، إلا لمن كانت سجلاته تدل على الكفاءة والإخلاص في العمل كما حصل لعبد الكريم قاسم [46] ". ومع علمه بهذه القواعد واللوائح تقدم بترشيح نفسه واجتاز امتحان القبول بتفوق ملموس وأصبح بحكم النتيجة مؤهلاً للانتساب إلى كلية الأركان. لكن ألقت بثقلها هنا ثانيةً خلفية الصراعات السياسية بين الكتلتين العراقوية والعروبوية، وحاولت بكل السبل عرقلة قبوله.(وقيل) أن مجموعة العقيد صلاح الدين الصباغ (العروبوية) حرضت على عدم قبوله رغم نجاحه المتفوق في امتحان القبول، نظراً لمعرفتهم السابقة في انتمائه أوعلى الأقل تعاطفه مع الكتلة الوطنية من جهة، ولصلة القربى التي تربطه بقائد القوة الجوية السابق محمد علي جواد الذي كان أحد أقطاب مراكز القوى في الجيش ومن أنصار الفريق بكر صدقي والمحسوبين على الكتلة الوطنية من جهة ثانية. وقد نجحت هذه الضغوط بصورة أولية في البدء. ولأجل رفض الطلب بصورة مبررة قانونياً، طلبت دائرة الأركان العامة التي كان يترأسها صلاح الدين الصباغ بالإضافة إلى توليه مديرية الحركات[47]، إحالة عبد الكريم قاسم دون غيره من المقبولين، إلى لجنة طبية خاصة لتقرير مدى صلاحيته البدنية، مدعيةً عدم قدرته على التحمل نتيجة مرض سابق ألم به. لكن لم توضح دائرة الأركان ما هو هذا المرض وما طبيعته وتأثيراته المناقضة للدراسة في الكلية. وقد مَثَلَ هذا القرار صدمة عنيفة لعبد الكريم قاسم، الذي وقف أمام اللجنة الطبية شارحاً ومفنداً لها بطلان مزاعم دائرة الأركان المستند في الحقيقة إلى الصراعات السياسية وليس كما جاء في كتاب الإحالة إليها، وأوضح أنه غير مريض مطلقاً كما ادعت دائرة الأركانَ. وبعد إجراء الفحوص الطبية، أصدرت اللجنة قرارها في صالحه[48]. يشرح عبد الكريم الجدة ملابسات هذه الواقعة بشكل لا يخلو من المبالغ ويوردها بالصيغة التالية : " لقد أحس رجال الحكم بوطنية الزعيم عبد الكريم قاسم وإخلاصه إلى عمله، فلم يرق ذلك للبعض منهم، فحاول أن يقف في طريق تقدمه، ووضع العراقيل أمامه، وإن كانت بوسائل غير شريفة، من ذلك أنه عندما بلغهم نبأ ترشيحه للأركان، وبخاصة بامتحان القبول، وقبوله في الكلية، أرادوا إخراجه منها بطريقتهم الخاصة في مراعاة الأنظمة والقوانين، فأصدروا أمرا بإحالته إلى الفحص الطبي دون رفاقه من الطلاب المقبولين، وألفوا لجنة خاصة لهذا الغرض. ولما تقدم إلى الفحص الطبي أمام اللجنة الطبية المذكورة، شرح لهم بكل صراحة بأن الغاية من إجراء هذا الفحص عليه، إخراجه من كلية الأركان بهذه الوسيلة. وطلب إلى الأطباء تحكيم وجدانهم في القضية، لأنه غير مريض، وليس فيه ما يمنعه من استمرار على الدراسة في هذه الكلية، فأصغت اللجنة إلى وحي الضمير وكان أن قررت بصراحة أنه يتمتع بصحة جيدة وله قابلية قصوى على تحمل المشاق [49] ". إن ذيول هذه الواقعة تمتد حسب رأينا إلى ذلك الصراع السياسي الذي نشب في المجتمع العراقي بين الاتجاهين العراقوي والعروبوي المقترن بتخلف الوعي الاجتماعي العام وبروز الكثير من تجلياته غير الحضرية في العلاقات الإنسانية ين الأفراد، ومنها التنافس غير السليم والحاد بين الضباط لبناء هالة، حتى ولو كاذبة، عن أنفسهم. خاصةً ما يثيره الضابط الناجح من ضغائن أو/و منافسة بين أقرانه في المهنة. " إن دراسة سيرته العسكرية تجعلنا نقف على حقيقة لا يمكن إنكارها سيما وأن عسكريين زاملوه وعاصروه أكدوا هذه الحقيقة التي تتضمن أنه: كان ضابطاً ناجحاً [50] " هذه عوامل تفسر أسباب عرقلة قبوله في كلية الأركان. في الوقت نفسه تدلل الوقائع التي تضمنها سجله العسكري، أنه كان يتمتع بقابلية على تحمل المشاق وتمتع بمؤهلات بدنية أهلته إلى أن يفوز في سباق التحمل لتلاميذ كلية الأركان وحيازته على الجائزة الأولى [51]. هذه الوقائع تدحض ما أشاعه بعض مناوئيه من أن قرار دائرة الأركان أستند إلى كون عبد الكريم قاسم " سبق وأن دخل المستشفى بسبب مرض قيل أنه عصابي (نفسي)... إذ أعتقد أن المرحوم صلاح الدين الصباغ... كان وراء إفتراح إحالته على اللجنة الطبية لحرمانه من الدخول إلى الكلية الاركان لا بسبب المرض ولكن بسبب قرابته لمحمد علي جواد.. هذه الحادثةوسابقتها عمقتا الروح الانعزالية عند عبد الكريم قاسم, وقادته إلى العقدة الاقليمية وأصابته بالحالة المرضية النفسية( البرانويا [52]) - شعور الاضطهاد - أو العظمة[53] ". وعلى ضوء قرار اللجنة الطبية دخل عبد الكريم قاسم كلية الأركان في 24/01/ 1940، واستمر في دراسته لغاية بداية الاحتلال البريطاني الثاني في مايس/أيار 1941، حيث تم استدعائه وبقية زملاءه الطلاب في الكلية إلى المشاركة في الحرب التحررية، و تم توزيعهم على الوحدات العسكرية لمنع القوات الغازية من احتلال البلد واشترك في العمليات العسكرية في منطقة الفرات.وقد عمل في القيادة الغربية بمنصب ضابط ركن لواء المشاة التاسع. وتجمعه الصدفة ثانيةً في المنطقة التي كانت تحت إمرة العقيد الركن كامل شبيب بمقر الفرقة الأولى، التي كان مقرها في الديوانية، إلى غاية انتهاء الحرب وفشل الحركة وترك قادتها الرئيسيين العراق. واثناء دراسته في الكلية تم ترفيعه الى رتبة رئيس بتاريخ12/9/1940. عاد قاسم إلى كلية الأركان في 5/6/ 1941 ثانيةً ليتخرج منها بتاريخ 11/12/1941وينال درجة (أ) [54]ويمنح قدم لمدة سنتين ويعين بمنصب مقدم لواء المشاة الرابع عشر في 17/12/1941. وقد أوصى آمر كلية الأركان في استخدامه بمنصب مقدم لواء أو ضابط ركن ثان في مقرات الفرق للاستفادة من كفائته. بعدها يشترك في امتحان اللغة الإنكليزية الذي أجرته وزارة الدفاع للضباط الأركان ويحصل على الجائزة المخصصة للناجحين بتفوق. قيم النقيب الركن علاء الدين محمود المعلم في كلية الاركان تلميذه في الكلية النقيب عبد الكريم قاسم كما يلي: " مستواه العلمي العسكري متوسط لأن خبرته في الجيش لا تتعدى الست سنوات كان يعمل بنشاط ليلحق بأقرانه المتقدمين في صفه وراح يضاعف جهوده بالدراسه حتى بلغ مستوى، مستواه فوق المتوسط في المناقشات أو التمارين الخارجية ولكنه يميل إلى إقتباس أراء غيره ويتبناها, غير مبدع للحلول، معلوماته العامة محدودة, إطلاعه على الاحداث العالمية قليل , يميل إلى العزلة والانطواء ولا يختلط إلا بمجموعة معينة من الاشخاص الذين يميل إلى مخالطتهم دوماً, يتصرف في بعض الأحيان بتصرفات شاذة مما دعى البعض أن يشك بسلامتها, لم تكن لديه أراء أو ميول أو اتجاهات مهما كان نوعها. يمتاز بالنزاهة والإخلاص لواجبه بشرط أن يعمل بأمرة آمر قوي الشخصية [55]". السؤال ينصب هنا، لماذا ينال قاسم الدرجة الأولى, إذا كانت سلبياته بهذه الكثرة ؟! وإذا كانت هذه صفاته, أين يكمن خلل حصوله على اعلى درجة، هل هو في رأي معلمه أم في إدارة الكلية.. أم النقل غير الدقيق للمؤلف؟ رغم أن هذا الطرح يكذبه واقع حياة وممارسة قاسم العسكرية, وكذلك التقارير السنوية التي قيمت عبد الكريم قاسم كضابط متميز, حتى من قبل مناهضيه الموضوعيين؟؟ تساؤلات تطرح نفسها لأجل فهم نفسية وحقيقة عبد الكريم قاسم..مع كل وعينا المدرك لتحيزات التقيمات الذاتية وبعدها الموضوعي , ومما يزيدها ابتعاداً عن الحقيقة هي الرؤى الفلسفية المتباينة والاختلاف الطبيعي في فهم الظواهر .. لكن الاعتماد على رأي واحد لا يعكس موضوعية الظاهرة مهما كانت...؟؟؟ وبعد أن أصبح عبد الكريم قاسم ضابط ركن، عمل في الوحدات العسكرية الفعالة والمتواجدة في مناطق مختلفة من العراق. كان منها منصب مقدم لواء المشاة السابع عام 1942حيث توطدت العلاقة بينه وبين عبد السلام عارف، إذ سبق وأن درسه في الكلية العسكرية، وأصبح بعد لقاءهما أحد آمريه في الوحدة العسكرية المرابطة في البصرة. لقد حافظت هذه العلاقة على بعض من بقايا العلاقة السابقة التي حددتها الأنظمة العسكرية، وهي علاقة التابع والمتبوع، زادها وثوقاً ميزة قاسم القيادية وسعة الاطلاع والمعرفة المهنية والثقافية العامة، ناهيك عن ترأس قاسم لاحقاً لتنظيم المنصورية والذي كان عبد السلام أحد أعضاءه، ومن ثم تسنم قاسم رئاسة الهيئة العليا للضباط الأحرار التي فرض عارف على قبوله عضواً في قيادتها[56]. ثم إشراك قاسم لعبد السلام عند اجتماعه مع القيادة العسكرية السورية، برئاسة عفيف البزري وعبد الحميد السراج قبيل ثورة 14 تموز[57].. إلى غير ذلك من الوقائع التي دللت بقوة على علاقة هذه التبعية القيادية التي وسمت علاقتهما لغاية 14 تموز 1958. وقد وصف عبد السلام عارف هذه العلاقة بالقول : " يعلم الجميع أن هناك اتصالاً روحيا بيني وبين أخي الأكبر الزعيم الركن عبد الكريم قاسم يفوق هذا الوصف وسيبقى ذلك إلى الأبد إنشاء الله فأني عشت معه منذ سنة 1941 في البصرة بالإضافة إلى التلمذة ونقلنا لنفس السبب من البصرة ، فبعد شكايته على أمر اللواء في حينه نقل إلى جلولاء وجاء دوري بعده وحوكمت من قبل اللواء الركن بهاء الدين نوري متهما لي بأني كنت المخبر الرئيسي للرئيس الركن عبد الكريم قاسم في وقته، وبالنهاية اكتفوا بنقلي إلى الناصرية واشتغلنا سويةً حسب الاتفاق في زمرة تدريب الجيش. ومنذ سنة 1954 عملت بإمرته كآمر فوج في اللواء التاسع عشر ولم يفرق بيننا أي شيء بل روح واحدة في جسدين… [58] " وازدادت عمقاً بعدما تقاسما العيش المشترك فترة زمنية في شقة واحد. وعلى ضوء هذه المعايشة توثقت العلاقة بينهما خاصةً بعدما اطمئن بعضهما الأخر، وافصحا عن تصوراتهما بصدد الوضع السياسي في العراق عامةً وما آلت إليه ظروف المؤسسة العسكرية من تدهور بعد فشل حركة مايس، وما لاح في الأفق من فكرة حل الجيش العراقي.. " ويبدو أنهما ظلا مدة سنتين يبحثان الوضع الداخلي في العراق. وكان كل منهما يبدي تذمره من الأوضاع المتردية منحيا اللائمة على السلطات المسؤولة [59] ". كانت العلاقة قد رسمت منذ تلك الفترة، وفقاً لمعاييرها العسكرية ودرجة النضج في الوعي، حيث