......... تابع
لو نعود للإتهامات الموجهة لك فانت تتهم انه في الوقت الذي قاطع مثقفو بلدك الجزيرة ورفضوا الإدلاء باحاديث لها كسرت هذه القاعدة وكنت الصوت السعودي الحاضر على شاشة الجزيرة, لماذا شذذت عن رأي الجماعة؟
انا لا أؤمن بمقاطعة الجزيرة واعتقد ان مقاطعة الجزيرة غير مجدية واسلوب "غير ذكي" للتعامل مع قناة مثل الجزيرة. هذه محطة جماهيرية، مقاطعتها من قبل دولة بحجم السعودية تزيد من شعبيتها. وبالتالي لايوجد مبرر للمقاطعة رغم كل مايقال عن الجزيرة، وموقفها من السعودية. الجزيرة قناة كبيرة ولها متابعين ويمكن للمسؤول السعودي ان يمرر ما يريد تمريره للمشاهد العربي عبر هذه القناة. اذا اردت مواجهة الجزيرة لاتقاطعها بل ابحث عن ايجاد وسائل اعلامية تنافسها في شعبيتها، وتسمح لك بأخذ زمام المبادرة في التعامل مع الرأي والخبر.
-تعتبر وفق نظر البعض الى جانب داود الشريان وتركي الحمد من ابرز الكتاب السعوديين والبعض الآخر يرى انكم من الكتاب العرب الممتازين ومع ذلك اقفلت صفحات الرأي في الصحف السعودية ابوابها دونكم.. هناك من رأى ان الصحف السعودية ترسخ للاعلام الرديء بابراز الفاشلين على حساب الناجحين هل ترى ذلك؟
استغرب ماحدث بحقنا نحن الثلاثة فالشريان كاتب مقالة يومية متميز والحمد محلل سياسي متميز أيضا. اعتقد ان السبب في هذه المعاملة عائد للمواقف النقدية لهما. لكن ربما أن السماح بعودة داود للكتابة في الحياة بداية أخرى جديدة. لا يليق ببلد بحجم وتاريخ السعودية أن يضيق ذرعا بالنقد، وخاصة عندما يأتي هذا النقد من مواطنيه.
وحرية الاعلام التي يقال إنها بدأت المسيرة قبل ثلاث سنوات , كيف تضيق بنقدكم؟
في السعودية لايوجد حرية اعلام ولاحرية تعبير.
ومايطرح من قضايا كان الى قبل سنوات قليلة يغض الطرف عنها والتطرق لها يدخلك لدائرة المحذور؟
ما يحدث في السعودية الآن أن هناك هامشا لحرية التعبير. وهناك فرق بين ان يكون هناك هامش لحرية التعبير، وبين حرية التعبير كمبدأ. حرية التعبير، كمبدأ وحق، غير موجودة تماما بالسعودية.
وماهي علامات الحرية اذا لم تكن السعودية في السنوات الأخيرة لا توجد بها حرية؟
علامات الحرية ان يكون في دستور البلاد ما ينص على حرية التعبير وحرية الرأي وعلى جميع اشكال الحريات الى جانب توفر آليات قانونية وسياسية لحماية وتفعيل هذه الحرية وهذا يتطلب وجود مؤسسات مجتمع مدني وهي للاسف غير موجودة، والموجود منها ضعيف ومرتبط بالحكومة بشكل أو بآخر. دستور البلاد، أو "النظام الاساسي للحكم" لا يتضمن أية مادة تتطرق لموضوع الحريات، وتوفر ضمانة حمايتها وكفالتها كحق للمواطن. نعم هناك هامش حرية وهو افضل من السابق بلا شك، ولكن مع الاسف هذا الهامش يظل مرتبط بالظروف وما يريده صانع القرار. فعلى ضوء هذين الامرين يضيق الهامش ويتسع وربما يختفي.
وعلى أي اساس يضيق أو يتسع هذا الهامش؟
هناك ظروف عدة تحدد اتساع هامش الحرية او ضيقه. فإذا كانت هناك ضغوط خارجية اتسع هذا الهامش، مثلا. واذا اقتنع صانع القرار بتوسيع هامش الحرية اتسع وان اقتنع بالعكس ضاق. يعني اتساع وتضييق هامش الحرية هو عملية سياسية مرهونة بالظروف السياسية في الداخل والخارج، وليس بضوابط الدستور والقانون.
هامش الحرية الحالي هل تتوقع له ان يضيق ؟
بالفعل بدأ يضيق فقبل ثلاث سنوات وصلت النقاشات في البلد حول الاصلاح والانفتاح الى قمتها. الآن اختفت هذه الدعوات وانتهت كلمة"الاصلاح" من الخطاب السعودي الرسمي وغير الرسمي.
في نقطة اخرى اخذ عليكم في مطالبكم الاصلاحية انكم لم تكونوا موفقين في مطالبكم برفع سقف المطالبة الى اعلى سقف كمطالبتكم بملكية دستورية, البعض رأى ان هذه المطالبة فيها تجاوز للمنطق بسعيكم لإلغاء رجال والدهم هو من أسس هذا الكيان الذي تنشدون اصلاحه وبالتالي فانتم تسعون لإلغاء وجودهم؟
أولا ليس صحيحا أن الهدف من الإصلاح عموما، ومن عريضة الملكية الدستورية خصوصا، هو إلغاء أو تهميش دور القيادة. كل ما في الأمر أنه كان هناك سوء فهم لمصطلح "الملكية الدستورية". فهم هذا المصطلح من قبل بعض الأخوان على أنه مجرد مطالبة بأن تحتكم الدولة إلى دستور. هناك فهم آخر، وأكثر دقة وأكثر إجماعا بين المختصين في القانون والعلوم السياسية. وعلى هذا الأساس كنت من المعترضين على هذه العريضة ولم اوقع عليها. ثم ان عريضة الملكية الدستورية، وإن اتفقنا على انها لم تكن موفقة، إلا أنها كانت مجرد واحدة من بيانات سبقتها، تضمنت مطالب باصلاحات كبيرة وتتناسب مع طبيعة المرحلة. فلماذا نحمل وزر عريضة الملكية الدستورية أكثر مما تحتمل. ارجو ان لانتوقف عند هذه العريضة الذي اعترض عليها الكثير من داخل الحكومة وخارجها، وحتى كثير من الاصلاحيين، ونلغي ما سبقها بدعوة ان هذه العريضة لم تكن موفقة. ولا يفوتني هنا التنويه بالتفهم الكبير الذي أبداه الملك عبدالله بن عبدالعزيز للموقف، والذي على أساسه أطلق سراح الإخوة علي الدميني، وعبدالله والحامد، ومتروك الفالح.
الا تعتقد بأن عريضة الملكية الدستورية "ضربت"مساعيكم للاصلاح؟
اعتقد انها استغلت من جهات لضرب الاصلاح , ومع هذا لايجب ان تكون هذه العريضة مبررا للاستمرار في ضرب الاصلاح لأنه لو كانت العرائض السابقة تحمل ما تحمله عريضة الملكية الدستورية لالتمسنا العذر لوقف دعاوي الاصلاح اما ان كانت العرائض السابقة مقبولة في مطالبها فمن غير العدل تناسيها.
كان عام 2003 عام المطالب الاصلاحية في السعودية ,ما جاء بعده من اعوام خفت المطالب حتى قاربت على التلاشي, هل انتهى زمن المطالبة بالاصلاح في السعودية؟
مطلب الاصلاح مطلب ملح، وهو أولا وأخيرا في صالح الدولة. وهذا هو السبب الرئيس وراء الإصرار عليه. الإصلاح هو مصدر قوة وضمانة للدولة، وليس من مصلحة أحد أن يتوقف الإصلاح. لهذا لن يتوقف مطلب الإصلاح. ما حدث للمطالب الإصلاحية يعيدنا الى ما سبق وتحدثنا عنه حول هامش الحرية. كان من المفترض أن يكون إتساع هامش الحرية إستجابة لحاجات الدولة، ولمطالب داخلية. لكن الذي حصل لم يكن كذلك تماما. بدأت الإستجابة للإصلاح بعد غزو الكويت، ووصول القوات الاميركية لتحرير الكويت. بعد ذلك بدأ الهامش يضيق، حتى عاد للإتساع بعد احداث سبتمبر. مع قدوم القوات الاميركية للمنطقة لتحرير الكويت ظهر النظام الاساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتبمبر جاء مركز الحوار الوطني والانتخابات البلدية وبدأنا نسمع بقبول التعددية الفكرية والمذهبية. مما سبق نلاحظ ان وتيرة الاصلاح في السعودية تتأثر بعوامل خارجية أكثر من تأثرها بالمعطيات والحاجات الداخلية رغم وجودها وإلحاحها. الضغوط الخارجية أثرت ايجابا على الحركة الاصلاحية في البلد. لكن يجب أن يكون الأمر على العكس من ذلك.
هناك من يرى ان مجلس الشورى بوضعه الحالي غير مفيد بل ان استمراره بهذه الآلية غير مجدٍ ومكلف للبلد ماديا؟
في النظام الاساسي للحكم وفي نظام مجلس الشورى توجد مواد تنص على ان مجلس الشورى شريك في العملية التشريعية مع مجلس الوزراء. لكن قيادة مجلس الشورى وصانع القرار لا يريدان الدفع بهذا الاتجاه. ومع ذلك يبقى الامل قائما ان يكون لمجلس الشورى دور في رسم سياسات البلد استنادا الى الدستور الذي ينص على ذلك. وليس هناك ما يمنع دستوريا من أن يتطور مجلس الشورى ليصبح المؤسسة التي تتولى السلطة التشريعية.
الحوار الدائر في السعودية من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي شاركت في احدى فعالياته هل تعتقد بالفعل وجود حوار في هذا الحوار؟
فكرة الحوار رائعة جدا ويشكر من قام على تدشينها، وهو الملك عبدالله بن عبدالعزيز. لكن ان استمر الحوار على ماهو عليه بتحويله لموسسة بيروقراطية برعاية الحكومة فهذا سينفي فائدته وسيصبح غير مجدٍ بخاصة ان الحكومة غير طرف في الحوار.
واذا استمرت الحكومة بعيدة عن الحوار بحيث لا تكون طرفا فيه؟
عندها سيصبح الحوار مكانا لتجزئة الوقت وامتصاص الاحتقانات الموجودة في المجتمع. هذا الحوارحتى يكون طبيعيا ومجديا يجب ان يترك مفتوحا بين شرائح المجتمع بحيث يطرح في الجامعات والاعلام فهذا هو المكان المناسب له . وان لم يطرح في هذه الاماكن فإن الحوار سيخضع للأطر والاطروحات البيروقراطية وسيكون شبيه بالنوادي الادبية او نوادي الطلبة السعوديين في الخارج.
الحكومة الراعية للحوار هل توجه الحوار وفق ما تريده؟
لا. ففي الداخل هناك حرية نقاش .لكن الآلية التي يتم بها الحوار وطريقة دعوة الضيوف تقتل الحوار. على سبيل المثال تدعى ثمانون شخصية ضف عليها خمسين امرأة ويتحاورون في ما بينهم في مدة لاتتجاوز ثلاث ساعات لايوجد وقت لطرح فكرة او عمل مداخلة وان وجدت فرصة للحديث فهي لا تتجاوز دقيقتين لاتستطيع ان تطرح فيها ما تود قوله وان وجدت مرة اخرى فرصة لعمل مداخلة للرد على فكرة احد المدعوين فإنها لا تاتي سوى بعد اكثر من ساعة ويحصل عادة نسيان ما تود التداخل حوله، وربما يكون الحديث قد تجاوزه كثيرا. المكان الطبيعي للحوار هو المجتمع بمؤسساته المختلفة: في مجلس الشورى، والجامعات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الأخرى. كذلك لا ينبغي أن يتحول الحوار الى مناسبات موسمية، كما هو حاصل الآن، تحكمها أنظمة وأطر بيروقراطية، وتغيب عنها الحكومة، وهي الطرف الذي يجب ان يكون طرفا اساسيا في الحوار. فالحكومة هي صانعة سياسات البلد وهي التي تضع أنظمته. وكل ذلك يجب أن يكون أحد أهم مواضيع الحوار. الناس لديها مواقف، وردود افعال تجاه الحكومة وسياساتها، وتريد مناقشة الحكومة، بل ومحاسبتها أحيانا. هذا يحدث حتى في الدول التي تملك برلمانات تتولى مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ان استمر الحوار بغياب الحكومة فلا يوجد حوار. فقط تضييع وقت.
أود سؤالك عن السر السعودي في اقحام رجال الدين في كل شيء مجلس الشورى يقودونه، مناهج التعليم هم من يقررها، حتى الحوار الوطني كانوا هم ابرز من يديره ويشارك فيه وهناك غير ذلك كثير؟
اضف الى ذلك تعليم البنات. بل حتى التعليم بشكل عام يخضع للمؤسسة الدينية. ولهذا السبب اتهم وزبر التعليم السابق الدكتور محمد الرشيد بالعلمانية. ربما أن تعيين الوزير الأخير جاء لترضية المؤسسة الدينية. اعتقد ان السبب في الاعتماد على رجال الدين كمصدر يكاد أن يكون حصريا لشرعية الدولة مرده الإعتقاد بأن الأسس التي قامت عليها الدولة من خلال الاتفاق التاريخي بين محمد بن سعود ومحمد عبد الوهاب لا تزال هي الأسس نفسها، ولم تتغير. هذا رغم حقيقة أن المجتمع تغير عما كان عليه في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي.
لكن الا ترى ان الوضع اختلف فلايجوز سحب اتفاق قبل اكثر من قرنيين على مرحلة مختلفة تماما وتتعامل مع واقع مغاير محكوم باتفاقات ومعاهدات وعالم اصبح قرية صغيرة؟
هذا هو السؤال الذي اطرحه , واتساءل معك فالعقد المسمى بوثيقة الدرعية استنفذ اغراضه وما كان قائما في القرن الثامن عشر يجب ان لم يعد كذلك في القرن الواحد والعشرين. هناك امور كثيرة اختلفت ففي ما مضى كان ما يمثله كل من طرفي الإتفاق، محمد بن سعود ومحمد عبدالوهاب، إنعكاس لواقع المجتمع آنذاك. حيث كان المجتمع اميا فقيرا بسيطا. الآن تغير الوضع تماما. مجتمع الدرعية، بل المجتمع النجدي اختفى بشكل يكاد أن يكون كاملا. بل حتى مجتمع الجزيرة آنذاك لم يعد له وجود الآن. انقلبت التركيبة الاجتماعية الآن لديك مثلا خمسة ملايين طالب في مختلف مراحل التعليم، ولديك رجال اعمال وصحافيين ونساء عاملين وفنانين ورسامين يعيشون من خلف هذه المهنة.
اذا لماذا لايستوعب السعوديون هذه الحقيقة ويكون المنصب لذوي القدرات والكفاءات وليس للأكثر تدينا؟
طبيعة الامور تقول بذلك , وبخاصة في ظل التطورات الحالية يجب ان يوسع العقد ليشمل اطرافا اخرى. المؤسسة الدينية لم تعد لوحدها تمثل المجتمع بل لم تعد تلاءم طبيعة المرحلة وبالتالي فإن الإتكاء على وثيقة تتجاوز القرنين ونصف امر غير منطقي .
هناك من يرى ان هولاء الذين تسعى الدولة لإرضائهم هم سبب ما مر البلد به من فتن ابتداء بالسبلة مرورا بتمرد جهيمان وانتهاء بما يفعلة بن لادن ورفاقه, البعض يفسر هذه المحاباة بأنه لكي تحترم فيجب رفع السلاح؟
للأسف فإن الدولة ترسخ لهذا الانطباع فمن يحمل السلاح هو الذي يحترم. فالدولة تجامل المؤسسة الدينية ومع ذلك فجميع مشاكلها جاءت من الخطاب الديني ,فالارهاب خرج من عباءة الخطاب الديني ومع ذلك نجد في الخطاب الرسمي من يسمي هولاء الارهابيين "بفئة ضالة" اي ان هولاء فقط مخطئين وليسوا قتلة مجرمين.
بدأ بخاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر تصيد من التيارات المناوئة للاسلاميين بحيث بدأوا بخلط الاوراق ووضع الإسلامي مع الارهابي في سلة واحدة هل انت مع هذا الخلط؟
هذا لا يجوز فهناك اسلاميون ليسوا ارهابيين. ما أقوله إن الخطاب السلفي المتشدد هو أحد أسباب ما يحدث في السعودية وغيرها من بلاد العالم. لا يجب هنا أن ننسى دور الدولة، وسياساتها التعليمية، والثقافية، وغير ذلك.
يأخذ الليبراليون على الدولة اندفاعها لمعاقبتهم بمجرد خطأ لأحدهم في الوقت الذي يأخذ الإسلامي الدثور والاجور رغم انه من هيج الشارع ودعى للخروج على الدولة في فترة من الفترات بل وحرم العمل بموساساتها والدراسة في مدارسها؟
السبب في تصوري تاريخي بشكل أساسي. الخطاب الديني كان الطرف الآخر الذي شارك في قيام الدولة. التيار الليبرالي لم يكن هناك. الإشكالية هنا تتعلق بتجميد التاريخ عند مرحلة معينة، وعدم إدراك أن التاريخ متحرك.
برأيك هل تعتقد ان الارهاب نتاج الفكر الوهابي كما يقال؟
الوهابية في الاسس هي ايديولجية الدولة. الحركة الوهابية التي اسست الدولة وينتمي لها ابن باز آخر كبار الوهابيين التقليديين لايمكن ان تكون مناهضة للدولة ولايمكن ان تكون سببا لخروج الارهاب لأنها عقديا تحرم الخروج على ولي الأمر.
اذا هولاء غير وهابيين ومايقال عن علاقة الارهاب بالوهابية يقصد منه تشويه هذا الفكر؟
التطورات التي حدثت في المجتمع السعودي وفي المنطقة اثرت على تطور الخطاب الديني وتغيره وبالتالي المؤسسة الوهابية لم تعد واحدة متماسكة كما كان عليه الامر حتى قبل السبعينات ففي هذا التاريخ دخل التعليم الحديث ووفد فكر ديني مختلف من الخارج وبالتالي بدأت هذه الموسسة بالتفكك واصبحنا نشاهد مؤسسة دينية رسمية واخرى غير رسمية وصار داخل المؤسسة الدينية تيارات كثيرة اخوان وسروريين وجهاديين ووهابين جدد. اقول إن الوهابية لم تكن مسؤولة عن الارهاب فعمرها اكثر من 250 عام فلماذا لم يظهر الارهاب سوى في العشر السنوات العشر.
ظهر قبل سنوات من خلال السبلة وحركة جهيمان؟
حركة جهيمان العتيبي ارهاب وما قام به يندرج تحت الارهاب. اما السبلة فليست ارهاب.
ماهي؟
السبلة مواجهة بين منطق الدولة ومنطق القبيلة, فقد كان الاخوان جيش الدولة الذي وحدها وبخاصة تحت قيادة سلطان بن بجاد وفيصل الدويش وهذان الاثنان كان لهما مطامع سياسية ويريدان مقابلا سياسيا جزاء ما قدموه عسكريا. ففيصل الدويش من قبيلة مطير، ومطير تنتشر حول المدينة، وكان يريد زعامة المدينة وسلطان بن بجاد من قبيلة عتيبة وعتيبة تنتشر حول مكة وكان يريد زعامة مكة, والملك عبدالعزيز كان معترضا على مطامعهما وكان محقا وحكيما في اعتراضه، فمن غير المعقول ان تقام دويلات قبلية داخل الدولة, فكانت المواجهة.
في قضية اخرى هناك من يلقي على المناهج التعليمية مشكلة الارهاب وانها السبب في ظهوره؟
عندما تتساءل وتقول إن المناهج تدرس بهذه الطريقة لأكثر من ستين عاما فلماذا لم تكن سببا في حدوث الارهاب قبل سنوات فأنت على حق. لكن مع ذلك لانستطيع تبرئة المناهج التي اعتبرها عنصرا تضافرت معه عناصر أهمها الأوضاع السياسية المرتبكة في المنطقة، وما يتواكب معها من عدم إستقرار. الوجود الاسرائيلي والسياسة الاميركية في المنطقة تساعد وتبرر إنتاج وإعادة إنتاج هذا الفكر. الى جانب ذلك هناك مواقف وسياسات الحكومات العربية التي لا تتوقف عن مسايرة ومجاراة السياسة الأميركية، خوفا منها بشكل أساسي. هناك أيضا التعليم، وهو لدينا يعاني من مشاكل كثيرة . انظر للجغرافيا يسمونها الجغرافيا الاسلامية قسموا العالم ايديولجيا فانت عندما تدرس الجغرافيا تدرسها كعلم تتعرف من خلاله على طبيعة العالم ومناخه وتضاريسه لاتدرسها كايديولوجيا, اضف الى ذلك التاريخ لا يرد فيه شيء عن تاريخ اوروبا ولاعن التاريخ العربي وانا اواجه مشكلة مع طلابي فهم يجهلون تاريخ العالم. للأسف ما يمارس في مناهج التعليم هو اقرب للعزل الذهني فعندما تعزل عقلية الطالب وتحشوها في المقابل بمواد دينية تركز فيها على الولاء والبراء وفي منطقة ملتهبة غير مستقرة ماذا تتوقع ان يكون الرد.
الاتعتقد ان القائمين على المناهج التعليمة يرسخون لهذا العزل، انظر من ضمن الاضطراب الحاصل في المناهج السعودية ان الطالب يعلم ان الشيوعية والرأسمالية إلحاد وكفر ومع ذلك البلد الذي ينتمي له الطالب هو جزء من النظام الراسمالي العالمي اصبحت الدولة في مناهجها كأنها ضد نفسها؟
بالتأكيد سؤالك في محله فالدولة تعمل ضد نفسها. واعتقد السبب عجز الدولة امام المؤسسة الدينية ... فالدولة تصدر قرارات ولا يعمل بها بسبب رفض المؤسسة الدينية، يعني الخطاب الديني اقوى من الخطاب السياسي في السعودية.
وهل تعتقد انه اذا ما استمر الوضع بهيمنة الخطاب الديني وقوته امام الخطاب السياسي فإن البلد سوف يستمر في عزلته وتخلفه كما يرى البعض؟
بالتأكيد فالسعودية خارج السياق ولا تنتمي للقرن الواحد والعشرين والسبب هيمنة الخطاب الديني.
برأيك الى متى يستمر الخطاب الديني مهيمنا في السعودية؟
الى ان يعترف بأن الخطاب الديني واحد من الخطابات الموجودة في البلد لايتميز عنها بشي.
اذا لماذا لاتسعى الحكومة الى تجديد نفسها وايجاد مخرج لتحديث البلد والحد من هيمنة خطاب واحد يتهمه البعض بالإقصاء والتشدد والقسوة وقصر نظره وعدم المامه بما يحدث في العالم من تطور؟
المشكلة الآن، فالموظف في الحكومة وصل الى قناعة انه ان ابتغيت ان تسير في عملك وتحافظ على وظيفتك يجب ان تراعي مصالحك وتقر بالواقع اي ما يسير عليه غيرك داخل الحكومة فيجب ان تسير عليه. اتساءل معك او مع البعض الذي تستند عليهم في اسئلتك لماذا هذا الركون المبالغ فيه للخطاب الديني اعتقد السبب هو عدم تبلور فكرة اصلاح مناسبة للمرحلة الى جانب انه لاتوجد ارادة سياسية لتغيير الوضع.
او ربما السبب عدم الثقة في التيار المقابل وهو التيار الليبرالي؟
الحقيقة يبدو أن الحكومة تطمئن إلى التيار الديني أكثر من اطمئنانها إلى التيار الليبرالي. هناك اسباب عدة لذلك، أحدها سوء فهم وتقدير من قبل الدولة للتيار الليبرالي، والآخر حداثة هذا التيار، والاعتقاد بأنه لهذا السبب لا يخدم الدولة سياسيا. والعامل الثالث مرتبط بالذي قبله، وهو ضعف هذا التيار، وضعف قاعدته الإجتماعية، والرابع والأهم في نظري أن التيار الليبرالي لم يتحول بعد إلى أيديولوجيا واضحة ومؤثرة، ومن هنا هشاشة الإنتماء إليه، وبالتالي تقصير أصحاب هذا التيار في حق ما يقولون أنهم يؤمنون به فكريا وسياسيا.
يأخذ البعض على المناهج التعليمية السعودية رداءتها فهي تدرس ما يعود للقرون الهجرية الاولى فما يستفيد الطالب من معرفة "بنت لبون" "وجذعه" او كيف يستطيع الطفل الصغير ان يستوعب طريقة غسل وتكفين الميت؟
هذا خطاب لايقبله المجتمع وهذه مناهج تتنافى مع فطرة الأسوياء انظر الى كيف يدخل طفل صغير في قضايا اكبر منه, فندرسه مفهوم الكفر يعني موضوع كهذا جزء من علم الفلسفة والكلام والتوحيد ولايتحدث فيه سوى الضالعين في العلم ونناقشه امام طفل لا يتجاوز عمره عشر سنوات لا يعرف عن الكافر شيئا سوى ان اهله يقولون له "إن الكافر واحد مش كويس".
ايضا من المآخذ التي يؤاخذ بها البعض رداءة الإعلام.. فهو بعيد عن هموم الناس وان تغير قليلا في السنوات الاخيرة الى جانب انه إعلام يمارس دور "جابر العثرات" فلو نظرنا لتصريح الرجل الثالث في السياسة السعودية الامير سعود الفيصل الذي تحدث فيه عن ايران لم ينقل في وسائل الاعلام السعودية, يبدو انهم اعتبروا ما قاله الامير من حديث كان قويا عن ايران ربما استعجالا فمارسوا دور جبر العثرات ولم ينشروه على الرغم انه كان حديث وسائل الإعلام العالمية؟
اذكر اني تحدثت مع نائب رئيس تحرير لصحيفة سعودية فقلت لم تبق وكالة ولا قناة في العالم الا تحدثت عن تصريحات الامير سعود الفيصل اين صحيفتكم عن الخبر فلم يكن لديه اجابة. يبدو ان رؤساء تحرير الصحف السعودية غير مصدقين لتصريحات بهذا الوضوح والجرأة وهذا يحيلنا الى ما قلته في قناة الجزيرة بأن السعودية لا تواجه ومن هذا فمعرفتهم بأن بلادهم تتبع في سياستها عدم المواجهة جعلهم مرتبكين غير مصدقين على الرغم انه بامكان احدهم ان يرفع التلفون على الديوان الملكي او وزارة الخارجية او وكالة الانباء ويستفسر.
اصدر الشيخ عبد المحسن العبيكان فتوى حرم فيها الخروج على الحكومة العراقية , لماذا هاجمت العبيكان هجوما قاسيا وبمقالتين منفصلتين البعض استغرب ما كتبت وانت الذي لاتوجد لك خصومات مع احد؟
العبيكان لا اعرفه ومع ذلك احترمه كثيرا, لكن بصراحة ما قاله حول هذه المسألة كان فتوى سياسية، ولم تكن فتوى فقهية. اساس، ومنطلق ما قاله سياسي وليس فقهيا. لم يكن موفقا على الإطلاق. أراد أن يخرج موقفا سياسيا بآلية فقهية، ولم ينجح في ذلك. الموقف الذي عبر عنه عكس الحالة التي وصل إليها العرب والمسلمون من ضعف مهين. كيف يفتي العبيكان ويقول بأنه يجوز للكافر ان يعين ولي امر المسلمين؟
لكن الرجل اعلم بالدين واقدر على الفتوى واستند على نصوص دينية؟
النص الوحيد الذي إستند إليه هو ما جاء في القرآن عن قصة يوسف في انه قبل منصب وزير لدى عزيز مصر. وحقيقة استغرب ذلك فلا يوجد شبه بين الحالتين لعدة اسباب. فعزيز مصر لم يذهب ليوسف ويحتل بلده، ومن ثم يعينه. الذي حدث أن يوسف هو من ذهب الى مصر، وطلب منصبا من فرعون. ويجوز الاستناد على قصة يوسف في انه لو ذهب مسلم لبريطانيا مثلا واعطاه بلير منصبا ففي هذه الحالة ان شك في انه لا يجوز قبول منصب من كافر فيمكن ان يجد لنفسه مخرجا بالعودة لقصة يوسف. اما ان تأتي جيوش وتحتل بلدا مسلما عربيا وتعين من عندها حاكما لها، ثم يأتي شيخ مسلم ويقول بوجوب طاعته فهذا غير صحيح. وبودي ان اسأل العبيكان هنا هذا السؤال المتأخر: ماذا لوجاءت القوات الاميركية وإحتلت السعودية، واسقطت قيادتها واستبدلتها بقيادة اخرى. هل يعتبر العبيكان أن هذه القيادة المعينة من قبل الأميركيين شرعية , ولا يجوز الخروج عليها؟ انا لا أعتبرها شرعية على الإطلاق، ويجب مقاومتها، والعمل على إسقاطها. ولا اظن العبيكان يختلف معي في ذلك.
برأيك ان لم تكن تستند هذه الفتوى على نص ديني لماذا اخرجها العبيكان؟
كما قلت هذه فتوى سياسية لا دينية هدفها إظهار أن السعودية لا تريد الإصطدام مع السياسات الأميركية في العراق مع بداية الحرب هناك. وهذا تطلب بشكل أساسي إيجاد مبرر لمنع الشباب من الإستجابة لمطالب الجهاديين بالذهاب إلى العراق. لا شك في أن الهدف مشروع. لكنه هدف سياسي، وكان ينبغي التعامل معه على هذا الأساس من دون حاجة إلى زج الدين في الموضوع. إقحام الدين في الموضوع لم يكن له ما يبرره. يل إنه كشف الهدف السياسي بشكل لا يليق.
اخيرا قلت في حديث تلفزيوني قبل فترة ولم يسمح لك بتكملة اجابتك إن السوق السعودية تعرضت لعملية سرقة كبيرة, من الذي سرق سوق الأسهم السعودية؟
غياب الرقابة على السوق أو ضعفها، وغياب المعلومة عن الشركات المساهمة، وهيمنة المضاربين الكبار على السوق. أضف إلى ذلك نظام الإكتتاب في الأسهم الجديدة الذي يحابي المساهمين المؤسسين للشركات على حساب بقية المساهمين. كل ذلك جعل المساهم الصغير ضحية لأصحاب الثروات، أو الهوامير. تصور أن المساهم المؤسس يحصل مقدما على ملايين الأسهم. المساهم المكتتب لا يحصل إلا على فتات ما تبقى. المساهمون المؤسسون يسمح لهم بالإحتفاظ بما بين 70% إلى 80% من رأسمال الشركة، والباقي هو الذي يطرح للإكتتاب. أيضا لا يسمح إلا بطرح شركة واحدة للإكتتاب كل مرة. والنتيجة عرض ضئيل من الأسهم، في مقابل إقبال كبير على السوق. لهذا السبب كانت أسعار الشركات، وعددها قليل على أية حال، تتقافز، وتتضاعف بشكل غير طبيعي. خلال أسابيع قليلة تتضاعف قيمة السهم مئات المرات. كل ذلك شكل آلية من قبل أصحاب الثروات سمحت لهم بإستخدام أموال الصغار لمضاعفة ثرواتهم. ولأن الوضع كله لم يكن طبيعيا، والرقابة كانت ضعيفة، مع سيطرة البنوك على عملية الوساطة بين الشركات والمساهمين، حصلت النتيجة المتوقعة، وهي الإنهيار. من الذي خسر؟ صغار المساهمين، لم يخسروا أرباحهم، بل خسروا رؤوس أموالهم ايضا. أما الكبار فلم يخسروا نسبيا، وفي الأغلب إلا جزءا من أرباحهم. ماذا تسمي ذلك؟ مثلا أحد المساهمين المؤسسين في أحد الشركات الكبيرة كان يملك ستة ملايين سهم, وربح خلال اقل من سنة من طرح أسهم شركته للتداول ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون ريال سعودي. يقابله المساهم العادي الذي حصل بعد التخصيص على خمسة اسهم فقط. تخيل ربح هذا الأخير. ماذا تسمي نتيجة المقارنة بين الإثنين؟
*ايلاف