FEB 4, 2015لطيفة اغبارية: لا تقحموا “أبو بكر الصديق” و”ابن تيمية” في تبرير سلوكيات “الدولة الإسلاميّة” فأنتم كمن يُمسك “الدِين” من طَرَفه.. إعدام مفبرك أو غير مفبرك؟ “مجازر” على الشارع [rtl]
[/rtl]
لطيفة اغبارية
لا نخفي المشاعر السيئة التي انتابتنا خلال اليومين الأخيرين بعد مشاهدتنا للفيديو المؤلم لقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والذي تناقلته وسائل الاتصال الاجتماعي بينها عدد من الفضائيات وليس جميعها، فبعض الفضائيات تحفّظت عن نشره حفاظًا على مشاعر ذوي الفقيد، وعلى مشاعر المشاهدين وذلك للمناظر القاسية التي لا يستوعبها العقل الإنساني، ولم نستطع إكمال مشاهدة الفيديو حتّى النهاية، إضافة لشعور الكثيرين بالإحباط والتفكير المستمر في حجم هذه الجريمة.
البعض تساءل، لماذا حظيت قضية إعدام الكساسبة بهذا الاهتمام بينما، يصمت المجتمع الدولي عن الجرائم التي تُرتكب بحقّ المسلمين في بورما والذين حُرقوا وتمّت إبادتهم بطرق جماعية، ألم تثر فيكم الغضب، ماذا مع القنابل العنقودية التي سقطت على رؤوس أطفال ونساء ورجال غزة، ألم تُثر فيكم الغضب؟ وماذا مع شهداء رابعة..؟ وماذا مع الجرائم الأخرى؟ سؤال بحاجة لجواب من هؤلاء المتسائلين.
*******
حقيقة فيديو الإعدام
انشغلت التحليلات اليوم بحقيقة فيديو إعدام الكساسبة، وتساءل البعض عن حقيقة هذا الفيديو الذي تمّ تصويره كما يظهر في تقنيات تصوير عالية، وبعدسات خاصّة وكأنّه مستوحى من فيلم، فذهب البعض إلى تفنيده واعتباره فيديو مدبلج، فصحيح أنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروفة إعلاميّا وأمنيّا بداعش قد قتلت الطيار قبل فترة، لكن هذا الفيديو ” الفوتوشوب” هدفه بث الرعب والزعزعة في قلوب كل من شارك في التحالف الدولي ضدّها، ولخلق بلبلة في الأردن، فيما أكّد العديد ممّن الذين يعملون في مجال الإخراج بأنّ هذا الفيديو”حقيقي” لكن من أين الوقت لداعش لتصوير هذا الفيديو؟ والأهمّ من ذلك من أين لهم هذه التقنيات والمصورين والمخرجين ليقوموا بمثل هذا العمل الذي عجزت كاميرات هوليود عن إخراج مشهد شبيه له؟! سؤال للتفكير!! وإن كان الفيديو مفبرك أو غير مفبرك، فماذا يضير الشاة بعد ذبحها؟!
*******
بعد إعدام “الكساسبة” شاهدنا كمًّا كبيرًا من استخدام الحديث النبوي في تحريم تعذيب الناس، وبخاصّة الحديث الذي يقول:” لا يُعذّب بالنار إلّا ربّ النار”، فالنبي- صلّى الله عليه وسلّم- كان عندما يرسل الجيوش، كان يوصيهم قائلا:” لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا” ، فالقتل ليس هدفا في الإسلام وإنّما الهدف صدّ العدوان. لكن هل التعذيب بوسائل أخرى هو أمر حلال؟
******
حقيقة الفكر الإسلامي
بعد كل مصيبّة تحلّ على هذه الأمّة المنكوبة، وعندما يريد البعض تحليل تداعيات ما حصل وإيجاد مسبباته، يعود البعض من “جهابذة” رجال الإعلام والفكر بالعودة إلى الموروث الديني والتنقيب عن قصص تاريخية، أو أحاديث وقصص مدسوسة لا نشكّك بمدى صحتّها لتدعيم تفسير أسباب السلوكيات المتطرفة، فها هو الإعلامي المصري إبراهيم عيسى يقوم بتفسير خلفية إعدام الطيار الكساسبة بالعودة إلى الفكر الإسلامي لتشويهه، وليجد مبرّرا مقنعًا لما حصل.
فهو يقول أنّ “الجرائم التي يرتكبها داعش وآخرها جريمة إعدام الطيار”الكساسبة” حيًّا، لها ( أي للحرق) خلفيات تعود إلى الفكر الإسلامي، فالفكر الإسلامي ليس بريئًا من توحشّ داعش”.
مشيرًا في برنامجه “25/30″، الذي يعرض على فضائية “أون تي في”، إلى أّن “داعش تستند في ارتكاب هذه الجرائم على مناهج وتفسيرات لآيات وأحاديث نبوية موجودة بالفعل”. ومن يرفض الاعتراف بذلك عليه أن يخرج ويقول بصراحة أنّ تنظيم داعش محق في ارتكاب هذه الجرائم”، مضيفًا بأنّ أبا بكر الصديق، قام بحرق الفجاءة السلمي حيًا، وبالتأكيد داعش استندت إلى هذه الواقعة في حرق الطيار الأردني”، وتابع:”إلى أنّ كلّ الأسانيد التي تقدّمها داعش لتبرير جرائمها موجودة في الكتب، مؤكّدا على عدم استطاعة أي جهة رسمية انتقاد خليفة المسلمين أبو بكر الصديق، رغم تداول روايات تشير لندمه على هذا الفعل، واعتذاره عنه.
الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري، ردّ على إدعاءات “عيسى” في بيان عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي ” الفيسبوك” بالقول:” تحدث بعض من تَسَوّر تناول الأحكام الشرعية بغير علم عن جريمة حرق خوارج العصر للطيار الأردني رحمه الله، فزعم أن سيدنا الصدّيق رضي الله عنه قد أحرق (الفجاءة السلمي) حيًا، والمشكلة هنا تكمن في اجتراء بعض إخوتنا من المثقفين على تناول المواضيع الدينية بغير علم ولا رجوع إلى أهل العلم للتأكد من معلوماتهم التي ينقلونها عن الكتب بغير تخصص”.
مضيفًا أنّ رواية إحراق سيدنا “أبو بكر الصديق” لل “الفجاءة” رواية باطلة مدار سندها على (علوان بن دَاودَ البجلي) وهو رجل مطعون في روايته، وقال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: قال البخاري: علوان بن داود ويقال بن صالح منكر الحديث، كما علق الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد على هذه الرواية بقوله: (رواه الطبراني وفيه علوان بن دَاوُدَ البجلي وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه.
وواصل الحبيب على الجفري، رده قائلا: “مثلها اتّهام سيدنا خالد بن الوليد بحرق رأس خالد بن نويرة، فهي رواية باطلة في سندها (محمد بْنُ حميد الرازي) وهو كذاب قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: (كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. قال أبوزرعة ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب)، وهي روايات يُروّج لها بعض الشيعة في معرض التشنيع على الصحابة الكرام رضي الله عنهم، مختتمًا بيانه: ” وفي هذا درس لمن يهرولون إلى اتهام السابقين دون تحقيق علمي، ودرس لمن يسارعون إلى تصديقهم ونقل كلامهم دون تثبّت أو سؤال لأهل العلم”.
نعتقد أنّه من الضروري أن نكون حذرين ودقيقين جدّا في قضية المسائل والفتاوى والأحاديث والقصص، والبحث في بطون الكتب عن “دليل” لإيجاد تفسيرات” تروق” للبعض، حيث قرأنا في صفحات التواصل الاجتماعي والتي أصبح الكثير من ” روّادها” من أهل العلم والفتوى، فبدؤوا يشيرون لفتاوى ابن تيمية يجيز فيها قتل من تارك صلاة الجمعة والجماعة، وهذه الفتاوى أولّ مرّة نسمع بها، ولا نعلم من أين أتوا بها، والهدف هو تشويه تعاليم الإسلام الحنيفة التي نهت عن تعذيب الحيوان فكيف إذن بالإنسان؟ وإذا كانت حرمة قتل المسلم عند الله أعظم من هدم الكعبة فكيف يقوم خليفة بمثل هذا السلوكيات التي ننكرها؟ ثمّ أنّ مئات القرون قد مرّت ولا يجوز أن نُلبس هذه التصرفات للجذور والموروث الإسلامي. ونحن نعيش في عصر مختلف له رجاله وأسبابه وطبيعته السياسية التي تختلف عن عصور سابقة، والتنبيش عن هذه القصص المشبوهة، هو لبثّ الفتنة، فأنتم كمن يُمسك الدين من طرَفه، ليبرر واقعنا الفاشل وكرهنا لبعضنا البعض، ويتناسى التعاليم الأخرى، على سبيل المثال وللتقريب، عندما تجد شخصا لا يؤدي الواجبات الدينية، وحين يقرر الزواج مرّة أخرى من امرأة ثانية يدّعي بأنّه “يريد تطبق شرع الله”!.
[rtl]مجزرة على الشارع[/rtl]
كان يوم البارحة أيضًا يومًا قاسيًا في جميع المعايير على أهالي فلسطين أيضًا، فقد أودى حادث طرق أليم وقع على أحد المفارق جنوبي البلاد أثناء عودة حافلة ركّاب عائدة من الأقصى، بحياة ثماني نساء من “النقب” بعد تأديتهن للصلاة في المسجد الأقصى، وتبيّن أنّ الحادث نجم عن تصادم شاحنة تقل جرارات زراعية بالحافلة ألتي أقلّت النساء، زانة ابو طراش ، نورة الاطرش ، منوة أبو القيعان ، فاطمة ابو القيعان ، كفاية العصيبي ، نعمة ابو شحيطة ، سميرة النباري ، كفاية أبو شقرة، هذه هي ” مجازر” الشارع التي لا ترحم، ونسأل الله الرحمة وحسن الخاتمة للجميع.
*كاتبة فلسطينية