منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:06 pm




اقتباس :
الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله
ـ
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد..
فلقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون في المجتمعات الحية صراع بين الأفكار، ومساجلات بين الحق والباطل، وجولات بين الخير والشر تنتهي في النهاية بأن يقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه، فيكون من الزاهقين. 
شاء الله عز وجل أن يكون في المجتمعات الحية صراع بين الأفكار. 
والصراع بين الأفكار لا يزعج المذهب الصحيح، ولا ينال من أصحاب الدين القويم، فالمذهب الصحيح والدين القويم يرتكزان على مبادئ وأسس، ويعتمدان على معتمد صلب قوي لا تزعزعه العواصف، ولا تنال منه الهواجس، ولا يحطمه عنفوان الأعداء الذين يمتازون بسوء الطوية وخبث المعتقد. 
والأمة الإسلامية منذ فجر التاريخ تعرضت إلى صراع الأفكار، وتعارض التيارات، فكان ذلك حافزاً قويا لهمة علمائها، وإرادة فقهائها، فانكبوا على مصادر تشريعهم يتأملونها، ويغوصون في بحارها فيستخرجون جواهر أحكامها، ودرر مبادئها، ثم يشيدون من ذلك كله بناءً متكاملا بأسلوب يناسب عصرهم، وطريقة تصلح لمقاومة هذا الوافد الجديد من غير أن يكون في ذلك افتراء على الله، أو ادعاء زور على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، أو افتيات على الإجماع، أو إلحاق قول بتابعي لم يقله، أو تأويل قول جاء في القرآن أو في الحديث، أو ورد في التاريخ منسوبا إلى صحابي أو تابعي، تأويلا لا يحتمله هذا القول إلا بشق الأنفس، ولفت العنق بعنف وشدة. 
انكب العلماء والفقهاء حين رأوا صراع الأفكار على مصادر تشريعهم واستخرجوا منها المواد الأولي لتشييد هذا البناء المتين الذي لا يتمكن الأعداء من النيل منه لصلابته، ولا يستطيعون الدخول إليه لإحكام غلقه، وقوة رتاجه. 
ولقد أدرك الأعداء أنهم لن يتمكنوا من دخول هذا الصرح، إلا إذا اعتلوا جدرانه، ونقضوها بمسحاتهم حجراً حجراً، فإذا ما وصلوا إلى آخر الأحجار عمدوا إلى إخفاء أثر هذا البناء، ثم إلى إخفاء جريمتهم بعد ذلك.
وكان لهم فعلا ما أرادوا في غفلة من الأمة، فحيل بين الأمة وبين العلم الصحيح وحيل بين العلماء، وبين أن يباشروا مهامهم التي نيطت بهم، فوقعت الأمة في جهالة جهلاء، وسقطت في دهاليز يلفها فيه العماء بعد العماء. 
وأفاقت بعد دهور، فإذا بسنة الله الجارية في المجتمعات موجودة في مجتمعهم، ومنها صراع الأفكار والثقافات، فعرض كل بضاعته، وهي في جملتها لا تقوى على النزال، ولكنها قد عرضت لعلم أصحابها، أن علماء الإسلام غائبون، وأن وجودهم في المجتمع وجوداً ضعيفاً، وأن أمر العلم قد وسد إلى غير أهله، وأن هؤلاء الغرباء على العلم يجهلون قضاياه، ويجهلون الأسس، والأصول التي تقوم عليها هذه القضايا، وهم من أجل هذا الجهل يضعون النتائج موضع المقدمات، ويضعون الأهداف مكان الغايات، ويعتبرون الوسائل والمقدمات هي منتهى الأمل وغاية الغايات. 
وانزعجت الأمة علماؤها ودهماؤها ووقف الجميع مندهشاً لا يدري ماذا يفعل، وكانت الفتنة الكبرى التي تركت الحكيم حيران.
وقبل أن تفيق الأمة من دهشتها وقعت في خلافات وصراعات، وانقسمت إلى شيع وجماعات كل يأخذ لبنة من الإسلام ويجعلها هدفاً له، ويجتزئ من صرحه جزءاً، ويجعله غاية الغايات.
وهذه اللبنة وهذا الجزء لا يصلح الواحد منهما أن يكون معبراً عن صرح الإسلام كله، ولا ينهض الواحد منهما أن يقوم في وجه هذه الثقافات الواردة، فيحطمها، ثم يبني على أنقاضها. 
والمرء لا يكاد يشك في مقدرة الجيل المعاصر من المسلمين على هدم هذه الثقافات الواردة، والإتيان عليها من القواعد، ذلك لأن هذا الأمر سهل ميسور يعين عليه ما قاله ربنا في قرآنه " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يفسقون " .
ولكن الذي نحتاج أن ننبه إليه هو أن الأمة إلى الآن علماؤها ودهماؤها، قد شدت عيون أفرادها بعصابة سوداء، بحيث لم يعد الكثير منهم يبصر الطريق الصحيح إلى الإصلاح، أو يعرف السبيل القويم إلى الإنقاذ. 
والطريق الصحيح والسبيل القويم هما في أن تعود الأمة من جديد إلباً واحداً، وتنتهج نهج سلفها، فتستخرج من أصول الشريعة الإسلامية دررها في العقيدة والتشريع، وتبني من هذه الدرر نظاماً متكاملاً يحمي السلوك والاعتقاد، بحيث يكون هذا البناء مفهوماً للعصر، قادراً على المواجهة، قوياً بنفسه، راسخاً بذاته، معبراً عن وجوده، من غير أن يكون في هذا البناء لبنة واحدة، قد أدخلت عليه زوراً أو ادعى صانعوها أنها من عند الله، وهي ليست من عنده.
إن هذا هو المنهج الصحيح إلى الإصلاح إن كنا جادين فيما ندعيه من الرغبة في الإصلاح. 
أما ما نحن فيه فهو لا يعبر إلا عن طريق ضال لا نجني منه إلا الفرقة وتقطيع الأوصال. 
ولقد وقع تحت يدي محالا إلىّ نشرتان سيارتان بين بعض شباب المسلمين، قرأتهما فوجدت فيهما أصدق مثال لهذا السبيل الذي ضل غايته، وهذا الطريق المظلم الذي لم يستطع الإنسان فيه أن يبصر مواقع أقدامه فاخترتهما لكي أناقش قضايا وردت فيهما، لأبين من خلال هذه القضايا حماسة ضلت طريقها إلى الإصلاح، وانفعالا لم يدرك الهدف الصحيح للإسلام أو لبعض قضاياه على الأقل.
ثم أحاول بعد ذلك أن اذكر الرأى الذي أراه معبراً عن الطريق الصحيح إلى تطبيق شرع الله، والوسائل التي يمكن اصطناعها لتحقيق هذه الغاية. 
ولذا فقد وقع هذا المقال في مرحلتين:
إحداهما: تصور بعض الآراء التي نجد فيها قصوراً.
والثانية: تعبر عن الرأى الذي نراه محقا للهدف بالغا للغاية.
وليس لنا من كتابة هذا المقال إلا الطمع في رضى الله عز وجل، وهو لا يحرم الطامعين فيه من أن يمنحهم رضاه. 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:06 pm

إجمال الأصول الفكرية لجماعة الجهاد ومناقشتها
ـ
إن جماعة الجهاد تنظّم مجموعة من الشباب رأوا أمامهم أموراً أنكروها، وأزمات فكرية ومادية استاءوا لها، وأخذتهم الحمية والغيرة الدينية من أجلها، ورأوا أن عليهم واجباً يجب أن يقوموا به، ومسئولية معينة يجب أن يطلعوا بها، فاتخذوا لأنفسهم من بينهم قادة ومعلمين لم يتمرسوا على العلم، ولم يأخذوا بأسبابه إلا في القشور لا في اللباب.
وإني لأرى أن البعض من هؤلاء القادة والمعلمين حملتهم الرغبة في التميز على أن يستعجلوا الوصول إلى الصدارة، فوقعوا في بعض التجاوزات الفكرية، وأصلوا أصولاً فيها نظر للعارفين من الأمة، وقعدوا قواعد تحتاج إلى التصحيح. 
ولم تتمكن هذه الأصول ولا هذه القواعد من أن تكون لبنات تشيد صرحاً متينا حول هؤلاء وأتباعهم يمنع المغرضين من أن يستللوا إليهم، ومن أن ينفذوا إلى صفوفهم فيدفعوا بهم أمامهم لتحقيق غاياتهم، والحصول على مآربهم. 
وغايات أعدائهم متعددة، ومآربهم متنوعة، والكل يريد وصلا بليلى، والشئ العجيب أن ليلى قد أقرت لهم بهذا الوصل، ومنحتهم إياه عن غفلة من عامتهم، وعن معرفة ورضى من قادتهم وزعمائهم. 
ونحن سنحاول أن نستعرض بعض الأصول الفكرية لهذه الجماعة حتى نوضح لعامتهم الأمر، فنحن نثق بعقول الكثير منهم، ونحتاج إلى غيرتهم وحركتهم لتنتفع بهما الأمة ويجني ثمارهما ديننا الحنيف. 
الإفراط في التكفير :
ومن بين هذه الأصول أن هؤلاء قد أفرطوا في التكفير، إذ من السهل عندهم اتهام الجماعات، والأفراد بالكفر وما يترتب عليه من اهداء الدماء، وإسقاط الحقوق والحرمات.
وأول المهتمين بالكفر طبعاً حكام المسلمين قاطبة من غير تمييز أو تفريق. 
والدليل على كفر هؤلاء الحكام ما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وما يليها من الآيات.
ورعايا هؤلاء الحكام إن لم يعلنوا البراءة من حكامهم يكونون كافرين، أو سفهاء في أقل القليل.
هذا هو المبدأ الأول من مبادئهم، والأصل الأصيل الذي يعتمدون عليه في عقيدتهم.
ونحن سنحاول أن نتوقف عند هذا الأصل نناقشه بشكل عام، ثم نناقش بعض تفصيلاته. 