اتسمت بشيء من تبعية عارف الفكرية والقيادية لعبد الكريم قاسم والتي استمرت على هذا المنوال لغاية إعلان الجمهورية.. وهذا ما أشار إليه الكثير من الباحثين استنادا لتصريحات الضباط الأحرار. رفع عبد الكريم قاسم إلى رتبة رئيس أول ركن في 2/5/ 1943, ونقل إلى منصب مقدم ركن لواء المشاة الثالث في 4/8/ 1943في مدينة الناصرية. وأثناء خدمته هناك في هذا المنصب اصطدم قاسم بآمر اللواء حيث رفع ضده شكوى وباسمه الصريح، إلى الجهات العليا متهماً أمر اللواء بسوء الإدارة والضبط العسكري وبالتواطؤ مع متعهد العلف. [60] المؤسسة العسكرية بعد حركة مايس : انطلاقاً من مقولة { أن الأمة تعي ذاتها من هزيمتها} و{ الانقلابية العسكرية تحدث بعد الهزيمة وليس الانتصار} فقد شكلت هزيمة حركة مايس/أيار 1941 منعطفاً في التفكير السياسي للعديد من الضباط المسيسين من مختلف الاتجاهات السياسية، ومنهم عبد الكريم قاسم، في رؤيتهم إلى دور مثلث الحكم المتكون (البلاط ورئاسة الوزارة وقوى الاحتلال –السفارة البريطانية)[61] في عدم استكمال حصول العراق على استقلاله السياسي والاقتصادي الحقيقيين، وبالتالي في عدم إمكانية القيام بالتغييرات الجذرية بصورة سلمية عبر تداول السلطة السياسية وفقاً للآلية البرلمانية التي كانت ممسوخة من حيث المضامين والوسائل بحيث أصبحت ألعوبة بيد مثل الحكم أعلاه. لقد كشفت خسارة هذه الحركة في حربها ضد قوى الاحتلال، عن مدى أهمية دور العامل الخارجي في هزيمتها مما شكل هاجساً حقيقياً أقلق قيادة حركة الضباط الأحرار قبل التغيير الجذري الذي حققوه في 14 تموز/يوليو 1958، بل وحتى بعده في بعض المفترقات الزمنية.[62] وتأسيساً على ما ذكر أعلاه يمكننا استنتاج أن قناعة عبد الكريم قاسم بتغير النظام قد بدأت ترسخ في قرارة ذاته بصورةٍ حاسمة وبتراكم تدريجي، أكثر فأكثر، منذ هزيمة حركة مايس. لذا اخذ يعد نفسه أكثر فأكثر, إلى القيام بهذا الدور الجدي مستقبلاً. في الوقت الذي أخذت قوة شخصيته القيادية بالبروز والنمو المطردين وينال الإعجاب والتقدير من رؤسائه الذين كان يواجه بعضهم، من خريجي المدرسة العثمانية، بخطل تصرفاتهم بصورة بشفافية مباشرة مما جعله في موقع التقدير والفخر من زملاءه خريجي المدرسة العسكرية العراقية. علماً أن أغلب القيادات العليا في الجيش كانوا من الضباط القدماء ولم يكونوا قد تلقوا النظريات الحديثة في العلوم العسكرية, ناهيك عن االضعف المعرفي العام. مرت المؤسسة العسكرية العراقية، بعد إخفاق حركة مايس التحررية، بمرحلة يمكن أن نطلق عليها ( مرحلة الانكفاء على الذات) وفقاً لمعايير التراجع في حجمها الكمي والنوعي وانخفاض تأثيرها المباشر على القرار المركزي للدولة، كذلك للتبدل في استراتيجية الاستقرار، إذ أصبحت العشائر، بعد توطيد ذاتها عبر علاقات الملكية الإقطاعية، المتحالفة مع نخبة الحكم، البديل عن الجيش في تلك الفترة في حفظ النظام وذلك لأن العرش لم يعد يثق بالجيش الذي أراد ليس منازعتها فحسب بل إزاحتها وقاعدته الاجتماعية عن الحكم كما حدث عامي 1936 و1941. كانت حركة مايس بمثابة حركة عسكرية– شعبية ضد الاحتلال البريطاني، وقد تمثلت إحدى جوانبها في تنبيه قوى الاحتلال إلى خطورة موقع الجيش ودوره في الحفاظ على نظام الحكم وطبيعة نخبته السياسية ومدى قدرتها في الحفاظ على ذاتها المرهونة برضى الإنكليز وحماية مصالحهم. لذا " كانت قوات الاحتلال البريطاني حريصة على تأطير كل المصالح الحيوية التابعة للإدارة العراقية. هكذا كانت لندن تحكم احتياطاتها، محاولةً أن تخنق في المهد كل حركة شبيه بحركة (مايس) وكان الضباط الإنكليز هم الذين خلقوا وزارة التموين وبالطبع لم يكن أي قرار هام يتخذ بعيداً عنهم [63] " ... وهم بدورهم، وبمعونة الضباط الشريفين، كانوا ينفذون " التعليمات (التي) تصدر من لندن ومقر الحلفاء في الشرق الأوسط والقيادة العامة في العراق وإيران والترتيبات تتخذ والحكومة تصرح بتنفيذها[64] " كما صرح بذلك عضو النخبة المزمن توفيق السويدي في مذكراته. وكان من ضمن هذه التعليمات : " 3- وربما يستوجب إجراء تصفية شاملة وتقليص حجم الجيش تماماً والتخلص من العناصر التي لا يعتمد عليها. 4- سأكون مسروراً الاطلاع على رأيكم وتوصياتكم حول المعضلة بأكملها. وأريد أن أعرف بشكل خاص فيما إذ كنتم تعتقدون بأن هناك أية إجراءات يمكن اتخاذها لتحويل الجيش إلى قوة قادرة على تنفيذ بعض الواجبات المفيدة لقضيتنا في المستقبل [65] "(التوكيد منا- ع.ن). قامت البعثة العسكرية البريطانية بدراسة وضع الجيش واتجاهات الضباط السياسية وميولهم الفكرية وأنماط حياتهم الخاصة والتدريبات وطبيعتها، ورفعت توصياتها، التي اقترنت بموافقة الوصي، التي طلبت حل الجيش العراقي برمته واستبداله بقوة من الشرطة. ولما جوبه هذا الاقتراح بالرفض أقترح الجنرال رنتن رئيس البعثة البريطانية تقليص " وحدات الجيش وإلغاء فرقتين من الفرق الأربعة والاكتفاء بفرقتين، فرقة كاملة وفرقة للتدريب، متخذاً من نواقص ملاك الوحدات العسكرية وعدم تمكن السلطات الإدارية في مختلف أنحاء العراق من تطبيق التجنيد الإلزامي وعدم خضوع العشائر للقانون المذكور وسيلة لهذا التقليص[66] " لأنه من العسير عليها إلغاء الجيش دفعة واحدة لذا عمد إلى الإبقاء على هيكله فحسب. وعلى ضوء ذلك تم صرف النظر عن حل الجيش والاستعاضة عن ذلك بتقليص حجمه، عبر الطرد والإحالة على التقاعد أو الإجبار على الاستقالة وكذلك الحد من عمليات التطوع. هذه الإجراءات أدت إلى أن يفقد " الجيش في صيف 1943 حوالي ثلاثة أرباع رجاله الذين كان عددهم يصل في مطلع عام 1941 إلى 44217 رجلاً [67] ". مع العلم أن الحكومة البريطانية كانت قد أكدت رغبتها في أن يقوم نوري السعيد في وزارته السادسة (19/10/1941- 07/10/1942) بحل الجيش تماماً بغية ضمان مصلحها وتحقيق استراتيجيتها في المنطقة. هذا الموقف البريطاني الذي أيدته نخبة الحكم،[68] أدى إلى ازدياد الكره واتساع الحقد على بريطانيا والعائلة المالكة وحلفائهما في الداخل، بين الضباط عامةً والشباب خاصةً، والذي بلغ كماً كبيراً تحول، خاصةً بعد الحرب الفلسطينية الأولى، إلى نهاية المنطقية النوعية- تناقض تناحري بكل أبعاده وتحقق وجوده، حتى أمسى أحد أهم أسباب تكتل الضباط الغائي. إذ رأى الضباط المسيسون العراق في عيون البريطانيين كما لو أنه مستعمرة لهم، وهذا ما كان عملياً. وفي الواقع يمتد هذا العداء المتبادل تاريخاً إلى السنوات الأولى لتشكل الدولة العراقية، حيث نشب نزاع بين سلطة الانتداب والمؤسسة العسكرية العراقية الوليدة ونخبتها في السلطة التنفيذية، تمحور حول توسيع وتحديث الجيش ومبدأ الخدمة فيه وذلك بجعلها إلزامياً وليس تطوعياً. ثم أشتد النزاع بعد الاستقلال 1932، حيث عكفت البعثة البريطانية على كبح جماح رغبة التوسع لدى مؤسسة العرش متمثلةً بالملك غازي؛ والحكومات المتعاقبة التي أدرجت جميعها في برامجها الوزارية فقرة خاصة بتطوير الجيش كماً ونوعاً[69] ؛ وكذلك قيادة المؤسسة العسكرية. ويمكن تفسير الانقلاب الأول في بعض أوجهه في رغبة قادته العسكريين، بالموافقة الضمنية للملك غازي، في تحديث المعدات والأسلحة الحربية وتوسيع القوة الجوية من خارج أطر الاتفاقية العسكرية العراقية- البريطانية لعام 1931. وقد تلمست قوى الاحتلال ومؤسساتها ذلك الموقف بصورة ملموسة وهذا ما أكدته التقارير المرفوعة لها من قبل مستشاريها ومواليها العاملين في الوحدات العسكرية والذين كانوا على تماس يومي مباشر بالضباط العراقيين. وقد جاء في أحد التقارير ما نصه: " إن من الحصافة استعمال هذه القوة (الجيش) التي لم يكن موقفها معروفاً من (الوثبة- 1948) وكانت قيادتها تضم في أقسام منها أولئك المتشددين في عدائهم للإنكليز[70] ". ويؤكد هذا الكره ما جاء في تقرير الجنرال رنتن، رئيس البعثة العسكرية الاستشارية للجيش العراقي " في تقريره نصف السنوي للمدة المنتهية في 30 أيلول 1947 والمرفوع للجهات البريطانية …إن العوامل التي تساعد على الصلات الجيدة هي 1- الكراهية الشخصية لنوري باشا السعيد الذي يُعرف بصداقته لبريطانيا ولضباط البعثة، والتي هي عامة بين ضباط الجيش العراقي، ويُعرف بأنه الربان الذي هرب بعد قيادة سفينة الدولة نحو الصخور. إن أعماله بعد انتفاضة 1941حين قام وهو وزير الدفاع، ولهدف إضعاف الجيش وملء المناصب العليا بأعجز الضباط الذين أمكنه العثور عليهم، هذه الأعمال لن تنسى ولن تغفر له …[71]"( التوكيد منا-ع.