منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 9:39 pm

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات
محتويات

1 قراءة في كتاب صدام الحضارات
2 ملخص كتاب صدام الحضارات
3 قراءة نقدية في كتاب -صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي-
4 إشكاليات الهوية ... صدام الحضارات وصناعة الأعداء
5 صامويل هنتغتون في مقاله الجديد
6 كتاب من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية
7 في كتابه التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية عندما يتساءل صموئيل هنتنغتون: من نحن
قراءة في كتاب صدام الحضارات
ملخص كتاب صدام الحضارات 
آريين آمد  الحوار المتمدن

إن جوهر ما جاء به صمؤيل هنتنغتون هو إن " الصراع في العالم الجديد لن يكون إيديولوجيا أو اقتصاديا بل سيكون 

ثقافيا أو حضاريا بالمعنى الأدق". والحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع الذي يضم الجماعات الثقافية مثل القبائل 

والجماعات العرقية والدينية والأمم وفيها يعرّف الناس أنفسهم بالنسب، الدين، اللغة، التاريخ، القيم، العادات، 

والمؤسسات الاجتماعية.
حادثتان أثارتا اهتمام الكاتب، الأولى وقعت أثناء اجتماع بين باحثين روس وأمريكيين في العام 1992 في قاعة احد 

المباني الحكومية في موسكو بعد أسبوعين من اختفاء الاتحاد السوفيتي من الوجود ليصبح الاتحاد الروسي دولة مستقلة 

ليختفي تمثال لينين الذي كان يزين منصة القاعة وليحل محله العلم الروسي الجديد الذي كان يرفرف على السور 

الخارجي للبناية والمشكلة الوحيدة هنا كانت ملاحظة احد الأمريكيين بان العلم الجديد كان معلقا بالمقلوب!!!! وأوضح 

ذلك للمضيفين الذين بادروا على الفور لتصحيح وضع العلم. 
أما الثانية ففي الثامن عشر من ابريل عام 1994 تجمع ألفا مواطن في سراييفو وهم يلوحون بعلمي المملكة العربية 

السعودية وتركيا بدلا من أعلام الأمم المتحدة أو الناتو وبهذا فهم كانوا يعلنون توحدهم مع رفاقهم المسلمين ويقولون 

للعالم من هم أصدقاؤهم الحقيقيون وأصدقائهم غير الحقيقيين.
الأعلام المقلوبة والأعلام الإسلامية التي رفعت في قلب أوربا أشارتا إلى تشكيل جديد لعالم بدأ يتقسم وفق خطوط 

ثقافية.
في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبحت للأعلام دورا في الاعتبار وكذلك الرموز الدينية مثل الصليب والهلال. فالثقافة 

لها أهميتها لان الهوية الثقافية هي الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الناس.
بعد قرن من النفاق العاطفي نكتشف اليوم بأننا إذا لم نكره بقوة لن نحب بقوة. نكره ما ليس نحن ونحب ما نحن.
الصراعات الثقافية تتزايد وهي الآن أخطر مما كانت عليه في أي وقت سابق في التاريخ. يقول جاك ديلوز الصراعات 

المستقبلية سوف تشعلها عوامل ثقافية أكثر منها اقتصادية أو إيديولوجية. واخطر تلك الصراعات تلك التي تقع على 

طول خطوط التقسيم الحضاري.
الشعوب التي تفصل بينها الايدولوجيا تجمعها الثقافة وتقرب بينها كما فعلت الألمانيتان والكوريتان وكما بدأ يحدث بين 

أكثر من صين.
المجتمعات التي اتحدت عن طريق الايدولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسمة بسبب الحضارات ، أما تفتت كما 

حدث للاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا والبوسنة أو تتعرض لتوتر شديد كما هو الحال في أوكرانيا ونيجيريا والهند 

وسريلانكا وغيرها. الستار الحديدي الذي كان يفصل أوروبا هو نفسه اليوم الذي الخط الفاصل بين شعوب المسيحية 

الغربية من ناحية والشعوب الإسلامية والارثوذكسية من ناحية أخرى. عمليات إحياء الدين تقوي من الفروق الثقافية 

بين الشعوب المنتمية إلى حضارات مختلفة.
النجاح الاقتصادي في شرق آسيا له جذوره الثقافية وكذلك الصعاب التي واجهتها المجتمعات هناك لإقامة أنظمة سياسية 

وديمقراطية.
الثقافية الإسلامية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديمقراطية في اماكن كثيرة من العالم الإسلامي.
التطورات في مجتمعات ما بعد الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق تتشكل طبقا لهوياتها الحضارية.
أفق النجاح في المجتمعات الإسلامية كئيبة. أفق النجاح في المجتمعات الأرثوذكسية غير مؤكدة.
الغرب حاليا أقوى الحضارات وسيظل لسنوات قادمة إلا أن قوته تتدهور بالنسبة إلى الحضارات الأخرى.
عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع حضارات، العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل 

المصالح والخصومات وتقاربات الدول.
القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلا إلى الحضارات غير الغربية. السياسة الكونية أصبحت متعددة 

الأقطاب ومتعددة الحضارات.
احد النماذج المغرقة في التفاصيل كان يقوم على افتراض إن انتهاء الحرب الباردة يعني انتهاء الصراع الكبير في 

السياسة الكونية وظهور عالم منسجم نسبيا. يقول فرانسيس فوكوياما " ربما كنا نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية 

للتطور الإيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنساني ، 

فقد تحدث بعض الصراعات في أماكن من العالم الثالث ولكن الصراع الكبير قد انتهى وليس في أوروبا فقط وبالتحديد 

في العالم غير الأوربي حيث حدثت التغيرات الكبرى خاصة في الصين والاتحاد السوفيتي . وقد يظل المؤمنون 

بالماركسية اللينينية موجودين في أماكن مثل مانجوا، بيونجيانج، كمبردج ، ماساشوستس ولكن الديمقراطية الليبرالية قد 

انتصرت وسوف يكون المستقبل مكرسا ليس من اجل الصراعات الكبرى الحامية حول الأفكار بل بالأحرى حول 

المشكلات الاقتصادية والفنية المعاشة ثم ينهي كلامه بأسف قائلا إن ذلك سيكون مضجرا.
في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين كانت كلمة " المذبحة الجماعية " تتردد أكثر مما سبق على مدى أي 

خمس سنوات من الحرب الباردة ومن الواضح إن نموذج عالم واحد منسجم بعيد جدا ومنفصل عن الواقع لكي يكون 

دليلا مفيدا لعالم ما بعد الحرب الباردة.
في الوقت الذي تظهر فيه توقعات بعالم واحد في نهاية الصراعات الرئيسية إلا إن الميل للتفكير بعالمين كان يتردد دائما 

عبر التاريخ الإنساني. فالناس لديهم دائما ما يغريهم بتقسيم بعضهم إلى " نحن" و " هم" الجماعة التفضيلية والجماعة 

الأخرى.
في عالم اليوم نلاحظ اختفاء حروب التحرير وظهور الصراعات بين الشعوب المحررة. 
إن العالم لعلى درجة كبيرة من التعقيد بحيث لا يمكن أن نقسمه ببساطة اقتصاديا إلى شمال وجنوب وثقافيا إلى شرق 

وغرب.
في عالم ما بعد الحرب الباردة الدول تحدد مصالحها على أسس حضارية تتعاون وتتحالف مع دول ذات ثقافات مشتركة 

وغالبا ما تكون في حالة صراع مع دول تنتمي لثقافات مختلفة. الدول تحدد الأخطار والتهديدات على اساس نوايا الدول 

الأخرى ، هذه النوايا وكيفية إدراكها تشكلها الاعتبارات الثقافية على نحو جلي. التهديد عادة تأتي من دول مختلفة عنا 

ثقافيا. 
في عالم اليوم الدول تجد نفسها ناقصة السيادة بفعل شكل وأسلوب النظام العالمي ودور المنظمات الدولية ، وبسبب 

العولمة أصبحت حدود الدول مخترقة أمام تدفق رأس المال والأشخاص والتكنولوجيا.
اقل قليلا من نصف عدد الصراعات العرقية الثمانية والأربعين التي شهدها العالم في سنة 1993 كان بين جماعات من 

حضارات مختلفة. 
استطاع الغرب أن يكسب العالم ليس فقط بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو دينه وإنما بسبب تفوقه في تطبيق العنف المنظم. 

ففي العام 1910 كان العالم قد أصبح وحدة سياسية واقتصادية أكثر من أي وقت آخر في التاريخ الإنساني. 
الإيديولوجيات السياسية الكبرى في القرن العشرين تتضمن الليبرالية، الاشتراكية، الفوضوية، الاتحادية، الماركسية، 

القومية، الفاشية، الديمقراطية المسيحية، كلها تشترك في شيء واحد أنها جميعا من إنتاج الحضارة الغربية، ولم يتولد 

عن أي حضارة أخرى هذا الكم الكبير من الإيديولوجيات السياسية.
لكن الملاحظ في عالم اليوم إن صدام الأفكار السياسية بين الحضارات الذي أفرخه الغرب يحل محله اليوم صدام 

الثقافات والأديان بين الحضارات.
كل حضارة ترى نفسها مركزا للعالم وتكتب تاريخها وكأنه الدراما الرئيسية في التاريخ الإنساني.
التحديث والتغريب
إن الزعم بان انتشار ثقافة البوب والبضائع الاستهلاكية في أرجاء العالم يمثل انتصارا للحضارة الغربية يجعل الثقافة 

الغربية تبدو تافهة إن جوهر الحضارة الغربية هي في " ألماجنا كارتا " وليس في "ألماجنا ماك"
استجابة القادة والمفكرون السياسيون في المجتمعات المختلفة للتحديث والتغريب كانت واحدة من بين ثلاث استجابات 

إما رفض التحديث والتغريب أو تبنيهما معا أو تبني الأول ورفض الثاني. وعلى العموم فان الرفض العام للتحديث 

والتغريب صعب جدا في عالم يتجه بشدة نحو التحديث وعلى مستوى عال من الاتصال المتبادل. وحدهم الأصوليون 

المتشددون الذين يرفضون التحديث والتغريب ويلقون بأجهزة التليفزيون في الأنهار ويحرمون ساعات المعصم 

ويرفضون ماكينة الاحتراق الداخلي . التعصب ليس خيارا قابلا للتطبيق لذلك دائما نرى اختفاء مثل هذه الحركات وترك 

اثر قليل مما يلخص مصير السياسات الشديدة التطرف.
الاستجابة الثانية هي قبول التحديث والتغريب لأنه أمر ضروري ومرغوب وان المجتمع لابد له من أن يتغرب لكي 

ينجح تحديثه مما يعني التخلص من الثقافة المحلية التي تتعارض مع ذلك.
العلم الحديث والتكنولوجيا يتطلبان استيعابا للعمليات الفكرية التي تصاحبهما ونفس الشيء بالنسبة إلى المؤسسات 

الفكرية لان المضمون يجب أن يحاكي الشكل فلابد من الاعتراف بهيمنة الحضارة الغربية حتى يمكن التعلم منها.
عندما يقبل المسلمون بالنموذج الغربي صراحة سيكونون في وضع يمكنهم من استخدام التقنية ومن ثم أن يتقدموا... 

منطلقين من مبدأ رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
هذا الفهم دفع بمصطفى كمال إلى محاولة خلق تركيا جديدة من بين أنقاض الإمبراطورية العثمانية رافضا كل الماضي 

الإسلامي لهذا البلد من خلال عملية تغريب وتحديث بواسطة نخبة حاكمة.
الخيار الثالث هو الجمع بين التحديث والمحافظة على القيم الأساسية والممارسات والمؤسسات الثقافية الموجودة في 

المجتمع. هذا الخيار هو المتبع في الصين تحت شعار " المعرفة الصينية من اجل المبادئ الأساسية، المعرفة الغربية 

من أجل الاستخدام العلمي ".
أما اليابان فقد رفع الشعار " الروح اليابانية .... التكنيك الغربي ".
لاحظ " لي كوان يو " في 1994 إن حجم الإزاحة الذي أحدثته الصين في العالم يصل إلى درجة يكون على العالم أن 

يجد توازنا جديدا وفي خلال 30 أو 40 سنة لا يمكن أن ندعي إنها مجرد لاعب كبير آخر انه اكبر لاعب في تاريخ 

الإنسانية.
الهيمنة الصينية سوف تقلل من عدم الاستقرار والصراع في شرق آسيا كما ستقلل من النفوذ الأمريكي والغربي هناك 

وتجبر الولايات المتحدة على قبول ما كانت تحاول أن تمنعه على مر التاريخ، سيطرة قوة أخرى على منطقة مهمة من 

العالم. مدى تهديد هذه الهيمنة لمصالح الدول الأسيوية الأخرى أو الولايات المتحدة الأمريكية يتوقف في جزء منه على 

أية حال على ما يحدث في الصين.
ربما يكون ماضي أوروبا هو مستقبل آسيا. كما يقول فرايد بيرج الخيار أمام آسيا هو بين قوة متوازنة على حساب 

الصراع أو سلام مضمون على حساب الهيمنة. المجتمعات الغربية قد تختار الصراع والتوازن، التاريخ والثقافة وحقائق 

القوة توحي بان أسيا سوف تختار السلام والهيمنة. الصين تستأنف مكانها كمهيمن إقليمي والشرق يعود إلى نفسه.
أوروبا وروسيا مجتمعات ناضجة ديموغرافيا وذات معدلات مواليد منخفضة وسكان طويلة العمر، مجتمعات كتلك ليس 

لها حمية الشباب لتكون ذات توجهات توسعية وعدوانية.
التحدي الحضاري 
العودة إلى الأصول وأحياء الدين ظاهرة عالمية، وقد تبدت في أوضح صورها في التوكيد الثقافي وتحديات الغرب التي 

جاءت من آسيا ومن الإسلام، وهي الحضارات الديناميكية في الربع الأخير من القرن العشرين.
ويتجلى التحدي الإسلامي في الصحوة الثقافية والاجتماعية والسياسية العامة للإسلام في العالم الإسلامي، وما يصاحبه 

من رفض لقيم الغرب ومؤسساته الاجتماعية. كما يتجلى التحدي الآسيوي في كل الحضارات الشرق آسيوية ـ الصينية، 

اليابانية، البوذية، الإسلامية ـ ويؤكد على الاختلافات الثقافية بينها وبين الغرب، وأحيانا على ما هو مشترك فيما بينها 

هي والذي يتحدد غالبا بالكونفوشية. كل من الآسيويين والمسلمين يؤكد على تفوق ثقافته على الثقافة الغربية. الناس في 

الحضارات غير الغربية الأخرى ـ الهندوسية، الأمريكية اللاتينية، الإفريقية ـ قد يؤكدون على الشخصية المتميزة 

لثقافتهم ولكنهم منذ منتصف التسعينات أصبحوا يترددون في إعلان تفوقهم عل ثقافة الغرب. الحضارتان الآسيوية 

والإسلامية تقف كل منهما منفردة في ثقتها المتزايدة وتأكيد نفسها بالنسبة إلى الغرب. وأحيانا تقفان معا.
التوكيد الآسيوي جذوره في التفوق الاقتصادي أما التوكيد الإسلامي فهو نابع إلى حد كبير من التعبئة الاجتماعية والنمو 

السكاني.
كل من هذه التحديات له وستبقى له آثاره على عدم استقرار السياسية العالمية في القرن الواحد والعشرين ولكن طبيعة 

تلك الآثار تختلف فيما بينها.
التنمية الناجحة تولد ثقة بالنفس لمن يحققونها ولمن يستفيدون منها والثروة مثل القوة يفترض أنها دليل على الأفضلية 

واستعراض للتفوق الأخلاقي والثقافي.
يلاحظ اليوم بان المجتمعات الآسيوية واثقة من نفسها فأصبحت اقل استجابة لطلبات الغرب والمجتمعات الأخرى وأكثر 

قدرة على مقاومة تلك الطلبات والضغوط.
في نهاية السبعينات كان فشل الشيوعية في إحداث تقدم اقتصادي ونجاح الرأسمالية في اليابان ومجتمعات آسيوية أخرى 

قد أدى بالقيادة الصينية الجديدة إلى أن تبتعد عن النموذج السوفيتي. انهيار الاتحاد السوفيتي بعد عقد من الزمان زاد 

من تأكيد فشل تلك الواردات وهكذا واجه الصينيون قضية الخيار بين التوجه غربا أو التوجه داخليا.
اختارت القيادة الصينية شكلا جديدا للقيادة تتضمن الرأسمالية والاشتراك في الاقتصاد العالمي من جانب مع سلطوية 

سياسية وإعادة التزام بالثقافة الصينية التقليدية من جانب آخر وبدلا من الشرعية الثورية في الماركسية اللينينية جاء 

النظام بشرعية الأداء الناتجة عن النمو الاقتصادي والشرعية القومية الناتجة عن توسل السمات المميزة للثقافة 

الصينية. لذلك فقد صرح احد قادة الصين في العام 1994 " نحن الصينيين نشعر بالقومية كما لم نشعر بها من قبل 

ونشعر بالفخر لذلك". هذه العودة الحماسية إلى القيم الصينية تجعل من الديمقراطية سيئة السمعة تماما مثل اللينينية. 

ففي بداية القرن العشرين كان المثقفون الصينيون يعتبرون الكونفوشية مصدر التخلف الصيني، في أواخر القرن 

العشرين القادة السياسيون بالتوازي مع علماء الاجتماع الغربيين يحتفون بالكونفوشية كمصدر للنهضة الصينية. في 

الثمانينات بدأت الحكومة الصينية تنمي الاهتمام بالكونفوشية وكان قادة الأحزاب يعلنون إنها "الاتجاه الرئيسي" للثقافة 

الصينية.
النمو الاقتصادي الناجح في اليابان يتناقض مع الفشل والتدهور الملحوظ في الاقتصاد والنظام الاجتماعي الأمريكيين 

وأدى ذلك باليابانيين وبشكل متزايد إلى أن يصبحوا اقل انبهارا بالنماذج الغربية ويزداد اقتناعهم بان مصادر نجاحهم 

لابد أن تكون موجودة في ثقافاتهم. الثقافة اليابانية التي أدت إلى كارثة عسكرية في العام 1945 وبالتالي كان لابد من 

رفضها هي التي أنتجت انتصارا اقتصاديا بحلول عام 1985 وبالتالي كان لابد من تبنيها.
النمو الاقتصادي يثير بين المجتمعات الآسيوية شعورا بالقوة وتأكيدا لقدرتها على التصدي للغرب، ففي سنة 1993 

صرح صحفي ياباني بارز " لقد ولت الأيام عندما كانت الولايات المتحدة تعطس فتصاب آسيا بالزكام " ، ويضيف 

مسؤول ماليزي إلى هذا المجاز الطبي " حتى الحمى الشديدة في أمريكا لن تجعل آسيا تسعل".. ويقول زعيم آسيوي 

آخر " الآن الآسيويين في نهاية حقبة الرهبة وبداية حقبة الرد بقوة". 
المقارنة الواضحة بين القيم الآسيوية والقيم الغربية تشير بوضوح إلى اختلافات كبيرة فنجد في ثقافة المجتمع الآسيوي 

تفشي قيم النظام، الانضباط، مسؤولية الأسرة ، العمل الجاد، الجماعية، الاعتدال أما في الغرب فنجد قيم الانغماس 

الذاتي، الكسل، الفردانية، الجريمة، التعليم الهابط،عدم احترام السلطة، التحجر العقلي. هذه القيم تعد هي المسؤولة عن 

انهيار المجتمع الغربي. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تنافس الشرق فعليها أن تعيد النظر في نظمها الاجتماعية 

والسياسية وأثناء ذلك عليها أن تتعلم شيئا من الشرق الآسيوي. هذا النجاح وكما يعتقد الآسيويون يأتي نتيجة لتأكيد 

الشرق الآسيوي الجماعية بدلا من الفردية.
يقول رئيس وزراء ماليزيا إن أخلاقيات العمل السائدة في الشرق الآسيوي تتكون في الأساس من الانضباط والإخلاص 

والعمل الجاد وهي تمثل القوة الدافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي وهي نابعة أصلا من الفلسفة التي تعلن إن الجماعة 

والدولة أهم من الفرد.
إن الرخاء الاقتصادي الذي تشهده دول شرق آسيا دليل على التفوق الأخلاقي. فالتوكيد الثقافي يتبع النجاح المادي. 

القوة الصلبة تولد القوة اللينة.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 09 فبراير 2019, 10:51 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 9:46 pm

الصحوة الإسلامية
المسلمون بأعدادهم الغفيرة يتوجهون إلى الإسلام كمصدر للهوية والمعنى والاستقرار والشرعية والأمل، ذلك الأمل 


الذي يعبر عنه شعار: "الإسلام هو الحل". هذه الصحوة الإسلامية باتساعها وعمقها هي أحدث مرحلة في تكيف 


الحضارة الإسلامية مع الغرب، وسعي لإيجاد حل ليس في الإيديولوجيات الغربية وإنما في الإسلام وهي تجسد قبول 


الحداثة ورفض الثقافة الغربية والعودة إلى الالتزام بالإسلام كدليل حياة في العالم الحديث. الأصولية الإسلامية التي 


ينظر إليها على إنها الإسلام السياسي ليست سوى إحدى المكونات في عملية الإحياء الواسعة للأفكار والمعتقدات 


والدعوة وإعادة الإخلاص للإسلام الذي تمارسه جماهير المسلمين. أما مؤشرات الصحوة الإسلامية فهي كثيرة ويمكن 


ملاحظتها من خلال الاهتمام المتزايد بالطقوس الدينية ( الذهاب إلى المسجد، الصلاة، الصوم)، نشر البرامج 


والمطبوعات الدينية، تركيز كبير على الملبس والقيم الإسلامية، إعادة الحياة للصوفية، هذا التجديد بقاعدته العريضة 


يصاحبه تأكيد لحضور الإسلام في الحياة العامة ، زيادة في عدد الحكومات والمؤسسات والقوانين والبنوك والخدمات 


الاجتماعية والمؤسسات التعليمية ذات التوجه الإسلامي. الحكومات والحركات المعارضة اتجهت إلى الإسلام لتقوية 


سلطتها وحشد الدعم الجماهيري .... معظم الحكام والحكومات بما فيها الدول الأكثر علمانية مثل تركيا وتونس أصبحت 


على دراية بالقوة المحتملة للإسلام وأظهرت حساسية وقلقا بخصوص القضايا الإسلامية.
التعميمات المطلقة خطرة وخاطئة غالبا. إلا أن إحداها له ما يبرره ، في سنة 1995 كانت كل دولة ذات أغلبية مسلمة 


ما عدا إيران قد أصبحت أكثر إسلاميا وتأسلما ثقافيا، اجتماعيا، وسياسيا عما كانت عليه قبل ذلك بخمسين عاما. 
يقول فؤاد عجمي " في المجتمعات الإسلامية تعد الكتابة عن الليبرالية أو عن تقاليد برجوازية وطنية يعني انك تكتب 


شهادة وفاة أناس اختاروا المستحيل وفشلوا". الفشل العام للديمقراطية والليبرالية في أن تترسخ في المجتمعات 


الإسلامية ظاهرة متكررة ومستمرة على مدى قرن كامل. هذا الفشل له مصدره في جزء منه على الأقل في طبيعة 


الثقافة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الرافضين للقيم الغربية الليبرالية.
في أوقات الحرب الباردة كانت حكومات كثيرة بما فيها تلك في الجزائر وتركيا وأردن ومصر وإسرائيل تشجع وتدعم 


المتأسلمين كإجراء مضاد للحركات الشيوعية أو الحركات الوطنية المعارضة. لهذا فقد نمت قدرة الجماعات المتأسلمة 


في السيطرة على المعارضة وكان يذكي ذلك اغلب الأوقات قمع الحكومات للمعارضة العلمانية. وبصورة عامة كانت 


المعارضة العلمانية في الدول الإسلامية أكثر عرضة للقمع من المعارضة الدينية.
إن الإحياء الإسلامي هو نتيجة انهيار قوة وهيبة الغرب ... فمع فقدانه لسطوته فقدت مثله ومؤسساته بريقها. وبتحديد 


أوضح فان الطفرة النفطية التي حدثت في السبعينيات حفزت على الصحوة الإسلامية وزودتها بالوقود هذه الطفرة 


زادت لدرجة كبيرة من ثروة وقوة كثير من الدول الإسلامية ومكنتها من أن تعكس اتجاه علاقة السيطرة والتبعية التي 


كانت بينها وبين الغرب . الثروة المتحققة من مبيعات النفط استخدمت في عملية الأحياء الإسلامي والثروة الإسلامية 


أدت بالمسلمين إلى أن يتحولوا بسرعة عن الافتنان بالثقافة الغربية إلى الانغماس العميق في ثقافتهم والاستعداد لتوكيد 


مكانة وأهمية الإسلام في الدول غير الإسلامية. ومثلما كان ينظر في السابق إلى الثروة الغربية كدليل على تفوق ثقافة 


الغرب أصبح ينظر إلى الثروة النفطية كدليل على تفوق الإسلام. واليوم يمثل النمو السكاني المتزايد في المجتمعات 


الإسلامية قوة دافعة باستمرار لقوة الإسلام.
الكثرة السكانية تحتاج إلى موارد أكثر ومن هنا فان الناس الذين ينتمون إلى مجتمعات تتزايد أعدادها بكثافة و/ أو 


بسرعة يميلون إلى الاندفاع نحو الخارج، يحتلون أرضا، يبسطون ضغوطهم على المجتمعات الأخرى الأقل نموا من 


الناحية الديموغرافية. وهكذا يكون النمو السكاني الإسلامي عاملا مساعدا ومهما في الصراعات على طول حدود العالم 


الإسلامي بين المسلمين والشعوب الأخرى.
الضغط السكاني المصحوب بالركود الاقتصادي يؤدي إلى هجرة المسلمين إلى المجتمعات الغربية ومجتمعات أخرى 


غير إسلامية ويجعل من الهجرة قضية في تلك المجتمعات.
سياسة الهوية
السياسة الكونية يعاد تشكيلها الآن على امتداد الخطوط الثقافية مدفوعة بالتحديث. الشعوب ذات الثقافات المتشابهة 


تتقارب، والشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة تتباعد. الانحيازات التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى 


الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد 


على الثقافة والحضارة. الحدود السياسية يعاد رسمها لكي تتوافق مع الحدود الثقافية، العرقية، الدينية، والحضارية. 


المجتمعات الثقافية تحل محل تكتلات الحرب الباردة، وخطوط التقسيم الحضاري بين الحضارات تصبح هي خطوط 


الصراع الرئيسية في السياسة العالمية.
أثناء الحرب الباردة كان يمكن أن تكون هناك دولة غير منحازة كما كان عدد كبير بالفعل أو كان بإمكانها كما فعل 


كثيرون أن تغير انحيازها من جانب إلى آخر. كان يمكن لقادة تلك الدول أن يختاروا على ضوء إدراكهم لمصالحهم 


الأمنية وحساباتهم لموازين القوى وخياراتهم الإيديولوجية. ففي العالم الجديد أصبحت الهوية الثقافية هي العامل 


الرئيسي في تحديد صداقات دولة ما وعداواتها. فبينما كانت دولة ما تستطيع أن تتجنب الانحياز أثناء الحرب الباردة إلا 


إنها لا يمكن لها أن تفقد هويتها.
في عالم ما بعد الحرب الباردة يمكن أن يكون الخيار أكثر صعوبة بين طاغية صديق وديمقراطية غير صديق. الافتراض 


الغربي السهل بان الحكومات المنتخبة ديمقراطيا سوف تكون متعاونة وموالية للغرب .. لا نحتاج لان نعتبره صحيحا في 


المجتمعات غير الغربية حيث يمكن أن تأتي الانتخابات إلى السلطة بقوميين وأصوليين معاديين للغرب.
الانتخابات التنافسية في دول عربية كثيرة بما في ذلك السعودية ومصر من المؤكد إنها ستفرز حكومات اقل تعاطفا 


بكثير مع المصالح الغربية عن الحكومات غير الديمقراطية السابقة عليها. 
قادة الغرب يدركون إن العمليات الديمقراطية في المجتمعات غير الغربية غالبا ما تأتي بحكومات غير صديقة فهم 


يحاولون التأثير على تلك الانتخابات كما يفقدون حماسهم كذلك لتنمية الديمقراطية في تلك المجتمعات.
الإسلام والغرب
يقول بعض الغربيين بما فيهم الرئيس كلنتون إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة وإنما المشكلات موجودة فقط 


مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرنا من التاريخ تقول عكس ذلك. العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء 


الأرثوذوكسية أو الغربية كانت عاصفة غالبا. كلاهما كان "الآخر" بالنسبة إلى للآخر. صراع القرن العشرين بين 


الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر بين 


الإسلام والمسيحية. أحيانا كان التعايش السلمي يسود، غالبا كانت العلاقة علاقة تنافس واسع مع درجات مختلفة من 


الحرب الباردة. عبر القرون كانت خطوط العقيدتين تصعد وتهبط في تتابع من نوبات انبعاث مهمة، فوقفات، وانتكاسات. 


الاكتساح العربي الإسلامي في اتجاه الخارج من بداية القرن السابع إلى منتصف القرن الثامن أقام حكما إسلاميا في 


شمال إفريقيا وايبريا والشرق الأوسط وفارس وشمال الهند، ولمدة قرنين تقريبا كانت خطوط التقسيم بين الإسلام 


والمسيحية مستقرة. بعد ذلك في أواخر القرن الحادي عشر أكد المسيحيون سيطرتهم على البحر المتوسط الغربي، 


غزوا صقلية واستولوا على طليطلة، بدأت المسيحية الحملات الصليبية ولمدة قرن ونصف القرن حاول الحكام 


المسيحيون مع نجاح متناقص أن يقيموا حكما مسيحيا في الأرض المقدسة والمناطق المجاورة في الشرق الأدنى، 


وخسروا آخر موضع لقدم هناك في عام 1291 في نفس الوقت كان الأتراك العثمانيون قد ظهروا على المسرح. 


اضعفوا بيزنطة في البداية ثم غزوا معظم البلقان بالإضافة إلى شمال إفريقيا واستولوا على القسطنطينية في عام 1453 


وحاصروا فيينا في 1529 . ويلاحظ"برنارد لويس" لمدة ما يقرب من ألف سنة منذ أول رسو موريسكي في اسبانيا 


وحتى الحصار التركي الثاني لـ "فيينا" كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من الإسلام". الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي 


جعلت بقاء الغرب موضع شك وقد فعل ذلك مرتين على الأقل.
وبحلول القرن الخامس عشر بدأ المد ينقلب المسيحيون بالتدريج استعادوا أيبريا مكملين المهمة حتى غرناطة في عام 


1492 في نفس الوقت مكنت الابتكارات الأوروبية في الملاحة البحرية البرتغاليين ثم غيرهم من تطويق الأراضي 


الإسلامية وشق طريقهم في المحيط الهندي وما وراءه وفي نفس الوقت كان الروس قد انهوا قرنين من حكم التتار. 


العثمانيون وبالتالي قاموا باندفاعة أخيرة إلى الأمام ليحاصروا فيينا مرة ثانية في عام 1683.
فشلهم هناك كان بداية تراجع طويل متضمنا كفاح الشعوب الأرثوذوكسية في البلقان لتحرير أنفسهم من الحكم العثماني، 


وتوسع إمبراطورية هابسبورج والتقدم الدرامي للروس نحو البلقان والقوقاز. 
بانتهاء الحرب العالمية الأولى أطلقت بريطانيا وفرنسا وايطاليا رصاصة الرحمة وأقاموا حكمهم المباشر أو غير 


المباشر على الأراضي العثمانية الباقية ما عدا مساحة الجمهورية التركية. وبحلول سنة 1920 لم يكن هناك سوى 


أربعة دول مستقلة على نحو ما عن الحكم غير الإسلامي وهي تركيا، السعودية، إيران، وأفغانستان.
أسباب الصراع بين المسيحية والإسلام لا تكمن في ظاهرة انتقالية مثل العاطفة المسيحية في القرن الثاني عشر أو 


الأصولية الإسلامية في القرن العشرين أنها تتدفق من طبيعة الديانتين والحضارتين المؤسستين عليهما. الصراع كان 


من ناحية نتيجة الاختلاف خاصة مفهوم المسلمين للإسلام كأسلوب حياة متجاوز ويربط بين الدين والسياسة، ضد 


المفهوم المسيحي الغربي الذي يفصل بين مملكة الرب ومملكة قيصر. كما كان الصراع نابعا من أوجه التشابه بينهما. 


كلاهما دين توحيد ويختلف عن الديانات التي تقول بتعدد الآلهة ولا يستطيع أن يستوعب آلهة آخرين بسهولة. وكلاهما 


ينظر إلى العالم نظرة ثنائية "نحن" و "هم". كلاهما يدعو انه العقيدة الصحيحة الوحيدة التي يجب أن يتبعها الجميع. 


كلاهما دين تبشيري يعتقد إن متبعيه عليهم التزام بهداية غير المؤمنين وتحويلهم إلى ذلك الإيمان الصحيح.
الإسلام منذ البداية انتشر بالفتح والمسيحية كانت تفعل نفس الشيء عند توفر الفرصة مفهوما "الجهاد" و "الصليب" 


المتوازيان لا يشبهان بعضهما الآخر فقط وإنما يميزان العقيدتين عن الأديان العالمية الأخرى. 
مستوى الصراع بين الإسلام والمسيحية عبر الزمن كان يتأثر دائما بالنمو الديموغرافي وهبوطه وكذلك بالتطورات 


الاقتصادية والتحول التكنولوجي وشدة الالتزام الديني. انتشار الإسلام في القرن السابع كان مصحوبا بهجرات كثيفة من 


الشعوب العربية لم يسبق لها مثيل من ناحية الحجم والسرعة إلى أراضي الامبراطوريتين البيزنطية والساساني. بعد 


ذلك بقرون قليلة كان الصليبيون إلى حد كبير نتاجا للنمو الاقتصادي والتوسع السكاني في أوروبا القرن الحادي عشر 


والتي جعلت من الممكن تعبئة أعداد كبيرة من الفرسان والفلاحين من اجل المسيرة نحو الأرض المقدسة مما حدا بأحد 


البيزنطيين أن يقول " يبدو الأمر كأن الغرب بأكمله بما فيه من قبائل البربر الذين يعيشون في ما وراء البحر 


الادرياتيكي حتى أعمدة هرقل قد بدأوا هجرة جماعية وحثوا الخطى مسرعين متدفقين باتجاه آسيا في كتلة متراصة 


وبكل أمتعتهم ". 
في القرن التاسع عشر أدى النمو السكاني الهائل إلى انفجار أوروبي مرة أخرى وأخذت اكبر عملية هجرة في التاريخ 


تدفقت في أراضي المسلمين وفي أراضي أخرى.
مجموعة من العوامل زادت من الصراع بين الإسلام والغرب
1. خلف النمو السكاني الإسلامي أعدادا كبيرة من الشبان العاطلين والساخطين الذين أصبحوا مجندين للقضايا 


الإسلامية ويشكلون ضغطا على المجتمعات المجاورة ويهاجرون إلى الغرب.
2. أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنة 


بتلك التي لدى الغرب.
3. جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من اجل الحفاظ على تفوقه العسكري والاقتصادي والتدخل في 


الصراعات في العالم الإسلامي تولد استياء شديدا بين المسلمين.
4. سقوط الشيوعية أزال عدوا مشتركا للغرب والإسلام وترك كلا منهما لكي يصبح الخطر المتصور 


على الآخر.
5. الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساسا بهويته الخاصة وكيف أنها 


مختلفة عن هوية الآخر.
انتهاء الاستعمار الغربي للأراضي وغياب التوسع الإسلامي احدثا نوعا من العزلة الجغرافية لدرجة إن التجاور 


المباشر بين مجتمعات غربية وإسلامية لا يوجد إلا في مناطق قليلة في البلقان. وهكذا فان تركيز الصراع بين الغرب 


والإسلام على الأراضي اقل مما هو على قضايا التداخل الحضاري الأوسع مثل نشر الأسلحة وحقوق الإنسان والتحكم 


في النفط والهجرة وإرهاب الإسلاميين والتدخل الغربي. شدة هذا العداء التاريخي المتزايد كانت أمرا معترفا به قبل 


أبناء المجتمعين في أعقاب الحرب الباردة. 
تأكيد الإسلام مهما كان شكله المذهبي يعني رفض المؤثرات الأوربية والأمريكية على المجتمع المحلي وعلى السياسة 


والأخلاق.
كان زعماء المسلمين في الماضي يقولون لشعوبهم أحيانا " لابد أن نتغرب" ولو قال ذلك أي قائد في الربع الأخير من 


القرن العشرين لابد أن يكون حالة فردية. والحقيقة من الصعب أن تجد عبارات مديح للقيم والمؤسسات الغربية على 


لسان أي مسلم سواء من السياسيين أو الرسميين أو الأكاديميين أو رجال الأعمال. إنهم بدلا من ذلك يؤكدون على 


الاختلافات بين حضارتهم والحضارة الغربية وعلى تفوق ثقافتهم والحاجة إلى الحفاظ على ثبات تلك القيم ضد الهجوم 


الغربي. المسلمون يخشون ويمتعضون من القوة الغربية وما يمثله ذلك من خطر بالنسبة لمجتمعاتهم ومعتقداتهم.
وهم يرون الثقافة الغربية ثقافة مادية فاسدة متفسخة ولا أخلاقية كما يرونها مغوية، ومن هنا يؤكدون أكثر فأكثر على 


الحاجة لمقاومة تأثيرها على أسلوب حياتهم. ويهاجم المسلمون الغرب بدرجة متزايدة لا لان الغرب يتبع دينا غير كامل 


أو خاطئ رغم انه دين كتاب بل يهاجمونه لأنه لا يتبع أي دين بالمرة.
في كتابها الإسلام والديمقراطية تقول فاطمة المرنيسي " الغرب مادي امبريالي والحق أذى بالأمم الأخرى من خلال 


الرعب الكولونيالي، الفردانية، السمة الدامغة للثقافة الغربية هي مصدر كل المتاعب. القوة الغربية مخيفة. الغرب 


منفردا هو الذي يقرر إذا كانت الأقمار الصناعية سوف تستخدم لتعليم العرب أو لإلقاء القنابل عليهم انه يسحق إمكانياتنا 


ويغزو حياتنا بمنتجاته المستوردة وأفلامه المتلفزة التي تغرق موجات الأثير الغرب قوة تسحقنا تحاصر أسواقنا وتتحكم 


في اقل مواردنا ومبادرتنا وقدراتنا هكذا كنا نتخيل موقعنا ثم جاءت حرب الخليج لتحول هذا التخيل إلى يقين.
الغرب يصنع قوته من خلال البحث العسكري ثم يبيع منتجات هذا البحث إلى الدول المتخلفة، " المستهلك السلبي" لها. 


ولكي يحرر نفسه من هذا الخنوع لابد أن يقوم الإسلام بتخريج مهندسيه وعلمائه وصنع أسلحته (سواء النووية أو 


التقليدية ) وتحرير نفسه من الاعتماد العسكري على الغرب. 
الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال مباشرة كانت غربية عموما في إيديولوجيتها وسياستها وموالية للغرب في سياستها 


الخارجية مع استثناءات جذرية مثل الجزائر واندونيسيا، حيث كان الاستقلال نتيجة ثورات وطنية. إلا إن الحكومات 


الموالية للغرب راحت واحد تلو الأخرى تخلي الطريق لحكومات اقل توحدا مع الغرب أو معادية له، في العراق ، ليبيا، 


اليمن، سوريا، إيران، السودان وأفغانستان.
الحليفان الرئيسيان للولايات المتحدة في سنوات الحرب الباردة هما تركيا وباكستان، واقعتان تحت ضغط سياسي 


إسلامي في الداخل وروابطهما مع الغرب عرضة لتوتر متزايد. أصدقاء الغرب المقربون الآن هم إما إنهم مثل الكويت 


والسعودية ومشيخات الخليج المعتمدة على القوة العسكرية الغربية، أو مثل مصر والجزائر يعتمدون عليها اقتصاديا. 


في أواخر الثمانينات انهارت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عندما أصبح واضحا إن الاتحاد السوفيتي لم يعد 


قادرا أو لن يكون قادرا على تقديم العون الاقتصادي والعسكري لهم. وإذا اتضح إن الغرب لن يكون قادرا على 


المحافظة على توابعه من الأنظمة الإسلامية فالمرجح أنهم سيلقون نفس المصير.
العداء الإسلامي المتزايد للغرب يمكن مقارنته بالقلق الغربي المتزايد من "الخطر الإسلامي" المتمثل في التطرف. إنهم 


ينظرون إلى الإسلام كمصدر للانتشار النووي والإرهاب، والى المسلمين كمهاجرين غير مرغوب فيهم في أوروبا. هذه 


المخاوف تشترك فيها الجماهير والقادة.
يزعم القادة الأمريكيون إن المسلمين المتورطين في عمليات إرهابية ضد الغرب قلة صغيرة ترفض أكثرية المسلمين 


المعتدلين سلوكها وقد يكون ذلك صحيحا ولكن لا يوجد دليل يؤيده. الاحتجاجات ضد العنف المعادي للغرب غائبة تماما 


في الدول الإسلامية. الحكومات الإسلامية حتى الحكومات المحصنة الصديقة للغرب والمعتمدة عليه تصمت لدرجة 


مثيرة عندما يكون عليها أن تدين الأعمال الإرهابية ضد الغرب. من الناحية الأخرى نجد إن الحكومات والشعوب 


الأوربية كثيرا ما أيدت ونادرا ما انتقدت الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد خصومها المسلمين بشكل يتناقض 


مع المعارضة الشديدة التي كانوا يبدونها بالنسبة للإجراءات الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة. في 


الصراعات بين الحضارات على خلاف الصراعات الإيديولوجية الأقارب يقفون إلى جانب بعضهم البعض.
المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام فهو حضارة مختلفة شعبها مقتنع بتفوق ثقافته 


وهاجسه ضآلة قوته.
المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزارة الدفاع المشكلة هي الغرب حضارة 


مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته ويعتقد إن قوته المتفوقة تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم. هذه هي 


المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغريب.
يظل السؤال لماذا والقرن العشرون يوشك على الانتهاء نجد المسلمين هم الأكثر تورطا في مزيد من العنف بين 


الجماعات من شعوب الحضارات الأخرى. وهل كانت تلك هي الحال دائما؟. 
يمكن تفسير ذلك بأسباب القرن العشرين التي لم تكن موجودة في القرون السابقة.
1. هناك محاجة إن الإسلام كان دينا للسيف منذ البداية، وانه يمجد فضائله القتالية. الإسلام نشأ بين "قبائل بدوية رحل 


متناحرة" هذه النشأة مطبوعة في أساس الإسلام. يذكر عن محمد (ص) انه كان مقاتلا عنيفا وقائدا عسكريا ماهرا. لا 


احد يستطيع أن يقول ذلك عن المسيح أو عن بوذا. تعاليم الإسلام تنادي بقتال غير المؤمنين به. وعندما تراجع التوسع 


الأول للإسلام كانت الجماعات الإسلامية على عكس ما تقول به التعاليم تحارب بعضها البعض. القران وغيره من 


الإفادات في المعتقدات الإسلامية يحوي القليل مما يحض على تحريم العنف، كما إن مفهوم اللاعنف غائب الفكر 


والممارسة الإسلاميين.
2. منذ نشأته في الجزيرة العربية فان انتشار الإسلام عبر شمال إفريقيا ومعظم الشرق الأوسط وفيما بعد 


إلى آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والبلقان، وضع المسلمين في احتكاك مباشر مع شعوب مختلفة شتى هزمت 


وتحولت ويظل ميراث هذه العملية موجودا بها. في أعقاب الفتوحات الإسلامية في البلقان تحول السلافيون الشماليون 


المدنيون غالبا إلى الإسلام بينما لم يتحول فلاحو الريف وهكذا ولد التمييز بين مسلمي البوسنة والصرب الارثوذوكس 


وبالعكس فان توسيع الإمبراطورية الروسية إلى البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى وضعها في صراع مستمر العداء 


مع شعوب إسلامية مختلفة. رعاية الغرب في قمة قوته في مواجهة الإسلام لوطن يهودي في الشرق الأوسط وضعت 


الأساس لعداء عربي إسرائيلي مستمر. التوسع الإسلامي وغير الإسلامي عن طريق البر نتج عنه معيشة المسلمين 


وغير المسلمين في تقارب فيزيائي وثيق في اوراسيا. على العكس من ذلك توسع الغرب عن طريق البحر لم يؤد إلى 


معيشة الشعوب الغربية في تقارب مكاني مع شعوب غير غربية.
3. مصدر ثالث ممكن للصراع بين المسلمين وغير المسلمين يتضمن ما يقوله رجل دولة بالإشارة إلى 


بلاده ويسميه "عدم القابلية للهضم لدى المسلمين". الدول الإسلامية لها مشكلات مع الأقليات غير الإسلامية تشبه تلك 


التي عند غير الإسلامية بالنسبة للأقليات المسلمة. "الإسلام عقيدة استبدادية أكثر من المسيحية".
4. النزعة القتالية، عدم القابلية للهضم ولفكرة القرب من جماعات غير إسلامية كل ذلك ملامح مستمرة 


للإسلام ويمكن أن تفسر الميل الإسلامي للصراع عبر التاريخ.
5. غياب دولة مركز في الإسلام يجعل صعوبة السيطرة على الصراعات داخل وخارج المجتمع 


الإسلامي. الإسلام مصدر عدم استقرار لأنه ينقصه وجود مركز مسيطر.
6. الانفجار الديموغرافي في المجتمعات الإسلامية ووجود أعداد كبيرة من الشباب الذكور بين 15 ـ 30 


سنة والعاطلين غالبا عن العمل. هذه البطالة مصدر طبيعي لعدم الاستقرار والعنف سواء داخل الإسلام أو ضد غير 


المسلمين. 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:25 pm

قراءة نقدية في كتاب -صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي-
صلاح عبد العاطي

تمهيد:
يعد كتاب صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، لمؤلفه صموئيل هنتنغتون، الصادر في سنة 1996 ، تطويراً لمقاله لذات الكاتب التي نشرها في مجلة (Foreign Affairs, Summer, 1993) تحت

عنوان صدام الحضارات، وحسب ما جاء في الكتاب فإن المؤلف تجاوز المثالب والسلبيات التي تعاني منها تلك المقالة.
في هذا الكتاب يقول المؤلف بأنه يقدم العديد من البراهين والأدلة لتأييد أفكاره النظرية، ويغطي الكثير من الموضوعات والقضايا التي تم التطرق إليها بشكل يسر في المقالة المذكورة.
وهنتنغتون أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد وهو من أشهر المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأمريكية
وفي كتابه "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" يطرح أفكاراً نظرية في هذا السياق ثم يقدم العديد من

البراهين والأدلة لتأييد أفكاره النظرية تلك، وهو بالإضافة إلى ذلك يغطي الكثير من الموضوعات والقضايا التي تطرق إليها وهذه تشمل: فكرة الحضارات، إشكاليتها حضارة إنسانية أو كونية، العلاقة بين القوة والثقافة، توازن القوة المتغيرة بين الحضارات، والتأصيل الثقافي في المجتمعات غير الغربية والتركيب السياسي للحضارات، الصراعات التي ولدتها العالمية الغربية، الأصولية الإسلامية، وإعادة تأكيد الصينية، ردود الفعل لنهوض القوى الصينية، أسباب وديناميات حروب خط الصدع (بين الحضارات) ومستقبل الغرب وعالم الحضارات.

عرض الكتاب:
الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب هي أن الثقافة أو الهوية الثقافية، والتي في أوسع معانيها تعني الهوية الحضارية، هي التي تشكل نماذج التماسك والتفكك والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة.
وعلى هذا تكون الكتاب من خمسة أجزاء تحتوي على 12 فصلاً، وهذه الأجزاء الخمسة هي عبارة عن توسع وتطوير نتائج ذلك الافتراض الرئيس:
الجزء الأول: يرى المؤلف بأنه ولأول مرة في التاريخ فإن السياسة العالمية هي في آن واحد متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات وأن التحديث مختلف عن الغربنة.
الجزء الثاني: يتحدث عن توازن القوى بين الحضارات الآخذ في التغير؛ فالغرب يتقهقر في نفوذه النسبي، والحضارات الآسيوية تقوم بتوسيع قواها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، والإسلام يتفجر سكانياً مصحوباً بنتائج عدم الاستقرار للدول الإسلامية وجاراتها والحضارات غير الغربية بشكل عام، وهي الآن تؤكد مرة أخرى قيمة ثقافاتها .
وفي الجزء الثالث: تحدث هنتنغتون عن انبثاق النطاق العالمي الذي أساسه التنوع الحضاري. فهناك مجتمعات تتقاسم روابط ثقافية تتعاون مع بعضها البعض، والدول تجمع نفسها حول الدول الأساسية أو الرائدة أو الكبرى من نفس حضارتها.
ويؤكد المؤلف في الجزء الرابع : على دعاوي العالمية والإنسانية التي يطرحها الغرب والتي تضعه بشكل متزايد في صراع مع الحضارات الأخرى، وبشكل أكثر خطورة مع الإسلام والصين، وعلى المستوى الإقليمي حروب خطوط الصدع والتي تقع بشكل رئيسي بين المسلمين وغير المسلمين تؤكد الحشود التي تؤيدها دولة تشاطرها حضارتها، وتهدد بتوسع حدود الصراع، وبالتالي تبذل الدول الكبرى مجهوداً من أجل إنهاء هذه الحروب.
وفي الجزء الخامس والأخير: يؤكد هنتنغتون على أن استمرار حياة الغرب تعتمد على الأمريكيين وهم بعيدون تأكيد هويتهم الغربية وعلى سكان العالم الغربي وقد هيأوا حضاراتهم على أنها متميزة وليست عالمية، وقد اتحدوا لغرض تجديدها وصيانتها ضد التحديات من المجتمعات غير الغربية.
هذا وقد شغل كتاب صدام الحضارات الجماهير والمثقفين منذ أكثر من عشر سنوات، فكتبت تعليقات ضد صاحب

أطروحة صدام الحضارات برفضها، ومنها ما يؤيدها بصورة صريحة أو ضمنية ومنها من يقترح بديلاً عنها حوار

الحضارات، وبما أن العرب من أكثر المستهدفين في هذا العالم الجديد، ولنشر الوعي بهذه الأطروحة الخطيرة التي بات تؤثر علي مسار الإحداث في العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط.
فقد جري من طرفنا إعادة قراءتها بهدف تحليل مضمونها، ودلالاتها بالنسبة للعالم والوطن العربي وتداعياتها المختلفة،

وخاصة أن هذه الأطروحة تؤدي وظائف متعددة في المنظومة الأيديولوجية الأمريكية والغربية عموما، ولقد تم الاستعانة من طرفنا بعدد من القراءات السابقة لها أهمها: قراءة ادوارد سعيد والتي نشرتها مجلة الكرمل الثقافية، وقراءة محمد عابد الجابري للأطروحة في كتابة وجهة نظر في القضايا المعاصرة وعدد من القراءات والتي استفدنا منها في نقدنا للكتاب مع تبين وجهة نظرنا لفي الكتاب بعد إن نوضح المنطلقات الفكرية والسياسية لخطاب صدام الحضارات والآليات التي يعتمد عليها في طرح المفاهيم وفي إقناع الآخرين واكتساب المؤيدين، ثم قمنا بعملية قياس لتبعات هذا الكتاب ونظريته عالميا وعلي المجتمع العربي.


قراءة نقدية في الكتاب:
اجتهد هنتنجتون لصياغة رؤية تفسيرية، بالاستناد إلى مجريات الواقع الحضاري الذي يعيشه العالم، وبما أن كل رؤية تفسيرية تنطلق من ثابت منطقي ووجدي أحياناً، فإن هنتنجتون يعتمد مقولة الصدام، كتعبير عن لحظة الصراع الذي يجري وسيستمر في أرض الواقع، لكي تكون هذه المقولة ذات دلالات عامة وشمولية فإنه يحقنها بقوة دلالية مضافة لتصبح أكثر تعبيراً عن جوهرية هذا الصدام، واتساع شموليته، فمن الصدام الحضاري إلى الصدام الكوني، ومن الصدام الجزئي، بين طرفين أو ثلاثة إلى صدام كلي تشترك فيه مجمل القوى البشرية بمختلف تشكيلاتها.
وكما هو معتاد، فإن أي مفهوم إجرائي لابد أن يشتغل في مجال ما وإلا ظل سابحاً في فضاء معطل، فالتعبير يجري ضمن مجال، فأما أن يصل إلى التطابق بين إرادة التغيير، أو يصل إلى حالة الصدام والتنافر بين الإرادات المضادة،

والمجال الذي يفترض فيه هنتنجتون (التغيير والصدام) هو مجال (الحضارات) فالتغيير يجري في وضعية الحضارات، والصدام سيكون فيما بينها، وهنا إقصاء لرؤية الانسجام والتوائم الحضاري، وإنزال التصادم والتنافر إلى حيزات الواقع الفعلي.
فالمفاهيم الواردة في الكتاب تتمفصل في خمسة محاور أساسية: مفهوم الحضارات، مسألة الحضارة الكونية، العلاقة
بين القوة والثقافة، ميزان القوى المتغير بين الحضارات، التأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية

للحضارات، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب، العسكرية الإسلامية، التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية،


أسباب حروب خطوط التقسيم الحضاري والعوامل المحركة لها ومستقبل الغرب وحضارات العالم فهي:

1 ـ لأول مرة في التاريخ نجد (الثقافة الكونية) متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات، التحديث مختلف بدرجة بينة عن التغريب، ولا يُنتج حضارة كونية بأي معنى، ولا يؤدي إلى تغريب المجتمعات غير الغربية.

2 ـ ميزان القوى بين الحضارات يتغيرن الغرب يتدهور في تأثيره النسبي، الحضارات الآسيوية تبسط قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، الإسلام ينفجر سكانياً مع ما ينتج عن ذلك من عدم استقرار بالنسبة للدول الإسلامية وجيرانها، والحضارات غير الغربية عموماً تُعيد تأكيد ثقافتها الخاصة.

3 ـ نظام عالمي قائم على الحضارة يخرج إلى حيز الوجود، المجتمعات التي تشترك في علاقات قربى ثقافية تتعاون معاً، الجهود المبذولة لتحويل المجتمعات من حضارة إلى أخرى فاشلة، الدول تتجمع حول دولة المركز أو دولة القيادة في حضارتها.

4 ـ مزاعم الغرب في العالمية تضعه بشكل متزايد في (صراع مع الحضارات الأخرى) وأخطرها مع (الإسلام

والصين)، وعلى المستوى المحلي، فإن حروب خطوط التقسيم الحضاري، وبخاصة بين المسلمين وغير المسلمين، ينتج عنها (تجمع الدول المتقاربة)، وخطر التصعيد على نطاق واسع، وبالتالي جهود من دول المركز لإيقاف تلك الحروب.

5ـ إن بقاء الغرب يتوقف على الأمريكيين بتأكيدهم على (الهوية الغربية)، وعلى الغربيين عندما يقبلون حضارتهم
كحضارة (فريدة)، وليست عامة، ويتحدون من أجل تجديدها، والحفاظ عليها ضد التحديات القادمة من المجتمعات غير الغربية، إن تجنب حرب حضارات كونية يتوقف على قبول قادة العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية وتعاونهم للحفاظ عليها.

تُشير هذه المحاور إلى إن عالم ما بعد الحرب الباردة متعدد الأقطاب، يفتقر إلى تقسيم واحد ومحدد، كالذي كان أثناء الحرب الباردة، هذه الأقطاب هي (الحضارات) التي يتكون منها العالم، وهي: الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، الغربية، الأفريقية وأمريكا اللاتينية، وما يحكم العلاقات بين هذه الحضارات هو (الصدام)، هذا الصدام ينطلق ويعود بالاستناد إلى (الثقافة) أو إلى (الهوية)، ذلك ((إن الثقافة أو الهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام، هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة .. ))
على أن العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات وتقاربات الدول، ونلاحظ إن أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة، والصراعات الأكثر ترجيحاً أن تمتد إلى حروب أوسع، هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة إلى أخرى، والقضايا السياسية على أجندة العالم تتضمن (الاختلافات بين الحضارات)، والقوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير العربية، والسياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
إن رؤية هنتنجتون تتقاطع هنا كلياً مع رؤية (فرانسيس فوكوياما)، الباحث الأمريكي الجنسية الياباني الأصل، والذي قال: بأن انهيار القطبية الثنائية بانهيار الاتحاد السوفيتي، كإطار للشيوعية، أدى إلى انفراد الرأسمالية والليبرالية الغربية بالعالم وهو ما يمثل نهاية التاريخ، أو بتعبيره حالياً نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنسانية.
فالتغير في مسار التاريخ والتغيرات المتلاحقة خلال ربع قرن لم تؤد إلى حالة من الانسجام أو التوافق الواحدي

الاتجاه، بل على العكس من ذلك، أخذت تُشطي هذه القطبية المنفردة إلى أقطاب أخرى، فالصراع خرج من مجال ضيق بين نظامين هيمناً على البشرية خلال خمسة وسبعين عاماً إلى مجال أنظمة متعددة ومختلفة، ومن دائرة عقائدية ممنطقة ومُعقلنة إلى مجال أنظمة وجودية فكرية ترتبط بمفاهيم مؤصلة في الذات البشرية، ذات ارتباط معيوش لا يكاد ينفصل انفصالاً كلياً عن الوجود البشري في ظهوره الشخصي مثل: العرق، الدم، الطائفة، الدين، العقيدة، التقاليد، وهي ومفاهيم تُمثل: قوى للصدام، أو هويات ثقافية أو حضارية، مؤهلة للتنازع والصدام والتصارع بها بين التعدديات الحضارية، أو القُطبيات المختلفة.

الصراع الجديد إذن صراع هويات ثقافية أو حضارية وهو الذي سيحكم العلاقات بين البشر، وفي الم يُوصف بأنه مائع ترى الناس (يبحثون عن الهوية والأمان، وعن جذور وصلات لحماية أنفسهم من المجهول)، ومع نهاية الحرب الباردة بدأت الدول في أنحاء العالم تتلمس الطريق نحو التجمع، وتجد هذه التجمعات مع دول لها نفس الثقافة ونفس الحضارة، بمعنى إن السياسة الكونية يعاد تشكيلها الآن على امتداد الخطوط الثقافية، الشعوب ذات الثقافات المتشابهة تتقارب والشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة تتباعد، الإنحيازات التي تعتمد على الأيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الثقافة والحضارة، والحدود السياسية يُعاد رسمها لكي تتوافق مع الحدود الثقافية والعرقية والدينية والحضارية، المجتمعات الثقافية تحل محل تكتلات الحرب الباردة، وخطوط التقسيم بين الحضارات تصبح هي خطوط الصراع الرئيسية في السياسة العالمية.

إن إرادة البحث عن هوية والعودة إلى فيافيها، رغبة أفرزتها متغيرات العصر، ويلاحظ (هنتنجتون) أكثر من ذلك، فلقد
شهدت مرحلة التسعينات انفجار (أزمة هوية كونية)، فأينما تنظر تجد الناس يتساءلون: (من نحن)؟، (لمن ننتمي)؟، (
من هو الآخر)؟ وهي أسئلة مركزية، ليس فقط للشعوب التي تحاول أن تصوغ دولاً قوية جديدة، كما في يوغسلافيا
السابقة، إنما على المستوى العام، هذه الأسئلة أثارت لدى الباحث أسئلة أخرى، الإجابة عنها تقتضي النظر إلى الوقائع
في كليتها وشموليتها، فلماذا تُسهل العوامل الثقافية المشتركة من عملية التعاون والتلاحم بين الناس؟، هذا السؤال الذي
يطره هنتنجتون يريد به التوصل إلى تفسير لأسباب تركز العلاقات بين البشر على أساس مبدأ أو مرجعية، ولغرض
الإجابة عن هذا السؤال يرى:

1 ـ يوجد لدى كل الأفراد هويات متعددة، قد تتنافس مع بعضها، وقد تقوي من بعضها البعض، القرابة، المهنة،
المؤسسة، الإقليم، التعليم، الحزب، الأيديولوجيا .. الخ.
2 ـ البروز المتزايد للهوية الثقافية على (المستويات الدنيا) قد يقوى بروزها على (المستويات العليا).
3 ـ الصراعات بين الجماعات الثقافية تتزايد أهميتها والحضارات هي الكيانات الثقافية الأوسع.
4 ـ البروز المتزايد (للهوية الثقافية) دفع القدرات الرائدة وقوة المجتمعات غير الغربية إلى إعادة تنشيط الهويات
والثقافات الأصلية.
5 ـ أدى التحسن الذي حدث في مجالات الانتقال والاتصال إلى تفاعلات وعلاقات أكثر تكراراً واتساعاً وتناسقاً وشمولاً
بين شعوب من حضارات مختلفة، ولذلك أصبحت هوياتهم الحضارية أكثر بروزاً.
6 ـ إن مصادر الصراع بين الدول والجماعات التي تنتمي إلى حضارات مختلفة كانت دائماً تولد صراعاً بين الجماعات
كالسيطرة على الناس، الأرض الثروة، القوة، النسبية، أي القدرة على فرض القيم والثقافة والمؤسسات الخاصة على
جماعة أخرى.
7 ـ الهوية على المستوى الشخصي، القَبَلي، العرقي، الحضاري، يمكن أن تعرف فقط في علاقتها بـ ((الآخر)) شخصاً
آخر، قبيلة أخرى، جنساً آخر، حضارة أخرى.
8 ـ كلية وجود الصراع، فالكره شيء إنساني، ولتعريف النفس ودفعها يحتاج الناس إلى أعداء، منافسين في العمل،
خصوماً في الإنجاز وفي السياسة، ومن الطبيعي أن لا يثق الناس في المختلفين عنهم ومَن لديهم القدرة على إلحاق
الضرر بهم، بل يرونهم خطراً عليهم، حل صراع ما أو اختفاء عدو ما، يولد قوى شخصية واجتماعية وسياسية تؤدي
إلى نشوء صراعات جديدة أو أعداء جُدد، نزعة الـ ((نحن)) والـ ((هم)) عامة تقريباً في السياسة، والـ ((هم)) في
العالم المعاصر، وعلى نحو متزايد هم أُناس ينتمون إلى حضارة أخرى.

