فارق السن بين الزوجين
فارق السن بين الزوجين .. الأزمة الاقتصادية وتأخر سن الزواج زادا من معدلاته
تأتي لحظة تبحث المرأة الشابة فيها عن رجل ناضج يحتويها ويقودها في دروب الدنيا الوعرة مستعينا بخبرة السنين وحنكة الأيام، وهنا قد تصادف من يراها تجدد حيويته وتمنح وجهه وقلبه أكسير الشباب والحياة. هكذا يظن الاثنان أن الدنيا ابتسمت لهما أخيرا واكتملت المعادلة: الاحتواء + الحيوية = السعادة .. لكن الواقع قد يكون له رأي آخر، لتكون النتيجة تعطل ماكينة الأحلام الوردية، التي رسمها كلا الزوجين لحياته مع الآخر، تحت وطأة الاختلاف الفكري وتنافر الخصائص النفسية وعدم قدرة الزوج على تلبية نداء جسد شاب. فارق السن الكبير بين الزوجين لم يعد حالة استثنائية في مجتمعاتنا خاصة، مع تأخر سن الزواج بسبب الضغوط الاقتصادية. فبحسب تقرير لجهاز التعبئة والإحصاء في مصر، تبين أن معدلات الزواج تراجعت خلال العام الماضي، حيث بلغت قرابة 507 آلاف حالة زواج خلال عام 2007 مقابل 523 ألف حالة زواج عام 2006، ومن ثم ارتفعت فرص الاقتران بأزواج كبار في السن نظرا لقدرتهم المادية على متطلبات الزواج وتأمين حياة أسرية مستقرة. الوجه السلبي للظاهرة تكشفه الدكتورة فادية أبو شهبة، الخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، فتقول: «مشكلة فارق السن الكبير بين المتزوجين لا تظهر سلبياتها الحقيقية إلا بعد مضي فترة طويلة، خاصة عندما يتعدى الفارق 15 عاما، ففي حين تكون الفتاة لا تزال في ريعان شبابها، مما ينعكس على طريقة تفكيرها ومعيشتها وطموحها، يبدأ الزوج التفكير في التقاعد. وهنا حتما تظهر مشكلات التواصل الفكري والاجتماعي لتتعارض الاهتمامات تماما بين الطرفين، ويهيئ الفرصة للانفصال». وتتابع أبو شهبة:« تتفاقم المشكلة أكثر لو كان الزوج من النوع الغيور أو فاقد الثقة بالنفس، فيبدأ في الشك في زوجته وتحجيم تحركاتها وهي الصغيرة الجميلة بجانب زوج يعتقد كثيرون انه والدها». لكن فارق السن لا يمنع السعادة ووجود تجارب ناجحة، فالزوج يمكنه أن يعوض فارق السن بينه وبين زوجته بمزيد من الاحتواء الإنساني والعاطفي الأقرب للأبوة. وهناك نماذج كثيرة في بلداننا العربية نجحت فيها مثل هذه الزيجات، مع العلم أنها ليست حكرا على ثقافة دون غيرها. فحتى هوليوود تشهد مثل هذه الزيجات، التي نذكر منها العلاقة الناجحة بين النجم المخضرم مايكل دوغلاس والنجمة الشابة كاثرين زيتا جونز، التي تنبأ لها العديد من الناس بالفشل في البداية لكنهما أكدا مع الوقت أنها أقوى من زيجات أخرى كثيرة كان فيها الزوجان متقاربين في السن. هناك أيضا الراحل همفري بوغارت الذي كانت زوجته لوران باكال تصغره بـ25 سنة، وهاريسون فورد الذي يكبر كاليستا فلوكهارت بـ22 عاما، وديمي مور التي تكبر زوجها اشتون كوتشر بـ15 سنة، وغيرهم. هناك طبعا زيجات أخرى تحطمت بسبب فارق السن وعدم تقارب الأفكار والمشاعر، مما يشير إلى ان المسألة جزء من المشاكل التي يتعرض لها الأزواج وليست هي السبب الوحيد. وتفسر ابو شهبة أنها تفشل عندما تكون مبنية على أساس المصلحة أو الصفقة، كأن تريد الفتاة الزواج من رجل يمتلك مالا لا يستطيع الشاب أن يوفره لها، والعجوز يريد فتاة صغيرة تجدد شبابه وحيويته، وهنا يضيع الحب والمودة والرحمة كأسس للزواج الناجح. من ناحيته، يفسر الدكتور محمد الرخاوي، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، الظاهرة وعواقبها فيقول: «قد يصاب الرجل بعد سن الخمسين بالمراهقة المتأخرة، وعندما يبدأ في البحث عمن يشاركه هذه المرحلة العمرية، يختار عروسا صغيرة، لكن بمرور الوقت يبدأ في فرض سيطرته عليها بدعوى أنه الأكبر وصاحب التجربة الأهم في الحياة والرأي والثقافة. وقد يمنعها من التعلم من أخطائها وتجاربها بدعوى الحفاظ عليها، وبالتالي عليها أن تنصاع لأوامره من دون مناقشة، حيث تظهر شخصية الأب أكثر منها من شخصية الزوج». ولفت الرخاوي إلى أن المشكلة قد تكون في الزوجة وليست في الرجل فقط، فنمط التفكير لفتاة في عمر ما بين 20 ـ 25، يختلف عن نمط تفكير فتاة في الثلاثين، مثلا. فكلما كبرت الزوجة، تعاملت مع المشاكل بشكل أعمق، كما ان نظرة الفتاة للزواج وهي في العشرين تقترن بالانطلاق والإشباع العاطفي، في حين أن الفتاة في عمر الثلاثين تنظر للزواج على أنه مؤسسة للاستقرار وتكوين أسرة، هذا عدا عن قدرتها على التفكير وإدارة نقاش والتعامل مع الأمور. وأضاف الرخاوي: «قد يتصور البعض أن الزواج من فتاة تصغره سيجعله أكثر قدرة على السيطرة عليها، لكن هذا الأمر ليس صحيحا لأنها تكون في سن التمرد والحيوية وليست راغبة في الاستقرار بمعناه لدى الرجل الكبير في السن». وتقلل الدكتورة هبة قطب، استشاري الصحة الجنسية، من أهمية الفارق السني بين الأزواج في إنجاح أو فشل الزواج، وتقول: «الفارق السني بين الزوجين لم يرد في أحكام الدين للزواج، ولا في مسألة اختيار الشاب لزوجته، لكن للأسف صارت الإسقاطات والموروثات الاجتماعية والثقافية تحكم اختياراتنا من دون الثوابت الدينية وهي الأحرى بالاتباع بحكم أن الله هو خالقنا وهو الأعلم بنا وباستقرار حالاتنا النفسية». وترفض هبة أن يكون الفارق السني بين الزوجين عاملا أساسيا في الحكم على نجاح الزواج أو فشله قائلة: «يجب أن نكون على يقين تماما أن الثوابت الدينية هي الأساس في إنجاح حياتنا عموما، أما سوى ذلك فهي دائماً متغيرات تتأثر بالمكان والزمان والثقافات والموروثات، ومسألة الخوف من عدم قدرة الرجل على القيام بمهامه الزوجية في فترة عمرية متقدمة ليست حكما وافيا لتوقع الحياة الزوجية السعيدة أو الفاشلة، لأن هذا الأمر تحكمه أمور أخرى لا علاقة لها بالسن فقط، فالأسس العلمية تشير إلى أن الكفاءة الجنسية للرجل تقدر بمعدل القيام بها وليس بقدرته عليها وهذه قاعدة عامة ولكل قاعدة شواذ. ورغم أن الوظيفة الجنسية مثلها مثل أي من وظائف الجسم الأخرى، تقل من حيث القدرة والكفاءة مع التقدم في العمر، والمعروف علميا أن هورموني الذكورة والنمو يقلان بعد عمر الثلاثين، لكن يظل الرجل ناجحا في القيام بمهامه والوظائف المنوطة به حتى بعد سن الستين وربما أكثر.