يدير هشام مرقة، محلاً لبيع التحف السياحية، والمنتجات التراثية في مبنى معصرة اقنيبي، في الخليل القديمة، ولكنه يفضل وصف المحل بالمتحف الصغير الذي يهدف إلى تعريف المجتمع المحلي، والمجموعات السياحية وضيوف المدينة، بمعلم تراثي وسياحي مهم، يعود لقرون، وحيث تكتسب مثل هذه المعالم، أهمية في صراع الهوية مع النشاط الاستيطاني الاحتلالي المتسارع والشرس في الخليل القديمة، وسيطرة الاحتلال على الحرم الإبراهيمي الشريف، الذي لا تبعد المعصرة عنه كثيرًا، وتفصلها عنه حواجز.
ارتبط وجود معصرة اقنيبي، بصناعة الزيت في الخليل، حيث استخدمت هذه المعصرة التي تقع في حارة القزازين، وهي إحدى حارات المدينة التي تعود للعصر المملوكي، كبَد، أي معصرة تقليدية لعصر الزيتون، بواسطة حجر الرحى الضخم، والمكبس، وأكثر المعلومات موثوقية التي وصلت لنا تشير إلى إنها استخدمت كبَد خلال الفترة العثمانية.
وتحولت في فترة الانتداب البريطاني إلى معصرة سمسم. ويتكون المبنى من قسمين رئيسين يحوي كل منهما أحواضا حجرية لعصر السمسم وفرنا لتحميصه، كما توجد في نهاية المبنى غرفة صغيرة، يبدو أنها استخدمت كمخزن للمواد المستخدمة. تعرض مبنى المعصرة للعديد من العوامل التي ساهمت في تلف بعض معالمه وهددت ما تبقى من مكوناته المعمارية بالزوال والاندثار، كما انه بتطور التكنولوجيا وانتشار المعاصر الآلية أصبحت المعاصر الحجرية مهددة بالانقراض، وفي العام 2014م، رممت لجنة اعتمار الخليل، هذه المعصرة لتكون احد المعالم السياحية في البلدة القديمة، ضمن مشروع اللجنة بترميم المعاصر، والزوايا، والمقامات.
يروي هشام مرقة، أن جزءا من المبنى استخدم كمحل جزارة، وقسّم اللحام المساحة المستخدمة إلى مسلخ لذبح الخراف، وقسم لبيع اللحوم، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، انخفضت الحركة إلى البلدة القديمة، بشكل كبير، فقرر اللحام بيع محله، واشترته عائلة مرقة، ولكنها لم تتمكن من الاستفادة منه مع استمرار الأوضاع السياسية الصعبة، حتى عام 2014م، عندما رمم، وظهرت معالمه بوضوح.
يقول هشام مرقة: «ففتحنا الواجهة الخلفية بالاتفاق مع صاحب الملك ليصبح محلا واحدا، وهو الآن بهذه الصورة، منذ عام ونصف العام أنا في المحل استقبل المجموعات السياحية، والضيوف نشرح لهم عن تاريخ المحل، وطريقة عمل الطحينة على الطريقة القديمة، وكيفية صنع الكسبة التي كان لها استخدامات كثيرة ودور زيت السيرج كعلاج».
ووقف مرقة أمام تجويف قائلا: «في هذا المدعس كانوا يدعسون الطحينة، لاستخراج زيت السيرج، فكان السيرج يطفو على الوجه، وما تبقى كانوا يلجأون إلى قطع من القماش للاستفادة منه، حيث يضعونها في المزيج، حتى تمتص ما يمكن امتصاصه، ويعصرونها لفصل زيت السيرج عن البقايا التي تسمى الكسبة، والتي تؤكل مع السكر».
وأضاف: «قطع القماش هذه، التي تسمى الواحدة منها، خِرقة سيرج، كانت تباع للاستخدامات الصحية، حيث تستخدم للفحات الهواء، وتوضع على الصدر».
يعتقد مرقة، بان تشغيل المعصرة من جديد هو أمر غير مجد اقتصاديا، لان تكلفة الإنتاج ستكون عالية، وقال: « ربما سيكلف إنتاج كيلو الطحينة نحو 40 شيقلا، في حين أنها تباع في المحلات، حيث تصنع بطرق احدث بنحو 18 شيقلا، لذا آثرنا أن تكون كمتحف صغير، يزوره الناس ويطلعون على إرث الأجداد».