بين ارحل وفوضناك.. أين يبدأ او ينتهي “الهوان” السياسي
February 25, 2019
نادية عصام حرحش
كل يوم نستيقظ على خبر مدوي جديد. ولنقف امام العنوان الأخير: شعارات “ارحل” للرئيس محمود عباس، مقابل شعارات “فوضناك”. التوقيت لكلا الشعارين مضحك مبكي في وقت تشتعل حمى الانتخابات في الكيان الصهيوني. هم يناورون ويحتشدون من اجل رئيس وزراء وانتخابات برلمانية قادمة ونحن لا نزال نقف في مكاننا نراوح بين رحيل وتفويض لنفس الرئيس. نتعامل مع أنفسنا كأننا شعب عادي أصبتنا حمى مشاعر دول العرب بالجوار.
استوقفتني حمى الصراع الفلسطيني بين مؤيد ومعارض ل”ارحل” و”فوضناك”، حيث يلوم من يعترض على “ارحل”، مطالبة الرحيل للرئيس بدلا من مطالبتهم برحيل الاحتلال، وينعته بالفاحش المرتكب للعهر السياسي. وينعت من يعارض على المطالب ب”فوضناك” بالتسحيج والرياء للنظام الفاسد.
مما لا شك فيه، انه وحتى هذه اللحظة، فإن بقاء السلطة مرتبط بفكرة تجمع الشعب نحو تحديد العدو الذي نريد التخلص منه، وهو الاحتلال، وعليه، فإن الشعب يعاني ما يعانيه ويتحمل ما يتحمله. ففي كل مرة يقف انسان معارض لأداء هذه السلطة وقوادها من اجل المطالبة برحيل هذا النظام الذي تعفن وبدأ ينتشر عفنه علينا، يتراجع امام فكرة أخلاقية ترجح لنا أهمية التخلص من الاحتلال أولا.
ولكن، بعد كل هذه الأعوام، وبعد كل ما نراه ونشهده من سلطة، لا يمكن ان نقيم أداء رئيسها او قوادها الا بالسلبي عندما يتعلق الامر تحديدا بالقضية الوطنية، ناهيك عن تهالك كل نواحي الحياة الفلسطينية من اجتماعية وثقافية واخلاقية وتعليمية واقتصادية، هل يبقى لفكرة ان العدو المباشر وهو الاحتلال ما علينا انهاءه أولا؟
ما المتوقع من شعب ينتظر التحرر، ومن يمسك بزمام تحرره لا يريد من التحرر الا انقاذ زمرة من المنتفعين للمحافظة على ما سلبوه من خير هذا الوطن والمواطن؟
مر عقد على انتخاب محمود عباس، وما الذي جنيناه منه؟
ما حصل انه تم الجني على هذا الشعب، فنحن نعيش انقسام لم نشهده في تاريخنا، وفقر صار يؤدي لعرض الاهل ابناءهم للتبني وحرق البعض لأنفسهم على الميادين العامة، وانحلال في الاخلاق صار الأخ يحمل السلاح فيه امام أخيه والجار صار يقتل جاره بلا هوادة، والعميل صار من الوجهاء، والفساد مستفحل في كل نواحي الحياة العامة. المخرج الوحيد الذي يرى البعض الماسك بالأمل فيه، هو اجراء انتخابات، وجل ما نحصل عليه هو وعودا لم يعد حتى صاحبها يرف له الجفن في محاولة تحقيق التسمية فيها: انتخابات قادمة بعد ستة شهور…..اي ست شهور واي سنة علمها فقط عند واضعها.
ان كان من المعيب ان يخرج الانسان في رام الله او في انحاء الضفة أو غزة أو القدس حاملا شعار “ارحل”، فالمعيب أكثر ان تجول المدرعات الإسرائيلية وسط مدن الضفة بلا أي رادع، فتخطف وتقتل وتعتقل، والسلطة مستكينة سكون الامن على نفسه. المعيب أكثر ان تتهود القدس أمام مرأى العين وتباع البيوت وتضيع الحقوق وتشرد العائلات وما من حامي لهذه المدينة ولا لأهلها. والمأساة تزداد في تدفقها في حصار على غزة أعيا حتى الحجر.
فإنه من المعيب أكثر ان يخرج أي كان ليبايع ويفوض رئيس أنهكنا وانتهت صلاحيته ولم يعد فيما يمسكه من زمام الأمور الا زمام مقاطعته (مؤقتا).
أقول ما أقوله، واعترف بشعوري بالأسى، لأننا ربما تعودنا بعد كل هذه الأعوام على هذا النوع من الحياة، لم نعد نعرف للوطن مساحة وللقضية معنى وللمقاومة هدف. فلا نعرف ما هو القادم بعد محمود عباس. كنا نستجدي اجراء انتخابات لنتمكن من لملمة مأساة الحال المتهالك، لعل وعسى يحصل تغيير ونتقدم خطوة الى الامام في قضيتنا الوطنية ووضعنا العام كفلسطينيين بين المساحة المتاحة لنا بين الضفة وغزة والقدس. ولكن، تأكدنا اليوم ان الانتخابات لن تأتي، لطالما لا يتأكد الرئيس من حسمها لمصلحته. وغريمه التاريخي في حماس لم يعد هو الغريم الأهم ولا الوحيد، فالصراع الفتحاوي الداخلي اشد مأساوية في مشهده من ذلك الذي نراه بالعلن بين فتح وحماس.
قد يكون رحيل الرئيس محمود عباس هو أفضل ما يمكن ان يحصل لنا. رحيل اختياري اتمناه له، لا تعسفي ولا اجباري. ستبقى فكرة ان نتخلص من رئيس قبل تخلصنا من الاحتلال فكرة مأساوية إذا ما تحققت، لأنه بالفعل لا يحق لنا بما تبقى عندنا من اخلاق ان نتخلص من رئيس ولا نستطيع التخلص من الاحتلال