الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة الثلاثاء 05 مارس 2019, 3:29 pm
الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة
مقدمة الترجمة عند اطلاعك على الأخبار ستجد أسماء بعض الدول متكررا في مختلف المجالات والقضايا، من بين هذه الدول ستجد الولايات المتحدة الأميركية والصين. تتربع الولايات المتحدة في صراع القوى سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي بمشاركتها. كثيرا ما يرتبط ذكر الولايات المتحدة بروسيا أو الصين. من المعروف أن روسيا هي العدو اللدود لأميركا ويبدو أن الصين التي اعتادت أن تلي روسيا بالعداوة قد تنافس روسيا على المرتبة الأولى لألدّ أعداء الولايات المتحدة. لماذا؟ وما أثر ذلك على كل من الصين والولايات المتحدة والساحة العالمية؟ وكيف آل الحال بالصين إلى حصولها على هذا الكم من القوة التي حركت الحواس الدفاعية بأميركا لشعورها بالتهديد من الصين
نص التقرير وقف شي جين بينغ على مسرح قاعة الشعب الكبرى وتلمع وراءه في الخلفية مطرقة ومنجل* بارزان، معلنا إشعارا مبتهجا بالنصر. كان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017 حيث خاطب الزعيم الصيني مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر، وهو آخر اجتماع للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (وهو هيئة استشارية سياسية) الذي يعقد كل خمس سنوات. في خطابه الذي استغرق ثلاث ساعات ونصف، أعلن شي -الذي عُيِّن الأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني في عام 2012- معلقا على فترة ولايته الأولى: "خمس سنوات رائعة حقا في سياق تطور الحزب والبلاد"، وهو الوقت الذي "نهضت فيه الصين ونمت ثرواتها وأصبحت قوية". واعترف بأن الحزب والبلاد لا يزالان يواجهان تحديات مثل الفساد الحكومي وعدم المساواة في مستويات المعيشة وما أسماه بـ "وجهات النظر الخاطئة". لكنه أصر بشكل عام على أن الصين كانت تسير في الاتجاه الصحيح لدرجة أنه أوصى بأن تعتمد الدول الأخرى على "الحكمة الصينية" وأن تتبع "مقاربة صينية لحل المشاكل التي تواجه البشرية". وهو أمر لم يحدث منذ حكم ماو تسي تونغ، فمنذ وفاته لم يكن هناك زعيم صيني اقترح بشكل مباشر أن على الآخرين محاكاة النموذج الذي تتبعه الصين.
لم تأتِ ثقة شي من العدم، ففي السنوات الخمس الماضية، حققت القيادة الصينية تقدما ملحوظا في عدد من أولوياتها، حيث تسارعت حملة مكافحة الفساد التي كثر الكلام حولها ولاقت ترحيبا واسعا إذ ارتفع عدد المسؤولين الذين تم اتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم بسبب الكسب غير المشروع من 150 ألف مسؤول في عام 2012 إلى 400 ألف في عام 2016. إضافة إلى ذلك، فقد تحسنت جودة الهواء في العديد من المدن الصينية المشهورة بالضبخان (وهو خليط من الدخان والضباب يتكون فوق المدن والمناطق الصناعية، وهو أحد أنواع تلوث الهواء) بشكل ملحوظ. في بحر الصين الجنوبي، نجحت بكين في تعزيز مطالبها السيادية عن طريق عسكرة الجزر القائمة وإنشاء جزر جديدة على الفور، وأضعفت استقلال هونغ كونغ بشكل مستمر من خلال سلسلة من المناورات السياسية والقانونية. أما على مستوى آسيا، عززت نفوذها من خلال مبادرة "طرِيق الحرِير الجديد" (وهي مبادرة تُعرَف باسم 'الحزام والطريق‘ وتهدف إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي) وهي خطة بنية تحتية إقليمية ضخمة. وطول هذه الفترة، استمر الاقتصاد الصيني في التوسع، في عام 2017، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.9%، وهي المرة الأولى التي يرتفع فيها معدل النمو خلال سبع سنوات.
لكن طموحات شي تمتد إلى ما وراء هذه المناطق، إلى أمر أساسي أكثر. في الأربعينيات من القرن الماضي، قاد ماو الثورة الشيوعية التي أوجدت الدولة الحزبية الصينية المعاصرة. ابتداء من أواخر السبعينيات، أشرف خليفته دنغ شياو بينغ على "الثورة الثانية" التي فرضت نفسها بنفسها، والتي أدخل فيها الإصلاحات الاقتصادية والسياسة الخارجية غير البارزة التي أنتجت معجزة الصين الاقتصادية. الآن، أطلق شي ثورة ثالثة، حيث لم يبطئ فقط عملية "الإصلاح والعكس" التي بدأها دينغ، بل عمل بعكسها أيضا في بعض الأحيان. لكنه سعى أيضا إلى تعزيز مبادئ الصين الجديدة هذه على الصعيد العالمي. علاوة على ذلك، في خطوة لافتة للنظر في مارس/آذار، ألغت الحكومة الحكم الدستوري الذي يمنع الرئيس من قضاء أكثر من فترتين متعاقبتين في الحكم، مما يسمح لشي بالعمل كرئيس لمدى الحياة. للمرة الأولى، تسعى الصين غير الليبرالية إلى القيادة في نظام عالمي ليبرالي.
تبدأ الثورة بدأ شي ثورته بمجرد توليه السلطة. على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان النظام السياسي الصيني يُدار بواسطة عملية قيادة جماعية حيث تم تقاسم سلطة اتخاذ القرار بين المسؤولين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وهي أعلى هيئة حكم في الصين، ولكن سرعان ما تحرك شي لتركيز السلطة السياسية بين يديه. خلال السنوات القليلة الأولى من ولايته، تولى قيادة جميع اللجان الأكثر أهمية في الإشراف على السياسة مثل تلك المتعلقة بالقضايا الإلكترونية والإصلاح الاقتصادي والأمن القومي. كما قام بتأمين التصريحات العلنية بالولاء من كبار المسؤولين مثل جنرالات جيش التحرير الشعبي الصيني وأمناء الأحزاب الإقليمية وكذلك من وسائل الإعلام. وقد استخدم حملة لمكافحة الفساد التي لم تقتصر على المسؤولين الذين يخدمون مصالحهم الشخصية فحسب، بل أيضا على أعدائه السياسيين. على سبيل المثال: صن زينغكاي -وهو نجم صاعد داخل الحزب الشيوعي الصيني، شغل منصب سكرتير الحزب في بلدية تشونغتشينغ- تم اتهامه في يوليو/تموز 2017 بالفساد وتم إقالته من منصبه، وبعد أشهر، أعلن مسؤول كبير أن صن تآمر مع آخرين للإطاحة بشي.
في المؤتمر التاسع عشر للحزب، عزز شي من قبضته على مؤسسات الحزب الشيوعي الصيني ووطّد نفوذه الشخصي (سلطته الشخصية). إن اسمه وأيديولوجيته -المتمثلة في "فكرة شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد"- تم تكريسها في دستور الحزب، وهو شرف لم يكن قد تم منحه في السابق إلا لماو. تم إضافة المزيد من حلفائه إلى المكتب السياسي المكوّن من 25 عضوا واللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من 7 أعضاء، إذ يتكون أكثر من نصف كل مجموعة من أفراد من موالي شي. ثم جاء التغيير الذي ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية بقاء شي رئيسا إلى أجل غير مسمى.
قرَن شي النمو الكبير لسلطته الشخصية بتكثيف دراماتيكي لقوة الحزب الشيوعي الصيني في المجتمع والاقتصاد. علّق الباحث ديفيد شمبوغ المختص بدراسة الصين قائلا: "إذا كانت إحدى العلامات المميزة للدولة الماوية (نسبة إلى ماو تسي تونغ) عبارة عن اختراق المجتمع، فإن الدولة الدنغية (نسبة إلى دنغ شياو بينغ) كانت لافتة للنظر بانسحابها منه". والآن، في عهد شي، عاد البندول نحو دور أكبر للحزب، لم يبق أي عنصر من عناصر الحياة السياسية والاقتصادية على حاله.
كلمة الرئيس الصيني خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني(رويترز)
في الميدان السياسي، استفاد الحزب الشيوعي الصيني من التكنولوجيا الجديدة ووضع المزيد من الضغوط على القطاع الخاص لتقييد الوصول إلى المحتوى المحظور على الإنترنت، مما قلل بشكل حاد من حيوية الميدان العام الافتراضي في الصين. حتى الدعابات التي تم مشاركتها على المستوى الشخصي (بين أفراد) قد تؤدي إلى تدخّل الشرطة، ففي سبتمبر/أيلول 2017، احتجزت السلطات رجلا لمدة خمسة أيام بعد أن أرسل نكتة حول إشاعة مثلث حب تشمل مسؤولا حكوميا إلى مجموعة محادثة عبر تطبيق الرسائل "WeChat". كما تقوم الحكومة بتطوير قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية** (أو مقياس حيوي) والتي يتم إدماجها في شبكة مراقبة الهاتف والفيديو واستخدامها للتعرف على منتقدي الحزب والانتقام منهم، وذلك بفضل أحدث تقنيات التعرف على الصوت والوجه.
بحلول عام 2020، تخطط بكين لطرح نظام وطني لـ "الائتمان الاجتماعي"، والذي يدمج معلومات مأخوذة من الدفع عبر الإنترنت وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في قاعدة بيانات تسمح للحكومة بمعاقبة ومكافأة المواطنين على أساس مصداقيتهم المفترضة. أولئك الذين لا يرتقي سلوكهم للقوانين الموضوعة -بما في ذلك التخلف عن سداد القرض أو المشاركة في احتجاج أو حتى إهدار الكثير من الوقت في لعب ألعاب الفيديو- سوف يواجهون سلسلة من العواقب. قد تبطئ الحكومة اتصالات الإنترنت لهؤلاء الأشخاص (كعقوبة) أو تحدّ من وصولهم إلى كل شيء بما في ذلك المطاعم والسفر والعمل، بينما تمنح أفضلية للتمتع بهذه الخدمات إلى أولئك الذين يلتزمون بقواعد الحزب الشيوعي الصيني.
على الصعيد الاقتصادي، تحدى شي توقعاته بتسريع الإصلاحات التي تقوم على السوق، وقد عزز مكانة الشركات المملوكة للدولة واضعا لها دورا قياديا في حملات التنمية الاقتصادية، كما قام بتمكين لجان الحزب الموجودة داخل كل شركة صينية. في السنوات الأخيرة، لم تكن لتلك اللجان سوى أدوار غير واضحة المعالم، ولكن بفضل المتطلبات الجديدة في عهد شي، يجب على الإدارة طلب مشورتها -وفي بعض الحالات الموافقة عليها- لجميع القرارات الرئيسية. وقد دعا الحزب الشيوعي الصيني لقواعد مماثلة لتطبيقها في المشاريع المشتركة مع الشركات متعددة الجنسيات. حتى الشركات الخاصة لم تعد خارج نطاق صلاحيات الحزب، في عام 2017، أعلنت بكين عن خطط لتوسيع تجربة يأخذ فيها الحزب حصصا صغيرة في شركات الإعلام والتكنولوجيا -بما في ذلك عمالقة مثل 'علي بابا‘ و'تينسنت‘ (وهي شركة صينية متخصصة في مجال الإنترنت والألعاب)- ويتلقى درجة من سلطة اتخاذ القرار.
طموحات خارج البلاد في حين أن شي لديه انفتاح سياسي واقتصادي محدود داخل بلاده سعى شي إلى وضع نفسه كرئيس للعولمة في الساحة الدولية. على سبيل المثال: في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن: "الانفتاح سيحقق التقدم وأولئك المنغلقون سيتأخرون حتما". هذا الخطاب مضلل، في الواقع، كان أحد أكثر العناصر التي تميّز بها حكم شي هو إنشاء جدار من الأنظمة المصممة للسيطرة على تدفق الأفكار والثقافة وحتى رأس المال بين الصين وبقية العالم.
على الرغم من أن القيود المفروضة على النفوذ الأجنبي ليست بالأمر الجديد في الصين، فإنها تزايدت في عهد شي. في يناير/كانون الثاني 2017، سنّت بكين قانونا جديدا صارما يفرض على المنظمات غير الحكومية في الصين التسجيل في وزارة الأمن العام والحصول على إذن لكل نشاط تنخرط فيه والامتناع عن جمع الأموال داخل الصين. وبحلول مارس/آذار 2018، لم تكن هناك سوى 330 مجموعة غريبة سجلت، أي نحو 4% من الإجمالي الذي كان يعمل في الصين أمام القانون. في هذه الأثناء، بدأت بكين عملية حظر الشبكات الافتراضية الخاصة المملوكة لأجانب بشكل رسمي والتي تسمح للمستخدمين بالتحايل على ما يسمى بجدار الحماية الكبير في الصين.
