بري.. الزعيم الثاني للبيت الشيعي اللبناني
كان أحد قادة المليشيات اللبنانية المتصارعة في الحرب الأهلية أواخر الثمانينات وواحدا من سياسييها الذين تركوا البندقية وارتدوا ربطات العنق الفاخرة وخاضوا حروب السياسية حتى اليوم.
الرجل الذي احتفل السبت بيوم مولده الـ74 لا يزال يلعب دورا كبيرا بتوجيه دفة السياسة اللبنانية، ولا يفتأ أن يخرج عن طوق العباءة الإيرانية وإن على مضض بالمقارنة مع الشقيق الشيعي الآخر الذي نزع من حركته عباءة الزعامة في الجنوب "حزب الله".
تربع بري على كرسي "عين التينة" وعمر طويلا في مقعده حتى بات شيخ البرلمانيين العرب والشخصية الأبرز في البرلمانات العربية.
ولد نبيه مصطفى بري عام 1943 لأسرة كانت تعيش في مدينة فريتاون عاصمة سيراليون بسبب عمل رب الأسرة، حيث سافر والده للعمل هناك وكان أحد وجهاء بلدة تبنين ذات الغالبية الشيعية جنوب العاصمة بيروت، وبعد ولادته بقليل عاد إلى لبنان برفقة والدته التي اضطرت للعودة بفعل المرض حيث تلقى علومه في بلدته وبعد نجاحه في المرحلة الثانوية انتسب إلى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية ثم حزم حقائبه إلى فرنسا ليتابع دراساته العليا في جامعة السوربون العريقة.
منتصف الستينات تعرف المحامي الشاب على الإمام موسى الصدر الذي كان يفكر بإنشاء حركة المحرومين التي تطورت لاحقا إلى حركة أمل وتحول الشاب المندفع والطامح لتحويل أحلام معلمه إلى واقع فانتسب إلى الحركة بهدف مقاومة الاحتلال الاسرائيلي إلا أنه تحول لاحقا إلى قائد لمليشا مسلحة تشتبك في الداخل اللبناني وتقتل باسم الطائفة.
شارك الرجل في حرب المخيمات منتصف الثمانينات وحاصر مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية وأجبر أهله على تناول لحوم القطط لسد جوعهم، ثم دخل في حرب مع حزب الله المنافس القوي المدعوم من إيران في مواجهة أمل ومن خلفها النظام السوري الذي كانت تنظر له إيران بوصفه نظاما علمانيا حتى وصل الحال بالخميني أن كفر الأسد الأب قبل أن يصدر فتوى لاحقا تعتبره مسلما ويبدأ بعدها شهر العسل الذي لم ينتهي حتى اليوم.
بعد توقيع اتفاق الطائف وبدء نظام المحاصصة بلبنان قرر الرجل ترك البندقية والتفرغ لعالم السياسة والأعمال لكن من بوابة البرلمان حيث تربع على عرشه حتى اليوم منذ ما يزيد على ربع قرن وكان قبل ذلك قد شغل عدة مناصب وزارية.
بعد تفرغه للبرلمان سحب حزب الله الجمهور الشيعي بغالبيته لصفه رغم بقاء نسبة لا يستهان بها إلى جانب الرجل الذي خط لنفسه منهجا يميزه عن الحليف المنافس بذات الوقت على القاعدة الجماهيرية فكان أن وقف الرجل في بعض الأحيان موقفا "أقل تطرفا" من مواقف حزب الله في المنطقة خاصة في سوريا حيث رفض الزج بشيعة الجنوب في المستنقع السوري وبقي مهادنا للسعودية بعكس حليفه الذي كشفت وثائق ويكليكس أنه حليف على مضض وليس حليفا حقيقيا.
بعد أن بلغ منه المشيب يبدو أن بعض الحكمة قد لامست رأس الرجل السبعيني الذي أبدى ندما على التاريخ الدموي للبنان والذي كان أحد صانعيه حيث قال في أحد المقابلات الصحفية " عشت لحظات ندم كبيرة جدا، ولا سيما في موقعين: الأول، عندما فرضت علي الفتنة بين حركة أمل والفلسطينيين. والثاني، عندما فرضت علي أيضا فتنة بين أمل وحزب الله.. هاتان الفتنتان آلمتاني كثيًرا لأن معركتي لم تكن هناك".
لا يزال الرجل الكهل يحتفظ لنفسه بنوع من الهوية الخاصة تجعله يعرف عن نفسه بالقول، "أنا شيعي الهوية، سني الهوى، لبناني وعربي المنتهى".