هل المؤتمر الدولي هو الطريق الصحيح لحل القضية الفلسطينية؟
د. عبد الحميد صيام
Feb 23, 2018
طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مجلس الأمن خطة إنقاذ للعملية السلمية بين فلسطين وإسرائيل مكونة من أربع نقاط، تبدأ بمؤتمر دولي وتنتهي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. تجري المفاوضات بينهما ضمن جداول زمنية محددة يقوم خلال هذه الفترة الطرفان الأساسيان بالامتناع عن اتخاذ أي خطوة أحادية، بينما تعلن الولايات المتحدة تراجعها عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتلغي قرارها بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس. وتتضمن الخطة الموافقة على مبادرة السلام العربية بالترتيب، بحيث لا يسبق التطبيع الانسحاب الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
الخطاب تعرض لمسألة الحماية، لكن لم يطلبها رسميا وتعرض لمسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه وعد بالعودة إلى مجلس الأمن قريبا لهذا الغرض. إذن باختصار لم يأت الخطاب بجديد، إلا بفكرة عقد مؤتمر دولي، تنتج عنه آليات تطبيقية ضمن جداول زمنية محددة. فهل هذا هو المخرج السليم من الأزمة الوجودية التي وجد الشعب الفلسطيني نفسه أمامها، منذ اتفاقيات أوسلو التي ما كان يمكن إلا أن تقود لمثل هذه النتيجة؟ وهل هناك إمكانية تحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة عن طريق هذا العرض؟ وهل نتوقع أن ترى هذه المبادرة النور؟ ومن الذي سيدعو للمؤتمر ومن الذي سيحدد الآليات والمواعيد المحددة؟
مؤتمرات دولية تنتهي إلى لا شيء
ليست هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة عقد مؤتمر دولي لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة قضية فلسطين من جميع جوانبها، وتنتهي «على فاشوش». وسأستعرض بسرعة أهم هذه المؤتمرات، أو التجمعات الدولية التي حاولت أن تحل أو وضعت رؤية للحل ولكن انتهت بدون نتائج، بينما كانت إسرائيل تخلق الحقائق على الأرض.
- مؤتمر جنيف – 21 ديسمبر 1973- دعت الأمم المتحدة بعد حرب أكتوبر 1973 وبناء على ما ورد في القرار 338 عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في جنيف، تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم. وقد ترأس المؤتمر كل من هنري كيسنجر وفيدور تيتوف وزيري خارجية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقا. حضر وزراء خارجية مصر والأردن وإسرائيل، بينما ظل المقعد السوري خاليا. لقد ربطت سوريا موقفها بموقف منظمة التحرير، وأصرت على إما أن تحضر المنظمة أو ستقاطع معها. كانت القيادة الفلسطينية تتمنى أن تدعى للمؤتمر كما فهموا من أنور السادات، الذي اتصل بفاروق القدومي، الذي كان يشغل موقع وزير الخارجية الفلسطيني، وقال له حرفيا «أنا حجيب لكم دولة يا فاروق»، لكن خاب أمل القيادة لأن إسرائيل ادعت أن ميثاق المنظمة يدعو إلى تدمير إسرائيل فكيف تدعى لمؤتمر سلام. ووعدت إسرائيل والولايات المتحدة بأنهما ستقاطعان المؤتمر في حالة حضور المنظمة. وقد انتهى المؤتمر بعد جلسة الافتتاح، بدون أي نتائج، لكن كيسنجر استطاع أن يفكك اللاءات الثلاث التي ثبتها عبد الناصر في قمة الخرطوم، وكانت تلك البداية التي أفضت إلى اتفاقيات فض الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية وانتهت باتفاقية كامب ديفيد.
- مؤتمر البندقية – 13 يونيو 1980- اجتمعت تسع دول أوروبية وأقرت بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته المستقلة، وحق منظمة التحرير الفلسطينية بتمثيل الشعب الفلسطيني. وقد اعتمدوا في البيان على قراري مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973). فرح القوم بهذا البيان المهم، وظن العرب أن الاتحاد الأوروبي أخيرا وضع ثقله وراء الحل العادل والشامل والدائم، كما نص البيان، إلا أنه انتهى عند ذلك الحد بدون أي تحرك فعلي لتنفيذ الإعلان.
- مؤتمر مدريد – 30 أكتوبر 1991 – دعا وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر أطراف النزاع جميعها إلى مدريد، لكسر الجمود في الشرق الأوسط. حضرت المؤتمر إسرائيل والدول العربية المعنية بما فيها سوريا. لكن تحت إصرار إسرائيل حضر وفد فلسطيني من الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط وضمن وفد الأردن، لكن كلمة فلسطين ألقاها الدكتور حيدر عبد الشافي. وقد جاء المؤتمر بعد التحولات الكبرى التي حدثت عام 1988 واعتراف المنظمة بقرار 242 وحق جميع الدول بالعيش بسلام ضمن حدود آمنة، والتخلي عن العنف والإرهاب. وكان يعتقد أصحاب المدرسة الواقعية هذه أنهم سيعودون من مدريد إلى دولة فلسطينية سترى النور قريبا فقد أعلنوا بدء «سلام الشجعان» ـ لكن تمخض الجبل وولد «اتفاقية أوسلو الكارثية» التي ضيعت الحقوق الفلسطينية جميعها مقابل وعود غامضة.
