مفهوم التنوير بين الفكر الاسلامى و الفلسفه الغربية
د. صبرى محمد خليل
مصطلح التنوير(enlightenment):إن المفهوم الفرنسي لمصطلح تنوير هو الأسبق في اللغات الاوربيه. ويعنى الذكاء، المعرفه، وضوح الفكر ثم اصبح علامه على عصر معين ( القرنين السابع عشر والثامن عشر) وفى هذا العصر اعتقد الفلاسفه أن انوار العقل الطبيعى وحدها قادره على السير بالبشر نحو تقدم العلم والحكمه والحضارة ،ولم يظهر المصطلح في اللغه الانجليزيه الا في القرن التاسع عشر على الرغم من أن مدلوله كان موجودا من قبل وراح ينافس مصطلح عصر العقل ،أما المصطلح الالمانى الدال على التنويربصفته حركه تشمل العصر باكمله فلم يظهر الا عام 1780عندما كتب كانط مؤلفاته الكبرى ثم ترسخ في القرن التاسع عشر.كما تأخر في الظهور في اللغات الاوربيه الاخرى إلي فترات تاليه. وكلمه تنوير في اللغه العربيه مشتقه من الاصل الثلاثى( نور، نار ، انار) ونور الصبح تنويرا، والتنوير الاناره وقد استخدم القران اللفط بدلالته المجازيه لوصف الله تعالى( الله نور السماوات والارض) ووصف القران( وانزلنا اليكم نورا مبينا) ووصف الرسول(ص)( وداعيا إلي الله باذنه وسراجا منيرا) ( كمااستخدمه الاوربيين لوصف حركه فكريه وعصر معينين)
دلالات مصطلح التنوير وتعدد انماط التنوير: لكل مصطلح دلالات(معاني) متعددة . فهناك دلالته العامه اى المصطلح كمفهوم مجرد . وهناك دلالته الخاصه اى ما يكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعى معين زمانا ومكانا. وهناك دلالته المشتركه اى المعنى الذى تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج( بصرف النظر عن اوجه الاختلاف بينها) ، وهناك دلالته المنفرده اى المعنى الذى تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين وبالتالى تتعدد بتعدد هذه الفلسفات والمناهج.فإذا تناولنا مصطلح تنويرنجد أن له دلاله عامه- مشتركه تتمثل في التنوير كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج ومضمونها أن تحرير عقل الانسان من القيود التى تعوق فعاليته كوسيله للمعرفه( كانماط التفكير الخرافى والاسطورى) هو احد شروط نقل اى مجتمع من التخلف الحضارى إلي التقدم الحضارى
كما أن له دلاله خاصه تتمثل في تطبيق مفهوم التنويرفي واقع اجتماعى معين زمانا ومكانا فهو هنالايتحقق الا الا عندما لايتناقض مع الهيكل الحضارى للمجتمع المعين والذى يتضمن مجموعه القواعد التى تحدد للفرد ماينبغى أن يكون عليه موقفا و اتجاهاو سلوكا اتجاه الاخرين( من طبيعه ومجتمع) يكتسبه الانسان من انتمائه لمجتمع معين. ومثال لهذه الدلاله، الدلاله الخاصه للتنوير( في الغرب) ممثلا في التنوير الاوربى اى محصله تطبيق مفهوم التنوير في واقع المجتمعات الاوربيه( وهو ما يعبر عنه بعصر التنوير الاوربى). الدلاله الخاصه للتنوير في الشرق المسلم اى محصله تطبيق مفهوم التنوير في واقع المجتمعات المسلمة، أما دلالته المنفردة له فهى المعنى الذى تفهمه فلسفه ومنهج معرفه معينين من مصطلح تنوير ومثاله المفهوم الليبرالى للتنوير، المفهوم الماركسىللتنوير، المفهوم الهيجلى للتنوير، المفهوم الاسلامى للتنوير…وطبقا لهذا التعدد الدلالى لمفهوم التنوير نخلص إلي تعدد انماط التنوير ، فكل نمط من انماط التنوير هو مجموع الدلاله العامه المشتركهبالاضافه إلي دلالته المنفرده ودلالته الخاصه .
العقلانية والتنوير:هنا يجب التمييز ( لا الفصل) بين مصطلح العقلانيه ذو الدلاله المعرفيه اى الذى يشير إلي العقل كنشاط معرفى أو وسيله للمعرفه والتنوير الذى يحمل دلاله اكثر شمولا اى الذى يشير إلي دلالات معرفيه وثقافيه واجنماعيه يقول (ما يقال عن العقلانيه يمكن أن يقال عن التنوير باعتبارهما من سلاله مفهوميه واحده لكن العقلانيه تشير إلي فاعليه منهجيه وتابستمولوجيه هى فاعليه الادراك العقلى بينما يحيل التنوير إلي وظيفه ثقافيه أو اجتماعيه)(1)
(1) د. عبد الاله بلقزيز، ندوه حصيله العقلانيه والتوير في الفكر العربى المعاصر، بيروت،2005.
التنوير الغربى:
فالتنوير الغربى إذا هو مجموع الدلاله العامه المشتركه لمفهوم التنوير والذى يلتقى فيه مع غيره من انماط كالتنويرالاسلامى بالاضافه إلي اى دلالته الخاصه- المنفرده في الغرب الاوربى المتمثله في تيار فكرى معين ظهر فى مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى ( هى القرنين السابع عشر والثامن عشر) استهدف تحرير الانسان الاوربى من الوصايا الكنسيه والملكيات المطلقه والاقطاع(الذين سادوا اوربا في العصور الوسطى ) مستندا إلي فلسفه ومنهج معينين (هما الليبراليه كفلسفه ومنهج) تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسه في الحكم انتهى إلي اقامه نظام (علمانى في موقفه من الدين فردى في موقفه من المجتمع راسمالى في موقفه من الاقتصاد ليبرالى في موقفه من الدوله) كان محصله عوامل( ثقافيه ونفسيه وتاريخيه وحضاريه) سادت اوربا نحو سبعه قرون.
فمضمون التنوير الغربى إذا أن نقل المحتمع الاوربى من حاله التخلف الحضارى(المتمثله في العصور الوسطى التى اطلقوا عليها اسم العصور المظلمه)) إلي حاله التقدم الحضارى ( المتمثله في اوربا العلمانيه الفرديه الليبراليه الراسماليه) يتم من خلال تحرير عقل الانسان الفرد من القيود التى تعوق فاعليته كوسيله معرفه مطلقه(1).فهو ذو بعد اجتماعى يتمثل في الفرديه التى تضع الفرد في مواجهه المجتمع لا (في المجتمع) وبعد معرفى يقوم على اعتبار العقل وسيله معرفه مطلقه( لا وسيله معرفه محدوده) كما يتضح من شعار فلاسفه التنوير ( لاسلطان على العقل الا للعقل)(2)
فالتنوير الغربى إذا استند إلي الليبراليه كفلسفه ومنهج والليبراليه تستند إلي فكره القانون الطبيعى وهى ككل الافكار الاوربيه ذات جذور في الفلسفه اليونانيه( السوفسطائيه، الرواقيه…) مضمونها( أن مصلحه المجتمع ككل تتحقق حتما من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته
الخاصة) وهذه الفكرة هي الأساس الفكري للكثير من النظريات الغربيه في الدوله والقانون والاقتصاد والاجتماع والادب والاخلاق ومذاهب في الدين المسيحى
تقويم للتنوير الغربى:
علم التنوير الغربى (المستند إلي الليبراليه والمتسق مع واقع المجتمعات الاوربيه) الاوربيين أن الواقع قابل للتغيير وان مايحول دون تغييره هى القيود المفروضه على فعاليه القانون الطبيعى وان عليهم أن يحطموا تلك القيود حتى يتغير الواقع وان( التحرر) لازم للتغيير وهذا ادى إلي تمرد الاوربيين على سادتهم وان يسقطوا وصايا الكنيسه وامتيازات الملوك والنبلاء وامراء الاقطاع ويمزقوا العلاقات الاقطااعيه ادى تحطيم هذه القيود إلي قهر الطبيعه بالعلم والثوره الصناعيه وارساء قواعد حضاره الرخاء المادى ( الحضاره الاوربيه المعاصره)
فرغم انه انه علمهم كيف يتحررون الا انه لم يعلمهم ماذا يفعلون بالحريه اتكالا على ان النشاط الفردى ينتهى إلي تحقيق مصلحه الجميع. وهذا ما ادى أن تصبح ثمارهذا التقدم ( ملكيه خاصه) لاصحابه بل كان بالنسبه إلي غيرهم من المجتمعات الاوربيه( الطبقات الاخرى) أو المجتمعات الاخرى(المجتمعات الشرقيه في ظل الاستعمار الاوربى) فقرا على فقر وعبوديه كعبوديه القرون الوسطى وبقيت المجتمعات الاوربيه والمجتمعات الاخرى محرومه من ثمار التقدم إلي ما قبل
قرن.وقد تصدى عددا من الفلاسفه الاوربيين للتنوير الغربى ذانه بالنقد من زوايا مختلفه منهم كارل ماركس وهيجل وفردريك نيتشه وفوكو وغيرهم.
(1)محمود حمدي زقزوق، الحضارة فريضة إسلاميه، مكتبه الشروق، القاهره،2001، ص12.
(2) د. محمد عماره، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، دار النهضة، مصر، ص 54.
غير انه يجب ملاحظه الخلل الكامن في الاساس الفكرى للتنوير الغربى اى اللبراليه كمنهج والقائله بان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد نحقيق مصالحه الخاصه اى دون تدخل الدوله كممثل للمجتمع وهو مااثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه اذ قبل أن ينتهى القرن التاسع عشر حتى كانت ضروره تدخل الدوله مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه وان اختلفت في مدى هذا التدخل.
مقارنه مع المنهج الاسلامى:
يلتقي المنهج الاسلامى مع المنهج الليبرالى في تقريره أن تحرير الناس من القيود المفروضه عليهم شرط لازم لتغيير الواقع ولكنه يرى أن لهذا التحرير وجهان: سلبي وإيجابي.فعلى المستوى الذاتي نجد أن الوجه السلبي يتمثل في تحرير الذات من الغايات المطلقة الزائفة وهو ما عبر عنه القرآن باجتناب الطاغوت. فاتخاذ الطاغوت هو عملية تقوم الذات بموجبها بتحويل غاية محدودة (فعلاً) إلي غاية مطلقة (لأن التصور لم يتصل بالمستقبل الذي يتخطاها والطاغوت بما هو كذلك قد يعد الذات بإمكانيات محدودة للتطور لكن لابد أن يأتي وقت يستنفذ فيه هذه الإمكانيات ويصبح بعدها معوقاً للتطور لأنه في واقع الأمر إلا مر غاية محدودة بالزمان والمكان وبالتالي تخضع للتغير في يالمكان والتطور خلال الزمان.أما الوجه الإيجابي فيتمثل في أن اتخاذ الله تعالي غاية مطلقة يمد الذات بإمكانيات غير محدودة للتطور لأنه لا تتوافر للذات الإنسانية إمكانية التحقيق النهائي فضلاً عن تحاورها.أما على المستوى الموضوعي فإن الوجه السلبي للتحرير فيتمثل فىتحرير الفعل الإنساني من أي فعل مطلق زائف وهو ما عبر عنه القرآن بالاستكبار، فالاستكبار هو أن اسناد الفعل المطلق لسواه تعالى وهو ما يؤدي إلي إلغاء فعل الآخرين وبالتالي إلغاء المساواة بين الناس ونشؤ علاقة دات طرفين المستكبر والمستضعف.
يترتب على ما سبق رفض النمط الغربى للتنويرممثلا في المفهوم الليبرالى للتنوير كما تم تطبيقه في واقع مغاير لواقعنا هو واقع المجتمعات الاوربيه
التنوير الاسلامى :
غير أن رفض النمط الغربى للتنوير لايعنى رفض التنوير بالاطلاق فالاسلام فيما نرى لايتناقض مع الدلاله العامه المشتركه للتنوير اى اعتبار أن تحرير عقل الانسان من القيود التى تعيق فعاليته كوسيله معرفه( انماط التفكير الخرافى والاسطورى) هو شرط لنقل اى مجنمع من حاله التخلف الحضار ى إلي التقدم الحضارى .
يمكن إيضاح هذا التحول بالرجوع إلي خصائص نمطى التفكير العقلانى والعلمى وموقف الاسلام الايجابى منهما وخصائص نمطى التفكير الاسطوري والخرافى وموقف الاسلام السلبى منهما
موقف الاسلام من نمطى التفكير العقلانى و الاسطورى:
من خصائص التفكير العقلانى الموقف النقدي القائم علي تجاوز كل من موقف القول المطلق والرفض المطلق إلي الموقف القائم علي البحث عن أوجه الصواب وأوجه الخطأ في الرأي المعين وأخذ ما هو صواب ورفض وما هو خطأ، وهذا الروح النقدية حث عليها الإسلام كما في قوله (ص)( لا يكون أحدكم امعه يقول إنا مع الناس أن أحسنوا أحسنت وان اساؤا أسئت بل وطنوا أنفسهم أن أحسن الناس أن تحسنوا وأن أساءوا تجتنبوا أساءتهم) كما في قوله تعالي( الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه) أما التفكير الأسطوري فيقوم علي القبول المطلق لفكره وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرىوهومارفضه الاسلام.
من خصائص التفكير العقلانى الشك المنهجي القائم علي عدم التسليم لصحة فكرة معينة لا بعد التحقق م كونها صحيحة هذا الشك المنهجي نجد نموذج له في وصف القرآن لانتقال إبراهيم (ع) من الاعتقاد بربوبية القمر إلي الاعتقاد بربوبية الشمس إلي الاعتقاد بربوبية الله تعالي كما استخدمه الإمام الغزالي كما في كتابه المنفذ من الضلال .أما التفكير الاسطوري فيقوم علي الشك المطلق أي انكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة، من هذا النوع من الشك عبر عنه القرآن بمصطلح ريب (افي قلوبهم مرض أم ارتابوا” أو النزعة القطعية أي التسليم بصحة فكرة دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة وهو الأمر الذي ذمه القرآن (قالو:حسبنا الله وما وجدنا عليه اباؤنا أو لو كان إبائهم لا يعلمون شيئاً لا يهتدون)
من خصائص التفكير العقلانى الاستناد إلي العقل كوسيله للمعرفه واذا كان الاسلام قد حث علي اعمال العقل (بما لا يتناقض الحواس والوحي كوسائل المعرفة) فإن نمط التفكير الاسطوري يستند علي الالهام او الوجدان اوالخيال ( الذى يلغى العقل) وهو مارفضه الاسلام.
من خصائص التفكير العقلانى المنطقيه اى الاستناد إلي المنطق بما هو انماط التفكير السليمه المستنده إلي قوانين التفكير واهمها قانون عدم التناقض والذى اشار إليه القران( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا) بخلاف نمط التفكير الاسطورى اللامنطقى ( المتناقض)
موقف الاسلام من نمطى التفكير العلمى و الخرافى:
هنا يمكن الحديث عن خصائص التفكير العلمى والخرافى وموقف الاسلام منهما فالتفكير العلمى يقوم على الاقرار بان هناك قوانين حتميه تضبط حركه الاشياء والظواهر ومضمون الحتميه تحقق السبب بتوافر المسبب وانتفائه بانتفاءالمسبب وهذا ما اقره الاسلام حين قرر القران أن حركه الكون خاضعه لسنن الهيه لاتتبدل( فلن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا)( فاطر:43). ومن خصائص التفكير العلمى التخطيط وله شرطين: عدم توقع تحقق غايه معينه دون تدخل ايجابى من الانسان. وضروره سبق الاحداث قبل أن تقع والتحكم في وقوعها طبقا لخطط معينه . اما التفكير الخرافى فيناقض التخطيط وذلك لالغائه شرطه الاول بالسلبيه والتواكل والغائه شرطه الثانى بالتجريبيه والمغامره والاسلام لايعارض التخطيط لانه يحث على التزام شرطه الاول بتقريره أن شيئا من الواقع لن يتغير ما لم يتدخل الانسان لتغييره(أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) كما حث على التزام شرطه الثانى بنهيه عن التواكل.
اما التفكير الخرافى فيقوم على محاوله تفسير ظاهره عينيه جزئيه بقوه غيبيه(كتفسير المرض بروح شريره تقمصت جسم المريض) لا بالرجوع إلي القوانين الموضوعيه التى تضبط حركتها ومن انماط التفكير الخرافى الكهانه والتنجيم والعرافه والطيره وضرب الرمل وقراءه الفنجان والسحر وكل هذه الانماط رفضها الاسلام من اتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما انزله الله على محمد)(1)(من اقتبس علما من النجوم اقتيس شعبه من السحر)(2) (1) رواه الطبرانى
(2) رواه ابو داود وابن ماجه
(من اتى عرافا فساله عن شىء فصدقه لم تقبل تقبل له صلاه اربعين يوما)(1)
(العيافه والطيره والطرق من الجبت)(2)
(…ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر…)
أما أن الدلالة المشتركة أو العامة للتنوير لا تتناقص مع الإسلام لان هذه الدلاله لا تحول دون اكتسابه دلاله منفرده تتمثل في استناده إلي الاساس الفكرى الاسلامى بالتالى يكتسب دلاله مغايره للتنوير المستند إلي اللبراليه كاساس فكرى كما لاتحول دون أن يكنسب دلاله خاصه عند مراعاته لواقع المجنمعات الاسلاميه المغاير لواقع المجنمعات الاوربيه عند التطبيق اى لاتحول دون وجود نمط خاص من انماط التنوير هو التنوير الاسلامى
الاسلام هو الاساس الفكرى للتنوير في المجنمعات المسلمه:
أما التنوير المستند إلي الليبرالية كأساس فكرى فيتناقض مع الاسلام لاختلاف الاسلام عن الليبراليه كفلسفه ومنهج وهوما يمكن ايضاحه من خلال عقد مقارنه بينهما فيتناولهما لبعض المفاهيم كالميتافيزيقا والعقل والمعرفه والقيم بين التنوير الغربى المسند إلي اليبراليه و التنوير الاسلامى
المسند إلى اصول التصور الاسلامى للوجود والمعرفه والقيم
العقل وحدوده:
(ا)عند فلاسفه التنويرالغربى: أن فلاسفه التنوير الغربى ارادو تاكيد دور العقل فى المعرفه كرد فعل على الغاء بعض مفكرى العصور الوسطى له لكنهم تطرفوا في تقديرهم قدرة العقل فحولوه من وجود محدود إلى وجود مطلق كما يتضح في جعلهم مصدراً للأحكام المعرفية المطلقة.
(ب) فى التصور الاسلامى : ا
ما التصور الاسلامى للعقل فينظر اليه باعتباره نشاط معرفي محدود بالإحساس في معرفته لعالم الظواهر (المحدود) والوحي في معرفته لعالم الأشياء في ذاتها (المطلق). كما سنوضح لاحقا
الميتافيزيقا
(أ) عند فلاسفه التنوير الغربى: ترجع الدلالة الأصلية للمصطلح إلى أندرونيقوس الروديسي أحد شراح وناشري كتب أرسطو في القرن …. والذي رتب مؤلفات أرسطو بحيث وضع أولاً كتاب بعنوان الطبيعة درس فيه أرسطو فيه الظواهر الطبيعية وتلاه بكتاب تناول فيه أرسطو الألوهية أسماء اندرونيقوس (ما وراء الطبيعة) أم الكتاب الذي يلي كتاب الطبيعة في الترتيب.ثم اكتسب المصطلح دلالة أخرى وهو (الدراسات النظرية المجردة التي تبحث في ماهية الظواهر أي فيما هو خارج الطبيعة) وجاءت هذه الدلالة نتيجة سوء فهم الدلالة الأصلية إذ أن أرسطو لم يكن يؤمن بوجود وجود ما وراء الطبيعة والإله عنده كامن في الطبيعة كمون النفس في الجسد. كما اكتسب المصطلح دلالات أخرى خلال تاريخ الفلسفة الغربية.هذه الدلالة رفضها فلاسفه التنوير
(ب) فى التصور الاسلامى :
يلتقي التصور الاسلامى مع فلاسف التنوير فى رفض الدلاله السابقه لمصطلح ميتافيزيقا لأنها مؤسسة على سوء الفهم السابق ذكره ولأنها اتخذت من الطبيعة معياراً لها (طبيعة وما وراء الطبيعة). فضلاً عن أنها تناقض التصور التنزيهي لله تعالى والقائم على عدم توافر إمكانية إدراك أو تصور العقل الإنساني المحدود بالزمان والمكان للوجود الغيبي
(1)رواه مسلم
(2) رواه ابوداود والنسائى وابن حبان في صحيحة
المطلق عن قيود الزمان أو المكان.(يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).وفي الحديث القدسي (تفكروا في مخلوقاتي ولا تفكروا في ذاتي فتهلكوا).
دلالة أخرى لمصطلح ميتافيزيقا (الغيب): وهنا نورد دلالة اخرى لمصطلح ميتافيزيقا لايرفضها الاسلام مضمونها الوجودي وهو الإيمان بأن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادي المحدود بالحركة خلال الزمان والتغيير في المكان ويمكن للإنسان أن (يشاهده) بحواسه وبالتالي يدركه بوعيه ويشمل الوجود التسخيري (الطبيعة) والاستخلافي (الإنسان). بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي بشكليه المحدود (غير القائم بذاته “كوجود الملائكة” والمطلق “القائم بذاته”وكل وجود سواه “سواء كان وجود شهادي أو غيبي”) قائم به وهو وجود الله تعالى فهو (غائب) عن حواس الإنسان وبالتالي عن إدراكه وتصوره. أما المضمون المعروف لهذه الدلالة فقائم على الإيمان بالوحي كوسيلة لمعرفة الوجود الغيبي بشكليه المحدود والمطلق. وسنتناولها هنا بشئ من التفصيل:
العقل والوحى
إن الإيمان بالوحي كوسيلة لمعرفة الوجود الغيبي المطلق يحدد (يقيد) ولا يلغي اتخاذ الحواس وبالتالي العقل كوسائل لمعرفة الوجود الشهادي المحدود، وهو بهذا التحديد يسهم في إطلاق العقل الإنساني أي بإمكانيات غير محدودة للتطور.
العقل كوسيلة لمعرفة الوجود الشهادي المحدود: فالعقل وسيلة من وسائل معرفة الوجود الشهادي أما الوجود الغيبي المطلق فإنه لا تتوافر للعقل الإنساني إمكانية تصوره أو إدراكه لأنه لما كان الوجود الغيبي بشكليه المحدود والمطلق غير محدود بالزمان أو المكان فهو غائب عن الحواس التي لا تنقل إلا الوقائع المعينة زماناً ومكاناً، وبالتالي فهو غائب عن الوعي (إدراكاً وتصوراً) لأنهما محدودان بالوقائع التي تنقلها الحواس، فالإدراك هو معرفة العلاقات التي تجعل الظواهر تقف على الوجه الذي تنقله إلينا الحواس، والتصور هو إعادة تركيب ذات عناصر الواقع الذي تنقله إلينا الحواس في صورة جديدة.
الوحي كوسيلة لمعرفة الوجود الغيبي المطلق: غير أن ما سبق لا يعني عدم توافر إمكانية إدراك أو تصور العقل الإنساني للوجود الغيبي (المطلق) بصورة مطلقة ‘ذ تتوافر للعقل هذه الإمكانية من خلال الوحي من حيث هو تجلي صفاتي (تكليفي) (أي من حيث هو تنزل من درجات الوجود الغيبي إلى درجة الوجود الشهادي (وعلى هذا يصبح الوحي وسيلة معرفة الوجود الغيبي المطلق).
الإيمان بالغيب:
فشرط توافر إمكانية إدراك العقل للوجود الغيبي المطلق أن يكون محدوداً (مقيداً) بالوحي، وأولى خطوات هذا التحديد (التقييد) هي الإيمان بالغيب والإيمان في اللغة هو التصديق كما في قول إخوة يوسف (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)، ومعناه الاصطلاحي (هو تسليم وإقرار العقل بصحة فكرة أو اعتقاد لا يمكن إثباتها بالتجربة والاختبار العمليين لأن الوجود موضوع الفكرة أو الاعتقاد غير محدود بالزمان أو المكان أي وجود غيبي (هو موضوع الوحي).
وهذا التسليم والإقرار هو الخطوة الأخيرة من شكل من أشكال الاستدلال العقلي (انتقال العقل من حكم إلى آخر لعلاقة ضرورية بينهما) قائم على استدلال بالوجود الشهادي المحدود (الكون) على الوجود الغيبي المطلق (المتضمن لوجود الله تعالى:
(كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) “البقرة: 42”.
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يعقلون) “البقرة: 164”..
ضرورة الميتافيزيقا (الإيمان بالغيب):
ضرورة الميتافيزيقا بالدلالة السابقة (الإيمان بالغيب) مرجعية السنن الإلهية التي تحكم حركة الإنسان إذ كما بينا سابقاً فإن حرة الإنسان ليست مجرد فعل غائي (مجرد تطور) بل هي فعل غائي (تطور) محدود بعناية مطلقة (الألوهية) وفعل مطلق (الربوبية) أي كدح إلى الله بالع=تعبير القرآني: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) من هنا جاءت ضرورة الميتافيزيقا (الإيمان بالغيب (وأساسه إيمان بالله تعالى) لمعرفة الإنسان تلك الغاية المطلقة وهذا الفعل المطلق لكي يحدد بهما حركته.
وتتضح هذه الضرورة التي تحكم مرجعيتها السنن الإلهية التي تحكم حركة الإنسان من خلال تقرير القرآن أن الإنسان عندما لا يتخذ لله تعالى غاية مطلقة فإنه يتخذ سواه غاية مطلقة (وهو ما عبر عنه القرآن بالطاغوتية) وهو ما يثمر تجميد حركة الإنسان عند حد معين لا يتجاوزه.
كما أوضح القرآن أن الإنسان عندما لا يسند الفعل المطلق لله تعالى فإنه يسنده إلى سواه (وهو ما عبر عنه القرآن بالاستكبار) وهو ما يثمر إلغاء فعل الآخرين وإلغاء المساواة بين الناس ونشوء علاقة ذات طرفين (مستكبر ومستضعف).
رفض دلالة أخرى للميتافيزيقا:
هكذا فإن الدلالة السابقة للميتافيزيقا لا يترتب عليها إنكار الوجود الموضوعي (الحقيقي) للوجود الشهادي أو انضباط حركته بسنن إلهية لا تتبدل (السببية). “فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً” أو إنكار كون العقل هو وسيلة لمعرفته ولكن يترتب عليها إنكار دلالة أخرى للميتافيزيقا قائمة على التسليم والإقرار بصحة فكرة أو اعتقاد عم ظاهرة تقع في نطاقه دون التحقق من كونها صادقة أو كاذبة بالتجربة والاختبار العمليين (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً” (الإسراء: 26)، (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) “الحج: 46”.
كما يتضح لنا هذا الرفض من خلال رد ابن تيمية على من أنكروا كون حركة الكواكب لها أسباب يجب تفسيرها بها (إنه ليس من السلف من أنكر كون حركة الكواكب قد يكون من تمام أسباب الحوادث، كما أن الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من أسباب الحوادث).
الغيب النسبي والغيب المطلق:
وهنا يجب التمييز بين الدلالة السابقة المرفوضة ودلالة أخرى مشروعة قائمة على التسليم بصحة فكرة يمكن إثبات صحتها أو خطأها بالتجربة العملية (لأنها تقع في نطاق الوجود الشهادي)، ولكن لم تتوافر إمكانية إثبات صحتها في زمان ومكان معينين نتيجة قصور المعرفة الإنسانية في هذه المرحلة وهي دلالة لها مشروعيتها في الفلسفة وفلسفة العلوم. وهنا كان التمييز بين الغيب المطلق الذي يتضمن الوجود الغيبي المطلق من قيود الزمان والمكان بشكليه المطلق (وجود الله تعالى) والمحدود (مثل وجود الملائكة) والغيب النسبي الذي يتضمن كل ما لم تتوافر للإنسان إمكانية معرفته في مرحلة معينة مع توافر هذه الإمكانية في مرحلة تالية فالإسلام إذ ينهى عن الخوض في الغيب المطلق لا ينهى عن البحث العقلي في الغيب النسبي لأنه يقع أصلاً في نطاق الوجود الشهادي.
المعرفة:
(أ)عند فلاسفة التنوير
كما انتهى فلاسفه التنوير إلى وضع نظرية معرفة تلغي البعد الموضوعي للزمان والمكان وتحيلهما إلى مجرد إطارات أو صور ذهنية. هذا البعد الموضوعي يتضح من تعريف الزمان والمكان، فالأول هو “معيار حركة”، فإذا كان المعيار ذو طبيعة ذاتية مرجعها اتفاق وتواضع الناس، فإن الحركة ذات وجود موضوعي مستقل عن وعي الإنسان وغير متوقف عليه. والثاني هو العلاقة بين أوضاع الأجسام، فإذا كانت العلاقة أو النسبة ذات طبيعة ذاتية مرجعها عقل الإنسان، فإن هذه الأجسام وأوضاعها ذات وجود موضوعي مستقل عن وعي الإنسان غير متوقف عليه
(ب)فى التصور الاسلامى:
يقوم التصور الاسلامى للمعرفه على اعتبار ان العلم من صفات الألوهية، وبالتالى فان اولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد (توحيد الألوهية تحديداً) في المعرفة هو إفراد العلم المطلق لله تعالى لذا صوره القرآن شاملاً لكل الوجود (الشهادي والغيبي).(عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) “التغابن: 18).وبالتالي فإن إسناد العلم المطلق (أي المعرفة المطلقة) لسواه هو شرك في الألوهية (سواء كان شرك علمي أو اعتقادي)، لذا نفى القرآن حتى عن الأنبياء هذا العلم المطلق المتضمن للعلم بالغيب (قل لا أملك لنفسي إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني من سوء …)، فهنا نجد افتراق التصور الاسلامى عن فلاسفه التنوير فى جعلهم العقل مصدرا للمعرفه المطلقة.
وللعلم الإلهي (المطلق) شكلين من أشكال الظهور: ذاتي في الحياة الآخرة و صفاتي في الحياة الدنيا، وللأخير شكلين:
الاول:تكويني: يتمثل في عالم الشهادة (المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف) كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد (التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة (الحدس) كوسائل لمعر فه
والثاني: تكليفي:يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه)(1)
وهنا نجد ان التنوير الغربى يقوم على الاكتفاء بالعقل كوسيله للمعرفه بينما التنوير الاسلامى يضيف للعقل الحواس والوحى كوسائل للمعرفه
وطبقا مضمون مفهوم أن الأشياء والظواهر التي لها درجة التسخير تظهر صفات الله تعالى (ومنها صفة العلم) على وجه الإجبار. فهي دائماً آيات دالة على علمه المطلق. كما يترتب على مفهوم التسخير قاعدتان:
الموضوعية (التكوينية):إن الكون ذو وجود مستقل عن وعي الإنسان غير متوقف عليه وسابق (1) ابن القيم، مدارج السالكين، ص51.
على معرفتهلخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وبيان ذلك أن مضمون التسخير أن الكون يظهر صفات الله تعالى فهو بمثابة آيات دالة على وجوده تعالى، والآية لابد أن الكون ذات وجود حقيقي، وإن كان محدوداً، لتدل على الوجود المطلق.
السببية: فالفعل المطلق لله تعالى (مضمون الربوبية) إنما يتجلى م خلال السببية ويأخذ شكل سنن إلهية لا تتبدل، وبالتالي فإن الكون قائم على قاعدة السببية ومنضبطة حركته بسنن إلهية لا تتبدل.
وهنا نجد ان الاسلام تجاوز تجاهل التنوير الاوربى للبعد الموضوعى التكوينى كما سبق بيانه .
ومضمون الاستخلاف هنا هو إظهار الإنسان لصفة الألوهية (العلم)، في الأرض (يقول الغزالي(فتعليم العلم من وجه عباده لله ومن وجه خلافه لله تعالى ومن اجل خلافه الله تعالى فان الله قد فتح للعالم العلم الذى هو اخص صفانه)(1) .وإظهار الإنسان لصفة الألوهية (العلم) يكون بالآتي:توحيد الألوهية على الوجه السابق بيانه.
العبادة:ومضمونها هنا اتخاذ صفة الألوهية (العلم)، (أي ما دل على علمه المطلق) مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض (أي في واقعه المحدود زماناً ومكاناً).
ولا يعني هذا إلغاء المعرفة الإنسانية بل تحديدها وذلك باتخاذ مقتضى صفة الألوهية (العلم) التكويني (السنن الإلهية الكلية والنوعية) والتكليفي (الأوامر والنواهي التي جاء بها الوحي) ضوابط موضوعية مطلقة للمعرفة الإنسانية.ومحصلة هذا مد المعرفة الإنسانية ا بإمكانيات غير محدودة للتطور، لأنه لا تتوافر للإنسان إمكانية التحقيق النهائي للعلم الإلهي المطلق ،كما دلت على هذا جملة نصوص فهم منها البعض ومحدودية المعرفة الإنسانية فقطوما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) وهنا نجد ان التنوير الغربى يجعل العلاقه بين الوحى (الدين) والعقل علاقه تناقض والغاء( فالوحى او الدين مصدر الظلام والعقل مصدر النور) بينما التنوير الاسلامى يرى ان الوحي يحدد العقل فيكمله ويغنيه ولايلغيه( فكلاهما مصدر للنور مع مراعاه ان الاول مصدر مطلق والثانىمصدر محدود)، وقد ضرب الغزالى مثالا لذلك بقوله ( فمثال العقل البصر السليم من الافات والاذاء، ومثال القران الشمس المنتشره الضياء فاخلق ان يكون طالب الاهتداء المستغنى
اذا استغنى باحدهما عن الاخر فى غمار الاغبياء، فالمعرض عن العقل مكتفيا بنور القران مثاله المتعرض انور الشمش مغمضا للاجفان فلا فرق بينه وبين العميان، فالعقل مع الشرع نور على نور)
القيم:
(ا)فلاسفة التنوير
جعل فلاسفة التنوير العقل هو الذي يشرع القيم طبقاً لقواعد قبلية نه اى ان العقل هو مصدر القيم ، ولذا انتفى عندهم البعد الموضوعى التكليفى للقيم المتمثل فى الوحى. ففلاسفه التنوير إذن أسسوا موضوعية القيم على العقل الذي يشرع القيم، ولكنه يشرع القيم طبقاً لقواعد صورية كلية ،ولم يبحثوا عن موضوعية القيم في الدين رغم أن عددا كبيرا منهم يؤمن بالله وخلود النفس
(ب) التصور الاسلامى:
أما طبقاً للتصور الاسلامى فإن الإجابة على السؤال ما هو مصدر القيم يجب أن يسبقها السؤال أي القيم، أي أنه يجب التمييز بين نوعين من القيم، قيم مطلقة، وقيم محدودة أما النوع الأول من القيم فمصدرها الله تعالى أما النوع الثاني من القيم فمصدره الإنسان وبعبارة أخرى يجب التمييز (1) الغزالي، إحياء علوم الدين، ج 1، ص 13.
بين مستويين للقيمة مستوى مطلق ومستوى محدود.هذا التمييز بين النوعين من القيم أو بين المستويين من مستويات القيمة مصدره توحيد الألوهية إذ كما أوضحنا فإن توحيد الألوهية قائم على إفراد المطلق من صفات الألوهية لله تعالى، فالألوهية لا تنصب على هذه الصفات في ذاتها بل على المطلق منها، وهذه فيما نرى علة وصف القرآن الله تعالى والإنسان بهذه الصفات.فالرحمة قيمة وصف نفسه تعالى بها كما في الآيات (ربك الغني ذو الرحمة) “الأنعام: 132″، (كتب الله على نفسه الرحمة) “النعام: 12″، كما وصف الإنسان بها كما في الآيات (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ” النمل: 77″ فالرحمة كقيمة مطلقة عند الله تعالى محدودة عند الإنسان كما تدل الآيات (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) “فاطر: 2″، (ورحمتي وسعت كل شئ) “الاعراف: 156يقول ابن القيم (اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والقدر والملك ونحوه ثم يورد رأيين ويقول عن الثالث الذي يرجحه الثالث أنها حقيقة فيهما وللرب تعالى ما يليق بجلاله وللعبد ما يليق به).(1)
وبناءاً على هذا فإن توحيد الألوهية يقتضي أن الله تعالى هو مصدر القيم المطلقة، أو المستوى المطلق للقيمة، والقول بأي مصدر سواه لهذا النوع مكن القيم أو هذا المستوى من مستويات القيمة هو شرك في الألوهية (سواء كان شركاً اعتقادياً أو عملياً) ووهنا نجد اختلاف التصور الاسلامى.عن فلاسفه التنوير الذين نفوا أن يكون الله تعالى مصدراً للقيم بإطلاق أي ينفي أن يكون الله تعالى مصدراً لأي نوع من القيم سواء كانت مطلقة أو محدودة
الدلاله الخاصه للتنوير والتغريب:
كما ان الدعوه الدلاله الخاصه للتنوير المتمثله فى الالتزام بالتطبيق الاوربى للتنوير فى مجتمع اسلامى هى دعوه فاشله فى تحقيق التنوير لان التنوير لايمكن ان يتم الا عندما لاتتناقض مع الهيكل الاساسى لحضاره هذه المجنمعات وهو الاسلام وجوهر هذه الدعوه هو ان تستبدل القيم والاداب والقواعد التى جاء بها الاسلام بالقواعد والاداب والقيم الاوربيه التى كانت محصله نطور هذه المجتمعات لمده سيعه قروت وهو ما يؤدى الى قدر من الشعور بالانتماء الى الحصاره الغربيه وهو القاعده النفسيه اللازمه لنمو الولاء للنظام الليبرالى الفردى الراسمالى العلمانى اى يتحول التنويرالى تغريب
مهام التنوير الاسلامى فى المجتمعات الاسلاميه المعاصرة:
ظهرالاسلام فى منطقه تعيش في ظلام التخلف الحضارى بكل اشكاله فانتقل بها في فتره وجيزه إلي نور التقدم الحضارى بكل اشكاله
فقد ساد التخلف الاجتماعى ممثلا في الواقع القبلى( بكل علاقاته الوثنيه( تعدد الالهه رمز لتعدد القبائل) والعرقيه والعصبيه) أو الشعوبى المنغلق على ذاته فارتقى بسكان المنطقه إلي أن يكونوا شعب في المدينه ليلتحم مع غيره من الشعوب ليكون فيما بعد امه لتكون نواه طور اجتماعى اوسع هو الانسانيه. كما ساد التخلف الفكرىممثلا في سياده انماط التفكيرالاسطورى في الشعوب والقبائل التي تسود المنطقة ثم جاء الإسلام فهدي الناس إلي أعمال العقل، وانشأ المسلمون نتيجة ذلك أنماط متعددة من التفكير العقلاني الذي لا تناقض الأيمان أو الوحي وان كانت تناقض بالتأكد نمط التفكير الأسطوري.
(1) ابن القيم، بدائع الفوائد، ص 164.
كما ساد التخلف العلمى ممثلا في سياده انماط التفكير الخرافي القائم على تفسير الظواهر العينية (اي الوقائع المعينة بذاتها زمانا ومكانا) النوعيه(اي المتعلقة بنوع معين من انواع الوجود) في هذا المنطقة عندما كانت مجتمعاتها في الاطوارالقبلية والشعوبية .وعندما جاء الاسلام هدى الناس إلي اصول منهج البحث العلمى وترك لهم وضع فروعه واستعماله ولم يحتاج المسلمون إلي كثير من الوقت لاحتلال المراتب الاولى في كثير من العلوم كما ساد انتهاج الاسلوب العلمى في التفكير والحركه
غير انه نسبة لظروف خارجية،( التهديد المغولي، الصليبي)و داخليه (الاستبداد، وصول عناصر لا تجيد اللغة العربية إلي السلطة ، ظهورالبدع… ) قفل باب الاجتهاد وساد التقليد، وعندها توقفت هذه المجتمعات عن التقدم.
ثم أصطدمت هذه المجتمعات بشعوب اوربا التي حررتها الليبرالية فأنهزمت وهنا خضعت للأستعمار
وقد عمل الاستعمار علي نشر التغريب الذي يمكن تعريفه بأنه قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلي الحضارة الغربية علي حساب الولاء الإسلامي وهكذا فإن الجمود( الذاتي)و الاستعمار (الموضوعي هنا حدث التخلف الحضارى بكل اشكاله فظهر التخلف الاجنماعى اى التخلف كأمة أي حال هذا التخلف دون أن تبرز الأمة كطور ارتقت إليه القبائل والشعوب،يمكن من خلاله حل مشاكل الناس المتجدده.هنا يبدأ الناس في البحث عن حل مشاكلهم من خلال علاقات أخرى أضيق (العشائريه، القبلية، الشعوبيه، الطائفيه ) فظهرت العنصريه والطائفيه والقبليه…
وعندما حدث توقف أو بطء التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، ظهرالتخلف الفكرى ممثلا في ظهوربعض أنماط التفكير الأسطوري.فالتفكير الفلسفي مثلاً كنمط من انماط التفكير العقلاني ازدهر في مراحل التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، وعندما بدات هذه المجتمعات تتخلف تخلف التفكير العقلانى( ومثاله التفكير الفلسفي اذ أن الفلسفة نشاط معرفي حضاري) ليفسح المجال لظهور بعض انماط التفكير الاسطوري.
وعندما اخذت المجنمعات المسلمه تتخلف حضاريا تخلفت علميا ايضا (لان العلم احد انماط النشاط الحضارى ) فاصبحت تتبنى بعض انماط التفكير العلمى في بعض شئونها بينما تنتهج بعض انماط التفكير الخرافى في البعض الاخر
فالتنوير في هذه المجتمعات إذا يتم بالغاء انماط التفكير الاسطورى والخرافى والبدعى بالغاء سببها وهو التخلف الحضارى وذلك بنشر الافكار التى تساهم في تاكيد القيم الحضاريه الاسلاميه وتطويرها واستيعاب ما لايناقضها من قيم واساليب وحلول من مجتمعات اخرى ومقاومه الافكار التى تحاول الغاء هذه القيم الحضاريه (تحت دعوى التنوير) أو الابقاء على التخلف الحضارى (الذى يحول دون حدوث التنويرتحت دعوى الاصاله).
المراجع
(1) ابن القيم، مدارج السالكين.
(1) ابن القيم، بدائع الفوائد.
(3)د. عبد الاله بلقزيز، ندوه حصيله العقلانيه والتوير في الفكر العربى المعاصر، بيروت،2005.
(4)محمود حمدى زقزوق، الحضاره فريضه اسلاميه، مكتبه الشروق، القاهره،2001.
(5)د. محد عماره، معركه المصطلحات بين الغرب والاسلام، داار النهضه، مصر.