ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الفتوح الاسلامية ..والمواجهة الحضارية الإثنين 05 أغسطس 2013, 1:29 am | |
|
[rtl]الفتوح الاسلامية ..والمواجهة الحضارية[/rtl]
[rtl] - كان الفتح في الشام والعراق يحمل جانبا عسكريا مهما، حيث أنه جرى في مواجهة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، أقوى امبراطوريتين في ذلك العصر، ولكن فتح مصر أتى دون الكثير من العناء العسكري، ومن أسباب ذلك، أن انتزاع الشام من البيزنطيين، لم يمكنهم أصلا من الدفاع بقوة عن مصر وغيرها من مستعمراتها في شمال افريقيا. كما أن الحامية البيزنطية في مصر لم تكن تستطيع مقاومة المسلمين، فبعد معركة بابليون في بلبيس، كان الفتح مجرد تقدم بالقوات الإسلامية، والسبب الثاني، أن المصريين لم يكونوا أصلا متعاطفين مع الرومان، وكانت سمعة المسلمين في التسامح الديني والحضاري تجعلهم يتعاملون بإيجابية مع الفتح الإسلامي، ومن قراءة التاريخ، يتبين أن المصريين لم يجبروا على الدخول في الإسلام، وأنهم ظلوا على المسيحية لفترة طويلة، فمن ناحية، كان حديث النبي، صل الله عليه وسلم، الذي أوصى بالقبط، حاضرا في ذهن المسلمين، ومن ناحية ثانية، لم يشهد الإسلام في تاريخه عمليات قسرية ليدخل الناس في الدين، ولو أن الفتوحات الإسلامية أكرهت الناس على الدخول في الدين الإسلامي، لكان من باب أولى أن يدخل أهل أرمينية الإسلام، وهي المنطقة التي فتحها المسلمون في مرحلة مبكرة، كما أن المصريين استحضروا تجربتهم المريرة مع الإمبراطورية الرومانية، ففي العصر الذي كانت وثنية فيه، جرى تعذيبهم للخروج من المسيحية، وبعد دخول الرومان للمسيحية، كان الصراع بعد ذلك يتمثل في إجبار المصريين بالإقرار بوجهة النظر البيزنطية في المسائل اللاهوتية، وبالتالي، كان التسامح الديني هو العنوان الذي فتحت على أساسه مصر. كانت أخبار ما فعله عمر بن الخطاب مع مسيحيي القدس، وعهدته بأمانهم في دينهم ومقدساتهم، جعلت مسيحيي مصر يميلون للفتح الإسلامي في مواجهة ما اعتبروه دائما احتلالا رومانيا، واتخذ المسلمون اجراءات طمأنت الأقباط، فلم يتم توزيع الأراضي على الفاتحين، كما حدث في غير مكان، حيث أن المصريين أبناء قرى ومدن، وليسوا قبائل مشتتة، ولذلك كان توزيع الأراضي سيمثل اعتداء على ممتلكاتهم، وليس مجرد تخصيص من أجل تسكين المسلمين، ولذلك جرى الاكتفاء بفرض الضرائب. المفارقة أن المصادر القبطية تنصف الفاتحين المسلمين، بينما يغرق الرواة المسلمون في الشائعات حول ذلك، ومن المصادر المسيحية ما كتبه أحد الرهبان حول احتياج أحد القادة المسلمين لبعض الأغنام لإطعام جنوده، فيكتب عهدا للمصري صاحب الأغنام بأن يخصمها من ضرائبه عند استحقاقها، كما وأمر عمرو بن العاص، جنوده بأن يشتروا بنفس الأسعار التي يبيع بها المصريون غلالهم وثمارهم، وكانت هذه الإجراءات غير مسبوقة، حيث أن مصر كانت تسبق جميع المناطق التي فتحها المسلمون من الناحية التنظيمية والحضارية، بمعنى الأعراف والممارسات، وليس مجرد الأنماط المعمارية. كان دخول الأقباط إلى الإسلام يتم عبر مراحل تاريخية متعددة، ولكن دون إكراه أو إجبار، وهو ما يفسر بقاء الأقباط في مصر بأعداد كبيرة، وتوجهت العديد من القبائل العربية لتسكن في مصر، وكان على الحكم الإسلامي دائما، في مراحل قوته وسيطرته، يضع من القوانين والأنظمة ما يحول دون تعدي العرب على الأقباط، أو شعورهم بأية ميزات، ولعل عمر بن الخطاب، رضي الله، في قصة القبطي الذي اشتكى له ظلم أحد أبناء عمرو بن العاص، فاستدعي واليه وابنه إلى المدينة ليطلب من المصري ضربهم كما ضرب، كانت تضع سابقة مهمة في بناء علاقة قوية مع المصريين، جعلت مصر إلى اليوم أحد منارات الإسلام القوية المتماسكة من الناحية المذهبية، وجعلت الشعب المصري متعلقا بالإسلام ورموزه، حتى أصبحت القاهرة، التي كان عمرو بن العاص أول من بناها، وعرفت بالفسطاط، مدينة الألف مئذنة، في عصرها المبكر، وأكثر مدن العالم في المساجد اليوم.
[/rtl] |
|