خطاب ابو مازن: السلطة مستمرة في نهجها وعلى المقاومة أن تتحول الى فعل مشترك وتطبق معادلة الهجوم أفضل وسائل الدفاع.. وهذا ما قاله عرفات عن مصيدة اوسلو
بسام ابو شريف
لا نقصد من وراء هذا المقال حول الوضع في الساحة الفلسطينية التجريح الشخصي أو الاساءة لقيادات معينة ، بل نستهدف الاستفادة من دروس التجربة ، ولوضع حد لجعل التجربة ميدان الحركة السياسية الوحيد للقيادة الفلسطينية … فالخطأ السياسي المتصل بمسار قضية عادلة قد يؤدي الى كارثة سياسية تلحق بالتنظيم وبالشعب خسارة لايمكن تعويضها ، وكم من خطأ سياسي كبير في التاريخ دمر أحزابا وحركات شعوب .
عندما تبنى المجلس الوطني الفلسطيني يرنامج ” حل الدولتين ” ، كان يستند الى انتفاضة شعبية عارمة حاصرت اسرائيل تحت وضع احتلال اجرامي للأراضي الفلسطينية وللشعب الفلسطيني . فقد خلقت الانتفاضة الأولى ميزان قوى مكن م .ت . ف جر الاحتلال الاسرائيلي لطاولة مفاوضات في مدريد تحت رعاية روسية أميركية ومشاركة أوروبية وأقليمية فاعلة .
والأهم أن مفاوضات مدريد انطلقت على أساس من الشرعية الدولية واضح كل الوضوح ، وهو تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 ، والتي تنص حرفيا على ” الانسحاب الفوري للقوى الاسرائيلية المحتلة ” من الأراضي التي احتلتها عام 1967 . ورغم معارضة شامير ، رئيس وزراء اسرائيل لمشاركة م .ت .ف عمل الراعيان على ايجاد حل تعين من خلاله م .ت .ف أعضاء الوفد المفاوض ، وشكل الوفد برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي ” رحمه الله وأحسن اليه ” ، وكان جيمس بيكر وشيفارنادزة وزيران للخارجية الأميركية والروسية آنذاك .
واصطدم الاثنان برفض اسرائيلي لتطبيق القرارين ، وشكلت لجان مختصة لبحث آلية الانسحاب وتوقيتاته الزمنية ، ومطمطمت اسرائيل وتلكأت ورفضت لكن الارادة الدولية كانت حاضرة ، وان كانت غير قادرة على استخدام أدوات ضغط أفعل ، وذلك بسبب الرعاية الأميركية لاسرائيل وعدم رغبة الروس آنذاك باغضاب الأميركيين .
وحتى مع هذه المعطيات وثق التاريخ مؤتمرا صحفيا لوزير الخارجية جيمس بيكر يقول فيه بغضب : ” اذا أراد الاسرائيليون التجاوب مع جهود السلام وتطبيق القرارات الدولية فهذا هو رقم هاتف البيت الأبيض ليتصلوا بنا ” .
وكان تصريح بيكر هذا غير مسبوق في العلاقة الاسرائيلية الأميركية ، وشكل نوعا من الغضب الأميركي العلني من عدم تجاوب الاسرائيليين مع الجهود الدولية لتطبيق قرارات مجلس الأمن ، رغم ذلك استمرت الجهود …لانجاح مؤتمر مدريد .
في هذه الفترة الحساسة بالذات أظهر بعض الفلسطينيين الذين شغلوا مناصب رفيعة تمكنهم من التأثير في صنع القرار انزعاجا من الوقت الطويل الذي تستهله المفاوضات ، وتسرب الى نفوسهم الشك حول أهمية وقدرة مؤتمر مدريد على تحقيق أهدافه ، ولاشك أن العامل الرءيسي الذي جعل من مؤتمر مدريد يتمدد زمنيا ويبتعد عن تحقيق أهدافه هو خطأ كبير ارتكبه بعض منظري الحل السياسي ، ” وهو الموافقة بالتعهد على وقف الانتفاضة مع بداية مؤتمر مدريد ” ، وكان هذا الخطأ هو المقتل لفاعلية مؤتمر مدريد ، اذ كيف يمكن لمفاوضات أن تأتي بنتائج مستهدفة دون أن يكون للطرف المفاوض لانتزاع حقوقه من ” القوة ” ، مايؤهله لانتزاع مايريد ، كيف يمكن أن تجبر اسرائيل على الانسحاب بعد عقود من رفض تنفيذ قراري مجلس الأمن دون أن يخلق ميزان قوى يؤدي الى ذلك ؟ ، مع غياب النية للقوى العظمى على استخدام أدوات الضغط لاجبار اسرائيل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن .
ميزان القوى – حشر اسرائيل في زاوية الانتفاضة – هو الذي أجبرها على حضور مؤتمر مدريد ، فكيف تلقي القيادة الفلسطينية سلاحها جانبا مع انحناء اسرائيل وحضورها مؤتمر مدريد لبحث تطبيق قراري 242 و338 .
كان هذا خطأ سياسيا فادحا ، وذلك على عدم معرفة بعض القيادالت المؤثرة بقانون علمي لاغنى عنه وهو : ” ان ميزان القوى هو الذي يقرر نتائج مفاوضات بين طرفين متنازعين ومتصارعين ” ، وفي حالة فلسطين كانت ترجمة هذا القانون هو ماسجلناه ونشرناه علنا وهو : ” ان القوة التي يحتاجها الطرف الفلسطيني لانتزاع حقوق الشعب من المحتل الاسرائيلي ، واقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة هي نفس المقدار من القوة التي يحتاجها الفلسطينيون لهزيمة اسرائيل ” ، وقف الانتفاضة مع بداية المفاوضات أفقدت الطرف الفلسطيني القدرة على مراكمة القوة لخلق ميزان كفيل باجبار اسرائيل على الانسحاب ، وللتوضيح نحن لانعني ميزان القوى الميزان العسكري فقط ، بل نقصد كافة مكونات الميزان – ومن ضمنها الحركة الشعبية المقاومة ، والحركة الاعلامية ، وتنشيط دور الرأي العام العالمي ، وتأييد الشعوب وحشد التأييد الدولي ، واستخدام الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة ، والعلاقات مع دول افريقيا واميركا اللاتينية وآسيا واوروبا .
اوسلو… الخطيئة المميتة
في هذه الأثناء جاء من يهمس في أذني القيادة الفلسطينية بأن حزب العمل الذي فاز بالانتخابات يبدي استعدادا للتفاوض المباشر والسري مع م .ت .ف ، وبشكل مباشر ودون تدخل أو معرفة الولايات المتحدة وروسيا !!! ، وكان رد فعل ياسر عرفات الأولي : ” هذا مجرى مختلف تماما عن المؤتمر الدولي ! ومن سيضبط الأمور بغياب الدولتين العظميين الضامنتين لقرارات مجلس الأمن ؟ ” ، وتحدثت مطولا مع الرئيس الراحل ، ونبهت الى خطورة هذا وانه ” فخ ” ينصب لمنظمة التحرير ليفقدها الزخم الدولي الداعم لتطبيق قراري 242 و338 ، وانهالت الاتصالات على الرئيس الراحل للضغط بهذا الاتجاه ، وكانت معظمها من قيادات فتحاوية !!! يلعب بعضها الآن دورا أساسيا في صنع القرار الفلسطيني الخاطىء .
واستمر النقاش بيننا ، كان الرئيس عرفات منشدا الى هدفه : تحقيق الحلم الفلسطيني بقيادته باقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس ، واحتد النقاش بيننا في احدى الليالي حول خطورة المجرى التفاوضي الذي يقترحه حزب العمل ، وقلت له : اسأل نفسك السؤال ..اذا كان لدى حزب العمل نوايا مختلفة فلماذا لايستمر في مؤتمر مدريد ؟ لماذا يريد مفاوضات سرية دون رقابة من الدول العظمى ؟ ، واتبعت بالقول : الجواب واضح .. انهم يريدون م .ت .ف وحدها ليستفردوا وليستغلوا الانشداد لانجاز الدولة ، لكنهم في الحقيقة يريدون من م .ت .ف أن تكون حاكما اداريا للأراضي الفلسطينية نيابة عن الاحتلال الذي سيحتفظ بالسيادة ، ولن يوافق على اقامة الدولة ، وهذا يعني التهرب من تطبيق 242 و338 الذي اعتبرته الدولتان الراعيتان واشنطن وموسكو اساسا لمفاوضات مدريد ! .
وللتدليل على أهمية ما أقوله أجرينا في تلك الليلة اتصالا هاتفيا مع أحد الأصدقاء اللبنانيين الذي كان على صلة وعلاقة حميمة مع جيمس بيكر ، وطلبنا منه أن يكلمه ليستفسر عن أمور مدريد ، وكان الاتفاق بيننا أن يبقي مكالماتهما الهاتفية مفتوحة لدينا لنستمع لما يقوله بيكر ، وبالفعل تم ذلك ، وسمع الرئيس ياسر عرفات بأذنيه جيمس بيكر يقول ان مؤتمر مدريد معركة وان أطرافا في واشنطن ضالعة وان علينا أن نصبر ونتابع ، وانه سيعمل على مشاركة م .ت .ف مباشرة في بعض اللجان المنبثقة عن مدريد .
اتخذ القرار وذهب المفاوضون الى اوسلو حاملين ومتحملين نتائج فقدان القوة الداعمة لأي وفد مفاوض ، ذهب الوفد بدون الانتفاضة ليفاوض الاسرائيليين في اوسلو !! ، وجاءت النتائج كما توقعت ، كانت اوسلو فخا سياسيا واداريا وماليا وسياديا .
وعزلت نفسي أكثر من عام من الزمن الى أن اتصل بي الرئيس الراحل من غزة ، وكنت في بيت والدي في عمان وسألني ان كنت أريد التوجه لفلسطين لأنه يريدني هناك ، فكان جوابي : اذا كنت بحاجة لي سوف أدخل للأرض المحتلة ، ورتب الأمر وعبرت من نهر الأردن وتوجهت الى غزة .
وصلت غزة قبل يوم من موعد تسليم مدينة الخليل للرئيس ياسر عرفات ، وكان بنيامين نتنياهو قد فاز بالانتخابات لرئاسة الوزراء لأول مرة .
رافقت الرئيس في رحلته من غزة الى الخليل وكنت مستغربا ومندهشا من الطريق الذي سلكته طائرة هيلوكبتر خاصة بالرئيس تقودها طائرتا هيلوكبتر اسرائيليتين تحددان لها المسار . ويبدو أن نتنياهو أعطى تعليمات لتسلك الطائرات طريقا التفافيا كي يرى ياسر عرفات مواقع المستوطنات الحصينة على كل تلة وجبل في الضفة الغربية ، وبعد وصولنا الخليل بدأت تتضح معالم فتح جديد هو أن يضاف للاضافة حق اسرائيل في ابقاء مستوطنات قرب الحرم الابراهيمي ، رفض الرئيس عرفات ، وانهالت عليه الضغوطات ، ووقفت صامتا أشاهد العجب ، خالد سلام ” محمد رشيد ” ، كان واسطة بين المخابرات الاسرائيلية والسلطة، وأحاطت بالرئيس شلة منتفعين تباهى أحدهم أمامي بالقول : نتنياهو يناديني باسمي الأول وهو لطيف ؟! ، فنظرت اليه شزرا ، كان الرئيس غاضبا ومتوترا وعدنا وهو على هذه الحالة ، وفي غزة خلا مكتبه الا منه ومني ، لم أفه بكلمة ، بل رحت أنظر اليه وأشعره بأنني أنتظر منه أن يتكلم أو أن يعلق ، ” نوايا سيئة ” ، قالها الرئيس وكأنه يخاطب نفسه ، والتفت الي وقال : شفت المستوطنات ؟! ، قلت نعم وابتسمت ، ” ايه بتبتسم على ايه ؟ ، قلت : الفرنجة أقاموا بلدات ومدن لهم ميزان القوى يا ابو عمار ، هز رأسه … ، وبدأت حسابات ياسر عرفات بعد الخليل تختلف ، بدأ يفكر في ” الكمين الذي نصب له ..!!.