ن.). وما زاد من هذا الكره هي تلك الترتيبات التي قامت بها البعثة البريطانية لإعادة تنظيم الجيش باعتباره قوة حماية للأمن الداخلي فحسب. وانسجاماً مع هذه الفكرة تم تدريبه على قاعدة (الحروب غير النظامية)، المقترنة بشيوع تطبيق قاعدتي (سلاح بلا عتاد) و(جهاز حربي تنقصه الإدامة). تزامن هذا الإجراء مع ما كانت تخطط بريطانيا له لمستقبل المنطقة وتجسيد وعد بلفور (ها) على أرض الواقع وهذا ما تم بالفعل، وكان أحد أسباب هزيمة العرب في حرب فلسطين الأولى. هذه التغيرات في داخل المؤسسة العسكرية رافقها تغيير في مضامين أساليب إدارة الحكم. إذ اصبح النظام " يتخذ لنفسه أكثر فأكثر سمات الحكم القسري وغير المسؤول الذي تكمن سلطته المرئية في الشراكة بين نوري والوصي، اللذين كانا يستمدان قوتهما من خضوعهما للقوة البريطانية ولمصالح محلية متوطدة [72] ". وضع نوري السعيد " قلبه (في المكان الصحيح) وتعاون مع البريطانيين تعاوناً وثيقاً، فوضع كل الوطنيين (الخطرين) في معسكرات الاعتقال، وذهب بكل المسؤولين والضباط العسكريين ذوي الاتجاهات المعادية لبريطانيا، واستثنى رجال العشائر من الخدمة العسكرية وخفض حجم الجيش بأن جعل الكتيبة الثالثة من كل لواء كتيبة كادر فقط، بلا جنود، ولكنه– إلى جانب هذا حمى رجاله (مهما كان سجلهم سيئاً) وشغل نفسه- كما يظن الإنكليز- بحماية موقعه وتقويته داخل الجيش والحكومة [73] " , حتى أخذ السعيد في الفترة 1941- 1958 يلعب الدور وسيط الرئيسي بين السلطة التنفيذية ومكونات قاعدة الحكم الاجتماعية،وقيادة المؤسسة العسكرية وسياسته الداخلية كانت تصب في صالحها بالضد من مصالح الأغلبية الشعبية. لقد فشلت كل حكومات تلك المرحلة في معالجة المشكلة الاقتصادية، والقضاء على التخلف، بمفهومه العام، والفساد في أجهزة الدولة، ومن الحد من شراسة وضعف قوى الأمن الداخلي، وفي وقف اغتصاب الأراضي الزراعي من قبل المتنفذين في المجتمع، مما عمق أكثر فأكثر الفجوة الواسعة بين السلطة السياسية وقاعدتها الاجتماعية وبين الفئات والطبقات الأخرى وخاصةً النامية منها. أي تعمق الاغتراب بين هذه القوى الأخيرة والنظام وتبعيته شبه المطلق لبريطانيا. وأصبح تركزاً للملكية أكثر وضوحاً، مما رتب عليه عدم تفهم قاعدة الحكم لمشاكل الأغلبية المطلقة من السكان وعدم إدراك حياتهم المادية الصعبة. هذا الوضع وما نجم عنه من عجز النخبة الحاكمة من التعامل مع المشكلات البنيوية الأساسية في المجتمع في صيرورة حراكه، نتيجة لطبيعة قاعدتها الاجتماعية من جهة، ولتبعيتها للمراكز الرأسمالية .. مما أثر في الوضع الاجتصادي/ السياسي، رغم أن الحياة كانت تصرخ بضرورة إجراء تغييرات في التركيبة الاجتماعية بما يتلاءم مع متطلبات العصر وروحه، خاصةً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما أفرزته العلاقات الدولية من مناخ تنافسي بين الأقطاب الكبرى، كان من نتائجه هو تغيير الاتفاقيات النفطية وزيادة مداخيل الدول المنتجة. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 24 فبراير 2017, 8:35 pm | |
| عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية: في مثل هذه الظروف وتطبيقاً لتعليمات البعثة العسكرية البريطانية لتدريب الجيش على صيانة الأمن الداخلي، فقد تم فتح دورات خاصة للضباط لدراسة الحروب الجبلية، إذ أخذ بالاعتبار واقع الحركة الكردية لتحقيق طموحها المشروع نحو استكمال وحدة ذاتها القومية. ضمن هذا التوجه الحكومي المناهض للحركة الكردية أشترك الرائد الركن عبد الكريم قاسم في دورة [ الحروب الجبلية للضباط الأقدمين الأولى ]. وفي الثامن من آب/أغسطس 1945، أتخذ مجلس الوزراء قراراً باستخدام القوة العسكرية لقمع الحركة الكردية التي قادها الملا مصطفى البرزاني[74]. وقد أصدرت وزارة الباجةجي في اليوم المذكور القرار التالي : "بعد الاطلاع على مضامين التقارير المصرحة باضطراب الأمن في منطقة بارزان وأطرافها, ونظراً للأعمال الإجرامية التي قام بها الملا مصطفى البارزاني واعوانه والمخلة بالأمن العام, وبما أن الواجب يقضي بإعادة النظام والانتظام ومنع تكرار الإجرام, تقرر احتلال المنطقة البرزانية احتلالاً عسكرياً والقبض على المجرمين وسوقهم إلى العدالة, ويخول وزير الدفاع اجراء الترتيبات اللازمة لتنفي هذا القرار. وبادر سعيد قزاز متصرف أربيل بتوجيه إنذار إلى البرزاني بوجوب تسليم نفسه للسلطات , ولأنذر جميع رؤساء العشائر بالابتعاد عن البارزاني وهددهم بأقسى العقوبات إن خالفوا ذلك. وفي 19/8 أعلنت الأحكام العرفية في لواءي أربيل والموصل ثم أعلن عن سريانه في منطقة بارزان والأقضية التالية : راوندوز, عقرة, عمادية ودهوك. بعد هذه الإجراءات صدرت الأوامر إلى الجيش بالتحرك لاحتلال المنطقة [75] ". وتنفيذا لهذا القرار فقد تحشدت القطعات العسكرية تمهيداً لشن الهجوم الكبير, والتي تكونت من عدة ألوية من القوات المسلحة في إخمادها، كان من ضمنها جحفل اللواء الثالث الذي كان يقوده العقيد الركن حسيب الربيعي[76], وكان معسكراً في رايات وفوج منه في راوندوز. في حين كان جحفل اللواء الرابع بقيادة العقيد الركن رفيق غارف, يعسكر في بنجوين عند أقصى الحدود الشرقية من لواء السليمانية وفوج منه في السليمانية, وكان برئاسة الزعيم الركن إسماعيل صفوت. كما كان جحفل اللواء الخامس وجحفل اللواء الأول بإمرة الزعيم ياسين حسن, يعسكر في زاويته قرب دهوك وفوج منه في عقرة تسانده قوة من الشرطة[77]. لقد كلفت هذه الحرب مئات القتلى ونفقات كثيرة وقد اضطرت الحكومة في وقته إلى الاستعانة ليس فقط بالجيش بل بتجنيد شرطة إضافيين من العشائر, كما اضطرت لاستصدار مرسوم رقم 2 لسنة 1945لإضافة مبالغ إلى ميزانية سنة 1945 المالية لكي تتمكن من الانفاق على قمع الانتفاضة الكردية, التي كانت تعبر عن مطامح الحدود الدنيا للشعب الكردي, إذ قدم الملا مصطفى البرزاني عدة مطالب هي: " 1- تعيين موظفين إداريين أكراد في منطقة كردستان؛ 2- تعين مساعد كردي لكل وزير؛ 3- اعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة الكردية؛ 4- إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين الأكراد الذين تم اعتقالهم بسبب القضية الكردية [78]". وكانت قوة البرزانيين حسب بعض المصادر في حدود 2500 مسلح, " ويسيطرون على منطقة واسعة تمتد من روست حتى العمادية ومن سر عقرة حتى نهاية برادوست ويقودهم سبعة من ضباط الجيش السابقين, وكان على مقربة منهم الجيش الروسي الذي قدم إليهم العون المادي والمعنوي... ووقع القتال بين قوات الحكومة والبارزانيين, في 25 أغسطس/ آب 1945, في بادليان على مقربة من بله( قضاء الزيبار- غ.ن), وكان قتالاً شرساً وقاسياً على الطرفين, ولم تسفر المعركة عن نتائج حاسمة حتى 4 سبتمبر1945, حينما حقق الجيش العراقي بعض النجاح بإحتلال بعض بعض المواقع البرزانية. وبعد قتال عنيف متقطع لعدة اسابيع, تمكن الجيش والقوات غير النظامية, من هزيمة البارزانيين, ودخلوا قرية برزان في 5 أكتوبر/ تشرين أول 1945... [79] " , بمساندة القوة الجوية العراقية والبريطانية, وتراجعت القوى الكردية بإتجاه الحدود الإيرانية. وأحالت الحكومة المشاركين في الحركة إلى المحاكم العرفية حيث حُكم على مصطفى البارزانب وشقيقه أحمد مع 35 شخص بالإعدام وعلى 70 آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة. كان عبد الكريم قاسم, اثناء هذه الحركات, يشغل منصب مقدم لواء جحفل اللواء المذكور، وقد انحصرت واجباته في مهام الأركان. لكن هذا لم يمنعه من المساهمة في العمل العسكري الفعلي في هذه الحرب الداخلية. و صادف أثناءها أن وقعت إحدى الربايا في منطقة زيبار التي يحتلها اللواء الثالث بيد ثوار الحركة الكردية، لكن قاسم طلب من آمره السماح له بإعادة احتلال الربيئة التي أخذت تؤثر على معسكر الجحفل، ونجح بإعادة إحتلالها ووضع قوة تدافع عنها, بعدما فشلت الوحدة الفعالة من القيام بذلك، وقد أستحق شكر آمره. لكن في الوقت نفسه أثارت التنافس والضغينة لدى الذين تعرضوا لملامة التفصير وسبب لهم احراجاً امام مرؤسيهم. وتكرر ذات العمل مرة أخرى في إعادة السيطرة على بعض القمم التي تسيطر على طريق (مركه سور) وإعادة احتلالها والتي كانت ضمن مسؤولية الجحفل الرابع. لقد أبدى قاسم في هذه المعارك شجاعة عسكرية كانت موضع فخر زملائه. وأثبت من خلال مشاركته الفعلية, كعسكري محترف, على مرونة تفكيره العسكري واستيعابه لعمل الركن الدقيق, عكس ما كان يبديه بعض الآمرين. خاصةً إذا علمنا أن التنافس " كان على أشده بين جحفل اللواء الثالث بقيادة العقيد الركن حسيب الربيعي وجحفل اللواء الرابع بقيادة العقيد الركن رفيق عارف[80] ". أنعكس هذا الرأي في حصوله الزعيم قاسم على: نوط الشجاعة لمشاركته في هذه الحركات؛ وفي تعينه بتاريخ 26/12/1945 وكيل آمر الفوج الثالث للواء الثالث. وقد " أبدى شجاعة فائقة في أثناء الحركات الفعلية التي جرت في منطقة قضاء الزيبار والمناطق المجاورة لها بين تاريخ 9/8/1945 و20/10/1945, حيث منح نوط الشجاعة في 1/11/1945. كتب عنه آمر جحفل اللواء الثالث في تقريره السنوي بعد تلك الحركات بأنه ضابط ركن خلوق جداً وكريم النفس وشهم ومخلص لأمره ودقيق في أعماله وثقافته العامة جيدة جداً وأشغل منصب مقدم اللواء بكل جدارة وإخلاص وأنه ضابط جيد جداً من كل الوجوه وسوف يكون في المسنقبل من ضباط الجيش القديرين, ولابدائه الشجاعة الفائقة في الحركات الفعلية منح موط الشجاعة من جرائها [81]." هذا النجاح في الحياة المهنية لعبد الكريم قاسم .. بقدر ما عززت من منظومة تركيبته النفسية/المهنية, ولدت في الوقت نفسه التنافس والحسد بين زملاء المهنة.. تحول بعض منه إلى نوع من التنازع والعداء، الذي أخذ يعبر عن ذاته في مجالات مختلفة، ضُخمت، إلى حد التخمة، ما بعد 14 تموز وبصورةٍ كبيرة، ليتحول لدى بعض الضباط إلى فعل انقلابي مغلف بأغلفة سياسية أو/و أيديولوجية ودوافع تنتمي إلى الولاءات الدنيا مثل الطائفية والمناطقية وغيرها. فتحولوا إلى شهود (زور) لم يعكسوا الوقائع كما كانت ولا التاريخ كما نطق، كما تطفح بهم مذكراتهم وتصريحاتهم. في الوقت نفسه ازعم, من خلال قراءتي لقاسم, إن هذه الحرب في منطقة كردستان العراق, قد أثرت في نفسيته..ووضعته أمام حالة جديدة من التأمل في حركة الشعب الكردي الطامح إلى نيل جزء من حقوقه ببعديها القومي والانساني وبالترابط مع واقع العراق السياسي آنذاك من جهة .. وبين الموقف من المساهمة في إخماد الحركة كواجب مهني مُلزم من جهة ثانية. هذه المعايشة المهنية لقاسم في كردستان " وبحكم اشتراكه في المعارك التي دارت خلال ثورة بارزان عام 1945, تعرََّف عن قرب على مزايا وشجاعة البارزانيين وحمل عنهم إنطباعاً جيداً وقدّر فيهم روح التضحية والصمود, وتكّونت علاقة حميمة بين عبد الكريم قاسم ومصطفى البارزاني مبنية على الثقة. ومع الأسف الشديد نجح الشوفينيون والرجعيون من النفوذ وخرق جدار هذه الثقة وحدث ما حدث [82] ". لقد ترجم قاسم هذه الثقة دستورياً من خلال المادة الثالثة للدستور المؤقت التي نصت: " يقوم الكيان العراقي على أساس التعاون بين المواطنين كافة بإحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية [83] ". وهذا يمثل أول اعتراف دستوري بالحق الطبيعي للشعب الكردي ليس في العراق فحسب, بل في عموم الاجزاء المقسمة والتي تمثل كردستان الكبرى. كما سمحت حكومة الزعيم قاسم بعودة الملا مصطفى البرزاني ورفاقه الخمسمائة الذين " احاطت حكومة الثورة هؤلاء المناضلين بالرعايا الكاملة ووفرت للخرجين منهم فرص عمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية, وللمسنين كل وسائل العيش الكريم, وأكرمتهم تكريماً يليق بتضحياتهم ونضالهم, وأصدرت قراراً بالعفو العام عن البارزانيين الذين صدرت بحقهم أحكان الإعدام وبالسجن لندد مختلفة في العهد الملكي [84] ", وغيرها من الاصلاحات الاجتماعية والثقافية واقرار تدريس اللغة الكردية وتوزيع الاراضي على الفلاحين وغيرها من الاصلاحات. وهنا لابد من الاشارة إلى أن موقف قاسم من القضية الكردية وعودة البارزانيين قد اثارت ردود فعل مناهضة, بعضها كان عدائياً, من قبل قوى التيار القومي وخاصةً حزب البعث العراقي. كما كانت أحدى النقاط الساخنة من الصراع بين قاسم وعارف في الايام الأولى للثورة, حيث كان الاخير ضد مواقف قاسم من هذا الموضوع .. وهذا ما دللت عليه الوقائع التاريخية. في الوقت الذي " وقعت الحركة القومية الكردية مرات عديدة بسبب ضعفها التاريخي وعدم تكاملها الاجتماعي والفكري فريسة الاوهام السياسية. أي أننا نرى لحد الآن عدم اعتمادها العضوي على الحركات الاجتماعية والسياسية العراقية بصورة تامة أو أولية إضافة إلى تحويل القوى الخارجية إلى كيانات إضافية أو ثانوية [85]". سفرة لندن الأولى ولقاء الجواهري: رُفِعَ عبد الكريم قاسم في 12/04/1947 إلى رتبة مقدم ركن، ونقل إلى لواء المشاة التاسع. وفي هذه السنة يسافر إلى خارج العراق لأول مرة، وكانت واجهته لندن. كانت السفرة لأجل التطبيب الناجم عن عمله, وكذلك معالجة الشق في شفته العليا، الذي ورثه منذ الصغر, وهذا ما أشار إليه بعض مُدرسيه . يمكث قاسم في لندن ويستغل الفرص الزمنية المتاحة له من أجل الاطلاع ودراسة التطور الاجتصادي الذي شهدته بريطانيا وديناميكيته، ومستويات المعيشة ونموها مقارنةً بواقع العراق. ويركز الانتباه على كيفية حل مشكلة السكن. لأن هذه المشكلة كانت ولا تزال واحدة من المشاكل الاجتماعية/ الصحية المستعصية في أغلب بلدان عالم الأطراف ومنها العراق، لأن الأسر الفقيرة والفئات الوسطى المتوسطة وما دونها كانت تعاني من عمق هذه الأزمة منذ ذلك الوقت. وهو بالذات عاش هذه الظروف وتحسس معاناتها على نطاقه الذاتي أو/و الاجتماعي. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم مبررات توجهه إلى التركيز على هذه الناحية بعد الثورة، كمحاولة لاجتثاث الصرائف وأكواخ الطين التي كانت بمثابة أحزمة بؤس تطوق المدن الكبرى. لذا لم تخل مدينة عراقية في فترة حكمه من مشروع سكني حكومي، أو على الأقل توزيع الأراضي السكنية على الجمعيات التعاونية للموظفين وأصحاب الدخول المحدودة من كسبة وحرفيين وللعمال ومراتب القوات المسلحة، بل حتى ضباطهم. " كان قاسم مصراً ومصمماً على أنه سيوفر السكن لكل عراقي، لا يملك السكن خلال فترة قصيرة، وإن كل التشريعات التي تعرقل تنفيذ خطته هذه ستلغى وستبدل بغيرها[86] " كما يعترف بذلك حتى مناهضوه. و"اصبح هذا الفقير المعدم ذو الثياب المهلهلة حاكماً مطلقاً، ليزحف زحف الذين كفروا على الأكواخ والصرائف وعلى كل ما فيها من تعساء وليحيلها شققاً وعمارات وبيوت، ترى لأول مرة النور والكهرباء والحدائق والشوارع، منتقماً من فقره وماضيه، ثائراً على مرارة واقع البؤساء[87] " . لقد حفزت هذه الزيارة ذهن قاسم وروحه المتمردة على التفكير بضرورة الإسراع لتهيأت الظروف الذاتية لحركة الضباط الأحرار لأجل إنجاز التغيير الكبير المرتقب عندما يحين ظرفه الموضوعي، بغية التماثل النسبي مع الأبعاد الحضارية التي تنعم بها أوربا. ويتعرف قاسم أثناء الزيارة عن قرب بالجواهري الكبير، الذي كان أحد أعضاء وفد نظمته السفارة البريطانية في بغداد لمجموعة من الصحفيين العراقيين لزيارة لندن والاطلاع على معالمها وتعمير، ما خربته الحرب العالمية الثانية بفترة زمنية قصيرة.[88] مَثَلَ هذا اللقاء بين الجواهري وقاسم بداية العلاقة المتميزة والقلقة بينهما. وبصفاء لغته واعتزازه الكبير بذاته المتمردة يصف الجواهري هذا اللقاء بالقول: " في الملحقية العسكرية بلندن… كانت بعثة عسكرية خاصة تضم ملحقين ومفدين من ضباط يتسابقون عليَّ ويجرني الواحد بعد الأخر من أرادني ؟ وكان بينهم ضابط شاب، كان من دونهم، أشد إلحاحاً علي بأخذ حصة أكبر، أو الحصة الكبرى من الجلسات واللقاءات، من جملة ذلك أن اصطحبني إلى بيته وهو شقة متواضعة بملحقيتها. هذه " الدويرة" شهدت ثلاثة لقطات، تصح أن تكون على بساطتها ذات كلمة ومغزى، لما سيكون لهذا الرجل من دورٍ خطير في تاريخ العراق… لم يكن هذا الرجل سوى عبد الكريم قاسم [89] ". اصطحب الزعيم قاسم، الجواهري إلى مختلف مناطق لندن ليطلعه على معالمها، بعدما نفر من البرنامج الموضوع لهم ومن صحبة بعض الصحفيين الذين كانوا معه ضمن الوفد. كما كان قاسم بمثابة مترجم له عند مراجعة الأطباء وزيارة المعالم الثقافية. كان قاسم معجباً أيما إعجاب بالجواهري الكبير، في كثير من مواقفه السياسية المناهضة لسياسة نخبة الحكم وارتباطها ببريطانيا وفي دفاعه عن الفقراء والمحرومين، وفي قصائده الشعرية موضوعةً وهدفاً، المتميزة بالصورة الجمالية وصفاء اللغةً، وسلمها الموسيقي المنفرد في انسيابيته. في ذات الفترة يسافر الوصي عبد الإله إلى لندن, حيث كان يقضي أجازته فيها, " وقد أرسل في طلب الجواهري, وتحادث معه طويلا حول ترشيحه إلى الانتخابات النيابية, وطلب إليه تمديد اقامته في لندن ليعود معه في وقت واحد إلى بغداد. لكن الجواهري اعتذر له بعدم امكانية بقائه لمدة أطول في لندن [90], وكان متضايقاً من اقامته فيها. ... خرج الجواهري من اجتماعه بعبد الإله متوجها إلى الموعد مع صاحبه (الضابط برتبة رائد), حيث حجز له موعدا مع طبيب الاسنان وفي الطريق تحدث إليه عن الانتخابات النيابية المزورة, وخلو مجلس النواب من أصوات وطنية محترمة, لكن الضابط أنتقل بالحديث , إلى حفلة المساء الماضي وأبدى دهشته وارتياح الجواهري على كرنلواليس. وأخذ يترجم له الخبر المنشور تحت الصورة في الجريدة وخبر رويتر قائلا ببراءة أن الشعراء مسموح لهم كل شيء, وهم يشكون من عدم وجود الحرية. أما نحن العسكريين, فلا نتمتع بأية حرية ولا نشكو من انعدامها [91] ". بعد ذلك, كان قاسم " يتابع مواقفي الوطنية والاجتماعية، وبخاصةً الشعرية منها. وكنت الوحيد الذي يناديني ب " الأستاذ " أمام اتباعه وغيرهم وفي أكثر من موقف… ". كما كان قاسم منذ بدء علاقته " صادقاً معي كل الصدق وأميناً كل الأمانة ونظيف كل النظافة في حفاظه على تلك العلاقة، وصحيح كذلك أنه لم يصل مدني واحد في العراق هذه الدرجة من الثقة والوطادة والعلاقة… حتى وصل الحد به إلى أنه أعلن وهو يفعل ما يقول: أنني لا أرد طلباً للجواهري …[92]". بعد عودتهما من لندن أخذت هذه العلاقة توهن واللقاءات تتباعد، بسبب طبيعة عمل الزعيم قاسم العسكري ونضاله السري لأجل تغيير الحكم حسب طريقته الخاصة. وفي الوقت نفسه نضال الجواهري السياسي السلمي بالكلمة والنضال السلمي التحريضي لتهيأت بعض من ظروف مخاض التغيير المرتقب ومستلزماته، ضمن دائرة رؤيته لذاته التي تعتمل داخلياً وبصورة عفوية قوية على سجيتها : " لعل الجواهري يُحِسُّ في قرارة نفسه بأنه لا أحد يصلح لقيادة العراق سواه [93]". بمعنى آخر " عاد الجواهري إلى بغداد ولم يعد يذكر صاحبه الضابط في لندن ولا الضابط كانت تسمح له التزاماته العسكرية وطبيعته الشخصية ومشروعه الخاص، بتوسيع دائرة علاقاته في بغداد، والاتصال بشاعر سياسي كالجواهري [94] ". وغيره من السياسيين العاملين ضمن خارطة التغيير المرتقب في عراق تلك المرحلة. خاصةً والجواهري كان اشهر من نارٍ على علم, حيث " عرف عن هذا الملك غير المتوّج الذي اسمه الجواهري أن توحد في مرحلة الاربعينيات بالناس توحداً يكاد يكون تاماً, واشتُهِر بينهم بصفته شاعراً سياسياً فريداً... [95]". استمر هذا الفراق المؤجل لغاية ثورة 14 تموز حيث تجددت العلاقة بينهما ثانيةً ببعدِ جديد ذا علاقة خاصة ومضامين بنائية مستهدفة.. وقد " تقاسم الصديقان الزعامة!! عبد الكريم قاسم زعيم السلطة السياسية. والجواهري زعيم السلطة الثقافية وزعيم الصحافة ". وكان عبد الكريم قاسم "... يتعامل مع الجواهري صديقاً وسياسياً, كما هو شاعر كبير, فيشاوره في الأوضاع السياسية, ويجالسه طويلاً في الإسبوع أكثر من مرة... [96]" هذه الصفة التي تمتع بها الجواهري في دفاعه وتبنيه مطالب الجماهير الفقيرة وتوحدهِ مع معاناتهم, هي التي دفعت قاسم أكثر فأكثر إلى لقياه, كمشروع مشترك وَمعلَمَاً أدبياً رفيعاً, والذي كان آنذاك في خضم التهيئة لانضاج البعد الذاتي لحركة الضباط الاحرار. وفي الوقت نفسه إعجابُ الشاعر العميق في لا وعيه يومها بشخصية عبد الكريم قاسم وهو يحث الخطى في اشباع جزء من الحاجات المادية للجماهير الواسعة من الفئات والطبقات الكادحة التي دافع الجواهري عنها وتوحد معها وتطلعاتها. ثم انتكست هذه العلاقة ضمن الخارطة الجديدة للقوى السياسية وموقف كل منهما إزاء ما كانت الحياة تطرحه من ضرورات ولزومات، من مهام وأعمال، وما رافقها من صراع سياسي/فكري طال المجتمع العراقي بكل مكوناته عمودياً وافقياً، وبالتالي أوجد ما أوجد من تفسيرات مختلفة ومتباينة لحل مثل هذه الإشكاليات. وحدث الافتراق بينهما والذي كان للبعد الذاتي فيه دورا كبيراً لكلا الطرفين.. وإن كان للجواهري الكبير وروحه المتمردة ونرجسيته العالية القدح المعلى في ذلك وعدم تحقيق " أحلام الجواهري التي كانت قد لازمته أربعين عاماً في ان يصبح وزيرا ً... ومن شعوره العميق بأنّه هو الزعيم الحقيقي الذي عليه أن يُوجَّه وليس سواه سواء أكان هؤلاء الزعماء زعماء سياسيين, ام جمهوراً, أو أجزاباً [97] " . وقد عبر عنها بعد ثلاثة عقود من الزمن في مذكراته ، بصورة غير متسقة مع ماهية ذاته، ولا مع واقع صيرورتها الموضوعية، وغير مقنعة لا لنفسه ولا للآخرين. يقول الجواهري: " ...غير أني أستطيع التأكيد ثانيةً أن عبد الكريم قاسم كان يملك ضميراً حياً ونزاهة نادرة, وبساطة في اللباس والحياة والمأكل, مما جعله يضاف إلى قائمة المترفعين عن المظاهر والمكاسب وجاه الثورة وهو ما أغفله الكثيرون من الكتاب والصحفيين والمؤرخين ... وأراها مناسبة للقول إن الكثيرين من هؤلاء لم يتعاملوا مع التاريخ ولا بل أمانة مع واقع حال هذا الرجل وكثيرون منهم كتبوا إما بدوافع سياسية أة بدوافع شخصية أو بدوافع مصلحية... الاسباب التي جعلت لأكثرهم يبتعد عن الحقيقة... وبذلك لم أعتمد أحداً منهم وأنا أكتب تاريخ هذا الرجل إلا القلة النادرة ...[98]" وهذه القلة التي اعتمدها الجواهري الكبير لم تكن موضوعبة حتى مع ذاتها ما بالك مع الزعيم قاسم [99].؟ لقد خلط الجواهري هنا الذاتوية العالية بشيء من الموضوعية، فيها كثير من التناقض وفي الوقت نفسه الكثير من لحظات الانسجام الصافية مع الذات.. ولم تخلو من الثأرية والانتقام.. وفيها تضخيم, المبرر وغير المبرر, للذات وتدنيس لسمعة قاسم [الكثير السيئات], حسب تعبيره, والمقترنة بالشتيمة والحط ليس من قاسم فحسب، بل حتى من ثورة 14 تموز، كما يوصف كل ذلك في المذكرات وفي اللقاءات الصحفية والتلفزيونية[100]. طرح " الجواهري آراء خطيرة في ثورة 14 تموز عام 1958 وفي عبد الكريم قاسم. وقد ترددت في الإشارة إليها حفاظاً على وحدة الموضوع الفكرية. لكنه يصر على موقفه هذا كلما تجاذبنا الحديث عن الثورة مما حداني لالتقاط جوانب من تلك الآراء… لقد استغربت أن الجواهري لم يحتفظ بكره وحقد وغضب، على شخصية سياسية في تاريخ العراق مثل كرهه لعبد الكريم قاسم [101] ". لأنه كان يعتقد, لحين وفاته, أن الزعيم قاسم كان يقف وراء حملة التشهير التي تعرض إليها الجواهري من قبل اليمينين الأعداء السافرين " لعبد الكريم قاسم وحكومته، وللجواهري واتحاده [102] ". رغم أنه يعزو بعض من اسباب الفجوة بينهما إلى طبيعة مزاجه النفسي حيث يقول: " أنا بطبعي حاد ومتازم ومتوتر كما أخبرتك, وكما تعرفني وهو ما ينعكس على حالتي لرد الفعل [103]". وبعترف في مذكراته بالقول: " وإذا بي أقول مالا يصح أن يقال... كلمة كبيرةحقاً – بل ونابية أيضاً- لكنها اندفاعة الشاعر المكبوت. جملتي كانت على صغر حجمها وعلى بداهة ارتجالها فظيعة جداً...[104] ". كانت العلاقة متشابكة بينهما ومستنبطة من ذات المناخ السياسي ومن نرجسية وذاتية المبدعين الكبار والقادة العظام. وهذا ما سنعود إليه لاحقاً بالكثير من الإسهاب. |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق الجمعة 24 فبراير 2017, 8:37 pm | |
| عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:
- قاسم في حرب فلسطين الأولى : عندما حلت نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الوضع الاجتصادي/ السياسي للعراق في حالة غير طبيعة ولا مستقرة. إذ كانت تسوده التوترات الاجتماعية بسبب الحراك الأفقي والعمودي لما أنتاب كل التكوينات الاجتماعية بسبب الحرب؛ وفشل حركة مايس وما أعقبهما من نتائج؛ كذلك التقهقر في الحياة الاقتصادية وفشل كل الحكومات في معالجتها. وضعية كهذه كانت تتطلب حلول واقعية جذرية تشمل البلد بكل مكوناته الاجتماعية ومنظوماته الاقتصادية ومفاهيمه السياسية، لكن كان ذلك يصطدم بقاعدة الحكم الضيقة وعقليتها النفعية الأضيق وعلاقات التبعية إلى بريطانية.. وهذا ما انعكس جدلياً في فشل هذه الحكومات من تطوير الحياة البرلمانية وتعميقها في الوعي السياسي للفرد، نتيجة إغلاق منافذ التغير السلمي للسلطة وتداولها بين الفئات الاجتماعية المختلفة وفق قواعد لعبة مرسومة مسبقاً. زاد الوضيعة تأزماً ما ترتب على الاحتلال الثاني من نتائج أصابت عصب الحياة الاقتصادية واختلال الموازنات بين قطاعاتها المنتجة وغير المنتجة وتوقف الاستيراد وتعمق أزمة الريف العراقي مما أدى إلى شحه في السلع المعروضة وارتفاع أسعارها، بحيث اثقل كاهل أغلب الطبقات والفئات الاجتماعية وخاصةً الفقيرة منها، والتي تمثلت فيما أطلق عليها ب [ أزمة الخبز[105]]. تزامنت هذه الأزمات بالتناقض الذي طرحته أوضاع عالم ما بعد الحرب الثانية، حيث ساد الانتعاش للأفكار الليبرالية والديمقراطية التحررية والاجتماعية وتوطد نفوذها في العقول والمصالح، مما وسع من قاعدة مؤيديها بين الطبقات والفئات المنتجة (والفئات الوسطى على الخصوص)على تعدد مستوياتها، وخاصةً في بلدان عالم الأطراف ومنها منطقتنا المشرقية العربية، وضمنها العراق، إذ أبت الطبقات والفئات الاجتماعية الجديدة وأصرت في رفض الاستمرار " على العيش وفق الأسلوب القديم، ولم يعد خافياً عقم السبيل الذي سار عليه الحكم، وعبرت كل القوى الوطنية عن سخطها على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب وطالبت جميعها بإنهاء الأحوال الاستثنائية التي فرضت في ظروف الحرب والحاجة الماسة إلى إطلاق الحريات الديمقراطية وإلغاء الرقابة على الصحافة وإجازة الأحزاب السياسية، واشتدت الحملة على الحكومة القائمة آنذاك وانعكست حتى في البرلمان[106] ". اصطدمت هذه المطالب بالعقلية النفعية الضيقة لمصالح كتل الحكم المتحالفة مع الاحتلال البريطاني، إذ " عادوا إلى لعبتهم القديمة في محاربة كل إصلاح يؤثر على مصالحهم وفي تلاعبهم بالانتخابات وقمعهم كل معارضة وحتى بالقوة أحياناً… وفي ظل النظام الانتخابي المتفسخ بحيث لم يدع لأي من ممثلي الأحزاب بما في ذلك حزب الاستقلال مجالاً للوصول إلى البرلمان[107]… ". في ظل هذه الظروف الدولية والداخلية، وبغية تطمين استمرار مصالحها وتصورتها لمستقبل المنطقة وخاصة ما له علاقة بتحقيق وعد بلفور وإنشاء دولة إسرائيل التي عملت على إيجادها كمشكلة سعت إلى تعقيدها طبقاً لتطور مصالحها وتحالفاتها في المنطقة[108]. أرادت بريطانيا عقد معاهدة جديدة على أنقاض معاهدة 1930التي أوشكت من جهة على الانتهاء؛ ومن جهة ثانية عدم صلاحيتها لأوضاع العالم الجديد الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، تتضمن ذات البعد الاسترقاقي ، لكن بشكل ظاهري مُحَسن من جهة ثالثة؛ ضمن وجود مؤسسة عسكرية ضعيفة من حيث التجهيز والتسليح، قليلة الأفراد وذوي كفاءة مهنية متدنية، مما يسهل من إمكانية السيطرة على أية حركة تقوم بها من جهة رابعة. لكن أحبطت الجماهير الشعبية وحركاتها المهنية وأحزابها السياسية المعاهدة المقترحة والتي سميت ب (معاهدة بورتسموث أو بيفن- جبر[109] ) . كانت الوثبة " أروع عصيان جماهيري مسلح عرفه تاريخ العهد الملكي … ونجمت الوثبة من أوضاع المعيشة نفسها.. وكانت لها مظاهر متعددة ومختلفة، وكانت هي التربة التحتية الاجتماعية لبغداد الثائرة ضد الجوع والأعباء غير المتكافئة…[110] " وضد نخب الحكم وبريطانيا ومسئوليتهما لما آلت إليه الأوضاع في البلد. لقد أسقطت حركة الجماهير الوزارة ومعها مشروع معاهدتها وأعلنت الأحكام العرفية من قبل السلطة، بحجة الحرب الفلسطينية، ومن ثم تحرك الجيش، وهي أول مرة أو مناسبة يُستخدم فيها خارج العراق, بعد سقوط المعاهدة بأشهر قليلة ( لتحرير فلسطين؟؟) حسب الادعاءات الرسمية[111]، وكان ينقصه التسليح الدائم -المخصص للحروب النظامية وليست الجبلية، ناهيك عن الجيد والجديد منه، والتدريب الحديث، حتى أنه " جرى تدريب الجنود المستجدين لتعليم الرمي الصحيح عملياً، وهم يتنقلون على طريق آج ثري ومع ذلك دخل الجيش العراقي إلى فلسطين وهو لم يتدرب على الحروب النظامية… " ولم تصل "... إلى الوحدات بدلات القتال (ملابس الجنود) والجواريب وغير ذلك مما كانت الحاجة إليها ماسة [112] ". والأكثر من ذلك دخل الجيش الحرب وهو غير مزود بالعتاد الكامل ولم يملك لغماً واحداً.. ولم تستخدم القوة الجوية إطلاقاً رغم هزالها وعاطلة بعض الموجود منها، نظرا لعدم وجود طلقات التشغيل في القوة الجوية لأنه " أثناء حرب فلسطين سنة 1948، أُرسل قائد القوة الجوية العقيد الطيار الركن سامي فتاح (الوزير فيما بعد) على رأس وفد عسكري لتدبير أطلاقات التشغيل هذه ولشراء بعض الأسلحة والاعتدة. وظل يتجول في أوربا لمدة ستة أشهر كاملة غير منقوصة وعاد بخفي حنين ، قد انتهت الحرب ولم يشتر اطلاقة واحدة [113] ". ويذكر تقرير سري مطبوع في بغداد عام 1949 " أنه في الفترة ما بين صدور قرار التقسيم وإعلان بريطانيا انسحابها لم يلاحظ في البلاد العربية عامة والعراق خاصة ما يشعر بإقبال البلاد العربية على حرب تحررية. فلم تعبأ قوى وموارد البلاد لا كلياً ولا جزئياً ولم تستكمل النواقص الكثيرة التي صارت تعاني منها وحداتنا، ولم تصل الجهود التي بذلت في لندن، ولم تتخذ الاحتياطات الفردية لحماية أي مجهود حربي لمواجهة الدولة اليهودية. وأكثر من هذا لم تنظم ميزانية حرب تنهض بأعباء العمليات الحربية الوشيكة الوقوع. في الجملة لم تتخذ من الإجراءات ما ينبئ بأن البلاد العربية مقدمة على حرب[114] ". ومما زاد الموضوع تعقيداً أن حكومة صالح جبر في العراق كانت تضع العراقيل، بحجة الميزانية، لمنع إبرام عقود خاصة بتزويد بعض وليس أغلب، ما يحتاج إليه الجيش من معدات، مما أثار غضب ضباط الجيش غير المطلعين على اللعبة المحبوكة بين نخبة الحكم وبريطانيا.[115] ويشير نور الدين محمود (رئيس الوزراء لاحقاً) في تقريره المرفوع إلى رئيس أركان الجيش العراقي في حزيران/ يونيو 1948 " أنه فتش القوة الآلية فوجد أن معظم جنود الفوج الآلي غير مدربين، حتى أن القسم الأعظم لم يرموا بأسلحتهم الخاصة بهم, ولالاضافة إلى ذلك علمت أن الفوج المذكور أستلم مدافع الهاون يوم حركته من بغداد ولا يعلم أحد في الفوج حتى ولا بالقوة الآلية كلها كيفية استخدام هذا المدفع وقد تركت في السيارات منتظرين ورود الأعداد اللازمة لإدارتها من بغداد. هذا من جهة ومن جهة أخرى وجدت إن أعداد الأسلحة في المدرعات لم يدربوا بأسلحتهم مطلقاً فضطرت إلى الإبراق لوزارة الدفاع للموافقة على ترميتهم بضعة اطلاقات بصورة مستعجلة لكي يعرفوا خواص اسلحتهم على الأقل " ويتحدث بعد ذلك عن نقص العتاد والافتقار إلى خطة للمواصلات وغير ذلك من لنواقص وينتهي إلى القول "... وكانت بقية قضايا التموين والاغاشة في دور التأسيس هكذا كانت الحالة للقوة الآلية المرسلة إلى فلسطين والمزمع إشراكها في القتال دون التهيئة له وإن وضعية كهذه جعلتني في حالة استغراب من إرسال قوات وزجها في القتال لعذا الوضغ الناقص[116] ". ويشير لونكريك إلى ذات الموضوع بالقول: "وإذ ذاك تحركت القوات العراقية تحت إمرة الفريق صالح صائب. كانت تلك القوات سيئة الإعداد, رديئة التجهيز, يشوبها نقص واضح في التموين وفي الاحتياطي والتي تحركت من مواقعها في العراق وتبلغ زهاء عشرة آلاف أواثنى عشر ألف جندي [117]". والأغرب أن الحكومة العراقية قد استكملت طلباتها للمعدات العسكرية بعد انتهاء الحرب وضياع فلسطين. وفي الوقت نفسه فإن البعثة الاستشارية العسكرية البريطانية.. قد أنهت مهماتها بعد إعلان قيام دولة إسرائيل بيوم واحد. فقد أوعزت الحكومة البريطانية إلى رئيس بعثتها الجنرال رنتن، الذي سبق وأن خدم في قوات الليفي في العراق في مطلع العشرينيات, أن يقدم إلى الحكومتين العراقية والبريطانية تقريراً يشير فيه إلى أن الجيش العراقي بلغ مرحلة من الكفاءة ؟ بحيث أصبح في غنى عن وجود البعثة. في مثل هذا التواطؤ بين نخب الحكم العربية وبريطانيا والحلفاء الغربيين وخاصةً أمريكا،[118] دخل الجيش العراقي في 15/04/1948 في حرب فلسطين التي أمست " درساً بليغاً للعرب في سياسة القوة وكان لابد لها أن تؤثر في جميع ما تلاها من سلوك وعدم الثقة بالقيم السابقة والعلاقات الدولية، وعلى حدٍ سواء أيضاً بالرجال الذين أُلقيت عليهم تبعة النكبة ومسئوليتها[119] ". ونجم عنها جملة من التغيرات نتيجة العودة الخائبة للجيوش العربية.. ومنها الجيش العراقي، كما كانت أحد الأسباب الأرأسية لتشكل ظاهرة (الضباط الأحرار) وشيوع ثقافة الانقلابية العسكرية, ليس في العراق حسب، بل في جملة الأقطار العربية المشرقية. وليس لدى الضباط المحترفين, بل غشت عقول قطاعات واسعة من القادة السياسيين وخاصةً ذوي التوجه القومي. مثلت هذه الحرب وطبيعة إدارتها والنتائج التي تمخضت عنها والتواطؤ المتخاذل لحكامها، منعطفاً جديداً في إعادة الاعتبار لفكرة دور (التاريخي) للجيوش العربية في التغيرات السياسية. وبالنسبة للعراق فقد كان هناك إعادة تفكير جدي في أهمية دور الجيش في قلب موازين الحكم، كما كان عليه في الثلاثينيات, وليعيد ثانية دور الضباط إلى واجهة القوى المؤثرة على مركز القرار المركزي المباشر للدولة، إن لم يكن هو صاحبها. في مجتمع يعيش ضمن علاقات اقتصادية ما قبل الرأسمالية. لذا رافق هذه الحرب نمو سري مطرد للمزاج الثوري، إن جاز التعبير، في داخل المؤسسة العسكرية، والذي لم يظهر فجأةً أو كنتاج لحادث عرضي أو مزاج فردي لهذا الضباط أو ذاك .. بل كان نتيجة للتراكمات البطيئة والمتدرجة. هذا المزاج ينسجم مع النزوع السيسيولوجي للفرد العراقي نحو المعارضة والتعبير عن السليقة المنتفظة.[120] ضمن هذه الظروف الموضوعية المعقدة والمتشابكة ساهم عبد الكريم قاسم في حرب فلسطين الأولى ( 1948-1949)، بما تسمح له رتبته التي كانت مقدم الركن وموقعه في اتخاذ القرار العسكري الميداني. وقد أظهرت هذه الحرب مدى جديته وجدارته، خاضها بفكر سياسي واضح تكمن أبعاده في العداء لبريطانيا ولمشروعها الخاص بإسرائيل، وبشجاعة لا تخلو من بعض أركان المغامرة والمباغتة العسكرية. كما كشفت في الوقت نفسه عن مقدرته القيادية ودرجة إنضباطيته العالية وكفاءته النظرية والعملية وقدرته على الإبداع في عملية التخطيط والتنفيذ. تجسدت صفاته أعلاه في خضم المعارك الناجحة التي خاضتها الوحدات العسكرية التابعة له. تسلم في البدء منصب آمر الفوج الثاني للواء الأول (17/5- 20/8/ 1948)الذي ساهم في المعركة التي دارت حول قلعة كيشر.[121] وقد أدار قاسم هذه المعركة بجدارة حتى أتهمه أحد الضباط بأنه قادها، حسب رأيه، دون " إتباعه السياقات العسكرية الصحيحة [122] ". في حين يصور ضابط آخر إدارة المعركة بشكل مغاير عندما يقول: " وصل (عبد الكريم قاسم) إلى الفوج ليلاً وكان يحاصر قلعة كيشر المشهورة، فاطلع على موقف الفوج وتفقد السرايا والفصائل الأمامية. وفي اليوم التالي وضع خطته المشهورة ورتب كلما يلزم لمحاصرة القلعة واشتبك معهم بمعركة حامية استمرت الليل كله أدت إلى نسف وفتح باب القلعة المذكورة ووضع مدرعتين للرمي باستقامة الباب المفتوحة… حتى أنتبه على صوت يناديه ويعلمه بأن اليهود قد أغلقوا باب القلعة… وأخذ يحقق عن الأسباب التي مكنت اليهود من غلق باب القلعة بعد أن أصبحوا على شفا جرف الهلاك أو الاستسلام فتبين له أن المدرعتين المكلفتين بواجب مراقبة الباب المفتوحة لقلعة كيشر قد سحبتا بأمر من القيادة بدون علمه[123] ". علماً بأنه لم يقتحم القلعة وذلك ل " عدم تدريب الجنود على قتال الحصون والأبنية وبعدم تيسر الرمانات اليدوية الكافية لدخول القوة المهاجمة ولا الغدارات التي تساعد على الرمي السريع, ومن الوجهة العسكرية كان عبد الكريم قاسم على حق ولا بد من تيسر ما ذكر إذا أراد دخول القلعة… [124]". آنذاك أمر كلوب باشا بتغيير هدف الجيش العراقي بإتجاه الضفة العربية.. وكذلك سحب المدرعات. " لقد تأثر الزعيم من هذه الحركة غير الطبيعية وأبرق إلى القيادة العراقية محتجاً على سحب المدرعات التي كانت بإسناده…بدون علمه وأوضح الموقف على حقيقته. وعلى أثر ذلك صدرت الأوامر القاضية بسحبه مع قواته إلى قاطع كفر قاسم [125] ". هذه العملية العسكرية الناجحة وذلك الاحتجاج المعلن، أخذت لهما صدىً واسعاً بين ضباط الجيش العراقي، سواءً ما له علاقة بقاسم كذات عسكرية أو بفعل القيادة العراقية والعربية التي ترأسها الملك عبد الله اسمياً والجنرال كلوب باشا عملياً.[126] هذه الحركة غير الطبيعية البعيدة عن السياقات العسكرية غيرت هدف الجيش العراقي الذي أرسل إلى الضفة الغربية حسب توجيهات كلوب وحل محل هذه القوات " فوج شرطة عراقي من القوة السيارة بقيادة المقدم عبد القادر حسين وأستلم مسؤولية القطاع من الفوج الثاني [127] " . صدرت الأوامر إلى الفوج الثاني بأن " يتحرك بمرحلتين للالتحاق بجحفل اللواء الأول ( بإمرة العقيد الركن نجيب الربيعي، رئيس مجلس السيادة لاحقاً-ع.ن.) على أن يسلك طريق: المجامع - أربد- المفرق- الزرقاء- عمان- جسر اللنبي- أريحا-جفلتك- نابلس، وهو طريق أمين وبعيد عن خطوط النار اليهودية.إلا أن عبد الكريم قاسم لم ينفذ الأمر بتعقب الطريق الذي اقترحته القيادة [128] ". لقد سلك الفوج يوم 18/07 طريقاً أخر هو: المجامع – محاذاة ضفة نهر الأردن الشرقية – جسر دامية- جفتلك – نابلس. هذا الطريق كان أقصر من الطريق المقترح من قبل القيادة العليا بمقدار نصف المدة، وكان يواجه المستعمرات اليهودية، ووصل الفوج سالماً إلى مقره الجديد وعسكر قرب قرية عنبته ضمن قاطع جحفل اللواء الأول. وأثناء سير الفوج إلى هدفه, أغلق عبد الكريم قاسم " محطة فوجه اللاسلكية مما أضطرها (القيادة) إلى إرسال ضابط لاستطلاع أثر الفوج عن طريق عمان –أربد دون جدوى. وأخيراً وبعد وصوله إلى نابلس أبرق إلى القيادة بوقت وصوله. ولما سألته القيادة عن مبررات عمله، أجاب: بأنه أعتقد أن الموقف يتطلب الإسراع والوصول بأقرب وقت مستطاع، لأن القطعات العراقية لابد وأنها كانت بحاجة إلى النجدة والعون وهذا ما اضطره إلى سلوك الطريق الثاني …[129]" . أخذ هذا الالتفاف العسكري يشير إلى شجاعة قاسم، فهي بقدر كونها تتطابق مع السياقات العسكرية المتسمة بالجرأة، فإنها كانت تنم في الوقت نفسه عن شعور سياسي لدى عديد من الضباط حول فساد القيادة العسكرية العربية العليا التي يقودها عمليا الجنرال كلوب باشا، إذ كانت خططها العسكرية تصب في تحقيق قيام دولة إسرائيل. وأثبتت الدراسات العسكرية والتاريخية لحرب فلسطين الأولى صواب ذلك، نتيجة تدخل القيادة المستمر لتغير موازين القوى لصالح تحقيق ما خططت له, في الوقت الذي كان الضباط العرب يمتعضون من هذا التدخل الفج المناقض لهدف التحرير المعلن رسمياً. لقد ترجم بعضهم غضبه ومواقفه المعارضة باقتراح تركهم الميدان العسكري، في حين ترجمها البعض الأخر بمواصلة الاستمرار بالقتال بعكس ما تريد القيادة العليا تحقيقه على أمل تغير المواقف السياسية للحكام العرب آنذاك. لذا كانوا يضغطون على القيادة العليا لتغيير خططها أو قيامهم بصورة منفردة بخلق المواقف التي تؤدي إلى الاصطدام بقوى النزوح الصهيونية، وقد كان قاسم أحد هؤلاء الضباط. أُنيطت بمسؤولية فوج الزعيم قاسم جبهة (كفر قاسم). ومما يذكر عنه, أنه " كان يخلق المواقف ويقوم بالفعاليات وتحركات في مختلف أنحاء جبهة فوجه وكان يرسل دوريات القتال بصورة مستمرة. وذات يوم قام اليهود بهجوم مباغت على ربايا فوجه وتمكنوا من احتلال بعضها، فقام الفوج بهجوم مقابل وتمكن من استعادتها وطرد اليهود[130]… ". وقد اعتبرت القيادة العسكرية العليا المتواطئة، أن عبد الكريم قاسم هو السبب في خرق الهدنة والتحرش وخلق مواقف لم ترض عنها القيادة العليا. لذا عمدت هذه القيادة على إحالته إلى مجلس تحقيقي برئاسة العقيد الركن مزهر الشاوي، الذي أدان قاسم. لكن قرار الإدانة هذا " خلق رد فعل عنيف بين الضباط الناقمين على ما يجري من مهازل وأعترض عبد الكريم قاسم على المجلس التحقيقي وطلب إحالته إلى ضابط أخر مذكراً القيادة بما كان بينه وبين مزهر الشاوي منذ حركات برزان 1945. وتشكل مجلس تحقيقي آخر برئاسة العقيد الركن عمر علي الذي برأ ساحته وأعتبر اليهود هم البادئون بخرق الهدنة وما قام به عبد الكريم قاسم هو من قبيل الدفاع عن النفس المشروع وهو ما يتطلبه واجبه العسكري [131] ". وقبل ذلك وبعد الهدنة الأولى وحصار القوات المصرية في الفالوجة وتواطؤ القيادة العسكرية العليا التي أمرت بمنع استخدام المدفعية بحجة الاقتصاد بالعتاد، إلا بموافقتها. " في مثل هذه الظروف ذهب عبد الكريم قاسم إلى المرصد وتبعه ضابط استخبارات فوجه النقيب محسن الرفيعي، فوجده بحالة عصبية وهو يكرر: هل يقبل أي عربي أن يرى ويسمع قصف المصريين ومحاصرتهم ويبقى متفرجاً ؟... ".على ضوء ذلك يعرض على أمر اللواء الأول مزهر الشاوي " ...استعداده لمساعدة المصريين وذلك بأن يقوم فوجه بالهجوم على شرط مساندته من قبل جحفل اللواء الثالث بدون علم القيادة، لتوريطها بهذا الهجوم [132]" ( التوكيد منا- ع.ن.). في حين ذكر أحد الضباط في الندوة التي أقامتها مجلة آفاق عربية في تموز 1985 هذه الواقعة بعبارات أخرى تؤكد فعل قاسم وليس اقتراحه إذ يقول: " لابد أن نقول إن المقدم الركن عبد الكريم قاسم قد أمر حينئذ بطرية المدفعية الملحقة به أن تضرب المواقع اليهودية لمعاونة الجيش المصري الذي كان يُضرب بالنقب [133] ". هذه الاقتراحات والأعمال العسكرية المنفردة التي كان يقوم بها بعض ضباط القيادات الوسطى، رغم محدوديتها في التأثير على المجرى العام للحرب، كانت تعكس موقفهم من هذه اللعبة واستنكارهم لخطط القيادة العسكرية العليا التي تخضع للقرار السياسي ولمشيئة الحكام العرب ومستشاريهم الإنكليز على الأغلب..وهذا ما عكسته برقية العقيد الركن نجيب الربيعي آمر الجحفل الأول في02/07/1948 الذي قال فيها: " فإذا لم تكن هذه الأمور فإننا نرجح أن نترك الميدان ونفسح المجال لغيرنا ممن يهمهم حرب الكلام لإتمام الرواية [134] ". عبرت هذه البرقية بوعي متكامل عن ما كان يجول في خواطر الكثير من الضباط الذين كانوا يتحرقون شوقاً لمساندة إخوانهم العرب وما يتطلبه الموقف العسكر ي.. وهذا ما لمسه السيد أمين الحسيني عندما تساءل: " لماذا مُنع الجيش العراقي الذي كان في أشد حالات الحماسة واستعداد من التقدم نحو أهدافه ولم يُسمح له بالقيام بأية معركة، ولماذا هاجمت القوات اليهودية مدينة جنين في يونيو عام 1948 وكان فيها فوج عراقي واحد اشترك مع مجاهدي المنطقة في مهاجمة اليهود، وهزمهم شر هزيمة وتبع فلولهم إلى( اللجون)، ووقع الرعب حينئذٍ في يهود حيفا التي ظّلت بدون دفاع بعد هذه المعركة، فأرسل رئيس بلديتها اليهودي شبتاي ليفي كلاً من نائبي رئيس البلدية الحاج طاهر قرمان وشحادة شلح بكتاب لتسليم حيفا إلى الجيش العراقي، ولكن القيادة العامة أمَرت بعودة الفوج العراقي وقائده الباسل الذي سحبته من المنطقة ووجهت إليه أشدَّ اللوم وعاقبته على خوض المعركة ؟ [135] ". أمسى موقف القيادة هذا موضع سخرية لاذعة ونكتة سوداء يتندر بها، عبرت عن ذاتها في العبارة المشهورة : [ ماكو أوامر [136]] لقد قدر عديد من الضباط شجاعة عبد الكريم قاسم في الحرب، بما فيهم بعض من مناهضيه. يقول أحدهم: " وشجاعته لم تأت من فراغ ولم تكن بلا أساس وواقع بنت عليه الدعاية وما أرادت أن تبنيه. لقد كان عبد الكريم قاسم شجاعاً وجريئاً حقاً… ولا ينكرها أحد ولنضرب الأمثلة التالية على ذلك: 1- نظم في 12 تموز مفرزة من فصيل مدفعية جوال (25 رطل) وفصيل مشاة وحضيرة رشاشات فيكرس، وقاد المفرزة بنفسه وعبر بها نهر الأردن من جسر الشيخ حسين (جنوب القطاع) وقصفت مستعمرات العدو الواقعة غرب لأردن(بيسان) و(ماعوز حاييم ) قصفاً شديداً وأوقعت في أرتال سياراته خسائر فادحة، وقد تركت السيارات المعادية رحباتها منهزمة، وكذلك قصفت المفرزة كاشفات النور للعدو ثم عادت حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر إلى مواضعها الأصيلة في القطاع[137]. وفي صباح اليوم التالي13/7 عاد الكرة على (بيسان) و(ماعوز حاييم) فتقدمت المفرزة وهاجمت العدو وقصفت مواضعه ومحل تحشداته قصفاً شديداً وأوقعت في العدو خسائر (قتلى وجرحى) ودمرت سيارة معادية في (ماعوز حاييم) وعطلت مضخة ماء العدو، ثم عادت المفرزة إلى مواضعها، فكانت أعمال هذه المفرزة في يومي 12و13 تموز مثلاً من أمثلة الاندفاع والجرأة. 2- وفي 20 آب… تسلم آمرية الفوج (الأول) المقدم الركن عبد الكريم قاسم الذي التحق بنفس اليوم وفي ذلك المساء هاجم العدو مواضع (كفر قاسم )من اتجاهي المجدل ورأس العين بالمشاة والمدرعات وبإسناد نيران الهاون والرشاشات واستطاعت بعض المفارز المعادية التي تقدمت من المجدل أن تقترب من مواضيع الاحتياط في كفر قاسم من الجناح الجنوبي. أما مفارز العدو المتقدمة من رأس العين فقد احتلت ( بيارة المختارة[138]) داخل المعسكر البريطاني ثم تقدمت واحتلت أبنية المعسكر الشمالية وطردت المناضلين منها ليلة 20-21/08 ولم يمهلهم آمر الفوج الجديد عبد الكريم قاسم وإنما قام بهجوم مقابل سريع أستمر حتى الساعة الخامسة من صباح 21 /8 واستطاع طرد العدو والسيطرة على الموقف واسترجاع أبنية المعسكر البريطاني الشمالية و( بيارة المختارة) وكذلك التلول في جنوب قرية كفر قاسم ولم يتكبد الفوج سوى أربعة جرحى من المراتب . 3- هاجم الإسرائيليون ليلة 27-28/8 ربايا المناضلين الموجودة بين (دير بلوط) وكفر قاسم واسندوا الهجوم بنيران الهاونات والرشاشات، واجبروا المناضلين والجنود على ترك بعض الربايا، إلا أن عبد الكريم قاسم لم يمهلهم في هذه المرة أيضاً فاستخدم قسماً من احتياطه واستطاع بإسناد المدفعية أن يهاجم العدو ويسترجع جميع الربايا في معركة استمرت طيلة يوم 28/8 وفي المساء أبرق إلى الجحفل الأول وإلى القيادة العراقية برقم 711/ح الساعة السادسة مساء( أنه من السهولة احتلال المجدل ) وطلب الأمر بذلك. ولكن القيادة أجابته بما يلي : ( ليس لمجدل يابا(قرية ذات موقع تعبوي) أهمية كبرى، الاحتفاظ بها بعد احتلالها يتطلب استخدام فوج آخر. كما أنه يؤدي إلى اتساع جبهتنا والتقليل من قواتنا الاحتياطية، أطلب منكم الاحتفاظ بمواضعكم الأصيلة وعدم الإسراف بقواتكم ولاسيما اعتدتكم على أغراض بسيطة جداً بالنسبة إلى الأهداف العامة التي تتوخاها القيادة العامة في المستقبل). 4- وفي 26/8/1948 تمت مقابلة بين المراقبين الدوليين والجانب العراقي الذي مثله المقدم الركن عبد الكريم قاسم (نظراً لتسلمه آمرية الفوج الأول الموجود في كفر قاسم) والرئيس الأول الركن خليل سعيد مقدم جحفل اللواء الأول، ومعاون آمر سرية الهندسة الثالثة الملازم الأول خليل إبراهيم حسين، ومثل الجانب الإسرائيلي عدد من الضباط. وكان المراقبون الدوليون مزودين بخرائط مؤشرة تأشيراً مغلوطاً (قيل أنها أشرت بموافقة كلوب باشا) وكانت الموافقة على هذا التأشير تعني التخلي عن أراضي يدافع العراقيون عنها، وتسليمها إلى الإسرائيليين ومنها أبنية المعسكر كافة وبيارات أخرى، فرفض الممثلون العراقيون أن يتنازلوا عن شبر واحد وهدد الضباط الإسرائيليون بأنهم إذا لم يثبتوا (الخط) كما هو مؤشر فإنهم سيعمدون إلى استخدام القوة في فرض مطلبهم وأنهم سيحتلون أبنية المعسكر الباقية وأراضي جديدة بل سيحتلون حتى كفر قاسم. وكان جواب الضباط العراقيين وعلى رأسهم عبد الكريم قاسم: حبذا لو حاولتم ذلك، لنلقنكم الدرس الذي تستحقون. وفعلاً نفذ العدو تهديده بالهجوم على المواقع العراقية ولكن فوج عبد الكريم قاسم وبمعاونة جحفل اللواء الأول لقنهم الدرس الذي يستحقونه وفشل الهجوم فشلاً ذريعاً [139] ". هذه السلوكية العسكرية لقاسم في الحرب الفلسطينية الأولى اقترنت بسلوكية شخصية حياتية تتلاءم وتتواءم معها في آن واحد والتي، حسب رصد أحد مناوئيه: " تميزت بمساعدة الفلسطينيين وكسب صداقتهم والحنو عليهم ومد يد العون للمناضلين والمعوزين اللاجئين الذين شردهم اليهود من ديارهم وخاصةً لاجئ اللد والرملة... وراقب سلوك جنوده وضباطه مراقبة دقيقة. والحقيقة كانت رقابة النفس الذاتية لمنتسبي الجيش العراقي في فلسطين مدعاة فخر واعتزاز ولكن النفس أمارة بالسوء، ومن أمن العقاب أساء التصرف… ولم يسمع عن عبد الكريم قاسم أنه شارك أحداً في مجلس شراب آنذاك، رغم ندرة هذه الفرص في فلسطين- ولكن الفراغ قتال- وبعض النفوس التي يصيبها السأم والضجر قد تتلهى بما لا ينفع ولا يفيد رغم كل الممنوعات وتتحمل النتائج. كما أنه أمتنع عن تناول أي كحول مدة بقائه في فلسطين رغم أنه كان في حياته العسكرية يجامل جلاسه بالشرب في بعض الأحايين. [140] كان عبد الكريم قاسم كريماً للغاية ولكنه كان يتحدث عما وهب وأعطى… كان عبد الكريم قاسم يوزع بعض راتبه على من يستحق المساعدة. وحتى كان يدفع قيم طعام ضيوفه من الضباط في مطعم الضباط على غير ما تعارف عليه الجيش …[141]". ويعترف كذلك مناهض آخر، جاسم كاظم العزاوي في مذكراته، عن ماهية حقيقة الضابط قاسم إبان هذه الحرب بالقول: " لقد تعرفت في فلسطين بالمقدم الركن، حينذاك، عبد الكريم قاسم إذ التحقت وفصيلي من سرية الهندسة الآلية إلى مقر فوجه (الفوج الأول في كفر قاسم) وكنت قريباً منه، ويصحبني معه في السيارة نفسها للقيام بالاستطلاع المطلوب ولإنجاز المهمات الهندسية التي يتطلبها الموقف. كنا في حينه ندهش لشجاعته وإقدامه وحماسته الوطنية في قتال الصهاينة، وكان محبوباً عند منتسبي وحدته وأقرانه، إلا أنه كان انعزالياً، يقضي وقته أما بين قطعاته الأمامية معرضاً نفسه ومن معه لرمي العدو القريب المركز أو يستقر في خيمته لوحده. ولقد أشعل نار الحماسة في فوجه بعد أن تسلمه من المقدم الركن المرحوم علي غالب عزيز وهو في حالة انهيار تام وأرعب الصهاينة وحطم معنوياتهم في قاطعه إلى درجة أنهم رموا المنشورات من الطائرات على قطعاتنا تحرض الجنود على عبد الكريم قاسم واصفةً إياه بأنه يزجهم في معارك يائسة إلى آخر الاتهامات من هذا النوع [142] ". لقد اكتسبت شخصية قاسم المهنية/ السلوكية والسيكولوجية الرضى من ذاتها ومن المحيطين بها، بل وحتى من أعداءها. طالما أن " أكثر فضائل الإنسان نبلاً لا تظهر إلا في الحرب والشجاعة والتقشف والإخلاص للواجب والتضحية بالنفس ". " إن الحرب عجلت بالذين لهم الاستعداد للاصابة بالامراض النفسية أن يقعوا صرعى أمراضهم في الحال... لان حسن استخدام الجيوش يتوقف على حسن استخدام الطاقة المعنوية ومعرفة الطبيعة النفسية وما تشعر به ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب ".[143] ونال قاسم شهرة استنبطت مقوماتها من معرفته، التي هي أساس السلوك كما يقول علماء النفس، ومن فعاليته العسكرية التي أظهرت نسقها التركيبي كقيادة ناجحة، ألهمت من جهة أتباعه وفي الوقت نفسه زرعت الرعب النفسي في القوى المعادية التي لم تتوان من توزيع المنشورات التحريضية، ضمن الحرب النفسية، ضد عمليات الجيش العراقي، الذي وصفه منشور إسرائيلي بعبارة " الجيش العراقي المستبد والمرعب "، وضد قيادته الوسطى المقاتلة وذكرت المقدم الركن عبد الكريم قاسم بالاسم حيث حملته مسؤولية زج الجنود والمراتب بالقوة في العملية العسكرية عندما يتساءل المنشور " وهل المقدم عبد الكريم يريد أن يجعلكم عبيداً بعصاه؟ [144] ". حاول المنشور الاسرائيلي الضرب على الوتر الحساس في العلاقة التي كانت سائدة بين الضباط والمراتب في الجيش العراقي،التي كانت في الكثير من مفاصلها تبتعد عن العلاقة الإنسانية وتتسم بالتعالي والجبروت، لذا خاطبهم المنشور بترك القتال وعدم الصبر على ما يلحقه الضباط بهم من إهانة واحتقار وتميز.[145] هذه السمعة التي نالها الزعيم قاسم, قد رصدها أحد الكتاب الإسرائيليين أبان الحرب عندما قال: " خدم في فلسطين ما بين 1948-1949 واشترك في القتال الذي وقع للاستيلاء على مركز بوليس جيشر. وقاد قوات كفر قاسم، وكان من الضباط العراقيين القلائل الذين استطاعوا كسب تعاطف عرب فلسطين [146] ". كما وَصَفَ قاسم باعتباره قائداً منتصراً في كل المعارك التي خاضها.. خاصةً وأن البطولة تمثل في أحد جوانبها رمز للقوة التي يستخدمها الإنسان في صراعاته من أجل بقاءه.. وعلى الأخص عندما يتعلق بغايات مبررة اجتماعياً وتعكس ضرورة تاريخية تحمل سمات جمعية في بعدها الإنساني . من هذا المنطلق ساهم الكثير من الضباط العرب في القيادات الوسطى ومنهم عبد الكريم قاسم، في هذه الحرب لما تحمله من بعض أوجه هذه الضرورة، التي أنعست في الإصرار على تغيير الأنظمة التي ساهمت في تمرير هذه المهزلة. وتأسيساً على ذلك برز عبد الكريم قاسم ونظر إليه بإعجاب " وقد كرمته القيادة العسكرية بكتاب شكر أدناه مختصره كما ورد في المصدر الذي عثرنا عليه: 1- من : قائد القوات العراقية في فلسطين إلى آمر رتل المجامع ( ف1ل1 ) المقدم الركن عبد الكريم قاسم رقمه 349 في 14/6/1948 ومحتواه، الشكر على جهوده المنطوية على العزم والجرأة وخصوصاً منها العمل الأخير : جلب مدافع هاون3 عقدة التي سبق أن فقدها ف1ل1 في منطقة كيشر. 2- من قائد القوات العراقية إلى آمر ف1ل1 المقدم الركن عبد الكريم قاسم رقم 266 في 24/8/1948 ومضمون الشكر يخص الأعمال المنطوية على الشجاعة التي قامت بها قطعاته ضد العدو واسترجاع المواقع التي احتلها وتكبيده خسائر لا باس بها واغتنام أسلحة منه . ونال هذا الشكر عبد الكريم قاسم بعد أن قاد سرية مشاة بنفسه وطرد اليهود من الربايا التي احتلوها ، ولم ينسحب اليهود من المواقع انسحابا عسكريا منتظما بل هربوا هروبا مخزيا ، وتركوا في مواقعهم جميع أمتعتهم [147] ". لقد طفقت سمعة الزعيم قاسم داخل المؤسسة العسكرية العراقية لفترة طويلة بعد حرب فلسطين، وقد شخصها أحد الضباط السابقين في أواسط الخمسينيات بالقول: " ومنذ تعين العقيد الركن عبد الكريم قاسم آمراً للواء التاسع عشر في معسكر المنصور أخذت أنظار كافة الضباط الاحرار وبمختلف الاتجاهات تتطلع نحو عبد الكريم قاسم للميزات التي كانت متوفرة لديه كقائد كفوء وشخصية وطنية نظيفة وأفق عالي من التفكير والالتزام والإقدام يحقق آمالنا في التحرر والانعتاق، ويعتبر القاسم المشترك لكافة الأفكار الوطنية من قومية وديمقراطية واشتراكية، وكان عراقيا ًيحب شعبه وأمته العربية بدون مباهات أو مغالات[148] ". كماعكس قوة سمات الزعيم قاسم, أحد قواد الفرق العسكرية في منتصف الخمسينيات في حوار له مع عامر عبد الله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي آنذاك والتي صاغها بالشكل التالي: " كان الحزب يقوم باستطلاعات واسعة للتعرف على القوى المساندة والمناوئة للحركة في صفوف الجيش، وأذكر من ضمن مساعي الحزب في هذا المضمار محاولة استكشاف موقف قائد الفرقة الثانية في كركوك، صالح زكي توفيق، وبالفعل فقد نظم لقاء معه على العشاء في دار كمال عمر نظمي في خريف1956، وأجرى معه حوار لطيف يتناسب مع طبيعته الهازلة. فقد أشار إلى أنه شأن جميع العسكر في العراق – على حد قوله- ليسوا فرساناً في هذه القضية الخطيرة، التي تحتاج إلى علم وفلسفة- كما هو الحال بالنسبة إلى عبد الناصر وجماعته. ولكنه استدرك (وكان هذا أمراً باعثاً على الدهشة) بأن شخصاً واحداً فقط يستطيع أن يفعل شيئاً وهو عبد الكريم قاسم..وأنه مستعد لتأييده. ثم بدأ يطري على جسارته في القتال إبان حرب فلسطين ويؤكد بأنه مغامر من طراز فريد [149] ". ويقيم الأكاديمي مجيد خدوري مساهمة قاسم في هذه لحرب (5/5/48-11/6/1946) بالقول: " فلم يكن اشتراك قاسم في حرب فلسطين 1948-1949بأقل أهمية من سائر اختباراته العسكرية. فالضباط العراقيون لم يشتركوا في العمليات العسكرية في تلك الحرب اشتراكاً فعالاً بسبب طبيعة المهمة العسكرية التي أنيطت بهم. ولكن على الرغم من هذا فإن قاسم وجد في تلك الحرب سانحة لإظهار كفاءته وشجاعته وحسن اهتمامه بشؤون الجنود الذين كانوا تحت إمرته. ويظهر سجله العسكري في تلك الحرب أنه كان موضع ثناء على شجاعته وانضباطه. كما كان موضع تقدير الجنود والضباط على السواء [150] ". لم تكن مسيرة قاسم في هذه الحرب مقتصرة على الجوانب العسكرية فحسب. بل ساهم مساهمة جدية في جمع شمل الضباط المسيسين المستاءين من هذه (اللعبة) ليبدأ مرحلة جدية من حياته السياسية/ العسكرية والتي تمحورت حول مساهمته في إنضاج الظروف الذاتية للظاهرة الجديدة التي أطلق عليها ظاهرة {حركة الضباط الأحرار} باعتبارها تمثل مرحلة نوعية مراحل تطور المؤسسة العسكرية. كذلك لكونها تعبير عن تعمق الوعي السياسي لدى الفئات المتعلمة والمثقفة. والتي كانت فلسطين, كجغرافية وفكرة, الارض التي مهدت لبروز الاشكال الجنينية الاولى للحركة, والتي راكمتها جملة التراكمات الكمية للسياسية العملية وتغيراتها النوعية, لنخب الحكم منها مثلاً, موقف مثلث الحكم( مؤسسة العرش, رئاسة الوزارة والسفارة البريطانية), بعد الحرب, عندما ألقى باللوم على الجيش في اخفاقه في هذه الحرب. كما أن ممارسة النخبة السياسية الحاكمة بالتناسق مع القوى الخارجية( بريطانيا واسرائيل) هي الأخرى شجعت بصورة غير مباشرة على بلورة ديمومة ظاهرة حركة الضباط الأحرار وذلك: " حين أعلن عن قيام دولة إسرائيل في فلسطين أوعزت الحكومة البريطانية إلى الحكومة العراقية لتشريع قانون يجيز لليهود أن يهاجروا إليها بهدف دعمها وتعزيز فوتها. فاستجابت الحكومة العراقية في الحال. وتقدمت بلائحة قانونية إلى مجلس النواب في 2أذار1950تقضي بإسقاط الجنسية عن كل يهودي يرغب في الهجرة, على أن يسري هذا القانون لمدة سنة من تاريخ تنفيذه, وطلبت من مجلس النواب مناقشة لائحتها هذه بطريقة الاستعجال. وتحقق لها ما أرادت. إذ أقرها المجلس النيابي ثم مجلس الأعيان في 4 أذار1950, ووضعت مختلف التسهيلات لنقل المهاجرين بما فيها تنظيم رحلات جوية غير قانونية, والطيران من بغداد إلىإسرائيل مباشرة. وكانت الشرطة العراقية تشرف بنفسها على تهريب من يرغب من اليهود إلى إيران بالسيارات الحكومية إما عن طريق خانقين أوعن طريق شط العرب. ولكن رغم كل هذا فلم يترك العراق سوى23 ألف نسمة في نهاية العام من مجموع ما يزيد عن 135 ألف نسمة. لذلك عمدت الدوائر الصهيونية إلى تفجير القنابل في الاحياء السكنية اليهودية وفي محلات العبادة اليهودية, بغية إحداث الرعب بين أوساطهم وحملهم على الهجرة. وكانت الصحف القومية من جانبها, لا سيما جريدة(اليقظة) لصاحبها سلمان الصفواني, تثير الهلع بين اوساط اليهود بما تنشره من مقالات تهديدية وعنصرية [151] ". كما " وصفت جريدة لواء الاستقلال ( جريدة حزب الاسنقلال- ع.ن) اليهود بأنهم الدخلاء الغرباء عن هذا الوطن بمشاعرهم وعواطفهم وتصرفاتهم... وقد اكتشفت السلطات المسؤولة مؤسسة صهيونية سرية تدعي(تنوعة) مهمتها تهيئة الشباب اليهودي للعمل في اسرائيل, وعثر على كميات كبيرة من مختلف الاسلحة والمتفجرات مع بعض الوثائق عن هذه المنظوة الصهيونية [152]". وقد نجحت هذه السياسية في إجبار الكم الهائل من اليهود على ترك العراق عنوةً, إذ هاجر إلى إسرائيل بعد مضي عام على قانون اسقاط الجنسية ," اكثر من 100 ألف يهودي وقد احتكر نقلهم من قبل شركة طيرات امريكية, وكانت الحكومة تحث على سرعة تسفيرهم. وبقى في العراق بضعة الآف يهودي بضمنهم بعض الشخصيات البارزة [153] ". في الفصل التالي سوف نلاحق بالدراسة ظاهرة الظباط الاحرار كحركة نوعية جديدة ونلقي الضوء على دور الزعيم قاسم فيها. |
| | | | السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |