نقاط اقتصادية مثار جدل دولي -
محمد مثقال عصفور
استطاعت الأدبيات الاقتصادية التي تبلورت بعد الحرب العالمية
الثانية وتحديداً بعد اتفاقية بريتون وودز أن تفرض عدة نقاط
استقرت في الفكر التنموي العالمي على اعتبار أنها من ثوابت
السياسة الاقتصادية، كما أن هناك نقاطا أخرى فرضتها ظروف
الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي آنذاك، ويمكن
القول أن موضوع سياسة الحماية للصناعة الوطنية والموانع
الجمركية هي من مخلفات الحرب الباردة بينما نجد مثلاً أن المديونية الخارجية ونسبتها
إلى الناتج المحلي الاجمالي وكذلك نسبة تغطية المستوردات للصادرات من حيث عدد
الأشهر هي من مخلفات فلسفة الاقتصاد الناجم عن توقيع اتفاقية بريتون وودز، وهنا
نقول أن هذه الاتفاقية انبثق عنها مثلث من المؤسسات هي البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي والاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة، غير أن ظروف الحرب الباردة ابطلت
مفعول الاتفاقية العامة وبقي الحال كذلك إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار سور
برلين حيث تم تأسيس منظمة التجارة العالمية وتم ايقاف العمل بسياسة الحماية كما تم
اعتماد انسياب السلع والخدمات بين الدول دون حواجز جمركية.
ضمن مسيرة أمتدت لأكثر من سبعة عقود منذ اتفاقية بريتون وودز استقرت في الأدب
الاقتصادي مواضيع المديونية الدولية والأزمات المتفاقمة بشكل دوري والعديد من
السمات التي علقت بالمشهد الاقتصادي الدولي فبعد أن كادت سياسة الحماية للصناعة
الوطنية أن تندثر تماماً وأن يتم تجاوزها كليا فقد لاحظنا أنها عادت إلى المشهد
الاقتصادي الدولي وعاد معها منطق الحرب التجارية، ثم إن المديونية ونسبتها إلى الناتج
المحلي الاجمالي والتي كان الهدف تخفيض هذه النسبة أو على الأقل عدم السماح لها
بتجاوز حد معين، فإننا نجد أن هذه النسبة باتت من المسلمات وأن حدودها لم تعد
قائمة ثم أن التوجه الدولي بالتصدي لعجوزات الموازنات استقر عند رأي ثابت ألا وهو تبني
الدولة للسياسة الانكماشية في الانفاق حرصاً على عدم زيادة العجز بينما نجد أن دولاً مثل
البرازيل تعرضت لأزمة اقتصادية خانقة وأنها لم تستطع أن تخرج من أزمتها إلا بعد أن
سبحت عكس ارشادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتبعت سياسة انفاق عام
توسعية، ومن النقاط الأخرى أيضاً هو مثلاً نسبة تغطية المستوردات للصادرات فهل
المعيار الدولي الدولي بضرورة تغطية المستوردات على مدى زمني يصل إلى ستة شهور
هو القاعدة الذهبية في هذا الأمر أم هو الحد الأدنى المسموح به أم أن الأمر يعتمد على
مدى ما يحقق ميزان المدفوعات من فائض أو ما يسمى بقدرة الاقتصاد الوطني على
الدفع، هذه النقاط وغيرها باتت مجدداً موضع جدل بعد أن كادت الأدبيات الاقتصادية أن
تستقر عند قناعات محددة لهذه النقاط.
هذا الأمر أعاد ظاهرة عدم الاستقرار الفكري للمنظور الاقتصادي العالمي خاصة التنموي
وبالتالي أصبح لزاماً أن يصار إلى إعادة النظر في العديد من النقاط التي ارتقت إلى
مستوى الثابت لتكون من جديد موضع نقاش وجدل للتوصل إلى قناعات جديدة وإلى
نقاط جديدة ذات مدلولات جديدة وفق الظروف والمستجدات الاقتصادية الدولية، فطالما
أن المشهد الاقتصادي العالمي يتغير فلا بد وأن يواكبه تغير في الصيغ والقوالب الفكرية
التي لا بد وأن تشكل حاضنة للتداعيات المستجدة.
رئيس غرفة التجارة الدولية