الانتفاضة ، السلاح .. وقامت اسرائيل باغتياله لأنها تريد التفاهم مع قادة يريدون ” السلام ” وليس مع ارهابيين . وكان هذا فخا آخر لمن ظنوا أن” خطهم المسالم ” ، والمهادن والمنحني لرغبات الاحتلال سوف يؤدي الى نتائج وعد بها شارون ؟!
ولم يفكر عقلهم القاصر بأن اسرائيل لاتريد السلام وأن من يحكم اسرائيل ليس حكومة اسرائيل ، ولم يدرك هؤلاء القاصرين في تفكيرهم والجاهلين لحقائق أساسية ان اغتيال رابين كان قرارا من ” الكوكس ” ، الذي يحكم اسرائيل كما يحكم أجهزتها خاصة الشاباك ، ولم يتسع دماغهم الصغير لمعرفة أن شارون مات اغتيالا ايضا بسبب انسحابه من غزة ووعوده ، وحتى الآن يتصرف هؤلاء وكأن الذين يحكمون اسرائيل يمكن التفاوض معهم للوصول الى سلام !!! .
بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات ومجيء الرئيس محمود عباس ليترأس السلطة ومنظمة التحرير ، بدأت عملية انغماس أعمق في الرهان على موقف الحكومتين الاسرائيلية والأميركية ، وكان هذا ليس تكريسا للخطأ فقط بل امعانا في ارتكابه ، فقد تجاوبت السلطة مع كافة طلبات الحكومة الاسرائيلية لملاحقة المناضلين والقضاء على المقاومة ، وذلك تحت بند التنسيق الأمني .
اذ كان شارون قد أعلن أكثر من مرة وطرح في أكثر من اجتماع مشترك مع السلطة ان التخلص من عرفات هو المقدمة الضرورية ” للقضاء على الارهاب ” .
وأعلن الرئيس محمود عباس انه لن يسمح بأي مقاومة مسلحة وانه سيلاحق ويعتقل من يقوم بأي عملية عسكرية ، وعبر عن ذلك بقوله : ” لن أسمح باستخدام السلاح ولن يتم ذلك الا على جثتي ” ، وفي مقابلة اخرى وردا على حرب السككين قال للتليفزيون الاسرائيلي : ” اننا نفتش حقائب أطفال المدارس لمنع السكاكين ” ، مدللا بذلك على حرصه على منع أي مقاومة للعدو حتى بالسكاكين .
وحول الاسرائيليون والأميركيون السلطة الى ألعوبة وأداة مستفيدين من الوقت للتمدد الاستيطاني ، وتهويد القدس ، وترحيل العائلات وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي وبناء عشرات اللآف من الوحدات السكنية والمستوطنات .
وأمام صمت السلطة تمادى الكنيست فراح يشرع قوانين لم يسبق للتاريخ أن رأى أبشع منها :
اعتقال الأطفال ، تقديم الأطفال لمحاكم عسكرية ، اعطاء الحق للجنود باطلاق الناردون أوامر ، اعطاء الحق لأي اسرائيلي بمصادرة أملاك الفلسطينيين في كافة المناطق في الضفة ، تهويد القدس ، تدنيس الأقصى ، التوسع في الاعتقال الاداري ، هدم بيوت عائلات ينتمي لها مقاومون ، هدم بيوت تحت حجج عدم وجود ترخيص ، الانتشار العسكري المباشر في كافة المناطق بمافيها مناطق تقع تحت سيطرة أمنية فلسطينية . اقتحام المدن والبلدات والقرى والمخيمات بقوات عسكرية رسمية ومستوطنين مسلحين ” هم في الواقع جنود في اجازة ” ، اطلاق النار على المدنيين ، قتل الأطفال ، وأبشع تلك الحوادث احراق طفل رضيع وامه التي احتضنته بهجوم مستوطنين على منزل عائلة في الشمال ، اعتقال الالآف من الفلسطينيين دون تهم وبأوامر ادارية .