- مؤتمر أنابوليس27 نوفمبر 2007 – وقد دعا له الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش – إذ يبدو أنه أراد أن ينهي فترتي حكمه الكارثيتين بجائزة نوبل للسلام بدل زجه في السجن هو وصديقه توني بلير بصفتيهما مجرمي حرب ارتكبا من الفظائع ما لا يوصف. وقد حضر المؤتمر الدولي أكثر من 40 دولة. استبشر الفلسطينيون خيرا وظنوا واهمين أن الرئيس الذي دمر دولة العراق، سيعمل على إنشاء دولة فلسطين. وقد صدر عن المؤتمر بيان جاء فيه: «تعزيزا لهدف الحل القائم على دولتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن: اتفقت الاطراف على البدء فورا فى مفاوضات ثنائية بحسن نية، من أجل إبرام معاهدة سلام وحل جميع القضايا العالقة، بما فيها كافة القضايا الجوهرية بدون استثناء، على النحو المحدد في الاتفاقات السابقة وستجتمع لجنة توجيهية في 12 ديسمبر 2007، تليها مفاوضات كل أسبوعين بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت». وانتهى المؤتمر كالمؤتمرات السابقة بدون نتائج.
مؤتمر باريس 15 يناير 2017- بدعوة من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند حضر ممثلون عن سبعين دولة لإيجاد آليات لتفعيل القرارات الدولية في موضوع الحل القائم على دولتين إسرائيل وفلسطين، التي حددها البيان الختامي بأنها تقام على حدود عام 1967. ولم يشارك الطرفان الأساسيان في المؤتمر ليعطى المشاركون فرصة للتوصل إلى حل، بعيدا عن أي تأثير. نـُسي المؤتمر ومقرراته وكأنه كان تمرينا في العلاقات الدولية للدولة الفرنسية.
دور المجتمع الدولي في تدمير القضية
إن أكبر خدعة انطلت على القيادات الفلسطينية المتعاقبة منذ أوسلو وحتى اليوم هي أن الحل سيأتي مما يسمى زورا وبهتانا المجتمع الدولي. ولقد تمثلت هذه الخدعة في تشكيل اللجنة الرباعية عام 2002، المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروربي والأمم المتحدة، عشية غزو العراق. وكي يعطي بوش غطاء للعرب الداخلين معه في عملية تدمير العراق، تبنت الولايات المتحدة فكرة حل الدولتين، وتبنت بنفسها مشروع القرار 1397 (2002) الذي تحدث عن رؤية الحل القائم على دولتين، ثم عادت نفسها وتبنت مشروع قرار الحل القائم على دولتين 1515 (2003). وقد شكلت اللجنة الرباعية لتنفيذ خريطة الطريق التي تفضي إلى حل الدولتين وأسندت المهمة لتوني بلير الذي عمل كل ما يمكن عمله لمنع قيام الدولية الفلسطينية.
كل هذه الجهود أبعدت الفلسطينيين عن ساحة النضال، وحول الثنائي- بلير- فياض الشعب الفلسطيني إلى موظفين، والسلطة الفلسطينية إلى كائن هلامي يعيش على المنح الخارجية، وتدخل في مفاوضات عبثية لا تنتهي إلى نقطة حتى تبدأ من جديد، ثم تصل إلى طريق مسدود فيأتي من ينعش تلك الجهود لبدء جولة جديدة من المفاوضات العبثية، بينما تستمر إسرائيل في تنفيذ برامجها على الأرض في عملية قضم متواصل ومتسارع للأرض بطريقة تجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة مترابطة قابلة للحياة معدومة أو شبه معدومة.
الحل ليس في الهروب إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي. مفتاح الحل كما جاء في جملة مهمة قالها الرئيس عباس في مجلس الأمن تعبر عن الحالة التي وصلت إليه القضية بقيادة الأوسلويين: «نحن سلطة بلا سلطة. نحن سلطة نعمل لدى الاحتلال ولن نقبل بهذا الأمر».
الحل إذن يا سيادة الرئيس يبدأ من هنا – عد إلى الشعب الفلسطيني. إرم مفتاح السلطة كما هددت مرارا ودع الاحتلال يدفع الثمن ودع المواجهة الشعبية السلمية الشاملة والمتواصلة تخلق حقائق جديدة على الأرض بدل التذلل أمام هذه الدول، التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بزراعة هذا الكيان ورعايته وتمكينه وحمايته ورعايته. لن يأتي الحل من مجلس الأمن ولا من المؤتمرات الدولية ولكن من النضال الفلسطيني المدعوم من أمته العربية والإسلامية وشعوب الأرض جميعا الذين ينتصرون للعدالة والحق ويقفون ضد الظلم والعدوان.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي