منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كيف سقطت الخلافة العثمانية؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Empty
مُساهمةموضوع: كيف سقطت الخلافة العثمانية؟   كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Emptyالخميس 30 أبريل 2020, 1:30 pm

[rtl]كيف سقطت الخلافة العثمانية؟[/rtl]

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Nikopol_dmitriev-e1573768923936

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟
سقوط الخلافة
د. ليلى حمدان - 15 نوفمبر، 2019
مثلت الدولة العثمانية آخر شكل لدولة الخلافة الإسلامية التي عرفها العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وبعثة النبوة.
وقد أنجزت الدولة العثمانية -مثل الدول الإسلامية السابقة– إنجازات كبيرة كان من أبرزها فتح القسطنطينية التي كانت تمثل معقل الكنيسة الأرذوكسية وعاصمة الإمبراطورية البيزنطية العريقة.
وتمكنت الدولة العثمانية من خلال هذا الفتح من فتح أوروبا الشرقية برمتها، ووصلت جيوشها لأبواب فيينا، كما رافق هذا النفوذ المتصاعد نهضة حضارية وعلمية كانت أحد ملامح قوتها، فكانت الدولة التي لا تضاهيها دولة من الدول بما أحرزته من الأملاك الواسعة في قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ورغم أوج النجاح الذي بلغته الدولة العثمانية إلا أن انهيارها كان سنة كونية كما أصّل لذلك ابن خلدون في خلاصاته، حيث يتوقع من كل دولة تقوم في هذا العالم وتزدهر أن تصل لمرحلة الرفاهية والرخاء، ثم تبدأ أسباب سقوطها بالظهور وما تلبث أن تندثر.

أسباب السقوط

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 6_37-e1573769076813
لكن سقوط الدولة العثمانية  قبل قرن من الزمان لم يكن مجرد سقوط نموذجي لدولة عظمى، بل تسببت في هذا السقوط مؤامرات كثيرة أكبر من تلك التي تعرضت لها الدول الإسلامية التي قامت وسقطت قبلها.
وكانت بداية هذا السقوط بضعف تدريجي نال من مفاصل الدولة من الداخل منذ القرن السابع عشر، بعد انغماس السلاطين العثمانيين في الملذات والترف على عكس ما اعتاد عليه سلاطين الدولة العثمانية في بداية عصرها أمثال محمد الفاتح من حياة زهد وورع.
وتراجعت مع نزعات الترف الفتوحاتُ التي دأب عليها العثمانيون وأوصلت سيطرتهم إلى وسط أوروبا.
وحين توقف توسع الدولة العثمانية طمع أعداؤها من حولها في التوسع والاستيلاء على أجزاء منها، فانتزع الروس والصرب بعض المناطق والمواقع المهمة.
وارتفعت وتيرة المعارك على النفوذ في القرن الثامن عشر بين الدولة العثمانية من جانب والروس والنمسا في الجانب الآخر، ولم يتمكن الروس من الانتصار على المسلمين إلا بعد إشعال نار فتنة داخلية بفتيل المسيحيين في الداخل.
في هذه الأثناء التي انشغلت فيها الدولة العثمانية بالحروب، كانت أوروبا تتقدم علميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا بشكل لافت. وهو ما دفع العثمانيين للاستعانة بالخبرات الغربية الأوروبية التي دخلت بلاد المسلمين، يرافقها الفكر الغربي العلماني الذي بدأ أول دخول له في العالم الإسلامي.
لكن انهيار الدولة العثمانية العسكري تجلى بشكل واضح بعد الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها حليفةً لألمانيا والنمسا المنهزمتين، وانتهت الحرب بنتائج وخيمة على الدولة العثمانية، حيث دخلت جيوش الحلفاء الآستانة وسيطروا عليها وعلى المضائق (البوسفور والدردنيل)، واحتلت اليونان الأقسام الغربية من الدولة، في حين سُلِخت الولايات العربية وقُسِّمت إلا دويلات صغيرة سيطرت عليها دول الحلفاء.
ويرجع هذا الانهيار العسكري غالبًا للصعود اللافت للقوى المخابراتية الأوروبية التي نشطت أكثر مما كانت عليه من قبل، يدعم هذا الصعود التغلغل الإسرائيلي في أنظمة الحكم الأوروبية ونجاح الصهيونية في كسب تحالف دول أوروبا.
ولا شك أن الصراع مع الغرب كان قائمًا منذ لمع نجم الدولة العثمانية، وكانت محاولات عديدة من أوروبا لتفتيت القوى الإسلامية وتغريبها، لكن المسلمين تصدوا لهذه المحاولات بنجاح، وإن فشلوا في بعضها فسريعًا ما كانوا يستدركون وينهضون من جديد لأن وحدتهم كانت عاملًا قويًا في بقائهم.
وتمكن الأوروبيون من تشكيل خلايا نائمة عبر الأقلية المسيحية في داخل الدولة العثمانية، ونشطت هذه الخلايا بوضع الخطط والمؤامرات والاغتيالات داخل القصور في وقت انشغل فيه السلاطين بحياة الترف، وتراكمت الديون بعد إفلاس خزينة الدولة، وظهر التعصب القومي وتفشت الدعوات القومية التركية (الطورانية).

المؤامرات الخارجية

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 59c8ea8045d2a027e83cd1df
بدورها لعبت المؤامرات الخارجية دورًا حاسمًا في سقوط الخلافة العثمانية، وكانت الماسونية حجر الأساس في هذه المؤامرات، ففي سنة 1721 تأسس أول محفل ماسوني في إسطنبول في الدولة العثمانية، ولم يكن الأول فقد تأسست عدة محافل أخرى واستقطب العثمانيون الأفكار العلمانية.
جمعت هذه المحافل كبار المفكرين الليبراليين والشيوعيين والقوميين والإباحيين وغيرهم من الذين رسموا الخريطة الأيديولوجية للعصر الحديث.
وبدأ إعداد جميع الأفكار اللادينية في هذه المحافل بشكل سري ومعلن.
وتزامن مع هذا النشاط الماسوني المتصاعد نشاط آخر لطائفة يهود “الدونمة”، وهم يهود في داخل الدولة العثمانية أخفوا يهوديتهم وتظاهروا بالإسلام في حين كانوا يعملون على محاربة هذا الإسلام من الداخل. وكانت هذه الطائفة تدعم المحافل الماسونية بقوة كما نشطت في إدخال الأفكار القومية إلى الدولة العثمانية، وكانت تدعمها أوروبا بشكل سري ومعلن.
وفي عام 1876 استلم السلطان عبد الحميد الثاني زمام الحكم في الدولة العثمانية التي كانت تسمى حينها بـ “الرجل المريض”.
ووجد عبد الحميد الثاني الدولة تعاني من ضعف داخلي وخيانات وانشقاق دويلات وتربص الأوروبيين، ثم جرأة الصهيونية التي طالبته ببيعها فلسطين، وهو الطلب الذي رفضه السلطان في موقف تاريخي شهير سُجِّل في سيرته.

جمعية تركيا الفتاة وتنظيم الاتحاد العثماني

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 1908-mesrutiyet
لم يتوقف نشاط الماسونية في فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، بل تطورت لتشكيل جمعية تركيا الفتاة، وبنفس شعارات الماسونية وبإعلان المعارضة للسلطان.
والجدير بالذكر أن جمعية تركيا الفتاة فتحت أول مكاتبها في باريس وبرلين قبل أن تفتتحها في داخل الدولة العثمانية، كما نشطت جمعية العربية الفتاة المماثلة لها في بلاد العرب.
وظهر تنظيم الاتحاد العثماني، وهو جناح سري تشكل من الضباط العثمانيين المعارضين بقوة للسلطان عبد الحميد الثاني.
ثم ما لبثت أن توحدت جمعية تركيا الفتاة مع تنظيم الاتحاد العثماني في عام 1906 لتشكيل منظمة جديدة هي جمعية الاتحاد والترقي.
وبدأت المنظمة الجديدة باستقطاب الضباط والنخب الفكرية والسياسية والمالية داخل الدولة العثمانية، وبدأت تسيطر على مشهد الحكم في حين لم يتمكن السلطان عبد الحميد الثاني من مقاومتها.
ولم يلاقِ السلطان أي دعم من الدول العربية التي كانت تخطط للثورة العربية وإعلان الحرب على تركيا، تؤزها في ذلك بريطانيا التي وظّفت أبرز شخصية عرفها التاريخ في تلك الحقبة، وهو توماس إدوارد لورانس المشهور بـ«لوارنس العرب» الذي هيأ جميع الظروف لبسط سلطان الاحتلال البريطاني في المنطقة بعد أن كسب ودّ الشريف حسين في جزيرة العرب وتحالف معه، كما ورد فى كتاب “ثورة في الصحراء”. وهو نفسه لورانس الذي قال متحدثًا عن سياسة بريطانيا في تلك المرحلة: “لقد وضعنا بمهارة مكة في مواجهة استانبول والقومية ضد الإسلام”. وقال في مناسبة أخرى: “علينا أن ندفع بالغرب لانتزاع حقوقه من تركيا بالعنف … لأننا بهذا نقضي على خطر الإسلام وندفع به ( أي الإسلام) لإعلان الحرب على نفسه وبذلك نمزقه من القلب، إذ ينهض في مثل هذا الصراع خليفة في تركيا، وخليفة في العالم العربي، ويخوض الخليفتان حربًا دينية، وبذلك يُقضى على خطر الخلافة الإسلامية بصورة نهائية”.
من جانبها تمكنت جمعية الاتحاد والترقي الماسونية من تغيير الدستور وتغيير نظام الدولة ووصلت قوتها في عام 1909 إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني في مشهد يكشف درجة تغلغل الصهيونية في البلاد، حيث تقدم رئيس معبد سالونيك الماسوني اليهودي “عمانوئيل قره صو” ليسلم السلطان باليد قرار عزله، وتم تعيين محمد رشاد سلطانًا للدولة العثمانية بدلًا من السلطان عبد الحميد الثاني الذي نفي إلى مدينة سالونيك.

تأجيج العداء

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Jon-turkler-1-e1573769949147
وكانت جمعية الاتحاد والترقي ويهود الدونمة وراء العديد من التهم التي ألصقت بالدولة العثمانية، مثل تهجير الأرمن واضطهاد العرب في بلاد الشام، وحملات التتريك الإجباري للجنسيات غير التركية كالشركس والأكراد والأرمن، فضلًا على حربهم الشرسة ضد السلطان عبد الحميد واتهامه بالاستبداد.
ومن بين أبرز ضباط جمعية الاتحاد والترقي الذي اشتهر بجرائمه في الدولة العثمانية جمال باشا السفاح الذي حكم العراق ثم سوريا وحاول أن يحكم مصر أيضًا. وكان ممن تآمروا لعزل السلطان عبد الحميد الثاني مع قائدين بارزين في الجمعية، طلعت باشا وأنور باشا.
وألصقت الجرائم التي نفذها ضباط جمعية الاتحاد والترقي بالدولة العثمانية في حين كان هؤلاء الضباط أنفسهم أعداء لهذه الدولة.
ومع تصاعد النفوذ الماسوني العلماني في المنطقة اصطدمت جمعية تركيا الفتاة مع مثيلتها العربية الفتاة مع أنهما من أصل واحد، ذلك أن الأولى كانت تنادي بالقومية التركية والثانية تنادي بالقومية العربية.
واستمرت سياسة التفرقة وتأجيج العداء في تحقيق مفعولها في تفتيت الدولة العثمانية، وساهمت في هذا الكيد روسيا القيصرية التي لم تنقطع عن إثارة الفتن بين دول البلقان، وتأليبهم على الحكم العثماني، ومدهم بالسلاح بدعوى التخلص من حكم المسلمين.

كمال أتاتورك

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D8%AA%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%83-e1573770042356
بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني قامت الحرب العالمية الأولى، في عام 1914. وخلال هذه الحرب، برز مصطفى كمال أتاتورك، ضابط في الجيش العثماني، يرجح المؤرخون أنه كان من يهود الدونمة.
بدأ إدخال أتاتورك تدريجيًا في المشهد العسكري، حتى تولى قيادة معركة جناق قلعة (جاليبولي)، وتصدى لجيوش فرنسا وبريطانيا، ويرجح المؤرخون أن الانتصار الذي حققه أتاتورك جاء بالاتفاق مع الفرنسيين والبريطانيين للانسحاب والتظاهر بالهزيمة، من أجل تلميع رجلهم الجديد أتاتورك الذي أصبح البطل العسكري والوطني في نظر المسلمين.
وانتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، واحتلت الجيوش الغربية إسطنبول عاصمة الخلافة، وكانت نكبة جديدة للعالم الإسلامي، وبدأت عملية تقسيم جسد الرجل المريض بعد أن سقط القناع عن الأطماع الحقيقية لأوروبا في العالم الإسلامي.
وتقاسمت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا بلاد العرب رغم وعود مسبقة لهم بتحريرهم من الأتراك.
ولم يكن دور السلطان العثماني محمد وحيد الدين خليفة الدولة العثمانية آنذاك يخرج من دائرة توقيع المعاهدات، مثل معاهدة سيفر عام 1920م وهو في أضعف مواقفه بعد أن مُزِّقت أوصال دولته.
ولتستمر المسرحية مؤثرة، أعلن أتاتورك المقاومة، وحارب اليونان التي تعتبر أضعف رقم في سلسلة الحلفاء.
وزاد رصيد أتاتورك الشعبي بعد أن تراجعت اليونان عن الأراضي التي احتلتها من الدولة العثمانية، والتصق هذا النصر بكمال أتاتورك في موقعة سقاريا عام 1921 م.
وطد الرجل الجديد علاقاته مع فئات المجتمع المؤثرة وبدأ يخطب في يوم الجمعة ويدعو ويصلي أمام الجماهير، وكان في كل جولاته يصطحب زوجته لطيفة هانم وهي تلبس الحجاب، فاشتهر كرجل دين وقائد إسلامي، ولكن إلى حين.
وفي الواقع، فإن حكم الاتحاديين القومي اللاديني مهد لأتاتورك مرحلة التغيير الأشد خطورة، بين عامي 1908 و1918م الذي عرفته تركيا.
وعمد أتاتورك باتباع السياسات البريطانية التي أدت إلى عزل السلطان محمد وحيد الدين ليحل محله ابن عمه السلطان عبد المجيد الذي وقع معاهدة لوزان سنة 1340 هـ / 1923م[19] بعد ثلاثة أيام من توليه الخلافة، وتنازل فيها للغرب عن كل الأراضي العثمانية التي بأيديهم باستثناء تركيا، ثم خُلِع بعد انتهاء وظيفته.
وبدأت مرحلة جديدة، حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك نفسه رئيسًا للجمهورية التركية في أواخر أكتوبر عام 1923، مبتدأ مشواره بنفي آخر خليفة من العثمانيين.
ويجدر الذكر أن العديد من الدول الإسلامية كانت تطمع مع صعود أتاتورك للحكم أن تعود معه الخلافة الإسلامية، وحصل الأخير على مراسلات عديدة يعلن فيها أصحابها البيعة له ويحثونه على إعلان نفسه خليفة للمسلمين، لكن أتاتورك كان مبرمجًا لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم في المنطقة، وكانت هذه البرمجة تقضي بإلغاء مسمى الخلافة وإعلان دولة جمهورية على طراز الغرب.
وفعلًا، رفض أتاتورك بيعات الخلافة، وبعد 5 أشهر من استلامه للحكم في 24 مارس في عام 1924 م، أعلن أن تركيا الجديدة ستكون جمهورية على الطراز الأوروبي وأصدر مع هذا الإعلان قرارًا بإسقاط الخلافة.
في هذه الأثناء، كان العرب تحت صدمة الخيانة من بريطانيا، فقد استيقظوا على وقع القوات الأوروبية تحتل بلادهم بدل الوفاء بوعودها لاستقلاليتهم، وكانت مهمة الأوروبيين سهلة أمام شعوب بلا جيوش ولا دولة ولا كيان أو أي نظام يحكمهم بعد انفصالهم عن الدولة العثمانية التي كانت تدير حياتهم.
يقول لورنس العرب في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة): “لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح أوراقًا ميتة، ولو كنت ناصحًا شريفًا للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم، لقد كان قادة الحركة العربية يفهمون السياسة الخارجية فهمًا عشائريًا بدويًا، وكانت بريطانيا والفرنسيون يقومون بمناورات جريئة اعتمادًا على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم، ولهم ثقة بالعدو … إنني أكثر فخرًا أن الدم الإنجليزي لم يُسفك في المعارك الثلاثين التي خضتها، لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد).!!
واستمر هذا الاحتلال حتى تمكن من تثبيت أنظمة حكم موالية وطائعة له لا تزال إلى يومنا.

إعلان الحرب على الإسلام

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 5641ac710f25447b3c58734b-e1573770265375
وبهذا تمكن كمال أتاتورك بانفصاله عن العالم الإسلامي من فك الارتباط بين الشعب التركي والإسلام الذي كان سبب تألق دولته العثمانية، ثم بدأ حربه على الإسلام علانية بجملة قرارات دخلت حيز التنفيذ دون تسويف.
ففي عام 1928، صدر قرار بتغيير الحروف الأبجدية من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية في استهداف مباشر للغة العربية التي بدأت تندثر مع الأجيال الصاعدة=.
وأطلق رئيس جمهورية تركيا الجديدة حملة سماها “الثورة الحرفية” لمسح كل نص مكتوب بالحروف العربية، ووصلت عقوبة من يستعمل الحروف العربية لحد الإعدام.
وأطلق العلمانيون مشروع بيع أرشيف الدولة العثمانية لمن يريده كوسيلة للتخلص منه، ووصل سعر الكيلو من هذه الوثائق لـ3 قروش فقط، فاشترت بلغاريا 50 طنًا من هذه الوثائق لتكتشف لاحقًا أنها اشترت مليون ونصف المليون وثيقة فيها كل التاريخ العثماني الحديث، ثم بيعت أجزاء من هذه الوثائق بعد سنوات بملايين الدولارات مما عدّ صفقة رابحة جدًا.
ومُنع الأذان باللغة العربية والحجاب في المؤسسات الحكومية، وأُغلِقت المدارس الدينية وآلاف المساجد والزوايا الصوفية، وكذلك المؤسسة الدينية الوقفية، وأُجبِر الرجال على لبس البرنيطة الأوروبية.
بل بدأت محاربة الشعائر الإسلامية بالقوة حيث مُنع اللباس الشرعي واعتدى رجال الأمن على النساء المتحجبات في الشوارع وأجبروهن على خلع غطاء الرأس.
ولم تسلم المناهج التعليمية من زلزال التغيير، حيث تم استبدالها بمناهج غربية بحتة كما حوربت مجالس العلم والفقه وكل ما يتعلق بدراسة العلوم الإسلامية التي أصبحت جريمة لا تغتفر لمن يطلبها.
وأعلنت العطلة الأسبوعية لتكون يومي السبت والأحد بدلا من الخميس والجمعة.
وبدل اعتماد التقويم الهجري كما اعتاد الأتراك إبان حكم الدولة العثمانية فُرض التقويم الميلادي بقرار حكومي صارم.
أما في القضاء فتم اعتماد قانون العقوبات الإيطالي والقانون المدني السويسري بدل قانون الشريعة الإسلامية.
وأدرجت العلمانية علنًا كمبدأ في الدستور في عام 1937.
والجدير بالذكر أن كل هذه القوانين الجديدة المختلفة بشكل جذري عما سبق واعتاده الأتراك، تم تنفيذها خلال أقل من 15 سنة فقط بقوة القمع والإرهاب الحكومي[23].
ويسجل التاريخ في هذه الحقبة أن أول امرأة خلعت الحجاب كانت زوجة أتاتورك، وبدل إلقاء الخطب، بدأ الرئيس الجديد يرقص مع زوجته في كل المناسبات وعلى الطريقة الغربية[24] وظهر الوجه الحقيقي للبطل الإسلامي المصطنع.

الإملاءات الغربية

وفي الواقع لم يكن أتاتورك يأتي بقوانين من تلقاء نفسه، بل كان ينفذ إملاءات أوروبا عليه، كما تشهد لذلك معاهدة لوزان التي اشترطت فيها الدول الكبرى، لا سيما بريطانيا، على كمال أتاتورك وعلى لسان كرزون – وزير الخارجية بريطانيا آنذاك – شروطًا أربعة وهي:
[list="box-sizing: border-box; margin-bottom: 1rem; text-align: justify; padding-right: 0px; list-style: none; margin-top: 10px !important; line-height: 28px !important;"]
[*]إسقاط الخلافة الإسلامية إسقاطًا تامًا.
[*]إعلان علمانية الدولة وقطع كل صلة لها بالإسلام ومحاربة الشعائر الإسلامية.
[*]طرد الخليفة وجميع آل عثمان خارج الحدود ومصادرة أموالهم وأملاكهم.
[*]اتخاذ دستور مدني غربي بدلًا من الدستور العثماني المستمد من الشريعة الإسلامية.

[/list]

 وطمأن كمال أتاتورك الأوروبيين بتنفيذ كل شروطهم، وانسحبت بالمقابل دول الحلفاء من تركيا بمباركة كرزون والذي طمأن بدوره مجلس العموم البريطاني الذين كانوا يخشون عودة تركيا لاحتلال أوروبا قائلًا: “لن تقوم لتركيا قائمة بعد أن جردناها من الإسلام والخلافة”. وبالفعل عاشت تركيا مرحلة سلخ تام من الدين عاش خلالها الشعب التركي حربًا شديدة على الإسلام وكل ما يتصل به.
وبعد هذه الرحلة المحفوفة بالمؤامرات، أصبحت الماسونية العلمانية تسيطر على مقاليد الحكم وأصبحت معها تركيا دمية في يد اليهودية التي مثلتها طائفة الدونمة.

صدمة سقوط الخلافة

وأصبح سقوط الدولة العثمانية واقعًا وحقيقة استيقظ على عواقبه العرب منهزمين ومصدومين يرددون “أُكِلت يوم أكل الثور الأبيض”.
وفي الواقع، عايش المسلمون في هذه الحقبة الصدمة الحقيقية التي فقدوا معها البوصلة وأدركوا فداحة أخطائهم، ولكنهم غرقوا حينها في دوامة الاحتلال وتداعياته؛ ما أدخلهم في مرحلة التيه التي لا تزال مستمرة إلى اليوم، وخسروا مع هذه الصدمة كل مقومات النهضة والاستدراك، ويعود السبب الأول لهذا الضياع فرقتهم وتشتتهم والأحقاد التي تعمقت في نفوسهم، ثم بعدهم عن عقيدة الإسلام منهجًا ومنظومة حياة.
ولم تقم بعد هذا السقوط دولة خلافة في العالم الإسلامي، بل استشرت سياسة «فرق تسد» منذ معاهدة سايكس – بيكو، ووعد بلفور التي أعقبت سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها، ثم تجلت آثار التغريب العميق الذي كان يستهدف أركان الفكر في هذه المنطقة لإجهاض أي فرصة عمل للخلافة. وبدأت ثورة داخلية بين الإسلام وأعدائه، لم تنتهِ فصولها بعد رغم الضعف الذي اكتنف بنيان المسلمين.
ورغم توثيق خياناته وثبوتها، لا زالت تركيا تتغنى بأتاتورك كبطل قومي، وتفتخر بتقديس قبره الذي يحمل ملامح الماسونية بلا خجل.


المصادر
[list=row]
[*]كتاب تاريخ الدولة العثمانية
[*]كتاب كيف سقطت الدولة العثمانية
[*]كيف سقطت الدولة العثمانية لسليمان بن صالح الخراشي
[*]خيري حماد - الصهيونية
[*]كتاب الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام
[*]كتاب تاريخ الدولة العلية
[*]كتاب تاريخي وذكرياتي لرضا نور
[*]شكيب أرسلان عن أعمال مصطفى كمال في تركيا
[/list]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف سقطت الخلافة العثمانية؟   كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Emptyالخميس 30 أبريل 2020, 1:30 pm

المؤسس عثمان بن أرطغرل وبزوغ دولة العثمانيين




كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D8%B1%D8%B7%D8%BA%D8%B1%D9%84



الخلافة العثمانية
د. ليلى حمدان - 7 مارس، 2020
في يوم من أيام سنة 656 ه،ـ المُوافقة لسنة 1258 م، استيقظت الأمة الإسلامية على فجيعة سقوط بغداد، حاضرة الخلافة العباسية ومقتل آخر خليفة عباسي  “المستعصم بالله”، وأصيبت القلوب بالصدمة، والألسنة بالذهول؛ فعجزت عن وصف هول المجازر والجرائم التي سطّرها التتار المغول السفاحون في المنطقة، حيث اكتسح اللون الأحمر المشهد، وقُتل أكثر من مليون شخص، وتغير لون النهر لحجم الدم المسفوك وحجم حبر الكتب المهدورة، وهُدمت معالم حضارة بزغت لعقود بشكل لم يسبق له مثيل. فتفشى شعور اليأس بين المسلمين وتحطمت الآمال في محنة التتار. لكن القدر كان يخبئ لهذه الأمة صناعة مجد عجيب؛ ففي الجانب الآخر من الخريطة حيث كانت قبيلة قايى التركية المسلمة تحتضن مولودها الجديد في نفس هذا اليوم الكارثي، في خيمة زعيم القبيلة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه وزوجته حليمة خاتون. سماه والده باسم عثمان خان، تيمنًا باسم الخليفة الثالث وأحد المبشرين العشرة بالجنة: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ولم يكن يعلم أرطغرل يومئذ أن أصغر أبنائه سنًا، عثمان، سيقترن اسمه بقيامة دولة إسلامية مترامية الأطراف تعيد للخلافة التي اندثرت في بغداد أمجادها، وتسجل أحد أروع سير بناء الدول في تاريخ المسلمين، وتنال شرف فتح القسطنطينية عاصمة الروم البيزنطيين سنة 1453 م، كما نبأنا بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، وهو ما سيُحدِث انعطافة تاريخية عالمية بنهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة بحسب المؤرخين. دولة يدوم ملكها لـ6 قرون متواصلة، تترامى أطرافها شمالًا وغربًا في أوربا، وتملك بلاد القرم ومحيط البحر الأسود وبلاد القفقاس وأوربا الشرقية وبلاد البلقان، وتصل إلى وسط النمسا وشمال إيطاليا، فكانت أول دولة مسلمة في التاريخ الأوربى تصل بجيوشها الجرارة إلى قلب أوربا. وتنعطف جنوبًا لتملك الشام والعراق، والحجاز واليمن، ثم وسط شمال إفريقيا وأكثر جزر البحر الأبيض المتوسط، وتستلم مفاتيح مصر وتستلم معها مقاليد الخلافة من آخر الخلفاء الرمزيين لبني العباس الذي كانوا في القاهرة في كنف دولة المماليك سنة 922 ه، وتزدان بتاريخ ماجد جمع شتات المسلمين تحت رايتها، راية الجهاد التي شقت الأرض دفعًا وطلبًا في مواجهة دول وممالك أوربا الذين ورثوا راية الروم بعد سقوط القسطنطينية.
ولا شك أن أرطغرل الذي تمرّس فنون الفروسية وشهدت له الأرض بمسيرة جهاد مبهرة وفتوحات مثيرة أور ابنه أسرار النجاح والوصايا النيّرة التي فعلت مفعولها في مستقبله، كما ورثها من والده سليمان شاه الذي قضى نحبه غرقًا أثناء عُبوره نهر الفُرات بِحصانه؛ فأفلحت تربيته وبارك الله في نسله عقودًا متوالية.
وقبيلة قايي التركية الغُزيَّة (الأوغوزيَّة) التي يقال إنها تعود إلى بيافث بن نوح، دفعها تقدمُ المغول في أوائل القرن الثالث عشر الميلاديّ إلى النزوح غربًا صوب الأناضول، حيثُ سكنت في منطقة تابعة لسلطنة السلاجقة، وحازت على دعم الدولة السلجوقية وسلطانها علاء الدين الذي أقطع أرطغرل مناطق كثيرة بعد أن حاز على ثقته بسبب شجاعته وحبه للغزو والقتال.
وحين توفي أرطغرل عن عمر يناهز التسعين بمرض النقرس بعد سيرة حافلة بالفتوحات والانتصارات، كان قد أسس لقبيلته ولدولة السلاجقة مكانة قوية في المنطقة. وأورث هذه المكانة لابنه عُثمان وهو في سن الرابعة والعشرين على الأرجح، نظرًا لكفاءته وقدراته القيادية التي أظهرها خلال مرافقة أبيه في الحروب والغزوات وخلال مجالس القضاء والمشورات، فاستلم عثمان قيادة القبيلة واستمر على نهج أبيه، وحقق نجاحات مبهرة. وكذلك فعل خُلفاؤه، فقد تابعوا الحملات التي بدأها عثمان إلى أواسط القرن السَّابع عشر الميلاديّ، لتتحول الإمارة التي وضع أُسسها إلى إمبراطورية عالمية كبرى.

فصول من مراحل بناء الدولة


وأشار عدد من المُؤرخين إلى أن عثمان قد خاض معركة داخلية شرسة انتهت بضبطه السيطرة على مقاليد حكم قبيلته، وكانت هذه المعركة على العرش مع أقرب أقاربه، عمه “دوندار غازي”. وفي هذا الشأن نقل قادر مصر أوغلو في كتابه”مأساة بني عثمان” عن المؤرخ التركي خير الله الهندي الذي عاصر عثمان بن أرطغرل، أن دوندار كان طرفًا في مؤامرة اتفق على تدبيرها بالتعاون مع حاكم مدينة “بيله جك” البيزنطي، تستهدف اغتيال عثمان تمهيدًا لوثوب دوندار إلى الزعامة خلفًا لعثمان، فلما انفضح أمر المؤامرة نفذ عثمان حكم الردة كأحد أحكام الشريعة الإسلامية في عمه جزاء جريمته في موالاة أعداء الإسلام والتآمر معهم ضد جماعة المسلمين فقتله.
ومن بين الروايات لكيفية استلام عثمان الحكم، تلك التي تشير إلى إعجاب السُلطان السلجوقي علاء الدين بعُثمان وبشجاعته وإقدامه، حتى قال عنه: “أنا أنتظر مثله مُنذ سنوات”، ثم نصّبه زعيمًا على قبيلته دون معارضة من أفرادها. 
وبدوره قام عثمان بإثبات جدارته بالحكم، فانطلق في الغزو والفتوحات، فضمَّ لدولة السلاجقة عام (688هـ=1289م) قلعة قره حصا (القلعة السوداء)، أو أفيون قرة حصار؛ فسُرَّ علاء الدين بهذا كثيرًا، ومنحه لقب (بك)، وأقطعه جميع الأراضي التي فتحها، وسمح له بضرب العملة ورفع اسمه في خطبة الجمعة. وكان أئمة المساجد يذكرون على المنابر أولًا اسم الخليفة العبَّاسي في مصر، ثُمَّ الإلخان المُقيم في تبريز، ثم السلطان السُلجوقي في قونية، وأخيرًا اسم الأمير المحلّي عثمان.

نشأته


وُلد عُثمان يوم 8 صَفَر 656 هـ المُوافق لـ13 شُباط (فبراير) 1258م، وقيل في ليلة بدر في مدينة سُكود، التي اتخذها والده أرطغرل عاصمة لإمارته. ولا توجد الكثير من المصادر عن حياته الأولى، نظرًا لكون أقدم مصدر معروف عنها كُتب بعد حوالي مائة سنة من وفاته. حيث قال المؤرخ التركي “يلماز أوزطونه”: “يرجع غموض المراحل الأولى من تاريخ العثمانيين حتى فتح القسطنطينية بعامة إلى عدم توفر المعلومات، فقد أحرق تيمورلنك الوثائق التركية عند إغارته على بورصة سنة 1402 م (804 ه)، ولهذا فالوثائق الرسمية المتعلقة بالفترة من نشأة الدولة وحتى غارة تيمور قليلة جدًا.
نشأ عُثمان نشأة فارس مسلم كما هي عادة فتيان قبائل التُرك المُرتحلة، فأتقن فنون المُصارعة والمُبارزة بالسيف منذ صغره، واحترف رُكوب الخيل والرمي بالنبال والصيد، وبرزت مهاراته أمام أقرانه، ورافق هذا الإعداد البدني إعدادٌ روحيٌ، حيث تلقى عثمان تعليمًا إسلاميًا من مشايخ الصوفية الذين تأثر بهم في زمانه، وعلى رأسهم مُعلِّمه الشيخ “إده بالي” القرماني، الذي تتلمذ على يده بتوجيه من والده. 
وكان للشيخ “إده بالي” مكانة كبيرة لدى أرطغرل، وتتحدث الروايات التاريخية عن وصيته لابنه عثمان بضرورة احترام شيخه وملازمته والأخذ بنصائحه ومشورته، وهي الوصية التي بقي جزء صغير منها مكتوبًا عند قبر أرطغرل جاء فيه: “انظر يا بني! يمكنك أن تؤذيني، ولكن لا تؤذِ الشيخ “إده بالي”! فهو النور لعشيرتنا، ولا يُخطئ ميزانه قدر درهم! كن ضدي ولا تكن ضده؛ فإنك لو كنت ضدي سأحزن وأتأذى، أما لو كنت ضده فإن عينيّ لن تنظر إليك. وإن نظرتا فلن ترياك، إن كلماتي ليست من أجل الشيخ “إده بالي”، بل هي من أجلك أنت، ولتعتبر مقالتي هذه وصية لك”.

سقوط الدولة السلجوقية وبزوغ نجم الدولة العثمانية


كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 46502-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1
وفي سنة 1300م تقريبًا المواِفقة لسنة 699 هـ، أغارت قطعان المغول بطريقتها الوحشية على بلاد آسيا الصغرى واحتلت مدينة قونية. أما سلطان السلاجقة علاء الدين، ففر من عاصمته ودخل بلاد الروم، وتوفي فيها في نفس العام، وقيل قُتل. وقُتل أيضًا ابنه غياث الدين في مواجهة المغول، وسقطت بعد ذلك الدولة السلجوقية؛ مما تسبب في حالة من الفوضى والهرج والمرج.
في هذه الأثناء، كان عثمان الوجهة الأنسب لجنود الدولة السلجوقية الفارين من المغول بخبراتهم العسكرية، فاحتضنهم عثمان وازداد بهم قوة. وهكذا بعد الدولة السلجوقية التي دام سلطانها لأكثر من قرنين من الزمان وانتهت على يد المغول، بدأ بزوغ الدولة العثمانية يلمع ليسد فراغها.
وكان عثمان قد أدرك مسبقًا حساسية الظرف مع توالي هجمات المغول، وأحسن قراءة المستقبل كما هي عادته، فأعلن استقلال أراضيه عن الدولة السلجوقية قبيل سقوطها، والتفت حوله الجماهير لتصبح الإمارة الواعدة في المنطقة.   
ومما زاد من أهمية الإنجاز التاريخي لعثمان موقع إمارته، التي كانت بالقُرب من طريق الحرير الذي يربط المناطق الروميَّة في الغرب بالمناطق التي يُسيطر عليها المغول في الشرق، فاستفاد عثمان بشكل رائع من الخصائص الاستراتيجيَّة والاقتصاديَّة التي تميزت بها إمارته.
وبكونها منطقة محاذية للمناطق البيزنطيَّة التي لم تُفتح بعد، تحولت إمارة عثمان لقبلة للمسلمين من التُركمان الطامعين في الغزو والجهاد، والدراويش والآخرين. كما اعتُبرت ملاذًا للفلاحين الفارين من بطش المغول.

قصة زواج عثمان


يذكر أن عُثمان كان يبيتُ في تكيَّة مُعلِّمه الشيخ “إده بالي”، التي ترعرع في ظلها منذ صغره في رحلة طلبه للعلم، وكان للشيخ ابنة اسمها “مال خاتون”، بينما تذكرها روايات أخرى باسم “بالا خاتون” أو “بالا رابعة خاتون”، وما أن رآها عثمان حتى تعلق بها ورغب بالزواج منها لجمالها وصلاحها. لكن معلمه رفض هذا الزواج، وأصاب عثمان الحزن العميق لرفضه، ومع ذلك أظهر الصبر والجلد، ورفض الاقتران بغيرها حتى جاءه الفرج برؤية رآها، دفعت والدها للتراجع وقبول زواجهما مستبشرًا.
وتقول الروايات التاريخية إن عثمان قص على معلمه رؤياه حيث رأى الهلال صعد من صدر شيخه “إده بالي” وبعد أن صار بدرًا نزل في صدره (أي في صدر عُثمان)، ثُمَّ خرجت من صُلبه شجرة كالسراي نمت في الحال حتَّى غطَّت العالم بِظلِّها، واستقرَّت جبالٌ ثلاثة تحتها، وخرجت أنهارُ النيل ودجلة والفُرات والطونة (الدانوب) من جذعها، ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف والرماح يُحوِّلُها الريح نحو مدينة القُسطنطينيَّة. وتحت الأغصان وقف صبيانٌ نصارى شُقر وعلى رؤوسهم تُل أبيض ينشدون الشهادة يتبعها عهد الولاء للسُطان. وكان الخلق من حول هؤلاء الصبيان بلا عدد على شُطوط الأنهار وفي خلجانها، يشربون ويزرعون ويصطنعون الفساقي. وكانوا يتوالدون والخير يورف في ديارهم، دونما يكف الصبيان عن الاستظلال بغصون الشجرة والإنشاد.
فسُرّ الشيخ “إده بالي” كثيرًا بهذه الرؤية وأظهر تفاؤله الكبير بها، وقَبِل بتزويج ابنته إلى عُثمان، وبشره بأن أسرته ونسله سوف يحكمون العالم، وقال له واصفًا ما يكون عليه الحاكم الصالح: “عثمان الأول أيَ بُني! الآن أصبحت ملكًا! من الآن فصاعدًا، نحنُ نغتاظ؛ وأنت تُسعد! لنا الشَّقاء؛ وعليك الهناء! لنا الاتهام؛ وعليك الاحتمال! نحنُ العاجزون الخطَّاؤون؛ وأنت الصبور! نحنُ المتقاتلون؛ وأنتم العادلون! نحنُ الحاسدون النمَّامون المفترون؛ وأنتم المتسامحون! أيَ بُني، من الآن فصاعدًا، نحنُ نُشرذم؛ وأنت تُوحِّد! نحنُ نتكاسل؛ وأنت تُنذر وتدفع! أيَ بُني! الصَّبر الصَّبر، فالزهرة لا تتفتح قبل أوانها. إيَّاك والنسيان: ارعَ شعبك، وستزدهر دولتك! أيَ بُني! حملُك ثقيل، وشأنك عسير، وسُلطتك مُعلقة بشعرة! أعانك ربُّ العالمين!”
ويذكر أن عثمان أمهر ابنة الشيخ إده بالي قرية في منطقة “بيله جك”، حيث كان مقر التكية الخاصة بوالدها.

وقفة مع أسرته


تزوَّج عُثمان ابنة الشيخ إده بالي حوالي سنة 1280م،  فولدت له.
وتضاربت الروايات بشأن اسمها، حيث ذكرت مصادر أن اسمها “مال خاتون”، وذكرت أخرى أنها “رابعة بالا خاتون”، بينما رجّح بعض المؤرخين أنه تزوج من امرأتين، إحداهما ابنة الوزير السلجوقي عمر عبد العزيز بك.
ويبدو الخلط واضحًا في المصادر التاريخية عند ذكر اسم زوجة عثمان وتاريخ زواجها ووفاتها، سواء عند ذكر اسم “مال خاتون” أو “رابعة بالا خاتون”؛ مما يجعل من الصعب الجزم بشأن زوجة عثمان هل كانت واحدة أو اثنتين.
أمَّا أولاده، فقد أنجب عُثمان ثمانية: سبعة أبناء وبنتٌ واحدة، وهم: أورخان بك، وباظارلي بك، وچوبان بك، وحميد بك، وعلاءُ الدين باشا، ومالك بك، وصاووجي بك، وفاطمة خاتون.

البراعة السياسية


كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Great-ottoman-empire-turkey-e1583596978360
وأعقب محطة زواج عثمان بابنة الشيخ “إده بالي” ظهورُ عُثمان اللافت على الساحة السياسيَّة، واكتسابه لوصف زعيم الجهاد في المنطقة. واعتبرها بعض المؤرخين بالخطوة السياسية البارعة. إذ أنَّ الشيخ “إده بالي” كان قائدًا للفرقة البابائيَّة المنسوبة إلى بابا إسحٰق الذي قاد ثورة ضد سلاجقة الروم مُنذ حوالي سنة 1239م، إلى أن قُبض عليه وشُنق سنة 1241م، وكان يملك نفوذًا وتأثيرًا كبيرين في المنطقة.
لكن براعة عثمان لم تتوقف عند حسن اختياره لصهره، بل أيضًا في علاقاته مع جيرانه وتحالفاته المدروسة وتمكنه ببراعة أخرى من الدمج بين التقاليد التُركيَّة والإسلاميَّة والبيزنطيَّة وكسب قلوب الناس بحسن معاملتهم وإقامة العدل بينهم. ويذكر من هذه العلاقات، علاقة عثمان مع الآخيين، وهي من الجماعات المنظمة التي اشتهر أعضاؤها بالحرفة والتجارة ورفعوا شعار العدل ومنع الظلم واتباع الشريعة الإسلامية والأخلاق الحميدة، والتدخل عسكريًا عند الحاجة له.
ومن هذه العلاقات كانت علاقة الصداقة بين عُثمان و”كوسه ميخائيل” حاكم قرية هرمنكايا الرومي التي استفاد منها عثمان كثيرًا. 
حيث تذكر الروايات التاريخية أن عثمان تلقَّى تحذيرًا من كوسه ميخائيل بأنَّ مُؤامرة سريَّة أُحيكت ضدَّه من قبل صاحبيّ قلعتيّ “بيله جك ” و”يار حصار” لقتله أو أسره، وقد وجها له دعوة إلى حفل زفاف ولديهما في القلعة الأولى. وبعد أن علم بمكرهم عثمان، أرسل أربعين فارسًا من فُرسانه إلى الحفل مُتنكرين بأزياء النساء، وفي رواية أخرى بأزياء مساكين، وما أن دخل هؤلاء “بيله جك”حتَّى أشهروا السيوف وتمكنوا من أسر كافَّة المدعوين بما فيهم العروسان، وفتحوا القلعة وسيطروا عليها. 
وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أنَّ هذه الواقعة أُسرت فيها ابنة تكفور، وتُدعى “هولوفيرا” فاصطفاها عثمان لابنه أورخان، وأصبح اسمها “نیلوفر خاتون”، وأنجبت -أول امرأة أجنبية في سلطان عثمان- ابنًا أسموه مراد، ويقال ابن آخر أسموه سليمان.
ومن هذه العلاقات أيضًا، تحالفه مع القبائل التُركمانيَّة القادمة إلى الأناضول، فاستفاد من نشاطهم وقوتهم. حيث كان الكثير من هؤلاء التُركمان مُحاربين محترفين، يتلهفون إلى الجهاد والغزو، وبينما استفاد عُثمان من المتدينين منهم من جهة عهد، ومن جهة أخرى إلى الشُيوخ والدراويش مهمة تربية من يفتقدون التربية الإسلامية لإشباعهم بالقِيم التي تعظم من الغزو والفتوحات لزيادة رقعة دار الإسلام.
ومما صُنف عبقريةً استراتيجيةً لعثمان، تركيز فتوحاته على البيزنطيين، مما أثر بشكل مباشر في الأوساط الرومية، بذياع صيته الذي كان يوازيه انتشارُ شعبيَّتِه في الأوساط الإسلاميَّة.
وتحاشى عثمان أي صدام مع جيرانه من الإمارات المسلمة المجاورة لدولته، مثل إمارات القرمان ومنتشا وصاروخان وغيرها، رغم أنه كان يواجه تحديًا كبيرًا من هذه الإمارات المتفرقة المستبدة التي شغلتها الدنيا عن الجهاد ومقارعة الأعداء؛ ما أطمع فيهم المغول والصليبيين، وبدل أن يتحدوا مع عثمان وقفوا حجر عثرة أمام أي فرصة اتحاد، وشكلوا بذلك عبئًا ثقيلًا على حركة الفتح الإسلامي. ومع ذلك، تمكن عثمان بسياسة تفادي قتالهم من اجتذاب وتسخير جميع القوى المسلمة في حرب الروم. 
براعة عثمان برزت كذلك في سياسة دولة استوحى نظامها من الدولة السُلجوقيَّة، والسعي في تحقيق أهدافه بعزيمة مبهرة ورؤية واضحة. يقول المُؤرِّخ أحمد رفيق في موسوعته «التاريخ العام الكبير»: “كَانَ عُثمَانَ مُتَدَيِّنًا لِلغَايَةِ، وَكَانَ يَعلَمُ أنَّ نَشرَ الإِسلَامِ وَتَعْمِيمِهِ وَاجِبٌ مُقَدَّسٌ، وَكَانَ مَالِكًا لِفِكْرٍ سِيَاسِيٍّ وَاسِعٍ مَتِينٍ، وَلَم يُؤَسِّس عُثمَانُ دَوْلَتَهُ حُبًّا فِي السُّلطَةِ وِإِنَّمَا حُبًّا فِي نَشْرِ الإِسلَامِ”.
ويقول المؤرخ التركي المعاصر قادر مصر أوغلو: “لَقَد كَانَ عُثمَانُ بنُ أَرطُغرُل يُؤمِنُ إيمَانًا عَمِيْقًا بِأَنَّ وَظِيفَتَهُ الوَحِيْدَة فِي الحَيَاةِ هِيَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ لِإعلَاءِ كَلِمَةِ الله، وَقَد كَانَ مُندَفِعًا بِكُلِّ حَوَاسِّهِ وِقِوَاه نَحْوَ تَحْقِيقِ هَذَا الهَدَف”.
لقد كانت أهداف عثمان سامية وسياسته بصيرة ونفسه مترفعة عن سفاسف الدنيا، فمنّ الله عليه بالنجاح والتوفيق وإقامة دولة علية.

البراعة العسكرية


كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Medieval-army-in-battle-28-andrea-mazzocchetti-e1583595930962
سعى عُثمان بعد فتحه قلعتيّ “بيله جك” و”يار حصار” إلى القضاء على صاحب “إینه‌گول” الذي حالف عامل “قراجة حصار” على العُثمانيين سابقًا؛ كي يحول دون إبرام أي تحالُفٍ آخر بين بقايا الإمارات البيزنطيَّة في الأناضول. وقاد جيشه “طورغود ألب”، فحاصر قلعة إینه‌گول، ثُمَّ التحق عثمان به وتمكَّن من فتحها. وتقول بعض المصادر التاريخية إنَّ عُثمان منح هذه القلعة إلى طورغود ألب، ولِذلك سُميت البلدة فيما بعد “طورغود” تيمُنًا بأوَّل أميرٍ مُسلمٍ عليها.
وعاش عثمان حالة عداء قصوى مع المغول، ويعتقد أن صراعه مع المغول والكرميانيين كان أشد في أوائل عهد الإمارة. إلا أن عثمان سدد ضربات قاصمة للقوات المغولية في منطقته، فجهّز جيشًا بقيادة ابنه أورخان، وسيّره لقتال المغول قبل تحالفهم مع النصارى فأوقع بهم هزيمة كبيرة شتتت شملهم وقتلت فكرة الاتحاد مع البيزنطيين في مهدها. فأحبط بذلك مكر الروم وتخطيطاتهم.
ومن المهم الإشارة إلى أن عثمان بعد أن رتب بيته الداخلي واستتب له الأمر، ونال شرف الفتوحات المتتالية للحصون والبلدات، أرسل إلى جميع أمراء الروم بِبلاد آسيا الصُغرى يُخيِّرهم بين ثلاثة أُمور: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب. فأسلم بعضهم وفي مُقدمتهم صديقه “كوسه ميخائيل”، والذي أصبح من خاصة عثمان، وجاءت منه ذُريَّته المشهورة في التاريخ العُثماني باسم عائلة “ميخائيل أوغلو”.
واستجاب بعض الروم بدفع الخراج والجزية والبعض الآخر بالقتال، وتبع ذلك تشكيل الأُمراء البيزنطيّين في كل من بورصة ومادانوس وأدرهنوس وكته وكستله في سنة 700هـ المُوافقة لِسنة 1301م حلفًا صليبيٍّا لِمُحاربة عُثمان والقضاء على إمارته، وحينها كان تخطيط عثمان للوصول إلى بورصة -أكثر المُدن الروميَّة تحصينًا وأهمية في الأناضول- واضحًا كهدف من أهدافه الطموحة.
وفي ربيع سنة 1302م، زحف الإمبراطور البيزنطي ميخائيل التاسع برجاله حتَّى وصل جنوب منطقة مغنيسيا وهو يعتزم الاشتباك مع العُثمانيين وطردهم من مناطق التُخوم، لكن العُثمانيين تجنّبوا القتال المباشر مع البيزنطيين وأنهكوهم بالإغارة على البلدات والمواقع البيزنطيَّة الصغيرة لينتزعوها الواحدة تلو الأُخرى حتَّى تمكنوا من تطويق الإمبراطور البيزنطي وعزلوه في مغنيسيا، فتفكك جيشه دون قتال، وانسحب أغلب الروم عائدين إلى القُسطنطينيَّة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أسلوب عثمان في القتال، حيث كان يتعمد إنهاك عدوه ومحاصرة المدن والبلدات بشكل منفرد ليسيطر عليها بعد عزلها وإضعافها، ثم بعد دخوله وضبط سيطرته يقيم فيها العدل ويحسن معاملة سكانها، مما يكسبه قبولًا وبقاء حكم.
وقد دفع حراك الإمبراطور البيزنطي القُرى والبلدات الإسلاميَّة الحُدوديَّة إلى الالتفاف أكثر حول عُثمان؛ خاصة بعد ما أظهره من قدرات قياديَّة وعسكريَّة عالية ومعاملات إسلامية وقيم راقية، فتحولوا لدعامة قوية لدولة عثمان الأولى.
كما التحق بصفوف عثمان بعضُ القادة الروم الذين اختاروا العمل معه على أن يعودوا لبلادهم، وكان قسمٌ منهم من أسرى الحُروب المعتقين، وقسم آخر من المعتنقين للإسلام الجدد ممن أعجبوا بأخلاق عثمان ومبادئه فأقبلوا على الإسلام.
جاذبية مشروع عثمان لم تقف عند هذا الحد، بل جذبت أيضًا الكثير من الجماعات الإسلاميَّة تحت لواء العُثمانيين كجماعة “غُزاة الروم” أو “غزياروم” بالتُركيَّة، وهي جماعةٌ إسلاميَّةٌ كانت تُرابط على حُدود الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وتصد هجماتهم عن المسلمين منذُ عهد الخليفة العباسي”المهدي بالله”،  وقد أكسبتها هذه المرابَطة خبرات فائقة في حرب الروم.
دون أن ننسى النواة الأولى لعثمان وهم رفاق دربه من قادة الآخية الفتيان الذين سارعوا إلى الانضمام إليه وملازمته خلال مسيرته الجهادية، ويذكر التاريخ منهم “الغازي عبد الرحمٰن”، و”آقچه خوجة”، و”قُونور ألب”، و”طورغود ألب”، و”حسن ألب”، و”صالتوق ألب”، و”آيكود ألب”، و”آق تيمور”، و”قره مُرسل”، و”قره تكين”، و”صامصا چاويش”، و”الشيخ محمود”، وغيرهم من قادة الآخية وقُدامى المحاربين الذين خاضوا المعارك تحت قيادة عُثمان، وحتى تحت قيادة والده أرطُغرُل.
وانضمَّ إلى صفوف عثمان أيضًا جماعة “حاجيَّات روم” أي “حُجَّاج أرض الروم”، وهي جماعة معنيَّة بالعلم الشرعي وتفقيه المسلمين بأمور الدين، وكان لها هدفٌ جانبيّ يتمثَّل في معاونة المجاهدين، خُصوصًا في القتال.

معركة بافيوس


كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 110128-e1583596094412
بعدما فشل حراك ميخائيل، أعاد والده الإمبراطور البيزنطي أندرونيقوس الثاني حشد جيوشه لِقتال المسلمين؛ فأرسل سراياه بِقيادة “جرجس موزالون”، فعبر بهم مضيق البوسفور حتى وصل سهل بافيوس على تُخوم المدينة.
وتقابل الجمعان في السهل يوم 1 ذو الحجة 701هـ، المُوافق لـ27 تمُّوز (يوليو) 1302م. وكان العُثمانيّون قد حشدوا جيشًا بقيادة عُثمان نفسه، وسُرعان ما التحم الجيشان وانكسر الخط الأمامي البيزنطي، وانهزمت مُقدمة الجيش، فتراجع موزالون بِجُنوده وسجّل عثمان انتصارًا حاسمًا.
فقد كان لِهذه المعركة أثر بالغ في التاريخ الإسلامي عُمومًا والعُثماني خُصوصًا، إذا اعتبر الكثير من المؤرخين أن النصر العُثماني في هذا اليوم يُشكِّلُ ولادة الدولة العُثمانيَّة الفعليَّة، كونها “منحت الإمارة العُثمانيَّة خصائص وسمات الدولة المستقلَّة الفعليَّة القابلة للحياة، وأثبتت لجيرانها إثباتًا قاطعًا بأنَّ جُيوشها قادرة على الغزو وإلحاق الهزيمة بأكبر الأعداء والتصدي لهم”. 
كما أتاح هذا النصر لِعُثمان أن يُسيطر بعد حين على مدينتيّ إزنيق ونيقية، بالإضافة إلى مدينة بورصة الاستراتيجية لاحقًا.
اختار عثمان مدينة “يني شهر” عاصمة لإمارته، ثم ركز تحركاته العسكرية بعد ذلك في التوسع في اتجاهين اثنين: اتجاه إلى الشمال حتى نهر سقاريه باتجاه البحر الأسود، واتجاه إلى الجنوب الغربي باتجاه بحر مرمرة، وحقق أهدافه في كلا الاتجاهين حتى سنة 1308 م، حيث نجح في عزل آخر مدينة بيزنطية استراتيجية في المنطقة، وهي بورصة التي تقع أسفل جبل أوليمبس (أولو طاغ).
وكانت بورصة محصنة تحصينًا جيدًا، وتمكن البيزنطيون من الاستمرار في فتح طرق الاتصال الخاصة بهم مع البحر لتلقي حاجياتهم من الإمدادات من القسطنطينية، ما مكّنهم من الصمود طويلًا بعد سقوط المناطق المحيطة ببورصة في أيدي العثمانيين. ولكن سيطرة عثمان على مودانيا قطعت آخر اتصال بين بورصة والعالم الخارجي سنة 1321 م الموافق لـ721 ه، واضطر المدافعون عنها لتقديم الجزية لعثمان لمدة 5 سنوات، ثم انتهت بالسقوط في نهاية 6 أبريل سنة 1326م (2 جمادى الأولى 726ه) على يد الجيش العثماني الذي قاده أورخان بن عثمان، الخليفة الحقيقي في شؤون الحرب والسياسة لأبيه، الذي كان ينتظر خبر هذا الانتصار بشغف كبير وهو على فراش المرض.
وشكّل فتح بورصة بعد صبر كبير وجلدة من العثمانيين خطوة هامة لهم، فقد تغيرت أملاكهم من إمارة ذات تخوم بدوية إلى ولاية حقيقة بعاصمة وحدود وسكان مستقرين وقدرات لتكوين جيش منظم يسمح بحمايتها وقيادة مزيد من الفتوحات، وكانت خطوة كبيرة نحو الاستقلالية والاكتفاء.
واستسلم حاكم بورصة، أفرينوس، لجيش عثمان وسط حالة من الضعف الكبير  الذي نخر في القصر البيزنطي المنهار، واعتنق الإسلام بعد ذلك، بل ودخل في خدمة الجيش العثماني، فمنحه عثمان لقب (بك)، وأصبح من القادة العثمانيين البارزين، ودخل معه عدد من القواد الذين أعجبوا بالإسلام ويأسوا من دائرة الفشل البيزنطي الذي أنهكها الصراع على العرش. وقد سجل التاريخ لجوء المتصارعين على هذا العرش في بيزنطة للعثمانيين طلبًا للمساعدة؛ ما أكسب دولة عثمان مكانة ثقيلة في المنطقة.

عوامل مساعدة وتأثير المماليك


ولا شك أن عوامل أخرى في خارطة العالم الإسلامي ساعدت عثمان على بسط سلطانه وتجاوز تحديات كبرى كتحدي المغول، فقد كان المسلمون في عصر المماليك يقودون معارك ضارية ضد المغول ويواصلون قتالهم منذ معركة عين جالوت الفاصلة بقيادة السلطان سيف الدين قطز والظاهر بيبرس. ومن المعارك التاريخية التي تسببت في انهيار إمبراطورية المغول، معركة مرج الصفر (شقحب) التي وقعت فصولها في 2 رمضان 702هـ الموافق لـ20 نيسان (إبريل) 1303م بالقرب من دمشق في الشام. وكانت المعركة بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر والشام، والمغول بقيادة قتلغ شاه نويان (قطلوشاه) نائب وقائد محمود غازان إلخان مغول فارس. وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، لتنتهي معها طموحات محمود غازان في السيطرة على الشام والتوسع في العالم الإسلامي. وشهدت المرحلة بعدها ضعفًا كبيرًا للقوَّة الميدانيَّة للمغول. 
وملك عثمان بدوره الأرض، ووزع المناطق على أقاربه وقادة جيشه، فأعطى إسكي شهر لِأخيه “گندز بك”، وقراجة حصار لابنه “أورخان”، ويار حصار لحسن ألب، وإینه‌گول لِطورغود ألب.
واستتب الأمر في يد عثمان بشكل كامل بعد نزوح قسم كبير من الروم عن ثغور آسيا الصُغرى إلى القُسطنطينيَّة وما تبقى لهم من بلاد في أوروبا، بعد أن حسم أمرهم عثمان بتخييرهم بين البقاء والعيش في ظل دولته أو الالتحاق بإخوانهم.
وبقي قسم آخر شكّل شريحة كبيرة من رعايا الروم القاطنين في ظل الدولة العثمانية.
وأمام هذا المشهد من الضعف والهزيمة، لجأ الإمبراطور البيزنطي أندرونيقوس الثاني إلى التحالف مع المغول الذين كانوا يُسيطرون آنذاك على وسط وشرقيّ الأناضول، فأرسل إلى الإلخان محمود غازان يعرض عليه التقارب الأُسري بالزواج، وقيام تحالف بين الدولتين الإلخانيَّة والبيزنطيَّة. لكن كما أسلفنا حرمت هزيمة غازان في شقحب المغول من طموحاتهم التوسعية. وتتحدث الروايات التاريخية عن مدى تأثير هزيمته في شقحب وحجم الهم والغم الذي وقع على قلبه، حتى مرض وسال الدم من أنفه، وأفرغ غضبه على قادة جيوشه فأعدم بعضهم وأذلّ البعض الآخر. ولم يعش بعد ذلك طويلًا، فتوفي يوم 6 شوَّال 703هـ الموافق لـ11 أيَّار (مايو) 1304م، ومات غازان ومات معه أي أمل في تحالُف مغوليّ بيزنطيّ، لكنه فتح الباب واسعًا لطموحات عثمان.

وفاة عثمان في قلب مشهد النصر


وواصل جنود عثمان زحفهم حتى فتحوا مدينة بورصة بعد حصار طويل، ثم شرع ابنه أورخان في تنظيم أحكامها وتحصين قلاعها، ليتوجه بعد ذلك بالبشرى لوالده الذي كان طريح الفراش. ولما دخل على والده وشاهده ينازع الموت، اغرورقت عيناه بالدموع وخاطبه بقول: “يا أعظم سلاطين البر والبحر كم قهرت أبطالًا وافتتحت بلدانًا، ما لي أراك في هذه الحالة؟!” فأجاب عثمان: “لا تجزع يا بني هذا مصير الأولين والآخرين، وأنني الآن أموت فرحًا مسرورًا لكونك تخلفني وتقوم مقامي بإدارة هذا الملك السامي”، ثم فاضت روحه بعد صراع مرير مع داء المفاصل أو النقرس إلى جانب الصرع الذي أُصيب به في سنواته الأخيرة. وكان النقرس مرضًا وراثيًّا في الأُسرة العُثمانيَّة، وعانى منه الكثير من سلاطينها.
ولم يفت عثمان تنظيم أمور دولته من بعده، حيث أوصى بالملك لأورخان، ابنه الثاني، لامتلاكه مقومات الإمارة الفذّة، على عكس أخيه الأكبر علاء الدين الذي كان يميل أكثر للورع الديني والعزلة.
واختلف المؤرخون في تحديد موعد وفاة عُثمان، فقيل إنه توفي يوم 21 رمضان 726هـ المُوافق لـ21 آب (أغسطس) 1326م، ولهُ من العُمر نحو سبعين سنة. وقال المؤرخ العُثماني روحي چلبي الذي عاش خلال القرن الخامس عشر الميلاديّ ودوَّن تاريخ الدولة العثمانية حتى سنة 1481م في كتابه حامل عنوان “تواريخ آل عُثمان” أنَّ وفاة عُثمان الغازي كانت سنة 1320م، وتعددت الروايات التي اختلفت في تحديد موعد وفاته، إلا أن المؤكد أن وفاته كانت بعد فتح مدينة بورصة، وبعد وفاة الشيخ  إده بالي بِثلاثة أو أربعة أشهر، وبعد وفاة زوجته ابنة شيخه بِشهرين.
ودُفن عثمان في سُكود بدايةً، ثُم أمر ابنه أورخان بِنقل جُثمانه إلى بورصة، العاصمة الجديدة لمملكته. وذلك تنفيذًا لوصيَّة عُثمان التي كتبها قبل مماته، حيث قال فيها:”يَا بُنَيَّ، عِندَمَا أَمُوتُ ضَعْنِي تَحْتَ تِلكَ القِبَّةِ الفِضِّيَةِ فِي بُورُصَة”.
ولكن في عهد السلطان عبد العزيز، أعيد بناء قبر عثمان بعد أن تهدَّم القبرُ الأوَّل تمامًا في زلزالٍ شديدٍ ضرب المنطقة سنة 1855م، ثم أمر السُلطان عبدُ الحميد الثاني ببناء مقام له في سُكود حيثُ دُفن عُثمان للمرَّة الأولى. 

وصيَّته


بحسب المصادر التاريخية التركية فقد ترك عثمان وصيَّةً مكتوبة لِولده أورخان يوصيه فيها بإكمال مسيرة الغزو والجهاد ضدَّ الروم، والتزام تعاليم الشريعة الإسلاميَّة وملازمة العُلماء والعدل مع الرعيَّة والإخلاص للإسلام ورسالته. وتضمنت الوصية بعض النصائح إلى جميع أبنائه وإلى رفاق دربه. ويبرز نص الوصيَّة معالم تفكير عثمان ومنهجه وأسرار نجاحه حيث قال: بسم الله الرحمن الرحيم يا بُنيّ: إيَّاك أن تشتغل بِشيءٍ لم يأمر به الله ربُّ العالمين، وإذا واجهتك في الحُكم مُعضلة فاتخذ من مشورة عُلماء الدين موئلًا. يا بُنيّ: أحِط من أطاعك بِالإعزاز، وأنعم على الجُنود، ولا يغُرنَّك الشيطان بِجُندك وبِمالك، وإيَّاك أن تبتعد عن أهل الشريعة. يا بُنيّ: إنَّك تعلمُ أنَّ غايتنا هي إرضاءُ الله ربِّ العالمين، وأنَّ بِالجهاد يعِمُّ نور ديننا كُلَّ الآفاق، فتحدُث مرضاة الله جل جلاله. يا بُنيّ: لسنا من هؤلاء الذين يُقيمون الحُروب لِشهوة حُكمٍ أو سيطرة أفرادٍ، فنحنُ بالإسلام نحيا ولِلإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت لهُ أهل.
اعلم يا بُنيّ أنَّ نشر الإسلام وهداية النَّاس إليه وحماية أعراض المسلمين وأموالهم أمانةٌ في عُنقك سيسألك الله عز وجل عنها.
يا بُنيّ: إنني أنتقلُ إلى جوار ربي، وأنا فخورٌ بك بأنَّك ستكون عادلًا في الرعيَّة، مُجاهدًا في سبيل الله لِنشر دين الإسلام. يا بُنيّ: أوصيك بِعُلماء الأُمَّة، أدِم رعايتهم، وأكثِر من تبجيلهم، وانزل على مشورتهم؛ فإنهم لا يأمُرون إلَّا بخير. يا بُنيّ: إيَّاك أن تفعل أمرًا لا يُرضِي الله عز وجل، وإذا صعُب عليك أمرٌ فاسأل عُلماء الشريعة، فإنهم سيدلُّونك على الخير. واعلم يا بُنيَّ أنَّ طريقنا الوحيد في هذه الدُنيا هو طريقُ الله، وأنَّ مقصدنا الوحيد هو نشر دين الله، وأننا لسنا طُلَّاب جاهٍ ولا دُنيا. وصيَّتي لِأبنائي وأصدقائي، أديموا عُلوَّ الدين الإسلامي الجليل بِإدامة الجهاد في سبيل الله. أمسِكوا راية الإسلام الشريفة في الأعلى بِأكمل جهاد. اخدموا الإسلام دائمًا؛ لِأنَّ الله عز وجل قد وظَّف عبدًا ضعيفًا مثلي لِفتح البُلدان. اذهبوا بِكلمة التوحيد إلى أقصى البُلدان بِجهادكم في سبيل الله، ومن انحرف من سُلالتي عن الحق والعدل حُرم من شفاعة الرسول الأعظم يوم الحشر. يا بُنيّ: ليس في الدُنيا أحدٌ لا يُخضِع رقبته للموت، وقد اقترب أجلي بِأمر الله جل جلاله، أُسلمُك هذه الدولة وأستودعك المولى عز وجل. اعدل في جميع شؤونك…”. 
وهكذا أنارت هذه الوصية طريق ورثة عثمان لنيل السؤدد والملك.
ومع ذلك، لم يترك عثمان شيئًا مما يترك ملوك الدنيا لورثته رغم حجم دولته وحجم فتوحاته وانتصاراته، سوى سيفه الخاص الذي اشتهر باسم “سيف عُثمان” فورثه عنه ابنه أورخان، ثُمَّ حفيده مُراد، ليتوراثه السلاطين العثمانيون من بعده كتقليد في حفل تتويج السلاطين ومُبايعتهم بالخِلافة في حفل كبير يقام عادة في جامع أبي أيُّوب الأنصاري بالآستانة على يد شيخ الإسلام في ذلك الزمان، أو شريف قونية.
وحصل عثمان على هذا السيف من شيخه “إده بالي” لِيكون “سيف الإسلام المسلول على الكُفَّار”. 
عثمان الذي وصفه المؤرخون بالرجل طويل القامة، وأبيض البشرة، وكستنائي الحاجبين. بينما وصفه آخرون بأسمر البشرة، وعاقد الحاجبين، ومُستدير الوجه، وعريض المنكبين، وتصل يداه إلى رُكبتيه عند وُقوفه. عاش حياةً بسيطةً زاهدة بعيدةً عن البذخ واللهو والسفاهة. يأكل من عائد إنتاج أغنامه الخاصَّة، يقول قُطب الدين النهروالي عنه: “…مَا خَلَّف نَقدًا وَلَا مَتَاعًا إلَّا دِرعًا وَسَيفًا يُقَاتِلُ بِهمَا الأَعدَاءَ الكُفَّار، وَبَعضُ خَيلٍ وَقَطِيعًا مِنَ الغَنَمِ اتَخَذَهَا لِلضَيفَانِ، وَأَنسَالُهَا بِاقِيَةٌ إلى الآنِ تَرعَى حَولَ بِلَادِ بُورصَة أَبقُوهَا تَيَمُنًا وَتَبرُّكًا”.

مناقبه


كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-4
كانت سياسة عثمان المالية مبهرة، فسمح له زهده بتقديم أفضل إدارة مالية سواء في الحرب أو في السلم، في الغزوات أو في التمكين، وكان يعتبر الأموال والغنائم من حق الناس أجمعين وليست حكرًا على الأُمراء. ويذكر أنه في زيارة له مع قادة جيشه إلى سوق مدينةٍ فتحوها لم يستطع تقبُّل فكرة أنَّ الضريبة من حق البكوات وحدهم، فرفض الحُصول عليها على الرُغم من أنها كانت تُمثلُ مدخولًا كبيرًا لدولته، ورأى بدلًا من ذلك أن توزع على الناس بالحق أو لا يؤخذ منها البتة. وكانت هذه الصفة انعكاس شخصيته التي تربت على التعاليم الإسلامية والعادات والتقاليد البدوية التي تجعل من الإيثار والجود والكرم صفة الفارس من فرسانها. وهذا يدفعنا لذكر قصة يوم النهب في السادس من شهر أيار (مايو) من كل عام، وفيه يفتح زعيم القبيلة بيته للناس، يأخذون منه ما يشاءون دون أن يخرج منه شيئًا لنفسه، وسمي هذا اليوم “فتح بيت السيد” أو “نهب بيت السيد”، وكان عثمان يحرص على هذا التقليد طيلة حياته.
ولم يورث عثمان ورثته ذهبًا ولا فضةً، بل أورثهم سيفًا ومجدًا. وقد وصفه المُؤرِّخ قُطب الدين النهروالي قائلًا: «وَكَانَ لِلسَّيفِ والضَّيفِ كَثِيرُ الإِطعَام فَاتِكُ الحُسَام، كَثِيرُ البَذلِ وَاسِعُ العَطَاء، شُجاعًا مِقدَامًا عَلَى الأَعدَاءِ».
زهدُ عُثمان في حياته ظهر على ملبسه، فلم يكن يرتدي إلا الملابس البسيطة. وكان كثير الصدقة على الفقراء والمساكين، وذكر أنه تصدق بكل ما يقع في يده حتى بملابسه التي وهبها للفقراء.
وفتح عثمان بيته ليضيّف فيه الجميع دون تمييز بين غني وفقير، أو بين مسلم ونصراني، فاستقطب بذلك الكثير من الروم الذين اعتنقوا الإسلام على يديه، وتآلفت القلوب من حوله.
وساعدته سياسة حسن المعاملة مع غير المسلمين تحت ظل سلطانه في كسب تأييد الأهالي النصارى، وحتى جنود الحاميات الذين لم يقفوا ضده، فقد تولَّى عثمان رعاية الأرامل والأيتام الروم ومنحهم العطايا وغنائم غزواته، كما كان يفعل مع أبناء قبيلته، وأظهر رفقًا بِكبار السن خُصوصًا، وكان إذا وعد أوفى. فعندما اشترط أمير قلعة “أولوباد” البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني ألا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك عثمان، هو ومن جاء بعده.
فكانت سياساته بعيدة النظر، سببًا في إسلام عدد كبير من النصارى.
ولا شك أن تدين عثمان والتزامه بالشريعة الإسلامية كان عنوان مسيرته، ويظهر ذلك في طريقة تعامله مع الدولة السلجوقية، فقد كان عثمان يرسل خُمس غنائم الغزوات والمعارك إلى السُلطان السُلجوقي ويُقسِّم الباقي على جُنُوده المحاربين؛ فكسب محبة جنوده وبالمقابل استياء السلطان. وحين راجعه في ذلك، ردَّ عليه عُثمان بِأنَّهُ يُنفِّذ أمر الله لا أمر السُلطان، لأن هذا حُكم شريعة الإسلام، فكان أمر السُلطان بِأن يفعل ما يشاء ولا يتجاوز أوامر الله.
وتُنسب لعثمان أبيات شعر تصور جمال همته يقول في ترجمتها:
“ابنِ مدينةً وسوقًا جديدةً بِموادَّ بناءٍ من القلب *  اعمل ما تُريد ولكن لا تظلم فلَّاحًا 
 انظر إلى المدينة القديمة الجديدة إینه‌گول فهي قائمةٌ دائمًا * اهدم بُورصة التي كسرتُ فيها الكُفَّار وابنها من جديد 
 اغدُ ذئبًا واقصد قطيعًا، وكُن أسدًا ولا تتقهقر *  افعل شيئًا وكُن جُنديًّا، وحاصر مضيق اللسان 
 لا تستخف بِمدينة إزنيق، ولا تتدفَّق كنهر صقارية *  خُذ إزنيق، ولا تُبالِ، وابنِ سُورًا لِكُلِّ بُرجٍ فيها 
 أنت عُثمان بن أرطُغرُل من سُلالة الغُز وقره خان *  أكمل حقَّك، وافتح إسلامبول، واجعلها حديقة ورد.

الخلاصة


أن إنجاز عثمان الباهر خضع لجملة من القواعد التي استوعبت متطلبات مشروع استراتيجي تضافرت فيه جهود قوى المجاهدين الغزاة والآخيين والدراويش، وطوائف الطرق وشتى التنظيمات والمؤسسات العلمية والاجتماعية التي احتضنها نسيج المجتمع الإسلامي في آسيا الصغرى. وساعده في ذلك امتلاك مقومات القيادة من أمانة وقوة، تدفعه الروح الإيمانية والخلقية والجهادية، ثم عوامل جانبية كالموقع الجغرافي وتكامل وترابط مكونات خريطة العالم الإسلامي.
وهكذا سقطت دولة بني العباس، وقامت محلها دولة بني عثمان، فكان قدر هذه الأمة أن تتحول المحنة الكبرى لمنحة كبرى، وإن أبلغ درس نخرج به من قصة هذا البطل المسلم، هو أن السبب الأول لنجاحه وتمكنه من إقامة دولة إسلامية عظمى هو إيمانه وصدقه وصبره وإخلاصه لأهدافه، التي كانت أهداف أمة لا أهداف رجل واحد.
وإن حاول أحدهم بخس هذا النجاح وتقزيم هذه البطولة فيكفي عثمان شرفًا أن أقام فريضة الجهاد وأعاد أمجاد الفتوحات معتزًا بإسلامه رافضًا أن يعيش عبدًا عند الصليبيين والمغول، ولا يمكن لمن كان ينادي بالشهادة في سبيل الله ويدعو لنصرة المسلمين وعزتهم عن طريق القتال ومراغمة الأعداء -زاهدًا في الدنيا وغنائمها مقيمًا للعدل وأحكام الشريعة- إلا أن يكون صاحب حق ودعوة صادقة، فلم يضيّع اجتهادهَ مولاه وأناله توفيقه.
رحم الله الغازي عثمان بن أرطغرل، وجعل من سيرته وقود مسيرة ونفحة انبعاث لأمة سئمت الهزيمة.

المصادر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف سقطت الخلافة العثمانية؟   كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Emptyالخميس 30 أبريل 2020, 1:53 pm

[rtl]ماذا كانت عقيدة العثمانيين الأوائل؟[/rtl]

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A

ماذا كانت عقيدة العثمانيين الأوائل؟
الخلافة العثمانية
من المسائل الجوهرية عند الحديث عن أي دولة على وجه الأرض معرفة نشأة هذه الدولة، وعقيدتها، والمرحلة الزمانية التي نتحدث عنها. ولمسألة العقيدة أهمية كبرى في هذا الصدد؛ إذ بمعرفتها تتضح وتنجلي أمور عدة. فعلى سبيل المثال عند الحديث عن أوروبا، لا بد أن نحدد الوقت الذي نتحدث فيه، أفي العصور الوسطى أم بعد ذلك؟ فإذا كان في العصور الوسطى فبذلك نكون حددنا الدولة والزمان ونأتي لمسألة العقيدة، فسنجد أن أوروبا في ذلك الوقت يتزعمها المذهب الأثناسيوسي، بينما يسود الشرق المذهب الأريوسي [1]، ولذلك قامت الحروب على هذا الأساس، بل عند فهم مصدر المذهب وأساسه سنفهم كيف تطرف المسيحيون في عقيدة السيد المسيح ووصلت للتأليه والتثليث، وما شابه ذلك، بل وسنفهم جذور الصراع الحالي في العصر الحديث، وكذلك نفهم سر كره كثير من الدول الأوروبية لتركيا، ولم يصرون على منعهم من دخول الاتحاد الأوروبي.
وبإسقاطٍ على محور حديثنا، وهو الدولة العثمانية، حيث العصور الوسطى أيضًا، فلا بد أن نفهم عقيدة هذه الدولة التي قامت بالفتوحات، ونشرت الدين الإسلامي، وبسطت قوتها على مدار ستة قرون وفي ثلاث قرات، ذلك لأنه بفهم عقيدة الدولة العثمانية سنفهم أمورًا عدة، مثل لماذا قامت حروب الدولة؟ وعلى أي أساس تأسس ملكها وفكرها؟ ولماذا عادت بعضَ الدول وأقامت التحالفات مع أخرى؟ ولماذا عفت عن بعض الأفراد ووقعت العقوبات على آخرين؟ وغير ذلك من الأمور التي لا تتضح إلا بمعرفة العقيدة الرئيسية للدولة.
وبنظرة أولية، قد يظن البعض أن الإجابة على التساؤل القائل: “ما عقيدة الدولة العثمانية؟” سهلة ويسيرة، ولكن الحقيقة أن المصادر ضعيفة جدًا في هذه الفترة وخصوصًا قبل عثمان، حيث أن الإجماع في عهده أن الدولة كانت تدين بالإسلام. أو بمعنى أدق، ففي أواخر الثلث الأول من عهد عثمان كانت دولة مسلمة، فهذا هو ما عليه الإجماع، أما ما قبل هذه الفترة فيوجد اختلاف كبير، الأمر الذي يتيح لنا أن نتساءل: هل كان عثمان منذ بداياته مسلمًا أم لا؟ أي أنه وُلِد من أبوين مسلمين أم أنه اعتنق الإسلام بعد ذلك؟ وكذلك هل كان أرطغرل مسلمًا أم لا؟ وينسحب الأمر إلى سليمان شاه والد أرطغرل، وعلى هذا نطرح السؤال: هل كان العثمانيون من المسلمين أم كانوا غير ذلك؟
بداية، وللإجابة على هذا التساؤل، لا بد أن نفرق بين الأتراك وبين العثمانيين؛ حيث إن العثمانيين فرع من الأتراك، وعلى ذلك نفرق عند تناول هذه المسألة بين أمرين: الأول هو إسلام الأتراك، والثاني هو إسلام العثمانيين؛ حتى لا يحدث أي لبس.
[rtl]

إسلام الأتراك

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83
فاستنادًا إلى رواية محمد بن جرير الطبري، فإن دخول أول جماعة تركية في الإسلام كان في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وتحديدًا سنة 22هـ | 642 م، حين احتكت جماعة من الترك بقيادة ملكها شهربراز بالقائد المسلم عبد الرحمن بن ربيعة، وذلك عندما وصلت غزوات المسلمين إلى بلاد الترك، وتحديدًا بلاد ما وراء النهر. فطلب ملك الترك شهربراز الصلح من القائد عبد الرحمن بن ربيعة الذي وافق عليه مبدئيًا، لكنه أحال شهربراز إلى القائد العام، وهو سراقة بن عمر الذي وافق على الصلح بشرط أن يوافق عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي أقر الصلح [2]، وعلى ذلك دخل الترك في الإسلام، وقاتلوا مع الجيش المسلم ضد الجماعات الأرمنية النصرانية في المنطقة، وكانت تلك بدايةَ ترك الجماعات التركية العقائدَ الوثنية، وتطبعت بخلق الإسلام، وتمرست في المؤسسات الإسلامية، خاصة الدينية والعسكرية؛ ما ساعد الترك في المستقبل من الترقي، وخصوصًا في سيادة مبدأ أنه “لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”. ولذلك ازدادت الجماعات التركية في الدين الإسلامي تدريجيًا في عهد الخلافة الراشدة، ثم الأموية، وصولًا إلى العهد العباسي، وخصوصًا بعد ازدياد فتوحات ما وراء النهر، حيث الموطن الأصلي للأتراك. وقد تمكن الأتراك بقوة من التغلغل في الدولة والمناصب الإدارية والعسكرية منها في عهد الخليفة المعتصم، الذي سلم الأتراك المناصب العليا، وأسس مدينة سامراء لتكون لهم وتُبعِدهم عن العرب نتيجة لظهور كثير من المشاكل التي نتجت عن اختلاطهم بالعرب آنذاك [3].
[rtl]

إسلام العثمانيين

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 29-mayis-1453-istanbul-un-fethi-nasil-gerceklesti-7108982
أما عند تناول مسألة إسلام العثمانيين، وذكر ما قيل فيها من آراء، سواء من متعصبين للدولة العثمانية (حتى أننا سنجد من ينسب آل عثمان إلى الرسول صل الله عليه وسلم، وهذا كذب وافتراء)، أو من أعدائهم الذين يقولون إنهم لم يدخلوا الإسلام لفترات طويلة، حتى بعد تأسيس دولة آل عثمان (وهذا أيضًا كذب وافتراء)، ولكن، وحتى تتضح الصورة بجلاء، يجب الاطلاع ولو بقليل من الذكر على دين العثمانيين قبل اعتناق الإسلام.
[rtl]

العثمانيون قبل الإسلام

[/rtl]
كانت القبائل التركية المهاجرة والمتنقلة، ومن بينها قبيلة القايي وهي قبيلة عثمان بن أرطغرل، تؤمن بدين الشامانية أو الكوك تنجري.
وليس لهذه الديانة نبي ولا كتاب مقدس ولا معبد ولا عبادة منظمة، ولكن لها معبودًا واحدًا وهو تك تنجري أو تك تنكري، وهو رب الأتراك فقط، وليس ربًا للعالمين كما لدينا في الإسلام. ويقدس أتباعها السماء والماء والأرض [4]، ويدفنون الموتى، ويمكن تحنطيهم ودفن معهم حاجياتهم الضرورية لاستعمالها في الحياة الأخرى، وذلك مثل القدماء المصريين. ولا يجوز لأي فرد في المجتمع التركي أن يصبح عبدًا أو جارية داخل مجتمعه التركي، ولذلك استخدم الأتراك آنذاك العبيد والجواري من الأقوام الأجنبية، فكل تركي حر، وكلهم محاربون، حتى المرأة تمتطي الحصان وتستعمل السلاح ولا تتحجب وتختلط بالرجال ولا تنفر منهم. ولا يُربى الخنزير؛ حيث أن تربيته وأكل لحمه علامة من علامات المغول؛ فلا يؤكل إلا عند المجاعة. ويهتم المجتمع التركي بالبكارة وعفة المرأة اهتمامًا كبيرًا، فعدم الاكتراث بالغير وإكرام النساء للغير من علامات المغول أيضًا؛ ولذلك كانت العقوبة الوحيدة لهتك العرض هي الإعدام، إلا إذا وافقت المرأة التي اعتدى عليها بالزواج ممن اعتدى عليها، وذلك في حال كانت غير متزوجة أو أرملة [5].
[rtl]

دخول العثمانيين الإسلام

[/rtl]
اختلفت النظريات المقدمة في هذا الصدد، فمنها ما يقول إن الإسلام قد دخل إلى الدولة العثمانية، وذلك بإسلام عثمان بن أرطغرل، أي أن أرطغرل كان على الوثنية، ومنها ما يرى أن أرطغرل كان على النصرانية، ومنها ما يرى أن سليمان شاه هاجر مسلمًا مع قبيلته، وكانت مسلمة آنذاك، ولكن أهم هذه الآراء، والتي تؤخذ في كثير من المراجع هي آراء جيبونز، ولذلك لا بد من عرضها ونقدها.
وقبل أن نعرض لذلك الرأي، فلا بد من التذكير بقصة التقاء أرطغرل بالسلاجقة، لأن من هذه النقطة تنبني عليها عدة أمور تعد غاية الأمة، على رأسها بداية تأسيس ملك الدولة العثمانية.
فقد كان أرطغرل مهاجرًا مع قبيلته الصغيرة التي انفصلت عن القبيلة الكبيرة، وذلك بعد موت سليمان شاه. وأثناء هجرته هذه وجد جيش علاء الدين السلجوقي يواجه جيشًا آخر من النصارى، وفي رواية أخرى من المغول، ولكن الأصح لدي أنها كانت من النصارى. فدخل المعركة وانتصر مع جيش علاء الدين الذي منحه قطعة أرض، والإذن بالفتح على حساب الروم.
[rtl]

القول الأوّل: آراء جيبونز

[/rtl]
يرى جيبونز أن أرطغرل في هذا الوقت وقبيلته كانوا على الوثنية، وكانوا في طور البداوة من حيث المقياس الحضاري، ووظيفتهم الأساسية هي الرعي والتنقل من مكان لآخر في سبيل كسب الرزق. ويرى جيبونز أن سبب دخولهم الإسلام أنهم احتكوا بالدولة السلجوقية بعد ذلك، واختلطوا بهم، فدخلوا في الإسلام كأبناء جلدتهم من السلاجقة، وأثار فيهم هذا الدين الجديد رغبة في إدخال الناس فيه؛ فأرغموا جيرانهم الإغريق الذين كانوا يعيشون في صداقة معهم على الدخول في الإسلام أيضًا، ولم يكن تحت إمرة عثمان آنذاك سوى أربعمائة محارب يقيمون في دورهم ويزاولون حياة فارغة وادعة. وقد ضوعف عدد العثمانين ما بين 1290 و1300م، وامتدت حدودهم حتى قاربت حدود البيزنطيين، وأدى ذلك لظهور جنس جديد، هو الجنس العثماني، وكان جنسًا مختلطًا ناشئًا عن ذوبان العناصر الأصلية، وقوامه الأتراك والوثنيون والإغريق والمسيحيون. ويستمر في عرض وجهة نظرة بأن عثمان دخل الإسلام وقبيلته بعده مستندًا على قصة تُروى في الأساطير والحوليات، ولا أساس لها ولا مرجع صحيحًا يستند عليه [6].
[rtl]

الأسطورة التي يستند عليها جيبونز

[/rtl]
وتقول القصة إن عثمان قضي ليلة في دار أحد الزهاد المسلمين، وقبل أن ينام جاء صاحب الدار ووضع كتابًا على رف فسأله عثمان: ما هذا الكتاب؟ فقال له: إنه القرآن. ثم أجابه حين سأله عن محتواه بأنه: كلمة الله أُنزِلت للناس بطريق النبي صل الله عليه وسلم. ثم نام ورأى فيما يرى النائم كأن ملاكًا يبشره بأنه وذريته سيعلو قدرهم لقاء احترامه للقرآن [6].
[rtl]

نقد نظرية جيبونز

[/rtl]
بداية، فإن أمثال جيبونز وغيره من المستشرقين إنما يريدون أن يجدوا مبررًا منطقيًا لدخول العديد من الناس تحت لواء الإسلام طوعًا وحبًا، بل ويبذلون الغالي والنفيس نظير نصرة دين الله تعالى وبغية رفع لوائه عاليًا خفاقًا في شتى بقاع الأرض.
ولذلك ستجد هؤلاء يضعون نظريات توافق ما عرفوه وما تعلموه في حياتهم وخبراتهم، وليس ما يوافق الحدث الحقيقي؛ نظرًا لبعدهم عن الإسلام وتعاليمه.
فإنه يزعم أن قبيلة عثمان كانت قبيلة صغيرة تتكون من أربعمائة فارس. على الرغم من أن الذي كان معه أربعمائة فارس هو أرطغرل، والذي عاش لسن التسعين عامًا في قبيلته، فكيف استمر هذا العدد على ما هو عليه دون زيادة أو نقصان؟! وأن الزيادة حدثت في عهد عثمان؟! بل ويقرر أن عثمان جاء وأرغم الجيران النصارى الذين كانوا يعيشون في سلام، حتى قبل اعتناق عثمان للإسلام، الذي حوله إلى طاغية يجبر الناس على دين غير دينهم؛ فيدخلونه ويحاربون لأجله رغمًا عنهم.
ربما هو يقرر ذلك نظرًا لأنه كان السائد لدى بعض الدول والحضارات. ففي النصرانية، نجد قنسطنطيوس، الذي عرف بولائه للمذهب الأريوسي المسيحي [7]، قد فرض هذا المذهب على أجزاء الإمبراطورية العربية كرهًا وغصبًا. أو من السائد في هذا العهد لدى التتر من إرغام الدول المهزومة بالدخول تحت لوائهم والمحاربة في جيشهم، بل وفي مقدمة الجيش حتى يكونوا درعًا حاميًا لهم.
فهذه الرواية الواهية التي يستند عليها، وهي قصة الشيخ الذي بات عنده عثمان السابق ذكرها، إنما ستجد لها متنًا آخر مخالفًا لما ذكر فيها، وفي ذات المصدر، وهو الأساطير والحوليات.
وذلك بأن عثمان طلب من الشيخ أده بالي -وفي هذه المرة ذكر اسم الشيخ، ولم يأتِ مجهلًا كما أوردها جيبونز- أن يزوج ابنته، فرفض طوال عامين. وفي إحدى الليالي، وفد إلى ذلك الشيخ الزاهد ونام في بيته، فرأى فيما يرى النائم أن قمرًا يخرج من صدر أده بالي ويقع في صدره هو، ثم تخرج من سرته شجرة يغطي ظلها الأرض، ولما قص ذلك على الشيخ قال له إنه سيحكم العالم، وزوجه ابنته.
وهذه الرواية بذات المتن أو متن مقارب له قيلت في حق تأسيس دولة السلاجقة وليس العثمانيين، ذلك لإن الأساطير التي قيلت في تأسيس الدول لا تعد ولا تحصى، ففي تأسيس الدولة العباسية قيلت مثل هذه الروايات، وفي تأسيس الدولة الغزنوية حيث تذكر الأساطير والحوليات أنه، وقبل أن يولد فاتح الهند محمود الغزنوي بساعة واحدة، رأى أبوه سووك تكين فيما يرى النائم كأن في بيته شجرة تخرج من موقد نار وتظلل الأرض كلها، وأنبأه عابر الرؤى أن ابنه سيكون غازيًا وفاتحًا [8].
بل إذا عدنا بالتاريخ إلى عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين فستجد مثل هذه الرؤى، حيث يُروى أن قسطنطين أثناء زحفه لمحاربة خصمه رأي هالة من النور على شكل صليب أثناء غروب الشمس، فلما نام رأى رؤية وكأن المسيح ومعه الصليب، وقد أتي ليأمره باتخاذ الصليب شعارًا له، والزحف على عدوه، وأنه سينتصر بفضل هذا الصليب؛ لذلك اعتنق قسطنطين النصرانية [9].
فمثل هذه الروايات لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، بل إن هذا نوع من أنواع التزوير والتزييف للحقائق، ولكن بطريق المدح وليس الذم؛ ذلك لأن التزوير لا يحمل معنى التشويه وفقط، بل إن للتزوير نوعين: الأول يكون بالتشويه، وهو المعلوم لدى الجميع. والثاني يكون بخلق روايات وقصص لتمجيد شخصية ما أو دولة ما أو لتبرير فعل ما، ولذلك فهذه الرواية -أي رواية إسلام عثمان- رواية مزيفة. حتى لو أخذناها على محمل الجد فهي مضطربة ومليئة بالضعف الذي يرتقي لدرجة الإنكار، أي لا يجوز الأخذ بها حتى ولو على سبيل الاستحسان.
وبالعودة إلى كلام جيبونز وما يقرره بأنه قد نشأ جنس جديد يسمى العثمانيين، فهذا قول خاطئ. فمصطلح العثمانيين إنما هو مصطلح سياسي يطلق على الدولة وليس على العرق أو الجنس، حتى ولو اندرج تحت لواء هذه الدولة أكثر من دولة أو عرق أو جنس آخر، فالدولة العثمانية بسطت لوائها على أكثر من ثلاثين دولة في ثلاث قارات، فهل هذا يعني نشوء عرق أو جنس جديد؟ بالتأكيد لا، ولكن هذا يعني نشوء دولة جديدة، فالحال مشابه لدولة السلاجقة أو الدولة البيزنطية، أو مثل تأسيس الدول الأوروبية كفرنسا أو ألمانيا وغير ذلك. فالمصطلح السياسي ليس له علاقة بنشوء جنس أو عرق جديد.
ومن عجيب الأمر أن جيبونز يتناسى القبائل التركية التي كانت متواجدة في ذلك الوقت، ودخلت بعد ذلك تحت لواء الدولة العثمانية، وزادت من عدد وقوة العثمانيين، ويضع نظريته على أن تزايد أعداد الدولة نتيجة إجبار النصارى على الدخول في الإسلام، وبهم فُتِحت الدول. أي ينسب الفتوحات الإسلامية إلى قوة النصارى، وهذا القول كله معطوب ومغلوط، فالقبائل التركية بشتى فروعها التي دخلت تحت لواء الدولة العثمانية هي التي عُوِّل عليها في الحروب، ثم بعد ذلك الجيش الإنكشاري الذي أسلم أبناؤه الذين رُبوا على عقيدة الجهاد في سبيل الله، ثم دعوات الجهاد التي كانت تجد من يلبيها من سائر الأقطار الإسلامية، ثم آخر شيء هو الاعتماد على الدول النصرانية، مثلما كان يفعل بايزيد من إدخال جنود من الدول التابعة له عند الحاجة إليها.
[rtl]

القول الثاني: أنهم كانوا نصارى

[/rtl]
وهذا القول ضعيف في كل أركانه للدرجة التي لا ترتقي لمستوى عرضه. فأربابه يوردونه، وعند ذكر الموقعة التي وقعت بين الجيش السلجوقي وبين الجيش البيزنطي الآنف ذكرها، والتي شارك فيها أرطغرل مع الأربعمائة فارس وقلبوا موازين الحرب التي انتهت بنصر المسلمين على النصارى، فإنهم لا يفسرون لماذا شارك أرطغرل مع المسلمين ضد بني عقيدته رغم ما يذكرونه من شهامته وشجاعته وتعصبه لعقيدته، وغير ذلك من الأمور التي تتنافى مع ما يقولون. إلا أن ردهم يكون في بعض الأحيان أن أرطغرل لم يكن يعلم عن عقيدة الجيش، بل هو تحرك لنصرة المظلوم بعيدًا عن العقيدة التي عرفها بعد الحرب. فأي عقل يستوعب ذلك؟! فالجيوش ترتدي أزياء وتطلق صيحات وترفع أعلامًا، وأرطغرل خبير عسكري في القتال، فكيف يجهل كل هذه الأمور ولا يعلم لأي حرب يأخذ كل جنوده إليها؟!
[rtl]

القول الثالث: أنهم كانوا مسلمين

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-1
بداية، فإن معرفة الأتراك بالإسلام ليست جديدة، فكما ذكرنا أن الأتراك عرفوا الإسلام منذ عهد عمر بن الخطاب، وانتشر فيهم في عهد الدولة الاموية والعباسية بشدة، واحتك الأتراك بقوة في عهد الدولة العباسية بالإسلام والمسلمين، حتى كانت للأتراك شوكة كبيرة في مثل هذه العهود وفي ظل هذه الأوقات.
ولذلك من يبني نظرياته على كون العثمانيون على جهل بالإسلام، وأنهم جاءوا إلى تلك الأراضي ففوجئوا بوجود دين جديد يسمى الإسلام فهذا قول مغلوط ومعيب.
ولكن الراجح في هذا الصدد هو كون العثمانيين على الإسلام إبان مجيئهم إلى الأناضول، بل توجد بعض الأقاويل في هذا الصدد توضح أن الأتراك، وتحديدًا قبيلة عثمان، كانوا ممن جاءوا مع السلاجقة إبان فتح تلك الأراضي، بل وشاركوا في موقعة ملاذكرد مع ألب أرسلان، أو ممن جاء بعد ذلك على غرار هذا الفتح لتلك المناطق، ولذلك فهم كانوا يعرفون عن الدولة السلجوقية السنية، ودخلوا تحت لوائها واختلطوا بها، وعرفوا الإسلام وأسلموا على أيدي هؤلاء منذ زمن بعيد، أي أن سليمان شاه جد عثمان ووالد أرطغرل كان مسلمًا على أرجح الأقوال.
بل إن مشاركة أرطغرل الجيش السلجوقي ضد الجيش البيزنطي أكبر دليل على كونه ينتمي إلى الإسلام، بعيدًا عن كل الترهات التي تذكر في هذا الصدد.
بالإضافة إلى أن كل الأقوال التي تحاول تشويه صورة العثمانيين بأنهم كانوا على غير الإسلام بلا أي دليل يذكر، وكل من يستند على تلك الحوليات أو هذه الأساطير إنما هو قول لا أساس له، كمثل الذي يستند على حديث موضوع عن النبي صل الله عليه وسلم، ثم يأتي ويقول كيف للإسلام أن يأمر بمثل هذه الأفعال!
ونختتم بأسباب دخول الأتراك إلى الإسلام، الذي يرجع لعدة أسباب، بل يمكننا القول إن الإسلام في ذلك الوقت كان ينتشر بصفة عامة وبقوة للأسباب الآتية:
[list="box-sizing: border-box; margin-bottom: 1rem; padding-right: 0px; list-style: none; margin-top: 10px !important; line-height: 28px !important;"]
[*]كانت للمسلمين قوة تحمي هذا الدين، حتى ولو كانوا في منطقة أو في بلد ذوي ضعف، فستجدهم ذوي قوة في مكان آخر. بل كانت الدول الإسلامية تنشأ بين الحين والآخر، وما تنهدم دولة حتى تظهر الأخرى على الساحة بسرعة وبقوة، فتجد الإسلام قويًا في الهند والسند والعراق والشام ومصر وغير ذلك، فإذا ضعف هنا قوي هناك. وحتى مع ظهور تلك القوة التتارية أو الصليبية، فقد كان المسلمون يتصدون بكل حسم وحزم لأي من هذه الهجمات، وكانت في مناطق أخرى حروب سجال بين القوتين. فخلاصة القول إن قوة الإسلام كانت ظاهرة على الساحة وبقوة.
[*]التقدم العلمي في ديار الإسلام كان قويًا للدرجة التي تجعل القاصي والداني ينبهر انبهارًا شديدًا بالدرجة التي عليها هذه المجتمعات؛ ما جعلنا في وقت من الأوقات مثالًا للتحضر والرقي، وتتمني كل الدول أن تتشبه بنا، حتى الكارهين لنا.
[*]حسن التعامل في كثير من الدول الإسلامية مع الرعية المسلمة، وعدم الطغي على الحقوق؛ نظرًا لمكانة القاضي القوية، ومنزلة الشيخ المؤثرة في المجتمع.
[*]حسن معاملة الدول الإسلامية للبلاد المفتوحة، سواء في السلم أو الحرب، الأمر الذي يرفع شأن هذه الدول ويسهل دخول الآخرين في الإسلام.
[*]الأسر المشردة نتيجة الحروب، حيث كانت الدول الإسلامية تأخذها وتحسن رعايتها وتعامل الأبناء فيها بأفضل معاملة، وأخرجت من بينهم جيشًا قويًا على عقيدة صحيحة.
[*]توافق الإسلام وأحكامه مع الفطرة السليمة والطبائع البشرية النظيفة، ولذلك ستجد في عادات الأتراك كثيرًا من أحكام الإسلام، الأمر الذي جعل دخولهم الإسلام أمرًا ميسورًا وسهلًا؛ لأنهم وجدوا من يخاطب عقلهم وقلبهم وعاداتهم الفطرية السليمة.
[/list]

وقد أردنا أن نوضح هذه النقاط في عجالة؛ نظرًا لأن البعض يسند مسألة إسلام العثمانيين إلى أمور في غير نصابها، وكذلك من باب رفع الظلم، بل وأوجزنا أسباب دخول الأتراك وغيرهم للإسلام لنعلم أسباب عزوف الكثير في أيامنا هذه عن الإسلام؛ فالأمور معكوسة تمامًا؛ فالمسلمون اليوم في شتات وتشرذم وضعف وهوان على الناس، بل وحكامهم أذلّة لدى الغرب الذي يرفع أصواته عليهم عيانًا بيانًا، ويعلن بكل فخر أن الحكام العرب ضعفاء بدون حماية الغرب!
فأي مهانة هذه التي وصلنا إليها؟ وأي ذل ذلك الذي نحن فيه؟ وأي مستوى علمي انحدرنا إليه؟ وأي تخلف اقتصادي نعيش فيه؟ وأي مستوى صحي واجتماعي وأخلاقي ينحدر بنا؟ ثم نتساءل: لماذا يبتعد الغرب عن الإسلام؟! باختصار شديد، فقد كانت هناك صورة مشرفة للإسلام وأهله قديمًا تشجع على الدخول فيه رغم كل الصراعات والحروب التي خاضتها الدول الإسلامية التي كانت ترفع رايات الجهاد عالية خفاقة، بينما الآن ونحن في سلم وهمي كاذب وبدون حروب مباشرة، نعيش في ذل وهوان، أي كغثاء السيل. قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
اقتباس :
«يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» [10].

وها هو رسول الله صل الله عليه وسلم يصف حالنا وعلاجه في قوله عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ:
اقتباس :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) [11].



المصادر
[list=row]
[*]ما الآن فأصبح المذهب الكاثوليكي هو الغربي مع المذهب البروتستانتي، بينما الشرق المذهب الأرثوذكسي.
[*]وهذا ما يحدث في المعاهدات الدولية التي تعتبر وفقًا لدساتير كثير من الدول بعد توقيع رئيس الدولة مشروطة بموافقة مجلس الشعب أو عرضها على استفتاء دستوري.
[*]راجع الطبري ج 3 دمشق، دار الفكر ص 256: 257 طريق عبد الفتاح حسن أبو عليه، الدولة العثمانية والوطن العربي الكبير ص 24: 26 بتصرف.
[*]لذلك ستجد كثيرًا من أغاني التراث التركي أو الأناشيد التركية القديمة مذكور فيها وبكثرة السماء والأرض والماء.
[*]يلماز ازوتونا، تاريخ الدولة العثمانية، ج 1 ص 17، 18 بتصرف.
[*]راجع فؤاد كوبريلي ترجمة احمد السعيد سليمان- قيام الدولة العثمانية ص 8:13.
[*]مذهب مسيحي وإحدى الطوائف التي لم يعد لها وجود في الوقت الراهن، تنسب إلى أريوس، حوالي (250 - 336)، وهو أحد كهنة الإسكندرية، وتتمحور تعاليمها المختلفة عن سائر الطوائف في علاقة أقانيم الثالوث الأقدس ببعضها البعض، وطبيعة هذه الأقانيم مع بعضها البعض.
[*]قيام الدولة العثمانية، محمود فؤاد كوبريلي، ترجمة احمد السعيد سليمان.
[*]سعيد عبد الفتاح عاشور، تاريخ أوروبا في العصور الوسطي ص 37
[*]أخرجه أبو داود في سننه (2/ 10 2)، والروياني في مسنده (ج 25/ 134/ 2).
[*]هذا الحديث رواه أحمد (4987) وأبو داود (3462) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
[/list]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كيف سقطت الخلافة العثمانية؟   كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Emptyالخميس 30 أبريل 2020, 1:55 pm

[rtl]تيمورلنك… اللعنة التي حلّت على الخلافة العثمانية – الجزء الأول[/rtl]

كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%AA%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%B1-%D9%84%D9%86%D9%83

تيمورلنك… اللعنة التي حلّت على الخلافة العثمانية – الجزء الأول
الخلافة العثمانية
مصطفى محمود زكي - 23 نوفمبر، 2018
وُلِد تيمورلنك أو تيموركوجان، أو كوكان بن ترغاى بن أبغاى، ويمت بصلة قرابة إلى ذرية جنكيز خان من ناحية الأم وليس من العصب. ولد في قرية خواجة أبلغار عام 1336 م، الموافق شعبان 736 هـ، وهي من مدن ما وراء النهر، ولم يحمل لقب «خان» لأنه لا يُنس ب إلى العصب كما ذكرنا. وحمل لقبَ «أمير» ولقب «كوركان»، التي تعني بلغة المغول حسن الصهر؛ لزواجه من بنات الملوك. وأطلق عليه المؤرخون بعد ذلك مؤسس مملكة المغول الثانية. وقد أضاف الفُرس إلى لقبه كلمة «لنك» التي تعني الأعرج، وهذا الاسم لم يُعرف به إلا بعد الإصابة التي حدثت لقدمة في سيستان عام 1365م
[rtl]

ما يتميز به عن باقي المغول

[/rtl]
إن المغول وبيئتهم وحياتهم التي عاشوها جعلت منهم حيوانات مفترسة تأكل الأخضر واليابس، وقد تميز تيمورلنك عن غيره من الطغاة التتر أنه كان يهدم المدن ثم يعيد بناءها على نمط جديد من صنع خياله. أما هولاكو وجده جنكيز خان فكانا يهدمان المدينة رأسًا على عقب، فلا يجعل حجرًا على حجر، ولا رأسًا على جسد، وبعد ذلك تُكتب لافتة تقول “هاهنا مدينة كذا”، أو بالأحرى كانت هنا مدينة كذا، إلا أن تيمور وغيره يتفقون على أنهم كانوا يهدمون ويقتلون ويفتكون إلى أقاصي الدرجات.
[rtl]

عقيدته

[/rtl]
إن ظاهر الأمر لدى تيمورلنك أنه كان مسلمًا، مثله مثل كثير من التتر الذين دخلوا في الإسلام. ولكن حتى نعلم حقيقية الأمور، فإن كثيرًا من الذين اعتنقوا الدين الإسلامي من المغول لم يكن انتماؤهم للإسلام بالكلية، وإنما كان ظاهريًا وفقط؛ ذلك لأنهم أطلقوا الشهادة اسمًا ولفظًا لا عقيدة ويقينًا، بل استمروا بالعمل بعقيدتهم وبكتابهم المسمى الياسا.
وكذلك كان تيمورلنك، فرغم أنه كان مسلمًا، إلا أنه لم يطبق تعاليم وأحكام الإسلام في دولته، وإنما طبق قانون الياسا الذي وضعه جنكيز خان -وهي شريعة وثنية-. وكان تيمور يدعي أنه شيعي تارة وسني تارة أخرى حسبما تقتضي مصالحه في الحكم وما يريد أن يصل إليه؛ حتى أنه ادعى الانتساب إلى الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.
[rtl]

التمهيد لنشوب الصراع مع الدولة العثمانية

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%82%D8%B5%D9%89-%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D9%87%D8%A7
الدولة التيمورية في أقصى اتساعها. يشير اللون الأخضر الداكن إلى الأقاليم والأخضر الفاتح للمناطق التي خضعت لغارات تيمور.

استطاع تيمورلنك أن يؤسس دولة واسعة الأرجاء تمتد من سمرقند إلى بلاد الأفغان والهند وإيران، حتى بلاد الكرج وأرمينيا وكردستان، وبذلك يكون قد جاور الدولة العثمانية التي كان يحكمها في ذلك الوقت السلطان بايزيد الصاعقة رحمه الله وغفر له. وكذلك قد جاور دولة المماليك في مصر والشام والحجاز، والدولة التركمانية الناشئة في شرق الأناضول، والإمارة الجلائرية المتداعية في العراق، والقبيلة الذهبية في حوض نهر الفولغا، وقد قرر تيمورلنك أن يُخضع كافة الحكام على امتداد حدود دولته ليدينوا بالولاء له.
وفي ذلك الوقت كان لبايزيد دولة قوية، بل تعتبر الدولة الثانية في العالم بعد تيمورلنك في القوة والتمكن والقدرة على تجميع الجيوش وفتح البلاد؛ فلذلك كانت المنافسة على أشدها بين الطرفين، وكان الصدام مرتقبًا لكل ذي بصيرة وعلى وشك الحدوث. ولكن ما الذي أشعل الأمور التي وصلت إلى الحرب؟
[rtl]

البداية

[/rtl]
إن الذي جعل الأمور تبدأ في الاشتعال هي سلسلة من الأحداث تلت تلك الرسالة التي أرسلها تيمورلنك إلى برهان الدين أحمد بن شمس الدين حاكم سيواس، والتي يعتبرها تيمورلنك -أي سيواس- نقطة استراتيجية محورية جوهرية بالنسبة له في الصراع حول تحقيق المجد المغولي من جديد. وعلى إثر هذا، طلب من برهان الدين حاكم سيواس أن يضرب النقود باسمه على غرار المتداول في البلاد الخاضعة لحكم تيمور، وأن يجري الخطبة باسم السلطان الجغتائي محمود بن سيورعتمش صنيعة تيمورلنك، فقام برهان الدين بقطع رؤوس رسل تيمورلنك الذين حملوا إليه الطلب، وأرسل يُعلم السلطان العثماني بايزيد والسلطان المملوكي بما فعله من قتل الرسل، فبعث بايزيد إلى حاكم سيواس يعلمه بموافقته على تصرفه.
[rtl]

وقفة

[/rtl]
ولنا هنا وقفه هامة وخطيرة في مسألة قتل الرسل، ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرسل مسيلمة الكذاب: “أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا”، وهكذا سار الخلفاء الراشدون. أما أفعال الملوك بعد «الخلافة الراشدة» ليست حجة، ولا يجوز مخالفة النصوص ونقض العهود بزعم المصلحة؛ فإن رسل الكفار لهم عقد الأمان. وأردنا أن نوضح هذه المسألة حتى لا تمر مرور الكرام دون توضيح، وقد استند البعض ليجيز قتل الرسل بما فعله قطز من قتل الرسل. فنقول إن العلماء أنكروا عليه هذه الفعلة، فهي لا تجوز ولو فيها رفع معنويات المسلمين، أو قطع الطريق أمام النفس إلا بالحرب على من يفكر أن يتراجع عن الجهاد، أو أي حجة كانت فلا يجوز قتل الرسل. والسؤال الجوهري: أيهما نتبع قطز أم النبي صل الله عليه وسلم؟!
[rtl]

سيواس

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D9%88%D8%A7%D8%B3-2
 
وردًا على قتل الرسل، أوعز تيمور إلى عثمان قرابيلوك زعيم الاق قوينلو (الخراف البيض) بمهاجمة سيواس. وهو ما حدث في سنة 1392م، 800هـ، وقتل برهانَ الدين وفرض نفسه حاكمًا على المدينة، ووضع في المدينة السيف بعد حصار دام ثمانية عشر يومًا وعاث فيها فسادًا. وبرر تيمورلنك هذا الخراب والفساد والقتل والذبح على النهج التتري القديم بقوله بأن سكانها أرسلوا بعض الهدايا إلى سلطان مصر، ولذلك وجب معاقبتهم. إلا إنه اضطر إلى الفرار منها بعد ذلك، عندما رفض السكان الإقرار له بالطاعة واستدعوا السلطان العثماني بايزيد الأول ليحكم المدينة، فسار إليها وترك فيها قوة عسكرية كبيرة وحاشية تضم عددًا من القادة العسكريين.
ثم تقدم بايزيد بعد ذلك إلى “ملطية” وانتزعها من أيدي المماليك، مستغلًا اضطراب الأوضاع في بلاد الشام. ثم “أرزنجان”، وكان حاكمها طهارتن مواليًا لتيمورلنك، فطلب منه أن ينبذ طاعته ويقر بالتبعية للعثمانيين فامتنع، وأبلغ تيمور بذلك على الفور، فاعتبر تيمور ذلك تدخلًا في شئونه. ثم تلا هذه الأحداث استيلاء تيمورلنك على بغداد في عام 1393م، فلجأ حاكمها أحمد بن أويس، وحليفه قره يوسف إلى بايزيد، الذي آواهما وأقطع أحمد “كوتاهية”، وأنعم على قره يوسف بـ”اقسرا”. فخشى تيمورلنك من قيام تحالف عثماني جلائري تركماني قد تنضم إليه المماليك بعد ذلك، فطلب من بايزيد تسليمه أحمد وقره يوسف؛ فرفض بايزيد، وقال إن هذا يخالف تقاليد الضيافة التركية.
[rtl]

الأسباب الرئيسية للخلاف بين تيمور وبايزيد

[/rtl]
والواقع أن الأسباب الرئيسية التي أججت الخلاف بين تيمورلنك وبايزيد الصاعقة هي كالتالي

  • الرغبة التوسعية لكلا الطرفين، وانتهاز الفرصة للانقضاض على الآخر.
  • الاختلاف في الهدف من التوسع؛ فبايزيد يريد نشر راية الإسلام في ربوع الأرض، أما تيمور فيريد إعادة ملك المغول مرة أخرى؛ لذلك لا يلتقيان أبدًا.
  • العصبية القومية، وخصوصًا لدى تيمورلنك، فهو متعصب للمغولية ويريد إحياءها، بغض النظر عن الإسلام أو غيره، بل كما ذكرنا فهو كان يطبق تعاليم الياسا الوثنية، وإن كان الاسم ظاهريًا مسلمًا.
  • لجوء أحمد وقره يوسف إلى بايزيد وتحميسه للقضاء على تيمور، وكذلك لجوء أمراء شرق الأناضول إلى تيمور، وتحميسه ضد بايزيد.
  • نظرة تيمورلنك العدائية لبايزيد واعتبار نفسه تركي الأصل، أما بايزيد فغير ذلك.
  • خشية تيمورلنك من اتساع ملك العثمانيين؛ فيجب القضاء عليهم وهم في هذه المرحلة، حتى أنه كان يقول: “إنه يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما أنه لا يوجد إلا إله واحد في السماء”.
  • تشجيع النصارى بكامل قوتهم لتيمورلنك بشن الحرب على بايزيد الذي يُزيد عليهم الخناق ويرغب في فتح القسطنطينية.
  • الرسائل النارية بين الطرفين.

[rtl]

ختامًا

[/rtl]
فكل هذه العوامل والأحداث التي حدثت خلال هذه الفترة كانت سببًا في تأجيج الصراع، ولكن يبدو أن السبب الرئيسي الظاهر في هذا الأمر، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، هو ما حدث من قره يوسف من مهاجمة إحدى قوافل الحجاز، فالتجأ من نالهم الأذى إلى تيمورلنك، على الرغم أنه كان يجب الالتجاء إلى حاميه، وهو بايزيد ليقتص لهم. ولكن الالتجاء تم إلى تيمورلنك، الذي انتهز الفرصة حيث وجد ضالته التي يبحث عنها لبدء الحرب بينه وبين بايزيد الذي أُنهك في حرب نيقوبوليس، وبالتالي سوف يكون في حالة أضعف منه، ولذلك فهذه فرصة جيدة لحربه والانتصار عليه.
وبدأت المراسلات بينهم على وجوب معاقبة قره يوسف، وأن يستفيق بايزيد من غفلته وما إلى ذلك من الأمور. وفى الحقيقة أن المراسلات لمن يطالعها يجد أنها كانت في طريقها للصلح، إلا أن تيمورلنك أصر إصرارًا كبيرًا، وهو ما لم يكن مجاله في هذه المسألة إلا لمن أراد أن يفسد المفاوضات؛ إذ أصر على تسليم قره يوسف، وهو يعلم رد بايزيد؛ فاشتعل الأمر من جديد، وفشلت كل المراسلات، بل تحولت الأمور إلى طامة كبرى، أو هكذا أرادها تيمورلنك؛ ولذلك فلم يكن هناك مفر سوى الحرب.
ولكن لابد من سؤال هام يُطرح في هذا الصدد، ألا وهو: ما موقف القوى النصرانية من هذا الصراع؟
هذا ما سنعرفه في المقال التالي الذي سيصل بنا إلى موقعة أنقرة، والتي تعتبر من أخطر المعارك الفاصلة في التاريخ العثماني، والتي سترتب عليها أمور في غاية الخطورة… فتابعونا



[rtl]

موقف النصارى

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ 54536a2d9c4ad948206583
يقول رب العزة عز وجل:
اقتباس :
﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾

سبحان الله! فهذا هو الواقع الذي عايشناه على مر التاريخ ونحياه الآن، ولكن للأسف الشديد لا يفقه الحكام هذا، أو على الأقل يتناسونه ويقيمون معهم المفاوضات بانتكاسات وخضوع وخنوع، ولو على حساب إخوانهم من المسلمين. وهذا ما فعله النصارى في هذا الموقف، ففور قرع طبول الحرب، شجعها العالم النصراني؛ إذ أن هذا ما كان يتمناه البابا والحكام الأوروبيون، والإمبراطور البيزنطي، بأن تشتعل الحرب بين العثمانيين والمغول من جديد.
ومع اشتعال الصراع، شعرت أوروبا بتنفس الصعداء [1]، وخاصة القسطنطينية. بل أجرى الإمبراطور البيزنطي مفاوضات مع تيمورلنك على الفور، وحذا حذوه شارل الخامس ملك فرنسا، حتى إن إمارة «طرابزون» الصغيرة، أعلنت استعدادها للسماح لتيمورلنك باستخدام مينائها الوحيد، وكذلك وعده أهالي «جنوه» الذين يديرون منطقة «بيزا» الواقعة عند القرن الذهبي لإرسال سفنهم ومنع أي إمدادات عسكرية للعثمانيين إذا ما حاولت العبور إلى آسيا الصغرى في حال ما بدأت الحرب [2]. وكان كل هذا سعيًا للقضاء التام على الدولة العثمانية، بل وإجلائها بالكامل من أوروبا. فأي حقد هذا في قلوب هؤلاء!
[rtl]

معركة أنقرة

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Empires-Clash-with-Fire-and-War-Elephants
كان بايزيد يخطط أن تكون المعركة بينه وبين تيمور خارج حدود الدولة، لا سيما وقد اقترب موسم حصاد الفاكهة، ولا يريد تخريب طعام وتجارة المدينة. أما تيمورلنك فكان يخطط للتوغل السريع بقواته ولمسافات بعيدة في الأراضي العثمانية، وذلك بهدف إرباك بايزيد وقواته؛ حتى تتشتت ولا تعرف أين تقاتل أهنا أم هناك [3].
وعلى هذا، زحف تيمورلنك باتجاه الأناضول، وقد حرص على إخفاء قواته خلف الجبال، وأتلف المزروعات أثناء طريقه، ودمر البلاد التي مر بها خلال عملية الزحف، وكانت حجته في هذا إيجاد وجمع الأعلاف للخيول [4].
تقدم تيمورلنك إلى «سيواس» -والتي كما ذكرنا كان يعتبرها نقطة جوهرية بالنسبة له-؛ فاحتلها وأباد حاميتها، والتي كان يقودها الأمير أرطغرل بن بايزيد [5]، فكما لو أنه أراد أن يفتك بسيواس على رفضها الدخول في طاعته من قبل، وأن ينتقم من بايزيد في ابنه أرطغرل رحمهما الله.
[rtl]

وقفة

[/rtl]
يجب ألا نعجب أبدًا من هذه الحجج التافهة التي  تتردد على المسامع من تدمير المدن والزروع لأجل إيجاد طعام للخيول، ألم يكن يستطيع أن يجمع الأعلاف لهم دون حرق المحاصيل ودون قتل البشر ودون تخريب المدن؟! ولكن لا نعجب من هذه الأمور، والتي على إثرها يُذبح المسلمون ويُقتَّلون ويُشرَّدون ويصبحون لاجئين في دول الغرب النصراني، فأوَّاهُ على سوريا اليوم!
[rtl]

المعركة

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ Wkwgx9b4qkf011-1024x321
مدينة أنقرة التاريخية

التقى الجيشان قرب أنقرة، حيث يتضح أن المعركة ستكون هناك، ولذلك أرسل تيمور طليعة من جيشه لردم الآبار من اتجاه بايزيد، وترك بعضها الآخر مسمومًا حتى يُقتل الجيش المسلم شر قتلة، ثم قام بتحويل نهر صغير كان يروي أنقرة لاتجاه آخر حتى لا يصل لقوات بايزيد أي مدد من طعام أو شراب، خصوصًا وهو الجيش المُنهَك بقوة بعد معركة نيقوبوليس.
ولما علم بايزيد بذلك اضطر لأن يتجه في اتجاه الغرب بمسيرة ثمانية أيام تحت أشعة الشمس الحارقة في الصيف الحارق؛ ما أنهك الجيش العثماني بقوة، وحالت قوات تيمور بينهم وبين الماء عندما وصلوا إلى أرض المعركة، فاستغل تيمور هذه الأمور وسارع في البدء بالمعركة [6].
أظهر بايزيد في المعركة شجاعة وبسالة لا مثيل لها، حتى أن تيمور ذاته أُعجِب بها وهو خصمه اللدود، ولكن ما حدث من خيانات قلبت موازين المعركة رأسًا على عقبٍ.
فقد راسل تيمورلنك أمراء المغول في جيش بايزيد، والذين كانوا يمثلون ثلثي الجيش، فكاتبهم حتى استمالهم بالعصبية المغولية، وبأمور أخرى كتمنيتهم بالحكم في مناطق أوسع، وغير ذلك من الأمور التي جاءت بنتيجة معهم وجعلتهم ينسحبون عند بدء المعركة، كما انسحبت القوات التركية التي انضمت  إليه حديثًا، وتركوا بايزيد وحده يلاقي حتفه ومن بقي معه من قوات الصرب [7].
ورغم هذا كله، وهذه الظروف المعاكسة، استمر بايزيد في الحرب التي اشتد وطيسها إلى أعالي السماء، وأثبتت القوات الانكشارية قوتها وبراعتها بشكل منقطع النظير. ولكن المعركة كانت واضحة المعالم، وأنها محسومة لتيمور، خصوصًا بعد هذه الانسحابات المتتالية من جيش بايزيد، حتى أن ابنه الأمير سليمان بن بايزيد والصدر الأعظم علي باشا طلبا من بايزيد أن يفر، إلا أنه استمر في الحرب دون تقدير للنتائج، ولم يُعِرْ التفاته لطلب ابنه والصدر الأعظم علي باشا؛ لذلك انسحب الاثنان باتجاه بورصة، كما انسحبت القوات الصربية سريعًا إلى أماسيا [8].
وكان واضحًا أن العثمانيين سيُهزَمون لا محالة. وهنا يبرز خطأ بايزيد، وهو استمراره في المعركة حتى هذه اللحظة، وهو ذو الخبرة العسكرية الكبرى، والوعي والفهم الكبيرين الذين جعلا من اسمه صاعقة على رؤوس الأعداء، إلا أنه أخطأ خطأ كبيرًا كلفهُ هزيمةً ساحقةً حلت به في هذه المعركة نتيجة الاستمرار فيها رغم ما يحدث من انسحابات وخيانات كبرى في جيشه.
وفى الليل، طوقت قوات تيمورلنك ما تبقى من قوات بايزيد، وأخذت القائد العظيم بايزيد الصاعقة أسيرًا لدى تيمور، وانتهت المعركة بانتصار تيمورلنك الساحق على بايزيد الصاعقة.
وبعد هذا الانتصار الساحق لتيمور، تقدم باتجاه بورصة فدخلها وأحرقها [9]، وحمل معه من المدينة المكتبةَ البيزنطية والأبواب الفضية، كما انتزع “أزمير” من أيدي فرسان رودوس [10] وأقام في “إقسوس” [11].
وأخيرًا، عاد تيمورلنك إلى سمرقند بعد أن حاول إزالة النقمة الموجودة في قلوب المسلمين نتيجة الانتصار على بايزيد، ونتيجة المذابح التي أقامها في سيواس، وما يفعله من مخالفة للأحكام الاسلامية؛ فحاول أن يشن هجمات على النصارى حتى يستعطف قلوب المسلمين.
وسبحان الله، كانت الفرصة مواتية لتيمور في دخول الأناضول، إلا أن الله تعالى أعماه عن ذلك، وجعله يعود كما لو أن الله يريد أن يعطي الفرصةَ مرة أخرى للعثمانيين لاستعادة توازنهم وإقامة العدل في ربوع الدنيا من جديد، فعاد تيمورلينك ورغبته هي فتح الصين كلها لتكون تحت ملكه.
[rtl]

وفاة بايزيد الصاعقة رحمه الله

[/rtl]
عاش السلطان بايزيد أسيرًا لدي تيمور مدة 7 أشهر و12 يومًا، وتُوفي قرب مدينة قونية في 3 مارس عام 1403 م، وأُرسِل جثمانه إلى بورصة. وعلى إثر وفاته أطلق تيمورلينك سراح موسى جلبي، أحد ابني بايزيد الذي أُسرَ معه [12].
[rtl]

نهاية تيمورلنك

[/rtl]
ولم يكد يستقر في سمرقند حتى أعد العدة لغزو الصين في خريف (807هـ / 1404م)، وكان الجو شديد البرودة حين خرج لغزوته الأخيرة، وعاند نصائح أطبائه واستمر بحملته، وعانى جيشه قسوة البرد والثلج، ولم تتحمل صحته هذا الجو القارس فأصيب بالحمى التي أودت بحياته. ويقال إنه مات بفعل مستحضر معمول من تقطير الخمر صنعه له أطباؤه بناء على أوامره ليقاوم البرد حيث أذاب كبده في 17 من شعبان 807 هـ / 18 من فبراير 1405 م، وبعد وفاته نُقِل جثمانه إلى سمرقند، حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بـ«كور أمير»، أي مقبرة الأمير.
[rtl]

مسألة الأسر للسلطان بايزيد

[/rtl]
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟ %D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF
بعد أن انتصر تيمورلنك على بايزيد الأول الصاعقة رحمه الله وغفر له، حمله معه إلى سمرقند أسيرًا، وقد عامله بكل إجلال واحترام على الرغم من سابق الرسائل المتبادلة بين الطرفين، وأمر بفك أغلاله وأجلسه إلى جانبه، وأكد له بأنه سيبقى على حياته، ولكن أسيراً لديه؛ فأصدر تعليماته بأن تنصب ثلاث خيام فخمة لحاشيته، وعندما حاول بايزيد الهرب احتجزه في غرفة ذات نوافذ مسدودة بالحواجز. وبالغت الأساطير فذكرت أنه قفص من الحديد [13]. وقد مرض بايزيد بعد ذلك وتُوفي وهو في الأسر.
وقد ثارت أمور يذكرها بعض المؤرخين بأن السلطان بايزيد عُومِل معاملة قاسية في الأسر وعُذِّب أشد العذاب، إلا أن الراجح من الأقوال أن هذا لم يحدث، غير أن هذا لا يمنع من كون الأسر في ذاته عذابًا، خصوصًا لرجل مثل بايزيد رحمه الله.
الأمر الثاني تجده في بعض كتب المؤرخين، وخصوصًا الناقلين من الغرب، أنهم يحاولون الابتعاد عن لفظة “الحبس” أو “الأسر”، فيقولون إن تيمور وضع بايزيد على حصانين أثناء نقله، بغرفة مقفلة شبابيكها بقضبان من حديد. فالسؤال المهم: أليس هذا حبسًا وأسرًا؟! إذًا فلماذا نجمّل اللفظ؟!
وتجد البعض الآخر ينحون منحى أبعد من ذلك؛ نظرًا لأن بعض المؤرخين الأتراك أطلقوا لفظ “التختروان” أي القفص، فلما نقل المترجمين الغرب عنهم هذا اللفظ ظنوا أن تيمور وضعه في قفص مثل الوحوش، أي معاملة المعذبين والعبيد. ومن إجمالي الأقوال كما ذكرنا آنفًا، أن السلطان بايزيد عومل معاملة جيدة، ولكن بتشديد الحراسة عليه إلى أن مات في الأسر رحمه الله.
وبأي حال، فالمُوهَوِّنون من أسره قد وقعوا في الخطأ، والذين بالغوا في تعذيبه قد أخطأوا هم أيضًا.
[rtl]

فرية انتحار بايزيد رحمه الله

[/rtl]
من أغرب الفريات التي ذُكرت على بايزيد الصاعقة، وهو من أكثر السلاطين العثمانيين تعرضًا للأقاويل، أنه مات منتحرًا. ويرجع ذلك إلى هزيمته أمام تيمورلينك والتي أرجعت الدولة إلى الوراء بشكل كبير جدًا، بعد أن كانت متقدمة تقدمًا بارزًا وقويًا، بل كانت من أقوى الدول على الساحة الدولية، حتى أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من فتح القسطنطينية.
وبخصوص وفاته رحمه الله فنجد لها ثلاث روايات:
[list="box-sizing: border-box; margin-bottom: 1rem; padding-right: 0px; list-style: none; margin-top: 10px !important; line-height: 28px !important;"]
[*]الرواية الأولى: أن بايزيد رحمه الله أصيب بحمي شديدة وضيق في التنفس وأمراض أخرى ألمت به نتيجة الغم الشديد والحزن العميق للمصيبة الكبرى التي أصابته. ونرى أن هذه هي الصحيحة، وأن إسناد تصرف الانتحار هذا ما هو إلا افتراء عليه، ويؤكد هذه الرواية المعاصرون للسلطان نفسه، وعلى رأسهم المؤرخ عربشاه، صاحب كتاب عجائب المقدور. ولهذا فإننا نرى أن هذه هي أصح الروايات التي قيلت في وفاته رحمه الله [14].
[*]الرواية الثانية:  تقول إن تيمورلنك كان عازمًا على إطلاق سراحه، إلا أنه تراجع عن ذلك مرة أخرى؛ فأصاب بايزيد اليأس فتجرع السم ومات. ويستند أرباب هذا القول إلى ما ذكره لطفي باشا وعاشق باشا زاده ومؤلف كتاب تواريخ آل عثمان: “إنه ما إن سمع السلطان بايزيد أنه سيذهب إلي سمرقند حتى اعتل غاية العلة” فكيف تفسر هذه الكلمات على أنه سينتحر، أو حتى قوله رحمه الله: “اللهم أمتني إن كان الممات خيرًا لي”. فربما المستشرقون معذرون لأنهم لا يعرفون هذه القولة في الإسلام، أو أنها جائزة في بعض الأحيان، مثلما كان بايزيد رحمه الله. ولكن العرب والمسلمين ما عذرهم لينقلوا مثل هذه الفرية على الصاعقة ويفسرون ذلك على كونه انتحارًا؟ [15].
[*]الرواية الثالثة: وتقول إن تيمور قد دس له السم، إلا أن الواقع التاريخي يؤكد عكس ذلك، بل إن غالبية المؤرخين لا يلتفتون إلى هذه المقولة نهائيًا [16].
[/list]

وخلاصة القول فقد تُوفِي بايزيد الصاعقة تاركًا الدولة في حالة من الشتات، وتحتاج إلى من يلملمه بحكمة وحنكة وحذر، فهل حدث ذلك فعلًا؟! هذا ما سنعرفه عند الحديث عن الشخصية التالية.


المصادر
[list=row]
[*]كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية
[*]محمد سهيل طقوش، تاريخ العثمانيين
[*]على الصلابي، الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط
[*]ابن عربشاه، عجائب المقدور في نوائب تيمور
[*]عبد المنعم الهاشمي الدولة العثمانية
[*]يلماز ازوتونا، تاريخ الدولة العثمانية ج1.
[*]احمد اق كوندز – سعيد اوزتورك
[*]303 سؤال الدولة العثمانية المجهولة
[/list]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
كيف سقطت الخلافة العثمانية؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إلغاء الخلافة العثمانية
» سقوط الخلافة العثمانية
» قصة الخلافة العثمانية البداية والنهاية (1)
» الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف
» الثورة العربية ضد الخلافة العثمانية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: المكتبة الاسلاميه-
انتقل الى: