الحرب التالية في الشرق الأوسط
رونين بيرغمان* - (نيويوك تايمز) 12/2/2018
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
في الساعات المبكرة من صباح السبت، العاشر من هذا الشهر، كان الشرق الأوسط على شفا حرب أخرى جديدة.
وفقاً لمصادر إسرائيلية رفيعة المستوى، كانت الاستخبارات الإسرائيلية تتعقب خلال الليل طائرة مسيرة إيرانية أطلقتها وحدة القدس من قوات نخبة الحرس الثوري الإيراني، من قاعدة لها في وسط سورية.
وبعد دقيقة ونصف الدقيقة من دخول الطائرة الإيرانية المجال الجوي الإسرائيلي، استطاعت طائرة هليوكبتر هجومية إسرائيلية إسقاطها من السماء. وعلى نحو متزامن، أطلقت ثماني طائرات إسرائيلية صواريخها على مركز القيادة والتحكم في الطائرة في القاعدة الإيرانية، ونسفته إلى جانب الإيرانيين الذين يشغَلون المركز.(لكن إيران نفت أن تكون طائرتها قد أسقطت أو أن جنودها قتلوا).
بعد ذلك، قام الجيش السوري، المتحالف مع إيران، بإطلاق صواريخ أرض-جو على الطائرات الإسرائيلية. وتعقبت الصواريخ طائرتين إسرائيلتين استطاعت إحداهما المراوغة والإفلات، بينما أصيبت الأخرى بشظايا الصاروخ المتفجر. وتمكن طاقم الطائرة المكون من طيارَين من القفز بالمظلة وهبطا في الأراضي الإسرائيلية. وكانت إصابة أحدهما بليغة.
وكانت هذه تلك طائرة تفقدها إسرائيل في القتال منذ العام 1982. وبعد أن أصيبت قوتها الجوية وسمعتها بوصفها لا تقهر، ردت بغضب عن طريق ضرب نظام الدفاع الجوي السوري، حيث دمرت خمس بطاريات، بالإضافة إلى تدمير أربع مرافق اتصالات إيرانية في سورية.
كان المقصود من الرد على إسقاط الطائرة الإسرائيلية أن يكون أكثر عنفاً. وكانت إسرائيل تحتفظ منذ وقت طويل بخطط طوارئ لعملية عسكرية ضخمة في سورية. ويوم الأحد الذي تلا إسقاط الطائرة، استخرجها الجنرالات من الجوارير. لكن الإيرانيين والسوريين، مع حليفهم حزب الله اللبناني، أدركوا أن شيئاً من هذا القبيل كان في الأفق، وأعلنوا أنهم لن يدعوه يحدث من دون رد. وسمع الإسرائيليون ذلك، لكنه لم يردعهم. وذهبت قوات الدفاع الإسرائيلية في اتجاه الحرب.
مع ذلك، سرعان ما اتضح مَن هو الطرف الذي يقرر الأمور. كان القصف الإسرائيلي للقاعدة الجوية قريباً بشكل خطير من القوات الروسية. وكانت مكالمة هاتفية غاضبة من الرئيس فلاديمير بوتين صباح السبت كافية لجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يلغي الخطط.
وبشكل علني بالمقدار نفسه، دان الروس انتهاك الإسرئيليين للسيادة السورية من دون أي ذكر لانتهاك الإيرانيين المجال الجوي الإيراني. وقال لي مصدر عسكري إسرائيلي كبير: "وحتى ظاهرياً وعلنياً، اتخذ الروس الجانب الآخر ضدنا وليس فقط في الخفاء. كان بإمكانهم أن يمنعوا إطلاق الطائرة المسيرة، لكنهم لم يفعلوا أي شيء. لقد سمعنا الرسالة الروسية، عالية جداً وواضحة".
وهكذا، أمكن تجنب الحرب -وإنما للوقت الراهن فحسب. وما تزال كل المكونات اللازمة لانفجار عنيف في الشرق الأوسط حاضرة.
كانت إيران أول بلد ياتي لمساعدة الرئيس بشار الأسد عندما اندلعت الحرب الأهلية قبل ست سنوات. وانضمت إلى الإيرانيين وحدات من حزب الله، بالإضافة إلى مقاتلين شيعة تم شحنهم من العراق وباكستان وأفغانستان. وقد نجا نظام الأسد بفضل هذه القوات.
تنبأت إسرائيل في وقت مبكر بأن بنادق هذه الوحدات سوف تستدير نحوها في نهاية المطاف. ولكن في تلك الأيام، كان ينظر إلى "داعش" على أنه التجسيد لكل الشرور، وبذلك، فإن أي طرف يحاربه إنما يقف في جانب "الأولاد الطيبين". ولم يتسمع أحد إلى تحذيرات إسرائيل.
من جانبها، نفذت إسرائيل أكثر من 100 عملية قصف وغارة جوية في داخل سورية، من دون إعلان المسؤولية عنها أو الاعتراف بها، ضد مواقع تخزين الأسلحة والقوافل التي تقوم بإمداد القوات التي تقودها إيران.
ومع تمدد الجيش السوري إلى الحدود القصوى لمحاربة قوات الثوار، ومع مساعدة الإيرانيين وحزب الله له في القتال الكثيف، ترتب على التحالف الثلاثي أن يتبلغ مرة بعد الأخرى بعض الحقائق المريرة: كانوا يعرفون أن الموساد والمخابرات العسكرية الإسرائيلية تعرف كيف ومتى وأين يعملون، كما عرفوا أنهم لن يتمكنوا من الرد على الغارات الإسرئيلية من دون أن يتكبدوا خسائر جسيمة.
عندما دخلت القوات الروسيىة سورية في العام 2015، وأصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لن تتخذ إجراءات حقيقية للتصدي لتحركات السيد بوتين، استطاع نتنياهو إقامة قناة اتصال سرية بينه وبين السيد بوتين، وفق العديد من مصادري في المخابرات الإسرائيلية، بالإضافة إلى خط هاتفي مفتوح للاتصال بين إسرائيل والمخابرات الروسية لمنع وقوع اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والقوات الروسيىة فوق الأراضي السورية.
لكن تلك الكمية المحدودة من التنسيق التكتيكي لم تقُد روسيا إلى فهم احتياجات إسرائيل الاستراتيجية. ومع اقتراب تحقيق انتصار للأسد، كانت إسرائيل تطلب من روسيا ضماناً بأن الإيرانيين سوف يغادرون سورية بمجرد انتهاء الحرب. لكن المطالب الإسرائيلية قوبلت باللامبالاة في موسكو. فروسيا تريد تأمين قدم آمن لها في الشرق الأوسط، وتتطلب منها سياستها الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران.
كما طلبت إسرائيل أيضاً من الولايات المتحدة مرات عدة عمل شيء لمنع الوضع من التدهور. وفي آب (أغسطس) الماضي، زار وفد رفيع المستوى واشنطن، والذي ضم يوسي كوهين، مدير الموساد، وهرتزل هاليفي، مدير المخابرات الإسرائيلية. وقدم الوقد للسيد مكماستر، المستشار في مجلس الأمن القومي الأميركي، كما أخبرتني مصادري، معلومات عن "مواد استخبارية حساسة، وذات مصداقية، ومصدر قلب كبير" عن خطط حزب الله وإيران لمهاجمة إسرائيل من الحدود مع سورية. وقالوا إن حزب الله كان يؤسس لنفسه تواجداً عسكرياً كبيراً في سورية، وإن إيران كانت تبني محطة بحرية على البحر الأبيض المتوسط بالقرب من ميناء طرطوس.
وقال لي شخص شارك في تلك المباحثات، إن إسرائيل "طالبت" بضرورة أن يحتوي أي اتفاق سلام في سورية مطلب انسحاب وإزالة حزب الله وقوات الحرس الجمهوري الإيراني من البلد.
مع ذلك، لم يوافق الأميركيون على الاستجابة. وقال لي مشارك في المباحثات: "إننا لا نفهم ما الذي تريده هذه الإدارة تحقيقه. الحقيقة التي يجب أن تقال هي أننا لسنا متأكدين على الإطلاق من أن محاورينا من الجانب الأميركي يعرفون ما الذي يريدونه أو ما الذي طلب الرئيس منهم تحقيقه. الشعور العام السائد هو الارتباك والفوضى".
أدى سلوك الولايات المتحدة، التي انسحبت إلى حد كبير من الشرق الأوسط، أمام التواجد الروسي والإيراني في سورية، إلى إثارة الكثير من الحنق والغضب من أميركا في أجزاء من المجتمعين، العسكري والاستخباراتي، في إسرائيل.
وقد أوضحت الأحداث يوم السبت شيئين: أولاً، لن تكون إسرائيل قادرة وحدها على التصرف في سورية من دون قيود. فالقوات المشتركة المعارضة لها سوف ترد بقوة من الآن فصاعداً. وثانياً، إذا كان ثمة أحد لا يدرك ذلك بعد، فإن روسيا أصبحت الآن القوة المهيمنة في المنطقة.
جلبت تطورات ذلك الأسبوع المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى الفضاء المفتوح، جاعلة من احتمال حدوث نزاع أقوى أكثر مباشرة وأكثر تهديداً. وكانت إسرائيل قد أظهرت في الماضي أنها قوية فعلاً عندما تشعر بأنها تركت لتدافع عن نفسها.
في صباح الجمعة الذي تلا الاشتباكات، حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤتمر ميونخ للأمن. وقد أمل السيد نتنياهو ورئيس الموساد، السيد كوهين، الذي رافقه توضيح أن المواجهة الأخيرة في سورية غير مقبولة -وتحذير الولايات المتحدة والدول الأخرى من أنه إذا لم يتم لجم إيران، فإن إسرائيل سوف تهاجم قواعدها في سورية.
ما تزال إسرائيل هي القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، لكن الحروب تظل غير قابلة للتنبؤ بها وغير مأمونة الجانب. ويجب أن يريد الجميع -بدءاً من موسكو إلى القدس وإلى واشنطن- الحيلولة دون وقوع مواجهة أكثر عنفاً في سورية قبل أن يكون الوقت قد أصبح متأخراً جداً.
*كاتب مساهم في مجلة نيويورك تايمز، ومراسل رفيع للشؤون العسكرية والاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرونوت، ومؤلف "انهض واقتل أولاً: التاريخ السري لاغتيالات إسرائيل المستهدفة".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Middle East’s Coming War
The Middle East’s Coming War
By RONEN BERGMANFEB. 12, 2018
In the early hours of Saturday morning, the Middle East was on the brink of yet another war.
During the night, according to my high-ranking sources, Israel’s intelligence services had been tracking an Iranian drone that was launched by the Quds division of Iran’s elite Islamic Revolutionary Guard Corps from the Tiyas air base in central Syria.
A minute and a half after the drone entered Israeli airspace, an Israeli Air Force attack helicopter shot it out of the sky. Simultaneously, eight Israeli fighter jets fired missiles at the drone’s command and control center at Tiyas, blowing it up, along with the Iranians manning the center. (Iran has denied that its drone was shot down or that its troops were killed.) The Syrian military, allied with Iran, responded by firing surface-to-air missiles at the Israeli jets. The missiles locked onto two Israeli aircraft. One of these managed to evade the rockets, but the other was hit by fragments of the exploding missile. The two-man crew ejected and landed in Israeli territory. One of them was gravely wounded.
This was the first aircraft that Israel had lost in combat since 1982, and its air force, its reputation for invincibility injured, responded angrily by striking at the Syrian air defense system, knocking out five batteries, as well as destroying four Iranian communications facilities in Syria.
The response to the downing of the Israeli jet was intended to be a lot more violent. Israel has long maintained contingency plans for a huge offensive operation in Syria. On Saturday, the generals took them out of the drawer. But the Iranians and the Syrians, along with their Lebanese ally Hezbollah, realized that something like that was in the offing, and let it be known that they would not let it happen without responding. The Israelis heard this, but were not deterred. The Israel Defense Forces went on to a war footing.
It soon became clear, though, who is calling the shots. The Israeli bombardments of the air base had been dangerously close to Russian forces. A furious phone call on Saturday morning from President Vladimir Putin of Russia was enough to make Prime Minister Benjamin Netanyahu of Israel cancel the plans.
Publicly as well, the Russians vehemently condemned Israel’s violation of Syrian sovereignty, making no mention of the Iranian drone’s incursion into Israeli airspace. “Even outwardly, publicly, the Russians took the other side, against us, and not only in private,” a senior Israeli military source told me. “They could have prevented the launch of the drone, but they didn’t do anything. We heard the Russian message, very loud and clear.”
War was averted — but only for now. All of the ingredients for an extremely violent eruption in the Middle East remain in place.
Iran was the first country to come to the aid of President Bashar al-Assad when the Syrian civil war broke out six years ago. Joining the Iranians were units from Hezbollah, as well as Shiite fighters shipped in from Iraq, Pakistan and Afghanistan. It is thanks to these forces that the Assad regime has survived.
Israel predicted early on that these units’ guns would eventually be turned against it. But in those days, the Islamic State was seen as the embodiment of all evil and accordingly anyone fighting it was one of the good guys. No one heeded Israel’s warnings.
For its part, Israel has conducted more than 100 bombing and missile raids in Syria, without ever admitting it or taking responsibility, against storage sites for weapons and convoys supplying the Iranian-led forces.
With the Syrian Army itself extended to its limits combating rebels, and the Iranians and Hezbollah helping it in the heavy fighting, this tripartite alliance was forced to swallow time after time some bitter truths: They recognized that Mossad and Israeli military intelligence knew how, where and when they were operating, and they knew that they wouldn’t be able to respond to the Israeli raids without suffering heavy losses.
When Russian forces entered Syria in 2015 and it became clear that the United States would not take real measures to counter Mr. Putin’s moves, Mr. Netanyahu managed to set up a secret communications channel between himself and the Russian president, according to my sources in Israeli intelligence, as well as an encrypted phone line for communication between Israel and the Russian military and intelligence in order to prevent clashes between Israeli and Russian forces in Syria.
But that limited amount of tactical coordination hasn’t led Russia to understand Israel’s strategic needs. As an Assad victory approaches, Israel has been asking Russia to guarantee that the Iranians will leave Syria once the war is over. Those requests have been met with indifference in Moscow. Russia wants to build a secure foothold in the Middle East and its policy requires it to maintain good relations with Iran.
Israel has also asked the Trump administration several times to do something to stop the situation from deteriorating. Last August, a high-ranking delegation visited Washington, including Yossi Cohen, the director of the Mossad, and Herzl Halevi, the head of Israeli military intelligence. They presented H. R. McMaster, Mr. Trump’s national security adviser, with, according to my sources, “sensitive intelligence material, credible and of great concern” about Iranian and Hezbollah plans to attack Israel on the border with Syria. Hezbollah, they said, was building a significant military presence in Syria and Iran was planning to set up a naval base on the Mediterranean at the port of Tartus.
A participant in those talks told me that Israel “demanded” that any peace agreement in Syria require the removal of Hezbollah and Islamic Revolutionary Guard Corps troops from the country.
The Americans, however, didn’t agree to deliver. “We do not altogether understand what this administration wants to achieve,” I was told by one of the participants in the talks, “and truth be told we are not at all sure that our interlocutors on the American side know what they want or what the president had told them to achieve. The general feeling is one of confusion and chaos.”
The conduct of the United States, which has largely withdrawn from the Middle East, in the face of the Iranian and Russian presence in Syria has prompted anger and frustration toward America in parts of the Israeli military and intelligence communities.
The events on Saturday made two things clear: First, Israel will no longer be able to act in Syria without limitations. The joint forces opposed to it will from now on react with vigor. Second, if anyone was not yet aware of it, Russia is the dominant power in the region.
This weekend’s events brought the confrontation between Israel and Iran into the open air, making the prospect of a bigger conflict more immediate and more menacing. Israel has demonstrated in the past that it is forceful when it feels that it has been left to fend for itself.
On Friday morning, for the first time ever, an Israeli prime minister will attend the Munich Security Conference. Mr. Netanyahu and his Mossad chief, Mr. Cohen, who will accompany him, hope to make it clear there that the current configuration in Syria is unacceptable — and to warn the United States and other countries that if Iran is not reined in, Israel will attack its bases in Syria. Israel is the strongest military power in the Middle East, but wars are unpredictable. And everyone — from Moscow to Jerusalem to Washington — should want to deter an even more serious conflagration in Syria before it’s too late