اتفاقية كوينسي عام ١٩٤٥
الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود والكولونيل ويليام إدي (المنحني على ركبته) والأميرال وليام ليهي (الواقف) على متن طراد كوينسي.
اتفاق كوينسي بالإنگليزية: Quincy Pact تم التوصل إليه في 14 فبراير 1945 وذلك على متن طراد يو أس أس كوينسي (CA-71)، وذلك بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا. كان من المقرر أن يدوم هذا الاتفاق 60 سنة، وتم تجديد محتوى اتفاقياته لنفس المدة في 2005 من قبل الرئيس جورج دبليو بوش. أهم ما جاء في هذا الاتفاق هو توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة.[1][
في سبتمبر 1943 دعي لزيارة واشنطن ولدان من أبناء عبد العزيز الأميران فيصل وخالد اللذان أصبحا فيما بعد ملكين للبلاد. وفي واشنطن قوبلا بترحيب كبير وأقام نائب الرئيس هاري ترومان Vice President Harry Truman مأدبة عشاء لهما في البيت الأبيض. ومكثا في بلير هاوس Blair House مكان الإستضافة الرسمي للحكومة. وجهز لهما قطارا خاصا أقلهما في رحلة لرؤية الساحل الغربي بالولايات المتحدة. وعند عودتهما إلى المملكة، قدما تقريرهما لأبيهما عما لقياه من حفاوة. وأبلغاه عما سمعاه من أن الرئيس روزفلت يهوى جمع الطوابع مما أعطى الملك منفذا للتقرب الشخصي من الرئيس مباشرة. فأرسل إليه مجموعة من الطوابع السعودية التي هي نادرة في الغرب. في 10 فبراير 1944 أرسل الرئيس روزفلت إلى الملك رسالة يشكره فيها على الطوابع. وعبر عن أسفه لعدم تمكنه من لقائه خلال رحلته للقاهرة وطهران. تلك الرحلة التي طار فيها روزفلت عبر الأجواء السعودية ورآها من الجو. وقد طرح في خطابه فكرة إحضار وسائل للري والزراعة لهذا الأقليم الصحراوي. وعبر عن أمله في ملاقاة الملك عبد العزيز في رحلة أخرى قادمة في المستقبل. واعتبر الملك أن كلمات الرئيس تحمل تعهدا منه بزيارته وبدا يسأل موس عن توقعاته لوصول الرئيس. وجاءت رحلة الرئيس إلى يالطا بمثابة فرصة سانحة لموس لعقد هذا اللقاء. وعلى الفور أمسك موس بهذا الخيط وعاد يطالب واشنطن بإقناع الرئيس لمقابلة الملك أثناء رحلته إلى يالطا. يقول آرشي روزفلت Archie Roosevelt إبن عم الرئيس في مذكراته أن موس لم يترك أحدا في الدولة لم يكلمه عن رحلة الرئيس. كان موس لحوحا في هذا الشأن. وعندما لم تتجاوب معه وسائل الإتصال الدبلوماسية الرسمية أستخدم الأسلوب الشخصي. فأرسل مذكرة للبيت الأبيض مع شخص ما. وما أن وصلت الرسالة للرئيس المهتم أصلا بالمملكة العربية السعودية. أبدى موافقته على الفور. ولم يكن بحاجة إلى الكثير من الإقناع.[4]
لقــاء وترتيبات
في 3 فبراير عام 1945 أرسل مساعد وزير الخارجية الأمريكية جوزيف جرو Joseph C. Grew برقية للكولونيل إيدي وممثلي الولايات المتحدة في القاهرة وأديس أبابا بشأن عمل الترتيب للقاءات تتم في الإسماعيلية على ظهر سفينة رجل الحرب الأمريكي بين الرئيس وبين الزعماء الثلاثة. وحدد موعد اللقاء العاشر من فبراير أي بعد نحو أسبوع من إرسال البرقية. لكن هذه الترتيبات لم تكن لتتم في موعدها بسبب التعقيدات التي نشأت نتيجة الحاجة للتكتم والسرية حول خط سير رحلة الرئيس. وكان مقررا للرئيس أن يسافر إلى المتوسط على ظهر السفينة كوينسي .. ثم يطير من مالطة إلى كريميا للقاء التاريخي مع ونستون تشرشل ويوسف ستالين. ثم يعود على ظهر السفينة كوينسي إلى المياه المصرية للقاء بالملك فاروق ثم هيلاسيلاسي ثم الملك عبد العزيز.
كان من بين هذه الترتيبات .. أن تقوم المدمرة البحرية سكوادرون-17 Destroyer Squadron 17 بمهمة حماية السفينة كوينسي ومرافقتها. وكان هذا هو الجزء الأسهل من الترتيبات. لكن الأصعب. كانت تتمثل في الإجراءات والترتيبات التي سيتم بها نقل الملك عبد العزيز وحاشيته.
شهود العيان يحكون الطريقة التي تم بها هذا الإنجاز الرائع للدبلوماسية الفذة والطريقة التي تمت بها عملية التكيف الثقافي شهود ثلاثة لهذا الحدث الهام. أولهم الكولونيل إيدي، وقد كتبه في شكل روائي في كتاب نشره في عام 1954 تحت عنوان: " فرانكلن روزفلت يقابل إبن سعود F. D. R. Meets ibn Saud ". أما الثاني فهو الكابتن البحري جون كيتنج Captain John S. Keating قائد المدمرة سكوادرون 17 التابعة للبحرية الأمريكية والذي كان على ظهر المدمرة في ذلك الوقت. وقد شرح ذلك في مقال نشره في احدى المجلات عام 1976 تحت عنوان " مهمة إلى مكة : الطراد ميرفي Mission to Mecca : The Cruise of the Murphy ". وأخيرا وليام إم ريجدون William M. Rigdon المساعد البحري للرئيس روزفلت في ذلك الوقت. وكتبها في مذكرات بعنوان " بحار البيت الأبيض White House Sailor "
عندما نتحدث عن هذا الإنجاز لا يمكن بأي حال أن نتجاهل الشخصية الرئيسية التي تصنع الحدث وتعده للزعماء الكبار .. وكان إيدي هو هذه الشخصية والدينامو الذي يحرك الأحداث للأمام. وقد ظهر إيدي في الوقت والمكان المناسبين .. فهو من مواليد لبنان ويتحدث العربية بطلاقة. فكان هو بمثابة القائم بالوساطة الثقافية بين الجانبين. ولم يكن ذلك ليتحقق لولا أنه أستطاع أن يكسب ثقة الملك وصداقته منذ الأشهر الأولى أثناء عمله كوزير أمريكي مفوض في جدة . كانت الخطة أو الترتيبات الأمنية بسب الحرب تقتضي سفر الملك ومستشاريه من الرياض إلى جدة عن طريق البر. ثم عندئذ يركبون المدمرة ميرفي في رحلة بحرية عبر البحر الأحمر إلى مصر. ولقد أحتفظت الخطة بسريتها وأمكن التكتم عليها ولم يتم إبلاغها لأحد. حتى أن الكولونيل إيدي المفوض الأمريكي أضطر على سبيل التمويه إلى قبول دعوات وجهت له لحضور بعض المناسبات وهو يعلم مسبقا أنه لن يحضرها. وفي نفس الوقت وعلى الجانب الآخر. أعلن الملك أن قافلته ستتجه إلى مكة بينما هي تتجه بدلا عن ذلك إلى جدة.
نعود إذن إلى الكابتن البحري جون كيتنج Captain John S. Keating لكي نستكمل قصة الترتيبات. كان هو ومعه قبطان المدمرة ميرفي القائد برنارد إي سميث Skipper Commander Bernard A. Smith قلقان حول البروتوكول وحول سلوك الطاقم حيال ذلك. ونظرا لمتطلبات التكتم والسرية لم يخبرهما أحد بأن الكولونيل إيدي سيكون مرافقا للجانب العربي ومرشدا لهم في هذا الخصوص. ولم يكن يتوفر لهما القدر الكافي من المعلومات. فالأمريكيون على سبيل المثال يعرفون بأن الإسلام يمنع أكل لحوم الخنازير وأن الملك يحب أكل الحملان ولكنهم لا يعرفون خياراته أو نظامه الغذائي أو ما الذي يفضله من طعام. لذلك كان عليهما بذل الجهد للحصول على بعض المعلومات التي تمكنهما من إستضافة الملك ومرافقيه. كل المعلومات التي حصلوا عليها من الأنسيكلوبيديا لم تكن كافية أيضا وأهمها أن التدخين وشرب الخمر ممنوع في حضور الملك. كما أنه لم تتوفر لديهما خريطة حديثة لميناء جده والخريطة الوحيدة التي كانت لديهم عن هذا الميناء يعود تاريخها إلى عام 1834 أي قبل مائة وأحد عشر عاماً. كما لم يسبق لأي سفينة بحرية أمريكية أن رست هناك. نقطة أخرى ظهرت على السطح حينما أبلغهم السعوديون بان الوفد المرافق للملك يتكون من مائتي شخص. ولم يكن بالإمكان أن تستوعب ميرفي هذا العدد. فقال لهم القبطان سميث أن أقصى ما تستطيع ميرفي أن تستقبله لا يزيد عن عشرة أشخاص. ولقد تفاوض إيدي على هذا الرقم وتمكن من أقناع القبطان بقبول عشرين شخصا على ظهر السفينة ومع ذلك عندما وصل الملك ومرافقوه كان هناك 48 شخصا على ظهر السفينة بما في ذلك عبد الله شقيق الملك وإبنيه محمد ومنصور ووزير المالية عبد الله سليمان الذي فاوض على إتفاق إمتياز البترول مع شركة ستاندارد للنفط قبل ذلك بحقبة ومنجم الملك.
فات إيدي أن يشرح لمستشاري الملك لماذا لا يسمح للنساء أن يقمن بهذه الرحلة ..فلم يكن هناك مكان على ظهر المدمرة يمكن أن يكون منعزلا للنساء حتى لا يتعرضن لنظرات الرجال.
على ظهر السفينة مرفي
عندما وصل الملك رفض الإقامة في المكان الذي خصص له في السفينة واصر على النوم ومن معه ـ ال 47 المرافقين ـ على ظهر السفينة. ورفض مرافقوه المقاعد الثابتة من جناح الضباط لأنها غير مناسبة. وبسبب إعتلال ساق الملك وقدمه لم يستطع أن يمشي بسهولة على أرضية السفينة المصنوعة من الحديد ففرشت الأبسطة والسجاجيد.
على ظهر السفينة وضع مقعد الملك مواجها لمقدمة السفينة في كل الأوقات فيما عدا أوقات الصلاة عندئذ يتوجه الملك وفريقه بالقبلة في إتجاه مكة وفقا لما حدده لهم مرشد السفينة .. أما فيما يتعلق بوجبات الملك وطعامه له ولمن معه فقد أحضر معه قطيعا من الأغنام لذبحها لوجباته واصر على مشاركة البحارة الأمريكيين كضيوف له في تناولها. ولقد عرض القبطان سميث عليهم ماشية ودواجن مجمدة ولكنهم أصروا على عدم تناول الأطعمة المحفوظة. ولقد نجح إيدي في التفاوض على مثل هذه الأمور وأقنع الطرفين بأن يؤخذ عشرة فقط من قطيع الأغنام لتساق إلى مؤخرة السفينة في زريبة مؤقتة تنشأ خصيصا لها وقال للملك بأن قواعد البحرية تمنع الطاقم من تناول طعام غير طعام السفينة أو الجراية. وأن مخالفتهم لتلك التعليمات تؤدي لمعاقبتهم وبطبيعة الحال لم يكن الملك ليريد لأعضاء الطاقم أن يحجزوا في سجن السفينة لسبب مثل هذا فتراجع عن أصراره. لكن هذه القواعد التي سرت على البحريين الأمريكيين لم تكن لتسري بسهولة على المدنيين أو الضيوف العرب مراعاة لواجب الضيافة. فبنيت المواقد الفحمية لزوم القهوة العربية بما في ذلك موقد بني أمام مخزن مفتوح للذخيرة وكان ذلك مروعا للأمريكيين. وعندما سال الملك عن أسماء جميع أعضاء الطاقم أدرك إيدي نية الملك وفهم مقصده وهو أنه يستعد لمنحهم بعض الهدايا فأقنع كيتنج وسميث بأن عليهم قبول هداياه حتى لا يضايقوه إن رفضوها وقال لهما: اشرحوا لرؤسائكم أنه لم يكن ممكنا غير ذلك.
استغرقت رحلة ميرفي ليلتين ويوم كامل أستطاع الملك عبد العزيز أن يرى خلالها لأول مرة الخط الساحلي لبلاده على البحر الأحمر وكانت حالة الطقس جيدة في معظم الوقت ومع ذلك أصيب أغلب المرافقين الذين لم يسبق لهم ركوب البحر بالدوار فيما عدا الملك. خلال هذه الرحلة شاهد الملك عروضا والعابا نارية بحرية وأدوات إرشادية ورأى لأول مرة عرضا للصور المتحركة وكان فيلما وثائقيا حول العمليات التي تقوم بها حاملة الطائرات على ظهر السفينة ووفقا لرواية إيدي فإن الملك سر بذلك إلا أنه نفر من السماح بترويجها في بلاده حتى لا تشغل الناس بمتعتها عن واجبات عقيدتهم ولقد أكل الملك التفاح لأول مرة وأكتشف لذاذة الطعم في كيكة التفاح.
إيدي كان هو الشخص الوحيد على ظهر السفينة الذي يتكلم اللغتين، ويفهم الجانبين. كتب يقول أن العرب ( يقصد مرافقي الملك ) والبحارة تأخوا وتصادقوا بدون كلمات وهذا في الحقيقة يدعو للإندهاش. ولقد شرح البحارة للعرب كيف يقومون بأعمالهم حتى أنهم سمحوا للعرب بمساعدتهم في مقابل أن يسمح العرب لهم بأن يفحصوا ملابسهم وزيهم وخناجرهم وحاولو بالتخمين أن يعرفوا كيف صنعت ولأية أهداف. ولقد أحتار العرب في تحديد هوية البحارة السود على ظهر السفينة. وظنوا أنهم في الأصل عربا وأصروا على التحدث إليهم باللغة العربية. كان الإنطباع الذي التقطه كيتنج منذ الوهلة الأولى لوصول الملك على ظهر السفينة ميرفي أنه أمام واحد من الملوك وأصحاب المقام الرفيع.