المسلمون في بريطانيا.. تاريخ قديم في أوروباكان العام 1889 بمثابة تدشين أقدم تاريخ للمسلمين في بريطانيا ، من خلال افتتاح أول مسجد فيها أقيم في مدينة ليفربول ، الواقعة في شمال غربي انجلترا ، وهو ما كان إيذانا بتأريخ وجود المسلمين في أوروبا، ليعتبر التاريخ الأقدم في هذه القارة، وإن نازعه تاريخ الوجود الإسلامي في الأندلس، أو أسبانيا حاليا، منذ 500 عام تقريبا.
وعلى الرغم من أن دخول الإسلام في كثير من بقاع العالم كان من خلال التجار ومعاملاتهم مع الغير، وهو ما كان يظهر معه روح الإسلام وتسامحه ، ما كان دافعا لغيرهم في دخول هذا الدين، إلا أن دخول الإسلام كان من داخل المجتمع البريطاني ذاته، وذلك عندما قام ويليام هنري كويليام بزيارة إلى المملكة المغربية في القرن الثامن عشر من القرن الفائت.
وهناك أعجب بالإسلام وتعاملات المسلمين به، خاصة وأن طبائعه كانت تتفق معه ، فكما كان يقول لأصدقائه إنه لم يحتسي الخمر في حياته قط ، على الرغم من كونه مسيحيا، وأنه لم يرتكب الموبقات كما يفعل أبناء دينه.
نشأة الإسلام في بريطانيا
كويليام ، عندما زار المغرب ، لاحظ أن تعاملات المسلمين هناك تتفق وسلوكه ، وعرف أنهم أتباع الدين الإسلامي، فما كان منه إلا أن أعلن اعتناقه هذا الدين الحنيف، وسمى نفسه باسم عبد الله كويليام، بدلا من ويليام كويليام . وعاد داعيا إليه في مدينته ليفربول بانجلترا، حتى أسلم على يديه طوال حياته ، وحتى مماته في العام 1922 قرابة 150 انجليزيا.
ولم يكتف بإسلامه وفقط ، بل قام بشراء مبنى ضخم ، حوله تاليا إلى مسجد ، عندما قام بشراء هذا المبنى الواقع في شارع بروم تيراس في ليفربول ، وجعله مسجدا ، وذلك في العام 1886 ، وأضاف إليه مبنيين آخرين ، جعلهما للأعمال الخيرية، ومستشفى يعالج فيه المسلمون .
وكأنها رسالة لأتباع الديانات الأخرى، عندما حرص كويليام على افتتاح المسجد ليلة الاحتفال في بريطانيا بما يسمى بعيد الميلاد ، وذلك في العام 1889، وكانت فحوى هذه الرسالة أن الميلاد الحقيقي للإنسان هو دخوله في الإسلام ، واعتناقه لهذا الدين.
ومن يومها ، والإسلام ينتشر في هذه البقعة الأوروبية ، حتى صار يعيش في هذا المدينة ما يقرب من 20 ألف مسلم من بين عدد سكانها البالغ عددهم 500 ألف شخص، في الوقت الذي يصل فيه عدد المسلمين في عموم المملكة المتحدة إلى قرابة 3 ملايين مسلم.
وذاع صيت الشيخ كويليام في أنحاء المعمورة ، حتى لقبه السلطان عبد الحميد الثاني باسم"شيخ الإسلام في بريطانيا"، وقام بدعمه كلا من شاه إيران وأمير أفغانستان، ليتمكن من مسيرته في الدعوة إلى الإسلام، وهو ما كان يثير حنق الكثيرين من غير المسلمين في هذه المملكة.
ومن يومها ، والإسلام ينتشر في بريطانيا ، حتى صار إلى العدد المشار إليه . إلا أنه على الرغم من هذا الانتشار فان هذا العدد يكاد يصبح بلا فعالية اليوم ، في ظل الخلافات التي تنشب بينهم ، تبعا لمذاهب شتى ، فضلا عما حملوه معهم من خلافات بين بلدانهم العربية والإسلامية، والتي نقلوها معهم إلى بلاد الهجرة، حتى ظهرت بينهم العصبية الممقوتة، والوطنية التي ساهمت في تفريقهم، أكثر مما عملت على تقريبهم، وكأن الإسلام ليس هو الجامع لهم ، وأن العروبة هى الأساس بينهم.
ومن خلال زيارة موقع "المسلم" لهذه البلاد، يظهر أن المسلمين يعيشون اليوم في بريطانيا، غير مدركين حجم ما يحاك ضدهم ، وما يدبر لهم من دعايات تسيطر عليها أعضاء الجاليات اليهودية، بفعل السيطرة الصهيونية على أجهزة ووسائل الإعلام العالمي، وخاصة منذ أحداث 11 سبتمبر في العام 2001.
هذه المؤامرات تتمثل في التوسع في دائرة الاشتباه لكل ما هو عربي وإسلامي من توقيف في المطارات ، ومطاردة في الشوارع، حتى أصبحت هذه المطاردات على التدين بالدرجة الأولى ، فضلا عن الهجوم أخيرا على النقاب، ومحاولات منع ارتدائه.
وعلى الرغم من التفرق الذي يعيشه المسمون في بريطانيا اليوم، وما يحاك ضدهم . إلا أن نفحات شهر رمضان المبارك، وهى تلف عموم بريطانيا ، فإنها أبلغ دليل على أن الأمة الإسلامية ، كثيرا ما تأتيها المواسم ، لتكون فرصة للتراحم والتواد .
على هذا النحو يأتي رمضان هذا العام ، وهناك رغبة من أهل الخير في بريطانيا في جمع شمل الأقليات المسلمة في بلاد الغربة، واستثمار تجمع المسلمين لأداء صلاة التراويح ، والذي يمتلأ بهم المركز الإسلامي في العاصمة لندن، لتكون فرصة لطي صفحات الخلاف، ونسيان تباينات الدول الأثنية، ليتعايش جميع المسلمين في تواد وتراحم ، تاركين خلفهم مذهبيات وأثنيات وأعراف ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
وفي هذا الشهر الكريم يقوم أهل الخير من مسلمي بريطانيا بإقامة موائد الإفطار، بغية تجميع المسلمين، والالتقاء بهم على كلمة سواء ، بدلا من الخلاف والشقاق. في الوقت الذي يقوم فيه المركز الثقافي المصري في لندن بدعوة دعاة من الأزهر الشريف لإلقاء الدروس الدينية وإمامة المصلين في المركز الذي تقام فيه صلاة الجمعة والتراويح ، فضلا عن دعوته للدارسين المصريين والعرب لحفلات إفطار وسحور، في الوقت الذي يحرص فيه على نشر بعض المظاهر الشعبية في ردهات المركز مثل فوانيس رمضان ، وبعض أشكال الزينة الأخرى.
"راديو" رمضان
وتبدو المظاهر الرمضانية ، قبيل حلول الشهر المبارك، حيث تقوم بعض المحال التجارية الانجليزية بعرض الحجاب الإسلامي في "فتارين" خاصة ، وعرض فوانيس رمضان ، مشاركة منها للمسلمين في الشهر الفضيل.
وتقوم بعض المدارس البريطانية بإعفاء أبناء المسلمين من الوجبات المدرسية , ومراعاة غير المسلمين عدم الأكل أو الشرب أمامهم , فضلا عن تحويل مسار الدراسة لتدريس جوانب شهر رمضان وفضائله عند المسلمين.
وهناك الكثير من الأثرياء العرب الذين يتبرعون بتكاليف الموائد في رمضان والأعياد حيث يصنعون الكحك ويضعون الطعام على موائد كبيرة للإفطار الجماعي, وسط تمسك واضح من المسلمين بإسلامهم , حيث تعتبر دافعا قويا ليتمسك الإنسان بدينه وبجذوره وعاداته التي يتجاوز عنها في بلده.
وفي عموم بريطانيا , ما يعرف ب "راديو رمضان"، ففي كل مدينة كبيرة في بريطانيا يقوم بعض الشباب المسلم بتوجيه بث إذاعي خصيصا في شهر رمضان باللغات الإنجليزية والعربية والأردية والبنجابي، ويتم توجيه البرامج للمسلمين ولأفراد المجتمع البريطاني بصفة عامة.
وتتسم برامج "راديو رمضان" بالحيوية والتنوع، ويغلب عليها مناقشة قضايا اجتماعية وسياسية وإعلامية، وتشمل لقاءات بشخصيات عامة وعادية، كما أن للأطفال أيضا برامجهم التي تجذب اهتماماتهم، خلال الشهر الكريم.