وقد ظهر نمط مماثل في المجال الاقتصادي: في عام 2015، من أجل منع العملة الصينية من انخفاض قيمتها وانخفاض احتياطيها الأجنبي، وضعت بكين ضوابط صارمة على قدرة المواطنين الصينيين والشركات على نقل العملات الأجنبية إلى خارج البلاد. في العام نفسه، أطلقت الحكومة برنامجها "صنع في الصين 2025"، وهو محرك الاكتفاء الذاتي الذي يحدد عشر صناعات رئيسية من المواد إلى الذكاء الاصطناعي والتي من المتوقع أن تسيطر الشركات الصينية على ما يصل إلى 80% منها في السوق المحلي بحلول عام 2025. لضمان أن تسيطر الشركات الصينية، لا تقدم الحكومة دعما كبيرا فحسب، بل تضع أيضا مجموعة متنوعة من العوائق أمام المنافسة الأجنبية، فمثلا: في صناعة السيارات الكهربائية، طلبت الحكومة من شركات صناعة السيارات الصينية استخدام البطاريات المصنوعة في المصانع الصينية التي تعمل منذ أكثر من عام، مما أدى فعليا إلى القضاء على المنافسين اليابانيين والكوريين الجنوبيين.
في هذه الأثناء، دفع شي بالصين بعيدا عن التزامها التقليدي بسياسة خارجية ضعيفة مما عجّل في التحول الذي بدأه سلفه هو جين تاو. في ظل عهد شي، تسعى الصين بنشاط إلى تشكيل المعايير والمؤسسات الدولية وتؤكد وجودها بقوة على الساحة العالمية. وكما أوضح شي في كلمته في عام 2014 على نحو مبهج: يجب أن تكون الصين قادرة على "بناء ملاعب دولية" و"إنشاء قواعد" الألعاب التي يتم لعبها على هذه الملاعب (بما معناه، على الصين أن يكون لها الدور الرئيسي في تشكيل السياسات العالمية وأن يكون لها دور رئيسي على الصعيد العالمي).
تتمثل أكثر المناحي بروزا في هذا الجانب في مبادرة "طريق الحرير"، وهي تجسيد عصري لطريق الحرير القديم وطرق التوابل البحرية: تم إطلاق المشروع في عام 2013، ويشمل الآن ما يصل إلى 900 مشروع يتم التعاقد على أكثر من 80% من هذه المشاريع مع الشركات الصينية. لكن الجهد يذهب إلى أبعد من مجرد البنية التحتية، فمثلا في باكستان لا تتضمن الخطة خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة والسدود فحسب، بل تشمل أيضا اقتراحا لتطوير نظام مراقبة الفيديو والإنترنت على غرار الذي في بكين، إضافة إلى شراكة مع قناة تلفزيونية باكستانية لنشر محتوى إعلامي صيني. كما أعطت مبادرة "طريق الحرير" الصين فرصة للنهوض بأهدافها العسكرية، وتدير الشركات الصينية المملوكة للدولة الآن ما لا يقل عن 76 ميناء ومرفأ من 34 دولة، وتبعت الاستثمارات الصينية في الموانئ في اليونان وباكستان وسريلانكا زيارات رفيعة المستوى من سفن البحرية الصينية. كما أعلنت بكين أنها ستنشئ محاكم تحكيم خاصة لمشاريع مبادرة "طريق الحرير"، وبالتالي استخدام الخطة لتشجيع نظام قانوني بديل تدعمه القواعد الصينية.
في الواقع، تسعى الصين بشكل متزايد لتصدير قيمها السياسية في جميع أنحاء العالم: خذ مثالا على ذلك إثيوبيا والسودان، حيث تقوم لجنة مشكلات السلع بتدريب المسؤولين على كيفية إدارة الرأي العام ووسائط الإعلام وتقديم المشورة بشأن التشريعات التي يجب تمريرها واستخدام تقنيات الرصد والمراقبة. ولعل أكثر الجهود جديرة بالاهتمام هو حملة الصين لتعزيز رؤيتها الخاصة بإمكانية الإنترنت المغلقة: تحت شعار "السيادة السيبرانية"***، أصدرت بكين فكرة أنه ينبغي السماح للدول -كما أوضحت وثيقة رسمية واحدة- "اختيار مسارها الخاص للتنمية الإلكترونية، ونموذج التنظيم الإلكتروني وسياسات الإنترنت العامة". وقد دفعت إلى التفاوض حول إدارة الإنترنت التي ستعطي امتيازا للدول وتستثني ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص، كما أنها تستضيف مؤتمرا سنويا لإقناع المسؤولين الأجانب ورجال الأعمال برؤيتها للإنترنت.
كما أن الصين تتدخل في سوقها المحلية الضخمة لإجبار الشركات على اللعب وفق قواعدها. على سبيل المثال، في عام 2017 كانت شركة آبل (Apple) مقتنعة بفتح مركز بيانات في الصين من أجل الامتثال للقواعد الجديدة التي تتطلب من الشركات الأجنبية تخزين بعض البيانات داخل الدولة (حيث من المفترض أن يكون من الأسهل مراقبتها). في العام نفسه، أزالت الشركة من متجر التطبيقات (app store) مئات البرامج التي ساعدت الأشخاص في الالتفاف حول جدار الحماية العظيم (للتمتع بالبرامج والمعلومات التي قامت الحكومة الصينية بحظرها).
ومن المفارقات، أنه بالنسبة لكل الحديث عن السيادة، فإن جزءا من السياسة الخارجية الأكثر تشددا لدى شي ينطوي على انتهاكات لا يمكن التشكيك فيها. إن معاهد كونفوشيوس الحكومية والفصول الكونفوشية الحكومية -التي تورد اللغة والثقافة الصينية في الخارج- أصبحت موضع تدقيق متزايد في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى لنشر دعاية الحزب الشيوعي الصيني، على الرغم من أنها ربما تشكل تهديدا أقل للمصالح الأميركية مما هو شائع. أما الأمر الأكثر تحديا فهو جهود الصين لتعبئة مجتمعاتها في الخارج -وخاصة الطلاب- للاحتجاج على زيارات الدالاي لاما (وهو القائد الديني الأعلى للبوذيين التبتيين) والإبلاغ عن الطلاب الصينيين في الخارج الذين لا يتبعون منهاج الحزب الشيوعي الصيني، كما تسعى الحكومة الصينية جاهدة لحث مجتمعاتها على تمثيل موقف الحكومة علانية بشأن القضايا الحساسة مثل قضيتي هونغ كونغ وتايوان.
معهد كونفوشيوس في زامبيا (مواقع التواصل)
يساهم هذا الجهد في خلق مناخ من الترهيب والخوف داخل مجتمع الطلاب الصينيين في الخارج (ناهيك عن المجتمع الجامعي الأوسع)، ويهدد بالتضييق على كل الطلاب الصينيين كممثلين للحكومة الصينية. ومن دواعي القلق الأكبر، قيام مسؤولي الأمن الصينيين في عدة مناسبات باختطاف مواطنين صينيين سابقين الذين أصبحوا مواطنين في بلدان أخرى (أي حصلوا على جنسية وإقامة في بلدان أخرى). بعد أن تم انتزاع بائع سويدي صيني من أحد القطارات في الصين واعتقاله في وقت سابق من هذا العام، كتبت صحيفة جلوبال تايمز التي تدعمها الحكومة الصينية في افتتاحيتها: "ينبغي للدول الأوروبية والولايات المتحدة أن تعلم مواطنيها الذين تم تجنيسهم حديثا بأن جواز السفر الجديد لا يمكن أن يكون تميمة لهم في الصين".
إعادة النظر في الزعيم شي يرى العديد من المراقبين أن شي هو مصلح اقتصادي تم إحباطه من قِبَل معارضة قوية كأفضل أمل للقيادة العالمية الإيجابية، وكشخص يحظى بشعبية كبيرة بين صفوف شعبه، والتزامه بالاستقرار في السياسات الخارجية من أجل التركيز على الشؤون الداخلية لبلده. في الواقع، تفوّت هذه التقييمات أربعَ حقائق أساسية عنه.
أولا، يلعب شي في مباراة طويلة. غالبا ما يؤدي تفضيله للتحكم في المنافسة إلى ظهور سياسات تظهر دون المستوى الأمثل على المدى القصير. فمثلا: أدت مركزية سلطته في حملة مكافحة الفساد إلى إبطاء عملية صنع القرار في رأس هرم النظام السياسي الصيني، الأمر الذي أدى بدوره إلى شلل في مستويات الحكم المحلي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن هذه السياسات لها مردود طويل الأجل. تجد أن القادة الصينيين يتحملون عدم الكفاءة التي تأتي مع السياسات غير السوقية (nonmarket policies) -كاتصالات الإنترنت البطيئة أو الشركات المملوكة للدولة الخاسرة- فقط لأن هذه السياسات تعزز قوتهم السياسية الخاصة، كما توفر لهم رفاهية صناعة استثمارات إستراتيجية طويلة المدى أيضا. وهكذا تشجع الحكومة -على سبيل المثال- الشركات المملوكة للدولة على الاستثمار في الاقتصادات عالية المخاطر لدعم مبادرة "طريق الحرير" من أجل السيطرة على الرهانات في الموانئ الإستراتيجية أو وضع معايير تقنية مثل مقاييس السكك الحديدية أو أنواع نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية للموجة القادمة من التنمية الاقتصادية العالمية. إن القرارات التي قد تبدو غير منطقية على الفور في سياق نظام سياسي ليبرالي واقتصاد السوق غالبا ما يكون لها منطق إستراتيجي طويل الأجل داخل الصين.
ثانيا، على الرغم من كونه يضمر طموحات على الساحة العالمية، فإنه نادرا ما أبدى روحا قيادية عالمية حقيقية، بمعنى إظهار استعداد لمواءمة مصالح بلاده مع مصالح المجتمع الدولي الأوسع (أو حتى إخضاعها لها، أي تكون تابعة للمصالح الدولية). مع بعض الاستثناءات، مثلا عندما يتعلق الأمر بمساهمات الأمم المتحدة لحفظ السلام، فإن الصين تتقدم لتوفير المنافع العامة العالمية فقط عندما تفعل ذلك خدمة لمصالحها الخاصة على المدى القصير أو عندما يتم الضغط عليها للقيام بذلك. علاوة على ذلك، تسعى على نحو متزايد إلى تجاهل المعايير الموضوعة ووضع قواعدها الخاصة على الطريق. في عام 2016، عندما رفضت محكمة التحكيم الدولية الادعاءات الصينية بمساحات واسعة من بحر الصين الجنوبي، رفضت بكين ببساطة هذا الحكم واستمرت في جهود استصلاح الأراضي والعسكرة هناك.
ثالثا، جعل مركز شي للسلطة والسيطرة المتنامية على المعلومات تقييم مدى الإجماع الموجود في الصين بالفعل حول الاتجاه الذي يسلكه هو وبقية القيادة الصينية في البلاد صعبا جدا. قد يكون هناك المزيد من أصوات المعارضة ضد شي أكثر من المعروف عموما. يدور نقاش واسع في الأوساط الأكاديمية والرسمية حول مزايا العديد من سياسات النظام حتى وإن كان أقل قوة من الأوقات السابقة. وقد نقل العديد من مواطني الصين الأكثر ثراء والأكثر موهبة -الذين يشعرون بالقلق إزاء هيمنة الدولة- أموالهم وعائلاتهم إلى الخارج. أدان المحامون الصينيون وغيرهم الكثير من مبادرات شي، بما في ذلك التحرك الأخير لإلغاء الحدود الزمنية لولاية الرئيس (لولايته). حتى إن مبادرة "طريق الحرير" الخاصة به قد أثارت انتقادات من العلماء وقادة الأعمال الذين يزعمون أن العديد من الاستثمارات المقترحة ليس لها أي منطق اقتصادي.
أخيرا، ألغى شي الخط الفاصل بين السياسة الداخلية والخارجية، ربما كان هناك وقت اقتصرت فيه الآثار السياسية والاقتصادية للنظام الاستبدادي الصيني إلى حد كبير على مجتمعه الخاص. ولكن بعد أن أصبحت البلاد تصدر قيمها السياسية -في بعض الحالات لدعم قادة آخرين يميلون إلى الاستبدادية وفي حالات أخرى لتقويض القانون الدولي وتهديد سيادة الدول الأخرى- فإن نموذج الحكم في الصين هو محور ومركز سياستها الخارجية.
التحديات والاستجابة في جوهر ثورة شي، هناك تحدٍّ قائم على القيم في وجه المعايير الدولية التي تروّج لها الولايات المتحدة. يجب على إدارة ترمب الآن أن تقدم تحديا مماثلا للصين، وهو التحدي الذي يبدأ بتأكيد قوي على المبادئ الأميركية الثابتة. وهذا لا يعني الحفاظ على وجود عسكري قوي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فحسب، بل يعني أيضا استمرار الالتزام بالتجارة الحرة والديمقراطية. في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة بناء جدار دفاع حصين في الداخل. ولأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الصين لمواصلة عملية الإصلاح والانفتاح، عليها أن تتوقف عن التضحية بأمنها الاقتصادي والسياسي. في الماضي، تحملت واشنطن درجة من سرقة الملكية الفكرية وعدم المساواة في الوصول إلى الأسواق لأنها تعتقد أن الصين تحقق بعض التقدم نحو مبادئ السوق وسيادة القانون. مع عدم وجود هذا المنطق، لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من تبني سياسات أكثر تقييدا تجاه الصين.
إن مواكبة المبادرات العديدة الجديدة لِشي ليس بالأمر السهل، ومن المغري الاستجابة لكل مبادرة بمجرد حدوثها. على سبيل المثال: في مارس/آذار، كان هنالك تقارير تفيد بأن جيبوتي -موطن القاعدة الدائمة الوحيدة للجيش الأميركي في أفريقيا- كانت تخطط لإعطاء الصين السيطرة على ميناء، دفعت هذه التقارير كبار المسؤولين الأميركيين إلى إطلاق حالة الطوارئ والضغط على جيبوتي لعكس مسارها. ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة بديلا بنّاء مثل حزمة تنمية اقتصادية. والأهم من ذلك، أنها لم تضع إستراتيجية أميركية أوسع نطاقا لمعالجة طموحات الصين في أفريقيا وأماكن أخرى تغطيها مبادرة "طريق الحرير". (كما أدّت الأحداث إلى منح جيبوتي إدارة الميناء لشركة سنغافورية). ولن يسهم مثل هذا النهج التفاعلي المجزأ في الاستجابة للتحدي طويل المدى الذي تفرضه ثورة شي. على النقيض من ذلك، رغم أنه قد يكون من المغري الرد على تغييرات شي من خلال المطالبة بأن تأتي واشنطن بإستراتيجية جديدة تماما للصين، فإن المطلوب في الواقع ليس رفضا تاما للعقود الأربعة الماضية من سياسة الولايات المتحدة، ولكن إعادة النظر بتمعن في هذه السياسة لدمج ما يعمل وإعادة تقييم ما لا يعمل
يجب أن تستند سياسة الصين الفعالة إلى إظهار قوي لالتزام الولايات المتحدة بمبادئها الخاصة. على الرغم من الدوافع الحمائية للرئيس الأميركي دونالد ترمب والثناء على الحكام المستبدين، فإن التحركات الأخيرة تشير إلى أن البيت الأبيض لم يتخلّ تماما عن التزامه بالقيم الليبرالية في آسيا. خلال رحلته إلى المنطقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعرب الرئيس عن دعمه لـ "منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة" وأحيا الشراكة الرباعية مع أستراليا والهند واليابان، وهي مجموعة ساكنة من ديمقراطيات المحيط الهادئ التي تشاطرها الفكر والتي يمكن أن تبدأ التصدي للعدوان الصيني في المنطقة. في الواقع، تدعو إستراتيجية الدفاع الوطني للإدارة إلى التركيز مجددا على التحالفات لمواجهة "القوى الرجعية".
كخطوة أولى مفيدة نحو الإيفاء بوعودها، يجب على الإدارة الأميركية أن توضح تفاصيل جوهر الشراكة الرباعية المجددة، وأن تحدد كيف ستعمل هذه الشراكة بالتعاون مع شركاء أميركيين آخرين في آسيا وأماكن أخرى. يركز أحد المجالات المحتملة للتعاون على القضايا الأمنية عالية الخطورة. وقد يعني ذلك القيام بعمليات مشتركة لحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وتوفير مصادر بديلة للاستثمار للبلدان ذات الموانئ المهمة إستراتيجيا، أو دعم تايوان في مواجهة إستراتيجية الصين القسرية المتزايدة.
يجب أن يعيد ترمب أيضا فتح المناقشات حول الشراكة عبر المحيط الهادئ (أو اتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف يهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ). على الرغم من أنه سحب الولايات المتحدة من الصفقة بعد أيام من تنصيبه، فإنه في الآونة الأخيرة أعرب عن استعداده للنظر في نسخة معدلة منه. لن تعمل الاتفاقية التي سيتم إحياؤها فقط على تعزيز الإصلاحات القائمة على السوق في البلدان ذات الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد كبير -مثل فيتنام- ولكنها ستوفر أيضا نقطة انطلاق يمكن من خلالها للولايات المتحدة تحقيق مصالحها الاقتصادية على المدى الطويل.
للتنافس مع مبادرة "طريق الحرير"، يجب على الولايات المتحدة الاعتماد على نقاط قوتها في التخطيط الحضري والتكنولوجيا. العديد من الشركات العالمية الكبرى والشركات الناشئة الأكثر ابتكارا في مجال المدن الذكية هي شركات أميركية. ينبغي لواشنطن أن تشارك مع البلدان النامية في التخطيط الحضري للمدن الذكية وأن تساعد في تمويل نشر تكنولوجيا الشركات الأميركية، تماما كما فعلت في عام 2014 عندما عملت مع الهند في برنامج طموح لترقية البنية التحتية الحضرية في ذلك البلد. يجب أن يشتمل جزء من هذا المسعى على دعم لشركات من الولايات المتحدة -أو من حلفاء الولايات المتحدة- للمساعدة في بناء كابلات الألياف البصرية والنظام العالمي لتحديد المواقع وأنظمة التجارة الإلكترونية في البلدان النامية. إن القيام بذلك من شأنه أن يقوض محاولة الصين السيطرة على جزء كبير من البنية التحتية الرقمية في العالم، الأمر الذي من شأنه أن يمنح البلد منصة عالمية للرقابة والتجسس الاقتصادي.
تؤكد مساعي الصين لتشكيل الأنظمة السياسية للدول الأخرى الحاجة إلى أن تدعم إدارة ترمب المؤسسات الأميركية التي تشجع التحرر السياسي في الخارج، مثل الصندوق الوطني للديمقراطية، والمعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني، ومؤسسة آسيا. يمكن لهذه المؤسسات أن تتشارك مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية -إلى جانب حلفاء أوروبيين- للمساعدة في بناء سيادة القانون في الدول شبه السلطوية ودعم الديمقراطيات الناشئة. يمكن أن توفر برامج الإصلاح القانوني والتربوي والهيكلي حصنا بالغ الأهمية ضد الجهود الصينية الرامية إلى وضع قيم استبدادية في الخارج.
بالطبع، القوة خارج البلاد تبدأ بالقوة في الداخل. إن رغبة الصين في إخضاع مصالحها الاقتصادية على المدى القصير لتحقيق مكاسب إستراتيجية طويلة الأمد تعني أنه يجب على واشنطن أن تضاعف استثماراتها في العلوم والتكنولوجيا، وأن تدعم الجامعات والمختبرات الوطنية التي تعمل كمنبع للابتكار الأميركي، وتموّل تطوير ونشر التقنيات الجديدة من قبل الشركات الأميركية. دون هذا الدعم، لن تكون الشركات الأميركية متشابهة مع الشركات الصينية الممولة تمويلا أفضل والمدعومة برؤية بكين طويلة الأجل.
إن الصين متلهفة لتقييد الفرص أمام الغرباء للحد من مواصلة مصالحهم السياسية والاقتصادية داخل حدودها، حتى مع تقدم الصين نفسها بمصالحها الخاصة خارج حدودها. وبناء على ذلك، فقد حان الوقت لكي تلقي إدارة ترمب نظرة جديدة على فكرة المعاملة بالمثل، ومعاملة الصين مثلما تعامل الصين بدورها الولايات المتحدة. لطالما اعتبر صناع السياسة في الولايات المتحدة أن مبدأ المعاملة بالمثل هو أحد الاقتراحات الخاسرة التي تضر بها العلاقات مع الصين دون تغيير سلوكها. وبدلا من ذلك، تصرفوا على افتراض أنه إذا بقيت الولايات المتحدة متمسكة بقيمها الديمقراطية وتبين كيف يبدو السلوك المسؤول، فإن الصين ستتبع في النهاية زمام المبادرة. لقد قلب شي هذا الفهم رأسا على عقب لأنه توقف عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأت في عهد دنغ وفي بعض الحالات عكسها، وحوّل انفتاح الولايات المتحدة إلى نقطة ضعف.
يمكن أن تأخذ المعاملة بالمثل عدة أشكال: في بعض الحالات، يجب أن تكون العقوبة خفيفة نسبيا. فمثلا، يمكن لإدارة ترمب منع الصين من إنشاء معاهد كونفوشيوس والفصول الكونفوشية الحكومية إضافية في الولايات المتحدة ما لم تسمح الصين بمزيد من المراكز الأميركية للتبادل الثقافي، وهي منظمات تمولها الحكومة الأميركية في حرم الجامعات الصينية. حاليا، هناك أقل من 30 مركزا من هذا القبيل في الصين وأكثر من مئة معهد كونفوشيوس وأكثر من 500 فصل كونفوشي حكومي (تدعمه الحكومة الصينية) في الولايات المتحدة. يمكن للجامعات الأميركية من جانبها أن ترفض استضافة معاهد كونفوشيوس أو إقامة شراكات أخرى مع المؤسسات الصينية إذا تم حظر أي عضو من أعضاء هيئة التدريس بها من السفر إلى الصين، وهو عقاب كانت بكين تلجأ إليه في كثير من الأحيان للباحثين النقديين.
يجب على واشنطن أيضا أن تفكر في تقييد الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة في المجالات التي تكون خارج نطاق الشركات الأميركية في الصين مثل الاتصالات والنقل والبناء والإعلام. قد يأخذ ذلك شكل الحد من الحصص الصينية في الشركات الأميركية إلى المستوى نفسه الذي تسمح به بكين للشركات الأجنبية في الشركات الصينية. وبشكل أكثر استفزازية، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم بشكل ضمني أو صريح جهود دول آسيوية أخرى لعسكرة الجزر في بحر الصين الجنوبي في محاولة لرفع التكاليف على الصين للقيام بالمثل. لا يجب أن تكون المعاملة بالمثل غاية في حد ذاتها. في الواقع، من الناحية المثالية فإن العمل المتبادل بالمثل (أو حتى مجرد تهديد واحد) من شأنه أن يجلب الصين إلى طاولة المفاوضات حيث يمكن التوصل إلى نتيجة أفضل.
في الوقت الذي يطرح فيه شي تحديات جديدة للولايات المتحدة، فإنه يقدم أيضا فرصة جديدة متميزة: فرصة لواشنطن بأن تجعله مسؤولا علنا عن ادعائه بأن الصين مستعدة لتحمل قيادة عالمية أكبر. في عام 2014، حققت إدارة أوباما بعض النجاح في الاستفادة من طموحات شي عندما ضغطت على الصين لاعتماد قيود على انبعاثاتها الكربونية وزيادة حجم المساعدات التي قدمتها للبلدان الأفريقية التي ضربتها أزمة إيبولا. وبالمثل، نجحت إدارة ترمب في دفع الصين إلى تبني عقوبات أكثر صرامة لمحاولة كبح جماح البرنامج النووي لكوريا الشمالية. يجب اتباع المزيد من هذه التحركات: ينبغي للإدارة الأميركية أن تدعو الصين إلى لعب دور أكبر في معالجة أزمة اللاجئين العالمية، وخاصة الجزء الذي يحدث في الفناء الخلفي للبلاد على الحدود مع ميانمار، فر أكثر من 650 ألف لاجئ من الأقلية العرقية الروهينجا إلى بنغلاديش ساحقة هذا البلد الفقير. عرضت الصين أن تعمل كوسيط بين البلدين، لكنها منعت قرار مجلس الأمن الدولي بتعيين مبعوث خاص إلى ميانمار، كما قللت من أهمية المخاوف إزاء معاناة الروهينجا مع التركيز بشكل أكبر على حماية مشاريع مبادرة "طريق الحرير" من العنف القائم في ميانمار. يجب على الولايات المتحدة والجهات الأخرى أن تقول ذلك بصوت عال وواضح: يرافق تولي القيادة العالمية مسؤولية عالمية أكبر.
هل سوف ينجح شي؟ هل ثورة الصين الثالثة لها سلطة البقاء؟ إن التاريخ بالتأكيد ليس إلى جانب شي. على الرغم من إضعاف المؤسسات الديمقراطية في بعض أجزاء العالم، فإن جميع الاقتصادات الرئيسية -باستثناء الصين- تابعة لدول ديمقراطية. ومن الممكن رسم مسارات محتملة للانتقال الديمقراطي الصيني كما قام العديد من العلماء. أحد الطرق يمر بأزمة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى طلب التغيير. يظهر اقتصاد الصين علامات التوتر، حيث ارتفعت ديون الأسر والشركات والحكومات الصينية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. يجادل بعض الاقتصاديين الصينيين بأن البلاد تواجه تحديا كبيرا من سرعة شيخوخة السكان ونظام المعاشات التقاعدية الذي يعاني نقصا كبيرا في التمويل، إلى جانب انخفاض معدل المواليد باستمرار حتى بعد نهاية سياسة الطفل الواحد.
من الممكن أيضا تصور أن شي يمكن أن يتخطى الحدود: في الداخل، انتشر الاستياء من سياساته القمعية داخل أجزاء كبيرة من المجتمعات التجارية والفكرية في الصين. وقد تضاعف عدد الاحتجاجات العمالية خلال فترة ولايته. علاوة على ذلك، البلاد لا تخلو من أنصار الديمقراطية، على الرغم من أنه غالبا ما يتم نسيانهم في البيئة السياسية الحالية في الصين. وقد تحدث جميع العلماء البارزون والنشطاء والصحفيون والمسؤولون المتقاعدون ورجال الأعمال الأثرياء لصالح الإصلاح الديمقراطي في الماضي القريب. وفي الوقت نفسه، أدى تحرُّك شي إلى إلغاء الحدود الزمنية لولاية الرئيس إلى إثارة جدل كبير داخل الدوائر السياسية العليا. وكما اعترف مسؤولون صينيون للصحافة، فقد كانت هناك محاولات انقلاب واغتيال ضد شي.
