جدعون ليفي
هذا ليس ضدّ الساميّة... عبّاس قال الحقيقة
نشر بتاريخ: 18/01/2018
كتب جدعون ليفي- هآرتس- ترجمة أمين خير الدين
الجوقة المُبْتهجة تصرخ ثانية: محمود عبّاس
يجب أن نرى ردود الفعل على خطابه حتى نفهم إلى أيّ مدى تتحدث إسرائيل بصوت واحد ومتجانس ومُخيف، إلى أي حدٍّ لم يعد فيها يسار ويمين، ولا جدال جدي ولا تعدديّة فكريّة، فقط ضجيج عنصري أعمى يصمّ الآذان. من ندّاف أيال ("خطاب هذيان وحقارة") وحتى بن درور يمني ("أيديولوجية هذيان")، جميعهم تنافسوا من يهاجم عباس أكثر؛ لم يناقش أحد أقوال عبّاس. لقد شتم دونالد ترامب، شيخ اللغة المؤدّبة، "يخرب بيتك"، فصُدِم الإسرائيليون ذوو الآذان الحسّاسة. وقال عباس استعمار، فصرخ الإسرائيليون الضحايا المُتَمَسْكِنون "ضدّ السامية". لم يقل أحد ما الغلط في خطابه وماذا فيه ضد السامية. باستثناء ربّما "الأسطول الهولندي الذي نقل اليهود إلى هنا"، عباس قال الحقيقة. الحقيقة التي من الصعب هضمها. وإسرائيل اختارت الصراخ. هكذا هي دائما عندما لا تجد ما ترد به.
قال عباس إن اتفاق أوسلو انتهى. ماذا بقي منه، بعد مرور حوالي - 20 سنة على وجوب التوقيع على الاتفاق الدائم؟ عملت إسرائيل كل ما باستطاعتها لتعطيله. كل اقتحام ليلي لجندي إلى المنطقة A هو تعطّيل له، وكل بقاء لأسير قبل أوسلو هو تعطيل له. إن الحكومة الحالية ومؤيّديها عارضوا أوسلو، والآن يُصْدمون عندما يقول عباس إنه انتهى؟ عباس قال الحقيقة.
"لن نقبل الرعاية الأمريكية بعد اليوم". هل بقي لديه خيار؟ أن يحني هامته أما الصفعات المُدوية؟ أن يركع أمام رئيس ينكر الاحتلال؟
ألم يقل الحقيقة عندما احتج على ادِّعاء ترامب بأن الفلسطينيين هم الذين افشلوا المفاوضات؟ الدولة العُظْمى التي تعاقب الواقع تحت الاحتلال بدلا من معاقبة القائم بالاحتلال- هذا أمر غريب. بدلا من التوقف عن تمويل وتسليح الاحتلال، أوقفت الولايات المتحدة تحويل الأموال إلى منظمة إنقاذ لاجئي الشعب الواقع تحت الاحتلال. هذا جنون الأنظمة. ردّ عباس بتعقّل. صحيح ان السفيرين الأمريكيين نيكي هايلي وديفيد فريدمان هم صديقا الاحتلال وعدوا القانون الدولي؛ كيف يمكن تعريف أولئك الشاذَيْن؟
جُلّ ما في الصدمة عندما لامس عباس ألعصب الحسّاس لدى الإسرائيليين وعرّف الصهيونيّة كجزء من المشروع الاستعماري. ما الخطأ بذلك؟ عندما تقوم دولة استعمارية متلاشية تَعِد بأرض ليست لها شعبا أغلبيته المُطلقة لا تعيش بها، وتتجاهل الشعب الذي يعيش بها - ماذا نسمي هذا غير استعمار؟ عندما تعد بأكثر من نصف البلاد لأقلّ من عُشْر الذين يعيشون بها، ماذا يكون ذلك غير ظُلْم صارخ؟
من الصعب سماع الحقيقة، لكنها حقيقة. لا يمكن تفسير وعد بلفور بشكل آخر. وما الخطأ في أن نطلب من البريطانيين الاعتذار عنه والوقوف الآن مع الفلسطينيين بعد كل سنوات المصادرة والنهب، النهب الذي بدأ مع بلفور واستمر إلى يومنا هذا؟ إقامة دولة إسرائيل خدمت الغرب الاستعماري. صدقَ عباس. تبدو إسرائيل كمستعمرة غربية أخيرة بنظر البرابرة العرب، كما بدا نظام الأبرتهايد الغربي في جنوب أفريقيا كمستعمرة أخيرة بنظر الشيوعيين والسود.
بعد ذلك تأتي المقارنة، تحولت إسرائيل إلى ملجئ عادل، وأيضا كان ذلك على حساب الفلسطينيين، كان على العالم أن يعوضهم بتحريرهم من أحتلال 1967، وأن يمنحهم حقوقا متساوية أو دولة مستقلة، عن هذا تكلّم عبّاس.
عباس بعيدا عن كونه السياسي الكامل. ليس ديمقراطيّا، ربما ليس محبوبا ربما يكون فاسدا، ومن المؤكّد أنه عاطفي في تمسّكه بحل الدولتين الميّت – لكنه القائد الفلسطيني الذي يسعى للسلام وليس الأعنف الذي يتبادر للذهن. لهذا هو خطر على إسرائيل ولهذا أيضا احتفل نتنياهو بخطابه، وصدحت الجوقة العنصرية، تريد إسرائيل أن يكون جميعهم يحيى السنوار، عندها يكون الاحتلال مريحا جدا لها.