حكاية مناضلة فلسطينية لم تدون بعد… رحيل فاطمة البرناوي اول اسيرة فلسطينية افريقية في قبضة الاحتلال..
اسيا العتروس
يقولون أنها أول أسيرة فلسطينية تقع في قبضة الاحتلال , و يقولون أنها أول امرأة تتولى قيادة الشرطة النسائية الفلسطينية بقرار من الزعيم الراحل ياسر عرفات و يقولون هي المرأة التي اقتحمت ساحة النضال و هي في سن الثامنة عشرة دون اذن مسبق أو ترخيص , و يقولون أنها المقدسية السمراء التي سجلت مسيرتها بأحرف خالدة تنهل منها الاجيال الفلسطينية المتعاقبة …وهي بالتأكيد كل ذلك ولكنها أكثر من ذلك بكثير فهي عنوان ملحمة لم تدون بعد و هي رمز من رموز القضية الفلسطينية النسائية التي سيتعين جمعها و تدوينها اعترافا بدور و تاريخ مناضلاتها و لكن ايضا و هنا مربط الفرس حتى يبقى هذا السجل مفتوحا يغذي ذاكرة الاجيال و يشهد على تضحيات من سبق من نساء فلسطين ممن رسمن اجمل الملاحم النضالية في العصر الحديث و ممن يواصلن المسيرة و يحرسن المعبد في وجه تتارالعصرممن امتهنوا القتل و الاستيطان و التهويد و احتلال ارض الغير ..انها فاطمة البرناوي التي غادرت الحياة في صمت مهيب قبل ايام بعد مسيرة حافلة بالعطاء و التضحية و النضال من اجل الارض …الالاف كانوا في وداعها في غزة حيث نعتها الفصائل الفلسطينية و استعرضت ماثرها التي تحدثت عنها ..فاطمة البرناوي المناضلة الفلسطينية التي عاشت بعيدا عن الاضواء امرأة شبيهة بفلسطين في لون ترابها و في عيونها السوداوين و في عروقها التي تحمل كل عبة تراب فيها …أليست فلسطين الشامخة في نخوتها و امتدادها رغم كل التحديات و المؤامرات شجرة معطاء ولادة لا يجف لها ضرع أو نبع .؟..اليست فاطمة برناوي و شقيقاتها فروع من تل وستظلّ فاطمة البرناوي، الى جانب شقيقاتها من مناضلات فلسطين علامةً تاريخيّةً ساطعةً في تاريخ النضال الوطنيّ الفلسطينيّ و الملاحم النسائية المستمرة بقيادة فلسطينيات لا يتسلل اليهن الخوف او الاستسلام و لا يتنازلن على الحق المشروع مهما تفاقمت التحديات … .”
” فاطمة برناوي” هي حكاية امرأة حملت هموم الوطن و رعت الحلم الفلسطيني في ذاكرتها و اجتهدت لترسيخه و بناءه على الارض و هي حكاية اسيرة صامدة رغم قسوة السجان و ظلمه و قيوده هي الام التي حولت الياس الى امل و انجبت وهي خلف القضبان، وهي الممرضة و الاسية التي عالجت جروح الفدائيين و ساعدت الاسيرات خلال المخاض خلف السجون و القضبان و هي التي اجبرت على ترك اطفالها لتقبع في السجن …وهي واحدة من المناضلات الائي رفضن الافراج المجزأ على اثر اتفاق طابا في 1996 ورفضن الإفراج الفردي وطالبن بالإفراج الجماعي ، ففضلن البقاء في السجن حتى استطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع الأسيرات بشكل جماعي في بداية عام 1997.. .و هي ايضا الامينة الصادقة كاتمة اسرار فتح العسكرية و ملهمة الاجيال و قاهرة السجان.
كالشجرة؟ اليست فاطمة برناوي من دونت بنضالاتها أجمل الملاحم التي ستخلد ذكراها الى جانب كل نساء فلسطين المناضلات؟
قبل أيام ودعت فاطمة برناوي عالمنا و كانت اخر محطة لها في الحياة في مصر حيث توفيت بعد صراع مع المرض و نقلت الى غزة لتوارى الثرى بعد أن منع الاحتلال وصولها الى مدينتها القدس بما يؤكد مجددا أن خوف هذا الكيان من المناضلات والمناضلين احياء كانوا أو اموات …
ستبقى فاطمة برناوي في سجلات التاريخ الشهيد والاسيرة الاولى التي تتعرض للاعتقال بعد انطلاق الثورة الفلسطينية في 1965 من شوراع القدس وحاراتها انطلقت مسيرة فاطمة برناوي في اول عملية فدائية تقودها كان ذلك ردا على النكسة، طبعا ما كان لسلطة الاحتلال ان تقبل بما حدث و حكمت على فاطمة برناوي بالسجن بمؤبدين و عشر سنوات اضافية قبل أن يتم الافراج عنها بالتزامن مع زيارة السادات الى اسرائيل …
تروي سمرة فاطمة البرناوي مسيرتها الفلسطينية الافريقية و هي التي تنحدر من حارة الأفارقة في القدس، جاء والدها من نيجيريا و فتفتحت عيناها على أرض فلسطين عام 1939، و تحديدا في منزل العائلة في حي الجالية الأفريقية المقدسي بالقرب من باب المغاربة. وشارك والدها في ثورة الشهيد عز الدين القسام عام 1936.و لان ما شابه اباه ما ظلم فقد سارت فاطمة برناوي على خطى والدها و رضعت القضية في دماءها و حفظت في ذاكرتها كل شوارع و حارات مدينة القدس التي انحدر منها عبد القادر الحسيني وفيصل الحسيني وقاسم أبو عكر وعمر القاسم وجمعة إسماعيل وسامر العيساوي وهند الحسيني وأحمد مناصرة وإسراء جعابيص وشروق دويات وسمير أبو نعمة و شيرين أبو عاقلة و غيرهم من رموز النضال ,,و هي ايضا زوجة الأسير الراحل فوزي النمر ابن مدينة عكا، ..رحلت الأسيرة الأولى فاطمة برناوي و قد حفرت على جدران السجن اسم القدس، مع غيرها من الاسيرات عائشة عودة ورسمية عودة و روحية بكري وربيحة ذياب …
هي أوّل أسيرة تُسجّل في سجلات “الحركة النسوية الأسيرة” للثورة الفلسطينية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والثالثة في مسيرة الثورة، والأولى لحركة “فتح”.
يشاءُ القدر أنْ يكون رحيلها في القاهرة على مقربة من تاريخ إطلاق سراحها في نوفمبر 1977، بعدما كانت قد أُسِرَتْ في سجون الاحتلال في 8 أکتوبر 1967، إثر مُحاولتها تنفيذ أوّل عملية فدائية لها في القدس، شاركتها فيها شقيقتها إحسان، التي رحلت في أكتوبر 2015 في العاصمة الأردنية – عمان.
كلفها عرفات بتنفيذ عملية عسكرية بتفجير “سينما صهيون” في القدس، بعد أن تمكن من العودة الى الضفة متسللا عبر الاردن لإعادة تنظيم العمل الفدائي من هناك.و لكن كتب عليها أن تقع في الاسر مع شقيقتها احسان .. ترحلُ فاطمة البرناوي وما زالت فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي حرمها أنْ تُدفَنَ في القدس، التي شهدت ولادتها …
هب ابنة محمد علي النيجيري، نزل القدس بعد أدائه فريضة الحج، وقاتل إلى جانب الحاج أمين الحسيني، ورُزِقَ بخمسة أفراد، بينهم فاطمة وإحسان، اللتان ترعرعتا في الحرم القدسي الشريف.
بعد نكبة العام 1948، هُجّرت العائلة إلى الأردن، لكن بقي الوالد في القدس، عندها قرّرت فاطمة، إبنة السنوات التسع , مواليد القدس في العام 1939) العودة إلى القدس، فهربت من والدتها، مُتجهة إلى الحافلة التي تقُل الركاب إلى فلسطين، مُختبئة بين مقاعده كي لا تراها والدتها، ولما شاهدها المسؤول عن الحافلة سألها عمّا تفعله بين المقاعد؟ فأجابته: “أضعتُ قرشين”، علماً بأنّها لم تكن تملك ولا قرشاً واحداً، ثم تبعتها لاحقاً والدتها وأخوتها الأربعة، وتعلّمت مهنة التمريض.
تفاصيل الحكاية او المسيرة التي سترتبط بفاطمة برناوي تبدأ سنة 1967 التي كانت نقطة التحوّل لدى فاطمة، التي تعرّفت إلى جرحى فلسطينيين كانوا من “صاعقة 23″، وكذلك إلى “شباب الثأر”، تمَّ نقلهم إلى مُستشفى في نابلس، وأخذت تُساعدهم وقرّرت تهريبهم، وتمكّنت هي أيضاً من الهرب من جنود الاحتلال.
بعد حرب جوان 1967، تعرّفت إلى الشاب شوقي شحرور، الذي أبلغها بعد سؤالها عن الجهة التي ينتمي إليها بأنّه من حركة “فتح”، عارضاً عليها الانضمام إلى الحركة، فكان جوابها سريعاً: “آه من هلق”، وأقسمت اليمين…
بعد ذلك كلّف “الدكتور محمد” ياسر عرفات فاطمة بتنفيذ عملية عسكرية، تقضي بتفجير “سينما صهيون” في القدس , كانت العملية التي أوكلت إلى فاطمة، واحدة من بين 7 عمليات خطّط “الدكتور محمد” لتنفيذها، للرد على الاحتلال الغاصب، وكانت المُفاجأة أنّ تكون شريكتها في العملية، أختها إحسان، التي كانت تصغرها بخمس سنوات، وسبقتها بالدخول إلى حركة “فتح..”.
بتاريخ 8 أكتوبر 1967، انطلقت فاطمة وأختها إحسان لتنفيذ العملية، حيث وضعتا حقيبة مليئة بالمُتفجرات داخل “سينما صهيون”، التي كانت تعرض فيلماً عن الحرب، ثم ادّعت فاطمة بأنّ بطنها يُؤلمها، فسألت أحدهم عن صيدلية تكون قريبة من السينما، وبذلك تمكّنتا من الخروج دون أنْ يشعر بهما أحدٌ، لكن صحافياً أميركياً انتبه للحقيبة، فظنَّ أنَّ الفتاتين السمراوتين قد نسيتاها، فخرج خلفهما مُسرعاً، فما كان من جنود الاحتلال إلا أنْ نقلوا الحقيبة إلى خارج السينما، وقاموا بتفجيرها، وعندما سمعت الفتاتان دوي الانفجار، أخذتا تنشدان أغنية لأم كلثوم “راجعين بقوة السلاح..”، وبدأ جنود الاحتلال عملية البحث عن الفتاتين السمراوين، اللتين توغّلتا في حي باب المغاربة في القدس، الذي تقطنه الجالية الأفريقية، حيث ظن الجميع بأنّهما من الأفارقة، الذين يسكنون باب المغاربة في القدس، وبالتالي لم يكن البحث عنهما سهلاً، وهو ما ساعدهما على الإفلات من جنود الاحتلال.
وكان “أبو عمار” قد أرسل رسالةً إلى عائلة فاطمة من خلال شاب، وصل إلى البلدة وسأل المُختار عن العنوان، فأرشده إليه، وكانت الرسالة تطلب منهم “مغادرة المنزل قبل أنْ يصل الإسرائيليون إليهم”… لكن المُختار كان عميلاً للاحتلال، فوشى إليهم بأنّ شاباً غريباً عن المنطقة موجود في البلدة، وفي منزل محمد علي البرناوي، وحين وصل جنود الاحتلال إلى منزل عائلة فاطمة، كان الشاب لا يزال يشرب القهوة عندهم، فاعتقلته دورية الاحتلال، كما اعتقلت والديها، وأختها التي ادّعت بأنّها فاطمة، لتتيح لأختها المجال بالهرب، لكنّ الجنود ما لبثوا أنْ اكتشفوا الأمر، لكنّ إحسان، تمكّنت من الفرار إلى الأردن مع مجموعة علي طه، وهناك تزوّجت واستقرّت.
في من 10 أكتوبر 1967، اعتقلت قوّات الاحتلال فاطمة البرناوي و قدمت للمحاكمة الى جانب
الشبان السبعة الذين نفّذوا سلسلة العمليات التي خطّط لها “أبو عمار”، وكان قد أوكل لها والدها مُحامياً فلسطينياً، بعدما كانت رفضت التعامل مع المُحامي الإسرائيلي، واعترفت بتنفيذها العملية، قائلةً: “إنّها عملية شرعية، دفاعاً عن وطني، لماذا أتنكّر لها؟!”، وحكم عليها بالسجن مُؤبدان و10 سنوات، بتهم حيازة أسلحة، والشروع في تنفيذ عملية تفجيرية، والانتماء لتنظيم غير شرعي…
أدركت فاطمة برناوي أن الأحكام الصادرة بحقها، تهدف لترهيب الفتيات الفلسطينيات بهدف الاحجام عن الأعمال النضالية، ولكن ما حدث أكد العكس حيث تكررت العمليات الفدائية بقيادة نساء فلسطينيات من امثال مريم ابو دقة و ليلى خالد …يروى عن فاطمة برناوي و هي الممرضة انها انقذت حياة اكثر من اسيرة فلسطينية في حالة مخاض في السجن …
– في ماي 1974، أقدمت “الجبهة الديمُقراطية لتحرير فلسطين” على احتجاز 230 طالباً في “مدرسة الشبيبة العسكرية الإسرائيلية”، التي تقع داخل أحد مباني الاستخبارات الإسرائيلية، في منطقة “معلوت” شمال الجليل، وطالبوا بمُبادلتهم بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، وأحضر موشي ديان الأسيرة فاطمة من سجنها، و كانت خدعة لاطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين ..
أُطلِق سراح الأسيرة فاطمة في نوفمبر 1977، قبل زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى “الكنيست” الإسرائيلي، ثم لاحقاً توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” مع الكيان الإسرائيلي، والتي نصّت على إطلاق سراح عدد من السجناء الفلسطينيين، وإبعادهم إلى خارج الوطن، فكان من بينهم فاطمة، التي ابعدت إلى الأردن، ثم وصلت إلى لبنان، حيث التحقت في صفوف الثورة الفلسطينية، ولكن في المجال الاجتماعي وليس العسكري.
التقت الأسيرة المُحررة فاطمة، بالفدائية دلال المغربي،و تذكر الراحلة فاطمة برناوي انها : “حين نزلتُ بيروت، جاءت دلال لتتعرف عليّ، وكانت صغيرة في السن، قالت لي: “سأذهب إلى المكان الذي أتيت منه”… لم أتوقّع حينها أنّها فدائية، إلى أنْ سمعت نبأ استشهادها، فعرفت بأنّها الفتاة التي جاءت لتتعرّف عليّ، فكانت مُفاجأة كبيرة جداً”.
تزوّجت فاطمة من المُناضل فوزي النمر، الذي أُطلِقَ سراحه أيضاً في صفقة التبادل التي كانت جزءاً منها،
– بعد عودة الكثير من المُناضلين الفلسطينيين فلسطين في العام 1994في اطار اتفاق غزة اريحا أولا ، ومن بينهم فاطمة، طلب منها الرئيس “أبو عمار” تأسيس “جهاز الشرطة النسائية” الفلسطينية..
انضمت للعمل النضالي وهي في سن الثامنة عشرة، فكانت من أوائل طلائع قوات العاصفة في الداخل الفلسطيني، وكان لها دورًا أساسيًا في تأسيس الخلايا التنظيميّة والفدائيّة… أمضت عشرة أعوام في سجون الإحتلال في معتقل سجن الرملة العسكري، قبل الإفراج عنها وإبعادها خارج فلسطين ..
عادت فاطمة البرناوي إلى قطاع غزة عام 1994 مع عودة السلطة الفلسطينية ، وتولت قيادة الشرطة النسائية، وتم منحها وسام نجمة الشرف العسكري عام 2005. أما باقي رفاقها في مجموعاتها فتم تحريرهم بتبادل الأسرى بعملية النورس عام 1980…