في الخارج، واجهت جهود بكين العدوانية لتوسيع نفوذها ردود فعل متكررة. في العام الماضي فقط، اندلعت احتجاجات واسعة ضد الاستثمارات الصينية في بنغلاديش وكازاخستان وكينيا وسريلانكا. وفي الوقت الذي تمضي فيه الصين قدما في سياستها الخارجية الأكثر طموحا، فإن مثل هذه الحالات ستنشأ بلا شك، مما يزيد من احتمال أن يُنظر إلى شي على أنه فشل في الخارج، مما يقوض سلطته في الداخل.
مع ذلك، هناك أدلة قاهرة على أن ثورة شي معرضة لخطر الانتكاس: لقد أكسبته العديد من إنجازاته دعما شعبيا واسع النطاق. لقد نجا من الأزمات السابقة، مثل انهيار سوق الأسهم الرئيسية في عام 2015، وفي المؤتمر الحزبي التاسع عشر، تم تعزيز سلطته الشخصية والتغييرات المتعلقة بالولاية فقط. في المستقبل المنظور، سيتعيّن على الولايات المتحدة التعامل مع الصين كما هي: دولة غير ليبرالية تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على صورتها. والخبر السار هو أن شي جعل من نيّاته الثورية واضحة، لا يوجد عذر الآن لعدم رد الولايات المتحدة بشروط لا لبس فيها.
*المطرقة والمنجل رمز شيوعي تم ابتكاره خلال الثورة الروسية. وترمز المطرقة إلى العمال الصناعيين والمنجل إلى الفلاحين، وتشكلان إلى جانب بعضهما تحالف العمال والفلاحين من أجل الاشتراكية.
**البيومترية أو علم المقاييس الحيوية هو علم التحقق من شخصية الإنسان عن طريق مكونات الأجسام البشرية لأنه يضم وسائل التعرف علي الهوية للأشخاص تلقائيا على أساس الصفات الشكلية والفسيولوجية والتشريحية الخاصة بكل شخص.
***السيادة السيبرانية عبارة تُستخدم في مجال حوكمة الإنترنت لوصف رغبة الحكومات في ممارسة السيطرة على الإنترنت داخل الحدود الوطنية التابعة لهذه الحكومات، ويتضمن ذلك النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة الثلاثاء 05 مارس 2019, 3:34 pm
"طريق الحرير".. كيف تعيد الصين تشكيل العالم بصمت؟
كانت بلدة غوادر الباكستانية، حتى وقتٍ قريب، ممتلئة بالمنازل اﻷسمنتية المتهالكة التي تعود ملكيتها لحوالي 50 ألف صياد، محاطة بالمنحدرات والصحراء وبحر العرب، كانت عبارة عن بقعة منسية على حافة كوكبنا. أما الآن فهي إحدى الركائز الأساسية لمبادرة "الحِزام والطرِيق" الصينية، التي تُعرف بـ"طرِيق الحرِير الجَدِيد"، اﻷمر الذي ترتب عليه تغير شكل البلدة وتحولها بالكامل. وتشهد غوادر ثورة غير مسبوقة في مجال البناء تتمثل في ميناء جديد خاص بالحاويات، وفنادق جديدة، و1800 ميل من السكك الحديدية السريعة وفائقة السرعة لربطها بالمقاطعات الصينية الغربية غير الساحلية. وتطمح كل من الصين وباكستان لتحويل غوادر إلى دبي الجديدة، مما سيجعلها في نهاية المطاف موطنًا لحوالي مليوني شخص.
تسير الصين بسرعة كبيرة ﻷن تصبح الإمبراطورية التجارية اﻷكبر في العالم. وعلى سبيل المقارنة، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، منحت أوروبا بواسطة خطة مارشال، ما يعادل 800 مليار دولار (بأرقام اليوم) في صورة تمويل لإعادة إعمار أوروبا. كانت الولايات المتحدة أيضًا أكبر دولة تجارية في العالم، وأكبر مُقرض ثنائي للآخرين، وذلك خلال العقود التي أعقبت الحرب.
واﻵن حان دور الصين. فمعدلات وحجم مبادرة "الحزام والطريق" مبهرة للغاية. ورغم تفاوت المعدلات، فإن أكثر من 300 مليار دولار قد أُنفقت على هذا المشروع، وتخطط الصين ﻹنفاق تريليون دولار إضافية خلال السنوات الـ 10 القادمة. ووفقًا لوكالة الاستخبارات المركزية اﻷميركية، فإن هناك حوالي 92 دولة تعتبر الصين شريكها التجاري اﻷكبر وذلك خلال عام 2015، وهو الرقم الذي يفوق عدد الدول التي تعتبر الولايات المتحدة شريكًا تجاريًا رئيسيًا والذي يصل إلى 57 دولة.
وعلى عكس الولايات المتحدة وأوروبا، تستخدم الصين المساعدات والتجارة والاستثمار الأجنبي المباشر بشكل استراتيجي لبناء نوع من الود، بالإضافة إلى توسيع نفوذها السياسي، وتأمين الموارد الطبيعية التي تحتاجها للنمو. وتعد مبادرة "الحِزام والطرِيق" هي أكثر الأمثلة إثارًة للإعجاب فيما يتعلق بكل هذه الأمور المذكورة. وهي مبادرة شاملة تتعلق بمشاريع البنية التحتية الحالية والمستقبلية. وخلال العقود المقبلة، تخطط الصين لبناء شبكة واسعة من البنية التحتية حول آسيا، وفي جميع أنحاء العالم من خلال مبادرات مماثلة.
ستُمول معظم هذه المبادرات من خلال القروض وليس المنح، وسيتم تشجيع الشركات الصينية المملوكة للدولة على الاستثمار في هذا الأمر. وهو ما يعني ضمنيًا أنه إذا لم تتمكن باكستان على سبيل المثال من سداد قروضها، فحينها يمكن للصين تملّك العديد من مناجم الفحم وأنابيب النفط ومحطات توليد الكهرباء، وبالتالي سيكون للصين نفوذًا على الحكومة الباكستانية. وفى الوقت نفسه، تمتلك الصين حق تشغيل ميناء غوادر لمدة 40 عاما.
وتعد مبادرة "الحزام والطريق" هي المبادرة الصينية الأكبر فيما يتعلق بأمور السياسة الخارجية حتى وقتنا هذا، ولكنها لا تشبه خطة مارشال. فبكين لا تفعل ذلك من باب الإيثار أو لرغبتها في تحقيق الاستقرار في البلدان التي تقرضها. فلماذا إذًا تنفق الصين هذه المبالغ الهائلة على جيرانها؟ أحد الأسباب هي، اعتماد الصين اعتمادًا كبيرًا على ساحلها الشرقي ومضيق ملقا بالقرب من سنغافورة لتمرير السلع من وإلى أراضيها الشاسعة؛ على سبيل المثال، يمر أكثر من 80 % من النفط الصيني عبر هذا المضيق. لذلك، فإن بناء طرق تجارية تمر عبر باكستان وآسيا الوسطى يبدو أمرًا منطقيًا. وتساعد أيضًا مبادرة "الحزام والطريق" الصين على استثمار احتياطاتها الضخمة من العملة، وإدخال العديد من شركاتها المعطلة إلى قوة العمل.
منتدى "الحزام والطريق" جمع 1500 مندوب من 130 بلدا وسبعين منظمة دولية بحضور زعماء 29 دولة (رويترز)
كما أن لهذه المبادرة آثارًا إيجابية بالنسبة لبكين، إذ ذكر بعض المسؤولين الحكوميين الصينيين أن الأمر يتعلق بالتنافس مع الولايات المتحدة. ولكن هذا الأمر، على أقل تقدير، يخلق نفوذًا هائلًا للصين، الأمر الذي يُشعر العديد من البلدان الصغيرة بالامتنان، من الناحية الاقتصادية، للصين. إذًا، فما تأثير كل هذه الأمور على "النظام الدولي الليبرالي" الذي بذلت الولايات المتحدة الكثير من الجهد لاستحادثه ودعمه على مدى العقود السبعة الماضية؟ التأثير لن يكون سلبيًا على كل جميع الأمور. فإذا كان الهدف من ذلك "النظام" هو تأمين السلام والازدهار، فإن هنالك حقًا في ذلك السخاء الصيني بعض الأوجه المتممة لهذا النظام. فالبلدان التي تتعامل بشكل أكثر شمولية من الناحية التجارية تتصارع بشكل أقل، ليس فقط مع شركائها التجاريين، ولكن مع باقي دول العالم بشكلٍ عام. لذا، فإن الصين تساعد، بطريقتها الخاصة، في الحفاظ على السلم الدولي.
وفيما يتعلق بمسألة الازدهار، يبدو، حتى الآن، أن الأثر الاقتصادي للصين على الدول التي تقرضها متضاربًا في أحسن الأحوال. ففي الوقت الذي تمنح فيه الصين ما يقارب الـ20% من مساعداتها المعتادة للاقتصادات المحلية، فإن معظم هذه الهبات يكون على هيئة قروض، وهو ما يجعل الأمر غير مُجدي إلى حدٍ كبير. وجد الباحثون الذين ألقوا نظرة فاحصة على الاستثمارات الصينية في أفريقيا خلال الفترة من 1991 إلى 2010، أن المساعدات الصينية لا تساعد في النمو الاقتصادي، وأن الواردات الصينية الرخيصة غالبًا ما تحل محل المنتجات التي تنتجها الشركات المحلية الأفريقية، الأمر الذي يترتب عليه تأذي تلك العمالة المرتبطة بالمشاريع الصغيرة.
وعادة ما تطلب الصين من الدول الممنوح لها هذه الهبات استخدام الشركات الصينية لبناء الطرق والموانئ. ففي باكستان، على سبيل المثال، يعمل 7 آلاف مواطن صيني على هذا الممر الاقتصادي تحت حماية ما يقرب من 15ألفًا من أفراد الأمن الباكستانيين. ولكن هذا الأمر كله تغير مؤخرًا، فمع ارتفاع الأجور العمالة الصينية، أصبح من المنطقي توظيف السكان المحليين.
علل الرئيس الأوغندي يوري موسفني، الذي لا يأبه لمسألة حقوق الإنسان، إعجابه بالاستثمارات الصينية بأنهم لا يطرحون الكثير من الأسئلة ويضخُّون المال الوفير وليس قدرا قليلا من المال
رويترز
وقبل بضعة أشهر، بدأت شركة صينية بتدريب مئات المهندسين الباكستانيين للعمل على مشروع محطة لتوليد الطاقة الكهربية بالقرب من كراتشى، كما بدأ بعض القائمين على مشاريع صينية أخرى بتوظيف المزيد من السكان المحليين. عدّلت الصين في بند الفوائد التي تفرضها على القروض الممنوحة، فبعد أن كانت معدلات الفائدة على الإقراض منخفضة، حوالي 2.5%، ارتفعت الفائدة الآن لتصل لـ 5% وهو ما يصّعب مسألة سداد هذه القروض. وفي الوقت الذي تسعد فيه هذه الحكومات بالتمويلات الصينية الممنوحة لها لبناء المزيد من محطات الكهرباء لسد عجز الطاقة وتحسين شبكة الطرق لديها، فإن هذه القروض سترهق كاهلها مستقبلًا.
ولعل التحدي الأكبر الذي تواجهه الجهود الصينية في "النظام الدولي الليبرالي" هو أن مشاريع مبادرة "الحزام والطريق"، وعلى عكس معظم المساعدات والقروض الغربية، غالبًا ما تحفز أمورًا مروعة فيما يتعلق بالمعايير البيئية وحقوق الإنسان والحكم، وذلك على الرغم من أن سجل الصين في ذلك الأمر قد تحسن إلى حد ما على مدى السنوات القليلة الماضية. وغالبًا ما تكون الصين هي المستثمر الأكبر في البلدان المنبوذة من الآخرين، كون هذه البلدان تُدار من خلال حكام مستبدين فاسدين لا يحترمون حقوق الإنسان مثل زيمبابوي وكوريا الشمالية والنيجر وأنغولا وبورما.
وعلل الرئيس الأوغندي يوري موسفني، الذي لا يأبه لمسألة حقوق الإنسان، إعجابه بالاستثمارات الصينية بأنهم لا يطرحون الكثير من الأسئلة ويضخُّون المال الوفير وليس قدرا قليلا من المال. ومع إصرار الولايات المتحدة ودول أوروبا، خلال هذه الأيام، على المعايير المرتفعة لإعطاء المساعدات من أجل تنفيذ المشروعات، فإن شركاتهم وحكوماتهم بكل تأكيد كانت تمتلك سجلًا مروعًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وذلك خلال إقامتهم للمشروعات في الهند وإفريقيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن الـ 19، وأوائل القرن الـ20.
كانت المعايير الصينية سيئة للغاية فيما يتعلق بمستوى سلامة العمال والحفاظ على البيئة عندما شقت طريقها لأول مرة للاستثمار في الخارج. ولازالت الشركات الصينية في بعض المناطق تخلف وراءها فوضى كبيرة مرتبطة بالأجور المنخفضة لعمال المناجم، والغابات والأنهار المُدمرة. ولكن الصين تتعلم سريعًا من أخطائها، إذ وضعت الحكومة الصينية إرشاداتٍ جديدة، تتسم بالصرامة، مُلزمة للمستثمرين الذين ينوون الاستثمار في الخارج. يرغب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو البنك الصيني الجديد المختص بالاستثمار في البنية التحتية، في تطبيق المعايير العالمية. كما أن العديد من الشركات الصينية، ومن بينها المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، تتحسن بشكل سريع فيما يتعلق بمسألة المعايير.
إذا استمر ذلك التمدد الصيني الجيواقتصادي، فإنه سيصبح الإرث الأكبر لها وسيكون له تأثير عميق على العالم - وليس بالضرورة أن تكون جميع هذه التأثيرات سلبية. وبما أن الغرب لا يملك مبلغ التريليون دولار لإنفاقه على مشاريع البنية التحتية في البلدان النامية في هذه اللعبة الجديدة، فإن أفضل خيار له هو أن يكون قادرًا على التكيف وتشكيل هذه القوة الهائلة للصين.
فإذا كُتب لمبادرة "الحزام والطريق" النجاح، فإن الحركة على الطرق ستسير بشكل انسيابي أكثر مما هي عليه الوضع الآن، وسيسر عمل قطاع الخدمات اللوجستية بشكل أسرع، الأمر الذي سيمكّن البلدان المنقطعة عن الأسواق العالمية من الانغماس في حركة التجارة بشكل أكبر. وإذا كان ما جاء في البحث المذكور أعلاه صحيحًا، فإن ذلك سيؤدي إلى قلة التحارب بين الدول، على الرغم من أنه سيجعل العديد من البلدان الصغيرة تشعر بالامتنان للصين. وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في الزيارتين اللتين قام بهما للولايات المتحدة عامي 2015 و2017، وفي منتدى دافوس، أن الصين تريد نظامًا دوليًا أكثر إنصافًا، ولكنها لا تريد تفكك النظام الدولي.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة الجمعة 03 يناير 2020, 7:16 am
كان لقاء قمة العشرين في أوساكا في اليابان أواخرَ يونيو/حزيران من العام الجاري قد شهد إعلان كلٍّ من الصين والولايات المتحدة عن التوصل إلى انفراجة دولية في الحرب التجارية الدائرة بين الطرفين، حيث زعم الرئيس الأميركيّ عودة المفاوضات "إلى مسارها الصحيح"، وأعلن عن تعليق اثنتين من التعريفات الجمركية المفروضة على البضائع الصينية ورفع قيود حالت دون قدرة الشركات الأميركية على الشراء من شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصينية المحظور؛ فانتعشت الأسواق وأشادت تقارير إعلامية بالخطوة بوصفها اتفاقا لـ "وقف إطلاق النار".
لكن وقف إطلاق النار المفترض مجرد وهم من بين الأوهام العديدة الأخرى التي عُرفت بها دبلوماسية الوصل والقطع بين بكين وواشنطن، فالحرب على أشدّها، والبنادق لا تتوقف عن إطلاق النار. في سبتمبر/أيلول، وبعد صيف من المشادات الكلامية الساخنة، قامت إدارة ترمب بزيادة التعريفات الجمركية على واردات صينية بقيمة 125 مليار دولار أميركي، مما دفع الصين إلى الرد بفرض تعريفات جمركية على واردات أميركيّة بقيمة 75 مليار دولار أميركي.
بينما قد تستعد الولايات المتحدة لفرض المزيد من التعريفات الجمركية في ديسمبر/كانون الأول القادم، مما يرفع إجمالي قيمة السلع الصينية الخاضعة للتعريفات الجمركية العقابية إلى قرابة نصف تريليون دولار أميركي، وهو ما يُضاهي قيمة نصف الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، بينما يُفترض أن تساوي قيمة التعريفات الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين ما نسبته 69% من قيمة إجمالي الواردات القادمة من الولايات المتحدة.
وفي حال دخلت كل هذه الغرامات حيز التنفيذ، سيُشكّل متوسط معدل التعريفات الجمركية الأميركية على الواردات الصينية ما نسبته 24%، وبارتفاع 3% عن الرقم المسجل قبل عامين. في حين سيُشكّل متوسط التعريفة الجمركية الصينية المفروضة على الواردات القادمة من الولايات المتحدة 26%، مقابل متوسط نسبة 6.7% الذي تفرضه الصين على الدول الأخرى.
قد يبتعد أطراف هذه الحرب التجارية عن جرف الهاوية، فقد أُجريت العديد من المفاوضات الرفيعة المستوى دون أي إمكانية فعلية للتوصل إلى تسوية، حيث يعتقد ترمب بأن التعريفات الجمركية ستكون كفيلة بتركيع الصين وتغيير ما يزعم أنه ممارسات تجارية غير عادلة للولايات المتحدة. وربما تكون الصين عازمة على تغيير موقفها في بعض المسائل، مثل شراء المزيد من السلع الأميركية، وفتح أسواقها أمام المزيد من الشركات الأميركية، وتحسين حماية قوانين الملكية الفكرية [1]، مقابل إزالة بعض التعريفات الجمركية التي فُرضت مؤخرا، لكن ليس إلى الحد الذي طالبت به إدارة ترمب. في أثناء ذلك، تأمل الصين بأن تُنزل إجراءاتها الانتقامية المزيد من الألم الاقتصادي بالولايات المتحدة لإرغام واشنطن على إعادة تقييم موقفها.
تُشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة ليست الطرف الفائز في الحرب التجارية. فمع أن النمو الاقتصادي الصيني قد تباطأ، فإنَّ التعريفات الجمركية ضربت المستهلك الأميركي بدرجة أكبر من نظيره الصيني. ومع تصاعد المخاوف بشأن ركود اقتصادي جديد على الأبواب، فلا بد أن يراعي ترمب حقيقة أن النهج الحالي يُعرّض الاقتصاد الأميركي للخطر، ويفرض تهديدات على نظام التجارة الدولية، ويخفق في تخفيض العجز الذي يثير اشمئزاز ترمب.
قد يتراجع ترمب عن سياسة التدمير الذاتي التي يتبعها مع الصين، لكن التنافس الصيني الأميركي سيستمرّ إلى ما بعد فترته الرئاسية، حيث تحاول الكثير من التغطيات الإعلامية تصوير الأمر على أنه تصادم بين شخصيّتين، مزاجية ترمب في مواجهة عناد الرئيس الصيني تشي جينبينغ والحزب الصيني الشيوعي. لكن الخلاف بنيوي؛ فالأثمانُ الحالية التي تفرضها الحرب التجارية تعكس الحقائق البنيوية التي تقوم عليها العلاقة بين اقتصاد الصين واقتصاد الولايات المتحدة. ومن الجدير تعقّب تلك الديناميكية بينما تحاول القوتان العظميان إيجاد توازن متقطّع آخر للسنوات القادمة.
فكّر بالكركند لم تسفر الحرب التجارية عن النتائج المرجوة للولايات المتحدة، حيث قامت واشنطن بزيادة التعريفات الجمركية على الواردات القادمة من الصين عام 2018. لكن في السنة نفسها، كانت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قد ارتفعت بمقدار 34 مليار دولار أميركي، أي بنسبة 7% عن العام الفائت، مقابل انخفاض صادرات الولايات المتحدة إلى الصين بمقدار 10 مليارات دولار أميركي، أي بنسبة 8%.
وفي الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، كانت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قد انخفضت بأقل من 4% فقط عن الفترة نفسها من العام الفائت، في حين واصلت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين انكماشها، بنسبة 24%. عوض تضييق الفجوة التجارية، ترافقت التعريفات الجمركية مع تفاقُم العجز التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة مع الصين، بنسبة 12% في عام 2018 (ما يصل إلى 420 مليار دولار أميركي) وبنحو 8% إضافية في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي.
هناك سببان على الأقل يقفان وراء عدم انحدار الصادرات الصينيّة إلى الولايات المتحدة بالقدر الذي أملته إدارة ترمب؛ الأول هو عدم وجود بديل مقبول عن العديد من المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين، مثل أجهزة الآيفون، والطائرات المسيرة المخصصة للاستخدام الشخصي، وهو ما أرغم الزبائن الأميركيين على اختبار التعريفات الجمركية تلك على شكل ارتفاع في الأسعار. أما السبب الثاني فهو أنه رغم الأخبار الأخيرة، فإن الكثير من السلع الأميركية المصنَّعة في الصين لن تغادر الصين حتى وقت قريب، بما أن العديد من الشركات تعتمد على سلاسل التوريد التي لا توجد إلا في الصين. (حاولت شركة "آبل"، عام 2012 نقل تصنيع حاسوبها المتطور "ماك برو" من الصين إلى تكساس، لكن صعوبة التزود بالقطع الصغيرة التي تجمع الجهاز كقطعة واحدة حال دون إتمام عملية نقل التصنيع).
الخسائر التي مُني بها الاقتصاد على مستوى الواردات أكثر وضوحا في حالة الولايات المتحدة منها في حالة الصين
صحيح أن ثمة شركات مصنِّعة ذات توجه تصديري ترغب بمغادرة الصين، لكن ليس إلى الولايات المتحدة. وفقا لمسح أجرته الغرفة التجارية الأميركية في شنغهاي في شهر مايو/أيار، هناك ما دون 6% من الأعمال التجارية الأميركية التي تخطط لمغادرة الصين والعودة إلى الولايات المتحدة، في حين قال 60% من الشركات الأميركية إنها تُفضِّل البقاء في الصين.
والخسائر التي مُني بها الاقتصاد على مستوى الواردات أكثر وضوحا في حالة الولايات المتحدة منها في حالة الصين، حيث وجد الاقتصاديّون في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ومناطق أخرى أنَّ التعريفات الجمركية في عام 2018 لم تدفع المصدِّرين الصينيين إلى تقليص الأسعار، وعوض ذلك، تلقّى المستهلك الأميركي الضربة الأكبر. بما أن التعريفات الجمركية تؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات القادمة من الصين، سيختار المستهلك الأميركي شراء بدائل (إن توفرت) من بلدان أخرى، والتي قد تكون أكثر تكلفة من الواردات الصينية قبل رفع التعريفات الجمركية، إنما أقل تكلفة من بعض السلع بعد رفع التعريفات. وفارقُ السعر بين الواردات الصينية قبل رفع التعريفات وبدائل دول العالم الثالث الأخرى يؤلف ما يسمّيه الاقتصاديّون "العبء الزائد" [2] على الاقتصاد أو "الخسارة الفادحة".
يعتقد الاقتصاديون بأن هذا العبء الزائد الذي يأتي من التعريفات المفروضة حاليا على ما قيمته 200 مليار دولار أميركي من الواردات الصينية سيصل إلى 620 دولارا على كل أسرة أميركية، أي إنه سيرتفع بمقدار 80 مليار دولار أميركي سنويا، وهو ما يُمثّل نسبة 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وإن واصلت الولايات المتحدة زيادة هذه التعريفات وفق المخطط، سوف تتخطى هذه الخسارة الضعف.
فرضت الصين تعريفات جمركية بنسبة 25% على وارداتها من الكركند الأميركي في يوليو من عام 2018، مما تسبّب في انخفاض بنسبة 70% في صادرات الكركند الأميركي
في أثناء ذلك، لا يدفع المستهلك الصينيّ أثمانا أعلى لقاء الواردات الأميركية. بحسب دراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قامت الصين برفع معدل التعريفات الجمركية منذ بداية عام 2018، حيث ارتفع متوسط التعريفة على واردات الولايات المتحدة من 8.0% حتى 21.8% بالترافق مع خفض متوسط التعريفات الجمركية على الشركاء التجاريين الآخرين من 8.0% حتى 6.7%. لقد فرضت الصين التعريفات الجمركية فقط على السلع الأميركية التي يُمكن الاستعاضة عنها بواردات بلدان أخرى بأسعار مماثلة، حتى إنها قامت بخفض الرسوم المفروضة على منتجات الولايات المتحدة التي لا يُمكن شراؤها من أي مكان آخر بنسبة أكبر بكثير، مثل أشباه الموصلات والأدوية. بالتالي كانت أسعار الواردات الصينية من المنتجات نفسها قد انخفضت بشكل عام، رغم ارتفاع قيمة التعريفات الجمركية على الواردات الأميركية.
ولعلنا نجد أفضل مثال على حسابات الصين الذكية في حالة الكركند، حيث فرضت الصين تعريفات جمركية بنسبة 25% على وارداتها من الكركند الأميركي في يوليو/تموز من عام 2018، مما تسبّب في انخفاض بنسبة 70% في صادرات الكركند الأميركي. في الوقت نفسه، قامت الصين بخفض التعريفات الجمركية على الكركند الكندي بنسبة 3%، بحيث بات المستهلك الصيني يدفع ثمنا أقل مقابل الكركند الآتي جوهريا من المياه نفسها.
العجز المحتوم لقد برهنت الصين على كفاءة أكبر من واشنطن في تقليل الضرر على المستهلك والاقتصاد، لكن كفّة الحرب التجارية كانت لتميل إلى صالح واشنطن لو أن مواجهتها مع الصين حققت أهداف ترمب. يعتقد الرئيس الأميركيّ بأن الصين "تسرق" الولايات المتحدة، ويريد تقليل حجم العجز التجاري العام للولايات المتحدة عبر تغيير ممارسات الصين التجارية. لكن تحصيل تعريفات الواردات الصينية كان له أثر مغاير تجلى في تضخم العجز التجاري العام الذي تعانيه الولايات المتحدة، والذي كان، بحسب المكتب الإحصائي الأميركي، قد ارتفع بمقدار 28 مليار دولار أميركي في الأشهر السبع الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
تكمن الحقيقة التي لا يودّ ترمب تصديقها في أن العجز التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة لا ينبع من الممارسات التجارية لشركائها التجاريين، وإنما من الممارسات الإنفاقية الخاصة بالولايات المتحدة نفسها، حيث تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري يمتد حتى عام 1975، بشكل عام ومع معظم شركائها التجاريين. على مدار العشرين عاما الماضية، كان الإنفاق الداخلي للولايات المتحدة يتخطى دائما ناتجها المحلي الإجمالي، مما نجم عنه صافي صادرات سلبي، أو ما نسمّيه بالعجز التجاري. تغير هذا العجز بمرور الوقت لكنه ظل يتأرجح ما بين 3% و6% من الناتج المحلي الإجمالي. يريد ترمب أن يرفع منسوب الصادرات لكي يقلل العجز، لكن الحروب التجارية تستدعي الأعمال الانتقامية بشكل حتمي والتي تؤدي إلى انخفاض الصادرات.
علاوة على ذلك، زيادة مستوى الصادرات لا يؤدي بالضرورة إلى تقليص العجز التجاري إلا في حال كان مصحوبا بخفض الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار داخل البلاد. والطريقة المثلى لخفض العجز التجاري هي تنمية الاقتصاد بشكل أسرع من الإنفاق الداخلي الموازي له، وذلك يتأتّى فقط بتشجيع الابتكار ورفع مستوى الإنتاجية، لكن الحرب التجارية تفعل النقيض تماما، إنها تؤذي الاقتصاد، وتعوق النمو، وتعطل الإبداع.
حتى الاستسلام الصيني الشامل في الحرب التجارية لن يؤدي إلى منعطف في العجز التجاري العام للولايات المتحدة. لكن إن قامت الصين بشراء المزيد من الولايات المتحدة، فإنها ستشتري بشكل أقل من البلدان الأخرى التي ستبيع هذا الفارق إما للولايات المتحدة أو منافسيها. على سبيل المثال، لننظر إلى الشركة الأميركية "بوينغ" ومنافسها الأوروبي "إيرباص"؛ في الوقت الراهن، تعمل كلتا الشركتين بالحدّ الأقصى، فإن قامت الصين بشراء 1000 طائرة إضافة من بوينغ، و1000 طائرة أقل من "إيرباص"، سيكونُ مصنّع الطائرات الأوروبي ملزما ببيع تلك الطائرات الـ 1000، إما إلى الولايات المتحدة وإما إلى دول أخرى قد تشتريها عوض الشراء من "بوينغ"، والصين تدرك ذلك، وهو أحد أسباب عدم قيامها بفرض تعريفات على المركبات الجوية المصنعة أميركيا، أيًّا كان ناتج هذه الحرب، فإن العجز لن يتغير بشكل كبير.
صينٌ قادرة على التكيف
لم تؤذِ الحرب التجارية الصين حتى الآن، وذلك يرجع، جزئيا، إلى تمكّن بكين من الحيلولة دون ارتفاع أسعار الواردات لأن صادراتها إلى الولايات المتحدة تأثرت بصورة أقل من المتوقع. لكن هذا النمط سيتغير مع إحجام المستوردين الأميركيين عن الشراء من الصين وذهابهم إلى دول أخرى من العالم الثالث بهدف تفادي دفع التعريفات، لكن بافتراض أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سيواصل النمو حتى 5% إلى 6% كل سنة، فإن آثار هذا الابتعاد عن السوق الصينيّ ستكون متواضعة.
يُشكِّك بعض المراقبين في دقة الأرقام الصينية عن النمو الاقتصادي، لكن وكالات بحثية متعددة الأطراف ومستقلة أيضا حددت الناتج المحلي الصيني بين 5% إلى 6% سنويا، كما أن المشكِّكين يغفلون عن الصورة الأكبر التي تفيد بأن الاقتصاد الصيني يتباطأ مع انتقاله إلى نموذج قائم على الاستهلاك. سيغادر بعض المصنعين الصين إن ظلت التعريفات الجمركية المرتفعة دائمة، لكن لا ينبغي المبالغة في أهمية مستجدات من هذا النوع.
بمعزل عن القلق الذي تُسبّبه تعريفات ترمب، تقوم الصين تدريجيا بالابتعاد عن النمو الاقتصادي القائم على التصدير، فقد تراجعت الصادرات إلى الولايات المتحدة الأميركية كنسبة من الناتج المحلي للصين على نحو مطّرد من ذروة بلغت 11% في العام 2005 حتى أقل من 4% بحلول عام 2018. بينما كان إجمالي الصادرات الصينية يبلغ 32% من إجمالي الناتج المحلي الصينيّ في عام 2006، حتى تراجع هذا الرقم إلى النصف عند نسبة 18% بحلول عام 2018، وهو رقم أدنى من متوسط 29% الذي تُعرف به الدول الصناعية في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.
كان قادة الصين يسعون منذ وقت طويل إلى توجيه اقتصاد البلاد من اقتصاد قائم على التصدير إلى نموذج قائم على الاستهلاك. وبالتأكيد أن الحرب التجارية أنزلت خسائر نفسية فادحة بالاقتصاد الصيني، حيث أصاب السوق الصيني الهلع عندما أُعلن عن التعريفات الجمركية لأول مرة، في عام 2018، لا سيما مع تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب التضييق على التداولات الائتمانية. بينما تعرض سوق الأسهم لضربة موجعة، بهبوط بلغ 25%، وحاولت الحكومة وقتئذ إيجاد منفذ سريع من الحرب التجارية.
لم تتعرض الصين إلى كساد اقتصادي خلال الأربعين سنة الماضية كما أنها لن تمر بواحد في المستقبل المنظور، لأن اقتصادها لا يزال في المراحل الأولى للتطور
لكن مع انقشاع الغبار اتضح حجم الضرر الفعلي؛ حيث تجددت الثقة في السوق وارتفعت مؤشرات الأسهم بنسبة 23% في بورصة شنغهاي، و35% في بورصة شنتشن، بحلول 12 سبتمبر/أيلول من عام 2019. ولعل قدرة الاقتصاد الصيني على التكيف في مواجهة الحرب التجارية تُساعد في تفسير سبب تمسك الصين بموقفها التفاوضي على الرغم من تصعيد ترمب.
لم تتعرض الصين إلى كساد اقتصادي خلال الأربعين سنة الماضية كما أنها لن تمر بواحد في المستقبل المنظور، لأن اقتصادها لا يزال في المراحل الأولى للتطور، حيث لا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين يبلغ سُدس نظيره في الولايات المتحدة الأميركية. وبسبب تراجع وتيرة الادخار وارتفاع الأجور، فإن محرك الاقتصاد الصيني ينتقل من الاستثمار والتصدير إلى الاستهلاك الخاص.
كنتيجة، من المتوقع تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي في البلاد، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي بأن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للصين من 6.6% في عام 2018 إلى 5.5% في عام 2024، في حين تشير تقديرات أخرى إلى انخفاض الرقم حتى مستويات أدنى. لكن على الرغم من احتمالية انخفاض معدلات النمو الصيني، لا يزال انكماش الاقتصاد الصيني مستبعدا في المستقبل المنظور. حيث من المتوقع للاستهلاك الخاص، الذي كان يتصاعد من 35% من الناتج المحلي عام 2010 حتى 39% العام الماضي، أن يستمر في قيادة النمو الاقتصادي الصيني، لا سيما في الوقت الحالي. بينما تعمل الصين على توسعة شبكة الأمان الاجتماعي ومخصصات الرعاية، مما سيؤدي إلى تحرير الادخار الخاص للاستهلاك.
في حين حظي الاقتصاد الأميركي بأطول توسع في التاريخ، وباتت دائرة الهبوط والانكماش تلوح في الأفق هذه الفترة، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% في الربع الثاني هذه السنة، مقارنة بانخفاض 3.1 في الربع الأول. الحرب التجارية ستؤدي إلى انخفاض بمقدار نصف نقطة مئوية على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو بطء نمو كافٍ لإدخال البلاد في حالة الركود المتوقع، وهو ما يمكن أن يدفع ترمب لإيقاف الحرب.
الصين والولايات المتحدة مترابطتان بشدة اقتصاديا، حيث يمثل كل واحد للآخر الشريك التجاري الأضخم، وأي محاولة لفصلهما اقتصاديا ستؤدي إلى عواقب كارثية على كليهما
هذه إذن إحدى الطرق المعقولة لإنهاء الحرب التجارية، فتداعياتها لم تطرق أبواب الأميركيين بعد، لكن ثمة نقطة تحول ستحدث عندما يبدأ الاقتصاد بتكبد الخسائر. إن استمرّت الحرب التجارية، فإنها ستعرّض نظام التجارة الدولية كله للخطر، وهو نظام يعتمد على التقسيم العالمي للعمل، بحسب الميزة التنافسية لكل بلد. بمجرّد ألا يعود هذا النظام أهلا للثقة، أي عندما يتم تعطيله، على سبيل المثال، بالمقاطعة والتدابير العدائية التي تأتي بها الحروب التجارية، ستنفصل البلدان عن بعضها بعضا.
إن الصين والولايات المتحدة مترابطتان بشدة اقتصاديا، حيث يمثل كل واحد للآخر الشريك التجاري الأضخم، وأي محاولة لفصلهما اقتصاديا ستؤدي إلى عواقب كارثية على كليهما وعلى العالم بأسره، حيث سترتفع الأسعار بالنسبة للمستهلك، ويتباطأ النمو الاقتصادي العالمي، وتتعطل سلاسل التوريد، كما أن الصعوبة ستزداد على النطاق العالمي، حيث سيؤدي الانقسام الرقمي، في التكنولوجيا، وفي الإنترنت، وفي الاتصالات، إلى عرقلة الإبداع على نطاق واسع بحيث يحدّ من آفاق وطموحات الشركات التكنولوجية.
جوانب مشرقة لا يبدو أن الحرب التجارية التي يشنّها ترمب ترمي إلى خفض العجز التجاري، لكن إدارته ترى التعريفات الجمركية وسيلة لإبطاء الصعود الاقتصادي الصيني. في محور هذه المناورة ثمة تصور بأن ارتباط النظام الحاكم الصيني بالأنشطة الاقتصادية يُمثِّل تهديدا فريدا للولايات المتحدة. يصرُّ روبرت لايتهايزر، ممثل التجارة الأميركية، على أن هدف التعريفات هو دفع الصين إلى مراجعة طريقتها في القيام بالأعمال التجارية. لكن المفارقة تكمن في أن القطاع الخاصّ الصينيّ تأذى بصورة خاصة من الحرب التجارية، حيث يُمثِّل 90% من الصادرات الصينية (و43% منها تعود لشركات مملوكة أجنبيا).
استمرار الحرب التجارية سيضعف القطاع الخاصّ، وهو ما قد يدفع الصين إلى الالتزام بشراء كميّات أكبر من السلع الأميركية كجزء من التسوية. لكن هذا سيتم من خلال الحكومة، وليس عبر القطاع الخاص. ينبغي للولايات المتحدة أن تدرك بأنَّ تأمين التزام من هذا النوع سيدفع الحكومة الصينية ببساطة للحفاظ على حضور قوي في الشؤون الاقتصادية. إن السياسة التجارية التي تتبعها إدارة ترمب تهدد بإضعاف أهدافها المعلنة، وينبغي للمسؤولين الأميركيين إعادة النظر في تحليلهم للاقتصاد الصيني، فالاعتقادُ بأن هنالك "نموذجا اقتصاديا" فريدا للتطور الاقتصادي يفرض بديلا وتهديدا لأنظمة الاقتصاد الليبرالي هو ضرب من الجنون الذي يفتقد لأي سياقات أو مقدمات تاريخية.
بإمكان الصين الحفاظ على زخمها الاقتصاديّ فقط عبر تنفيذ إصلاحات بنيوية في اقتصادها بحيث تنتقل إلى اتجاه أكثر تحررا وانفتاحا من السوق
لقد حققت الصين نموا متسارعا على مدار الأربعين سنة الفائتة بالابتعاد عن النظام القديم القائم على سيطرة الدولة على السوق. اليوم، يلعب السوق دورا هائلا في توزيع الموارد، والقطاع الخاص مسؤول عن أكثر من ثلثَيْ الاقتصاد. لكنّ القطاع الذي تتحكّم به الحكومة كبير جدا، كما أنه غير فعّال، وتبذيريّ ويحتضر، إنه مهلكة أكثر منه ميزة للاقتصاد. كما أنه مصدر تباعد متزايد بين الصين والغرب، الذي يخشى، ولأسباب مقنعة، من أن تقوم الحكومة الصينية بإعانة ودعم الشركات المملوكة للدولة دون وجه حق. هذه التدابير تحتاج إلى التغيير، وهذا يسري على الصين وشركائها على حدٍّ سواء.
