بين المنهج والمحتوى وقانون التربية والتعليم، حسني عايش
صحيفة “الغد”، 29/5/2017
على الرغم من العلاقة العضوية الواجبة بين المنهج (أو المنهاج) والمحتوى أي محتوى المادة أو الموضوع المقرر تعليمه وتعلمه في المدرسة كاللغة العربية، أو الرياضيات، أو الفيزياء.. إلا أنه يوجد فرق بينهما، فالمنهج يعني تحديد المواد أو الموضوعات التي يجب أن تتعلم أو تعلم في المدرسة، والأهداف والطرق التي يجب أن يُنظم بها المنهج لتحقيق النتائج المطلوبة. وبكلمات أخرى، لا يبين المنهج المعلومات والمعارف أو المهارات التي يجب أن يكتسبها التلميذ/ة في المدرسة. المحتوى هو الذي يبين ذلك. إن الخلط بينهما وكأنهما شيء واحد يخلق فوضى لا لزوم لها (كندال ومارزاناو).
والمحتوى (Content) أو ما يسمى هنا بالخطوط العريضة مجموعة من اللغة المشتركة، أو من التوقعات العامة التي ينتظر من المتعلم والمعلّم تحقيقها. إنه أشبه بالمواصفات القياسية وشواخص (Benchmarks) أي معايير أو مساطر لقياس الأداء.
وتتألف الخطوط العريضة للمحتوى من ثلاثة أنواع:
تعلم وتعليم يقوم على الخطوط العريضة (Standard–Based Education) ويعني بيان ما يتوقع من المتعلم/ة تعلمه والمدرسة تعليمه.
وخطوط عريضة تبين النتاج التعليمي المطلوب تحصيله:
(Outcome -Based Education ).
وخطوط الاتقان المتسلسل (Mastery Learning Standards ) أي ترتيب المحتوى تسلسلاً (حتة حتة) يتعلمها الطفل/ة أولاً بأول ثم ينتقل إلى ما يليها وهكذا، أي حسب ما دعي إليه بنجامين بلوم، حيث ينتهي الجزء أو الخط باختبار / تقييم يكشف عن أي ثغرة أو نقص في التعلم لعلاجه، وباختبار تلخيصي في نهاية المحتوى لإغلاق الثغرات وأي عيوب في التعلّم.
غير أنه قبل البدء بوضع الخطوط العريضة للمحتوى يجب أن يحدد المعنيون مستويات السلم التعليمي المتآلقة والمتباعدة من مثل دمج رياض الأطفال أو عدم دمجها مع الصفين الأول والثاني والثالث، ودمج الخامس والسادس مع السابع والثامن أو لا، والتاسع مع العاشر والحادي عشر والثاني عشر، مع المحافظة على تسلسل المحتوى ووحدته أفقياً وعاموديا.
لا يعني هذا طبعاً وجود إجماع على هذا الترتيب أو ذاك في تحديد المستويات أو الخطوط العريضة للمحتوى. وهو أمر طبيعي من جهة في هذه المسائل، وضروري من جهة أخرى للصقل والابتكار والضغط في اتجاه الإصلاح والتطوير. ومن ذلك – مثلاً- أن بعض المفكرين التربويين يرون أن لكل مادة خطوطها العريضة الخاصة بطبيعتها ومنهجها، إي انه لا يمكن صياغة الخطوط العريضة لجميع المواد بالنمط نفسه كما يرى المفكرون المذكورون.
*****
يبد وأنه كلما تحدث واحد عن فلسفة جديدة للتربية والتعليم يطلع له واحد يذكره بفلسفتهما في قانون التربية والتعليم، وكأن هذه الفلسفة خالدة ولا يأتيها الباطل. لكن هل قرأتم أو علمتم عن فلسفة ما توضع في قانون؟ إن الفلسفة تتغير بتغير الأوضاع أو العصر، ولكنها في قانون التربية والتعليم الأردني ثابتة، مع أنها ليست فلسفة بمقدار ما هي سياسة، وبعض فقرات القانون عفا عليها الزمن مثل: “التمسك بعروبة فلسطين (بعد وادي عربة) وبجميع الأجزاء، المغتصبة من الوطن العربي، والعمل على استردادها”، أو أن “العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة عضوية”، مع أن كثيراً من العرب مسيحيون، وتنفي هذه العبارة وجود علاقة بين الإسلام وغير العرب، وكأنه يجب عليهم أن يكونوا عرباً ليكونوا مسلمين”، وأن الشعب الأردني وحدة متكاملة ولا مكان فيه للتعصب والعنصرية أو الإقليمية أو الطائفية أو العشائرية أو القبائلية مع أن كل أنواع التعصب هذه صارت بارزة فيه وفاعلة لأن المدرسة والجامعة أججتها.
كما لا نرى انفتاحاً على ما في الثقافات الإنسانية من قيم واتجاهات حميدة، بل بالعكس، صار الانغلاق هو المطلوب حتى ضد شريحة في المجتمع لدرجة اغتيال أحد أفرادها على درج دار القضاء على يد مهندس يعمل في وزارة التربية والتعليم، والنأي عنها اجتماعياً.
لقد ترك جميع وزراء التربية والتعليم منذ صدور القانون إلى اليوم الميدان لإحدى الجماعات السياسية الدينية لإخضاع القانون لأيدولوجيتها السياسية وتعطيل ما عدا ذلك منه كالفنون التي يدعو القانون أكثر مرة إلى تذوقها واكتسابها. يبدو أنه ليس بالقانون وحده نضمن جودة التربية والتعليم، بل بالتربية والتعليم والتربية والتعليم.