كل هذا يتم وتم ولم تحرك السلطة نفسها لتقدم شكوى لمحكمة الجنايات أو لمحكمة العدل الدولية ، ولم تستخدم المحاكم الأميركية لاثارة مقتل وجرح اميركيتين من أصل فلسطيني ، في الواقع لم تعر السلطة أي اهتمام لفضح اسرائيل وتعريتها في المحافل الدولية بينما هدرت الأموال على المصفقين لها ونهب الفاسدين ، الخطيئة الكبرى للسلطة بعد اغتيال ابو عمار كانت انغماسها في السراب والمراهنة على الأعداء والاعتقاد أن الدولة يمكن أن تقام دون امتلاك ميزان قوى يمكنها من فرض ذلك .
ووصلت الأمور الى ضم القدس واعلانها من قبل حليف السلطة المزعوم ” الولايات المتحدة ” عاصمة لاسرائيل ، وتوج انغماس السلطة في الوهم وتساوقها مع مطالب الأعداء الى حد اعلان الادارة الأميركية عن نيتها ” فرض حل يؤدي الى ترحيل الشعب الفلسطيني الى سيناء وتسليم كامل الأراضي الفلسطينية لاسرائيل واطلاق اسم يهودا والسامرة على الضفة الغربية ” . هذه الأخطاء المدمرة ونتائجها دفعت الشعب الفلسطيني للهبة ضد مخططات العدو خاصة فيمايتصل بالقدس وقرار ترامب اعتبارها عاصمة لاسرائيل .
وتعاملت السلطة بلا مبالاة مع كل هذا ممايدلل على انعدام الشعور بالمسؤولية ، وعدم أهلية الحاكمين لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية .
وأمام تراكم الغضب الشعبي على مواقف السلطة دعي لاجتماع المجلس المركزي لبحث الوضع ، وهذا هو أول اجتماع يتم منذ أن اتخذ ترامب قراراته المعادية للشعب الفلسطيني .
المجلس المركزي ” لمن لا يعلم ” ، هو هيئة أضيفت لهيكلية م .ت .ف وكحلقة وسيطة بين المجلس الوطني ” البرلمان ” ، واللجنة التنفيذية ” الهيئة القيادية التنفيذية ” والمجلس المركزي لايحق له اتخاذ قرارات بل توصيات قد تأخذ بها اللجنة التنفيذية وقد لاتأخذ ، لذلك فان أي بيان يصدر عن المجلس المركزي لايعتبر ملزما للقيادة الفلسطينية ” اللجنة التنفيذية ” ، واذا دققنا في اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف نجد أنها غير شرعية من حيث عضوية عدد لابأس به من أعضائها .
يضاف الى ذلك أن هذه اللجنة لم تجتمع بنصاب قانوني وبشكل شرعي منذ سنوات ، فاللجنة التنفيذية تنتخب من المجلس الوطني ، والجواب على سؤال بسيط يدل على عدم شرعية عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية ، منذ متى لم يعقد المجلس الوطني جلساته ؟ سنوات عديدة ، وكم عضو لجنة تنفيذية عين تعيينا دون اجتماع مجلس وطني لينتخب بدائل عن المتوفين أو ممثلين لتنظيمات اندثرت ، ومازال ممثلوها كأفراد يحضرون اللجنة التنفيذية ويقبضون أموالا كرواتب لمقاتلين غير موجودين ؟؟؟ ، هؤلاء الأعضاء لايحترمون أنفسهم لأنهم لايحترمون شعبهم ولايحترمون منظمة التحرير ونظامها الداخلي ، فلو كانوا يحترمون أنفسهم لما قبلوا بأن يكونوا أعضاء غير منخبين ؟! وهم يعرفون أنفسهم ,
رغم هذا فان الاجتماع الذي عقد في رام الله لم يكن اجتماع مجلس مركزي بنصاب ، بل كان تجمعا لموظفي السلطة ووزرائها والعاملين في المقاطعة ليستمعوا لخطاب الرئيس محمود عباس .
من لاحظ منكم الفوارق بين البيان الختامي الذي صدر عن ” المجلس المركزي ” وقرأه رئيس المجلس الوطني الأخ ابو الأديب وبين خطاب الرئيس محمود عباس ، عليه أن يسارع لفهم أن بيان المجلس المركزي غير ملزم ، بينما كلام الرئيس محمود عباس هو التعبير عن المنهج والسياسة التي ستسير عليها السلطة .
فماهو المستخلص من كل هذا ؟ ، ماهي السياسة التي ستتبعها السلطة ، وماهو موقف السلطة ؟؟
الرئيس محمود عباس كان واضحا جدا ، ولم يفصح في خطابه الا عن الموقف الذي سيتخذه والسياسة التي سيتبعها ، وحدد ذلك بالنقاط التالية :
انه ضد التصدي للمخطط التصفوي الذي شرعت اسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذه الا بالعمل الدبلوماسي والسياسي .
سيبقى في اطار التفاوض مع اسرائيل تحت شعار ” مع من نتفاوض اذا لم نتفاوض مع اسرائيل ” .
انه سيستمر في السعي للحصول على قرار الاعتراف بالدولة رغم الفيتو الأميركي حتى لو تطلب ذلك عشرين عاما .
ابقى الباب مفتوحا للعلاقة مع الادارة الأميركية عبر تعابير خلافية من نوع قوله لترامب ” عيب ” تقطع المعونات ” وكان جواب ترامب وقف المساهمة في مالية وموازنة ” الاونروا ” .
خطاب الرئيس ابو مازن يبقي أوضاع م.ت.ف على حالها ويرفض آراء شركائه في ” المصالحة ” ، ويبقي على التنسيق الأمني ، ولايستخدم أسلحة هامة كمحكمة الجنايات ، ويرفض العمل العسكري ، ويحافظ على مشاركة السلطة في المفاوضات !!!، رغم أن المفاوضات لاتعني الآن سوى بحث مشروع ترامب الذي تدعمه اسرائيل والسعودية ودول خليجية . من هذا نستخلص أن مواجهة مخطط تصفيةقضية فلسطين يتطلب من قوى المقاومة الفصل التام بين نهج السلطة ونهجها ، وهذا يتطلب الشروع في تطهير م .ت .ف رغم أنف السلطة تماما كما حصل عندما تسلمت مقاليد م .ت .ف فصائل الكفاح المسلح عام 1968 ، ولهذا التطوير مقدمات ضرورية أهمها أن تكون ” فتح ” مشاركة في هذه العملية ، ففتح تبقى التنظيم الكبير الذي قاد الثورة وبزعامة ياسر عرفات ، وأعضاء فتح وكوادرها وطنيون ويتحرقون شوقا لنضال حقيقي لصد العدوان وتحرير الوطن ، ولذلك فان مشاركتها الفاعلة في عملية التطهير خطوة وشرط ضروري لانجاح العملية .
والخطوة المتلازمة هي بناء داخلي جديد يجعل الصلة بين القيادات والشعب صلة مباشرة ووثيقة ، وليس على طريقة سادت منذ أن أقيمت السلطة ، ولابد من نقلة نوعية جديدة نابعة من ترابط أطراف العدوان وعملهم المشترك لفرض مشروع ترامب ، وهي تنظيم الروابط والتعاون والعمل المشترك بين فصائل المقاومة العربية ، فترابط أطراف معسكر الأعداء وقيادتها المشتركة للعدوان ، مطلوب ترابط الأطراف للدفاع عن الأمة وعملها المشترك ايضا اذ لم يعد مفيدا أو فاعلا أن يعزل الصراع في مواقع جغرافية يحددها العدو ، بل لابد من مواجهة المخطط في كل الساحات ، فالمعارك في سوريا هدفها اجراء وفرض تغييرات كي تشطب قضية فلسطين من جدول أعمال سوريا ، ومخطط تقسيم سوريا هو وسيلة من وسائل توصل الاعداء الى هذاالهدف ، وكذلك العراق واليمن وليبيا ومصر ، تأسيس قيادة موحدة للمقاومة تعنى بالمواجهة على كافة الساحات والربط فيما بينها أصبحت ضرورة ماسة ، ولاشك أن هذه القيادة ستتوصل الى المعادلة الصحيحة في المواجهة الكبرى ، وهي أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع .
كاتب وسياسي فلسطيني