بإمكان الصين الحفاظ على زخمها الاقتصاديّ فقط عبر تنفيذ إصلاحات بنيوية في اقتصادها بحيث تنتقل إلى اتجاه أكثر تحررا وانفتاحا من السوق. إنَّ عليها أن تضمن وصولا متكافئا للتجارة والاستمثار في أسواقها، وتطوير نظام أفضل لحماية الملكية الفكرية. هذه التدابير ستسرّع مسار الإصلاحات التي دشّنتها الصين قبل 40 عاما مضت، والتي أدّت إلى صعود قطاع خاص حيوي في الصين واندماج الاقتصاد الصيني في السوق العالمي.
إن تسريع العملية لن يكون بلا آثار جانبية، كما أنه سيلقى مقاومة أصحاب المصالح الخاصة في البلاد. لكن التغييرات ستفيد الصين وشركاءها التجاريين على حدٍّ سواء، بمَن فيهم الولايات المتحدة. ينبغي لبكين والولايات المتحدة مشاركة هذه الأهداف في المفاوضات التجارية، وإن نجح الطرفان في تحقيق هذه الأهداف، فسيفوز كلاهما في الحرب.
إنه في صالح كلا الطرفين الانتقال من التفكير الصفري ورسم نهاية مرحلية للصدع الذي تلوّح به الحرب التجارية. وأفضل حلّ هو ليس تقريب الحواجز وإنما تمزيقها وتحرير التجارة أكثر فأكثر. للإبقاء على هيمنتها العالمية وقيادتها في المضمار التكنولوجيّ، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى الصين، وهي أسرع الاقتصادات القائمة على الاستهلاك نموًّا في العالم. للحفاظ على زخم صعودها الاقتصادي، تحتاج الصين إلى تنفيذ مزيد من الإصلاحات ومواصلة الانفتاح على السوق العالمي. في النهاية، سيؤدي مزيج من التعاون والتنافس ضمن نظام يستند إلى القواعد لتحقيق أعظم الإمكانيات لكلا البلدين والاقتصاد العالمي ككل، كما تعلّمت كل الأمم التجارية على مدى التاريخ.
[1] تتهم الصين بسرقات ضخمة في قضايا الملكية الفكرية، من قبيل براءات الاختراع والعلامات التجارية والعديد من الإنتاجات الإبداعية.
[2] في الاقتصاد، الخسارة الفادحة (المعروفة أيضا باسم العبء الزائد أو عدم كفاءة التخصيص) هو فقدان الكفاءة الاقتصادية التي يمكن أن تحدث عندما لا يتحقق التوازن للسلعة أو الخدمة أو لا يمكن تحقيقه.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة السبت 30 مايو 2020, 4:48 pm
صراع العملات بين الصين وأمريكا خاصة والبلدان الصاعدة عموما هو أخطر القضايا التي ينبغي الحسم فيها
يذكر القراء والطلبة أنني منذ إندلاع الحرب التجارية بين الصين وأمريكا وتوالي التصريحات المتبادلة بين إدارة “ترامب” والحكومة الصينية، قد قلت أن العلاقة بين الصين وأمريكا يمكن تشبيهها بعلاقة “التوأم السيامي” وأن تشابك المصالح يجعل من أي تصعيد بينهما غير وارد، وحتى إن تحقق فإن أثاره السلبية تعم الطرفين معا، وأن الرهان على الصين للتخلص من الهيمنة الأمريكية هورهان خاسر، وأن جهود التحرر من الهيمنة الأمريكية وكسر شوكة أمريكا لن تكون على يد الصينيين، وإنما ستكون على يد المسلمين، وقد إتهمني البعض بمجانبة المنطق العلمي وخلط العلم بالدين، والواقع أن العلم يؤكد ويدعم أن البديل الاقتصادي والسياسي لن يكون إلا بالعودة إلى مجموعة من المسلمات الاقتصادية والسياسية، وهذه المسلمات تضمنها القرأن الكريم وشرحتها السنة النبوية الشريفة وفصلها الفقه الإسلامي، فبالعودة إلى هذه المصادر الإسلامية نجد أن هناك شرحا وافيا لعدد من المأسي والاختلالات البنيوية التي يعيشها المسلمون لأنهم تخلوا عن النموذج الرباني، وإنساقوا كغيرهم لإقتباس النموذج التنموي الغربي، وكل البشرية اليوم تعاني من تبعات هذا النموذج الخاطئ والمتوحش، والذي يقود الانسانية إلى المجهول ويعمق من معاناة ملايير البشر على حساب إثراء القلة .. وهذه المقدمة ليست دفاعا عن موقف، وإنما هي تمهيد لما سيعالجه هذا المقال وتأكيد للأطروحة التي نؤمن بها، فأس المشكل بنظرنا هو الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم عبر إحتكارها لطبع الدولار وتحديد قيمته، وربط مختلف العملات بالدولار هو تجني على حقوق ملايير البشر، وجعل أقواتهم وممتلكاتهم في خدمة المصلحة الأمريكية والجشع الأمريكي، فرفع الفائدة على الدولار أوخفضها، وخفض قيمة الدولار أورفعها قد تعرض بلدانا لخسائر مالية فادحة ويترتب عنها متتالية أزمات يصعب حصر تأثيراتها..لذلك نلاحظ أن عند بروز أي أزمة دولية يتجدد الحديث عن العملات وإرتباطها بالدولار الأمريكي، والحديث عن الدولار يقود حتما إلى الحديث عن السياسات النقدية التي تتبناها الولايات المتحدة وكيف أن أمريكا تشن “حرب عملات ” على خصومها بصورة مباشرة أوغير مباشرة…فالحرب القائمة بين الصين وأمريكا على خلفية تفشي وباء “كورونا” غايته تحويل أنظار العالم عن القضية المركزية التي تستنزف ثروات ومقدرات الشعوب، والصين بنظرنا متضررة من هيمنة الدولار إلا أنها لا تمثل البديل، والسبب أن الصين يصعب فصلها عن أمريكا إقتصاديا، فهي تتبنى ذات النهج الرأسمالي ولا تملك بديلا، أما سياسيا فهي تتبنى حكم مركزي شديد الرقابة ينسجم مع الخصوصية الجغرافية والثقافية والديموغرافية للصين، أما تعميمه خارج الصين فذلك أمر غير وارد في المدى المنظور.. وسنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على الصراع بين الصين وأمريكا، عبر تحليل الحرب القائمة بين “اليوان الصيني” و”الدولار الأمريكي”، وهي حرب أشد خطورة من الحروب بالأسلحة، إنها حرب بلا دماء لكن ضحاياها أكثر من ضحايا الحروب التقليدية، وعليه سنحاول توضيح ماهية حرب العملات، وتوضيح وجهة نظر كل من الصين وأمريكا..على أننا سنخصص مقالا منفصلا للبدائل .. أولا – تعريف حرب العملات لقد تعددت الأراء والتعاريف حول مفهوم صراع العملات، وذلك تبعا لأبعاد العملية، لكن تبقى موحدة من حیث المغزى أوالهدف ولعل أشهر هذه التعاريف هوتعريف “ويليام ليكین” الذي يرى أنها: “عملية تجاوز المحددات التنافسية الكلاسيكية الجزئية والتأثیر على مؤشرات التوازن الخارجي لغرض زيادة الفرص التسويقية داخليا وخارجيا”، ويمكن تعريف حرب العملات على أنها إعتماد الدول العظمى على قوتها الإقتصادية لتقليص قوة تنافسية الدول الأخرى، وتقليص حجم ثرواتها عن طريق إستخدام السياسة النقدية، والتدخل في أسواق تبادل العملات، كشكل من الحروب الإقتصادية الباردة، عبر إنتهاج سياسات تعتمد على خفض قيمة العملة المحلية، من أجل دعم القطاعات الإقتصادية الرئيسية، لا سيما قطاع التصدیر مما يؤدي إلى الإضرار بمصالح الشركاء التجاريین.. كما يمكن تعريف حرب العملات أيضا : “على أنها سياسة التخفيض التنافسي وهوموقف یتبلور بین الدول العالمية، بحیث تتنافس هذه الدول ضد بعضها البعض لتحقيق سعر صرف منخفض نسبيا للعملة الخاصة بالدولة .. وبالتالي فحرب العملات هي حرب ینشئها مجموعة من ” المتلاعبین بالعملة “ ثانيا- الحرب الباردة بين اليوان والدولار أهم قطبین في حرب العملات الدولية الحالية هما الولايات المتحدة والصین، فهما أهم محركین لهذه الحرب التجارية، وخاصة بعد المستجدات الأخیرة من خلال نجاح تدويل “الیوان الصیني ” وإعتماده رسميا كعملة إحتياطي عالمي من قبل صندوق النقد الدولي في عام 2016بنسبة %10.92من مجمل عملات الإحتياط الخمسة حاليا، هذا الإعتراف الدولي بالیوان جاء تتويجا لصعود الصيني الاقتصادي والسياسي، وهوالأمر الذي ينمي المخاوف الأمريكية بزوال هيمنة الدولار، فالصين تبعا لمختلف التوقعات قادمة لقيادة الإقتصاد العالمي والإندماج فيه مرة أخرى بحلول عام 2030.. وتعتبر قضية العملة الصینية یوان Yuan أهم القضايا الشائكة المتعلقة بالتجارة بین الولايات المتحدة والصین. وتنتقد واشنطن محافظة الصین على قيمة غیر حقيقية لعملتها تجعلها %40أقل من قيمتها الحقيقية في حالة تركها لقوى السوق، ولهذا السبب تنخفض أسعار المنتجات الصینية في السوق الأمريكي وترتفع أسعار المنتجات الأمريكية في الصین كما یؤدي لوجود هذا العجز الكبیر في میزان التجارة بین الدولتین، وترى واشنطن أن من شأن سياسة الصین بخصوص الیوان أن تؤثر سلبا على قدرة الولايات المتحدة التنافسية.. وقيام الرئيس الأمركي “ترامب” بفرض رسوم تعريفية بنسبة % 27.5 على المنتجات الصینية، هونتاج للجدل الدائر بين البلدين حول قيمة العملة الصينية، وقد قامت الصین قبل فرض الرسوم التعريفية بزيادة قيمة عملتها بنسبة % 2.1 وبدلا من ربطها فقط بالدولار تم ربط العملة الصینية بسلة عملات دولية، وما زال موضوع قيمة العملة الصینية يمثل أحد المشكلات الأساسية بین الولايات المتحدة والصین. ثالثا-السبب الحقيقي للحرب الباردة بين أمريكا والصين حماية عرش الدولار: وفقا للتصور الأمريكي فإن حجم التجارة والعجز التجاري مع الصين له صلة بتلاعب الصين بالعملة، ومع تضخم حجم التبادل التجاري بین الدولتین وتحقيق أمريكا عجزا تجاريا مع الصين، وإكتساح الصادرات الصينية للسوق الأمريكي، إذ صدرت الصين لأمريكا عام 2019 صادرات تجاوزت قيمتها أزيد من 500 بلیون دولار، أي ما يقرب من 100 ضعف حجم التجارة بین الدولتین عام 1979..فالولايات المتحدة وجهة مفضلة للمنتجات الصینية منذ تبني سياسة الاصلاح والانفتاح عام 1979، وفي نفس الوقت تشتري الصین المزيد من المنتجات الأمريكية، وترتفع الصادرات الأمريكية للصین بمعدل نسبته 21.5سنويا منذ2001 .. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية توجه أصابع الإتهام للصین، وتحملها مسؤولية العجز التجاري، وتعمد إلى ممارسة ضغوط على الصين لرفع قيمة عملتها الیوان، لكن الحجة الأمريكية ليست صحيحة تماما، بدليل أن الصین أقدمت على رفع قيمة عملتها في الفترة بین 2005و2008بنسبة %20، ومع ذلك فإن العجز التجاري لدى الولايات المتحدة زاد في الارتفاع، فقد كان قبل الرفع حوالي 201مليار دولار ليصبح أثناء الرفع 266 مليار دولار، أي أنه زاد ولم ینقص كما كانت تتوقع الولايات المتحدة . لكن ما ينبغي التنبه إلية أن هجوم أمريكا على الصين وإتهامها بالتلاعب بالعملة، وفيما بعد إتهامها بنشر فيروس كورونا الغاية منه دفع الصين إلى القبول باستمرار هيمنة الدولار، أما العجز التجاري فهوحق أريد به باطل، لأن سياسة الصين التجارية تضر بها على المدى الطويل، وقد بينت أزمة كورونا أن بعض إختيارات الصين كانت خاطئة، ومن ذلك إستمرارها في دعم الدولار عبر الاستثمار الكثيف في سندات الدين الأمريكي، حماية للصادرات الصينية وضمانا للنموالاقتصادي الصيني.. فمستوى العجز التجاري الكبیر لصالح الصین لا يمثل تهدیدا لأمريكا أوغيرها من البلدان الغنية التي تستطيع إحلال المنتج الصيني بمنتج محلي بسهولة شديدة، وقد سبق لنا أن أكدنا أن إعتماد الناتج القومي الصیني بنسبة %80على الصادرات يمثل تحذیرا للصین التي یجب أن تنمي بقية قطاعات إقتصادها، وأن تركیز الصین بهذه النسبة الكبیرة على التصدیر يعني فشلها في تنمية قاعدة استهلاكية محلية كبیرة توازي حجم نموها التجاري، وهذا بدوره يعرض الصین لآثار سلبية كبیرة في حالة تعرض إقتصاد الدول التي تمثل سوقا بالنسبة لها لأي إضطرابات إقتصادية مفاجئة، وهوما رأيناه مع تفشي الوباء وغلق الحدود ورأيناه أيضا خلال الازمة المالية العالمية لعام 2008 والأزمة الاسيوية لعام 1997 عندما تم التلاعب بعملات النمور الاسيوية وتفقير هذه البلدان وفرملة صعودها.. لذلك، فإن صراع العملات بين الصين وأمريكا خاصة والبلدان الصاعدة عموما هوأخطر القضايا التي ينبغي الحسم فيها، لأن أثار صراع العملات وهيمنة الدولار الأمريكي له نتائج إقتصادية مدمرة على دول العالم، ومن ذلك، تدمیر إقتصاديات دول لحساب دول أخرى أي لحساب الولايات المتحدة، ففي عملية إقدام أمريكا على خفض قيمة الدولار الأخیرة خسرت دول العالم مليارات الدولارات بسبب إنخفاض قيمة الاحتياطي من الدولار وخاصة الصین وبلدان الخليج، كما أن الرفع من قيمة الدولار يقود بالتبعية إلى إرتفاع سعر البترول والمواد الخام، وبالتالي التأثیر على قيمة الصناعات في الدول التي لا تنتج البترول، وهذا یؤدي أيضا إلى إرتفاع تكالیف المنتجات الغذائية وغيرها من المنتجات الأساسية… بنظرنا، الأزمة شائكة والصين عاجزة لوحدها على إسقاط الدولار من عرشه، لأنها بدورها مكبلة بقيود العولمة الاقتصادية ومصالحها متشابكة مع أمريكا، وإنفصالها عن أمريكا أوإعلانها العداء للمصالح الأمريكية يعني التضحية بالمصالح الصينية، ولعل المثال البسيط والأقرب، تبخر نحوتريليوني دولار استثمرتها الصين في سندات الدين الأمريكي.. فالخروج من الحلقة الجهنمية ليس بيد الصين، أوغيرها من البلدان المعتمدة ذات النهج الاقتصادي الرأسمالي المتوحش.. فالخروج من هذه الحلقة يحتاج إلى دولة مبدئية، ونرى أن الدولة التي تتبنى القيم الإسلامية في الاقتصاد والحكم والنقود وتداول القيمة وتوزيع عوائد التنمية والثروات، هي القادرة على خلق البديل التنموي والحضاري القادر على كسر شوكة طغيان الرأسمالية والدولار، وما يمثلانه من آلية دولية لنهب وتفقير غالبية شعوب الأرض على حساب إغناء القلة..وهو ما سنحاول تناوله في مقال موالي إن شاء الله .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون…
حديث عن نهاية “النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة” ومخاوف أوروبية من التوتر الأمريكي- الصيني
حذر دبلوماسي أوروبي من “أزمة وجودية” تواجه القارة بسبب وباء كوفيد- 19، وقال إن ذلك قد يكون عاملاً مساعداً على انهيار “النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة“. وأكد جوزيف بوريل، نائب فرع المفوضية الأوروبية في الاتحاد، أن عملية ضرورة اختيار الجانب الأمريكي أو الصيني في الحرب “الباردة” الجارية بين البلدين بدأت تزداد. وتوقع الدبلوماسي، الذي يعمل ايضاً كممثل أعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، للمشاركين في مؤتمر السفراء الألمان 2020 أن الوباء سيسرع التاريخ بشكل كبير. وأضاف أن الصين أصبحت بسرعة” قوة أكثر قوة وحزماً، وقال إن النظام الذي يخرج من آسيا، اكتسب أهمية متزايدة. وقال بوريل:” تحدث المحللون منذ فترة طويلة عن نهاية نظام بقيادة الولايات المتحدة ووصل قرن آسيوي، هذا يحدث الآن أمام اعيننا، لقد اتضح أن القرن الحادي والعشرين هو قرن آسيوي، والوباء كان نقطة تحول في هذه العملية”. وقد تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة، مع فرض رسوم جمركية متبادلة على السلع من كلا البلدين، واشتكى المسؤولون الأمريكيون من مخاوف تتعلق بالأمن القومي مرتبطة بشركات التكنولوجيا الصينية. وأخبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شبكة فوكس نيوز هذا الشهر بأنه لا يريد التحدث مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، واقترح أن الولايات المتحدة قد تقطع العلاقات مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستوفر 500 مليار دولار من ذلك.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة الخميس 06 أغسطس 2020, 7:45 pm
إكسبرت أونلاين: الصين توجه ضربة للدولار في لحظة ضعفه
كتب إيغور نيديلكين، في “إكسبرت أونلاين”، حول انتهاج الصين سياسة التخلي عن الدولار دون ضجيج. وجاء في المقال:يفقد الدولار الأمريكي موقعه على المسرح العالمي، ويحدث ذلك بسرعة، إلى درجة أن العديد من الخبراء وممثلي أكبر البنوك الاستثمارية بدأوا في دق ناقوس الخطر. وقد أصدر خبراء Goldman Sachs تحذيرا من أن السياسة النقدية والمالية الأمريكية، التي تشبه “رمي الأموال من مروحية”، تقوض بشكل كبير الثقة بالدولار. بل، وظهرت، لأول مرة، مخاوف حقيقية حول مستقبل الدولار كعملة احتياطية. من الواضح أن الصين لن يفوتها استغلال هذا الوضع. فربما لا تكون هناك لحظة أفضل لضرب سلاح المنافس الجيوسياسي الأهم، أي الدولار. وفي الواقع، يبدو أن سلطات الصين تخوض عمليا حربا شرسة مع الولايات المتحدة على جبهة العملة، إنما تفعل ذلك بهدوء، دون لفت الانتباه. وهكذا، فوفقا للإدارة الحكومية للعملات الأجنبية في جمهورية الصين الشعبية، زادت النسبة المئوية للمدفوعات والإيصالات المقومة باليوان، في إجمالي معاملات الصرف الأجنبي التي أجرتها البنوك لعملائها على مدى عامين، من 19 إلى 37 %. ويقدر خبراء بلومبرغ بدورهم أن استخدام الدولار من قبل الشركات الصينية في المعاملات عبر الحدود انخفض، خلال هذه الفترة، من 70 إلى 56%. بالطبع، يمكن لهذه التغييرات أن تعكس فقط رغبة الشركات في تقليل مخاطر العملة، ومع ذلك فهي في الواقع أشبه بالتخلي المنظم عن العملة الأمريكية. كانت روسيا، كما تعلمون، أول من حارب الدولار، حيث باعت جميع سندات الخزانة الأمريكية تقريبا من احتياطاتها. وعلى الرغم من أن اقتصاد بلدنا لا يمكن مقارنته بحجم الاقتصادين، الأمريكي أو الصيني، فهناك فوائد معينة من هذا الإجراء: فأولاً، أتاح التخلص من الدولار تجريد الولايات المتحدة من سلاح الدولار في سياسة العقوبات التي تمارسها؛ وثانيا، كما نعلم، قام بنك روسيا بتحويل جزء كبير من احتياطاته إلى الذهب واليورو واليوان.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75499 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة الأحد 23 أغسطس 2020, 9:50 am
الصين وديون الدول الأفريقية.. هل تخفضها بكين أم تجرها للمزيد؟ يقدّر إجمالي ديون القارة الأفريقية بحوالي 365 مليار دولار، ثلثها يعود إلى الصين، وفي ظل رغبة الدول الكبرى في مساعدة دول القارة على تجاوز مشاكلها الاقتصادية العميقة تُتهم الصين بعدم التعاون بالقدر الكافي لإعادة جدولة ديون الدول الأفريقية، وبالسعي لجرها إلى المزيد من القروض.
وفي مقال بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قالت الكاتبة فيرجيني مانجين إن الصين -الدائنة الكبرى لدول القارة السمراء- وجدت نفسها مجبرة على تعليق ديون دول القارة مؤقتا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنها لا تعتزم بتاتا إلغاء أي من تلك الديون، وفق تعبيرها.
ووافقت بكين بتحفظ على الاتفاق الذي توصلت إليه مجموعة العشرين في أبريل/نيسان الماضي، والذي ينص على تعليق ديون الدول الأشد فقرا حتى نهاية العام الحالي، فيما تستمر المفاوضات على تمديد الاتفاق عاما إضافيا.
ولا يشمل اتفاق مجموعة العشرين جميع الدول الأفريقية، إذ تم استبعاد الدول التي حصلت على قروض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، كما يستبعد الاتفاق القروض التجارية التي حصلت عليها الدول الأفريقية من بنوك استثمارية، مثل بنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة وبنك التنمية الصيني.
ولا يشمل التأجيل -الذي تعتبره الدول الأفريقية غير كاف- سوى جزء صغير من إجمالي ديون القارة، وفق الصحيفة الفرنسية.
وحسب جامعة جونز هوبكنز، فقد أقرضت الصين الدول الأفريقية 143 مليار دولار بين عامي 2000 و2017 لبناء طرق وجسور وملاعب ومستشفيات في إطار ما تعرف بـ”مبادرة طريق الحرير الجديد”.
ووفق تقديرات معهد التنمية الخارجية ومقره لندن، تمثل القروض الصينية 70% من الديون الخارجية لدولة جيبوتي كما أورد تقرير لوفيغارو.
ضغوط دولية وذكرت الكاتبة فيرجيني مانجين أن ضغوطا دولية تمارس على الصين في الوقت الحالي، للانخراط في اتفاقية لإعادة جدولة ديون الدول الأفريقية، في وقت تُتهم فيه بأنه تسعى إلى توريط القارة السمراء في المزيد من الديون.
وتنقل الكاتبة عن رئيسة قسم آسيا في مؤسسة البحوث الإستراتيجية في فرنسا فاليري نيكي قولها إن “الحل القابل للتطبيق للديون الأفريقية يتضمن بالضرورة انخراط الصين في عملية متعددة الأطراف، ولذلك تجد بكين نفسها تحت ضغط كبير من أجل التعاون مع الدول الأخرى”.
معضلة وبحسب الكاتبة، فإن الصين لا تعتزم إيجاد حل دولي لمشكلة ديون الدول الأفريقية، لأن ذلك يعني مزيدا من الرقابة والشفافية التي تتعارض مع مصالحها.
وتقول إن بكين لا تبدي قدرا كبيرا من التعاون مع “نادي باريس” الذي يضم حاليا 22 دولة دائنة، ويهدف إلى تخفيف شروط منح القروض للدول الأفريقية.
وكشف مركز التنمية العالمية أن “أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك الصينية أعلى مرتين من أسعار الفائدة التي يفرضها البنك الدولي”.
وتتوقع الكاتبة أن تواصل بكين التفاوض مع كل دولة على حدة، دون أن تكون هناك مقاييس واضحة، ودون أن يكون هناك تفكير في إلغاء بعض الديون بشكل كامل مثلما تطالب به دول أفريقية عدة.
لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ قال في يونيو/حزيران الماضي إن بلاده تعتزم إلغاء ديون الدول الأفريقية المعنية في شكل قروض حكومية معفاة من الفوائد المستحق سدادها بحلول نهاية 2020.
وقال شي في كلمة خلال قمة الصين-أفريقيا الاستثنائية بشأن التضامن في مواجهة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) إن بلاده تتطلع إلى أن يلعب المجتمع الدولي -ولا سيما الدول المتقدمة والمؤسسات المالية متعددة الأطراف- دورا أكثر فاعلية في تخفيف أعباء الديون وتعليقها بالنسبة لأفريقيا، وفق ما ذكرت وكالة شينخوا الرسمية.
وفي يوليو/تموز الماضي أحجم مسؤولو مجموعة العشرين عن إصدار توصية بتمديد تجميد الديون، واكتفى البيان الختامي للمجموعة وقتها بالإشارة إلى بحث قضية تمديد تجميد المدفوعات عاما آخر، وذلك في النصف الثاني من العام الحالي.
ولم يتطرق البيان أيضا إلى دعوات متزايدة لإلغاء ديون بعض الدول الأشد فقرا وعدم الاكتفاء بتأجيلها.
وأظهرت المبادرة -التي وافق عليها وزراء دول المجموعة في أبريل/نيسان الماضي- صعوبة في تنفيذها بعدما عبرت 42 دولة فقط من بين 73 عن اهتمامها ليجري توفير 5.3 مليارات دولار فقط من مدفوعات خدمة الديون بدلا من 12 مليارا التي جرى التعهد بها في البداية.
الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة