العلاقات العربية ـ الإيرانية: رئيس أهوج وآخر ينتظر تأشيرة مجانية لدخول السعودية
أحلام أكرم
May 31, 2017
أرفض أي قيود على الحريات. تكفينا القيود الأيديولوجية التي تربطنا بسلاسل مع الماضي السحيق، تحرمنا من نعمة الحرية الفكرية والعقلية، التي تؤدي إلى الحكمة وبعد النظر في التعامل مع المشاكل التي تواجهنا.
تكفينا قيود التواريخ المزيفة، التي تستمر في إعادة إحياء غريزة التعالي مترافقة بحب الانتقام، كلاهما يصب في مصلحة أنظمة قمعية بشكل أو بآخر لا تخدم المواطن الإنسان. نعم أؤمن بالحريات، وأؤمن إيمانا قاطعا بحرية العقيدة وحرية المذهب، ولكن أن تتحول إلى أداة تخدم مصالح سياسية تحقيقا لأطماع أو انتقامات تاريخية فهذا ما أرفضه مطلقا.
السياسة لا دين لها، ولا مستحيل فيها، والتحالفات تمنح القوة لكل المنتمين إليها، وإن كانت قوتها تتفاوت بين دولة وأخرى، ولكن النتيجة الحتمية هو مكسب الجميع. هناك الكثير مما كتب عن زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، وعن تحول مسار السياسة الأمريكية عن مسار الرئيس السابق في التعامل مع قضايا المنطقة. ففي حين حاول الرئيس أوباما إحداث تغيير داخلي في المنطقة العربية، بحثّ أنظمتها على العمل بقيم حقوق الإنسان وأن الديمقراطية أفضل طريق للتغيير، إلى أن أصيب بالإحباط من قصور عقلية الأنظمة العربية عن الوعي بضرورة وأهمية التغيير المؤسساتي الديمقراطي، فاتجه مباشرة لما يخدم مصلحة مواطنه على المدى البعيد، وحوّل سياسته الخارجية صوب إيران، ففي الوقت الذي عمل على تحجيم اتفاقية القوة النووية، وحصرها بالاستعمالات السلمية التي تخدم المواطن.. كان ينظر إلى الأسواق الإيرانية، التي عانت الكثير من الحصار الاقتصادي، كأسواق يافعة جديدة ستنفتح للمصالح الأمريكية، غير مكترث بما قد تهدده الدولة الإيرانية لمصالح الدول المجاورة.
وفرحت إيران بتحقيق جزء من حلمها، لما حملته الاتفاقية من الاعتراف الدولي الضمني بها كقوة إقليمية .
زيارة الرئيس الجديد لم تهتم لا بالحريات المفقودة ولا بدمقرطة المنطقة، ولا بحقوق المرأة المعدومة في المنطقة العربية. هدف الزيارة كان معروفا مسبقا، وحققت كل ما تصبو إليه الإدارة الأمريكية الجديدة، من جمع اموال طائله لدفع عجلة الاقتصاد الأمريكي والقضاء على البطالة، مقابل ضمان الحماية الأمريكية للأنظمة الحاكمة، بجيوش عربية وأموال عربية تشتري المعدات العسكرية الأمريكية. وحقق الرئيس الجديد كل ما سعى إليه بضربة واحدة، حقق توظيف الدول العربية للقضاء على «داعش» وحماية كل مصالحه الإستراتيجية في حماية أمنه، والتخلص من إرث الرئاسة السابقة، في إطلاق العنان للقوة النووية الإيرانية، بحيث أعطى لنفسه الحرية الكاملة في كيفية التعامل معها وتحجيمها دوليا بطريقته الهوجاء. أما على مستوى تصرف الدول الإقليمية مع إيران، فالأمر متروك لهذه الدول في كيفية التعامل معها، مع ضمان الدعم الأمريكي بدون التورط العسكري لجنوده.
مما لا شك فيه أن كل أنظمة المنطقة الشرق أوسطية اتسمت بالديكتاتورية بشكل أو بآخر في حقبة ما قبل نجاح نظام الملالي (وما زالت) وحين قيام الثورة الإيرانية بحضور او استحضار الخميني من فرنسا، وهو الذي وعدها آنذاك بنهج مماثل في الديمقراطية والحريات، ولكنه بعد العودة غيّر المسار لنظام يستند إلى ثيوقراطية أيديولوجية، عملت على إحياء فكرة الدولة الإسلامية، كأهم ركن في المشروع الحضاري الإسلامي، من خلال إحياء الشعارات الغيبية، مستغلآ ضعف وفقر المواطن الإيراني آنذاك، ولكنه بدل الاهتمام ببلورة مشاريع التنمية وبناء المؤسسات القانونية، عمل على تصدير ثورته الإسلامية لشعوب المنطقة العربية التي كانت أيضا تعاني من حكام لا يقلون استبدادا عن الاستبداد الذي زرع جذوره الخميني.
يعاني الكثير من الإيرانيين اليوم من تغيير مسار ثورتهم ومن الاستبداد الأيديولوجي الذي يقتل الحريات.. تماما كما تعاني الشعوب العربية من ديكتاتورييها؟ الاستعلاء الإيراني المزمن هداها إلى أن تصدير ثورتها الدينية هو الطريق.. واستغلت فقر المواطن العربي، وأنتجت أذرعا دينية في المنطقة العربية وعملت على حثهم على التشيع، تمهيدا لخلق أو إجبار النظام السياسي القائم على التعامل معها، من خلال جنودها المتشيعين فيه، ونجحت في استغلال انعدام المواطنة في لبنان لتنتج الذراع العسكرية ممثلة بحزب الله، الذي نقلته فكرة المقاومة العسكرية لإسرائيل لقوة سياسية لا يستهان بها على مستوى العالم العربي، والذي يقولها صراحة وعلانية بأن ولاءه الأكبر للدولة الإيرانية.
كلها تكتيكات النظام الإيراني لزرع التوترات في المنطقة العربية، لهدفين، الأول العامل النفسي، ثأرا وانتقاما من العرب البرابرة الذين قضوا على واحدة من أهم الحضارات القديمة، حين انتصر العرب عليها في معركة ذي قار.
والثاني الوصول بالدولة الدينية إلى مصاف الدول الكبرى، بغض النظر عما إذا كانت هذه الدولة الدينية تتماشى مع التغييرات الحضارية الدولية، وفيما إذا كان مواطن الدولة الدينية ينعم بالرخاء والأمان.
نعم هناك اطماع لإيران لسيادة المنطقة.. فأطماعها في العراق تعود لأسباب إستراتيجية بحتة، صراع حافل بين الدولتين آخره كان في الحرب التي شنها صدام حسين لمدة ثماني سنوات، كما تجلت أطماعها في احتلالها للجزر الإماراتيه الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى). وتسعى الآن وعبر المحاكم الدولية للمطالبة بجزيرتي «آريانا وزركوه» مدّعية أنها تملك وثائق تثبت ملكيتها لهاتين الجزيرتين، مؤكدة بعملها هذا أنها دولة يعيش نظامها على الأزمات، خاصة الإقليمية لصرف أنظار الإيرانيين عن تقاعس النظام وإخفاقاته في تحقيق طموحات الشعب الإيراني.
هدفي ليس التحريض على إيران فهموم الشعب الإيراني لا تختلف عن هموم الشعوب العربية، في الديكتاتورية والاستبداد.. كفانا حروبا.. كفانا إراقة دماء بشر من أي جنس ولون وعقيدة ومذهب.. الحروب لا تحل المشاكل العالقة، بل تزيد تأجيج الصراع. الحكمة والعقل هما الطريق الوحيد للتعامل مع إيران وغيرها من دول العالم. وأتمنى من كل قلبي أن تغلق إيران صفحة الانتقام المفتوحة، لأن عواقب استمرار فتح صفحتها تلك ليست في صالح المواطن الإيراني.. ولا المواطن العربي، بل في مصلحة القيادة الأمريكية، خاصة وهي تئن من قرارات رئيس أحمق ورئيس آخر يقف منتظرا دخول السعودية، وكل الدول العربية بدون تأشيرة دخول لما تراكم عليها من استحقاقات من طول الاحتلال وحرمان الفلسطيني من حقه في الحياة.
كاتبة فلسطينية