أ ـ مناقشة التكفير العام : 
ومناقشة هذا الأصل في شكله العام تدور كلها حول هذه المقولة وهي أن طبيعة الإسلام تختلف عن بعض طبائع الديانات الأخرى التي دخل عليها التحريف ومستها يد البشر في أن الإسلام لا تقبل طبيعته أن يحكم البعض جزافاً على قلوب الآخرين، فلا يجوز بحكم طبيعة الإسلام أن يدعي إنسان باسمه أن مالك لقلوب غيره، بحيث يصف بعضها بالكفر وبعضها بالإيمان، ويحكم لبعضها بالنجاة يوم القيامة، ويحكم على البعض الآخر بالخذلان والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة. 
إن هذه الأمور كلها تأباها طبيعة الإسلام، وقد تقبلها طبائع أخرى لديانات مختلفة(1)
والنصوص الشرعية في الإسلام تحرم على الإنسان أن يدعي معرفة ما في القلوب، وأن يحكم على البعض أو على الكل بالخروج من الإسلام إلا أن يكون قد قام على هذا الكفر ما يدل عليه، وأن يكون هذا الدال قطعي الدلالة في موضعه، لا يحتمل الشك أو التأويل. 
ومن المعلوم أن النبي صل الله عليه وسلم قد تعامل مع المنافقين في المدينة، وسلوكهم معه ومع المسلمين لم يكن ليخفى عليهم ولا عليه، غير أنهم كانوا يدعون أنهم مسلمون، ومسلكهم المنحرف يقبل التأويل أو التخريج ولو من وجه يقابله الطرف الآخر ألف وجه. 
وفي السنة النبوية ما يدل على أن النبي صل الله عليه وسلم: قد وجه اللوم إلى بعض أصحابه الذي قتل من شهد أن لا إله إلا الله ظناً منه أنه إنما شهد شهادة الإسلام خوفاً من السيف، وكان النبي شديد في لومه إلى الحد الذي جعل الصحابي: يتمنى أن لم يكن أسلم قبل هذا اليوم ليتمتع بالحكم الشرعي ـ الإسلام يجب ما قبله ـ . 
أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديثاً في هذا المعنى قال [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأصرح وحدثنا أبو كريب واسحق بن إبراهيم عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أسامة بن زيد وهذا حديث ابن أبي شيبة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : أقأل لا إله إلا الله وقتلته؟ " قال قلت: يا رسول الله ! إنما قالها خوفاً من السلاح قال " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " فما زال يكررها على حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة، قال: قال رجل ألم يقل الله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ] " (1)
وله شاهد من رواية ابن ماجة قال [ حدثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر عن عاصم عن السميط ابن السمير، عن عمران بن الحصين، قال: أتى نافع بن الأزرق وأصحابه فقالوا: هلكت يا عمران! قال: ما هلكت، قالوا: بلى قال: ما الذي أهلكني؟ قالوا: قال الله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال: قد قاتلناهم حتى نفيناهم، فكان الدين كله لله إن شئتم حدثتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وأنت سمعته من رسول ا لله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث جيشاً من المسلمين إلى المشركين فلما لقوهم قاتلوهم قتالا شديداً فمنحوهم أكتافهم فحمل رجل من لحمتي على رجل من المشركين بالرمح، فلما غيه قال: اشهد أن لا إله إلا الله إني مسلم فطعنه فقتله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال " وما الذي صنعت؟ " مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه؟ " قال: يا رسول الله ! لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه، قال " فلا أنت قبلت ما تكلم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه" قال فسكت عنه رسول الله صل الله عليه وسلم فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات فدفناه فأصبح على ظهر الأرض، فقالوا: لعل عدوا نبشه، فدفناه ثم أمرنا غلماننا يحرسونه، فأصبح على ظهر الأرض، فقال: لعل الغلمان نعسوا، فدفناه، ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض، فألقينا في بعض تلك الشعاب ] (1).
ولرواية مسلم متابع من رواية أحمد قال [ حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعلي ثنا الأعمش عن أبي ظبيان ثنا أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فضربناه حتى قتلناه فعرض في نفسي من ذلك شئ فذكرته لرسول الله صل الله عليه وسلم فقال: من لك بلا إله إلا الله يوم ا لقيامة، قال: قلت يا رسول الله : إنما قالها مخافة السلاح والقتل فقال: الا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك أم لا ، من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ، قال: فمازال يقول ذلك حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ ] (2)
والمتأمل في وقائع التاريخ التي تسجل حياة النبي وصحابته ومسلكهم مع المنافقين. 
والمتأمل فيما ذكرناه من النصوص وما لم نذكره مما يشابهه يتبين له صدق ما ذكرناه وذكره غيرنا من أن طبيعة الإسلام تأبى أن يتسلط بعض ا لناس على قلوب الآخرين فيحكمون عليهم بالنجاة أو بالهلاك.
ب ـ مناقشة التكفير الخاص :
وهذا هو الجزء الثاني من الأصل الأول الذي ذهبوا إليه:
وخلاصته : أن حكام المسلمين اليوم قد حكموا المسلمين بنظام غير نظام الإسلام وهو إما أن يكون مستورداً من الغرب وإما أن يكون مستجلباً من الشرق وإما أن يكون خليطاً من النظامين شائه الشخصية غامض الهوية، وعلى آية حال: فهم يحكمون جميعاً بغير ما أنزل الله، ولما كانت الحاكمية لله وحده: كان هؤلاء الحكام قد نصبوا أنفسهم في مكانة الألوهية فأدى مسلكهم هذا إلى كفرهم، ووجب على المسلمين أن يحكموا بردتهم وأن يخرجوا عليهم. 
وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة تدل على كفر هؤلاء الحكام وارتداهم عن الإسلام، وكذا في السنة النبوية المطهرة نصوص كثيرة في هذا الباب يعقلها من كان له قلب شيحان يحمله على الانتصار لدينه. 
وعمدة هذه النصوص في القرآن الكريم آيات المائدة : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها ا لنبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوهم واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . . وكتبنا ع ليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون .. وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين .. و ل يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " (1)
هذه هي خلاصة وجهة نظر الجماعة في هذه المسألة، وهي جزء الأصل الأول من أصولهم الفكرية كما ترى . 
وفي مناقشتنا لهذا الجزء نحب أن نقول: إنه ليس هناك من عالم في الإسلام ي يستطيع أن يقر المسلمين على ما هم عليه من إهمال شرع الله عز وجل، وإقصائه عن شئون الحياة، وسلوك الناس. 
كما أنه ينبغي أن نقول: إنه لا يوجد عالم مسلم يحترم رأيه وقلمه، ويراعي ربه ودينه يستطيع أن يقر المسلمين على ما هم عليه باسم الإسلام، أو أن يجازف بنفسه ودينه فيخلع على أي نظام من النظم الحاكمة للمسلمين في كل قطاعات المعمورة صفة الإسلام. 
إذ من المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد نحيت تنحية كاملة في بعض البلاد أو شبه كاملة بحيث لا يوجد منها عاملا عمله إلا ما يتصل بالأحوال الشخصية في بعض البلاد الأخرى. 
تلك قضية يجب الإقرار بها، ولا ينبغي أن يمنعنا من الإقرار بها مانع، أو يصرفنا عنها صارف.
وسواء قال جماعة الجهاد ما قالوه، أو أحجموا عن القول بما قالوه، فإن هذه مسألة تفرض نفسها، وينبغي على كل مسلم الاعتراف بها والعمل على تغييرها.
ونقطة الخلاف بيننا (وهذا رأى شخصي) وبين ما قرأناه في سلسلة إصدارات جماعة الجهاد هو فيما يترتب على إقصاء الشريعة الإسلامية من أحكام تتصل بالرعية أو تتصل بالحكام، كما أنه هناك خلاف بيننا وبين القوم في أسلوب معالجة هذا التجاوز وتصحيح الوضع القائم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:07 pm

سوف نشرح بشئ من البسط هاتين النقطتين اللتين هما محور الخلاف بيننا: 
1 ـ لقد رتب جماعة الجهاد على إقصاء الشريعة الإسلامية وإبعادها عن الساحة الحكم بكفر الحاكم مطلقا لتوفر أسباب الكفر فيه، وهي تدور على حمل الناس على شرع غير شرع الله، كما رتبوا على إقصاء الشريعة الإسلامية الحكم بتكفير الرعية، إلا من أعلن البراء من هذا الانحراف إعلانا تاماً بالقول إن لم يستطع الفعل، وبالقول والفعل إن كان من القادرين على الفعل. 
وهذه الأحكام لنا معها وقفة، إذ إننا لا نستطيع أن نكفر الحاكم ولا غيره إلا أن يكون الحاكم قد أعلن عن نفسه إعلانا تاماً يبين عن كفره إبانة كاملة عندنا من الله فيها برهان، على نحو ما أخرج البخاري في صحيحه قال : [ حدثنا إسماعيل حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: " دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا النبي صل الله عليه وسلم فبايعناه " " فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " ] (1)
ونحن إذ نتوقف في إطلاق الحكم بالكفر وإلحاقه بالحكام فإن هذا التوقف لا يرجع إلى شئ يتصل بعلاقتنا بالحكام، وإنما هذا التوقف مرجعه سبب شرعي وآخر وضعي.
أما الوضعي، فهو أن الكفر والإيمان كلاهما نشاط قلبي لا علاقة له بالسلوك إلا من حيث التأثير فيه، ومسائل القلوب لا سبيل لنا إلى إدراكها، فالله هو الذي يدرك القلوب وأسرارها، وكل إنسان منا يشعر بما في قلبه، فإذا أردنا أن نتعرف على إيمان إنسان أو كفره، فليس لنا إلا أحد سبيلين، أو كلاهما. 
أحدهما: أن يحكم الله عز وجل بالكفر على شخص بعينه، كما حدث بالنسبة للشيطان، وكما حدث بالنسبة لأبي جهل .. وغيرهما. 
وثانيهما: أن يقر المرء بكفره إقراراً لا يحتمل التأويل، بل يكون صريحا قطعيا.
هذا هو السبب الوضعي الذي يمنعنا من إطلاق حكم الكفر وإلحاقه بالغير.
أما السبب الشرعي الذي يمنعنا من الإطلاق والإلصاق، فهو أن الشرع قد منع من ذلك، إلا أن يكون عندنا فيه دليل يورثنا العلم بكفر هذا المعين من غير احتمال أو شك. 
وحتى هذا الحديث الذي أخرجه البخاري، والذي رويناه قبل عن عبادة بن الصامت فيه كلام كثير للعلماء الذين أرادوا أن يبرئوا ذمتهم وهم يشرحون هذا الحديث. 
يقول ابن حجر [ قوله ( عندكم من الله فيه برهان) أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققا تعلمونه من قواعد الإسلام؛ فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى. وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن يتنكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنت، ومحل ذلك إذا كان قادراً والله أعلم. ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر. وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه ] (1)
وهذا الذي استظهره ابن حجر من أنه يجب الخروج على الحاكم إذا كفر مبني على الفقرة السابقة في هذا الحديث الذي هو بصدده. 
والفقرة التي أقصد إليها هي ( إلا أن تروا كفرا بواحاً ). 
وهذه الفقرة قد رويت بألفاظ مختلفة فهي هنا وفي مسلم هكذا (كفرا بواحا) بالواو. ( والكفر البواح) هو الظاهر البادي من قولهم في اللغة [ باح بالشئ يبوح به بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره ] . 
وللحديث رواية أخرى بالراء لا بالواو هكذا ( كفراً براحاً ).
قال الخطابي : من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل البراح ا لبيان يقال برح الخفاء إذا ظهر. 
ويصرح الإمام النووي أن معظم الروايات لصحيح مسلم قد ورد فيها هذا الحديث بالواو، وإن كان في بعضها قد روى بالراء. 
وعلى أية حال فالمعاني متقاربة على الوجهين كما رأيت. 
ويذكر ابن حجر أنه قد رأى هذا الحديث عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب . هكذا " كفراً صراحاً " ، بصاد مهملة غير منقوطة مضمومة، ثم راء، ومعناها ظاهر لا سترة به (2)
ويتبين من هذا كله أنه يصعب علينا أن نحكم بالكفر على شخص بعينه من الوجهة الشرعية، إلا أن يكون عندنا في ذلك أساس ظاهر مبني عليه هذا الحكم، وأن يكون هذا الأساس الظاهر متمثلاً في القول الصادر عن الشخص الذي قد وصفناه بالكفر، وأن يكون هذا القول غير محتمل للتأويل، وإلا فإنه لا يجوز لنا أن نحكم بالكفر المخرج من الملة على شخص بعينه، ولو أننا فعلنا لأوقعنا هذا الفعل في حرج شرعي. 
وهذا الأساس نفسه هو الذي اصطنعه المفسرون وهم يشرحون آية المائدة. 
وسنورد لك طرفاً من حديثهم:
وآيات المائدة قد ورد فيها الحكم متنوعاً على أصحاب ديانة واحدة فهو مرة يقول: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وثانية يقول: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" وثالثة يقول: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" .
ومن يتأمل مواطن هذه الأحكام جميعا وسوابقها مما يتصل بحيثيات كل حكم، يتبين له حكمة التنوع في الأحكام، وأن كل حكم قد وقع في موقعه. 
ونحن نريد أن نتتبع هذه الأحكام الثلاثة ونعرض لآراء العلماء فيها، بادئين بالحكم الأول منها ا لمتمثل في قوله تعالى : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" .
وكلمة (الكافرون) كلمة وردت في القرآن الكريم، ووردت في السنة النبوية المطهرة في مواطن متعددة، وفي مناسبات مختلفة .
والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إنما أوديا إلينا باللغة العربية ا لتي نفهم معاني ألفاظها، وندرك المراد منها، ونحن مطالبون بفهم القرآن وفهم السنة من خلال فهمنا لهذه اللغة.
ومن هنا كانت الضرورة القصوى لفهم معنى كلمة (الكفر) كما جاءت في اللغة، وفهم المراد منها كما جاءت في الشرع الذي لا يخرج عن جميع المعاني اللغوية للكلمة التي يستعملها.
وهذه المادة المستعملة ( ك ـ ف ـ ر ) تدور كلها على معنى الستر الذي قد يستصحب معه جهل الساتر بما يستره، أو جحوده أو المعاندة ضده، أو إظهاره وإخفاء غيره. 
وأيا ما كان الأمر فالمادة كلها دائرة على الستر والإخفاء.
والشرع يتعامل مع هذه المادة كما جاءت في اللغة، ويحكم على أصحابها والمتصفين بها على قدر الشئ الذي يخفونه ويسترونه.
فمن جحد نعمة الله المتمثلة في الأدلة الحسية والعقلية الدالة على وجود الله، ووجوب الإيمان به كان على خطر عظيم لأن ستره لهذه الأدلة، وجحوده لها يجعله كافراً بمعنى أنه خارج عن الإيمان، وهذه أعلى درجات الكفر. 
ومن ستر نعمة الله عز وجل عليه في أمر فرعي مع انصياعه للأدلة العقلية والحسية التي توجب عليه الإيمان بربه، وأخذ بنتيجتها أخذاً لا يخالطه شك أو ريب، كان مؤمنا، ولكنه مؤمن يكفر ببعض نعم من آمن به، وهذه درجة يعتبرها الشرع أقل خطراً من الدرجة التي سبقتها.
ونصوص الشرع الحكيم قد وردت بما يدل على هاتين المرحلتين.
غير أنه قد ورد في نصوص الشرع أيضا ما يستعمل هذه الكلمة استعمالا لغويا بحتا، للدلالة على مجرد الستر والإخفاء. 
وسنحاول أن نورد هنا طوائف من النصوص لكل مرحلة من هذه المراحل على حدة:
فمن النوع الأول قوله تعالى : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين " .
ولهذا النص في القرآن نظائر كثيرة وأشباه.
أما نصوص المرحلة التي تلي هذه المرحلة من نحو كفر نعمة من نعم الله على العباد فمن بينها: قول النبي صل الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (1).
ومنها ما أخرجه مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: [ إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ولا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر" (2)
ومنها ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ قال رسول الله صل الله عليه وسلم " من أتى حائضا، أو أتى حائضا، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" (1)
وأنت تستطيع أن تتأمل هذا النص ويتبين لك بوضوح أن معنى الكفر هنا هو ما ذهبنا إليه ويؤيده تلك الرواية التي وردت في سنن الترمذي حيث عنون للباب الواردة فيه هذه الرواية ب : باب " ما جاء في كراهية إتيان الحائض" من كتاب الطهارة، ثم ساق الحديث بسنده إلى أبي هريرة على نحو ما هو وارد عند ابن ماجه، إلا أنه لم يذكر القيد المذكور عند ابن ماجة عقب إتيان الكاهن وهو " صدقه بما يقول" (2)
ومن هذا الباب في العلاقة بين المرأة وزوجها وما يترتب على ذلك من جزاء في الآخرة قول النبي صل الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكـثر أهـل النــار. قال: " تكثرن اللعــن. وتكفرن العشير" .. " (3)
وفي رواية البخاري ما هو أصرح من ذلك في هذا الموضوع.
في باب كفران العشير، وكفر دون كفر... أخرج البخاري بالسند إلى ابن عباس رضى الله عنهما قال: [ قال رسول الله صل الله عليه وسلم " أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن . قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيراً قط " (4)
والنصوص الشرعية في هذا المجال كثيرة نكتفي هنا بما ذكرناه منها. 
ولو أننا تأملنا في التاريخ على نحو ما تأملنا في نصوص السنة لوجدنا ما يؤيد ذلك المسلك من أن هناك كفراً يخرج عن الملة، وكفراً آخر يكون دون ذلك. 
وشاهد ذلك من التاريخ الذي نقصد إليه ما نقرأه في رواياته عن حروب الردة، وروايات التاريخ عن حروب الردة تقسم الناس الذين حاربهم أبو بكر الصديق إلى قسمين :
قسم ارتد وكفر وآمن بالمتنبئين وتابعهم من أمثال الذين تابعوا مسيلمة الكذاب، وهؤلاء لا خلاف في أن كفرهم كفر يخرج عن الملة، ويوجب قتالهم وقتلهم، ويجري عليهم أحكام المرتدين. 
وقسم آخر: تأول فذهب إلى أن الله عندما فرض الزكاة فرضها لتدفع للنبي صل الله عليه وسلم وحده، استناداً إلى قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" تأولوها.
وهؤلاء القوم ليسوا كالفريق الأول، ولذلك قد اشتبه أمرهم على بعض الصحابة كعمر بن الخطاب الذي توقف في قتالهم. 
وإصرار أبي بكر على قتالهم، إنما هو من باب أنهم منعوا الزكاة.
ولما كان هذان الفريقان في عصر واحد أطلق عليهم المؤرخون وصف الردة تغليباً.
ومما يؤيد أن كلمة " الكفر" قد تطلق ولا يراد منها الكفر المخرج عن الملة ما نسب إلى ابن مسعود رضى الله عنه : إذا قال الرجل للرجل: أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالإسلام أراد كفر نعمته لأن الله عز وجل ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا، فمن لم يعرفها فقد كفرها.
والمتأمل في نصوص هذا النوع الثاني من أنواع استعمال كلمة "الكفر" على نحو ما وردت في النصوص الشرعية يجد نفسه أمام معنى أدون من المعنى الأول.
فبينما نصوص المعنى الأول تتحدث عن الموصوفين بها باعتبارهم خارجين من الملة بعيدين عن الإيمان قد ستروا أدلة وجود الله في الكون وفي العقل، وجحدوها، فاستحقوا هذا الوصف وكانوا جديرين به. نجد نصوص المعنى الثاني تتحدث عن الموصوفين بها على أنهم من المسلمين الموصوفين بالإيمان، ولكنهم جحدوا نعمة من نعم ربهم، بمعنى أنهم قد خرجوا عليها خروجا سلوكيا، من غير أن يتغير قلبهم، أو يخرجوا عن يقينهم في الله ورسله، وملائكته وكتبه واليوم الآخر، وأن القضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله عز وجل. 
أما النصوص المتعلقة بالمعنى الثالث من معاني هذه الكلمة فقد ورد في القرآن الكريم نص يصلح للتمثيل لهذه المرحلة باعتبار أنه ينطبق عليها انطباقاً كاملاً ويتلاءم معها تلاؤماً تاماً.
وهذا ا لنص هو الوارد في قوله تعالى: " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متـاع الغرور" (1)
وأنت ترى إلى هذه اللفظة (الكفار) قد وردت هنا في معرض التمثيل بمعنى الزراع الذين يقومون بستر البذر في الأرض، ليتهيأ له مناخ النمو المناسب له، وهي في هذا السياق لا علاقة لها بالكفر بمعنى الخروج من الملة، ولا علاقة لها بالكفر الذي هو دون ذلك ككفر النعمة أو جحدها. 
ولكلمة (الكفر) في القرآن استعمال آخر غير ما ذكر، وهو الكفر بمعنى التنصل من المسئولية، والتبرء من التبعة، وهذا مثل استعمال الكفر في قوله تعالى: حكاية لكلام الشيطان وخطبته في أهل النار يوم القيامة : " وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليـــم" (1) 
ومما ذكرناه من معاني هذه الكلمة في اللغة، ومما تدل عليه في استعمالات الشرع، يتبين لنا أنه من الخطأ الشديد أن نحمل هذه الكلمة على معنى واحد من بين هذه المعاني، ونحرم على العقل أن ينصرف إلى سواه مهما كانت الدواعي، ومهما كانت دلالة السياق. 
إننا حين نحمل اللفظ على معنى واحد دون سواه، نكون قد برهنا بغاية اليقين على أننا في احتياج إلى نوع من المراجعة المنهجية، يتعاظم هذا الاحتياج بمقدار ما يكون عندنا من الإصرار على مواقفنا الخاطئة، والاحتفاظ بالوقوف عندها، ومعاداة من يحاول أن يزحزحنا عنها. 
آيات المائدة ومحاولة فهمها : 
وبعد هذه الوقفة اللغوية التي حاولنا من خلالها أن نتأمل في استعمالات اللفظ اللغوية والشرعية، يجوز لنا بعد ذلك أن نقترب من آية المائدة في هذا الجزء الذي حددناه للنقاش وهو : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" .
ونحن قبل أن نبدأ المسير، وقبل أن نتابع الحديث جادين في معاني هذه الآية، ينبغي أن ننبه إلى أن ظاهر الآية غير مراد بالقطع، ذلك أن ظاهر الآية يصدق على أحد رجلين وكليهما معاً . ورجل آخر لم يحكم بشئ ، لا بما أنزل الله ولا بغيره.
وظاهر الآية يشمل هذين الرجلين ويصدق عليهما.
ولئن كان العلماء لهم مقال: في الرجل الذي يحكم بغير ما أنزل الله يختلفون في حكمه اختلافاً قد نعرض إليه بعد قليل، فإنهم جميعاً متفقون على أن الآية لم تقصد إلى هذا الرجل الذي يحكم بشئ، لا بما أنزل الله ولا بغيره، إذ إن جميع العلماء بما فيهم فقهاء الخوارج لم يكفروا هذا الصنف من الرجال، ولم يقل واحد منهم: إن الآية تريده.
وهذه الملاحظة قد فطن إليها صاحب تفسير المنار، وهو بصدد تفسير هذه الآية قال: [ أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين بل لم يقل به أحد قط ، فإن ظاهرها يتناول من لم يحكم بما أنزل الله مطلقا سواء حكم بغير ما أنزل الله تعالى أم لا، وهذا لا يكفره أحد من المسلمين حتى الخوارج الذين يكفرون الفساق بالمعاصي، ومنها الحكم بغير ما أنزل الله ] (1)
ويبقى الكلام في الرجل الذي حكم بغير ما أنزل الله .
والذي يحكم بغير ما أنزل الله قد يحكم به لأنه لم يتهيأ له الحكم بما أنزل الله، ولم يتهيأ له لأنه لا يفقهه ، أو لم يجد حوله من العلماء من يعينونه على الحكم به.
والذي يحكم بغير ما أنزل الله قد يحكم به مع أنه يفقه ما أنزل الله، ولكنه صد عن الحكم بما أنزل الله، ومنع عنه بسلطان الغلبة والقهر. 
والرجل قد يحكم بغير ما أنزل الله رغبة منه عما أنزل الله ، وازدراءً له، وتحولاً عنه باختياره لاعتقاده أنما أنزل الله غير صالح، وأن ما وضعه البشر أفضل منه وأعلى رتبة. 
الذي يحكم إذن بغير ما أنزل الله لا ينتظمهم قول واحد، وهم ليسوا على قدم المساواة في البواعث والغايات. 
فهل سنحكم على الجميع حكما واحداً ، أم أن الحكم سيرد على كل حالة بما يناسبها ؟ 
هذه هي القضية برمتها، كما يجب أن تطرح على بساط البحث. 
إجمال آراء العلماء في فهم الحكم بالكفر :
ولقد تصدى علماؤنا الأوائل منهم والمتأخرون لهذه الآية يفهمون منها حقيقة الكفر الوارد فيها، ومعنى الحكم به على هؤلاء الناس الذين أريد لهم أن يحكموا بين ، أو على إخوانهم من البشر. 
وإجمال آراء العلماء يمكن أن نوردها في هذا السياق، وأن ينتظمها هذا النسق الذي أضعه بين يديك من كلام صاحب المنار: [ واختلف أهل السنة في الآية فذهب بعضهم إلى أنها خاصة باليهود وهو ما رواه سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: إنما أنزل الله " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ، والظالمون، والفاسقون " في اليهود خاصة. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: الثلاث الآيات التي في المائدة " ومن لم يحكم بما أنزل الله " إلخ. ليس في أهل الإسلام منها شئ هي في الكفار. وذهب بعضهم إلى أن الآية الأولى التي فيها الحكم بالكفر للمسلمين، والثانية التي فيها الحكم بالظلم لليهود، والثالثة التي فيها الحكم بالفسق للنصارى وهو ظاهر السياق. 
وذهب آخرون إلى العموم فيها كلها ويؤيده قول حذيفة لمن قال إنها كلها في بني إسرائيل: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة، كلا والله لتسلكن سبيلهم قد الشراك. رواه عبد الرزاق وابن جرير والحاكم وصححه . 
وأول هذا الفريق الآية بتأويلين.
فذهب بعضهم إلى أن الكفر هنا ورد بمعناه اللغوي للتغليظ، لا معناه الشرعي الذي هو الخروج عن الملة، واستدلوا بما رواه ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في السنن عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال في الكفر الواقع في إحدى الآيات الثلاث: إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن الملة، كفر دون كفر. 
وذهب بعضهم إلى أن الكفر مشروط بشرط معروف من القواعد العامة، وهو أن من لم يحكم بما أنزل الله منكراً له أو راغباً عنه لاعتقاده بأنه ظلم مع علمه بأنه حكم الله أو نحو ذلك مما لا يجامع الإيمان والإذعان ] (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:08 pm

آراء بعض العلماء في القول بالتكفير استناداً إلى هذه الاية : 
تحدثنا عن آراء العلماء على وجه الإجمال، ونريد هنا أن نذكر بعض الآراء لجهابذة العلماء في هذا المجال، بحيث نسند القول إليهم، ونعزو كل رأى لصاحبه اعتماداً على المصادر الصحيحة، واستناداً إلى ما يوفقنا الله إلى الفهم في هذه المصادر.
1ـ ولنبدأ أولا بتصوير رأى صاحب المنار، فهو رجل معاصر من ناحية، مصور لرأى شيخه من ناحية ثانية، وكانت تحال إليه الفتاوى من الأستاذ الإمام، ومنها ما كان يتصل بالمسئلة التي نحن بصددها من ناحية ثالثة. 
ومن يريد أن يصور رأى صاحب المنارفي مسألة "تكفير من لم يحكم بما أنزل الله" وكيف فهم الرجل الكفر الموجود في الآية فإنه يسهل عليه ذلك غاية السهولة، لأن الرجل كان مباشراً في عرض رأيه بعيدا عن الالتواء والتعقيد، موافقا لرأى جمهور الأمة، معارضا لرأى طائفة الخوارج الذين لم ينسجم رأيهم مع روح الإسلام. 
ورأى الشيخ صاحب المنار تلخيصه الخطوات التالية :
أ ـ إنه لا يوافق الرأى القائل بأن الآية خاصة باليهود، بل هو يوافق على أنها عامة في كل ما يخالف شرع الله عز وجل.
ب ـ وهو يخالف الخوارج في رأيهم الذي حكموا من خلاله على كل من لم يحكم بما أنزل الله حكما واحداً مطرداً ، وهو أن الجميع خارجون عن الملة، متردون يجري عليهم أحكام الردة ... غير مراعاة لاختلاف الأحوال، ومن غير تأمل في تنوع الظروف. 
ج ـ وينتهي الشيخ في آخر المطاف إلى ما يوافق جمهور الأمة من أن الكفر كفران:
أحدهما: الكفر المخرج من الملة.
وثانيهما: دون ذلك.
والأول يتصف به كل إنسان تمكن من تطبيق حكم الله، وكان في بلاد المسلمين، ولم يحل بينه وبين التطبيق حائل، ثم تركه رغبة عنه، أو ازدراءً له، وتفضلا لغيره عليه.
والشيخ بهذا الحكم قد أصاب الهدف، ووضع يده على عصب الحقيقة.
وهو يرى أن من لم يتمكن من تطبيق الشريعة لصارف من الصوارف، ومانع من الموانع التي تحدث العلماء عنها، ومنها أنه لم يكن في بلاد الإسلام، أو كان في بلاد الإسلام وقد سلط عليها غير المسلمين إلى حين، أو لم يكن شئ من ذلك، ولكنه حكم ببعض ما أنزل الله ، وترك البعض الآخر من غير عزوف عنه، ولا تفضيل لغيره عليه، فإنه يعد ببعض هذه الأشياء عاصيا يجب على الأمة نصحه في رفق، والتوصل إلى تقويمه في تؤدة وأناة من غير أن يحدثوا في المجتمع فتنة لا يعلم مداها إلا الله .
وهذا هو رأى الشيخ بعباراته ننقله بتفصيله بعد أن أجملناه قال: [وأقول: إن قول من قال إن هذه الآيات أو خواتم الآيات نزلت على بني إسرائيل، يراد به أنها نزلت في شأنهم لا أنها من كتابهم ، إذ لا شئ يدل على أنها محكية، وإلا فهو خطأ. والأوليان منها في سياق الكلام على اليهود، والثالثة في سياق الكلام على النصارى لا يجوز فيها غير ذلك، وعبارتها عامة لا دليل فيها على الخصوصية. ولا مانع يمنع من إرادة الكفر الأكبر في الأولى ـ وكذا الأخريان إذا كان الإعراض عن الحكم بما أنزل الله ناشئا عن استقباحه وعدم الإذعان له وتفضيل غيره عليه، وهذا هو المتبادر من السياق في الأولى بمعونة سبب النزول كما رأيت في تصويرنا للمعنى .... .... فالذين يتركون ما أنزل الله في كتابه من الأحكام من غير تأويل يعتقدون صحته فإنه يصدق عليهم ما قاله الله تعالى في الآيات الثلاث أو في بعضها، كل بحسب حاله، فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا غير مذعن له لاستقباحه إياه وتفضيل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعا. ومن لم يحكم به لعلة أخرى فهو ظالم إن كان في ذلك إضاعة الحق أو ترك العدل والمساواة فيه، وإلا فهو فاسق فقط، إذ لفظ الفسق أعم من هذه الألفاظ ...] 
وينتهي الشيخ إلى أن ما ذكره يكون في غير أولئك الذين عمدوا إلى أحكام الله فغيروهما بإرادتهم، وإلى الشريعة المعمول بها، فنحوها عن الساحة باختيارهم، إذ أولئك لا يمكن الاعتذار عنهم، ولا يجوز إقرارهم على ما هم عليه، ويجب اتخاذ الموقف العملي حيالهم. 
يقول الشيخ [ ولعمري إن الشبهة في الأمراء الواضعين للقوانين أشد والجواب عنهم أعسر، وهذا التأويل في حقهم لا يظهر، وإن العقل ليعسر عليه أن يتصور أن مؤمنا مذعنا لدين الله يعتقد أن كتابه يفرض عليه حكما ثم هو يغيره باختياره ويستبدل به حكما آخر بإرادته إعراضا عنه وتفضيلاً لغيره عليه، ويعتد مع ذلك بإيمانه وإسلامه. والظاهر أن الواجب على المسلمين في مثل هذه الحال مع مثل هذا الحاكم أن يلزموه بإبطال ما وضعه مخالفا لحكم الله ، ولا يكتفوا بعدم مساعدته عليه ومشايعته فيه، فإن لم يقدر فالدار لا تعتبر دار إسلام فيما يظهر، وللأحكام فيها حكم آخر ... ] . 
هذا هو رأى صاحب المنار، وهو رأي يدل على شخصية قادرة على الفهم والتحليل، بصيرة بكيفية التعامل مع النص، مالكة لجل العدد التي تخدم صاحبها وتعينه على الفهم الصحيح.
الاقتراب من لب المسألة : 
وقد يقول قائل إن الكلام هنا قريب من العموميات مهما كان في ظاهره من التفصيل، بعيد عن لب المسألة، حتى ولو أوحى إلى القارئ بادي الرأى بأنه قد احتوى هذا اللب وحكم عليه الحكم اللائق به. 
ولب المسألة كما تنص عليه النشرات السيارة عن جماعة الجهاد، والمعروفة "بإصدارات جماعة الجهاد" هو حكم أولئك الذين يحكمون أوطانهم ورعاياهم بقانون أجنبي، فرنسي أو إنجليزي أو غيرهما. 
هذا هو لب المسألة ومحورها الذي تدور عليه.
ولئن كان القدماء من العلماء معذورين، حيث لم يعاصر الواحد منهم الإنجليز ولا حكمهم، ولا الفرنسيين واستعمارهم، ولا غير هذين من الأجانب الذين جسموا على صدر الأمة الإسلامية وقهروها، وأجبروها على الأخذ بنظامهم، لئن كان القدماء معذورين فإن صاحب المنار وأستاذه لا يعذرون ولا يجوز إعفاؤهم من الفتوى. 
مما رأى صاحب المنار "السيد محمد رشيد رضا" فيمن حمل على الأخذ بقانون الغرب.
والحق أن "السيد محمد رشيد رضا" لم يغفل هذه المسألة ولم يبتعد عنها، بل إن ما ذكره كله كان في سياق الجواب عن فتوى وردت من الهند بهذا الخصوص ، حيث جاء في تفسير المنار قبيل ما ذكرناه ما نصه : [ وقد كان مولوي نور الدين مفتي بنجاب من الهند سأل شيخنا الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى عن أسئلة منها مسألة الحكم بالقوانين الإنكليزية، فحولها إلى الأستاذ لأجيب عنها كما كان يفعل في أمثالها أحيانا، وهذا نص جوابي عن مسألة الحكم بالقوانين الإنجليزية في الهند، وهو الفتوى الـ 77 من فتاوى المجلد السابع من المنار. 
[ الحكم بالقوانين الإنجليزية في الهند ]
( س 77) ومنه: أيجوز للمسلم المستخدم عند الإنجليز الحكم بالقوانين الإنكليزية وفيها الحكم بغير ما أنزل الله ؟ ] .
ثم أورد الجواب المجمل مستعرضاً فيه رأى العلماء بشكل عام، وذكر معهم ما يراه هو على نحو ما ذكرناه قبل. 
وقد أردف هذا الإجمال لرأيه ورأى الآخرين بتفصيل مفصل لحكم إقامة الحدود في بلد غير إسلامي، وكذا إبرام العقود فيها، وما يسبق ذلك من الحديث عن تقسيم تكليفات الإسلام من أوامره ونواهيه إلى ما يتصل بالعبادات والأحوال الشخصية من جهة، وما يتصل بالمعاملات والعلاقات بين الناس من جهة أخرى. 
وقد أفاض القول في هذه المسألة، وصرح أن الكلام في مثل هذه المسائل ضروري لمن يتصدى للجواب على سؤال السائل، ثم عمد بعد ذلك إلى القول الموجز في جواب هذه الفتوى وما يقاس عليها فقال: [ والظاهر مع هذا كله أن قبول المسلم للعمل في الحكومة الإنكليزية في الهند (ومثلها ما هو في معناه) وحكمه بقانونها هو رخصة تدخل في قاعدة ارتكاب أخف الضررين، إن لم يكن عزيمة يقصد بها تأييد الإسلام وحفظ مصلحة المسلمين، ذلك أن تعده من باب الضرورة التي نفذ بها حكم الإمام الذي فقد أكثر شروط الإمامة، والقاضي الذي فقد أهم شروط القضاء ونحو ذلك. فجميع حكام المسلمين في أرض الإسلام اليوم حكام ضرورة ] (1)
وسواء وافقنا صاحب المنار في كل ما قاله، أو وافقناه في جل ما ذكرناه عنه، فإن هذا هو رأيه، وفهمه في آيات سورة المائدة، حرصنا أن نصوره بمعظم ألفاظه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:09 pm


ولننقل بعد إلى غيره :
رأى الشيخ الألوسي :
ومن بين العلماء الذين أدلوا بدلوهم في فهم هذه الآية الشيخ " أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي" صاحب التفسير المعروف، وهو من المفسرين المتأخرين الذين استوعبوا آراء السابقين، فجاء تفسيره المعنون بـ " روح المعاني" متميزاً في بابه بالدقة والشمول. 
والشيخ حين وقف على هذه الآية يتأملها ويرتوي من مبانيها، رأى أن السابقين عليه قد وقفوا على هذه الآية وتأملوها. 
وكأني به وهو يستعرض آراء السابقين يعجب غاية العجب من الخوارج الذين فهموا الآية على ظاهرها، وكفروا الأمة بالفسق وأخرجوهم من الإسلام بالظلم والجور، وحكموا عليهم بالمروق من الإسلام لمجرد المعصية. 
ولكن الآلوسي بطبعه الهادئ عرض لهؤلاء الخوارج، واستعرض رأيهم، وأوقفنا على باب الخطأ الذي دخل منه هؤلاء. 
وباب الخطأ الذي دخل منه الخوارج إلى خطيئتهم هو أنهم قالوا: إن الله قد عبر في الآية بـ " من" وهي اسم موصول للعاقل، وقد سبقت بـ " ما " النافية، والتعبير على هذا النحو يفيد العموم. 
وعلى ذلك فإن الله حين يقول: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون". يكون هذا الحكم شاملا للعموم بصرف النظر عن الأحوال التي تصاحب من يحكم بغير ما أنزل الله. 
والشيخ الآلوسي كغيره يرد هذا الرأى. 
لأن ظاهر النص غير مراد.
وقد بينا قبل فيما سطرناه من صفحات أنه لو كان ظاهر النص مراداً لحكما بكفر من لم يحكم بما أنزل الله ولم يحكم بغيره، إذ ظاهر النص يشمله كما ترى. 
والشيخ الآلوسي يرى أنه إذا انصرفنا عن ظاهر اللفظ يمكننا أن نحمل المراد على أنه هو من لم يحكم بما أنزل الله منكراً له. 
ويجوز أن نحمل اللفظ على العموم لوقوعه في سياق "ما" النافية، ولكن لا يكون الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً يخرج من الملة إلا إذا تحقق فيه عموم اللفظ، ولا يتحقق عموم اللفظ فيه إلا إذا أدخلنا معنا أنه منكر لصلاحية هذا الحكم، أو منكر لصلته بالله، أو راغبا عنه مستنكفاً عن الأخذ به. 
وقد يرد على الخوارج كما يرى الشيخ الآلوسي بآراء جمهرة العلماء من الرعيل الأول معظمهم من الصحابة والتابعين، هم أكثر الناس بصراً بمعاني القرآن وأشد الناس التصاقا به، وأقدر الناس على فهم معانيه ومراميه. 
وذكر الشيخ الآلوسي من الرعيل الأول : عبد الله بن عباس كما ذكر غيره.
وعبارة الشيخ الآلوسي واضحة في بابها نذكرها بنصها : " أن ألقينا الضوء عليها، قاصدين إلى إعفاء القارئ من مراجعتها والبحث عنها في مصادرها، عامدين إلى إقناعه، وإراحة قلبه. 
يقول الشيخ ألآلوسي بعد كلام له في الآية المشار إليها: [ واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر غير مؤمن، ووجه الاستدلال بها أن كلمة (من) فيها عامة شاملة لكل من لم يحكم بما أنزل الله تعالى، فيدخل الفاسد المصدق أيضا لأنه غير حاكم، وعامل بما أنزل الله تعالى، وأجيب بأن الآية متروكة الظاهر، فإن الحكم وإن كان شاملا لفعل القلب والجوارح، لكن المراد به هنا عمل القلب وهو التصديق، ولا نزاع في كفر من لم يصدق بما أنزل الله تعالى. 
وأيضا إن المراد عموم النفى بحمل (ما) على الجنس، ولا شك أن من لم يحكم بشئ مما أنزل الله تعالى لا يكون إلا غير مصدق، ولا نزاع في كفره.
وأيضا أخرج ابن منصور، وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: إنما أنزل الله تعالى ـ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. والظالمون. والفاسقون ـ في اليهود خاصة. 
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: الثلاث الآيات التي في المائدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله ) الخ ليس في أهل الإسلام منها شئ هي في الكفار. 
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، وابن جرير عن الضحاك نحو ذلك، ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاث باعتبارت مختلفة، فلانكارهم ذلك وصفوا ـ بالكافرين ـ ولوضعهم الحكم في غير موضعه وصفوا ـ بالظالمين ـ ولخروجهم عن الحق وصفوا ـ بالفاسقين ـ أو أنهم وصفوا باعتبار أطوارهم وأحوالهم المنضمة إلى الامتناع عن الحكم، فتارة كانوا على حال تقتضي الكفر، وتارة على أخرى تقتضي الظلم والفسق.
وأخرج أبو حميد وغيره عن الشعبي أنه قال: الثلاث الآيات التي في المائدة، أولها لهذه الأمة. والثانية في اليهود. والثالثة في النصارى، ويلزم على هذا أن يكون المؤمنون أسوأ حالا من اليهود والنصارى. إلا أنه قيل: إن الكفر إذا نسب إلى المؤمنين حمل على التشديد والتغليظ، والكافر إذا وصف بالفسق والظلم أشعر بعتوه وتمرده فيه. 
ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في الكفر الواقع في أولى الثلاث : إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة كفر دون كفر ] . 
وبعد أن استعرض الإمام الآلوسي رأى الخوارج ورد عليهم، عمد إلى إثبات رأيه، وهو لا يخرج كثيرا عن رأى العلماء الذين أثبت رأيهم في وجه رأى الخوارج. 
قال: [ والوجه أن هذا كالخطاب عام لليهود وغيرهم، وهو يخرج مخرج التغليظ أو يلتزم أحد الجوابين، واختلاف الأوصاف لاختلاف الاعتبارات.
والمراد من الآخيرين منها الكفر أيضا عند بعض المحققين، وذلك بحملهما على الفسق والظلم الكاملين.
وما أخرجه الحاحكم وصححه، وعبد الرزاق وابن جرير عن حذيفة رضى الله تعالى عنه ـ أن الآيات الثلاث ذكرت عنده، فقال رجل: إن هذا في بني إسرائيل، فقال حذيفة: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة، كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك ـ يحتمل أن يكون ذلك ميلاً منه إلى القول بالعموم، ويحتمل أن يكون كما قيل: ميلاً إلى القول بأن ذلك في المسلمين. 
وروى الأول عن علي بن الحسين رضى الله تعالى عنهما إلا أنه قال: كفر ليس ككفر ا لشرك، وفسق ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك ] (1)
رأى ابن كثير في الآيات : 
ونختم استعراضنا لآراء المفسرين برأى الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي.
ورأى ابن كثير هذا له دلالة خاصة، فهو من الحفاظ المشتغلين بالحديث وعلومه، وهو من الذين حرصوا على تفسير القرآن العظيم بالمأثور، وهو قبل ذلك وبعده من تلاميذ ابن تيمية، وهذه التلمذة لها دلالة خاصة عند هؤلاء الذين يعارضون جمهور الأمة في آرائهم. 
واستناداً إلى هذه الحيثيات جميعها قلنا ما قلناه من أن عرضنا لرأى ابن كثير له في هذا المجال أهمية متميزة.
والشيخ ابن كثير باعتباره عالماً من العلماء لا يستطيع أن يفسر آيات القرآن بهواه، بل هو قد أخذ نفسه بقاعدتين هامتين، لا يمكنه الفكاك منهما ولا الخروج عليهما. 
الأولى: أنه يبحث عن المأثور المتعلق بالآية، وأعلاه ما ثبتت نسبته إلى النبي صل الله عليه وسلم. 
والثانية: أنه يأخذ نفسه بالروح العام لنصوص الشرع الحكيم، والأولى بالأخذ في هذا المجال السياق الذي ورد النص المراد تفسيره فيه، أعني أنه لا يعمد إلى النص فيقطعه عن سابقه ولاحقه لعلمه أن مثل هذا القطع والعزل يحرم الباحث مزية الفهم الصحيح للنص المراد فهمه.
واستناداً إلى هاتين القاعدتين عند ابن كثير نعود إليه لننظر كيف فهم هذه الآية، خاصة ما ورد فيها من قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
يقول ابن كثير بعد أن أورد الآيات بتمامها بادئا بقوله تعالى: "يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" .. إلى قوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" . [ نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة ا لله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) أي أظهروا الإيمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه، وهؤلاء المنافقون (ومن الذين هادوا) أعداء الإسلام وأهله وهؤلاء كلهم (سماعون للكذب) أي مستجيبون له منفعلون عنه (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) أي يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد، وقيل المراد أنهم يتسمعون الكلام وينهونه إلى قوم آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) أي يتأولونه على غير تأويله، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا) ..... ].
ومن يتأمل رأى ابن كثير هنا يتضح له أنه يلتزم في حديثه القاعدتين، وهي تتبع النص في إطار سياقه العام، وطبقا لروح النصوص الإسلامية بتمامها.
وتبقى القاعدة الثانية، وهي البحث عن المأثور الوارد في النص وأعلاه ما صحت نسبته إلى رسول الله صل الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو حدثاً عاماً، كان النبي طرفاً فيه بالتحاكم إليه أو إقراره. 
وابن كثير لم يغفل هذه القاعدة المنهجية عنده، بل هو على العكس من ذلك، فقد أفاض فيها القول، وأطال فيها الحديث.
والكلام في هذه القاعدة الثانية يتشعب شعبتين:
أ ـ أما إحداهما: فهي ما يتصل بسبب نزول هذه الآية.
ب ـ وأما ثانيتهما: فهي ما يتصل بآراء العلماء من السلف الصالح في هذه الآيات.
وابن كثير في ذكره لآراء العلماء لم يخرج عما ذكرناه لك قبل، ونحن نتحدث عن رأى صاحب المنار، أو ونحن نتحدث عن رأى صاحب روح المعاني، فلا نطيل الكلام هنا بذكره.
أما سبب نزول هذه الآيات، فإن ذكره هنا مهم، بل هو في أعلى درجات الأهمية.
أما أولا: فلأن سبب النزول في العادة يلقي ضوءاً ساطعاً على معنى النص، ويساعد في فهمه.
وأما ثانيا: فلأن جميع النشرات التي بين أيدينا في العصر الحديث، والمعنونة " بإصدارات جماعة الجهاد" قد استندت إلى سبب النزول في فهمها لهذا النص "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وهذا مسلك حسن اتبعه كاتبو هذه النشرات ، لا يعيب عليه إلا من فاته العلم بالمناهج الصحيحة، إلا أن كاتبي هذه الإصدارات، قد فات عليهم بعض الأشياء التي ينبغي أن يتنبهوا إليها، وقد تنبه إليها غيرهم من العلماء، ومن بينهم صاحبنا "الحافظ بن كثير" . 
فالقاعدة العامة كما نعلم أن سورة سبب النزول تدخل في الحكم المستنبط من النص دخولا أوليا. وهذا أمر لا شك فيه، غير أنه لابد أن نأخذ سبب النزول بجميع تفصيلاته ا لتي تشمل الذوات وأحوالهم التي تعتورهم، أي أنها تشمل الاعتقاد، وما يتفرع عنه من السلوك المرتبط به على نحو ما هو وارد في سياق هذا النص وفي سبب نزوله. 
وابن كثير يورد سبب النزول الخاص بهذه الآية فيقول ما إجماله: إنه قد ورد في الآثار سببان لنزول هذه الآية. 
أحدهما: يدور حول أن هذه الآيات قد نزلت في حق رجل وامرأة من اليهود قد زنيا، وكانت عادة ا ليهود في الزنا إذا أحصنوا، أن يركبوا الزاني والزانية حمار ويجعلوا ظهر وقفا كل واحد منهما للآخر، ويطوفون بهما في الشوارع والطرقات، ثم يجلدوهما، وهذا المسلك الذي انتهجوه، والطريقة التي ابتدعوها كان سببها الخروج من مأزق اجتماعي، حيث حكى التاريخ أن بعض الشرفاء من اليهود قد زنى، فأبى الحاكم تنفيذ العقوبة الواردة في التوراة عليه وهي الرجم للزاني المحصن، فلما زنا غيره من عامة الناس أراد إقامة الحد عليه، فقال ذووه لا نقيم الحد على صاحبنا حتى تقيموا على صاحبكم الحد، فكان أن اقترح كبراؤهم هذه العقوبة خروجاً من هذه الأزمة. 
غير أن خطيآتهم العقدية أنهم نسبوا هذا المس لك إلى التوراة، وقالوا: إن هذا هو حكم الله. وهو في الحقيقة من ابتكارهم وصنع هواهم.
وقد وقعت واقعة الزنا أيام النبي بين اثنين قد أحصنا، فقالوا: تحاكموا إلى النبي محمد، وإن أقركم على ما ذهبتم إليه من العقوبة البدعة. كانت لكم حجة عند ربكم، تقولون: أقررنا نبي من أنبيائك، وإن أطلعه الله على الحقيقة وحكم على هذين بالرجم لا تسمعوا له ولا تطيعوا، وكان أن سألهم النبي حين احتكموا إليه عما يجدون في التوراة، فقرأ قارئهم في التوراة، ويده على آية الرجم يقرأ ما قبلها، ويقرأ ما بعدها، فقال عبد الله بن سلام للقارئ: ارفع يدك، أو قال للنبي: مره فليرفع يده. 
وثانيهما: يدور حول أن اليهود قد سنوا في دية القتلى سنة تفرق بين أبناء العظماء، وأبناء من دونهم. فكانت الطائفة العزيزة إذا قتلت من أبناء الطائفة الوضيعة قتيلاً ودوه بنصف الدية، وإذا قتلت الوضيعة من العزيزة قتيلاً ودوه بدية كاملة. 
وكان الأمر على هذا النحو إلى أن جاء النبي محمد صل الله عليه وسلم، فقالت الوضيعة كنا نقبل هذا الوضع من التمييز في الماضي، أما بعد أن جاء النبي محمد فلا، واحتكموا إلى النبي فأعاد الأمر إلى نصابه وحكم بينهم التوراة.
ودونك النصوص الواردة في هذين السببين، نذكر رواية واحدة لكل سبب منهما، ولا نستقصي ما ذكره ابن كثير لجميع الروايات، لأن المصدر متاح للقارئين، وحتى لا نطيل الحديث بالنقل:


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:10 pm


ذكر ابن كثير عن البخاري ومسلم قال: [ قال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقال: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم : فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صل الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة أخرجاه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ له فقال لليهود "ما تصنعون بهما؟" قالوا نسخم وجو ههما ونخزيهما قال: ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) فجاءوا فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور: اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه فقال: ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال: يا محمد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما.
وعند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال: " ما تجدون في التوراة على من زنى؟ " قالوا نسود وجوههما ونحممها ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال: ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) قال: فجاءوا بها فقرءوها حتى إذا مر بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليرفع يده، فرفع يده فإذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صل الله عليه وسلم فرجما. قال عبد الله بن عمر كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه ] . 
وفي السبب ال ثاني ذكر ابن كثير من رواية الإمام أحمد قال: [ قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن العباسي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: إن الله أنزل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وأولئك هم الظالمون، وأولئك هم الفاسقون قال: قال ابن عباس أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا لنا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان في حيين دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم نصف دية بعض، إنما أعطيناكم هذا حينما منكم لنا وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ثم ذكرت العزيز فقالوا والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا صنما منا وقهراً لهم فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صل الله عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله تعالى (ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله (الفاسقون) ففيهم والله أنزل وإياهم عنى الله عز وجل.
ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه بنحوه ]
هاتان روايتان مختلفتان في بيان سبب نزول هذه الآية.
غير أن اختلاف الروايتين في سبب النزول لا يسبب شيئا من الإزعاج لمثل ابن كثير، ذلك أننا إذا ما أردنا أن نأخذ بمنهج الترجيح بين الروايتين، واعتماد إحداهما دون الأخرى، وجدنا ابن كثير يرجح الأولى، فهو القائل بعد ذكر الآيات: [ قيل نزلت في قوم من اليهود قتلوا قتيلاً، وقالوا تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد، فإن حكم بالدية فاقبلوه، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه، والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والاركاب على حمار مقلوبين فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة، قالوا فيما بينهم تعالوا حتى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك ]. 
وإذا ما أردنا بمنهج الجمع بين الروايتين، فإن ابن كثير لا يجد بأساً في هذا السلك، فهو القائل بعد أن ذكر الروايتين في سبب النزول بما يشبه الاستقصاء في كل منهما من كتب الرواة: [ وقد يكون ااجتمع هذا السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ].
هذا هو رأى ابن كثير، وهو لا يشذ عن رأى علماء الأمة، ولا يتحمل جرم المخالفة لروح الإسلام، فهو لا يجازف بتكفير أحد بعينه، ولا يحكم على الذات بالكفر مجردة عن أحوالها الصريحة التي تقتضي تكفيرها، واستناداً إلى سبب النزول، وطريقة معالجة النص لليهود الذين نزل النص فيهم، وما يشبههم من غيرهم.
رأى صاحب الطحاوية :
وصاحب الطحاوية لم يخالف في رأيه علماء الأمة، ثم سار على ما ساروا عليه، واختار ما اختاروه، لأن النصوص تسانده.
ونحن هنا لا نريد أن ننقل نصاً له، إذ ما ذكره صاحب الرأى الذي سنسجله في الفقرة التالية إن شاء الله يعتمد اعتماداً شديداً على ما ذكره الإمام الطحاوي. 
رأى الشيخ ناصر الدين الألباني :
والشيخ ناصر الدين الألباني له في مسائل التكفير داخل المجتمع الإسلامي كلام معروف، وله في لمز العلماء وغمزهم مجهود يعرف فينكر، وله من الحرص على تشديد النكير على أبناء المجتمع المسلم بقدر ما له من الحرص على إرجائه إعداد العدة في وجه من يحيطون بنا من الكافرين . 
وقد سبق أن نشرت له جزء حديث حكاه عن نفسه في بعض الكتب التي اختصرها وحقق نصوصها وعلق عليها.
وها أنا أجتزئ بعض ما نشرت يومها عن الألباني لكلامه وحروفه، وبغير تصرف فيه فيما عدا حذف بعض العبارات التي لا دور لها هنا. 
قلت: [ قرأت كتاباً (1) محققاً ومختصراً كتبت له مقدمة طويلة. أخذت أتصفحها المرة بعد المرة فلا يظهر لي منها إلا شيخ متقدم في السن لم يعد النظر فيما كتبه في شبابه ولم يتخل عن منهج رسمه لنفسه منهج ينال من العلم والعلماء، ويهدر كرامة كل قيادة بحيث لا تبقى في الساحة سواه والقليلون من أتباعه، ومهما بذلت له من محاولة في مجال النصح، ومهما شده غيره باسم الله رجاء أن يحافظ على أمته ووحدتها، لم نجد منه إلا صداً وإصراراً على التفريق بين صفوف المسلمين. 
وسأنقل لك أيها القارئ العزيز فقرات من هذه المقدمة التي كتبها الشيخ المتقدم في السن بقلمه يغمز فيها الأمة، ويلمزها، ويصر على التفريق بين صفوفها فبعد أن أدخل على القصة من التحسين والتجميل بقيت القصة تدل القارئ الحصيف على أنه يأخذ من علماء الأمة موقفا، يستثيرهم ليقولوا فإن قالوا: أظهرهم بمظهر التحقير وعدم ا للياقة، وإن ناصبوه بالحق، اتهمهم بما عنده على قاعدة ـ رمتني بدائها وانسلت ـ اتهمهم بأنهم يريدون المحافظة على ذواتهم، والحفاظ على كبريائهم وغرورهم، وهذه القصة كما حكاها جرت أحداثها في المدينة المنورة، وكان الشيخ جالساً ومعه صفوة من أحبائه قال: ( وإنني لن أنس ـ ما حييت ـ تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ الذين يحبون أن يتصدروا المجالس ـ كذا ـ ويستقلوا بالكلام فيها، فقد دخل علينا ونحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي ـ كذا ـ فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مرحبا ومستقبلا، فصافح الشيخ الجالسين جميعا واحدا بعد واحد، مبتدئا بالأيمن فالأيمن، فأعجبني ذلك منه، حتى انتهى إلى وكنت آخرهم مجلسا، ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى ـ تأمل ـ بتركهم القيام له ، فأحببت أن ألطف. ومع ذلك فبادرته متلطفا معه بقولي وهو يصافحني: عزيد بدون قيام يا أستاذ، كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة، فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه ـ بما معناه: لا شك أن القيام للداخل إكراماً وتعظيما ليس من السنة في شئ وأنا موافق لك على ذلك، ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل الجوانب، وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما !. 
فقلت : رويدك يا حضرة الشيخ (عجيب يستثير القادم ثم يظهره وكأنه ثائر) فإن لكل مقام مقالا، فنحن الآن معك في مثل هذه السهولة الأخوية، لم نجتمع فيها لبحث خاص ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين، وغيرهم وأنت ما كدت تجلس بعد ! ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق، لا أظنك تقصده، لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية وحتى في معنى شهادة لا إله إلا الله . فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير الله تعالى والطلب من الأموات وذلك فيه ما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا ـ أشير إلى أنه في هذه المسألة معنا ـ فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟ ! قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك مؤقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة، لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و .... 
قلت : وماذا يفيد مثل هذا التجمع ـ لو حصل ـ إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الاشراك بالله عز وجل ... إلخ ما قال ) .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله    الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله Emptyالسبت 14 سبتمبر 2013, 12:10 pm

سنفترض هنا أن ما قاله على لسان صاحبه كان صحيحا وأنه لم يحسن لنفسه ويحقر لغيره وأن الذاكرة في السنوات العشر الفاصلة بين وقوع الحادثة وتسجيلها لم تلعب دورها وأن الجو العام الذي كتبت فيه الحادثة من سباقها ولحاقها من الكلام المكتوب بقلم الشيخ لم يخالف الجو العام الذي حدثت فيه القصة، سنفترض أن هذا كله صحيح فإننا برغم ذلك سنخرج بانطباعنا العام وهو نشدان هذا الشيخ وأمثاله شق صفوف المسلمين والتفريق بينهم واشعال نار العداوة في قلوبهم وأقصى ما يمكن أن نقدمه لهم كمسلمين مأمورين بحسن الخلق حتى في الخصام والنقاش، أقصى ما يمكن أن نقدمه له أن نقول إن الدافع عنه هو الغيرة على الدين في حدود معرفته وأنه فعل ما فعل وقال ما قال بحسن نية، إلا أن الشئ الغريب هو إصراره على هذا المنهج الذي يفرق بين الأخ وأخيه، ويخلخل قضية الانتماء والترابط بين الأجيال، إنه لا يريد أن يثق العامة في العقلاء والقادة، ولا يريد أن يثق الأبناء في الآباء، ولا يريد أن يوقر الصغير الكبير، ولا يريد أن تورث التجارب ولا تطلق الطاقات في الفهم والمعرفة في إطار ق يود الإسلام وفي نسقه الذي يحكم الحياة ] (1)
تلك هي الحالة الفكرية العامة التي لازمت أخينا الشيخ الألباني معظم حياته على نحو ما سجلناها في الأيام الخالية.
ونحن لا نكاد نقرأ كتاباً له في العقائد ، أو مقدمة لكتاب اختصره أو حققه في هذا الباب، إلا ونجد هذه الخاصية بادية في كل ما كتب.
ونحن لا نكاد نسمع عن محاضرة ألقاها الشيخ، أو سهرية ممتعة حضرها مع رفاقه وتلاميذه، وتواترت إلينا أخبارها إلا وجدناه قد عزف على هذا الوتر نفسه.
واتبعه بعض الشباب في منهجه، وهم معذورون في ذلك لأسباب نعرفها وليس هنا موضع ذكرها.(2)
والشباب الذين اتبعوه على منهجه لما تورا بعضهم في بعض المسائل لحق به في محل إقامته بعض الذين أعرفهم، وعقب مناظرة كانت بيني وبينهم، ثم سأله عن قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ...) قال الشيخ لسائله : كفر دون كفر بضم الفاء في الموضعين على لهجة الشاميين، فعاد الشاب إلى قومه وهو مستاء جداً لأنه كان يشعر بأنه يستند في آرائه إلى طود شامخ راسخ، فوجد أنه كمثل الذي يستند إلى جدار شيد من اللبن في وسط المحيط.
ومسألة (كفر دون كفر) يستطيع الشيخ أن يبررها ، بل يقويها بما روى عن السلف، ولا يستطيع أن يبرر إطلاق الكفر على ظاهره، ثم ينقله من شريعة أهل الكتاب إلى مجتمع المسلمين إلا بشق الأنفس.
وحتى عبارة (كفر دون كفر) ليست من بنات أفكار الألباني، وإنما هو قد وقع عليها وهو يطلع على آثار سلف الأمة، إذ العبارة كما أوردها ابن كثير وغيره منسوبة إلى طاوس وعطاء (1)
وهذا الاتجاه الأخير من الألباني هو الذي اتخذه أساساً ـ على ما يبدو لنا ـ قد صدر عنه في فتواه التي أصدرها واعترض عليها مريدوه كما سيأتي.
وفتواه المشار إليها قد أوردها وهو يعلق على حديث ابن العز الحنفي شارح الطحاوية، ذلك الحديث المتعلق بموقف الأمة من الحاكم إذا حاد عن شرع ربه. 
ونحن سننقل حديث شارع الطحاوية وتعليق الألباني عليه لتتضح الصورة، قبل أن نبين رأى معارضيه فيه.
قال الإمام الطحاوي: [ ولا نرى الخروج على أئمتنا، ولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ] (2)
وعلى هذا النص كان لابن أبي العز الحنفي شرحاً مفصلاً صدره بالأدلة الشرعية والتي تخدم قضيته والنصوص التي استنبط منها حكمه.
قال: [ " قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" النساء : 59 ـ وفي " الصحيح" عن النبي صل الله عليه وسلم ، أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني" ] (3)
وعن أبي ذر رضى الله عنه قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان ع بداً حب شيا مجدع الأطراف"(1).وعند البخاري: "ولو لحبشي كأن رأسه زرب يبة" (2).
و في "الصحيحين" أيضا : "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة" (3) . وعن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم". وفيه دخن". قال: قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يسنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر" ، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم": دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها". فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ قال: " نعم قوم من جلدتنا، يتكلمون بألستنا" ، قلت: يا رسول الله ، فما ترى إذا أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم" فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولا أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك(4) . وعن ابن عباس رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية" (5)، وفي رواية : " فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" (6) .
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "إذا بويع الخل يفتين فاقتلوا الآخر منهما" (7). 
وعن عوف بن مالك رضى الله عنه، عن رسول الله صل الله عليه وسلم، قال: "خياركم أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" ، فقلنا: يا رسول الله، أفلا نبارزهم بالسيف عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يــداً من طاعته" (1).
فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء : 59 ـ كيف قال: " وأطيعوا الرسول" . ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يُقرون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولى الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله.
وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" الشورى:30 وقال تعالى: "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" آل عمران: 165 وقال تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك" النساء: 79. وقال تعالى: "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" الأنعام: 129. فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم. وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله: "أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نعمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم" (1) ] (2)
هذا كلام ابن أبي العز الحنفي، والذي أورده شرحاً لما نقلناه من كلام الطحاوي. 
وهذا الكلام نفسه قد اتخذه الألباني أساساً قد صدر عنه في فتواه لاعتبارات كثيرة عنده أهمها :
أن هذا الإمام معتمد عند الشباب فضلاً عن أن الشارح قد أورد طائفة من النصوص الشرعية تساند كلامه، وتؤيد ما ارتآه. 
وهذا نص ما ذكره الشيخ ناصر الدين الألباني نقلاً عن نشرة سيارة بعنوان " الرد على شبهة خطيرة للشيخ الألباني بشأن السكوت على الحكام المرتدين". قال: [ وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم، ويصححوا عقيدتهم، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح، تحقيقاً لقوله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد : 11ـ وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس وهو الثورة بالسلاح على الحكام بواسطة الانقلابات العسكرية، فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس، وكذلك فلابد من اطلاع القاعدة لتأسيس البناء عليها "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" الحج: 40 ] (3)
هذا هو كلام الألباني والذي أحلفظ عليه قلوب ونفوس مريديه.
ونحن حين نتأمل ما ذكره الألباني نتبين لنا عدة ملاحظات هامة : ـ
1ـ أنه في كلامه يعتبر مقلداً لصاحب الطحاوية وشارحها على السواء، إذ لم يخرج عما قالاه قيد شعرة إلا فيما اقترحه من وسيلة الخلاص من ظلم الحكام.
2ـ والألباني قد أهمل الحكم على الحكام إذا ما جاروا، وحكموا بغير ما أنزل الله.
ويستوي من وجهة نظرنا أن يكون الحاكم قد خرج على بعض الشريعة، أو خرج على الشريعة بالكلية، فالحاكم هنا ينبغي أن يكون حكما واحداً، والألباني على أية حال قد فضل أن لا يتعرض لمسألة الحكم على الحكام. 
3ـ والألباني رأيه معروف في بعض المسائل التي يدرسها، ويحكم على الأفراد من خلالها، فهو يحكم عليهم أحيانا بالكفر الصراح، ولا يصرح بالحكم على الحكام حتى ولو توفرت فيهم هذه الخصال التي يكفر الأفراد بسببها.
ومن خلال هذه الملاحظات السريعة، نحب أن ننبه هنا إلى قضية هامة وهي: أن الخلاف الواقع بين الألباني وبين مريديه ليس هو من باب الخلاف الحاد الذي قد يتوهمه القارئ لهذه النشرة لأول وهلة.
وسنعرض بين يديك الآن أيها القارئ بعض الملاحظات التي اتخذها البعض من أتباع الألباني أساساً للرد عليه. 
ومن أهم الأسس التي اعتمدها كاتب هذه النشرة في الرد على فتوى الألباني : ـ
1ـ أن الألباني خالف صاحب الطحاوية وشارحها من حيث إنهما يتحدثان فيما ذكراه عن الحاكم المسلم، وقالا إنه يحرم الخروج عليه، فتوهم الألباني أنه يمكن تطبيق هذا الحكم على حكام هذا العصر.
وهذه زلة وقع فيها.
أقول: هذا ما تصوره كاتب هذه النشرة، وهو تصور لا يقوى على الصمود حين نتأمل ألفاظ الألباني السالفة الذكر، ونقارنها بما جاء في الطحاوية وشرحها.
2ـ وكاتبو هذه النشرة قد ذكروا في نشرتهم أن الألباني لا يقول بكفر حكام العصر، ولذا فإنه قد أخطأ في إنزال الأحكام المستنبطة من النصوص الواردة في أحكام حكام المسلمين إذا فسقوا أو جاروا.
أقول: وهذا غير صحيح كذلك إذ الصحيح أن الألباني طوى هنا وفي مواضع كثيرة الحكم على الحكام المعاصرين، وإن كان قد صرح به في بعض المناسبات.
وفيما بين الكتمان والتصريح مسافة واسعة قد أوقعت كتاب هذه النشرة في الحيرة، فهم الذين قالوا [ والشيخ الألباني يقر بكفر الأنظمة التي تحكم المسلمين بغير شريعة الإسلام ومن ذلك قوله: 
( قد سمعت كثيراً منهم يخطب بكل حماس وغيرة إسلامية محمودة ليقرر أن الحاكمية لله وحده ـ ويضرب بذلك النظم الحاكمة الكافرة، وهذا شئ جميل، وإن كنا الآن لا نستطيع تغييره) من كتابه (الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ص 96 ، 92) (1)
3ـ لاحظ كاتبو هذه النشرة على فتوى الألباني أنه لم ير الخروج على الحكام، وإنما رأى إصلاح الأمة من خلال تربية أفرادها.
أقول: وهذا ما صرح به الألباني، إلا أنه لم يبين الغرض من التربية، ولا حقيقتها، ولا المراد تحقيقه منها في الأفراد.
والنتيجة التي تترتب على ذلك كله هي أن الألباني وتابعيه ما زالوا على وفاق تام، إلا في هذا الانحراف الضئيل الذي أشرنا إليه.
ونحن وإن كنا لا نرى اتساعاً بين وجهتي النظر، إلا أن كاتبي هذه النشرة يرون أن في هذا الخلاف الضئيل هدماً قويا لأهداف جماعتهم، بل لهدفها الوحيد المتمثل في جعل الجهاد غاية لا وسيلة.
ومن أجل ذلك فقد وجهوا إليه النصح بالرجوع عن فتواه حتى يتمكنوا من متابعته، ولفتوا نظره بقوة إلى أن يقوم بالإبانة عن خطئه والاعتراف به حتى يغفروا زلته.
جاء في النشرة المذكورة نقلا عن كتاب "العمدة في إعداد العدة للجهاد" للشيخ عبد القادر [ وإني لأرجو أن يبين الشيخ بنفسه وجه الحق في هذه الشبهة الخطيرة ... تبرئة لذمته وحرصاً على أتباعه ولا ينكر فضله وجهده في خدمة السنة النبوية، ولا تنقص هذه الشبهة من منزلته، فلكل جواد كبوة وقال تعالى: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً " النساء 82 . وأسأل الله العلي العظيم أن يختم لنا وله بصالح الأعمال آمين . ] (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الطريق الصحيح إلى تحقيق شرع الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل المؤتمر الدولي هو الطريق الصحيح لحل القضية الفلسطينية؟
» تحقيق الذات .. أم تحقيق صورة للذات ؟
» الصحيح من معجزات النبي
» كيفية الوضوء الصحيح
» كيفية الوضوء الصحيح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: