العقوبات الأمريكية تدفع الروبل للهاوية والكرملين يهدد
فالح الحمراني
Aug 18, 2018
واصل الروبل الروسي في غضون الأسابيع الماضية فقدان قيمته بوتائر سريعة وإلى حد ما بصورة مفاجئة. وانخفض سعر صرفه خلال المناقصات في أسواق المال إلى حد 68 لقاء الدولار و78 لقاء اليورو، ورصد الخبراء وجود عدة أسباب لتدهور سعر الروبل، في الوقت نفسه لم يتمكنوا من تحديد العامل المساعد الأساسي الذي أصبح سببا لضعف العملة الروسية: هل على وقع العقوبات الأمريكية الجديدة أم هروب الرساميل من الأسواق النامية على خلفية الأزمة المالية في تركيا؟ وفي غضون ذلك يحذر الاقتصاديون من أن الخطر سيخيم على العملة الروسية كحد أدنى حتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وفي أحسن الأحوال فان سعر الصرف سيقف عند 70 روبلا لقاء الدولار.
وعند نهاية الأسبوع الفائت تنامى في بورصة موسكو بثقة سعر الدولار الأمريكي واليورو. وتجاوز سعر الدولار في بعض الحالات 67 روبلا. فيما راوح اليورو عند مؤشر 78 روبلا. وفي وقت متأخر انخفضت أسعار العملة الأجنبية لحد ما.
يقدم الخبراء سببين رئيسيين لتدهور الروبل. أولا، يرصدون أصداء أزمة العملة في تركيا، التي تسببت في خفض الصرف في السواق النامية. وثانيا، تأثير الصخب الإعلامي المتعلق بإمكان تشديد العقوبات الأمريكية على روسيا الاتحادية. ولا يأخذ الخبراء على عاتقهم مسؤولية تحديد السبب الأكثر تأثيرا.
وللبرهنة على التفسير الأول يشيرون إلى دينامية أسعار عملات الدول النامية. وعلى وجه الخصوص يلفتون إلى انخفاض سعر عملة جنوب افريقيا الوطنية بـ 1.7 في المئة مقابل الدولار، والبيزو المكسيكية بـ 1.2 في المئة ويوانا بـ 0.4 في المئة. وواصلت الليرة التركية الهبوط وبلغ سعرها على حد وصف الخبراء رقما قياسيا 7،23 مقابل الدولار. وضمن هذا السياق يرى الخبراء إن مشاكل تركيا (مصدر الأزمة الحالية) تؤثر على النظام الحالي لمنطقة اليورو. واستمرار ضعف الليرة يمتد أكثر فأكثر ليشمل المناطق المجاورة الأخرى. وفقدت أسواق المال الآسيوية أكثر من 1 في المئة في بداية المناقصات. ويعتقدون إن السندات ذات المخاطر معرضة بشكل عام للهجوم، وان عملات الدول النامية تتعرض لضغوط شديدة، ويرجحون أن هذا الواقع يدفع الروبل إلى الاستمرار في مسلسل الانخفاضات، ويرون إن دينامية الروبل ستعتمد لاحقا، من بين أمور أخرى، على معنويات المستثمرين من الأسواق النامية.
ومن العوامل الجديدة التي تضغط على الروبل كما يرى ألكسندر باختين، وهو محلل استراتيجي للاستثمار في «بي سي إس بريمير» هو تضخم العملة التركية المنفلت، والارتفاع الحاد لخروج الرساميل من الأسواق النامية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى هزيمة عملات هذه البلدان بشكل ملحوظ. منوها إلى ان الروبل ليس فقط غير استثناء، وإنما هو في المقدمة من حيث مستوى الخسارة.
ويوضح محلل شركة «الور بركير» الكسي انطونوف: إن سبب الهروب يكمن في عدم الرغبة في المخاطرة، والرغبة في الحصول على عوائد بالدولارات، أي عوائد بالعملات الصعبة التي تعزز مواقعها. فالآن يمكن الحصول من الأوراق المالية الأمريكية إلى 2.8 ـ2.9 في المئة سنويا، وهذا في رأيه أمر جذاب لجميع أنواع المستثمرين.
وإلى جانب ذلك يشير الكثير من الخبراء إلى خطر فرض الولايات المتحدة حزمة جديدة من العقوبات. وفسر اندريه لوشين، رئيس «لوكو بنك» تأثير ذلك على الروبل بقوله «عودة الدولار إلى وطنه، وأن المحفز على تدهور الروبل هو مشروع قرار قانون قدم للكونغرس يقضي بفرض عقوبات جديدة وإجراءات صارمة للغاية، وعندما اكتشفت الأسواق المالية النطاق الكامل للإجراءات الممكنة، انعكس ذلك على الروبل». وفي رأيه «بادئ ذي بدء، لفت المستثمرون الانتباه إلى إمكانية فرض عقوبات ضد الديون السيادية الروسية، تمثلت في الحظر على شراء إصدارات جديدة من سندات القروض الاتحادية الروسية.»
ويُرجح بعض الخبراء إن أسباب انخفاض قيمة الروبل تعود إلى مجموعة كاملة من المشاكل العالقة. وكان الإعلان عن فرض عقوبات جديدة مجرد حافز وعامل مساعد، ولكن الروبل لم يكن يقوى حتى من دونها، فقد أخذ الضعف ينتاب عملات الاقتصاديات النامية منذ نيسان/أبريل الماضي، وان الروبل هو واحد منها لا أكثر. وما عدا ذلك، كما يعيد بعض الخبراء الأذهان، إن وزارة المالية والبنك المركزي في روسيا سعيا بشكل منهجي لانتهاج سياسة لاحتواء سعر صرف الروبل، وتجميده في إطار 61 ـ 64 روبلا مقابل الدولار. ومن ثم أضيفت عليها الهزة التي تعرضت لها الأسواق النامية وأخطار العقوبات.
ويعتقد العديد من الخبراء إن الدولار سيواصل الحركة نحو مؤشر الـ 70 روبلا. وحسب رأيهم فالآن الدولار قوي وان الأوراق المالية قوية في الولايات المتحدة ومع اقتراب الانتخابات المحلية في أمريكا المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل سيتصاعد الكلام عن العقوبات ضد الكرملين. إن موضوعة العقوبات لم تُغلق لحد الآن، لذلك فمن المتوقع أن يواصل الروبل فقدان قيمته والضعف أكثر. ويؤكدون إن السعر العادل للدولار هو 60 روبلا فقط.
وترى اولغا برخود، المحللة المالي لشركة « Larson&Holz» إن السيناريو المتفائل للروبل الروسي هو 70 روبلا مقابل الدولار. وتقول «وعند حدوث تطور صارم للإحداث فان سعر الروبل قد يرتفع إلى مؤشر 71 روبلا. وفي هذه الحالة ربما سنرى حتى نهاية العام الحالي إنه يتوجه نحو 78 مقابل الدولار» وأضافت «من المحتمل تحقق السيناريو الأول والثاني، وسيعتمد هذا على مدى تفاقم الوضع».
وأشار تقرير لصحيفة «نيزافيسيما غازيتا» إلى أن السلطات الروسية تتحرك في ظل الوضع القائم بشكل عقلاني، حيث أن الجهات المالية اتخذت موقف المنتظر، ولم تعمد إلى اتخاذ إجراءات لفرض القيود، والجميع الآن بانتظار دخول الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية في 22 اب/أغسطس إلى حيز الوجود. ويشمل الجانب الاقتصادي من العقوبات الحظر في الولايات المتحدة (وتجميد ودائع) 7 بنوك كبرى روسية، وكذلك العمليات الخاصة بالديون الحكومية الروسية.
وقال النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية وزير المالية أنطون سيلوانوف إن «الدولار الأمريكي يصبح أداة غير موثوق فيها للحسابات في التجارة الدولية. وان روسيا ممكن في ضوء ذلك أن تنتقل إلى العملات الوطنية عند التجارة بالنفط». وأضاف «لقد خفضنا بشكل جوهري من وضع احتياطاتنا في الودائع الأمريكية». وفي رأيه «من حيث الجوهر إن الدولار الذي اعتبر عملة عالمية يغدو أداة خطرة للحسابات».
ووفق المراقب السياسي لموقع «الصحافة الحرة» دمتري بولونين، فان نائب رئيس الحكومة كشف عن أحد خيارات الرد على العقوبات الأمريكية المتعلقة بعملية تسميم الجاسوس الروسي وابنته في بريطانيا. وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قد أعلن «إنها عقوبات غير مقبولة بتاتا». وناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 10 آب/أغسطس العقوبات التي يجري التحضير لها مع مجلس الأمن الروسي، وعقب ذلك أعلن المشاركون في الاجتماع عن موقفهم الرافض للعقوبات الجديدة.
ويرى مراقبون إن توجيه ضربة بمواقع الدولار يبدو أمرا مغريا. وتجدر الإشارة إلى وزارة المالية الأمريكية نشرت إحصائيات في تموز/يوليو اتضح فيها أن روسيا خفضت حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية خلال العام الجاري لتصل في شباط/فبراير الماضي إلى 93.8 مليار دولار، مقابل 102.2 مليار دولار سجلتها في كانون الأول/ديسمبر 2017. وان محاولة إبعاد الدولار عن منطقة التجارة بالنفط يأتي في هذا الإطار.
وأجرت روسيا مباحثات مع عدد من الدول من بينها تركيا وإيران والصين ودول كومنولث المستقلة وغيرها لاعتماد العملات الوطنية في دفع الحسابات. ولكن السؤال المطروح هو ما مدى جدية تقويض موقع الدولار؟ وهل سيُفسح المجال لروسيا للقيام بهذا الدور؟