ازدواجية المعايير
سالم الفلاحات
وهي التي تعني إصدار حكمين متناقضين في قضية واحدة على طرفين مختلفين.
· أو إتخاذ موقفين متناقضين من قضية واحدة وبمعطيات واحدة بحق جهتين مختلفتين.
· أو تحكيم المبادئ على الآخر والتملص منها على النفس أو على الصديق أو الحليف أو الشريك.
· أو النظر إلى تصرف واحد يصدر من شخصين، بنظرتين مختلفتين متباينتين.
· كما تعني: الكيل بمكيالين حيال حالة سياسية، أو ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية ينظر إليها بوصفها مقبولة إن جاءت من فريق ما، ومرفوضةٌ ومن المحرمات إذا لجأ إليها الفريق الآخر.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
وهذه حالة قد لا يسلم منها الكثيرون دولاً أو منظمات أو أفراداً مهما كانت اتجاهاتهم ومرجعياتهم، وجاء القرآن العظيم ليهذب النفس الإنسانية تجاه هذه القضية الحساسة حيث قال: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ"، ومع ذلك يبقى التطفيف والكيل بمكيالين سيد الموقف إلا من رحم ربك.
وفي الغالب فإن غطرسة القوة والمصالح الخاصة هي التي تؤدي إلى ازدواجية المعايير.
ولا يخفى أنَّ النظام الدولي غذّى ازدواجية المعايير وكرسها وخدمها، فهو يمارس احتكار السلاح، والخامات الرئيسة (بترول + قمح)، واحتكار الشرعية الدولية – ويفرض العقوبات الدولية، ويحتكر عولمة الإعلام والتعليم.
ومن نماذج الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في المواقف والممارسات على المستوى العالمي:-
1) غياب الإرادة السياسية الجامعة في أوروبا لدعم استقلال فلسطين أو عودة اللاجئين إلى بلادهم، فضلاً عن إنهاء الاحتلال، بما يعني أن أوروبا عاجزة أو غير راغبة في التحرك الحقيقي نحو تحكيم مبادئها الإنسانية المعلنة، والقرارات الدولية خارج حدود بلادها ومصالحها الخاصة.
2) في أدبيات السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي والبلاغات والتصريحات برامج لدعم مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن ذلك لا يمنعها من إقامة علاقات وطيدة مع أنظمتها الاستبدادية!!
3) تعاملها مع اللاجئين السوريين الهاربين من الموت إلى أوروبا، وتصنيفهم على أساس ديانتهم ومعتقداتهم فتسمح للمسيحيين فقط ؟!
4) استعمرت فرنسا معظم الدول الافريقية واستولت على ثرواتها جرى ذلك كله تحت ظلال مبادئ الثورة الفرنسية !!
5) نجد الموقف الغربي والأمريكي من الربيع العربي بدأ بترحيب خجول، ثم مر بمرحلة فتور باعتبار نجاح بعض الثورات عبارة عن صراع ايديولوجي أو ثقافي، وأقصى ما طالبت به بعض الدول الأوروبية الإفراج عن د. محمد مرسي – وليس تحقيق الديمقراطية واحترامها، فقد أقرت بالتجاوز على المؤسسات الشرعية المنتخبة ديمقراطياً، ولم يطلقوا أي تحذير إزاء سفك دماء المعتصمين في ميادين القاهرة ومصادرة الحقوق المدنية، ثم توطدت العلاقات مع النظام الانقلابي وكأن شيئاً لم يكن!!
6) التعامل مع القضية الفلسطينية التي هي من أكثر القضايا الدولية وضوحاً، حيث أثبتت انحياز الدول الكبرى إلى العدو الإسرائيلي، وعدم تطبيق القانون الدولي عليها، بالرغم من مجازرها، وكذلك موقفها من حرب الإبادة (الإسرائيلية) على غزة.
7) التعامل مع الملف النووي الإسرائيلي وتجاهله دولياً والعجز حتى عن رقابته وتفتيشه، بينما تم غزو العراق وحصار الشعب العراقي، بكذبة امتلاك السلاح النووي، وادعاء نشر الديمقراطية في المنطقة.
إطلاق اليد الإيرانية في العراق وسوريا بعد موافقتها على عدم التعرض للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وعلى حساب الشعبين السوري والعراقي. 9) أنهت أمريكا الترسانة الكيماوية السورية لصالح أمن إسرائيل التي تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية بالاتفاق مع روسيا، وتركت الشعب السوري والأرض السورية فريسة للطائفية والاستبداد، وللفكر المنحرف والداعشية المدمرة.
من المعايير المزودجة أو الكيل بمكيالين أيضاً منذ بدايات القرن الماضي:-
1. اتفاقية سايكس بيكو 1916 بتقسيم العالم العربي والإسلامي واستعماره وكأنما هي بلاد بلا شعوب وبلا حقوق إنسانية.
2. وعد بلفور البريطاني لليهود 1917 لإقامة وطن قومي لهم، ممن لا يملك لمن لا يستحق من شتى أنحاء العالم وطرد سكانها العرب من آلاف السنين.
3. قول الجنرال اللينبي عام 1917 عندما عبر نهر الأردن إلى القدس: الآن انتهت الحروب الصليبية وادعاء خدمة الشعب الفلسطيني، وإن كانت مهمته تنفيذ وعد بلفور.
4. قرار عصبة الامم عام 1922 بشرعية الاحتلال الفرنسي لسوريا.
5. عدم الاعتراف بحقوق الإنسان العربي والمسلم رغم قيام هيئة الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي ومجلس الأمن، وأبرزها القرار (242) الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967م.
6. النظر إلى مظاهر المسلمين في الغرب (الحجاب) على أنّها إرهابية، أما مظاهر اليهود والمسيحيين المشابهة تماماً فلا اعتراض عليها.
7. قول بوش الابن (2003) أنها حرب صليبية طويلة المدى، بعد هجومه على العراق، بينما قال في خطابه في العام نفسه (2003):- مند ستين عاماً والدول الغربية تغض الطرف عن غياب الحريات في الشرق الأوسط ولكن هذا لم يجلب لها الأمن، لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار على حساب الحرية.
ن مظاهر ازدواجية المعايير والظلم التي تمارس دولياً لكنها كثيرة ومؤلمة لا يتسع لها مقال ومنها أيضاً:-
- الموقف من الانقلابات في البلاد العربية والإسلامية
·وقف الانجليز مع الانقلاب على (مصدق) رئيس وزراء في إيران عام 1953 المنتخب شعبياً لصالح الحكم الفردي والاستبداد.
·وقف الأوروبيون مع الانقلاب ضد عدنان مندريس في تركيا عام 1960 المنتخب شعبياً لصالح العسكر.
·هددت فرنسا بالتدخل عام 1991 إن فازت جبهة الإنقاذ الجزائرية في الانتخابات النيابية في الجزائر، وعندما فازت في الانتخابات فعلاً بأغلبية كبيرة، تدخلت فرنسا من خلال دعم الجيش الجزائري الذي أمم الديمقراطية وكمم الأفواه، وتسبب في حرب أهلية حصدت مائة ألف جزائري على الأقل خلال عشر سنوات، مما اضطر الحكومة الفرنسية بعد عشر سنوات للتصالح والتفاهم مع الثوار.
·سكتوا عن الانقلاب على محمد مرسي 2013 – المنتخب أيضاً بل دعموا الانقلاب، وشاركتهم في ذلك دول إقليمية وعربية.
·قيادة الانقلاب على الربيع العربي الساعي للديمقراطية والتعاون مع حكام العرب الرافضين له خوفاً من أنّ ثورات الشعوب ستأتي بالوحدة والتعاون ولذلك تم تشويه الربيع العربي محلياً وإقليمياً ودولياً.
·دعم الحركات المعادية للديمقراطية ومنها (داعش) عن طريق الدهاء والاختراقات الواسعة التي قامت بها أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية، لتنمو داعش بسرعة البرق في العراق وسوريا وليبيا، وإدعاء محاربتها في الإعلام.
·تحريض الأقليات ضد الديقمراطية والحريات في البلاد العربية.
2) مواقف مجلس الأمن الدولي، وحق النقض (الفيتو) واستخدامه
أنشأت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (دول الحلفاء وروسيا) وفقاً للمادة (23) من ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن وهو الجهاز الذي له سلطة اتخاذ القرارات، ويتألف من خمس عشرة دولة - خمس دائمة: امريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين تتمتع بحق النقض (الفيتو)، والغربية حيث تم تحكيم قانون المصلحة، (قانون القوة)، ومعاقبة الدول التي تعارض السياسة الأمريكية أو تهدد أمن إسرائيل بذريعة أن هذا خطر على العالم.
وقد وصف أشهر المؤرخين البريطاني آرنولد توينبي ميثاق الأمم المتحدة المتضمن حق النقض الفيتو (بالميثاق السخيف) الذي بموجبه يمكن إجهاض أي قرار لنصرة المظلوم رغم وجود (192) دولة في (حينه) رضيت بحق النقض.
والذي أسهم في إفلات إسرائيل من أي عقوبات دولية بسبب الفيتو الأمريكي.
وللمرة الثانية والأربعين تستخدم أمريكا حق النقض لصالح إسرائيل ضد مشاريع لقرارات تخدم قضايا فلسطينية وعربية عادلة، وهذا فقط حتى 2011م.
والسؤال هنا هل وفّر الاستمرار في حق النقض سِلْماً أو عدلاً ؟ أم أسس لإرهاب دولي، وعمَّق الصراع الدولي والإقليمي، والظلم والاستبداد، وتغييب الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة لشعوب العالم ؟
3) الازدواجية في قانون مكافحة الإرهاب
فلا حديث إلاَّ عن (الهولوكوست)، بينما تم إغفال جرائم الفرنسيين في الجزائر ، وجرائم الايطاليين في ليبيا، وإبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد المستعمر الأبيض، والمذابح الامريكية في العراق، ومجازر (إسرائيل) في دير ياسين في فلسطين، وعشرات المجازر الأخرى، والمجازر في بورما، وكذلك المجازر الروسية والإيرانية وغيرها ضد السكان في سوريا.
وباختصار فإن الأمم المتحدة عبارة عن تحالف للدول القوية وأداة لإدارة الفوضى الدولية، والضحية الأولى العالم الإسلامي والعربي، فقد عجزت المنظمة عن اتخاذ أي قرار واحد يناصر القضايا الإسلامية والعربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وإن اتخذت فلم يجد تطبيقاً على أرض الواقع.
هذا هو القذى في عيون الدول الكبرى نراه رأي العين، لكن هل من قذى في عيوننا نحن أيضاً ؟
هل تمارس ازدواجية المعايير عند الدول العربية تجاه مواطنيها ؟
وهل تمارس ازدواجية المعايير عند الأحزاب والتجمعات العربية في داخلها ومع الآخر ؟
وهل تمارس ازدواجية المعايير عند بعض الشخصيات ؟
إنّ الجميع مطالب اليوم بأن ينظر في داخله الشخصي والحزبي والاجتماعي والرسمي ويصحح مسيرته وحكمه على الأشياء والمواقف والأحداث، فلم يعد في الوقت متسع كبير.
ترى ألا تكفي هذه وغيرها لإيقاظ المواطن العربي وكشف بصيرته، وتعديل منهجيته ومعرفته لمصالحه الحقيقية ورسم خارطة طريق لنهوضه، وسيبقى العدل أساس الملك وشرط البقاء.