كيف حاول الغرب منع سقوط الخلافة العثمانية؟
في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن سقوط الدولة العثمانية هو نتيجة مؤامرات ومحاولات متعمّدة ومستمرة من الدول الغربية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، إلّا أن الحقائق التاريخية تفيد بالعكس. فسقوط الدولة العثمانية حصل بالرغم من محاولات الغرب الحفاظ عليها.
كانت الدولة العثمانية تُمثّل للقوى الغربية والإمبراطورية الروسية حماية لاستقلال واستقرار الشرق الأوسط، وسهولة التواصل والتخطيط معه، والعبور من خلاله؛ لذلك كانت القوى الأوروبية تهبّ لمساعدة الخلافة العثمانية من أي محاولة لإسقاطها.
في عام 1830م، عندما دخل إبراهيم باشا إلى الشام والأناضول ووصل بالقرب من عاصمة الخلافة، هبَّت روسيا بقيادة نيكولاي الأول للدفاع عن الدولة العثمانية وأنزلت قواتها في إسطنبول في عام 1833م حتى تراجع جيش مصر عن حدود تركيا ودفع ضرائب عن الأراضي التي وقعت تحت سيطرته بحسب اتفاقية كوتاهية.
بعد 6 سنوات، وعندما فشلت الدولة العثمانية في استعادة مستعمراتها من حاكم مصر، كان الدور هذه المرة على بريطانيا وأوروبا لمساعدة الخلافة، باستثناء فرنسا، وتم في لندن توقيع "اتفاقية لندن 1840م" للدفاع عن الدولة العثمانية ضد أي اعتداء.
حينها قامت القوات البريطانية بقصف قوات محمد علي باشا في بيروت بمساعدة القوات النمساوية. بعدها بأيام، استسلمت بيروت للعثمانيين، بعدما ظهرت القوات البريطانية في الإسكندرية، عرف محمد علي باشا أن اللعبة انتهت وسلَّم كل شيء.
في هذا الوقت قررت فرنسا الوقوف مع الدولة العثمانية، وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1840م، وقّع محمد باشا على التنازل عن جميع الأراضي التي احتلها من الدولة العثمانية، كانت القوى الأوروبية مستعدة لفعل أي شيء لمنع سقوط الدولة العثمانية، وفي فبراير/شباط من عام 1841م انسحبت جميع قوات محمد علي باشا إلى مصر.
كانت القوى الأوروبية أيضاً مستعدة حتّى لمساعدة الدولة العثمانية في حروبها مع إمبراطوريات أخرى. ففي عام 1854م، دخلت القوات البريطانية والفرنسية للبحر الأسود للدفاع عن الدول العثمانية في حربها مع روسيا بعد معركة سينوب. نعم، حرب القرم الكبرى، التي دخلت فيها فرنسا وبريطانيا، كان سببها خلاف داخلي ديني بين الإمبراطورية الروسية والعثمانية.
انتهت الحرب بعد سنتين بهزيمة الروس والحفاظ مرة أخرى على مستعمرات الخلافة العثمانية من قِبَل القوى الأوروبية في واحد من أكثر الصراعات دموية في التاريخ الأوروبي الحديث.
حتى في أواخر أيام الخلافة العثمانية (رجل أوروبا المريض كما يُطلق عليها)، لم تتوقف القوى الغربية عن محاولة إنعاشها. عندما كان التجمع البلقاني (حروب البلقان) في عام 1912 - 1913م يريد الاستقلال وإسقاط إسطنبول، تدخلت روسيا وبريطانيا لصالح العثمانيين. عرض وزير الخارجية الروسي التوسط بين العثمانيين ودول البلقان وحذر تلك الدول من محاولة الدخول للأراضي العثمانية، بينما كان وزير خارجية بريطانيا يضع اللمسات الأخيرة لإنهاء الخلاف في مؤتمر لندن للسلام عام 1912-1913.
دخول الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى لم يكن بسبب ضغوط من القوى الغربية أو تلاعب منها. روسيا، بالإضافة إلى بريطانيا عن طريق وزير خارجيتها إدوارد غراي وقتها والأدميرال تشرشل، فعلوا ما بوسعهم لتحذير العثمانيين من الدخول في الحرب والبقاء في الحياد مع تقديم ضمانات لحمايتها. رغم هذا، قررت الدولة العثمانية الدخول في الحرب العالمية الأولى في 2/8/1914م خلال شهر تقريباً من اغتيال ولي عهد النمسا في 28/6/1914م في اتفاقية سرية عُرفت بالحلف العثماني الألماني.
لا نخفي بأن هناك دوافع أخرى للقوى الغربية في مساعدة الدولة العثمانية، منها تأمين طرق الملاحة والطريق للشرق، ولكن هذا لا يمنع حقيقة أن القوى الأوروبية كانت لا تريد سقوط الدولة العثمانية بعكس ما يعتقده الكثيرون، مهما كانت دوافعها الأخرى.
كما لا نخفي أيضاً أن القوى الأوروبية انتهكت حدود المستعمرات العثمانية (الجزائر، تونس، ليبيا). ولكن مثل هذه الانتهاكات كانت شائعة بين الأصدقاء الإمبرياليين (العثمانيين، بريطانيا، فرنسا وغيرهم) ولا يؤثر على مركز قوى الدولة العثمانية.
التدخل الوحيد في مركز قوى الدولة العثمانية كان تدخل بريطانيا في مصر في عام 1882م، ولكن حتى هذا التدخل كان وليد الصدفة وليس مخططاً له ولا مرغوباً به من الحكومة البريطانية؛ بل كان التدخل البريطاني بسبب محاولة منع أحمد عرابي من الانقلاب على الخديو توفيق باشا وحاكمه الإمبريالي عبد الحميد الثاني.
محاولات بريطانيا وقتها لإقناع السلطان عبد الحميد الثاني لإرسال قوات إلى مصر لحماية حكم الخديو توفيق باءت بالفشل.
رفض رئيس الوزراء البريطاني وقتها ويليام غلادستون عرضاً من السلطان عبد الحميد الثاني عن طريق سكرتيره الخاص عام 1882م باحتلال مصر وإعطاء بريطانيا السيطرة الحصرية على مصر! هذه الفوضى أدت في نهاية المطاف لاحتلال بريطانيا لمصر حتى عام 1922م.
إذا كان هناك أي شيء نستفيده، فإن سقوط الإمبريالية العثمانية كان بسبب ضعفها وتدهورها المركزي، ومشاركتها في الحرب العالمية، والثورات العربية الداخلية المضادة.
الغرب فعل كل شيء لإنعاش رجل أوروبا المريض ولكنه فشل في النهاية.