ثورة الخميني وقراءة الاستخبارات
عبدالرحمن الراشد
قرأت بعض ما تنشره «الشرق الأوسط» عن الوثائق التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميركية للفترة التي صاحبت الثورة الإيرانية أواخر السبعينات، وهي فترة تاريخية مضطربة، ومحل جدل أكاديمي مستمر. وتقريبًا، فإن معظم ما نراه اليوم من أحداث سياسية من صعود للتطرف الإسلامي إقليميًا ودوليًا، والصراع الطائفي، والحروب الإقليمية الكبرى، وفشل مشاريع السلام، وجهود التسلّح النوعي مثل النووي والكيماوي، مرتبطة بذلك الحدث، وبذلك العام 1979.
لم أجد في القليل من الوثائق، الذي اختارته الصحيفة، ما يعين على تتبع وفهم الأحداث من داخل هذه المؤسسة الأمنية السياسية، التي يفترض أنها كانت على علاقة جيدة بحكومة الشاه. تقديرات وكالة الـ«سي آي إيه» ليست خاطئة بخلاف ما قيل من حيث فهم تكتيك النظام الجديد في طهران. تنبأ محللو الوكالة بعد صعود الخميني واندلاع الحرب مع العراق بعد عام واحد، أن يلجأ إلى استخدام سلاح الدين، وتحديدًا الطائفية. وجاء في تنبؤات الاستخبارات أن يعمد آية الله الخميني إلى تحريض شعوب المنطقة ضد أنظمتها مستخدمًا الشعارات الدينية. وقدروا أن ينجح في استنهاض الروح الطائفية في العراق، وأن يفشل في السعودية وبقية دول الخليج.
وعند مراجعة سنوات الحرب الثماني لا نستطيع أن نقلل من الجهد الدعائي الكبير الذي قادته حكومة صدام حسين لوقف تسلل التحريض الإيراني الطائفي الذي ركز على تصويرها حربًا شيعية سنية. بغداد من جانبها صورتها على أنها حرب قومية بين العرب والفرس. وتقديرات الـ«سي آي إيه» كانت خاطئة في توقيت وقف الحرب لسبب واضح؛ وهو أن قرارها كان بيد الخميني الذي أصر على استمرار القتال ثلاث سنوات رغم الفشل، معتقدًا أن ثورة شعبية قد تقلب ميزان الحرب لصالحه في العراق.
ومن الجوانب التي لم أجد لها أثرًا، سواء في ما تم الإفساح عنه من تحليلات أو مراسلات سرية عن تلك الفترة، أو حتى ما نشر في الإعلام والدوريات المتخصصة، هو الوعي بالخطر الذي يمكن أن تسببه الثورة الدينية المتطرفة في إيران على المنطقة والعالم، ربما بسبب هيمنة الخطابين القومي واليساري آنذاك، بل إن رحلة مستشار الأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي الشهيرة إلى باكستان، معتمدًا سياسة الحرب الدينية الإسلامية الجهادية في تحرير أفغانستان، إلى جانب الأسلحة النوعية ضد قوات «الاتحاد السوفياتي الملحد»، ونجم عن حرب العشر سنوات، تحرير أفغانستان ومقتل أكثر من 15 ألفًا من القوات السوفياتية وحلفائها، وإسقاط أكثر من أربعمائة طائرة سوفياتية.
ولا يمكن تجاهل العلاقة بين ثورة الخميني وحرب أفغانستان، ولا بد أن راسمي السياسة في واشنطن كانوا وقت سقوط الشاه قد فضلوا القبول بصعود الخميني الديني على حساب الأحزاب اليسارية التي كان لها دور فعال في اندلاع الثورة الإيرانية. لكن لا يوجد ما يدل على أن أحدًا في ذلك الوقت تنبأ بما سيحدث للمنطقة بعد صعود الخميني والتبدل الذي سيطرأ على الآيديولوجيات السائدة في المنطقة، خاصة مع اضمحلال اليسار بسقوط المعسكر السوفياتي. النظام الإيراني الجديد حينها استخدم الشعارات الدينية، وتحديدًا الإسلام، ولاحقًا اختصرها على مشروعه الطائفي، ونجح في استخدامها سياسيًا في لبنان وفلسطين، والعراق لاحقًا. وهي التي دمرت المنطقة خلال أكثر من ثلاثة عقود ولا تزال تمثل أكبر خطر على المنطقة.
عن الشرق الوسط