آثار النَّبيّ التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب
ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام:
وقد أفرد له أبو داود في كتابه (السنن) كتاباً على حدة.
ولنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه، والمعول في أصل ما نذكره عليه.
قال أبو داود: حدَّثنا عبد الرَّحيم بن مطرف الرؤاسيّ، حدَّثنا عيسى عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرؤن كتاباً إلا بخاتم، فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الأعلى بن حماد، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به.
ثم قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية عن خالد، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس، زاد: فكان في يده حتى قُبض، وفي يد أبي بكر حتى قُبض، وفي يد عمر حتى قُبض، وفي يد عثمان فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه.
تفرد به أبو داود من هذا الوجه.
ثم قال أبو داود رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: أنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني أنس قال: كان خاتم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ورق فصَّه حبشي. (ج/ص:6/4)
وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث.
ومسلم من حديث ابن وهب، وطلحة عن يحيى الأنصاري، وسليمان بن بلال.
زاد النسائي وابن ماجه: وعثمان عن عمر خمستهم عن يونس بن يزيد الأيلي به.
وقال التّرمذيّ: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كان خاتم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من فضة كله فصَّه منه.
وقد رواه التّرمذيّ والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به.
وقال التّرمذيّ: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: اصطنع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً فقال: ((إنا اتخذنا خاتماً ونقشنا فيه نقشاً فلا ينقش عليه أحد)).
قال: فإني أرى بريقه في خنصره.
ثم قال أبو داود: حدثنا نصير بن الفرج، ثنا أبو أسامة عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر اتخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً من ذهب وجعل فصَّه مما يلي بطن كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: ((لا ألبسه أبداً)) ثم اتخذ خاتماً من فضة نُقش فيه: محمد رسول الله، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر، ثم لبسه بعده عثمان حتى وقع في بئر أريس.
وقد رواه البخاري عن يوسف بن موسى، عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.
ثم قال أبو داود: حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنقش فيه: محمد رسول الله وقال: ((لا ينقش أحد على خاتمي هذا)) وساق الحديث.
وقد رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه.
ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه: محمد رسول الله قال: فكان يختم به، أو يتختم به.
ورواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النَّبيّل به. (ج/ص:6/5)
ثم قال أبو داود:
باب في ترك الخاتم
حدثنا محمد بن سليمان لُوين عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً من ورق يوماً واحداً، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فطرح الناس.
ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر، كلهم قال: من ورق.
قلت: وقد رواه البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً من ورق يوماً واحداً، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم، ثم علَّقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، وشعيب ابن أبي حمزة، وزياد بن سعد الخراساني.
وأخرجه مسلم من حديثه.
وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كلهم عن الزهري كما قال أبو داود: خاتماً من ورق.
والصحيح: أن الذي لبسه يوماً واحداً ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب لا خاتم الورق، لما ثبت في الصحيحين عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان رسول الله يلبس خاتماً من ذهب فنبذه.
وقال: ((لا ألبسه أبداً)).
فنبذ الناس خواتيمهم، وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيراً ولم يزل في يده حتى توفي - صلوات الله وسلامه عليه - وكان فصَّه منه - يعني: ليس فيه فص ينفصل عنه - ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ، بل كان فضه كله وفصّه منه، ونقشه محمد رسول الله ثلاثة أسطر: محمد سطر، رسول سطر، الله سطر، وكأنه والله أعلم كان منقوشاً وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا.
وقد قيل: إن كتابته كانت مستقيمة، وتطبع كذلك، وفي صحة هذا نظر ولست أعرف لذلك إسناداً لا صحيحاً ولا ضعيفاً، وهذه الأحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة تردُّ الأحاديث التي قدمناها في سنن أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن معيقيب ابن أبي فاطمة، عن جده قال: كان خاتم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من حديد ملوي عليه فضة.
ومما يزيده ضعفاً الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود، والتّرمذيّ والنسائي من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلميّ المروزي عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه خاتم من شبه فقال: ((مالي أجد منك ريح الأصنام؟)).
فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: ((مالي أرى عليك حلية أهل النار؟)).
فطرحه ثم قال: يا رسول الله من أي شيء اتخذه؟
قال: ((اتخذه من ورق، ولا تنمه مثقالاً)).
وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى، كما رواه أبو داود والتّرمذيّ في (الشمائل).
والنسائي من حديث شريك، وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه عن رسول الله قال شريك: وأخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن رسول الله كان يتختم في يمينه، وروي في اليسرى.
رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتختم في يساره، وكان فصّه في باطن كفه.
قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه.
وحدثنا هناد عن عبدة، عن عبيد الله، عن نافع أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى. (ج/ص:6/6)
ثم قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصَّلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتماً في خنصره اليمنى فقلت: ما هذا؟
فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصّه على ظهرها.
قال: ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يلبس خاتمه كذلك.
وهكذا رواه التّرمذيّ من حديث محمد بن إسحاق به.
ثم قال محمد بن إسماعيل - يعني: البخاري -: حديث ابن إسحاق عن الصَّلت حديث حسن.
وقد روى التّرمذيّ في (الشمائل) عن أنس، وعن جابر، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتختم في اليمين.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا أبي عن ثمامة، عن أنس بن مالك أن أبا بكر لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
قال أبو عبد الله، وزاد أبو أحمد: ثنا الأنصاري، حدثني أبي، ثنا ثمامة عن أنس قال: كان خاتم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في يده، وفي يد أبي بكر، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فنزح البئر فلم يجده.
فأما الحديث الذي رواه التّرمذيّ في (الشمائل): حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة عن أبي يسر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اتخذ خاتماً من فضة، فكان يختم به ولا يلبسه.
فإنه حديث غريب جداً.
وفي السنن من حديث ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه
ذكر سيفه عليه السلام
قال الإمام أحمد: ثنا شريح، ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، عن الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفَّل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى الرؤيا يوم أُحد.
قال: ((رأيت في سيفي ذا الفقار فلا فأوَّلته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشاً، فأوَّلته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأوَّلتها المدينة، ورأيت بقراً تذبح، فبقر والله خير فبقر والله خير)).
فكان الذي قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن أبيه به.
وقد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول: ((لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي)).
وروى التّرمذيّ من حديث هود بن عبد الله بن سعيد عن جده مزيدة بن جابر العبديّ العصري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة وعلى سيفه ذهب وفضة الحديث.
ثم قال: هذا حديث غريب. (ج/ص:6/7)
وقال التّرمذيّ في (الشمائل): حدثنا محمد بن بشار، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي عن قتادة، عن سعيد ابن أبي الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من فضة.
وروي أيضاً من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان حنفياً، وقد صار إلى آل علي سيف من سيوف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء عند الطف كان معه، فأخذه علي بن الحسين بن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية، ثم رجع معه إلى المدينة.
فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟
قال: فقال: لا.
فقال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإني أخشى أن يغلبك عليه القوم، وأيم الله إن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي.
وقد ذُكر للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم غير ذلك من السلاح من ذلك الدروع.
كما روى غير واحد منهم السائب بن يزيد، وعبد الله بن الزبير أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهر يوم أحد بين درعين.
وفي الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه قيل له: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة.
فقال: ((اقتلوه)).
وعند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء.
وقال وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه قال: خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الناس وعليه عمامة دسماء.
ذكرهما التّرمذيّ في (الشمائل) وله من حديث الدراوردي عن عبد الله، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا اعتمَّ سدلها بين كتفيه.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزَّار في مسنده: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد، ثنا مخول بن إبراهيم، ثنا إسرائيل عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه.
ثم قال البزَّار: لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد، وهو صدوق فيه شيعية.
واحتمل على ذلك.
وقال الحافظ البيهقيّ بعد روايته هذا الحديث من طريق مخول هذا قال: وهو من الشيعة يأتي بإفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره، والضعف على رواياته بيِّن ظاهر
ذكر نعله التي كان يمشي فيها
ثبت في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يلبس النعال السبتية، وهي التي لا شعر عليها.
وقد قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد - هو ابن مقاتل -، حدثنا عبد الله - يعني: ابن المبارك - أنا عيسى بن طهمان قال: خرج إلينا أنس بن مالك بنعلين لهما قبالان.
فقال ثابت البناني: هذه نعل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد رواه في كتاب (الخمس) عن عبد الله بن محمد، عن أبي أحمد الزبيري، عن عيسى بن طهمان، عن أنس قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان.
فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد رواه التّرمذيّ في (الشمائل) عن أحمد بن منيع، عن أبي أحمد الزبيري به.
وقال التّرمذيّ في (الشمائل): حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: كان لنعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبالان مثني شراكهما.
وقال أيضاً: ثنا إسحاق بن منصور، أنا عبد الرزاق عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبالان.
وقال التّرمذيّ: ثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله، ثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، ثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبالان وأبي بكر، وعمر، وأول من عقد عقداً واحداً عثمان.
قال الجوهري: قبال النعل: بالكسر الزمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى، والتي تليها.
قلت: واشتهر في حدود سنة ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له: ابن أبي الحدرد، نعل مفردة ذكر أنها نعل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسامها الملك الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها، فاتفق موته بعد حين، فصارت إلى الملك الأشرف المذكور، فأخذها إليه وعظمها، ثم لما بنى دار الحديث الأشرفية إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعل لها خادماً، وقُرر له من المعلوم كل شهر أربعون درهماً، وهي موجودة إلى الآن في الدار المذكورة.
وقال التّرمذيّ في (الشمائل): ثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا: ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا شيبان عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: كانت لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم سلة - يتطيَّب منها. (ج/ص:6/9)
صفة قدح النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك عن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيه ضَبَّة من فضة.
وقال الحافظ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله، أخبرني أحمد بن محمد النَّسويّ، ثنا حماد بن شاكر، ثنا محمد بن إسماعيل - هو البخاري - ثنا الحسن بن مدرك، حدثني يحيى بن حماد، أنا أبو عوانة عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة.
قال: وهو قدح جيد عريض من نضار.
قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا.
قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة.
فقال له أبو طلحة: لا تغيرنَّ شيئاً صنعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فتركه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح بن عبادة، ثنا حجاج بن حسان قال: كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة من حديد، فأخرج من غلاف أسود، وهو دون الربع وفوق نصف الربع، وأمر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء، فأتينا به فشربنا، وصببنا على رؤسنا ووجوهنا، وصلينا على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
انفرد به أحمد
المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها.
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد، أنا عبد الله بن منصور عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثاً في كل عين.
وقد رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون.
قال علي بن المدينيّ: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لعباد بن منصور: سمعت هذا الحديث من عكرمة.
فقال: أخبرنيه ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه.
قلت: وقد بلغني أن بالديار المصرية مزاراً فيه أشياء كثيرة من آثار النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين فمن ذلك:
مكحلة.
وقيل: ومشط، وغير ذلك، فالله أعلم.
البردة
قال الحافظ البيهقيّ: وأما البرد الذي عند الخلفاء، فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعطى أهل إيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أماناً لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار - يعني: بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه الله - وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفاً عن سلف، كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه، ويأخذ القضيب المنسوب إليه - صلوات الله وسلامه عليه - في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويبهر به الأبصار، ويلبسون السواد في أيام الجمع والأعياد، وذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر، ممن يسكن الوبر والمدر. (ج/ص:6/10)
لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الأثر من حديث عن مالك الزهري، عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
وفي رواية: وعليه عمامة سوداء.
وفي رواية: قد أرخى طرفها بين كتفيه - صلوات الله وسلامه عليه -.
وقد قال البخاري: ثنا مسدد، ثنا إسماعيل، ثنا أيوب عن محمد، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء وإزاراً غليظاً فقالت: قُبض روح النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم في هذين -.
وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذِّر ما صنعوا.
قلت: وهذه الأبواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا، وقد تقدم أنه عليه السلام طرحت في تحته قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها، ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل، وموضعه (كتاب اللباس من كتاب الأحكام الكبير) إن شاء الله، وبه الثِّقة وعليه التُّكلان.
أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام.
قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب، عن مرثد بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فرس يقال له: المرتجز، وحمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وسيفه: ذو الفقار، ودرعه: ذو الفضول.
ورواه البيهقي من حديث الحكم عن يحيى بن الجزار، عن علي نحوه.
قال البيهقيّ: وروينا في (كتاب السنن) أسماء أفراسه التي كانت عند الساعد بين لزاز واللحيف، وقيل: اللخيف، والظرب، والذي ركبه لأبي طلحة يقال له: المندوب، وناقته: القصواء، والعضباء، والجدعاء، وبغلته: الشهباء والبيضاء. (ج/ص:6/11)
قال البيهقيّ: وليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن، إلا ما روينا في بغلته البيضاء وسلاحه، وأرض جعلها صدقة، ومن ثيابه، وبلغته، وخاتمه، ما روينا في هذا الباب.
وقال أبو داود الطَّيالسيّ: ثنا زمعة بن صالح عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وله جبة صوف في الحياكة.
وهذا إسناد جيد.
وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا مجاهد عن موسى، ثنا علي بن ثابت، ثنا غالب الجزري عن أنس قال: لقد قُبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإنه لينسج له كساء من صوف.
وهذا شاهد لما تقدم.
وقال أبو سعيد بن الأعرابي: حدثنا سعدان بن نصير، ثنا سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير، عن حسين، عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قُبض وله بردان في الجف يعملان، وهذا مرسل.
وقال أبو القاسم الطَّبرانيّ: ثنا الحسن بن إسحاق التَّستريّ، ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحرَّنيّ، ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي بن عروة عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيف قائمته من فضة وقبيعته، وكان يسميه: ذا الفقار، وكان له قوس تسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: السغاء، وكان له مجن يسمى: الذقن، وكان له ترس أبيض يسمى: الموجز، وكان له فرس أدهم يسمى: السكب، وكان له سرج يسمى: الداج، وكان له بغلة شهباء يقال لها: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يقال له: يعفور، وكان له بساط يسمى: الكره، وكان له نمرة تسمى: النمر، وكانت له ركوة تسمى: الصادر، وكانت له مرآة تسمى: المرآة، وكان له مقراض يسمى: الجاح، وكان له قضيب شوحط يسمى: الممشوق.
قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يترك ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة، سوى بغلة وأرض جعلها صدقة.
وهذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد والإماء والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح، والحيوانات، والأثاث، والمتاع مما أوردناه ومالم نورده.
وأما بغلته فهي: الشهباء، وهي: البيضاء أيضاً: والله أعلم، وهي التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية، واسمه: جريج بن ميناء فيما أهدي من التحف، وهي التي كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة وتوكلاً على الله - عز وجل -، فقد قيل: إنها عمَّرت بعده حتى كانت عند علي ابن أبي طالب في أيام خلافته، وتأخرَّت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك.
وأما حماره: يعفور، ويصغَّر فيقال له: عفير، فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الأحايين. (ج/ص:6/12)
وقد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب، عن يزيد بن عبد الله العوفيّ، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يركب حماراً يقال له: عفير.
ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود، وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار.
وفي الصحيحين: أنه عليه السلام مرَّ وهو راكب حماراً بمجلس فيه عبد الله ابن أبي بن سلول، وأخلاط من المسلمين، والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل - وذلك قبل وقعة بدر - وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة.
فقال له عبد الله: لا أحسن مما تقول أيها المرء، فإن كان حقاً فلا تغشنا به في مجالسنا، وذلك قبل أن يظهر الإسلام، ويقال: إنه خمَّر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة.
وقال: لا تؤذنا بنتن حمارك.
فقال له عبد الله بن رواحة: والله لريح حمار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أطيب من ريحك.
وقال عبد الله: بل يا رسول الله أغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك.
فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا، فسكنهم رسول الله، ثم ذهب إلى سعد بن عبادة، فشكى إليه عبد الله ابن أُبي.
فقال: ارفق به يا رسول الله فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق، وإنا لننظم له الخدر لنملكه علينا، فلما جاء الله بالحق شرق بريقه.
وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذاً على حمار، ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل، والله أعلم.
فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه (الشفا) وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه (الكبير في أصول الدين) وغيرهما أنه كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حمار يسمى: زياد بن شهاب، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه، فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه، فيعلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يطلبه، وأنه ذكر للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه سلالة سبعين حماراً كل منها ركبه نبي، وأنه لما توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذهب فتردى في بئر فمات، فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية، وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم: عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وأبوه - رحمهما الله -.
وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكاراً شديداً.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب (دلائل النبوة): ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي، حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال: ((من أنت؟))
قال: أنا عمرو بن فلان كنا، سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء، وأنا أصغرهم وكنت لك، فملكني رجل من اليهود فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضرباً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فأنت يعفور)).
هذا حديث غريب جداً