ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: خالد الحروب الجمعة 24 نوفمبر 2017, 1:37 pm | |
| [rtl] السياسة والدين[/rtl]
[rtl] يتصدى مايكل كوك في هذا الكتاب الموسوعي لذات الأطروحة التي شغلت وتشغل أجيالا من المفكرين والباحثين: الدين والسياسة، وتحديدا الإسلام والسياسة. هل بقي هنالك ما يحتاج إلى بحث؟ إذ قد يتبدى لوهلة ما أن تراكم الدراسات في هذه الفكرة قد انهكها بحثاً، فما هو جديد كوك وكتابه، إذن؟ الإجابة تكمن في المنهج المُقارن والثروة المعرفية التي يقدمها، وإعادة قراءة وتأريخ كثير مما هو معروف من خلال منظور جديد. في البداية يجب الإشارة إلى أن كوك ليس باحثا عاديا وأثبت أن انهماكه في أي مسألة اكاديمية أو بحثية يتصف بالرصانة والجدية التي تنتزع الاحترام من قبل متابعيه. كان تورطه الأبرز في ميدان البحث في "الإسلاميات" قد تجسد في كتابه الموسوعي Commanding Right and Forbidding Wrong in Islamic Thought (Cambridge, 2000)، عدا كتاباته في الموضوعات الأخرى. في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الاسلامي" والذي تُرجم إلى العربية سنة 2009 (ونشرته "الشبكة العربية للأبحاث والنشر").
في الكتاب الجديد "أديان قديمة وسياسة حديثة: الحالة الإسلامية من منظور مقارن" يمكننا القول إن أطروحة كوك حول "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تجري توسعتها الآن لتشمل المعروف أو المنكر الأكبر "السياسة" وقيادة الناس. والسؤال المركزي الذي يسطره المؤلف في الصفحات الأولى من كتابه ثم ينهمك في تقديم "إجابة جزئية" عليه، كما يقول بتواضع، هو التالي: "لماذا بالإمكان فهم السياسة المعاصرة للهند أو أميركا اللاتينية بطريقة معقولة جداً من دون العودة إلى الأسماء التي لمعت في العصور الوسطى مثل مادهافا (في التاريخ الهندوسي) أو الأكويني (في التاريخ الكاثوليكي)، بينما لا يمكننا فهم السياسة في العالم الإسلامي الراهن من دون العودة إلى ابن تيمية؟"
لكن لماذا المقارنة بالهند والهندوسية وبأميركا اللاتينية والمسيحية، باعتبارهما مع الإسلام موضوع الكتاب "... أديان قديمة" وترك أديان وتقاليد اخرى مثل اليهودية والسيخية؟ يبرر كوك هذا الاختيار برغبته في مقارنة أوضاع مجتمعات تكون قريبة جدا من أوضاع مجتمعات العالم الإسلامي من حيث الكثرة الديموغرافية، ومن حيث الانتماء للعالم الثالث والنامي. على ذلك فإن "المنظور المُقارن"، أي مقارنة تاريخ الإسلام والهندوسية والمسيحية ضمن سياقات العالم الإسلامي، والهند، وأميركا اللاتينية، يمثل بشكل ما الإضافة النوعية والمنهجية في مقاربة هذا الموضوع الذي يبدو تقليدياً وشبه منته.
وانطلاقا من منظور المقارنة ذاك، يشرع كوك في رحلته التنقيبية بحثا عن "الإجابة الجزئية" التي يرتجي الوصول إليها. وآملا في الوصول إليها يرتب رحلته في ثلاث مراحل متكاملة: الهوية، والقيم، والأصولية، يأخذ كل منها قسماً كاملاً. ففي الأول يبحث في "الإسلام والهوية" و"الهندوسية والهوية" و"الكاثوليكية والهوية"، مبحراً في الهويات ما قبل الحديثة كالتركية والطروادية والعربية في السياق الإسلامي، وكيف دخل عليها الإسلام واتجاهات تأثيره فيها. ثم منتقلا إلى العصر الحديث ووطأة إشكال الحداثة السياسية على الهويات المتوارثة، وآليات إعادة تشكيلها وصوغها في قالب الدولة، وبقائه، أي الاسلام، كمكوّن مركزي في الهويات المتشكلة حديثا. وما رافق تلك السيرورات من توقعات عريضة، وإن لم تتواز معها الإنجازات والتجسدات في أرض الواقع. بقيت الهويات الحديثة تحت وطأة المكون الديني، ولم تستطع إخضاعه لها، بحسب ما يجادل كوك. وهكذا لم يكن بالإمكان إخضاع الدين خدمة للمشروع والهوية القومية في العالم الإسلامي.
في السياق الهندوسي يناقش كوك هشاشة الهوية الهندوسية ما قبل الحديثة، ثم التماسك الذي أضفي عليها في العصر الحديث مع بروز الدولة الهندية، وما أعقبها من تطور للقومية الهندوسية التي تفترق في الجوهر عن الهندوسية كدين. في القرنين التاسع عشر والعشرين ومع بروز فكرة القومية عالمياً اشتعلت نقاشات حادة ومتنوعة في الفضاء الهندي، وتحت السيطرة الكولونيالية البريطانية، وتولدت أفكار قومية أعادت إنتاج الهندوسية في قوالب قومية حديثة -وبالتوزاي مع الاحتكاك المتصاعد مع المسلمين في الهند. على ذلك تندرج الحالة الهندوسية في الصيغة المعروفة لتوظيف الدين لصالح المشروع القومي.
أما في الحالة الأميركية اللاتينية فيجادل كوك أن الكاثوليكية لم تلعب دورا مركزيا في تشكيل الهويات المختلفة في القارة، برغم بعض الادعاءات والمبالغات خصوصاً في ربط الكاثوليكية ببعث الشعور القومي بعد الثورة البوليفية، أو ارتباطها بالثورة المكسيكية وبروز ما صار يعرف بـ"لاهوت التحرير". حتى العداء المتسع والشعبي للولايات المتحدة بسبب سياساتها الامبريالية والتوسعية في القارة فإنه لم يتنزل إيديولوجيا على قاعدة الافتراق الديني الكاثوليكي - البروتستانتي. والخلاصة أنّ الكاثوليكية لم تُستخدم حقاً وبفعالية لخدمة الهويات القومية الصاعدة في القارة اللاتينية.
ينتقل كوك إلى نقاش فكرة القيم وفكرة الأصوليات في السياقات ذاتها، ولتأسيس التميز والافتراق الإسلاميين. وفي اختبار مسألة القيم، يمحّص موقع ودور مجموعة أساسية منها هي: المجتمع، والحرب، والغيرة الإلهية، والتسيس. يظل ممسكاً بمنهجه المقارن محاولاً وضع الأديان الثلاثة على خط واحد جنب بعضها بعضاً. مثلاً، في المجتمع يصل كوك إلى أن الهندوسية هي صاحبة الطرح الأكثر شمولية وتحديداً لشكل المجمع المثالي الذي تطرحه والمُسيطر عليها من قبل القيم الهندوسية، بينما تأتي المسيحية (الكاثوليكية) على الطرف المقابل لجهة ضبابية المجتمع المُفترض وعلاقة الدين به، والإسلام يتموضع في مكان ما في الوسط.
بكلام آخر، وعلى الضد مما هو مُشتهر، تكون الهندوسية "نظام دين ودولة" أكثر مما هو الإسلام، لكن مشكلتها الكبيرة تكمن في أن نوع وطبيعة المجتمع الذي تطرحه، القائم على نظام الطبقات، لا يتصف بأي جاذبية راهنة، وبالتالي لا يجد السياسيون الهندوس، حتى أكثرهم تطرفاً، الجرأة في الدعوة للعودة الى "المجتمع الهندوسي النقي"، كما هي دعوات الإسلاميين بالعودة إلى "المجتمع المسلم النقي". في هذه الحالة الأخيرة هذه هناك شكل معقول للمجتمع وتجربة تاريخية غنية ومهمة، وتناكف شكل المجتمع المسيحي الغربي الذي قولبته الحداثة وجعلته نموذجا عالميا أساسه المساواة. والمساواة التامة ظلت هي نقطة الضعف الكبيرة التي تعاني منها أطروحة المجتمع المسلم بسبب عدم الحسم في وضع المرأة ووضع غير المسلمين.
"الإجابة الجزئية" التي يصل إليها كوك لا تشفي غليل القارئ المتسرع، ذلك أنها لا تقدّم جديدا مفاجئاً. فهو يقول إن الأديان الثلاثة يقدم كل منها "لائحة طويلة" من الممارسات والتقاليد والمبادئ والمرجعيات التاريخية لسياسي الوقت الحاضر، يجري استخدامها جزئيا أو كلياً بحسب الحالة والظرف. لا جديد هنا ولا مفاجأة، لكن الجديد والثري منثور في طول وعرض الصفحات الخمسمائة التي تحتويها دفتا هذا الكتاب المهم.[/rtl]
|
|