العولمة تؤتي أكلها
مفاهيم العولمة التي أرادت القوى الكبرى نشرها وتعميمها بكل الوسائل الممكنة لم تصل بوضوح للجماهير العربية التي
انساقت وراء ما تروجه وسائل الإعلام المحلية والخارجية ووقعت ضحية للسطوة والبهرجة التي تتمتع بها هذه الوسائل
وأصبح همها الأول والأخير هو تقليد الآخرين في كل شيء والاستهلاك بغض النظر عن طبيعة المنتج والهدف من
اقتنائه وهذا الأمر ينطبق على المنتجات الثقافية والفنية وعلى وسائل الاتصال بمختلف أنواعها وعلى المنتجات
الاستهلاكية الأخرى كالأطعمة والأشربة والملابس ووسائل المواصلات وغيرها.
وخطورة نشر ما تدعو إليه العولمة في كل المجالات تكمن في ثقافة الأجيال القادمة التي تُشكلها وسائل الإعلام
المشبوهة ويُشكلها محيط أسري واجتماعي مليء بالمتناقضات وبالفساد في أبشع صوره.
والجيل الحالي من الأطفال والشباب صار متشبعاً بالثقافة الغربية حتى النخاع ومفتونا بها لأقصى درجة ولم يعد هناك
مجال للحديث معهم عن الأصالة والهوية أو عن الثقافة العربية والإسلامية لأن هناك تغييباً للثقافة العربية وتشويهاً
للثقافة الإسلامية وهناك تيار تغريبي جارف لم تستطع المجتمعات العربية مواجهته لأنها وببساطة ليست محصنة ضد
التغريب وتمييع الهوية وسلخها في نهاية الأمر.
هل من صحوة قبل فوات الأوان؟
ما يحدث في المجتمعات العربية من تحولات جذرية في الكثير من المجالات هو استلاب فكري وحضاري ومحاولة
لمسخ الهوية عن طريق التغييب المتعمد للثقافة العربية والإسلامية وإقصائها في النهاية وهذا الأمر يشكل خطورة بالغة
على حاضر ومستقبل الأمة العربية ولذلك يجب أن نتنبه قبل فوات الأوان وأن نعمل على تصحيح ومعالجة الأخطاء التي
وقعنا فيها والتي أدت إلى حدوث تحولات غير مرغوب فيها في المجتمعات العربية.
والحفاظ على هوية المجتمعات العربية يبدأ من المحافظة على كيان الأسرة من التفكك والتنشئة الصالحة للأطفال
وغرس القيم الإسلامية في نفوسهم وبناء أجيال واعية متسلحة بالعلم والمعرفة.. أجيال تفتخر بماضيها وتعمل لحاضرها
وتستشرف المستقبل وتعد له العدة. وينبغي على مؤسسات المجتمع وعلى رأسها المؤسسات التعليمية أن تُعنى بنشر
الثقافة العربية والإسلامية، وأن تسعى جاهدة لإبراز السمات والخصائص التي تميز الشخصية العربية عن غيرها لكي
يتمسك بها النشء والشباب وتكون مدعاة للفخر والاعتزاز حتى لا نقع في حبائل التقليد الأعمى للآخرين وما ينتج عنه
من آثار سلبية في كل المجالات.
سلبية الشباب دليل انهيار المجتمع
إيمان حسن
يعاني الشباب العربي من سلبية شديدة، تلقي بظلالها على مختلف نواحي الحياة، الثقافية والاجتماعية والعلمية، وأيضًا
السياسية، ولعل أسباب ذلك تعود بالدرجة الأولى إلى التغيرات والمتناقضات التي يعيشها شبابنا اليوم، والتي أسهمت
فيها ظروف قاسية، مرت على الشباب.
ومؤخرًا، توصلت دراسة اجتماعية، عن اتجاهات وسلوكيات طلاب "كلية ينبع"، بالمملكة العربية السعودية، إلى وجود
ظواهر سلبية خطيرة يمارسها الشباب، تهدد المجتمع، كمعاكسة الطالبات، وانتشار التدخين بين الطلاب، وظاهرة
الرقص في الشوارع، وسرقة السيارات، وتناول الحبوب المنشطة، واللواط، وتخريب الممتلكات العامة.
وتبين من نتائج الدراسة، أن أغلب الظواهر السلبية منتشرة بين طلاب الثانوية، مقارنة بطلاب الجامعة، وتوصلت
الدراسة لأسباب انتشار هذه الظواهر بين الطلاب، إلى الاطلاع على الإنترنت، ومشاهدة برامج الفضائيات، أيضًا افتقاد
المدينة لمراكز أو أماكن مخصصة للشباب، تساعدهم على قضاء وقت فراغهم، وممارسة هواياتهم، وتبين من خلال
الإجابات أن المتنفس الوحيد للشباب هو التجمع عند مدخل الكورنيش، والاستعراض بالسيارات، والرقص الغربي،
ومضايقة العائلات.
كما كشفت الدكتورة السعودية عادلة البابطين، الباحثة الاجتماعية، أن الإنسان خلال ال 18سنة الأولى في حياته يستقبل
150 ألف كلمة سلبية، و4 آلاف كلمة إيجابية، وهي أرقام تكشف الحاجة إلى تغيير أساليب التربية، ودعت إلى تعظيم
الصفات الإيجابية في التربية، حيث يتم إقناع المتلقي بأنها ضمن صفاته، وبالتالي يترجمها إلى سلوك في الحياة، كما
حذرت البابطين من مرافقة الشخصيات المتشائمة، حيث إن الشخص السلبي يحمل إشعاعات، يمكن انتقالها إلى
المحيطين به.
وحول أسباب ظاهرة السلبية المنتشرة بين الشباب، وكيفية تغيرها، وإمكانية ذلك، وقضايا أخرى، نتعرف عليها خلال
السطور التالية من هذا الحوار، مع أستاذ علم الاجتماع، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية د.
عزة كريم:
بداية ما هو تعريف السلبية الاجتماعية؟
لا يوجد مصطلح علمي يُعرف السلبية الاجتماعية بشكل محدد، ولكننا يمكننا تعريفها بأنها حالة عدم الاندماج في
المجتمع، وبالتالي عدم ممارسة أية أنشطة اجتماعية داخله، سواء أنشطة ثقافية أم اجتماعية تطوعية، أم المشاركة في
تقديم مساعدة للغير.. فالشاب السلبي شاب فاقد لروح المبادرة، ولا يقوم بأية أنشطة فيها أي نوع من العلاقات، بل
يعيش في هموم نفسه فقط.
تعليم سلبي
وما الأسباب التي تدفع الشباب إلى هذه السلبية الاجتماعية؟
أقوى هذه الأسباب يظهر عندما يشعر الإنسان أنه في حالة ظلم وقهر وهموم؛ فهذا الشعور يُضعف من قدرته على حل
مشاكل الآخرين، والدخول في علاقات اجتماعية إيجابية.. والشباب العربي يعيش أزمة من أشد الأزمات التي عاشها،
ومر بها، عبر قرون طويلة، فهو يعاني البطالة، والعنوسة، وغير قادر على تحسين إمكانياته.. أو حتى مجرد شغل وقت
فراغه، بممارسة رياضة، أو هواية، أصبحت عبئًا إضافيًّا، على على كاهل ميزانيته.
بل إنه ومنذ الطفولة يعاني نظامًا تعليميًّا فاشلا وطاردًا، والعبء الذي يتحملونه فى هذه الدراسة والمذاكرة لا يربيهم
على تحمل المسئولية، ويتخرجون أنصاف متعلمين، وغير مثقفين.
وهذا شباب يشعر بالظلم، وعدم العدالة، يفعل ما يجده، ولكن لا يفعل ما يريد.. والشاب الذي تُفرض عليه مثل هذه
الظروف لا بد أن يكون سلبيًّا.. ولو تحول للإيجابية فسيعترض للظروف التي يتعرض لها، وبالتالي فهو يفضل السلبية؛
لأنه مهما اعترض فلن يغير من الأمر شيئًا؛ ولهذا فقد اعتبر أن السلبية هي القرار الإيجابي؛ الذى عليه اختياره.
وهل يمكن أن نلقي باللائمة على منظومة التعليم في خلق جيل سلبي؟
لا شك أن نظام التعليم فاشل في كل الدول العربية، فهي جزء من مؤسسات المجتمع التربوية؛ التي هي بدورها منظومة
فاشلة وطاردة، حتى إنها جعلت الشباب كارهًا للقراءة.. فالمؤسسات التعليمية خالية من أوجه الأنشطة، ولا تقام أو
تمارس فيها هوايات الطلبة، ومن ثم لم تُعَد المدرسة لا مؤسسة تعليمية، ولا تربوية، وكل هذا جعل الشباب أكثر سلبية..
ولكن هناك عوامل أخرى أسهمت في هذه السلبية، إلى جانب التعليم، منها وسائل التكنولوجيا الحديثة؛ التي اتجه الشباب
إلى كل الجوانب السلبية فيها، وابتعد عن كل ما هو إيجابي، فوفرت المتعة للشباب، ومن ثم تمزقت علاقات الشباب
الاجتماعية حتى بأسرته.
وأنا أعتبر أن المجتمع بجميع مؤسساته يُسهم فى خلق جيل سلبي من الشباب، وأن هذا لا يتوقف عند حدود المؤسسة
التعليمية فقط، بل يمتد إلى الأسرة والإعلام والحكومة، فكلها منظومة مجتمعية فاشلة وفاسدة.
غياب الانتماء
هل مظاهر السلبية عند الشباب كما كانت سابقًا أم تطورت فى أشكال أكثر عمقًا؟
بالطبع صور هذه السلبية أخذت أشكالا مختلفة، وأكثر عمقًا، بل أكثر مخاطرة، عما كان سابقًا، فهذا الشاب الذي يفقد
انتماءه لبلده، ويشعر بالحرمان من أبسط وأقل حقوقه فيها (مأكل ومشرب، وملبس ودواء، وعلاج وزواج) وهي بالتأكيد
احتياجات أساسية، وليست من الرفاهية فى شيء.. ليس من الغريب أن نراه يلقي بنفسه إلى التهلكة، عبر هجرة غير
شرعية، في مركب غير آمنة، وفي ظروف أمنية غير مواتية، وبعد كل هذه المخاطر إما النجاح وإما الهلاك.. بل
الارتماء فى أحضان بلد عايشنا عدوانها - وما زلنا- وزواج آلاف الشباب من بناتها الإسرائيليات، أو الهجرة للبحث عن
فرصة عمل فيها..!!.
بالتأكيد هذه صور مخيفة من السلبية، نرى فيها شبابنا يضيع أمام أعيننا، وبالتالي فهو ضياع للمجتمع أجمع.
هل معنى ذلك أنه يمكن إطلاق صفة السلبية على مجتمع ما من خلال شريحة الشباب فقط؟
هذا شيء بديهي؛ إذ إنهم يمثلون الشريحة الأهم في أي مجتمع، وعندما يرتكب الشباب فى مجتمع ما الكثير من الجرائم
أو العنف، يُطلَق على هذا المجتمع - بكل مؤسساته- أنه مجتمع عنيف، أو غير آمن، ومن ثم تنتشر فيه السلبية؛ بسبب
غياب الضوابط، وعدم عدالة النظام، وعدم الإحساس بالأمان.
إيجابية مؤقتة
يعيش الشباب فترة طويلة في هذه السلبية، ثم يبدأ فى تغير مفاجىء فى المرحلة الجامعية؛ حيث الاشتراك في الأنشطة،
والانضمام إلى أحزاب أو جماعات ذات توجهات سياسية، أو دينية، فهل يعتبر هذا تحولا للإيجابية، أم إنه مجرد مواكبة
لأجواء الجامعة؟
هذا التحول الذي قد يكون غير مبرر بالنسبة للبعض، هو ليس من قبيل التحول المفاجىء، أو مواكبة الأوضاع الجديدة،
وانما هو تفاعل مع الاحداث.. فهم في مرحلة الطفولة يُعبأون بكل ما يدفعهم لاعتناق سلوك السلبية، بدءًا من نظام
التعليم، وحتى التعامل التربوي من الأسرة، والتعرض للعنف، فيدخل فى المرحلة الجامعية وهو مليء بالإحباطات
والمعاناة والسلبية.. فيبحث عن المجال الذي يجد فيه فرارًا من هذه الضغوط.
ولعل هذا ما يفسر لجوء الكثير من شباب الجامعات للجماعات الإسلامية؛ حيث يجد فى سلك الطريق الديني حفاظًا على
الحقوق، وتحقيقًا للعدل والمساواة بين أفراد المجتمع، وهو بذلك يلجأ لها على أمل التغيير.
هذا التفاعل مع الأحداث أو الفرار كما أطلقت عليه هل يمكن أن يكون وقتيًّا أو جزئيًّا؟
الإنسان كالعجين حسبما شكل، والأيدي التي شكلته لا تستطيع أن تنزع منه حقوقه أو واجباته، وأي شاب يشعر أن له
حقوقًا وعليه واجبات، ويشعر الشاب بالإيجابية في الأشياء التي ينجح فيها، طالما حقق فيها نجاحًا، وإذا تكرر النجاح
فستزداد الإيجابية والتطور والتقدم، أما إذا أخفق وفشل فسيكون سلبيًّا، وبالتالى إذا تكرر الفشل.. فستزداد السلبية
والانعزالية والبعد عن المجتمع
فالإنسان مجموعة من التجارب والخبرات تحدد مدى سلبيته أو إيجابيته؛ ولذلك، فمسئوليتنا عن هؤلاء الشباب تتمثل فى
مساعدته، وإعطائه الفرص؛ لكي يثبت ذاته، فى الدراسة أو العمل، ثم بعد ذلك نقيمه، وسنجده وقتها قادرًا على العطاء،
وسيكون أكثر إيجابية.
وكيف لنا أن نصنف الشاب الذي يتمتع بالإيجابية في جانب، ولكنه سلبي في جانب آخر؟
بداية، أعترض على تصنيف أي شخص بكونه إيجابيًّا أو سلبيًّا، ولكن هناك شخص يتعرض بشدة لضغوط المجتمع، وآخر
قد يكون تعرضه لها أقل حدَّة، وما يجعل أي شاب إيجابيًّا فى جانب من حياته، يرجع إلى تحقيقه لنجاحات في هذا
الجانب، وما يجعل نفس الشخص سلبيًّا فى نواحٍ أخرى يرجع إلى عوائق واجهته فى هذا الجانب، أو فشل اعتراه،
أوعدم مقدرته على تحقيق ذاته فيه.
توعية فاشلة
وإلى أي مدى ممكن أن تصل سلبية الشباب؟
قد تصل إلى أسوأ المراحل من العنف والغيرة والأحقاد، والانطواء والانعزالية والجريمة والقتل، وعدم الانتماء، وربما
أيضًا إلى الجاسوسية.. فكل ما يمكن تخيله من شرور الشيطان يمكن أن يتجسد في الشباب الذي يشعر بسلبية المجتمع
تجاهه، وبالطبع فإن هذا الأمر يختلف من شاب لآخر.
هل يمكن أن تتغير هذه السلبية التى يحياها الشباب؟
بالتأكيد أن لكل سبب مسببًا، وطالما انعدم المسبب فلن يتغير السبب؛ ولهذا فلن تتغير سلبية الشباب إلا بتغيير الظروف،
بل سيظل الشباب هكذا إلى أن يشعر أنه قد حصل على حقوقه الطبيعية في الحياة، وأنه يستطيع أن يعمل، ويتزوج،
ويُكوِّن أسرة، ويجب أن يعطي المجتمع للشباب حقه، ويحميه، بدلا من أن يسأل عن سلبيتهم.
وهل ستجدي مخاطبة الشباب لتغيير سلوك السلبية؟
لا يمكن ادعاء أن مخاطبة الشباب قد تكون مجدية؛ لأن مخاطبة الشباب ليست بالكلمة، ولكن بالفعل، فمخاطبتهم لن
تتحقق إلا بقانون تمنحه الدولة لهم، أو باسترداد حق من حقوقهم المسلوبة..، أما التوعية المجردة، بدون تحقيق مصالح
للطرف الذي تستهدفه، توعية فاشلة تمامًا؛ ولذلك يجب أن يحقق الشباب مصالحه أولا، ويجب أن يمارس الرياضة
والهوايات، ويجد فرصة العمل والتعليم الجيد، ووقتها لن نحتاج للتوعية، بل سنجد الشباب معطاءً وإيجابيًّا ذاتيًّا.