عباس.. من أوسلو إلى كرسي الزعامة في المقاطعة وسنوات من حياة التفاوض
كان واحدا من الرعيل المؤسس للحركة التي ظلت تفتخر دوما بأنها صاحبة "الرصاصة الأولى" رغم أنه يكاد الوحيد الذي لم يؤمن بالمسار المسلح كسبيل لحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
الرجل الذي قاد مسيرة التفاوض وفقا لنهج "الحياة مفاوضات" لا يزال متمسكا بخياره حتى اليوم، حتى قبل اللحظة التي فكر فيها بإطلاق مفاوضات سرية مع الاحتلال لانجاز توقيع "اتفاقية أوسلو" التي يوصف بعرابها.
الرئيس الذي يحتفل اليوم بدخول عامه الـ82، يتحضر للقدوم إلى عمان للمشاركة في القمة العربية التي ترشح أنباء عن أنها قد تحمل في طياتها مبادرة جديدة تسعى لتحريك مسار التفاوض مع الاحتلال للوصول لتسوية ما.
عباس المولود عام 1935 في مدينة صفد لأب ميسور الحال يعمل في التجارة، هاجر مع عائلته نحو سوريا مع دخول النكبة عام 1948 وهو لا يزال طفلا لم يتجاوز السابعة من عمره.
في سوريا أكمل علومه الأساسية ثم توجه إلى جامعة القاهرة لدراسة القانون وهناك كان شاب فلسطيني آخر يدعى ياسر عرفات يفكر بتأسيس حركة فلسطينية تناهض الاحتلال الإسرائيلي فكان ان تعرف على عباس وعدد آخر من مؤسسي فتح الأوائل ثم توجه إلى قطر ليعمل في سلك التعليم.
كان الظهور الأبرز لعباس في مسيرته السياسية بمرحلة الشباب حين قاد المفاوضات مع الجنرال ماتيتياهو بيليد والتي أدت إلى إعلان مبادئ السلام على أساس الحل بإقامة دولتين عام 1977.
برز عباس أيضا بوصفه اليد السياسية في فتح التي تصول وتجول لتعزيز جانب "الكفاح السلمي" على حساب "الكفاح المسلح" الذي قاده أبو جهاد و أبو إياد، وبعد اغتيالهما كان عباس يشارك في المحادثات السرية مع الاحتلال من خلال وسطاء هولنديين لتنسيق مؤتمر مدريد للسلام والذي عقد عام 1991.
ومن خبرته التي اكتسبها بمفاوضات مدريد كان الرجل يرنو لمرحلة التطبيع الكامل للعلاقات مع الاحتلال وصولا لحل الدولتين فوصف بأنه عراب المفاوضات التي أدت إلى اتفاق أوسلو عام 1993.
بعد ذلك تولى عباس إدارة شؤون التفاوض التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وعمل رئيساً للعلاقات الدولية في المنظمة ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات متهما من قبل الاحتلال بالوقوف خلف تسعيرها لذلك تم فرض حصار عليه بعد عام واحد وحشره في مقره بالمقاطعة.
بعد ذلك سطع نجم عباس بوصفه "الوصفة الدولية" للخروج من مأزق الحصار وانعدام التهدئة في الأراضي الفلسطينية فتولى عباس منصب رئيس الوزراء عام 2003 إلا أنه استقال بعد 7 أشهر بسبب ما قيل إنها خلافات على الصلاحيات بينه وبين عرفات.
بعد أشهر قليلة توفي ياسر عرفات بعد تدهور حالته الصحية إثر الحصار فعاد من باريس ليدفن في رام الله وتبدأ ترتيبات خلافته، حيث برز اسم عباس كوريث قوي ومقبول دوليا ففاز في الانتخابات الرئاسية عام 2005.
مثلت الانتخابات التشريعية التي جرت بعد عام واحد الاختبار الحقيقي لمسار عباس الذي اصطدم بفوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها للحكومة، حيث بدأ الانقسام الفلسطيني الذي قاد لإصرار عباس على نهج التفاوض ورفض العمل العسكري ضد الاحتلال، وهو الأمر الذي ترفضه حماس، ما رسخ الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة والضفة الغربية التي استمر عباس في حكمها حتى بعد انتهاء ولايته الدستورية عام 2009.
يبدو الرجل الثمانيني هذه الأيام منهمكا بفهم خارطة الترتيبات التي تجريها الإدارة الأمريكية على ملف الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، ويبدو مشغولا من الناحية الأخرى بمنع منافسه وغريمه القيادي المفصول من فتح محمد دحلان من الوصول للمقاطعة من جديد، مع الإصرار على مسار التفاوض وصولا لحل الدولتين كمسار طويل يبدو أنه سيستمر حتى النفس الأخير.