من كل هذا نلاحظ أن (هنتنجتون) لا يرى في انتهاء الحرب الباردة نهاية للتعدد، والانسجام والانفراد المتوقع بالكون
محض وهم، التعدد وتأصيله في الكون البشري أصبح أكثر حقيقية وواقعية من ذي قبل، والحاجة إلى الذات والهوية
والأصل والعرق والمجال المحدد أمست حاجة وجودية، لكنها تتركز في عالم اليوم بالهوية الحضارية، هذا الثابت هو
أساس وجوهر الصراع والتنافس في حياتنا المعاصرة، والنزوع إلى الاختلاف بالطبع لا يلغي النزوع إلى التوحد
والتوافق والانسجام.
ويرجح هنتنجتون الرأي بأن (أواخر القرن العشرين شهد انبعاثاً أو صحوة دينية في أنحاء العالم، وأدى ذلك إلى تقوية
الاختلافات بين الأديان. ونظرته إلى المستقبل تُرجح انتصار الإسلام على المدى الطويل، فالمسيحية تنتشر أساساً عن
طريق التحول، الإسلام ينشر عن طريق التحول والتناسل ونسبة المسيحيين في العالم ارتفعت إلى 30% في الثمانينات
ثم استقرت وهي الآن تنخفض، وقد تصل إلى 25% من سكان العالم بحلول عام 2025م ونتيجة لمعدل الزيادة السكانية
المرتفع جداً، فإن مسلمي العالم سيستمرون في الزيادة الكبيرة التي قد تصل إلى نسبة 20% من سكان العالم مع نهاية
القرن الحالي وتفوق عدد المسيحيين بعد سنوات قليلة وربما تصل إلى نسبة 20% من سكان العالم بحدود سنة 2000).
إن عملية التأصيل الكونية هذه تتجلى بشكل واضح في الإحياء الديني الذي يجري في أجزاء كثيرة من العالم، خاصة
ذلك الانبعاث الثقافي في الدول الآسيوية والإسلامية الناجم عن نشاطها الثقافي ونموها الديمغرافي، وتتبع هذه الصحوة
في الجمهوريات الإسلامية كونها (رد فعل ضد العلمانية والنسبية الأخلاقية والانغماس الذاتي وإعادة تأكيد لقيم الانضباط
والعمل والعون المتبادل والتضامن الإنساني، وهذا يعني على حد تعبير (وليم ماكنيل) حين يقول: إن إعادة تأكيد الإسلام
مهما كان شكله الطائفي، يعني رفض النفوذ الأوروبي الأمريكي على المجتمع والسياسة والقيم المحلية، وهذا يؤشر
على أن (صحوة الأديان غير الغربية هي أقوى مظاهر معاداة التغريب في المجتمعات غير الغربية، لكن الصحوة هنا
ليست رفضاً للحداثة بل هي رفض للغرب والثقافة العلمانية النسبية المتفسخة المرتبطة به.
فالكتاب يرصد الصراع بين الاسلام والمسيحية على مدى قرون عديدة عبر التاريخ ويعالج الصحوة الاسلامية الحالية
من جيش محمد في أندونسيا الى نيجيريا الى الشيشان الى البلدان العربية ويحذر الغرب من التدخل بشؤون المسلمين
على طريقة أمريكا والتي ستدفع نحوالصدام, وهو ما قرأه هينكتون, حيث وقع الصدام في قلب أمريكا أوائل هذا القرن
بعد سنوات معدودة من صدور كتابه، وان كنت أختلف مع الكاتب في رويته لحركة التاريخ ودوافعها وأسبابها , فما زال
السبب الجوهري فيها من وجهة نظري هو الصراع الطبقي الذي ينكره هينكتون والذي يتمظهر على السطح بأشكال عدة
تختلف باختلاف الزمان والمكان ، ولكنني لا أرى أن قابلة المجتمع الجديد هو العنف الثوري , بل هو الوعي الذي يفعل
فعله في عصرنا الحالي كما فعل الرصاص في الماضي. وهنا أهمية الكتاب وقيمته عندي .
أن حضارات الجنس البشري بهوياتها الثقافية المتعددة تشترك جميعها في جانب إيجابي ، جانب الدعوة لاحترام الانسان
وحقوقه , جانب رفض الجريمة والظلم والشر , جانب عدم قتل النفس البريئة ...الخ هذا الجانب الذي تجلت ثماره في
الغرب وفي أمريكا بمظاهرات عارمة بلغ طولها عدة كيلو مترات وعددها فاق الملايين والتي قالت لا للحرب على
العراق وكان العديد من شعاراتها داخل أمريكا معبر حدا . فالبديل عن الصراع " نظام قائم على الحوار بين الحضارات
وعدم التدخل بشؤونها الداخلية.
وعلى هذا الأساس تُعد، الصحوة الثقافية والاجتماعية والسياسية العامة للإسلام اليوم التحدي الإسلامي الجديد،
والحضارة الإسلامية تُعبر عن ثقتها بنفسها في تحدي الغرب بالاستناد إلى التعبئة الاجتماعية والنمو السكاني، هذا
التحدي له آثاره على (عدم استقرار السياسة العالمية في القرن القادم).
يستقرأ (هنتنجتون) واقع حال هذه الأصولية ومُعطياتها، فقد 0لمست الصحوة كل مجتمع في العالم تقريباً، مع بداية
السبعينات اكتسبت الرموز والمعتقدات والمبادئ والممارسات والسياسات والتنظيمات الإسلامية التزاماً متزايداً ودعماً
في كل أنحاء العالم المكون من بليون مسلم والممتد من المغرب العربي إلى أندونيسيان ومن نجيريا إلى كازخستان، وقد
اتخذت عملية بعث الروح في الأسلمة طريقها إلى الظهور من خلال ثلاث فئات، شأنها في ذلك شأن الحركات الثورية،
وهي:
1 ـ الفئة الأولى: وتتكون من الطلاب والمثقفين الذين اجتاحا الاتحادات الطلابية، ثم الاختراق الإسلامي للجامعات في
مصر والباكستان وأفغانستان وطلاب المعاهد الفنية وكليات الهندسة، ثم جيل التأصيل الثاني الذي عبر عن نمط جديد من
الأسلمة في السعودية والجزائر. 2 ـ الفئة الثانية: جاءت من القطاعات الأكثر تقدماص في الطبقة المتوسطة كالأطباء
والمحامين والمدرسين والموظفين في الدولة.
3 ـ الفئة الثالثة: من جماهير الإسلام الثوري كما يقول (روي): هم نتاج المجتمع الحديث القادمون الجدد إلى المدينة،
ملايين الفلاحين الذين ضاعفوا وضاعفوا من عدد سكان المدن الإسلامية الكبرى، وهذا برأي هنتنجتون، استخلاص
نظري، فالمهاجرون من المزارع والمكدسون في الأحياء العشوائية والحقيرة من المدن كانوا دائماً في حاجة إلى
الخدمات الاجتماعية التي توفرها لهم المنظمات والمؤسسات الإسلامية وكانوا هم المستفيدين منها.
ومن ناحية ترتبط الصحوة الإسلامية بوضعية الحكومات الإسلامية فالعلاقة متداخلة ويحاول (هنتنجتون) استقراء
مؤشراتها، فالحكومات التي تُمارس الحكم من منظور إسلامي عملياً هي قليلة في الآفاق الإسلامية، هناك إيران
والسودان ودول الخليج العربي فضلاً عن دول أخرى خارج هذه الأطر الجغرافية، في السبعينات والثمانينات كان
الصراع قائماً بين فكرة الديمقراطية الليبرالية والاتجاهات الإسلامية، لكن الحركات المتأسلمة تكتسب قوة في البلاد
الإسلامية، التأسلم كان هو البديل العملي للمعارضة الديمقراطية للسلطوية في المجتمعات المسيحية، هذه الحركات
إحتكرت غالباً عملية المعارضة للحكومات في الدول الإسلامية، ومن منظور (هنتنجتون) كانت قوة هذه الحركات تعود
في جزء منها إلى ضعف مصادر المعارضة البديلة، والحركات اليسارية والشيوعية فقدت مصداقيتها ثم قل شأنها لدرجة
كبيرة بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي والشيوعية العالمية، جماعات المعارضة الديمقراطية الليبرالية كانت موجودة في
معظم المجتمعات الإسلامية لكنها كانت تقتصر عادة على أعداد محدودة من المثقفين وغيرهم من ذوي الارتباطات أو
الجذور الغربية ومع إستثناءات قليلة كان الديمقراطيون الليبراليون عاجزين عن كسب الدعم الشعبي في المجتمعات
الإسلامية، بل حتى الليبرالية الإسلامية فشلت في تكوين جذورها.

وبالمقارنة مع الأحزاب الديمقراطية فإن القوة الأصولية تنوعت عكسياً مع هذه الأحزاب، ومنها العلمانية والوطنية، هذه
الأخيرة تبدو بلا قناع بينما الحركات الأصولية لديها غطاء شعبي واسع، فضلاً عن المؤسسات التي تدعمها .. ، وقوة
الصحوة وجاذبية التأسلم أدتا إلى تبني الحكومات للممارسات الدينية ودمج رموزها في أنظمتها، وهو الأمر الذي يعني
إعادة تأكيد الشخصية الإسلامية للدولة والمجتمع.
ومن وجهة نظر هنتنجتون هناك أسباباً لتعاظم القوة الإسلامية في مرحلة السبعينات والثمانينات ومنها، وهو الأهم،
الطفرة النفطية التي حدثت في السبعينات حيث حفزت الصحوة الإسلامية وزدتها بالوقود، هذه الطفرة زادت لدرجة
كبيرة من ثروة وقوة كثير من الدول الإسلامية ومكنتها من أن تعكس اتجاه علاقة السيطرة والتبعية التي كانت بينها
وبين الغرب.
الصراع إذن حقيقة موضوعية عامة بين الشعوب، وأسباب(الصراع المتجددة بين الإسلام والغرب توجد في الأسئلة
الأساسية للقوة والثقافة، مَن الفاعل ومَن المفعول به .. ، مَن الذي يجب أن يحكم، ومَن الذي يجب أن يكون محكوماً؟ ..
)، وبما أن النم السكاني والثراء الاقتصادي يمثلان قوة أساسية عبر التاريخ، فإن(مستوى الصراع العنيف بين الإسلام
والمسيحية، عبر الزمن كان يتأثر دائماً بالنمو الديمغرافي هبوطه، كذلك بالتطورات الاقتصادية والتحول التكنولوجي
وشدة الإلتزام الديني، والعلاقات بين الإسلام والمسيحية، سواء الأرثوذكسية أو غيرها، كانت عاصفة غالباً، كلاهما كان
(الآخر) بالنسب للآخر، وصراع القرن العشرين بين الديمقراطية والليبرالية والماركسية واللينينية ليس سوى ظاهرة
سطحية وزائلة إذا ما قُرون بعلاقة الصراع المستمر بين الإسلام والمسيحية، أحياناً كان التعايش السلمي يسود، غالباً
كانت العلاقة علاقة تنافس واسع مع درجات مختلفة من الحرب الباردة وهذا يعني إن (الإسلام ه الحضارة الوحيدة التي
جعلت بقاء الغرب موضع شك .. ).
وعلى مدى القرون الماضية كان الصراع بين الإسلام والغرب يتركز في مظاهر أو ظواهر تطلع إلى الواجهة دون
غيرها، وفي أواخر هذا القرن كانت الصحوة الإسلامية، ولكن وراء هذه الظاهرة أسباباً أو عوامل متشابهة كما يرى (
هنتنجتون) زادت من حدة الصراع بين الإسلام والغرب ومنها:
1 ـ خلف النمو السكاني الإسلامي أعداداً كبير من الشبان العاطلين والساخطين الذين اصبحوا مجندين للقضايا
الإسلامية ويشكلون ضغطاً على المجتمعات المجاورة، كهجرة الشبان المسلمين إلى دول الغرب.
2 ـ أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
3 ـ كذلك جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من أجل الحفاظ على تفوقه العسكري والاقتصادي والتدخل في
الصراعات داخل العالم الإسلامي ولدت إستياءً شديداً بين المسلمين من الغرب.
4 ـ سقوط الشيوعية أزال عدواً مشتركاً للغرب والإسلام وترك كلاً منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر.
5 ـ الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساساً بهويته الخاصة وكيف إنها
مختلفة عن هوية الآخر، وهو ما يفاقم الخلافات حول حقوق أبناء حضارة في دولة يُسيطر عليها أبناء حضارة أخرى،
في الثمانينات والتسعينات إنهار بشدة ذلك التسامح بالنسبة للآخر في كل من المجتمعات الإسلامية والمسيحية.

إن هذه العوامل المشتركة، أي القائمة على أساس علائقي، ليست سوى ملامح تحيل إلى التشاؤمية في مستقبل العلاقة
بين الإسلام والغرب، فمن المرجح أن تكون علاقات الغرب بالإسلام متوترة على نحو ثابت وعدائية جداً في معظم الأحوال.
وعلى المدى القادم فإن (العلاقة بين قوة وثقافة الغرب وقوة وثقافة الحضارات الأخرى هي السمة الأكثر ظهوراً في
عالم الحضارات، ومع زيادة القوة النسبية للحضارات الأخرى يقل التوجه نحو الثقافة الغربية وتزداد ثقة الشعوب غير
الغربية بثقافاتها الأصلية والالتزام بها)، لكن الغرب سيُعاني من مشكلات عديدة في هذا الاتجاه، فالمشكلة الرئيسية (في
العلاقات بين الغرب والباقي بالتالي هي التنافر بين جهود الغرب لنشر ثقافة غربية عالمية وانخفاض قدرته على تحقيق
ذلك)، ومن ذلك أيضاُ نُلاحظ مع هنتنجتون إنه (طالما أن الإسلام يظل و (سيظل) كما هو الإسلام، والغرب يظل (وهذا
غير مؤكد) كما هو الغرب فإن الصراع الأساسي بين الحضارتين الكبيرتين وأساليب كل منهما في الحياة سوف يستمر
في تحديد علاقتيهما في المستقبل كما حددها في مدى الأربعة عشر قرناً السابقة). إن هنتنجتون في نظريته (الصدام)
يتوقف عند حدود بروز جهويات الإنسان الجديدة القديمة في نهاية القرن، وهي: العرق والتدين الطائفي وبمستوى أعم
الهوية الثقافية أو الحضارية التي يقودها إلى حيز الصراع أو الصدام عنوة، وذلك بالاستناد إلى وقائع وأحداث إن هي
إلا متغيرات يعدها هنتجتون مؤشرات تغير سيقع في المستقبل وهو الصدام المتوقع بين الغرب وبين الإسلام ضمن
تصور صراعي أو صدامي بين حضارات متعددة هي التي تكوّن عالم اليوم.
إن فكرة (التصادم) إذن قديمة قدم الوجود الإنساني، وهي تتأثر بشكل أو بآخر بثقافة العصر وبطبيعة العلاقات الدولية
في المجتمع الإنساني فضلاً عن تغيرات الفكر العلمي والفلسفي، أما فكرة التصادم في الأدبيات الغربية، الفكرية
والسياسية والفلسفية والتي تطرح العلاقة بين الشرق والغرب كونها علاقة تصادمية، أو ستكون كذلك فإنها طرحت قبل
هنتنجتون، كتحصيل حاصل لنظريات أو تصورات تفسيرية تستشرف العلاقة بين الشرق والغرب عامة والإسلام والغرب
خاصة، وقد وجدنا أن روجيه غارودي الفيلسوف الفرنسي طرح فكرة التصادم، ولو بشكل سريع، يقول غارودي في
مطلع كتابه: (الأصوليات المعاصرة، أسبابها ومظاهرها)، إن الأصوليات كل الأصوليات أكانت تقنوقراطية أم ستالينينية،
مسيحية يهودية أم إسلامية، تشكل اليوم الخطر الأكبر على المستقبل، فانتصاراتها، في عصر لم يعد لنا فيه الخيار إلا
بين الدمار المتبادل والأكيد وبين الحوار، يمكناه أن تحبس كل المجتمعات البشرية في مذاهب متعصبة منغلقة على
نفسها، وبالتالي متجهة نحو المصادمة، كما إن هناك العديد من الباحثين والمفكرين الغربيين قد استشرقوا رؤية التصادم
القادم بين الغرب والإسلام، وقد اعتمد هنتنجتون طروحاتهم لتعزيز تفسيره للصراع الحضاري القادم.
إن هنتنجتون لا ينظر إلا إلى الجوانب السلبية من ظهوريات الإسلام أو الأسلمة في العالم الآخذة بالازدياد، وهو في
الوقت الذي يتابع ظهوريات الإسلام في الدول الغربية، وذلك أمر مهم، نراه يركز على أحداث ووقائع تعكس عنف
العلاقة بين الغرب والإسلام، وهل فاته أن هذه الأحداث هي نتاج لماكنة السياسة الغربية في العالم، إن ما حدث عام
1991 حين شنت القوات العسكرية الأطلسية حربها الشعواء المدمرة ضد العراق، وطناً وشعباً، كان نتاجاً لقصدية
سياسية ستراتيجية غربية في المنطقة، كما أن ما حدث وما زال يحدث وما زال في كوسوفو هو الآخر نتاجاً لإرادة
سياسية بالدرجة والأساس، وقد اعتاد الغرب أن يتحين الفرص ويصطاد الأفكار، ويُنضد الايديولوجيات المرحلية ليصل
بها إلى حالة التصارع الحضاري، أو الثقافي، إن المهم والأساس بالنسبة للغرب هو مصالحه الاقتصادية وتأمين
احتياجاته المادية لحياته لا أكثر.


خاتمة:
بعد انتهاء الحرب الباردة بدأ الترويج للنموذج الغربي على أوسع نطاق والترويج لعصر العولمة التي تحقق الرخاء




والتقدم وتزيل الفروق بين بني البشر.
لكن الواقع هو أن الشعوب ازدادت إحساساً بالظلم وبالقهر، واتسعت الشقة بين الطبقات الاجتماعية، وبين الدول،




وساهمت وسائل الإعلام العالمية (التي تروِّج لنمط عيش واحد وثقافة واحدة) في جعل هذه الشقة واقعاً ملموساً ومعيشاً




ومؤلماً في أنحاء الأرض قاطبة.
أما عن الوضع المتفجر في الشرق الأوسط، فهنا تصير كل القوى الدولية عاجزة عن فرض حلٍّ يحقق العدالة، ويحمي




المدنيين، ويعيد الكرامة لمن جُرِّدت منه أرضُه، فبقيت هويَّتُه – وهي المستهدفة اليوم... ليست هذه القراءة لوضع




العالم قبل 11 أيلول بالأشمل والأعمق، ولكنها، بلا شك، صورة قاتمة ومثيرة للقلق! وبعد، فماذا يمكن أن نتعلم من 11




أيلول؟ وما هي طبيعة الرسالة التي يمكن أن يحملها حدث من هذا النوع؟ وهل أتت أحداث 11 أيلول لتؤكد صحة




نظرية هنتنغتون في "صدام الحضارات" وتبرهن عليها، بحيث تصير فصلاً من فصول الصراع بين الإسلام والغرب؟
فهنتنغتون بشر بان هناك كتلتين حضاريتين: الحضارة الغربية، من جهة، وكل الحضارات الأخرى اللاغربية، من جهة




أخرى؛ وهو يعدد: الحضارات الغربية، الصينية، اليابانية، الهندوسية، الإسلامية، المسيحية، الأرثوذكسية، الأميركية




اللاتينية، الأفريقية.
لقد تجاهل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي وجود العالم العربي: فهو يعتبر أن




الحضارة الإسلامية تتكون من "حضارات تحتية، هي الإيرانية والتركية والعربية والملاوية، ويتناسى الاختلافات بين




هذه المكوِّنات، ومضامين هذه الاختلافات، وينسى أن هناك أكثر من حركة إسلامية! فكل المعطيات الجغرافية والسياسية




والثقافية اليوم تشير إلى أنه لم يعد بالإمكان التحدث عن حضارة إسلامية تشكل جملة سياسية واقتصادية وعسكرية




واحدة من شأنها أن تشكل تهديداً لأيٍّ كان! ويمكن بسهولة أن نكتشف، عندما نقرأ خارطة التحالفات الكاريكاتورية التي




يرسمها هنتنغتون، أنه انطلق من تساؤله عما يمكن أن يشكل تهديداً للغرب، ومن ثم بنى نظريته وفقاً لإجابة شبه جاهزة
وضعها مسبقاً.
ويبقى النقد الأساسي الذي يمكن توجيهه لمقاربة هنتنغتون هو أن الدين ليس العامل الوحيد الذي تتشكل حوله
الحضارات، ولا هو بالعامل النهائي والمحدِّد لحدوث الصراعات. كما أنه يفترض أن هذه القراءة التي تستند إلى
الأنموذج الحضاري – وهو المفهوم الذي استعاره من توماس كون- تسمح له بالتنبؤ بما سيحدث في المستقبل. ولكنها
قراءة ضعيفة وتبسيطية إلى حدٍّ كبير، تفترض ضمناً حتمية الصراع وجمود البنى الحضارية والثقافية والاقتصادية التي
يتم تناولها.
يقول هنتنجتون" إن للاختلاف الثقافي طابعا "جوهريا" لأنه : " يحدد العلاقات بين البشر والإله, وبينهم وبين الطبيعة
والسلطة، وكل ما يؤدي إليه مثل هذا "الاكتشاف" هو إغلاق الأبواب المفتوحة, واختزال الثقافة واعتبارها مرادفا
للعقيدة الدينية وافتراض أن كل ثقافة بالضرورة تطور مفاهيمها الخاصة للعلاقات موضوع البحث بطريقة جد مختلفة
عن الثقافات الأخرى. ولكن التاريخ الفعلي للبشر يبين أن المفاهيم الدينية تتمتع بدرجة عالية من المرونة, أكثر بكثير
مما يفترض. فقد اندرجت العقائد الدينية نفسها داخل أنظمة أيديولوجية يتشابه بعضها ويتباين البعض الآخر طبقا لظروف
مستقلة عن المفاهيم الثقافية ذاتها.لقد فسّر دعاة النزعة الثقافوية السيئون _هل يوجد دعاة خيّرون ؟_ التخلف الصيني
بالأمس,
وتطوره المتسارع اليوم بالكونفوشيوسية ذاتها. والعالم الإسلامي الذي بدا لكثير من المؤرخين في القرن العاشر, ليس
أكثر بهاء, ولكن أيضا أكثر قدرة على التقدم من أوروبا المسيحية أثناء الفترة نفسها, كيف يمكن تفسير انقلاب الأوضاع
فيه ؟ هل هو الدين (أو بدقة أكثر تفسيره الاجتماعي), أم شيء آخر, أم كلاهما معا ؟ وكيف تتفاعل هذه العناصر
المختلفة للواقع مع بعضها ؟ وما هو العنصر الفاعل المحرّك لباقي العناصر ؟ أسئلة كثيرة لا تبالي بها النزعة
الثقافوية حتى في صيغها الأكثر انضباطا من الصيغة التي يقدمها "هنتنجتون", وهي بالمناسبة صيغة شديدة الابتذال: "
الثقافات هي الثقافات, وكل ثقافة منها تتسم بالخصوصية والاختلاف انتهى.
ولكن أي الثقافات نتكلم عنها ؟هل هي تلك التي يحددها الفضاء الديني, أم فضاء اللغة, أم فضاء الدولة الوطنية, أم
فضاءالأقاليم المتجانسة اقتصاديا, أم الأنظمة السياسية ؟ لقد اختار هنتنجتون بوضوح "الدين" كأساس للمجموعات
السبع التي يحددها:غربية (كاثوليكية وبروتستانتية)،)المسلمون) (أتباع كونفوشيو (مع أن الكونفوشيوسية ليست
دينا).اليابان ) ويبدو أنه لا يعرف كيف يميّز بين الكونفشيوسية والشنتوية) الهندوس) (البوذيون)( المسيحيون
الأرثوذكس(يبدو واضحا أن التبويب الذي يقدمه "هنتنجتون" يلائم الاعتبارات السياسية في عالم اليوم. وهذا هو السبب, بلا شك,
الذي جعله "يفصل" اليابانيين عن أتباع كونفوشيوس الآخرين, والمسيحيين الأرثوذكس عن الغربيين (لأن الإستراتيجية
الأمريكية التي يعمل "هنتنجتون" في خدمتها ترى قضية اندماج روسيا في أوروبا كابوسا حقيقيا), ويتجاهل وجود
الأفارقة, سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو وثنين, مع أن لديهم خصوصياتهم (هذا السهو يعكس اللامبالاة العلمية
والتحيز العنصري السافر الذي أعماه عن وجودهم), ويتجاهل حتى سكان أمريكا اللاتينية (وبما أنهم مسيحيون, فهل هم
غربيون كالغرب ؟ إذن, لماذا هم متخلفون ؟
يتبدَّى لنا أيضا وبسهولة أن هنتنغتون يمحو الشخصية العربية في إطار الشخصية الإسلامية؛ وهو أصلاً لا يتناول العالم
العربي، رغم أن هذا العالم يشكل وحدة ثقافية وجيوسياسية متعارفاً عليها ومعترفاً بها، مثلما يخلط بين الإسلام وبين
التيارات الإسلامية الأصولية. إذاً يمكن القول، في نهاية الأمر، أن هنتنغتون يرى في الإسلام والعرب والتيارات
المتطرفة تعبيراً عن هوية واحدة وتطلُّع واحد!
ومن الصعب بمكان أن يستعرض المرء قائمة التصنيفات السخيفة في هذا العمل الذي يعتمد على القص واللصق, والذي
ينبغي التعامل معه كخطاب مركزي امريكي من الدرجة الثالثة، فهنتنجتون" يبذل جهدا جهيدا للوصول إلى الاكتشاف
العجيب بأن ستا من المجموعات السبع في تصنيفه تجهل القيم الغربية, والتي يدرج "هنتنجتون" في إطارها خليطا من
القيم المتباينة, بعضها يرتبط بالرأسمالية (السوق), والبعض الآخر يرتبط بالديموقراطية. لكن هل السوق أسوأ في
اليابان غير الغربية عن ما هي عليه في أمريكا اللاتينية المسيحية, أو في المناطق المسيحية جنوب الصحراء في أفريقيا ؟
ألا يعلم الجميع أن آليات السوق وممارسة الديموقراطية ظاهرتان حديثتان في الغرب نفسه ؟هل تجد المسيحية في
العصور الوسطى نفسها في هذه القيم المسماة بالغربية ؟لا شك أن الأيديولوجيات _وخاصة الدينية منها_ ظواهر
اجتماعية هامه, لكن هذا القول ليس أكثر من قول بديهي.....
وأنا مقتنع بأن سيادة الثقافة الرأسمالية (وليس الغربية) هي التي أفرغت الثقافات القديمة من محتواها. فالثقافة
الرأسمالية الحديثة حلت محل الثقافات القديمة (بما فيها مسيحية القرون الوسطى في أوروبا وأمريكا الشمالية
والكونفوشيوسية في اليابان) في بلدان المركز التي اتخذت الرأسمالية فيها أشكالا مركزية متطورة. إلاّ أن انتشار
الرأسمالية في مناطق الأطراف لم ينجح تماما في إلغاء أثر الثقافات القديمة, أو في توظيفها توظيفا شاملا على غرار ما
تم في المراكز.
وهذا الاختلاف لا يعود إلى خصوصيات ثقافية محددة (قدرة الثقافات "غير الغربية" على الصمود) بقدر ما يعود إلى
أشكال التوسع الرأسمالي الذي أنتج أساسية جديدة بين مراكز المنظومة الرأسمالية وأطرافها.
كشفت الرأسمالية, في توسعها العالمي, عن تناقض شديد بين قولها بالعالمية, وبين الاستقطاب الذي تنتجه في الواقع
المادي. وقد أدى التناقض إلى إفراغ القيم التي تتحدث الرأسمالية الحديثة عنها باسم العالمية (الفردية, الحرية,
المساواة, العلمانية, حكم القانون, إلخ) من أي مضمون حقيقي, حتى بدت هذه القيم لضحايا النظام كأنما هي أكاذيب, أو
قيم خاصة "بالغرب" فقط.
إ ن الاستعمار والنزعة الثقافوية رفيقا فراش منسجمان، فالاستعمار يعبر عن نفسه في الثقة المتغطرسة بأن "الغرب"
قد وصل إلى نهاية التاريخ, وان الصيغ التي أبتكرها لإدارة الاقتصاد (الملكية الخاصة, السوق) والحياة السياسية (
الديموقراطية) والمجتمع (الحرية الفردية) نهائية وغير قابلة للتجاوز. وهو لا يرى التناقضات الحقيقية التي يمكن
ملاحظتها في كل مكان, وعندما يراها فإنه ينسبها إلى فعل القوى "غير العقلانية" التي ترفض عبثا الخضوع للعقلانية
الرأسمالية.وفي هذا السياق يصبح الخيار أمام كل الشعوب الأخرى هو: إما قبول القيم الغربية بشكلها المتحقق في
الرأسمالية القائمة أو الانعزال داخل الخصوصيات الثقافية الموروثة.
فالعالم العربي تبنَّى مع بدايات القرن العشرين الكثير من جوانب الحضارة الغربية، الثقافية والسياسية والاقتصادية. (
فكرة القومية، مثلاً، بأشكالها المختلفة، تضرب بجذورها في الفكر الأوروبي.) ولكن هذا التبنِّي الذي لم تكتمل معالمُه
أُجهِضَ بسبب الامتحانات المبكرة والمتكررة التي تعرَّض لها. وهكذا انقطع الحبل السري الذي يربط العالم العربي
بعصر الأمة الإسلامية وعصر الخلافة (الذي يعتبره كثيرون عصراً ذهبياً إذا ما قورن بما يعيشه العالم العربي اليوم!)،
كما فشل العالم العربي في السير على سكة التطور والتقدم. لذلك يجد بعضهم أن الغرب هو المسؤول عن تفتت الدولة
الإسلامية؛ بينما يجد آخرون أن الغرب هو المسؤول عن فشل عملية تحرر العالم العربي وتطوره.
وبعد هذه القطيعة التاريخية جاءت العولمة لتيسِّر انتقال الأفكار والثقافات والإعلام ورؤوس الأموال، فوضعت المنطقة
في مواجهة أفكار جديدة وتحديات بكر لم تكن مستعدة لها وتتعارض مع كل ما توارثتْه ومع كل ما يجثم في لاوعيها
الجمعي. وهذا ما نجمت عنه أزمة ثقافية واقتصادية وسياسية حادة انبثقت منها أزمة هوية عميقة، ارتدَّ من جرائها
الناس إلى تقليدهم وتراثهم ومعتقداتهم الدينية، مع رفض قاطع ونهائي لكل ما يأتي من "الآخر".
وأمام تراكم الإحباطات والهزائم والنكسات، والانشغال بالخلافات الداخلية والخارجية، وعجز البنى الاجتماعية
والسياسية القائمة عن تقديم حلول أو عن تصور مثل هذه الحلول، صار العدو الخارجي حجَّة ومسوِّغاً: فهو سبب فشلنا
الدائم، وهو مصدر كل علة! وقد استُغِلَّ هذا الوضع لتأجيج مشاعر الحقد والكراهية على حساب العمل على قيام وعي
جديد يتعاطى بحكمة وموضوعية ومسؤولية مع المستجدات الاقتصادية والجغرافية والسياسية والثقافية.
فقد فشل العالم العربي في تطوير حلٍّ يساعد مجتمعاته على الخروج من أزمتها؟فهل سيأتي الحل السحري من الخارج؟
هل يمكن أن تكون أحداث من نوع 11 أيلول هي الحل الممكن؟ هل يمكن لأحداث من هذا النوع أن تكون هي مساهمة
العالمين العربي والإسلامي في مسيرة التطور الإنساني؟ وهل يُخرِج هذا النوع من الأحداث "الأمةَ" من ضعفها
وتخلُّفها؟ قطعاً لا...
من جهة أخرى، لا بدَّ من الاتفاق على أن الردَّ على"الإرهاب" لا يكون بتقسيم العالم إلى "محور خير" و"محور شر"،
وعلى أن الردَّ على التطرف لا يكون بمزيد من التطرف، وعلى أن مكافحة العنف لا تتم بمزيد من العنف. لا بدَّ للقوى
العظمى من أن تخرج من حالة النرجسية وتضخم الأنا، وأن تبحث بعمق في أسباب الخوف والقلق. وهذا يفترض، في
جملة ما يفترض، أخذ هواجس العالمين العربي والإسلامي بالحسبان، وعدم الخلط بين الإسلام كدين، من ناحية، وبين

الحضارة الإسلامية، من ناحية أخرى، وبين التيارات الاصولية او المتطرفة، من ناحية ثالثة. وإذا كان تحقيق الأمن

وحفظه يتطلب خطة دولية فلا غضاضة في ذلك؛ ولكن فلنبدأ بالحدِّ من التسلح ومن صناعة الأسلحة وتجارتها. فالأمن

ليس منع الإرهابيين من القيام بعملياتهم فحسب؛ والأمن ليس السلام. الأمن الحقيقي يتطلب تحقيق الأمن الاقتصادي و

الاجتماعي والغذائي والصحي والثقافي؛ الأمن هو أن يحصل كل فرد وكل مجتمع على حقوقه وحاجته من الغذاء
والصحة والتعليم – التعليم الذي يضمن حرية التفكير والشعور والتخيل؛ التعليم الذي يعلِّم الفرد أن ينتج وأن يتكامل،

لا أن يلهث وراء الاستهلاك وأن يتصارع من أجل الكسب – وكلُّ ذلك دون ضغوط ودون استغلال، مع إتاحة الفرصة

للجميع لكي يعبِّروا عن شخصيتهم وهويتهم، ومع إفساح المجال أمام الجميع للمشاركة في عملية التطور.
ونهايةً لا أعتقد أنه يمكن القول بـ"صدام الحضارات" وإذا كان التبسيط يقود العديدين إلى تبني هذه النظرية فلا بدَّ لنا أن

نكرر أن الحضارات لا تقوم على البعد الديني وحده، وأنه لا توجد أصلاً حضارة نقية خالصة، فالحضارات تستوطن

وتهاجر، الحضارات تتلاقى وتتعانق وتتحاور، الحضارات تتزاوج وتنجب وتنمو وتشيخ... وإذا كان هناك من حضارة

خالصة فهي حضارة الإنسان. فكلنا يعرف اليوم أنه يمكن لأية صورة أو معلومة أو فكرة أو خبر أو دعاية أن تنتقل

بطرفة عين إلى العالم بأسره، بواسطة الأقمار الصناعية، أو عبر الفضاء السيبري لشبكة المعلومات العالمية الانترانت.

تلك الحاضنة العقلية الكوكبية التي تتلاقى فيها العقول الفردية والجماعية لتوجِد تكوينات اجتماعية أعقد وأرقى،

تتمخض، بدورها، عن وعي إنساني فائق؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:27 pm


إشكاليات الهوية ... صدام الحضارات وصناعة الأعداء
اسامة عرابي

قد يكون مبدأ الهوية الإسلامية للسلطة، بركنيه الخلافة والشريعة، من مسلَّمات الشرع، وقد مكَّن من سطوع الأمة

لقرون طويلة غابرة، لكن الحاضر ليس الماضي، وعلى النخب الجديدة الإسلامية المنحى أن تفقه واقع السياسية

الاميركية في تعاطيها مع العرب والمسلمين، فالولايات المتحدة ما زالت صاحبة السطوة المادية الكونية، العسكرية

والاقتصادية، واذا ما واجهها الإسلاميون بدولة الشريعة والخلافة، وقعوا في كمين محكم ما انفك بعض الغرب يرسمه

لنا ولنفسه على انه قدر محتوم. ونعرض في ما يلي لواحد من المكونات العقيدية الأساسية في صناعة السياسة

الخارجية الأميركية، عنينا مبدأ الهوية الغربية، وتحديداً المفهوم الصراعي لهذه الهوية في مقولات صامويل هنتينغتون

ومقالته الشهيرة التي ظهرت عام 1993 تحت عنوان «صدام الحضارات: الشكل القادم للصراع الدولي» (صدرت

ككتاب عام 1996
اتت تلك المقالة ثمرة مشروع بحثي تحت اشراف هنتنغتون، حول موضوع «متغيرات المحيط الأمني والمصالح القومية

الأميركية». فكانت اطروحته في الربط والتلازم بين الهوية التاريخية والمصالح القومية، من العلامات الفاصلة في

تحديد المنظور الفكري والقيمي لصناع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة من الحزب الجمهوري وتيار المحافظين

الجدد خلال ولايتي جورج بوش الابن في سنوات 2000-2008.
الفكرة الحاكمة في مقالة هنتينغتون هي أن العلاقات السياسية من صراعات وتحالفات وتفاهمات بين الدول في القرن

الواحد والعشرين، سيحكمها قانون الصدام بين الحضارات العالمية الرئيسية، التي تتموضع جغرافياً وفق الانتماء

الديني/ الثقافي لسواد سكانها. وهي سبع حضارات: الحضارة الغربية (الولايات المتحدة وغرب اوروبا)، والإسلامية،

والكونفوشية (صينية)، والهندوسية، واليابانية، واللاتينية (اميركا اللاتينية)، والأرثوذكسية (روسيا وشرق اوروبا).
يقول هنتينغتون: «المصدر الأساسي للصراع في العالم الجديد القادم لن يكون الأيديولوجيا السياسية أو الاقتصاد.

الانقسامات الكبرى بين البشر ومصادر الصراع الغالبة بينهم ستكون ثقافية. ستبقى الدول القومية الفاعل الأقوى في

السياسة الدولية، لكن الصراعات الرئيسية ستحدث بين امم وجماعات تنتمي الى حضارات متمايزة. ان صدام

الحضارات سيهيمن على السياسة العالمية. وحيث تتنافر الحضارات، سترتسم خطوط معارك المستقبل».
يستشرف هنتينغتون مستقبل العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة وسقوط الامبراطورية السوفياتية المدوي

الذي أطاح موازين القوى العالمية السائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإذا كانت الصراعات الثنائية بين الدول

تحكمها مصالح اقتصادية وجيوسياسية، فإن هذه الصراعات كانت خلال الحرب الباردة، أي سنوات ١٩٤٥-١٩٩١،

تندرج ضمن إطار الثنائية الأيديولوجية بين الشيوعية من جهة والديموقراطية الليبرالية من جهة أخرى. ولكن مع نهاية

الحرب الباردة سيتحول الصراع من صراع ايديولوجي إلى صدام بين دول تنتمي الى الحضارات العالمية الكبرى «

التي تتمايز بعضها عن بعض بالتاريخ، واللغة، والثقافة، والتراث، والأهم من ذلك بالديانة».
التحدي الأكبر
المجالان الحضاريان الإسلامي والكونفوشي يشكلان التحدي الأكبر للحضارة الغربية المهيمنة، والتي بدأ نجمها

بالأفول، وفق هنتينغتون، وان كانت ستبقى الأقوى لعقود قادمة. وهو يرى امكانية تعاون وثيق واستقطاب بين الغرب

والحضارتين اللاتينية (اميركا اللاتينية) والأرثوذكسية (روسيا وشرق اوروبا) في مواجهة المحور الآسيوي الإسلامي -

الكونفوشي. اما «الإسلام، فلن يضعف، وسيصبح اكثر عنفاً...»، وذلك لتوافر ثلاثة عوامل تحكم مستقبل المجتمعات

المسلمة : النمو الديموغرافي الهائل، والإسلام السياسي، وانتصار الديموقراطية. ان وتيرة النمو السكاني المرتفعة جداً

في معظم الدول الإسلامية أدت الى تعاظم نسبة الشباب بين الـ 15 و25 عاماً لتفوق 20 بالمائة من مجموع السكان،

الأمر الذي ينذر بعدم الاستقرار. ويستطرد: «إن كثيراً من الدول العربية عرف تحولات اقتصادية واجتماعية اصبحت

معها انظمة الحكم الاستبدادية غير ملائمة، وازداد التوجه نحو الديموقراطية قوة... فكانت الحركات الإسلامية اكبر

المستفيدين من هذه التحولات.
باختصار، في العالم العربي تؤدي الديموقراطية على النمط الغربي الى تقوية القوى المعادية للغرب». إذن، التحول

نحو الديموقراطية عندنا لا يجب ان يكون مدعاة طمأنينة وارتياح لدى الغرب، وفق هنتينغتون، الذي تختصر عدائيته

المسبقة المتأصلة للإسلام، احتمالات المستقبل المتنوعة الى فرضية واحدة : العداء والمواجهة. الدليل الذي يسوقه

لتبرير نبوءته حول الصدام الحتمي بين الإسلاميين والغرب هو مقارنة سطحية شديدة العمومية بين الحضارات من حيث

طبيعة التفاعلات في ما بينها، اذ يتسم التفاعل بين اميركا واوروبا (الحضارة الغربية) من جهة والصين واليابان من

جهة اخرى، بالطابع السلمي متمثلاً بالتنافس الاقتصادي والتبادل التكنولوجي.
بالمقابل، تعرف حدود المجتمعات المسلمة مع الدول غيرالمسلمة في شرق اوروبا وآسيا، نزيفاً وتطهيراً عرقياً مستمراً:

«يستشري العنف في آسيا الكبرى، وخاصة على تخوم هلال الأمم الإسلامية الممتد من غرب افريقيا الى آسيا

الوسطى. كذلك يغلب العنف على علاقة المسلمين بالصرب الأرثوذكس في البلقان، وعلاقتهم باليهود في اسرائيل،

وبالهندوس في الهند، وبالبوذيين في بورما، وبالكاثوليك في الفيليبين. إن تخوم الإسلام دموية». هكذا يختزل

هنتينغتون التاريخ المعقد الشديد التنوع لمجتمعات بكاملها، الى جملة عامة من ثلاثة سطور تدغم العنف بالهلال، خالصاً

الى ان الإسلام حضارة دموية. وبعد، أليس هذا الاختصار لمستقبل العلاقة بين الإسلام السياسي والدول الغربية تحت

عنوان البحث العلمي، فخّاً منصوباً لغايات خبيثة!
ثم يضع هنتينغتون توصياته في السياسة العامة الواجب على الدول الغربية اتباعها في القرن الواحد والعشرين إزاء

الحضارات الاخرى: «يتوجب على الغرب الأمور التالية: زيادة التعاون والوحدة داخله، خاصة بين جناحيه الأوروبي

والأميركي الشمالي؛ استقطاب مجتمعات شرق اوروبا واميركا اللاتينية القريبة ثقافياً من الغرب؛ تطوير وترسيخ

التعاون مع روسيا واليابان؛ الحد من نمو القوة العسكرية للدول الكونفوشية والإسلامية؛ التمهل في تخفيض القدرات

الحربية الغربية والحفاظ على التفوق العسكري في شرق وجنوب - غرب آسيا؛ العمل على استغلال الخلافات

والصراعات بين الدول الكونفوشية والإسلامية؛ توفير المساندة للجماعات المتعاطفة مع القيم والمصالح الغربية داخل

الحضارات الأخرى؛ تقوية المؤسسات الدولية التي تدافع عن المصالح والقيم الغربية وتضفي عليها صفة الشرعية،

وتشجيع الدول غير الغربية على الانخراط في تلك المؤسسات.»
الإشكالية السلطوية
تصدى عدد من الباحثين الغربيين والعرب لنقد وتبيان عدم دقة، وأحياناً خطأ بعض المسلَّمات والتفاصيل في رؤية

الصراعات المستقبلية ضمن المجال الحضاري/ الديني، وهذا ديدن الأكاديميا الباحثة أبداً عن الحقيقة ومقدار التطابق

بين النظرية والواقع.
لكن المحتوى العلمي لمقالة هنتينغتون لم يكن ليسخّر يوماً لصالح الرغبة العلمية في توخي الحقيقة، فالقصد من وراء

مقولة صراع الثقافات والأديان وتبنيها من قبل بعض الساسة الأميركيين، ليس أكاديمياً أو معرفياً، بل هو هدف سلطوي

معنوي يسعى الى توظيف فائض القوة المادية والعسكرية التي بحوزتهم لتحقيق مزيد من الهيمنة والسلطان في داخل

مجتمعاتهم وخارجها.
وقد فند الدكتور رضوان السيد الإشكالية السلطوية لهذه المقولات وكشف ادعاءاتها المعرفية، مُظهِراً ارتباطَها الوثيق

بسياسات الغلبة والهيمنة الغربية على المجتمعات الإسلامية من جهة، وبردود فعل اصحاب الهوية العربية -الإسلامية

المجروحة من جهة اخرى، وذلك في كتابه «الصراع على الإسلام» الصادر سنة 2004، (فصل من الإسلام الى

الأنثروبولوجيا). وبعد عرضه لأسبابه التاريخية ومنطلقاته الفكرية، خلص السيد الى توقع احتدام وعي الهوية عندنا:

«إن الطريف والموحي ان تكون ردود الفعل لدى القوميين والإسلاميين على أطروحة هنتينغتون على هذا القدر من

السخط والأنكار... لكن ثقافة الهوية لا تزال على قدر كبير من التوهج. والدليل على ذلك اصرار مثقفينا القوميين

والإسلاميين على اننا نواجه غزواً ثقافياً، وإصرارهم على ان تجديد ثقافتنا لا يكون الا من داخلها».
اما إدوارد سعيد، استاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا وصاحب مؤلف «الاستشراق» المعروف، فرأى ان «

اصرار هنتينغتون الشديد على حتمية الصدام بين الحضارات الاخرى والغرب، وعدوانيته وعنصريته الباديتين في

توصياته للدول الغربية بما يحفظ لها غلبتها عالمياً» ، يحملنا على الاعتقاد بأن غايته الفعلية هي استمرار وتوسيع

نطاق الحرب الباردة بوسائل اخرى» ( من مقال لسعيد بعنوان «صدام التحديدات» صدر عام 2000).
ان هاجس الهوية المهددة ليس حكراً على القوى الإسلامية عندنا، بل ملازم ايضاً لنخبة سياسية وثقافية فاعلة في

الولايات المتحدة عُرفت بالمحافظين الجدد وكانت شديدة التأثيرعلى سياسات بوش الابن في الحرب على الإرهاب

وغزو افغانستان والعراق. وقد سطع نجم هنتينغتون في العقد السابق على هجمات ايلول كناطق بليغ يترجم هموم هذه

النخبة وهواجسها الى مقولات وتوصيات سياسية ترتدي لباس الموضوعية والعقلانية.
لكن المؤسس الفعلي لتيارالمحافظين الجدد كان ارفينغ كريستول، الذي استلهم عقيدته من الفيلسوف الألماني الأميركي

ليو شتراوس (توفي عام 1973). وهى قائمة على مبدأ مفصلي: حاجة الأمم الى اعداء لتمكين هويتها القومية، وبالتالي

فإن غياب العدو السوفياتي في التسعينات سينعكس سلباً على وحدة المجتمع الأميركي وتماسكه.
وها هو هنتينغتون يصرح بمكنونات صدره في الفصل الأول من كتابه «صدام الحضارات» (1996) عبر كلمات

شخصية روائية: «ليس ثمة اصدقاء حقيقيون من دون اعداء حقيقيين. لا بد ان نكره من يختلف عنا لكي نحب ما نحن

عليه. تلك هي الحقيقة القديمة التي نعيد اكتشافها بعد قرن من اللغو العاطفي». نفس المبدأ حكم فلسفة شتراوس

السياسية قبل اكثر من نصف قرن: «يؤمن شتراوس ان السياسة تنبثق من التفريق بين نحن وهم، فلا استقرار لأي كيان

سياسي إلا بوجود تهديد خارجي يدفعه نحو الوحدة، واذا لم يكن هناك تهديد خارجي، عندها يجب انتاجه».
صدرت مقالة هنتينغتون الشهيرة في صيف 1993، اتبعها بمقال ثان له في خريف 1993 تحت عنوان: «اذا لم تكن

حضارات، فماذا اذن! هنتينغتون يرد على منتقديه». ونرى ان هذا المقال بالغ الأهمية، لأنه يفصح عن الهواجس

الكامنة غير المعلنة وراء نظرته الصدامية لعلاقة الغرب بالعالم الإسلامي، اذ يتبدى من سطوره ان هنتينغتون مسكون

بفصيلة اخرى من صراع الحضارات لم يأت على ذكرها في مقالته الأولى، وهي التناحر الثقافي/ الإثني داخل الولايات

المتحدة، حيث يفرد باباً كاملاً لهذا الموضوع نورده مطولاً لأهميته:
«تعرف الولايات المتحدة تنوعاً اثنياً وعرقياً بشكل مضطرد، ويشير مكتب الإحصاء السكاني الى التوزيع التالي للسكان

بحلول عام 2050: 23 بالمائة ذوو اصول لاتينية، 16 بالمائة من السود، و10 بالمائة من العرق الآسيوي (الأصفر)

(ما معناه 50 بالمائة من اصول اوروبية). في الماضي نجحت الولايات المتحدة في استيعاب ملايين المهاجرين من دول

عديدة بسبب تكيفهم مع الثقافة الأوروبية السائدة وتبنيهم بحماس العقيدة القائمة على قيم الحرية، والمساواة، والفردية،

والديموقراطية. فهل سيستمر هذا النجاح بحلول عام 2050 عندما يصبح 50 بالمائة من السكان إما لاتينيين او من غير

البيض؟ هل سينخرط المهاجرون الجدد (اي اللاتينيون والآسيويون) في الثقافة الأوروبية المهيمنة في الولايات

المتحدة؟ واذا لم يقووا على التكيف واصبحت الولايات المتحدة مجتمعاً متعدد الثقافات يعاني من صدام داخلي بين

الحضارات، فهل ستستمر كديموقراطية ليبيرالية؟ واذا انقطع الأميركيون عن الالتزام بديموقراطيتهم الليبيرالية

وبعقيدتهم السياسية الأوروبية المنشأ، فإن الولايات المتحدة التي نعرفها ستزول من الوجود وستلحق القوة العظمى

الأخرى الى مزبلة التاريخ».
قد تكون ولاية ثانية لإدارة اوباما فرصة مواتية لإسلاميينا لقطع الطريق على هؤلاء المتربصين، عبرالمصالح المتبادلة

وبناء جسور التعاون والثقة مع النخب الغربية المعتدلة. في كل الأحوال، على القوى الإسلامية المقبلة على الحكم في

العالم العربي ان تعي أنها لا تواجه خصماً عقلانياً في اليمين الأميركي المتعنت، سجين هوامات الهوية الخائفة، الذي لو

وصل السلطة مجدداً فلن يتردد في السير بصناعة الاعداء، من مسلمين وغيرهم، وخوض حروب مدمرة، على غرار

حرب العراق، مخلفة الحقد الكراهية بين الشعوب والحضارات. والجنون لا يواجه الا بالعقل، لا بمثله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:29 pm


صامويل هنتغتون في مقاله الجديد
التهديد اللاتيني بين وهم الأمة المتماسكة ومأزق الهوية الضائعة
يوسف محمد بناصر


إن استمرارية أي مجتمع إنساني في انغلاقه على نفسه، وصنعه لجدارات وهمية تحميه من زحف الأخر عليه، يعني ذلك

أن هذا المجتمع غير قادر على حماية نفسه من الأخر أو انه غير قادر على التماسك داخليا والحوار والتعايش والإغناء

في علاقته مع الأخر المختلف خارجيا، إن عدم القدرة على التواصل نقص في ملكة مهمة تتمثل في الاقتناع بسنة "

الاختلاف الكوني" يعني في النهاية الضعف الذي هو أساس قابلية الاحتواء.
إنها السنة الكونية المطلقة التي لا تقبل التحيز ولا تحابي أي مجتمع كيفما كانت مدارجه الإيمانية والمعرفية وتكويناته

التقنية والاجتماعية والنفسية ، والمجتمع الأمريكي بكل ما يمكن أن يوصف به من خصائص التطور وميزة الفسيفساء

الثقافي والديني والإثني … الجذاب والجميل خاضع لكل تلك السنن ، فهذه البنية الاجتماعية والثقافية… التي تحقق

فيها حلم بعض الحالمين "بالمدينة الفاضلة" و" اليوتبية الذهبية" ، بدأت تعيش على واقع مشكلة خطيرة كما وصفها بذلك

الخبير السياسي الأمريكي هنتغتون في عنوان مقاله الجديد:"التهديد اللاتيني" . إذن مقال : "التهديد اللاتيني"، ليس مقالا

عاديا ولا عنوانا يمكن أن يغض الطرف عنه فما يكتبه الأستاذ المتخصص في الدراسات الإسترا تيجية في جامعة

هارفارد وما ترتب عنه من ردود مختلفة، يجعلني أتساءل حقيقة عما يمكن أن يكونه هذا التهديد ؟ وإلى ماذا يريد أن

يصل إليه في بحوثه التي غالبا ما تجعل العالم يهتز لوقعها ؟ فبعد مقاله الذي نشر في مجلة الشؤون الخارجية

الأمريكية سنة 1993 تحت عنوان « صدام الحضارات »، والذي انبرى له مختلف الفاعلين في الساحة السياسية

والدينية والثقافية … للرد والتعقيب عليه والدفاع عن أهمية الحوار الحضاري، يدفعني هذا إلى القول بأن المجتمع

كبنية معقدة ومركبة في نفس الوقت، هي أشبه بالإنسان، الذي يعيش مخاوف المستقبل القادم وفي انتظار المجهول ، بل

الإنتقال من حالة الخوف الطبيعي إلى حالة الخوف المرضي، " الفوبيا"، فيتخيل أوهاما ووساوس مفزعة، ببساطة يمكن

تفسير كل ذلك إما أن هذا الإنسان مريض فعليا، ويجب عليه أن يبحث عن الإستشفاء ، أو أنه يعيش في حلقة الفراغ

القاتل فتدفع به حاجته تلك إلى إثبات وجوده وملء فراغه، للتواصل مع الغير بأن يصنع لنفسه عدوا أو صديقا، المهم هو

التواصل بشكل إيجابي أو سلبي، ومقال »صراع الحضارات"، الذي حاول فيه الكاتب أن يفسر به العلاقات الدولية بعد

انتهاء الحرب الباردة على أساس افتراض مؤاده أن » المصدر الرئيسي للصراع في هذا العالم الجديد لن يكون في

المقام الأول أيديولوجيا ولا اقتصاديا، وأن التقسيمات الكبرى بين أبناء البشر وكذلك المصادر الأساسية للصراع ستكون

حضارية « ! كما لخصه فريتش شتيبات المستشرق الألماني في كتابه الإسلام شريكا، وللأسف الشديد كانت

الحضارة الإسلامية هي كبش الفداء ومركز تجاذب لمبدأ الصراع والمصالح بين مختلف القوى العالمية ، وخاصة منها

الغربية ، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، وحملت ألوية الحرب ضد الإسلام بعد اتهامه بأنه دين » يفرخ الإرهابيين«

، وساعدت ظروف العالم الإسلامي في تزكية تلك المقولة أو الإدعاء ­ إلى حد ما - ، إذا علمنا حالات اللا سلم التي

تعيش فيه مخلف هذه البلدان، بتعدد الإنفجارات الإرهابية والصدامات الدامية بين بعض القوى التي تدعي فهم النص

الديني الإسلامي على الحقيقة المقصودة ، ومحاولة منها أيضا لتطبيقه بكل ما أوتيته من قوة ، وانتشرت العدوى إلى

البلاد المختلفة، فلم تحده الجغرافية الإسلامية التقليدية ، بحيث عرفت بلدان غربية يوجد بها شريحة واسعة من

المهاجرين المسلمين نفس الحالة.
من الصدام الحضاري إلى التهديد اللاتيني للفكرة الأمريكية … !
بعدما كانت الحضارة الصينية والإسلامية … تختلف عن البنية التي تأسست عليها الحضارة الغربية عموما ،

والأمريكية على وجه الخصوص ، فقد شكلت ­ هذه الحضارات غير الغربية ­ خطرا محذقا ، وفزاعة للفكر

والسلطة الغربية ظنا منهم أن بمحاصرة الغير المجسد لها ، وتشكيل جدار أو حزام ثقافي ونفسي منيع ضد » الغير

الخطر «، ستنجو الحضارة الغربية من التعرف أو الصراع أو الحوار أو حتى من المساءلة … - لما لا ! - من هذا

المجهول ، وإذا سلمنا جدلا أن تلك النظرية حققت ما كان في نفس يعقوب ، وجعلت العالم يصدق بالخطر المهول على

الإنسان الغربي من الإنسان الشرقي ، بثقافته وديانته وحضارته…
بل وجعل الإنسان المعاصر يعيش في قلق نفسي وفكري، ببحثه عن أسباب عدم التفاهم والتحاور بين مختلف الأعراق

والثقافات، ببحثه عن الجذور المشتركة بين جميع الإنسانية، ببحثه عن وسائل التفاهم والتعايش بين مختلف المكونات

المتحضرة في هذا العالم الصغير، مع ذلك الأسف، ومع كل الجهود المبذولة من طرف خدام الإنسانية فقد تحقق الكابوس

المنتظر، وتزايدت القلاقل الثقافية والحضارية، وتأزمت » مدا خيل الحوار «، وتعمقت المشاكل النفسية والإجتماعية

… التي هي أساسا نتاج طبيعي للأزمة التي نعيشها حتى الآن، ومن بين مظاهرها، كثرة الإسترسال في تحليل أحداث

11 سبتمبر، وتوابعها العسكرية، النفسية، الإقتصادية، السياسية، والحضارية … ثم توابعها من حيث التأريخ (للأزمة

العالمية المشتركة) ، بالأيام السود، فلا تكاد تسمع عن أحد أيام الأسبوع عادية إلا إدا أضيف إليها لون السواد، [

الثلاثاء الأسود، الخميس الأسود … ]، والمقالة النهائية هي أن السيد هنتغتون قد فاز وخسر كل دعاة الوئام والسلم

العالميين، وكان الرجل على صواب وكان اغلبنا على خطأ، واليوم يعيد نفس الشخص الكرة على موضوع جديد

وحساس للغاية ،لأنه بكل بساطة يمس ثوا بت ومستقبل…إمبراطورية القرن الواحد والعشرين؛ الولايات المتحدة

الأمريكية ،إنه » التهديد اللاتيني «، الذي هو نسق جديد رفضوي » لمنظومة القيم الأنجلو ­ بروتستنتية التي

بنت الحلم الأمريكي الحالي «، وتجاهل هذا التحدي من طرف أل و. م .أ يشكل مخاطرة بالنسبة إليها.
وقد قسم الأستاذ الباحث مقاله إلى عدة عناوين مرتبة حسب ما يلي:
عالم من الفروق
فالهجرة المكسيكية ، واللاتينية بصورة أعم، المعاصرة هي هجرة لا سابق لها في التاريخ الأمريكي، فهي تختلف عن

الهجرات السابقة وغيرها من الهجرات الأخرى المعاصرة لستة أسباب رئيسية وهي: التواصل الجغرافي، الحجم،

اللاقانونية، التركز المناطقي، الإستمرارية والحضور التاريخي .
الإسبنجليزية: [مزيج من الإنجليزية والإسبانية]
إن المهاجرين المكسيكيين يعتبرون مختلفين تماما عن بقية المهاجرين، وهذه الإختلافات كلها تتجمع لجعل عملية

الإنصهار للمكسيكيين في الثقافة والمجتمع الأمريكيين علمية اكثر صعوبة مما كان عليه الحال لبقية المهاجرين

الأخرين، ثم إن القادة اللاتينيون، الذين يشعرون بالقوة إزاء تزايد أعداد اللاتينيين ونفوذهم ، يسعون بنشاط إلى تحويل

الولايات المتحدة إلى مجتمع ثنائي اللغة… وتعليم اللغتين يجعل الإسبانية ندا للإنجليزية في هذا البلد، وتوجه الشركات

الأمريكية للزبائن اللاتينيين تجعلهم يحتاجون بصورة متزايدة لأشخاص يتقنون اللغتين، وعليه فإن ثنائية اللغة تؤثر في

الكسب المادي ، وإذا ما تواصل انتشار الإسبانية كلغة ثانية للولاية المتحدة الأمريكية فإن ذلك ­ ومع الوقت ­

ستكون له تبعات مهمة على السياسة والحكومة، واستشهد على ما قاله بالكيفية التي تعامل بها الرؤساء الأمريكان مع

اللغة ، فالرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت عام 1917 م قال : ) علينا أن يكون لنا علم واحد، وعلينا أن تكون لنا لغة

واحدة، وهذه ستكون لغة إعلان الإستقلال، ولغة خطاب الوداع الذي ألقاه واشنطن، وخطاب لنكولن في غيتسبرغ وحفل

تنصيبه الثاني( وطبعا فهذه الكلمات كانت قبل أن تعرف و. م .أ تعددا لغويا، وحسا بالإنتماء إلى بلدين مختلفين ثقافيا

وإثنيا وحضاريا … بالمقابل كان الأمريكيون مع أن الجغرافيا والمصالح تجمعهم- يحسبون أنهم )مع الاختلاف الكامن

في ذواتهم( يمثلون قومية واحدة ، وحضارة واحدة، ولحمة واحدة ، ولكن بعد تغيير الظروف، فقد ظهر شيء أخر، حيث

نقل عن الرئيس السابق بيل كلنتون في يونيو 2000 قوله: » آمل كل الأمل أن أ كون الرئيس الأخير في التاريخ

الأمريكي الذي لا يستطيع التحدث بالإسبانية « ، وفي مايو 2001، احتفل الرئيس بوش الإبن باليوم الوطني للمكسيك

عن طريق…… تقليد بث خطابه الإذاعي يوم السبت الذي يوجهه إلى الأمريكيين باللغتين الإنجليزية والإسبانية، وفي

سبتمبر 2003، تم إجراء واحدة من تلك المناظرات بين المرشحين الديمقراطيين باللغتين الإنجليزية والإسبانية، طبعا

بتتبع سياسات الرؤساء الأمريكيين في تعاملهم مع ثنائية اللغة في بلدهم نرى تحولا نوعيا وجذريا، ففي أقل من تسعين

سنة تغير كل شيء، وهذا ما جعل الكاتب يشعر بالخوف في خلاصته بقوله:
"إن الإسبانية أخذت تنضم الى لغة واشنطن وجيفرسون ولنكولن وروزفلت وكنيدي ، على أنها لغة الولايات المتحدة،

وإذا ما تواصل هذا الإتجاه [ فان الإنقسام الثقافي بين اللاتينيين والإنجلونيين، يمكن أن يحل محل الإنقسام العرقي بين

البيض والسود، على أنه الشرخ الأكثر خطورة في المجتمع الأمريكي ]. وخطورة هذا الأمر تتجلى في أن الولايات

المتحدة الأمريكية، تجاوزت إلى حد ما، الإنقسام العرقي بين البيض والسود، بتكافؤ الفرص بينهما في أغلب المجالات

الحيوية وليعوض الانقسام الثقافي وهو الخطر لأنه قادر على زعزعة المجتمع الأمريكي بل الأمن القومي الذي تعمل

الدولة على توفيره بميزا نيات خيالية .
الدم أكثر كثافة من الحدود
الهجرة اللاتينية الهائلة ، تؤثر على الولايات المتحدة بطريقتين:
1. أصبحت أجزاء مهمة من البلاد يغلب عليها الطابع اللاتيني لغويا، وثقافيا.
2. كما أن البلاد بأسها تصبح ثنائية اللغة والثقافة.
وتجاوز الكاتب مناقشة المشكلة وإيجاد الحلول لها في بعض الأحيان الى إيراد أقوال تشجع على التطرف والعنصرية

مثل قوله : » هؤلاء الوطنيون البيض الجدد، لا ينادون بالتفوق العنصري للرجل الأبيض [ ولكنهم يؤمنون بضرورة

الحفاظ على الذات العنصرية ويؤكدون أن الثقافة نتاج العرق] «و لتدعيم مقولته، ولزيادة حرقة البيض على مستقبلهم

كان لابد من أن يتبع كل ذلك بإحصاءات لخبراء السكان الذين يتوقعون أنه بحلول عام 2040 يمكن أن يصبح البيض في

غير اللاتينيين الأقلية من بين كل الأمريكيين الأخرين، وتعميقا للأزمة قام بمقارنة وضعية البوسنة والهرسك، بوضعية

كاليفورنيا الأمريكية، ففي عام 1961 كان عدد سكان البوسنة والهرسك 43 بالمائة صرب و26 بالمائة مسلمين وعام

1991 كانت هذه النسب هي 31 % صرب و44 % مسلمين ، ورد الصرب على ذلك بالتطهير العرقي ، [ ولا أتوقع

أن أحدا نسي ما ارتكبه الصرب ضد المسلمين من مجازر جماعية وإغتصاب وقتل وتدمير ]، ولإسقاط نفس الوضعية

على كاليفورنيا، ففي سنة 1990 م كان سكان هذه الولاية 57 بالمائة من البيض غير اللاتنيين و26 بالمائة من

اللاتنيين، ويتوقع أن ذلك سيتغير بحلول 2040 م، إذ ستصبح نسبة البيض غير اللاتينيين 31% واللاتينيين 48% ،

مستأنفا دعم مقولته بان[ فرصة أن يرد بيض كالفورنيا بالطريقة التي رد بها صرب البوسنة والهرسك هي صفر الآن

ولكن فرصة ألا يردوا بالمرة هي أيضا صفر] وتوقعوا معي مستقبل أمريكا الذي هو على كف عفريت حسب توقعات

هذا الخبير، لأن جميع الاحتمالات مفتوحة من حالة السلم إلى حالة اللاسلم من التناسق الثقافي والدمج الحضاري إلى

التمزق والمفارقات بشتى أنواعها ) الثقافية، السياسية والإقتصادية(، ويتوقع الأستاذ شارلز تراكسيلو من جامعة

نيومكسيكو بأنه بحلول عام 2080 م، فإن الجنوب الغربي للولايات المتحدة، والولايات الشمالية للمكسيك ستشكل

جمهورية الشمال … وهناك العديد من الكتاب ممن بدأوا يشيرون إلى الجنوب الغربي للولايات المتحدة بإضافة إلى

شمال المكسيك بكلمة " مكسيك أمريكا" أو " أمكسيكا " أو " مكسفونيا " …
كما يمكن على سبيل المثال قراءة ما يحصل في ميامي أكبر مدينة ذات تجمع لاتني في و.م.أ الخمسين، واسقاطه على

المدن التي ستصبح مثلها في المستقبل، فعلى مدى 30 سنة، أسس المتحدثون بالإسبانية - وغالبيتهم كوبيون - سيطرتهم

على كل منحى من مناحي الحياة في هذه المدينة، بحيث[ انهم غيروا بصورة جذرية تشكيلها الإثني والثقافي والسياسي

واللغوى إن لثنتة أو هسبنة ميامي هي ظاهرة لا سابق لها في تاريخ المدن الأمريكية] ، وهذه الولاية أصبحت من بين

أهم المدن المستقطبة لرجال الأعمال اللاتنيين والكوبيين بالخصوص الهاربين من حكم فيديل كاسترو، وحول المحرك

الاقتصادي الكوبي ميامي إلى محرك اقتصادي دولي، وروجوا للسياحة الدولية، فكانت المركز الرائد لصناعة الرحلات

البحرية السياحية، ونقلت كبريات الشركات الأمريكية في ميادين الصناعة والاتصالات والمنتجات الاستهلاكية مراكز

عملياتها من دول أمريكا اللاتينية إلى ميامي من مدن امريكية ولاتينية أخرى [ وجعلوا اقتصادها أكبر من اقتصادات

دول أمريكية لاتينية بأكملها] وقد حول هذا البروز ميامي إلى مدينة لاتينية يقف الكوبيون في سدة قيادتها، تتمتع بثقافتها

واقتصادها الخاص بها، [ مدينة لم تكن الحاجة فيها إلى الانصهار والتأمرك]، بحلول عام 2000 م، لم تكن الإسبانية هي

اللغة المحكية في غالبية منازل المدينة فحسب، بل أصبحت اللغة الرئيسية للتجارة والأعمال والسياسة، وأصبحت

وسائل الإعلام والاتصال تتحول إلى اللغة الإسبانية بصورة متزايدة، وفي عام 1998 أصبحت محطة تلفيزيونية تبث

بالإسبانية هي المحطة رقم واحد للمشاهدين في ميامي وهي المرة الأولى التي تحقق فيها محطة تبث بلغة أجنبية ذلك

النوع من المكانة في مدينة أمريكية رئيسية … وأسس الكوبيون،كذلك سيطرتهم على السياسة؛ فبحلول عام 1999،

كان رئيس بلدية المدينة ومحافظ ورئيس الشرطة، والمدعي العام للولاية في محافظة ميامي ديد، فضلا عن ثلثي النواب

الأمريكيين المنتخبين عن ميامي ونحو نصف نوابها الولائيين من أصل كوبي.
فكانت [ السيطرة الكوبية واللاتينية على ميامي هي التي جعلت الأنجلو سكسونية ) كما والسود ( يشعرون بأنهم أقليات

خارجية يمكن تجاهلها بصورة غالبة]، وكان امامهم واحد من ثلاثة خيارات : فبوسعهم قبول وضعهم كأقلية تابعة

خارجية. أو بوسعهم تبني أخلاقيات وعادات اللاتينيين ولغتهم والإنصهار في الجالية اللاتينية، "الانصهار الثقافي

المعكوس" كما وصفه الباحثان الخاندرو بوركيز وأليكس ستيبيك. أو ترك ميامي وهو ما اختار القيام به 000 140

منهم في الفترة ما بين 1983 و1993؟! وقد تم التعبير عن هذا الرحيل الهائل في أحد ملصقات السيارات الذي يقول"

هل لآخر الأمريكيين الذين يتركون ميامي ان يحضر معه العلم) الوطني( " ! طبعا يتبين أن النموذج الأمريكي المفضل

عند أغلب الباحثين الإجتماعيين والإقتصاديين وحتى المثقف والسياسي … حيث إنه أفضل نسق متكامل،) اقتصاديا،

اجتماعيا، ثقافيا …( ولأنه يعرف أرقى مستويات التعايش الداخلي ­ المثالي في نظر الحداثيين والديمقراطيين

البسطاء - الذي هو نتاج تراكم المكتسبات التي طالبت بها جميع شرائح ذلك الشعب باختلاف تلاونيه الطبقية

والاديولوجية والاثنية، والثقافية، ودافعوا عنها عبر القرن الماضي، واليوم يبدو أن الحالة تشهد تغيرا سلسا وهادئا

ومتطورا، فما تحدث عنه الأستاذ صامويل هنتغتون، من تغيرات جذرية على المشهد الإجتماعي والسياسي والثقافي

والإعلامي … وما خرج به من استنتاجات من خلال تحليلاته ­ والتي سقنا أهمها- يجعل المرء يعيد النظر، بل يركز

النظر وبقوة على ما يحدث بالفعل ويعيد قراءته للمشهد وللفكرة الأمريكية بكل مكوناتها، لربما يخرج بأكثر مما خرج به

الكاتب، وإلا فقط يصحح بعض مفاهيمه واعتقاداته السابقة حول نفس الموضوع، الذي قد تكون من البديهيات أو

المسلمات الراسخة في الأذهان من فرط الإعجاب بها بحكم الشعور بالتخلف والضعف وبحكم التداول الوظيفي

والإديولوجي لها أو حتى بحكم التطبيع اليومي غير المقبول؛ لأنه يسبب نوعا من الإنهيار النفسي عند الفرد أو المجتمع

لأن تلك المعلومات تستخدم في الحرب الإعلامية والنفسية ضد نفسيته كمغلوب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:35 pm


إزدراء الثقافة
هل تمثل ميامي المستقبل الذي ينتظر لوس انجلس والجنوب الغربي للولايات المتحدة؟ في نهاية المطاف، قد يكون

الوضع مماثلا، إلا أن لتننة أو هسبنة ميامي كان سريعا وبدافع اقتصادي ولتننة او هسبنة الجنوب الغربي للولايات

المتحدة كانت أبطأ ومتواصلة، ومدفوعة بدافع سياسي، فالحكومة المكسيكية مثلا منذ الثمانينات، بدأت تسعى إلى زيادة

أعداد وثروة الجالية المكسيكية ونفوذها السياسي في الجنوب الغربي للولايات المتحدة ودمج هؤلاء السكان في

المكسيك، وقال الرئيس المكسيكي إرنستو زيديللو في التسعينات إن " الأمة المكسيكية تتجاوز الأراضي التي تحددها

الحدود "خليفته فنسنت فوكس وصف المهاجرين المكسيكيين بأنهم" أبطال " ووصف نفسه بأنه رئيس 123 مليون

مكسيكي، 100 مليون في المكسيك و23 في الولايات المتحدة الأمريكية، وبتزايد أعدادهم، فإن المكسيكيين الأمريكيين

سيشعرون بصورة متزايدة بالارتياح تجاه ثقافتهم، ويشعرون في العادة بالإزدراء للثقافة الأمريكية، بالإضافة إلى

الافتخار بتراثهم الحضاري والسياسي، فإن أحد المؤشرات تكهن بالمستقبل، إذ جاء في قراءة لواحد من هذه أنه عام

1998، احتل اسم " خوسيه " محل اسم " مايكل " كالإسم الأكثر شعبية للمواليد الذكور الجدد في كل من كاليفورنيا

وتكساس..؟
خلافات لا يمكن حسرها
إن التوسع العددي المتزايد يشجع على الترسيخ الثقافي ويدفع المكسيكيين الأمريكيين لا إلى تقليل بل إلى تمجيد

الخلافات بين ثقافتهم والثقافة الأمريكية، وكما قال رئيس المجلس القومي للارازا عام 1985 م فإن " المشكلة الأكبر

التي نواجهها الآن هي الصراع الثقافي، الصراع بين قيمنا وقيم المجتمع الأمريكي " ويواصل الخبير الأمريكي ليحذر

من عواقب تواصل الهجرة الهائلة) من دون حدوث عملية انصهار (التي من شأنها أن تقسم الولايات المتحدة إلى بلد

بلغتين وثقافتين مثل شكل كندا وبلجيكا ولتكون هذه الوضعية الأخيرة حسب اعتقاده [ نهاية أمريكا كما عرفناها على

مدى ثلاثة قرون، إن على الأمريكيين ألا يسمحو لهذا التغيير بأن يحدث، إلا إذا كانوا مقتنعين بان هذا البلد الجديد

سيكون بلدا أفضل ]، وللأسف مع ليونته في بعض الأحيان وتسامحه مع التغيير الذي تشهده بلاده إذا كان هذا التغيير

بإرادة وعن اقتناع أبناء هذا البلد، إلا انه ختم مقاله بكلمات تحمل نزعته - التي لا أريد وصفها بالشوفينية - العاطفية

المؤطرة لخلقياته الفكرية والسياسية وهذا يخرجه من باحث يحترم البحث الموضوعي الى باحث يمزج بين العاطفة

وبعض الموضوعية، إن لم أقل يغلب العاطفة أكثر، وهاك ما قاله واحكم:"ليس هناك حلم أمريكي لاتيني، إن هناك حلما

أمريكيا خلفه المجتمع الأنجلو- بوتيستنتي، المكسيكيون الأمريكيون سيشاركون هذا الحلم وذاك المجتمع فقط إذا حلموا

بالإنجليزية" … ! ! !
وجهة نظر … !
يشكل البحث عن الهوية عن الذات عن التاريخ عن الأثر … أهم مطلب إنساني ثقافي ­ وجودي مع بداية القرن 21،

مع الاعتراف أن الإحساس بالغربة في الوطن أو حتى بعدم الجدوائية وبالهامشية شكل شعورا يتراكم مع السنين،

فانطلقت أسئلة في البداية كانت مجرد حوار داخلي بسيط وبريء نتاج البحث عن الذات الحقيقية، لكن مع تعمق

الإحساس بنوع من الإنفصامية الداخلية والكبت الكثير خرجت الأسئلة معبرة عن مطلب وجودي يثبث للأنا الثقافي ­

المعرفي - الإثني … جوابا إما أنني موجود أو غير موجود!؟
فكانت الأرضية السياسية والإجتماعية والثقافية مشجعة على أن يتخذ الحوار المحجوب وغير المعترف به وغير العلني

نوعا من الإنعراج نحو " أ شكلة الذات " وجعلها موضوعا مستفزا للبحث والتنقيب، وكانت العلوم الإنسانية قد ساهمت

بشكل أو آخر بالدفع بذلك خاصة منها علم الاجتماع وعلم الآثار … [ السوسيولوجيا، الأنثروبولوجيا،

الإبستيمولوجيا … ]، والعالم اليوم يعرف نوعا من الحركية نحو هذا الإتجاه، بالعودة بالثقافات التي نسيها الإنسان أو

تناساها بحسن النية أو عن سابق إصرار إلى منبعها الأصيل، ولربما لعبت العولمة كمفهوم وواقع دورا أساسيا للوقوف

مع الذات الثقافية والحضارية وقفة حقيقية لاستعراض مكامن القوة والضعف، ولطرح أسئلة محرجة عن مستقبل هذه

الذات ، لما لا .. وعن إمكانياتها في الاستمرار في ظل دعوات لتوحيد القيم، بل في ظل هيمنة معرفية وثقافية وإعلامية

وحضارية وعسكرية للأخر لمجرد أنه قوي وقادر على حماية نفسه ضد أشكال أخرى غريبة عنه - بحسب اعتقاده - ،

وهذا منطق الإستئصال إن لم أقل منطق الإحتواء الممنهج ، لأنه بكل بساطة غير قادر على التعارف والتحاور الحضاري

بله التشارك من أجل صنع وبناء مستقبل للإنسانية، بما أن الكل يعترف بالمشترك الإنساني الذي هو أساسا قاعدة

للإنطلاق نحو غد أفضل بترقية أنفسنا، بإشاعة منطق التسامح والسلام والتحاور في المختلف فيه والترفع أيضا عن

الخلافات والصدمات المتكررة للأسف في مختلف نقاط العالم التي تنعت " بالمناطق الساخنة " و" منطق التوتر" …
إن احلال منطق الصراع والتصادم محل منطق التعايش والحوار هو تزكية للجانب الحيواني والعدواني في النفس

البشرية، من أجل استفراغ كل مظاهر العنف من قلق وتوتر وغيره بشكل عدواني، تدميري، دموي ..، رغم امكانية

تخفيف قوة ذلك الضغط بأشكال معينة تحمينا من تدمير ونفي أنفسنا بأنفسنا، فالحوار كمفهوم وممارسة هو الشكل

الراقي، والميزة الوحيدة للإنسان ،عن غيره من الكائنات ، لان العقل يعمل كل ما بجهده لخدمة ذلك الهدف، والقارئ

للتاريخ والمعتبر به، يخرج دائما بأن الدول والحضارات تقوم على التواصل والحوار وتنهار على واقع الصدام

والصراع، ثم إن المتمعن في التاريخ المعاصر وخاصة مع بداية الإنهيار السوفياتي في أواخر الثمانينات، سيلاحظ أن

الإنسان المعاصر يعيش تحت هواجس ضاغطة قد أجزم على أنها " هواجس إنسانية مشتركة ومعولمة " لأن اغلب

الباحثين والمتخصصين في علم المستقبليات والإستراتيجيات قد ألفوا بشكل أو آخر في موضوع الصدام الحضاري منذ

ذلك العهد متوقعين حدوثه ، وكأنهم ينبئوننا بأن مسقبل الإنسانية في خطر لما سيعرفه من قلاقل وحروب وصدامات،

ثقافية وحضارية وعسكرية واقتصادية …، مثلا الباحث الإستراتيجي الفرنسي بيار لولوش وصف التفجيرات التي تعرفها

مختلف قارات العالم بفوضى الأمم، ووصفها كتاب جامعة أكسفورد بالدول في عالم متقلب، وو صفها السياسي الأمريكي

زبغينو برجنسكي في كتابه بالإنفلات أو الإضطراب العالمي عشية ق 21، ووصفها الدكتور المهدي المنجرة الخبير

الإستراتيجي المغربي بالحرب الحضارية الأولى، ووصفها أستاذ العلوم السياسية صامويل هنتغتون بصدام الحضارات

…، وهذا الموضوع الأخير، أعطيت له أهمية قصوى حيث بلغت الردود عليه بالنفي أو القبول أوجها، فأقيمت الندوات

والمحاضرات واللقاءات وخاصة في البلدان الإسلامية، بتحمل بعض عواصمنا في العالم الإسلامي عبء استضافة هذه

المناقشات والمناوشات الفكرية، فقط من أجل أن نبرهن على أن العالم الشرقي ­ الإسلامي بالمنصوص، محب

للحوار والتعايش وللأسف جاءت أحداث دموية وإرهابية لنعكس نتائج المجهودات المبذولة، لأن هذه البلدان وغيرها

عرفت انفجارات واضطرابات عنيفة ومفجعة سبب أغلبها ديني عقدي وهذا ما جعل التهمة المشؤومة تكاد تثبت علينا،

لأن الغرب عموما ينظر الينا نظرة سلبية وكلها شك وريبة نتاج ما إلتصق بأذهانه من صور ضحايا تفجيرات نيويورك

ومدريد أكثر من صور ضحايا الرياض والدار البيضاء... أي أنه يعتقد أن العنف والإرهاب موجه ضد الغرب المسيحي

من طرف " المرتبطين بالدين الإسلامي "، ولم يكن هذا الإعتقاد إلا أساس نظرية صدام الحضارات، لأن هذه الأخيرة لم

تشر إلى أن العنف أو الصدام او حتى العقل الرفضوي يعلن علنا وبكل صراحة ان كل من لا ينضبط لصفه ولشروط

تفكيره وللمنهج الذي يؤسس عليه اعتقاده فهو مرفوض خارج دائرته ونسقه الفكري، سواء كان مسلما أو ذميا أو

كافرا... وكما يقول المستشرق الألماني الأستاذ فريتس شتيبات منتقدا المنطق الذي تعامل به هنتغتون مع الحضارة

الإسلامية والإسلام في كتابه الإسلام شريكا حيت يقول : [ إنما يضع ­ هنتغتون ­ في الواقع إطارا نظريا لاستنفار

كل من الإسلام والمسيحية تجاه الآخر. وهكذا نجده يتنبأ بنبوءة يتوقع لها ان تتحقق ­ وذلك ­ ببناء آرائه، بقصد أو

بغير قصد، على افتراض مؤاده أن الأديان يواجه بعضها البعض بطريقة لابد أن تؤدي بالضرورة الى كل أنواع

الصراع، بما في ذلك الصراعات العنيفة.] ص 68.
إن هنتغتون يعيد الكرة مرة أخرى لنفس الموضوع، لكن بصيغة أخرى، فالتهديد في اعتقاده لم يكن من الحضارات

المنافسة للحضارة الغربية ) أمريكا بالخصوص ( التهديد هذه المرة والخطورة تكمن في الخط الداخلي، أي فيما

تحتفظبه حدود و.م.أ وليس فيما يرد الى حدودها من الخارج، لقد وقع هذا السيد في" مأزق تناقضي" ) كما يتهم ماركس

فيبر الإسلام ( بين أن يقول أن أمريكا سيدة العالم ومروضة الحضارات، وصانعة القيم المثلى ومعوملمتها على الدول

لتواجها بها قيم العالم الثالث السفلي، بتقاليده البالية وثقافته المتوحشة وحضارته البدائية وأعراقه التي لم تصل الى

العرق الراقي بعد… وبين أن يعترف أن" المعتقد المطلق " وقد سقط أو أنه مجرد وهم، حيث كشف على أن أمريكا لا

تستطيع أن تحافظ على قيمها في الداخل وأنها مهدد في أساس بنيتها وعقيدتها … بقوله [ وفي هذه الحقبة الجديدة فإن

التحدي الأكثر مباشرة وخطورة الذي يواجه الهوية التقليدية الأمريكية، يتأتى من الهجرة الهائلة والمستمرة من أمريكا

اللاتينية ..] و[ ... ثقافة الولايات المتحدة الأمريكية الأنجلو بروتيستنية، والعقيدة التي أنجبتها، تعرضت في العقود

الأخيرة من القرن ال 20 لهجوم شعبية عقائد التعددية الثقافية والتنوع في الدوائر الفكرية والسياسية، ورافق ذلك سواد

هويات الجماعات القائمة على الجنس أو الإثنية أو النوع على الهوية القومية … وتواجه الهوية القومية للولايات

المتحدة كما حال هويات الدول الأخرى لتحدي قوى العولمة، كما وتحدي الإحتياجات التى التي تطرحها العولمة بين

الشعوب لهويات " الدم المعتقد " الأصغر والأكثر …] [ ويطرح هذا في الواقع سؤالا أساسيا : هل ستبقى الولايات

المتحدة دولة واحدة بلغة قومية واحدة وثقافة أنجلو بروتيستنتية أساسية ؟ ] [ إن الأمريكيين، بتجاهلهم هذا السؤال إنما

يخاطرون بتحولهم في نهاية المطاف إلى شعبين مختلفين بثقافتين مختلفين ) ثقافة أنجلولية وأخرى لاتينية ( ولغتين

الإنجليزية والإسبانية …]، إنه ليس الوحيد الذي يكتشف أو يحس بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش في حالة من "

التناقض المروع "، وليس الوحيد الذي يطرح السؤال من جديد على مستقبل الفكرة الأمريكية التي شكلت للبعض أيتوبية

اجتماعية وحضارية ضاربة بالجدور، وللبعض الأخر شبحا يهدد كيان كل دولة، ومجتمع وحضارة، بل هناك أيضا

الأستاذ ألان بلوم أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة شيكاغو الذي ألف كتاب "عقم العقل الأمريكي" وتساءل فيه بدوره عن

حالة الهشاشة التي يعرفها المجتمع والثقافة الأمريكية بقوله " كيف يمكن إذا تفسير السهولة التي تجدرت بها على

أرضنا أفكار تتناقض مع المثال الأمريكي؟."
وبعد أن تحدث بالخصوص عن الفلسفة الألمانية وكيف احتوت الثقافة الأمريكية … ومن الملاحظ أن هنتغتون في

مناقشته لموضوع [ التهديد اللاتيني] لا يدعو العقل الأمريكي وحده، بمختلف مكوناته بالعودة إلى الذات، لتعميق

الإنزواء الداخلي، وتكريس نوع من الإنغلاق لإعادة البحث عن خلل كامن في الأسس الحضارية والسياسية والإجتماعية

الأمريكية فقط، ولكنه يدعو لتركيز الإهتمام وإعادة النظر بشكل أو آخر إلى الفسيفساء الذي تعرفه معظم دول العالم،

وأقول الفسيفساء بدل " المأزق التناقضي " ، لأن عموم الثقافات الوطنية وخاصة في البلدان الإسلامية ­ العربية-

المعترف بها والتي تحظى بأهمية قصوى، تسعى في غالب الأمر إما للإقصاء أو الاحتواء ولا تسعى بالضرورة للحوار

والتعايش والإغناء، فمثلا المشكل العراقي أدى إلى بروز تجاذبات عرقية ودينية ولغوية لم تكن معروفة زمن "عار

القومية العربية "، ) كرد- تركمان- أشوريين ­سنة-شيعة-مسيحيين … ( ، وبلدان الحوار الحضاري هو قضية

وجودية اكثر من كونها قضية مشترك ومختلف فيه، والإعتراف بهذا المعطى يغنينا عن إضاعة الوقت في البحث

والتنقيب عن بعض خلفيات وأبعاد الأفكار المطروحة عالميا ) الصراع الحضاري، التهديدات الإرهابية والعرقية … (

، والتي كثيرا ما تكون مسببة للحرج والضيق للجميع، لأن توظيفها الإيديولوجي هو الذي جعلها تكون في حالة تسيب

وفوضى وبعيدة كل البعد عن الأسئلة الحقيقية الكبرى ، حيث يتحاشى الغرب والشرق بأنظمتهما الفكرية والثقافية

والسياسية … الإجابة عنها، فعلينا ك ) مثقفين، مفكرين، سياسيين، طلبة … (أن نتحرر مما يصنع في المختبرات غير

المرئية ) إعلامية، فكرية، تقنية، وصناعية … ( من أوهام إما أنها تغدي فينا الجانب العدواني الغريزي أكثر فأكثر

فنسير حسب المخطط له، أو أنهم بتلك الأوهام يسعون من ورائها إلى تنويمنا أكثر من سعيهم إلى إيقاظنا، واخطر شيء

على الإنسان هو أن يعيش في الوهم، ويجمد وعيه الذي يدرك به حقيقة الأشياء، لأن ليس الوعي والإدراك وحدهما

المجمدين ولكن أيضا قوة الفعل الإنساني في التحرر من " زمن الوهم"، فيصبح الإنسان تابعا آليا، لا حول له ولا قوة

إلا الإستجابة لمتطلبات الغير والتحرك بحسب إرادته .. ! وللأسف فإن بعض المؤسسات الدولية وبعض الأنظمة تساهم

في أن يبقى وعي وإدراك بعض الشعوب منوما غير يقظ في زمننا هذا "من الوهم المؤسس " . أخيرا، وردت ردود على

مقال السيد صامويل هنتغتون على مجلة *FP النسخة العربية لشهر مايو / يونيو 2004، معبرة إما عن حالة الإستياء

من طروحاته ووصف بأنه "وطنجي تقليدي " أو بالغلو غير العلمي في الوطنية، كماوصفه فؤاد عجمي بروفيسور

كرسي مجيد خدوري بجامعة جون هوبكنز بكلية الدراسات الدولية المتقدمة واشنطن مع أنه وافقه في بعض آرائه (

ووصفه بروس أي رأيت أستاذ فخري في العلوم السياسية جامعة كاليفورنيا فوليرتون ­ كاليفورنيا ­ " بأن

المقال إهانة ليس فقط للاتينية والكاتوليك، ولكن أيضا لبقيتنا ممن لم تبلغ هويتهم من السطحية بحيث يشعرون بالتهديد

من قبل غزو كبير من الآخرين بل أنهم المجلة ( FP ) بأنها هبطت إلى مستوى من الصحافة السياسية غير

المسؤولة"… وغيرها من الردود في المجلة، وأنصح القارئ الكريم بالرجوع إلى العددين ) مارس- أبريل 2004

النسخة العربية ومايو- أبريل 2004 ( ، لقراءة المقال ولقراءة الردود ، تعميقا لفهم الأفكار المطروحة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:37 pm


كتاب من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية
يقول هنتنغتون في الفصل الأول من كتابه هذا "من نحن": "لا يوجد مجتمع خالد. وكما قال روسو؛ "إذا كانت إسبارطة

وروما قد زالتا، فأية دولة يمكن أن تأمل في الاستمرار إلى الأبد؟" حتى أكثر المجتمعات نجاحاً تكون في مرحلة ما

مهددة بالتفسخ الداخلي والتلاشي وبقوى "بريدية" خارجية جبارة وعديمة. وفي النهاية، ستعاني الولايات المتحدة

الأمريكية قدر اسبارطة وروما والجماعات الإنسانية الأخرى.
تاريخياً، شمل جوهر الهوية الأمريكية بأربع مكونات رئيسية: العرق والإثنية والثقافة (اللغة والدين بشكل ملحوظ)،

والايديولوجيا:أمريكا العرقية والإثنية لم تعد موجودة. وأمريكا الثقافية تحت الحصار. وكما توضح التجربة السوفيتية؛

الايديولوجيا صمغ ضعيف ليثبت شعباً إذا ما افتقرت الجماعة إلى المصادر العرقية والإثنية والثقافية. ويتابع هنتنغتون

قائلاً بأنه وكما لاحظ روبرت كابلان ربما توجد أسباب "أن أمريكا ولدت لتموت، أكثر من أي أمة أخرى". ومع هذا، فإن

بعض المجتمعات، التي تواجه تحديات خطيرة لوجودها، قادرة على تأجيل فنائها وإيقاف تفسخها، بتحديد إحساسها

بالهوية الوطنية وهدفها الوطني، وقيمها الثقافية المشتركة، وكما يرى هنتنغتون فإن هذا ما فعله الأمريكيون بعد 11

أيلول، وأما التحدي الذي يواجهونه في الأعوام الأولى من الألفية الثالثة فهو يتجلى في ما إذا كان باستطاعتهم

الاستمرار في فعل ذلك إن لم يكونوا تحت الهجوم".
وبعد هذه الاستهلالية التي توضح وإلى حدٍّ بعيد الفكرة الأساسية التي حاول هنتنغتون طرحها من خلال كتابه هذه، بعد

ذلك يمكن القول بأن الكاتب الذي هو إنما عالم اجتماع يتعامل من خلال كتابه هذا مع التغيرات الجارية في سمات

وجوهر الهوية الوطنية الأمريكية البارزة. والسمة البارزة هي الأهمية التي يعزوها الأمريكيون لهويتهم الوطنية مقارنة

بهوياتهم الكثيرة الأخرى. أما الجوهر فيشير إلى ما يظن الأمريكيون أنهم يتملكون بشكل مشترك ويميزهم عن الشعوب

الأخرى. وهنتنغتون في كتابه هذا يقدم ثلاثة براهين أساسية: الأول، تنوعت سمة هوية الأمريكيين الوطنية الأساسية

خلال التاريخ. وفقط في أواخر القرن الثامن عشر شرع المستوطنون البريطانيون على الساحل الأطلسي بتمييز أنفسهم

ليس كقاطنين لمستعمراتهم الفردية وحسب بل كأمريكيين أيضاً. وبعد الاستقلال، أخذت فكرة الأمة الأمريكية تترسخ

على نحو متعثر في القرن التاسع عشر. وقد غدت الهوية الوطنية بارزة بالمقارنة مع الهويات الأخرى بعد الحرب

الأهلية، وازدهرت النزعة القومية الأمريكية خلال القرن التالي.
وإذا كانت الهويات القومية الفرعية والثنائية القومية والمتعددة القومية في الستينيات من القرن الماضي قد أخذت تنافس

وتضعف مكانة الهوية الوطنية، فإن أحداث أيلول المأساوية أعادت تلك الهوية إلى الواجهة جدياً. فطالما رأى

الأمريكيون أن أمتهم تحيط بها الأخطار، تكوّن لديهم إحساس عالٍ بالانتماء إليها على الأرجح. وإذا تلاشى شعورهم

بالخطر فقد تتقدم هويات أخرى على الهوية الوطنية ثانية. الثاني: عرّف الأمريكيون وخلال قرون، في درجات مختلفة،

جوهر هويتهم بلغة العرق والإثنية والايديولوجيا والثقافة. وقد تقلص العرق والإثنية إلى حدٍّ كبير؛ فالأمريكيون يرون

وطنهم مجتمعاً متعدد الإثنيات والأعراق. و"الميثاق الأمريكي"، كما صاغه توماس جفرسون في البداية ودققه آخرون

كثر، يُعتبر العنصر المعرّف الحاسم للهوية الأمريكية. والميثاق، هو ثمرة ثقافة المستوطنين المؤسسين الأنغلو

بروتستانتية الواضحة في أمريكا خلال القرنين السابع عشر والثاني عشر، وتشمل عناصر تلك الثقافة الأساسية: اللغة

الإنكليزية، والمسيحية، والالتزام الديني، والتصورات الإنكليزية لحكم القانون، ومسؤولية الحكام، وحقوق الأفراد، وقيم

النزعة الفردية البروتستانتية المنشقة، وأخلاق العمل، والاعتقاد بأن الإنسان لديه القدرة وعليه واجب محاولة خلق جنة

على الأرض، "مدينة الهضبة". وتاريخياً فقد انشدّ آلاف المهاجرين إلى أمريكا بسبب هذه الثقافة وساعدت الفرص

الاقتصادية على جعل ذلك ممكناً.
الثالث، كانت الثقافة الأنغلو بروتستانتية مركزية في الهوية الأمريكية لثلاث قرون. فهي ما لدى الأمريكيين بشكل

مشترك، وكما لاحظ أجانب كثر، ما يميزهم عن الشعوب الأخرى. وفي القرن العشرين، في كل حال، واجهت سمة

وجوهر هذه الثقافة تحديات من موجة مهاجرين جديدة من أمريكا اللاتينية وآسيا، وشعبية مبادئ التعددية الثقافية

والتنوع لدى الأوساط الفكرية والسياسية، وانتشار الإسبانية كلفة أمريكية ثانية وميول الهسبنة في المجتمع الأمريكي،

وتأكيد هوية المجموعات القائمة على أساس العرق والإثنية والجنوسة وتأثير الجاليات وحكوماتها الوطنية، والتزام

النخب المتزايد بالعالمية والهوية المتعددة القوميات. وفي ردّ على هذه التحديات، قد تتطور الهوية الأمريكية باتجاه:

(1) أمريكا الميثاقية التي تفتقر إلى نواتها الثقافية التاريخية، ويوحدها التزام عام بمبادئ الميثاق الأمريكي. (2) انقسام

أمريكا الثنائي بلغتين: إسبانية وإنكليزية، وثقافتين: أنغلو بروتستانتية وذات أصل إسباني. (3) أمريكا الإقصائية، يعرفها

ثانية العرق والإثنية والتي تستبعد و/أو تهمّش تلك التي ليست بيضاء وأوروبية. (4) أمريكا المتجددة التي تؤكد ثقافتها

الأنغلو بروتستانتية التاريخية والتزاماتها الدينية، وقيمتها التي تعززها مواجهاتها مع عالم معادٍ. (5) وحدة ما لهذه

الاحتمالات أو غيرها، وطريقة تعريف الأمريكيين لهويتهم، بدورها، تؤثر على مدى تفكير الأمريكيين ببلدهم عالمياً أو

إمبراطورياً أو قومياً في علاقاته مع بقية العالم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:40 pm


في كتابه التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية عندما يتساءل صموئيل هنتنغتون: من نحن


العرب اليوم :- تواجه الهوية الأمريكية تحديات كثيرة, كونها بالأساس هوية حديثة لم تستقر بعد وما تزال عرضة

للتطورات. وبقدر ما سعى صموئيل هنتنغتون في كتابه الجديد (من نحن - التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية)

استعراض هذه التحديات ونشأتها واتجاهاتها وانعكاساتها, فقد حرص على طرح المسألة وكأنه يقرع جرس الإنذار داعياً

إلى مجموعة اصطفافات ومبادئ تدعم وترسخ تيار المحافظين الجدد الحاكم الآن في الولايات المتحدة.
يتساءل هنتنغتون بداية عن (أزمة الهوية القومية) هل نحن شعب واحد أم عدة شعوب? وماذا يميزنا عن غيرنا وهل

الولايات المتحدة أمة عالمية ? هل تملك أية هوية ذات معنى كأمة? ويؤكد علينا ان نعرف من نحن قبل ان نتمكن من

معرفة ما هي مصالحنا. فالصراع على ما يجب ان نفعل في الخارج متجذر في الصراعات على حقيقة من نحن في

الوطن. ويقول: ان جوهر الهوية الأمريكية شمل تاريخياً أربع مكونات رئيسية: العرق والاثنية والثقافة والايديولوجيا.

أمريكا العرقية والاثنية لم تعد موجودة. وأمريكا الثقافية تحت الحصار. وكما توضح التجربة السوفيتية, الايديولوجية

صمغ ضعيف لا يثبت شعباً. وكما لاحظ روبرت كابلان ربما توجد أسباب (ان أمريكا ولدت لتموت أكثر من أي أمة

أخرى).
ويوضح ان مشكلة هوية أمريكا فريدة ولكن أمريكا ليست فريدة في ان لديها مشكلة هوية فالنقاشات حول الهوية

الوطنية سمة عامة لزمننا. وبدأت الهويات الثقافية القومية الثانوية والمحلية تتقدم على الهويات الوطنية الأكثر اتساعاً.

ويطل القرن الواحد والعشرون كقرن للدين في كل مكان عملياً. فالناس يعودون إلى الدين للراحة والهداية والعزاء

والهوية إلا في أوروبا الغربية. وهناك أربع هويات على الأقل محتملة للمستقبل: ايديولوجية, انفصالية, انتقائية, ثقافية.

ويرجح ان تكون أمريكا المستقبل مزيجاً من هذه الهويات وهويات ممكنة أخرى. وأمريكا بميثاقها فقط كقاعدة لوحدتها

يمكن ان تتطور سريعاً إلى اتحاد هش لمجموعات سياسية وثقافية واثنية وعرقية. وفي عالم تشكل فيه الثقافة ولا سيما

الدين الولاءات والتحالفات والخصومات يستطيع الأمريكيون ثانية ان يجدو هويتهم القومية وأهدافهم القومية في ثقافتهم

ودينهم.
ويتناول بعدها مفهوم الهوية ومصادرها, مؤكداً ان مفهوم الهوية متعدد الأوجه وغير واضح. ويعرف الهوية بانها

احساس فرد أو جماعة بالذات, انها نتيجة وعي الذات وتميزها عن الغير. وغالباً ما تكون الهويات مركبة ومتعددة.

وتقود حاجة الأفراد لاحترام الذات إلى الاعتقاد بان مجموعتهم أفضل من المجموعات الأخرى. ولدى الناس عدد غير

محدود تقريباً من المصادر المحتملة للهوية أبرزها السمات: الشخصية والثقافية والجغرافية والسياسية والاقتصادية

والاجتماعية. ويؤكد هنتنغتون ان الأمم والنزعة القومية والهوية القومية هي إلى حد كبير نتاج المجرى الصاخب

للتاريخ الأوروبي الحديث. فالحرب صنعت الدولة وصنعت الأمم. ويوضح ان الفكرة المركزية في كتابه هي استمرار

مركزية الثقافة الانجلو - بروتستانتية في الهوية القومية الأمريكية.
ويعرض مكونات الهوية الأمريكية مبيناً ان وصف أمريكا انها أمة من المهاجرين هو توسيع لحقيقة جزئية إلى كذبة

مضللة وتجاهل لواقع بداية أمريكا والأساس كمجتمع مستوطنين, ويشدد على مكونها الميثاقي الذي يسمح للأمريكيين

بالاعتقاد ان بلدهم استثنائي لأن أمتهم عرفت هويتها بالمبادئ بدلاً من النسب, وفي الوقت نفسه بالإدعاء ان أمريكا هي

أمة عالمية لأن مبادئها قابلة للتطبيق في كل المجتمعات. ويقول ان الأمريكيين لا يربطون أنفسهم كشعب بأي مكان

وطني خاص كتجسيد وحيد لهويتهم. فالايديولوجيا تتقدم على الأرض عند الأمريكيين. وبالمقابل شعر الأمريكيون

بالتعاطف إزاء العرق والاثنية, فالولايات المتحدة في معظم تاريخها كما يقول آرثر شليسنجر الابن كانت أمة عنصرية.
ويؤكد ان الثقافة الانغلو - بروتستانتية للمستوطنين المؤسسين هي مكون الهوية الأمريكية المركزي والدائم, والميثاق

الأمريكي مخلوق متفرد للثقافة البروتستانتية المنشقة, ويتوسع في الحديث عن الدين والمسيحية والتدين العميق

للأمريكيين, مرجحاً ان تكوين الولايات المتحدة الديني في بداية القرن الحادي والعشرين قد أصبح أكثر مسيحية. ويقول

ان العنصر الجوهري للدين المدني في أمريكا هو اعتقاد الأمريكيين بانهم شعب الله المختار وان أمريكا هي (إسرائيل

الجديدة) ذات رسالة مقدسة ان تعمل لخير العالم. و إذا كان الميثاق الأمريكي بروتستانتياً دون إله, فالدين المدني

الأمريكي مسيحي دون مسيح.
ويؤكد ان الأمة الأمريكية هشة وحديثة البناء الانساني أكثر من معظم الأمم الأوروبية ويوضح ان العلم الأمريكي عنصر

جوهري في الهوية القومية ولعل الشعب الأمريكي هو الوحيد الذي لديه يوم عطلة هو يوم العلم. وقد كانت هذه العبادة

للعلم نتاجاً رئيسياً للحرب الأهلية.
ويتحدث بعدها (تفكيك أمريكا: نهوض الهويات الفرعية) وبداية عن الحركة التفكيكية التي تدعو إلى تعزيز مكانة ونفوذ

المجموعات القومية العرقية والاثنية والثقافية, وتحث على استبدال التاريخ القومي بتاريخ المجموعات القومية الفرعية.

وكان المسؤولون الحكوميون البيروقراطيون والقضاة والمعلمون هم الأكثر أهمية في هذا الائتلاف التفكيكي. ويعرض

بعدها التحدي الذي يواجه اللغة الانكليزية من قبل اللغة الإسبانية بالدرجة الأولى, والتحدي الذي يواجه الثقافة

الأساسية الانغلو بروتستانتية معتبراً ان التعددية الثقافية في جوهرها ضد الحضارة الأوروبية وضد الايديولوجيات

الغربية, وانها مثلت ذروة تآكل طويل في التأكيد على الهوية الوطنية في التعليم, وغدت المعارك ضد التحديات العرقية

والثنائية اللغوية والتعددية الثقافية للميثاق واللغة الإنكليزية وثقافية أمريكا الأساسية عناصر أساسية في المشهد

السياسي الأمريكي في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين.
ويؤكد ان التحدي الناجم عن الهجرة والاندماج هو التهديد الأكبر لأمن الأمم المجتمعي في عالمنا المعاصر ويقول وان

اندماج المهاجرين الجدد أبطأ وأقل اكتمالاً من اندماج مهاجري الماضي, والاندماج حالياً لم يعد يعني الأمركة

بالضرورة, فلم يعد الاندماج والأمركة متطابقين. وفي العقود الأخيرة انخفضت نسبة المهاجرين الذين أصبحوا مواطنين

أمريكيين بشكل كبير وازدادت نسبة المواطنين المجنسين الذين هم مواطنون أيضاً في بلد آخر بشكل كبير. وتشير هذه

الميول إلى تقلص كبير في أهمية المواطنة الأمريكية, والكتلة العظمى من مزدوجي الجنسية هم من أمريكا اللاتينية,

وتعطي الجنسية المزدوجة الشرعية لازدواج الهوية وازدواج الولاء, وتغدو المواطنة الأمريكية ببساطة إضافة مكملة

لمواطنة أخرى.
ويرى ان تحدي الهجرة المكسيكية والهسبنة وتطوراتها يمكنها ان تغير أمريكا إلى مجتمع انغلو - هيسباني ثنائي ثقافياً

بلغتين وطنيتين (الإنكليزية والإسبانية). وينتقل بعدها للحديث عن (دمج أميركا بالعالم) مؤكداً ان غياب عدو خارجي أو

آخر يشجع التفرقة الداخلية وان غياب تهديد خارجي خطير يقلص الحاجة إلى حكومة وطنية قوية وإلى أمة مترابطة

موحدة, والعدو المثالي لأمريكا ينبغي ان يكون عدواً ايديولوجياً مختلفاً عرقياً وثقافياً وقوياً عسكرياً إلى الحد الذي يمكن

ان يشكل تهديداً معقولاً للأمن الأمريكي. وفي 11 أيلول عام 2001 أنهى أسامة بن لادن بحث أمريكا عن عدو,

فالهجمات على نيويورك وواشنطن التي تبعها حروب ضد أفغانستان والعراق والحرب على الإرهاب تجعل من الإسلام

الجهادي عدو أمريكا الأول في القرن الحادي والعشرين.
ويتحدث من ثم عن انحلال النزعة القومية لدى النخب الأمريكية المعولمة مؤكداً ان متعددي الجنسية الاقتصاديين هم

نواة الطبقة العالمية العليا التي تأخذ بالبروز, وعن دور الجاليات حيث تغدوا السياسة الأمريكية حلبة تحاول فيها

حكومات البلدان الأم وجالياتها تشكيل السياسة الأمريكية لخدمة مصالح أوطانها, فبقدر ما تتعاظم قوة الولايات المتحدة

في السياسة الدولية تغدو ميداناً لصراع السياسة الدولية. وبقدر ما تحاول الحكومات الأجنبية وجالياتها التأثير على

السياسة الأمريكية تضعف قدرة الولايات المتحدة على تحديد وملاحقة مصالحها الوطنية الخاصة.
والميول الأربعة التي تشكل مستقبل وجوهر الهوية الأمريكية هي:
-الزوال الفعلي للاثنية كمصدر للهوية لدى الأمريكيين البيض.
-تلاشي الفروق العرقية البطيء وزوال علامات الهوية العرقية البارزة.
-تنامي عدد وتأثير المجموعات ذات الأصل الإسباني والميل باتجاه أمريكا ثنائية الثقافة واللغة.
-الهوة بين سمة الهوية القومية البارزة لدى نخب كثيرة وعلاتها البارزة لدى العامة جميعاً.
ويبحث أخيراً عن (أمريكا القرن الحادي والعشرين:القابلية للخطر, الدين, الهوية الوطنية) مؤكداً ان الهوية الأمريكية

بدأت مرحلة جديدة مع القرن الجديد, وتتشكل أهميتها وجوهرها بقابلية أمريكا للخطر أمام الهجوم الخارجي وانعطاف

جديد إلى الدين. ويقول ان أعداء الولايات المتحدة هم اليوم مقاتلون إسلاميون ذوو دوافع دينية وقوميون صينيون بلا

إيديولوجية على الإطلاق. وبالنسبة للأمريكيين يغدو عنصر هويتهم الديني رابطة جديدة في هذه البيئة. وقد ساند

الأمريكيون في التسعينات بأغلبية ساحقة دوراً أكبر للدين في الحياة العامة وفي السياسة الأمريكية. وكان الدين عاملاً

مركزياً في انتخابات عام 2000 الرئاسية التي جلبت إلى السلطة رئيساً وإدارة مصممة على تأكيد أهمية الدين في

الحياة الأمريكية. ويشير إلى ان بروز سمة الدين المتزايدة في هوية الأمم والشعوب يعني ازدياد ارتباط الدين

بالنزاعات في عدة أجزاء من العالم. و ما ان يغدو الصراع يتركز على قضايا دينية حتى تنعدم فائدته المادية وتتعذر

تسويته.
ويختتم بالقول انه توجد حالياً ثلاثة تصورات لأمريكا وعلاقتها بالعالم: يستطيع الأمريكيون احتواء العالم, أي ان يفتحوا

بلدهم للشعوب والثقافات الأخرى, أو يستطيعون محاولة إعادة تشكيل تلك الشعوب والثقافات الأخرى بلغة الثقافة

الأمريكية, أو قد يحافظون على مجتمعهم وحضارتهم متميزة عن الشعوب الأخرى, والخيارات التي سيتخذها

الأمريكيون لن تشكل مستقبلهم كأمة فحسب بل ومستقبل العالم برمته أيضاً.
الكتاب: من نحن? التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية
المؤلف: صموئيل هنتنغتون
المترجم: حسام الدين خضور
إصدار: دار الرأي - دمشق - الطبعة الأولى 2005
يتطرق لدوافع القتل لدى الاستشهاديين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات   إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات Emptyالسبت 09 فبراير 2019, 10:49 pm

كتاب: من نحن? التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية
المؤلف: صموئيل هنتنغتون
المترجم: حسام الدين خضور
إصدار: دار الرأي - دمشق - الطبعة الأولى 2005

http://www.reefnet.gov.sy/booksproject/fikr/31/3wlaea.pdf




كتاب صدام الحضارات


https://www.iicss.iq/files/books/1q1b9qcur.pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
إعادة تنظيم العالم و صدام الحضارات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أوروبا قد تفوّت فرصة إعادة تنظيم نفسها سياسياً
» لو ظل صدام حسين والقذافي في الحكم لكان العالم اليوم افضل
»  صراع الحضارات وحوار التواصل.. أهم النظريات
»  فلسطين.. مهد الحضارات وموطن المقدسات
» القوة الأمريكية في ميزان الحضارات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: