رمضان فرنسا... عادات عربية يتسامح معها المجتمع
رمضان في فرنسا يحافظ فيه المسلمون على عاداتهم، لا سيما أبناء المغرب العربي. يزداد ارتباط هؤلاء ببلدانهم الأصلية من خلال الفضائيات، بالترافق مع جو من التسامح بين الفرنسيين مع الصائمين.لا تستغرب إن بادرك جارك أو أحد معارفك من غير المسلمين بعبارة "رمضان سعيد". الكلّ يعرف، في فرنسا، هذا الشهر القمري، والكلّ يعرف أنّه ليس كباقي الشهور. هو شهر المشاركة والتسامح، بامتياز، إذ تحرص فيه السلطات على أن تكون أكثر تسامحاً مع جاليتها المسلمة.
طقوس رمضان الحقيقية في فرنسا هي حيث التكتلات السكانية المسلمة الكبرى، فرمضان شهر اجتماعي بامتياز. تنتشر المتاجر التي توفر مستلزمات الشهر، وإن كان كثير من المتاجر الكبرى يفطن، منذ سنوات، لهذا الجمهور، ولهذه القوة الاستهلاكية التي تنمو، فيبادر إلى عرض هذه البضائع بحجم كبير ينافس المتاجر الإسلامية.
يندر أن تدخل إلى أحد محلات السوبرماركت تلك في الأحياء الشعبية والضواحي، من دون أن تفاجئك التمور، الآتية من تونس والجزائر، بشكل رئيس، وكلّ البضائع التي تدخل في مكونات الحساء، أي الحريرة عند المغاربة والشوربة لدى الجزائريين والتونسيين، ثم الحلويات العربية، أو ما يطلق عليه "الشبَّاكيَّة"، والألبان. أما استهلاك اللحوم، فيبلغ مستويات تفوق مستويات الشهور الأخرى.
لا يمكن أن نفصل بين العادات والتقاليد المتحدرة من دول الهجرة الأصلية، وبين ما يُمارَس في فرنسا، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ
الجالية المسلمة أقلية. يقول إمام أحد المساجد في مونتروي لـ"العربي الجديد": "في بلداننا الأصلية نعيش رمضان في كلّ مكان. في الشارع وفي العمل وفي البيت، وبالطبع في المسجد. وليست هذه حالنا في فرنسا، فالأمور أصعب، فأنت صائم ورفاقك مفطرون، يتناولون القهوة ويدخنون. حين نعود مساء إلى بيوتنا أو حين نرتاد المسجد، وفق ظروفنا، نستعيد روحية رمضان، وهذه الروحية تحتم علينا أيضاً التحلي بحسن الخلق مع الجميع، أي حبّ واحترام الجميع، لأنّهم إخوة لنا في الإنسانية وفي الجوار وفي العيش المشترك". يعترف الإمام أنّه في خطب سابقة له، طالَب المصلين، وسيفعلها مجدداً، بدعوة جيرانهم من غير المسلمين إلى بيوتهم وتقاسم فرحة رمضان وعاداته وأطباقه معهم: "في كلّ سنة يزور رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء مسجد باريس الكبير، لتناول الإفطار، فلم لا نعمم هذه الزيارة على جيراننا وأصدقائنا. أي مع من نقاسمهم الحياة اليومية؟".
نوع من البذخمثلما تعرف المجتمعات الإسلامية، في هذا الشهر، بذخاً ومبالغة في تهيئة موائد الإفطار، التي تذهب الكثير من بقاياها إلى القمامة، يحدث الشيء نفسه في الأحياء الشعبية والضواحي الفرنسية، وهو ما تفسره الأحاديث التي تتبادلها الأُسَر عن مشترياتها في هذا الشهر. لكن، لا ينطبق الأمر على الجميع.
يعرف المسلمون أنّ كلّ أجر يُضاعَف في شهر رمضان، كما يعرفون أنّ رمضان هو شهر الصفح والإيمان. وبالفعل، يتضاعف عدد المصلين في المساجد بشكل مثير، بل يصلي المئات خارج المساجد أيضاً عندما تمتلئ. ولهذا تبادر عائلات كثيرة إلى تنظيم موائد الإفطار في المساجد، لتقاسمه مع الفقراء والمعوزين، الذين ما تفتأ أعدادهم تزداد.
كلّ هذا، فإنّ معظم المساجد في فرنسا تقدم الإفطار مجاناً للمسلمين وغير المسلمين، طوال هذا الشهر. كذلك، فإنّ جمعيات إنسانية عربية وإسلامية تقوم بنفس العمل، وعلى رأسها جمعية "الشوربة للجميع" العريقة في هذا المجال، والتي تقدم الطعام لعشرات الآلاف طوال هذا الشهر، من دون تمييز في اللون والدين.
وفي هذا الشهر الفضيل، لن تجد أسرة مسلمة، لا تتقاسم الإفطار مع الجيران، مهما كانوا. سعيدة، مغربية متقاعدة، تعيش وحدها، في عمارة مع جيران لا تعرفهم، تقول لـ"العربي الجديد": "في كلّ شهر رمضان، أتقاسم
الحريرة (الحساء)، مع جارتي، وهي ليست مسلمة، وكذلك الحلويات". تضيف: "لا أستطيع أن أتصور رمضان، من دون الانفتاح على الآخرين، وعلى رأسهم الجيران". وتحرص سعيدة، رغم صحتها الضعيفة، على أن تحمل كلّ مساء جمعة، طبقاً كبيراً من الكسكس إلى المسجد. وعادة ما يطبخ المغاربيون
الكسكس في يوم الجمعة، ويتقاسمونه مع الجيران والفقراء.
ثقافة رمضانالجالية المسلمة في فرنسا هي كحال المسلمين في البلدان الأصلية، متنوعة، وبالتالي تختلف درجة الالتزام الديني بين مسلم وآخر. إذا كان بعضهم، من الرجال والنساء، لا يفارق المساجد في هذا الشهر، خصوصاً في الليل، لأداء الصلوات المفروضة ثم التراويح، التي تنتهي - منذ سنوات - ما بعد منتصف الليل، فإنّ بعضهم الآخر يفضل البقاء في بيته.
يعيد الجميع اكتشاف أصولهم وبلدانهم العربية في هذا الشهر. وهذا الاكتشاف يأتي عبر متابعة القنوات العربية. وتتخذ هذه المتابعة، أحياناً، منحى ضيقاً، فالفرنسيون من أصول مغربية يتابعون قنواتهم الوطنية، وكذلك الجزائريون والتونسيون والمصريون.
تعترف آسيا، وهي من أصل جزائري، وهي مدرّسة لغة فرنسية في إحدى ثانويات ضاحية باريس، أنّها "مدمنة" على القنوات الجزائرية، وتتابع، من دون انقطاع، برامجها الترفيهية والأفلام المعدة، خصوصاً، في هذا الشهر. كذلك، تعترف أنّها تعيش رمضان، لا سيّما في أوقات الليل، كما لو أنّها تعيش في الجزائر.
وليس الأمر حكراً على القنوات والفضائيات الترفيهية التي تستخدم سلاح المسابقات والفوازير والجوائز لإغراء الجمهور وجعله وفياً، بل إنّ ثمة إقبالاً شديداً على القنوات الفضائية الدينية، التي يقدم بعضها جوائز أيضاً، وهي جوائز دينية كرحلة عمرة مجانية مثلاً. وهو ما يكشفه بلال، الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، إذ يقول لـ"العربي الجديد": "أقطن في منطقة لا مسجد فيها للأسف، والصلوات تنتهي في وقت متأخر من الليل، ولا تتوفر مواصلات عامة. أصلي في بيتي وأتابع قنوات دينية عديدة. والخيارات كثيرة".
ثقافة رمضانالجالية المسلمة في فرنسا هي كحال المسلمين في البلدان الأصلية، متنوعة، وبالتالي تختلف درجة الالتزام الديني بين مسلم وآخر. إذا كان بعضهم، من الرجال والنساء، لا يفارق المساجد في هذا الشهر، خصوصاً في الليل، لأداء الصلوات المفروضة ثم التراويح، التي تنتهي - منذ سنوات - ما بعد منتصف الليل، فإنّ بعضهم الآخر يفضل البقاء في بيته.
يعيد الجميع اكتشاف أصولهم وبلدانهم العربية في هذا الشهر. وهذا الاكتشاف يأتي عبر متابعة القنوات العربية. وتتخذ هذه المتابعة، أحياناً، منحى ضيقاً، فالفرنسيون من أصول مغربية يتابعون قنواتهم الوطنية، وكذلك الجزائريون والتونسيون والمصريون.
تعترف آسيا، وهي من أصل جزائري، وهي مدرّسة لغة فرنسية في إحدى ثانويات ضاحية باريس، أنّها "مدمنة" على القنوات الجزائرية، وتتابع، من دون انقطاع، برامجها الترفيهية والأفلام المعدة، خصوصاً، في هذا الشهر. كذلك، تعترف أنّها تعيش رمضان، لا سيّما في أوقات الليل، كما لو أنّها تعيش في الجزائر.
وليس الأمر حكراً على القنوات والفضائيات الترفيهية التي تستخدم سلاح المسابقات والفوازير والجوائز لإغراء الجمهور وجعله وفياً، بل إنّ ثمة إقبالاً شديداً على القنوات الفضائية الدينية، التي يقدم بعضها جوائز أيضاً، وهي جوائز دينية كرحلة عمرة مجانية مثلاً. وهو ما يكشفه بلال، الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، إذ يقول لـ"العربي الجديد": "أقطن في منطقة لا مسجد فيها للأسف، والصلوات تنتهي في وقت متأخر من الليل، ولا تتوفر مواصلات عامة. أصلي في بيتي وأتابع قنوات دينية عديدة. والخيارات كثيرة". -
تسامح رسمي"لسيدنا رمضان بركاته التي لا تعد ولا تحصى" هذا ما يقوله عجوز تونسي، يقطن في بلدة غاني، بالضاحية الباريسية، وهو يتحدث عن
تعامل السلطات الفرنسية مع المسلمين في هذا الشهر. يفسّر لـ"العربي الجديد" أنّ السلطات فكَّكت منذ أشهر المسجد الوحيد في البلدة، التي يقيم فيها كثير من العرب والمسلمين، لأنّه أقيم بشكل غير قانوني في مرآب لسيارات للبلدية، ولا يتوفر على شروط السلامة. لكنّ السلطات قررت، في بادرة ودية تجاه مواطنيها المسلمين، في شهر رمضان، أن تفتح ملعب المدينة المغطى لأداء صلواتهم الليلية، على الأقل. وربما يكون هذا القرار "المتسامح" من عمدة المدينة اليميني، مرتبطاً بالانتخابات التشريعية التي تقترب.
السلطات الفرنسية عموماً، تتفهم كون هذا الشهر يفرض طقوساً ليلية خاصة على المسلمين، وهو ما يمكن أن يؤثر على راحة غير المسلمين ويثير إزعاجهم، كالسهر والضجيج والعودة المتأخرة من المساجد. وهو ما يستوجب العمل، معاً، من السلطات الفرنسية وممثلي المسلمين والأفراد، من أجل احتواء كلّ تداعياته السلبية.
صوم مسلمو فرنسا نحو 19 ساعة يومياً، وهو ما يجعل ظروف كثيرين صعبة في العمل. كذلك، فإنّ أحوال التلاميذ المقبلين على امتحاناتهم، خصوصاً البكالوريا، التي ستبدأ 15 يونيو/ حزيران، صعبة، فهم في حالة استعداد لاجتياز هذا الاستحقاق. وهي السنة الثالثة التي يصادف رمضان فيها انتخابات البكالوريا. في هذا الصدد، يبيح الأئمة للتلاميذ تناول الطعام، ثم الصوم لاحقاً، حتى لا يؤثر الحرّ الشديد والجوع والعطش على صحتهم وتركيزهم. وقد أصدر بعض الأئمة فتاوى تسمح للاعبي كرة القدم بعدم الصوم خلال المباريات التي تجرى في رمضان كي يكونوا في كامل طاقتهم خلالها.
كذلك، فإنّ رمضان يتزامن مع دورتي الانتخابات التشريعية الفرنسية (11 و18 يونيو/ حزيران المقبل)، وهو ما يستوجب من الفرنسيين المسلمين، كما يقول رئيس منظمة "مسلمو فرنسا" عمار لصفر لـ"العربي الجديد"، أن يشاركوا بكثافة، لأنّها تمس مصالحهم ومصالح مواطنيهم، أي إنّها "الجهاد الأكبر" بناء الوطن والعيش المشترك في فرنسا وأوروبا.
وتنبع أهمية هذا الموقف، أي واجب التصويت لمن يحق له ذلك، أعني الفرنسيين من أصول إسلامية، من تواجد عدد كبير من الأسماء العربية والمسلمة من بين المرشحين، وهو ما يبشر بوصول فرنسيين مسلمين كثيرين إلى البرلمان الفرنسي المقبل.