منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Empty
مُساهمةموضوع: الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟    الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 10:27 am

ماذا تعني الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟



ماذا تعني الدعوة الإسلامية؟ وما هي حقيقة هذه الدعوة؟ وماذا تحمل من حقائق ومعاني؟ وماذا فيها من عقائد وشرائع وتصورات؟
الدعوة الإسلامية: تعني الدعوة إلى الإسلام دين الله الحق، المنزل من عند الله تعالى، الذي أرسل به جميع أنبيائه ورسله، هداة للعالمين ورحمة لهم، وعلى رأسهم النبي محمد صل الله عليه وسلم، الذي اصطفاه الله لهذه الدعوة والرسالة الخاتمة لجميع الدعوات والرسالات: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28].

والدعوة الإسلامية تعني إقامة شريعة هذا الدين في الأرض، وإقامة عقائده وشرائعه ومبادئه وأخلاقه، كما أنها تعني صياغة الحياة البشرية كلها بصبغة الربانية والعبودية لله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163]. وقال تعالى: ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ... ﴾ [الشورى: 13]، نعم صبغة قائمة على عبوديتها لله وحده وإيمانها بكتبه ورسله، عبودية قائمة على إفراد الخالق المعبود بالخلق والأمر: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:54]، عبودية لا تتجه إلا على أصول العقيدة والتوحيد، ولا تقوم إلا على الحق والإيمان.

فلا عقيدة تستقر في القلوب إلا عقيدة الإيمان بالله والإيمان برسله، والإيمان بكتبه وشرائعه، والإيمان بالبعث بعد الموت والدار الآخرة دار الجزاء الحق، ولا شريعة تحكم الحياة البشرية وتقوم مسيرتها، وتهذب أخلاقها، وتصلح مجتمعاتها، وتبني سياستها واقتصادها، وحربها وسلمها، إلا شريعة هذا الدين الحق. لأنه الدين المنزل من عند الله وحده، فليس من دين غيره يقبل عند الله كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.. ﴾ [آل عمران: 19]. وكما قال أيضًا لمن اعتقد دينًا يدين به سواه: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]؛ ولأنه الدين الذي ارتضاه لها: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا.. ﴾ [المائدة: 3] ، ﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

ولأنه الدين الذي ضمنه الله تعالى كل جوانب السعادة والهداية في الحياة الدنيا وفي الآخرة: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى... ﴾ [طه: 123]. ولأنه دين الحق الجامع لكل مظاهر الحياة البشرية وفق منهج الله تعالى، الشامل الكامل والصالح لكل زمان ومكان: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

فالدعوة الإسلامية دعوة إلى الإسلام نفسه، دعوة إلى إنقاذ البشرية من الهلاك والضياع والتيه في الظلمات، والسير في ركب الشيطان وأتباعه، ودعوة إلى تحقيق سيادة ملك الله في الأرض وفي دنيا الناس: ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم:5].

ودعوة إلى قيادة البشرية بمنهج الله تعالى الخالد الباقي إلى يوم الدين، وإفراده سبحانه بالعبادة والتشريع دون من سواه من المخلوقات: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف:9].

ودعوة لبناء النفس والإنسان الصالح لإقامة خلافة لله في الأرض، ودعوة لتحرير النفس البشرية من رق العبودية والذلة لغير خالقها، تحريرها من سلطان الشيطان عليها بكيده ومكره، وتحريرها من الخوف من ذوي السلطان والطاغوت الذين لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وتحريرها من تقديس الذات والمال واللهث وراء أعراض الدنيا الفانية القليلة، وتحريرها من الخوف والطمع إلا في خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، وآيات القرآن فيها من هذا كثير: قال الله سبحانه وتعالي: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
 
وقال جل ثناؤه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]. وقال سبحانه: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].
 
وقال عز وجل: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة: 75، 76]. وقال تعالي: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلاَ ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 40-42].
 
وفي تحرير النفس من الخوف علي الحياة: قال تعالي: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ﴾ [آل عمران: 145]. وقال سبحانه: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].
 
وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].
 
وقال جل ذكره: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِي ﴾ [لقمان: 34].
 
وفيتحرير النفس من وفي الخوف علي الرزق: قال عز وجل: ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ﴾ [النحل: 53]. وقال جل ذكره: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].
 
وفي تحرير النفس من الخوف علي المكانة في المجتمع: فالإنسان في مجتمعه لا يملك ضرًا ولا نفعا، ولا عزًا ولا نصرًا، ولا رفعة ولا مكانة، ولا أي شيء من ذلك إلا بإذن الله وأمره «قل إن الأمر كله لله»، قال تعالي: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26]. وقال تعالي: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 17، 18]. وقال تعالي: ﴿ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18]. وقال سبحانه وتعالي: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10].
 
وفي تحرير النفس من تقديس المادة:
قال عز وجل: ﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55]. وقال تعالي: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
 
وفي تحرير النفس من سلطان الشهوات:
قال سبحانه وتعالي: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]. وقال سبحانه عقب هذه الآية: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].
 
وقال عز وجل: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]. وقال الله سبحانه: ﴿ وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]. وقال سبحانه وتعالي: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].
 
وفي تحرير النفس البشرية من سلطان الهوى:
قال الله تعالي: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].
 
وقال سبحانه وتعالي: ﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].
 
وقال سبحانه: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].

ودعوة لتزكية الأنفس والقلوب بمعرفة خالقها والتقرب إليه والطمع في رحمته وجنته، ودعوة للتصدي للشيطان الرجيم ومكائده وحبائله، والوقوف أمام فساد أتباعه وأعوانه الذين يتملقون البشرية ويلهثون خلف الشهوات الكامنة، واللذات المحرمة، ولا يراعون لها أدبًا ولا حرمة ولا كرامة، ودعوة لبناء مجتمع رباني نظيف قائم على رعاية الآداب، وحفظ الحرمات، قال الله سبحانه: ﴿ وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].
 
إنها ليست دعوة لقمع البشرية واستعبادها، والسيطرة على مقدرات الشعوب وأقواتها، ونهب أموالها وممتلكاتها، كما فعلته في القرون المتأخرة الشيوعية الخبيثة المادية، بأفكارها ومعتقداتها الإلحادية الكافرة، أو كما تفعله أمريكا وأوربا بمباركة وتخطيط يهودي صليبي ماكر، أو حتى ما يفعله أرباب الأموال والثروات من الهنود واليابانيين والصينيين.

كما أنها ليست دعوة للخروج على حكم الله وشريعته، بدعاوى التقدم والعلم والانفتاح العلمي أمام البشرية مما يجعلها ليست في حاجة إلى شريعة تحكمها ولا دين ينظم شؤون حياتها.

كما أنها ليست دعوة مستمدة من العقل والفكر البشري القاصر عن إدراك حقائق الأشياء، ولا الوصول إلى جميع مدلولاتها ليصوغ لها قوانين بشرية في شتى مجالات الحياة، ثم يحكمها فيها ويقول لها هذا هو القانون العصري الذي يتناسب مع طبيعة هذا الزمان.

كما أنها ليست دعوة أيضًا للتعدي على آداب الإنسان وحياءه وحرماته، وليست دعوة للفوضى والإباحية والفواحش والمنكرات على حساب شريعة الله والآخرة.

لكنها دعوة ربانية طاهرة، تسموا بالإنسان إلى حيث هو عند الله من التكريم والرفعة، وتسموا بأخلاقه وآدابه فيرتفع بإيمانه بالله، على دنايا النفس وحب الشهوات واللذات التي تقودها كثيرًا إلى الهلاك والخسران.

وهذه المعاني كلها جمعتها هذه الدعوة، التي هي بحق دعوة الإسلام، لأن الإسلام دين الفطرة الذي يولد عليه كل مولود: "كل مولود يولد على الفطرة"، وهذه الفطرة تعنى أن الكون والإنسان لم يخلقًا عبثًا ولا هملًا كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ... ﴾ [المؤمنون: 115]، وكما قال في موضع آخر: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36].

بل وبالغ سبحانه في نفي العبث واللهو في الخلق والأمر عن نفسه فقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ *مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ... ﴾ [الحجر: 85]، فالكون والإنس والجن، والنجوم والأفلاك، والجبال والبحار، والسماوات والأرض جميعًا، خلقها الله تعالى لحكمة جليلة، وغاية نبيلة، كما أخبر تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

إنها غاية العبودية لله تعالى وحده لا شريك له، وهذه غاية الوجود الإنساني والبشري على هذه الأرض، ومن هنا كانت الدعوة إلى هذه الغاية الربانية الجليلة، هذه معاني وملامح الدعوة الإسلامية التي أنشأها الله تعالى على يد نبيه ورسوله صل الله عليه وسلم، وأصحابه الأطهار - رضي الله عنهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟    الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 10:30 am

الدعوة الإسلامية بين الغربة الأولى والتمكين



قبل خوض غمار كتابة هذه الكلمات، لا بد لنا من البصيرة أولا بالتاريخ الماضي، تاريخ صدر الإسلام، وما كان فيه من وقائع وأحداث؛ حتى يتبين لنا كيف بدأت دعوة هذا الدين مسيرتها في التاريخ، وكيف مكن الله تعالى لهذه الأمة في تلك الحقبة الشديدة حقًّا، وكيف كتب الله لها النصر والظفر بحركة ودعوة النبي - صل الله عليه وسلم.

لأن الإسلام بطبيعته يمر بين مرحلتين من الغربة في بداية ظهوره وأول أمره، وبين عودته للقيادة والريادة في آخر الزمان، كما جاء في الحديث المعروف المحفوظ عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صل الله عليه وسلم-: ((بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)).

وقد بينت أحاديث أخرى صفات أهل الغربة الثانية؛ منها: أنهم يصلحون إذا فسد الناس، ويصلحون ما أفسده الناس، فهم بهذا الصالحون المصلحون، الذين يتلمسون خطى منهاج النبوة الأولى، في محاولة صادقة منهم بإعادة الناس إلى أول أمرهم.

وقد جاءت كتب السيرة والسنة والتاريخ بذلك، فالغربة الأولى للإسلام قد مُحيت ببعثة النبي -صل الله عليه وسلم- والتمكين له ولأصحابه - رضي الله عنهم - وبَقِيت الآن الغربة الثانية لعودة هذا الدين من جديد، وعودة منهجه إلى حياة الناس وواقعهم، وهذا أمر يأخذ من الجهد والبذل والتضحية والثبات الشيء الكثير والكبير، ولكن مع الصدق والمجاهدة تؤتي دعوة الإسلام ثمارها بإذن الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت:69].

ولا بد هنا بداية من الوقوف أمام مظاهر الغربة الأولى للإسلام في صفحة من صفحات تاريخ هذه الدعوة المشرق، لنعود بعدها إلى واقعنا المعاصر، ونتأمل أين الطريق، وأين المخرج لهذه الأمة اليوم؟

أولاً: نظرة على الواقع الجاهلي:
المستقرئ للسيرة النبوية وواقع الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية وبعدها، يلمَح الفارق الكبير بينهما، ويقف في اندهاش لما يراه من عظمة البناء الإسلامي، والتعليم النبوي، الذي أقامه الله تعالى لهذا الدين بالتمكين له، وجعله منهج حياة إسلامي، بعد أن ولت الجاهلية على أدبارها بما تحمله من عقائد وشركيات وثنية، وبما تحمله من تصورات ومعاملات وأخلاق وتشريعات جاهلية.

وكتب السيرة والتاريخ سطر فيها حال الجاهلية كلها، وما وصلت إليه البشرية آنذاك من انتكاس في الفطرة، وانحطاط في الإنسانية، وتقديس للآلهة المصنوعة العاجزة، لقد عاش العرب في مثالب الجاهلية يرتعون، وفي ظلمات الشرك والوثنية يعمهون، وخلف شهواتهم ورذائلهم ينكبون، هذا هو زمان البعثة المحمدية حقًّا جاهلية وأية جاهلية.

وكما قال أبو الحسن الندوي - رحمه الله تعالى -:
"بعث محمد بن عبدالله -صل الله عليه وسلم- والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزًّا عنيفًا، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكانًا آخر، ومنه ما تكدس وتكوم، نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنسانًا قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضر.
 
رأى إنسانًا معكوسًا قد فسدت عقليته، فلم تعد تستسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك، وفسد ذوقه فصار يستحلي المُر، ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطَل حسه، فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح.

رأى مجتمعًا هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعيًا، والخَصم الجائر قاضيًا، وأصبح المجرم فيه سعيدًا حظيًّا، والصالح محرومًا شقيًّا، لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هُوَّة الهلاك.
 
رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال، ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة، ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد، رأى ملوكًا اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ورأى أحبارًا ورهبانًا أصبحوا أربابًا من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة، لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالاً على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكًا وهمجية، والجواد تبذيرًا وإسرافًا، والأنَفة حَميَّة جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات.
 
رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظَ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة، رأى الأمم قطعانًا من الغنم ليس لها راعٍ، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه، ويجرح به أولاده وإخوانه"[1].

ثانياً: ظهور دعوة الإسلام:
هذا هو النظام الجاهلي الأول، الذي كان يعِج بالهبوط الإنساني في كل شؤون حياته، وفقدانه لبدهيات الحياة المستقيمة السوية، لقد طال الفساد والخواء والضلال كل  حياتهم، واستحال التغيير والإصلاح عند الكثير منهم، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره على العالمين، وتشرق أضواء نوره وشريعته على هذه القلوب الغارقة في بحار من شهوات النفس والدنيا الفانية، والواقعة في مستنقع الرذيلة الآسن، فكانت البعثة الربانية والمحمدية، بعثة الإنقاذ والهداية لهذه البشرية الجاهلية التائهة.

كانت بعثة النبي محمد -صل الله عليه وسلم- تغييرًا حقيقيًّا وكبيرًا لم يشهد مثله على طول التاريخ البشري كله، وما هذا إلا لأن مشركي جزيرة العرب جمعت فيهم جل أدواء وأمراض الأمم السابقة لها، التي لم تجتمع لأمة قبلها، فكان الأمر جللاً، كيف الطريق إلى تخليص هؤلاء من جميع هذه الأمراض والأدواء القاتلة؟
ولكن شاء الله ذلك بحكمته وإرادته وقدرته؛ كما أخبر - سبحانه وتعالى - بذلك في كتابه العزيز: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، فكانت البعثة وبداية تنزل الوحي الرباني بغار حراء على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتب السنة والسِّيَر والتاريخ بيَّنت ذلك ودوَّنته، فقد كان فتحًا من الله تعالى ومنَّة على هذه البشرية كلها، فقام النبي -صل الله عليه وسلم- يدعو إلى هذه الرسالة الربانية، فاستجاب له بعض من الناس أول الأمر لتصديقهم له قبل البعثة، ويقينهم في دعوته.

فبدأ التكوين النبوي لجيل هذه الدعوة، ورعيلها الأول من خيار الصحابة - رضي الله عنهم - وكان ذلك باصطفاء من يدعوهم للإسلام، وقوة تأثيرهم على أفراد ذلك المجتمع الجاهلي؛ يقول أبو الحسن الندوي - رحمه الله تعالى -: "لقد وضع محمد -صل الله عليه وسلم- مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية، فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب، أصاب الجاهلية في مقتلها أو صميمها، فأصمى رميته، وأرغم العالم العنيد بحول الله على أن ينحو نحوًا جديدًا، ويفتتح عهدًا سعيدًا، ذلك هو العهد الإسلامي الذي لا يزال غرة في جبين التاريخ"[2].

ثالثًا: غربة الإسلام الأولى:
ولكن مع بزوغ شمس الإسلام للوهلة الأولى وإشراقها على أرض الجزيرة المظلمة القاتمة بالشرك والضلال، وبزوغ رسالة الدعوة الإسلامية لهداية الخلق إلى توحيد خالقهم وإفراده بالعبادة وحده، بدأت الجاهلية الأولى بإعلان العداوة لهذا الدين، وإعلان الحرب الكبيرة على هذه الدعوة الإسلامية الجديدة، التي تريد هدم صرح الجاهلية، وهدم كل معتقداتها وتشريعاتها الباطلة وما تحمله من تصورات وأفكار.

فبدأت قريش أولاً وهم أقرب الناس إلى النبي -صل الله عليه وسلم- بإعلان رفضها وعنادها لهذه الدعوة التي جاء بها ابنها، مع أنهم جميعًا كان بينهم بقايا من الحنفاء ومن أهل الكتاب؛ أمثال: زيد بن عمرو بن نُفيل، وورقة بن نوفل، ولكن هؤلاء ما كانوا يلقون شيئًا من أذاهم ولا عنادهم ومكابرتهم.

لكن الموقف هذا تغير تمامًا تجاه دعوة الإصلاح والهداية دعوة الإسلام، فشعر المسلمون الذي آمنوا بهذا الدعوة واتبعوا رسولها بشيء كبير من الغربة بين هؤلاء القوم، فلم يعودوا لهم أولياءَ ولا أنصارًا، بل تحولت إلى نوع من العداء والاعتداء على الأموال والأبدان بالتنكيل والتعذيب المفرط.
 
وبدأ المشركون في طريق جديد من الغضب والمقت على دعوة النبي -صل الله عليه وسلم- ومن اتَّبعه وآمن به وبرسالته، لقد سلكوا كل طريق لصد الناس عن الإيمان بالله ورسوله، وما تركوا أسلوبًا ولا طريقًا إلا سلكوه ضد دعوة الإسلام.
 
فمن ذلك: ما جاء في تاريخ السيرة النبوية وكتبها من السخرية والاستهزاء والتكذيب بدعوة النبي -صل الله عليه وسلم- وبأتباعه وأصحابه - رضي الله عنهم - وتصوَّر معي هذه الغربة الموحشة في قلوب الصحابة؛ حيث السخرية بهم وبنبيهم ورسالته وكتابه، والقرآن ذكر شيئًا كثيرًا من ذلك؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، وقوله تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ص: 4]. وقوله تعالى: ﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم: 51].

ولا ريب أن كل هذا سُنة من سنن الله تعالى التي وقعت في الأمم الخالية قبلنا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ﴾ [الأنعام: 10].

ومن ذلك: صد الناس عن سماع القرآن ودعوة النبي -صل الله عليه وسلم- ولما جاء به، واتهام القرآن والرسول بأنه ساحر وكذاب وكاهن وشاعر إلى آخر هذه السلسلة البائسة من التهم العريضة لأهل الإيمان والحق؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].

ومن ذلك: التعذيب والتنكيل لأصحابه والمؤمنين به المتبعين له، فلقد عذب كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - من أمثال سيدنا بلال بن رباح، وعمار بن ياسر وأبيه وأمه الذين قضوا نحْبهم في سبيل الله تعالى، ومصعب بن عمير، وصهيب بن سنان الرومي، وأبو فكيهة أفلح الذي كان مولى لبني عبدالدار، وخباب بن الأرَت، وزنيرة أمة رومية التي أسلمت ثم عمي بصرها، ثم شفيت، فقالوا: سحر محمد، وأبي بكر الصديق - رضي الله عنهم جميعًا، وغيرهم كثير ممن آمنوا في طليعة الدعوة الإسلامية.

ومن ذلك أيضًا: إثارة الشبهات الباطلة الكاذبة حول القرآن والرسول، وأنه ما هو إلا بشر مثلهم، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوج وينام؛ كما حكى القرآن عنهم ذلك قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُورا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيما ً* وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا ً* أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُورا * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾ [الفرقان: 4-9].

واتَّهموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون، وما كل ذلك إلا ليصدوا عنه الناس وعن أتباعه، وتصديقه في رسالته ونبوته، وكذبوا البعث بعد الموت والخروج من القبور، وغير ذلك مما حكاه الله لنا في كتابه العزيز.

ومنها أيضًا: تقديمهم الإغراء والعروض الرخيصة من تولية الملك والسلطان عليهم، وجلب المال له ولأصحابه وجعلهم من أئمة الثراء والغناء بينهم، وتزويجه بالنساء والتمتع بهن على الفُرش، وشفائه من أمراضه وعلله، إن كان الذي نزل به من الأدواء وأنواع السحر.

حقًّا إنه السفه البشري الذي أضلَّ العقول والقلوب عن هذا النور والحق، وعن هذا البيان الشافي الهادي الواضح، وعن هذا الإعجاز البيِّن القاهر، لقد غلب عليهم الكفر والمعاندة للحق، والجحود والتكذيب مع كمال علمهم بأنه الصادق الأمين، ولكنها السنن الربانية الجارية في الكون لحكمة يريدها الله تعالى، للتمكين لهذا الدين، والتمهيد الرباني لظهوره على سائر الأديان من دونه والنحل الجاهلية المعاندة.
 
ومنها أيضًا: محاولاتهم المتكررة لقتل النبي -صل الله عليه وسلم- ومطاردته ونفْيه، واجتماع قريش على ذلك؛ بغية الوصول إلى شيء من التصدي لمد هذه الدعوة الجديدة عليهم، الزاحفة إلى قلوبهم، وذلك بما تحمله من عقيدة ساطعة مبرهنة، وأدلة ربانية لا يكابر العقل الرشيد فيها، وقد أثبت القرآن المنزل كل ذلك؛ ليكون لنا العظة والعبرة من أعداء الدعوة وأصحابها في كل زمان ومكان؛ كما قال تعالى في سورة الأنفال: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [3].
 
رابعًا: عوامل الثبات والتمكين:
ومع تنوع أساليب الجاهلية في مدافعة الحق والغلبة عليه، إلا أن الله ثبت نبيه ورسوله، وثبت الصحابة الذين آمنوا معه، وصدقوا نبوته ورسالته، ثبتهم لا لأنهم أصحاب الثروات والأموال، ولا لأنهم من ذوي الجاه والسلطان، ولكن ثبتهم لعدة عوامل جليلة وجدت في هذا الجيل المؤمن:
وأولها: أنهم أصحاب عقيدة صادقة، وإيمان لا تزعزعه الرياح والأعاصير من الشهوات والشبهات، ولأنهم أيقنوا أن هذا الدين هو فطرتهم التي تصرخ في أعماق نفوسهم أنه لا إله إلا الله وحده، لا يشاركه ولا ينازعه في ربوبيته ولا ألوهيته منازع أو شريك.

ولأنهم جعلوا التوحيد طريقهم إلى الله والدار الآخرة، وجعلوا إفراد الله وحده بالعبادة من الذبح والنذر والطواف وغيرها أحق وأجدر؛ لأنه المعبود المستحق لذلك، فلا شريك له، ولا منازع له، ولا مماثل ولا مكافئ له.
 
وثبتهم لما رأى الإيمان خالط بشاشة قلوبهم، فأضاء لها الطريق من جديد إلى الله المعبود - سبحانه.
 
وثانيها: أن الله علم منهم صدق المتابعة والاستجابة لله ورسوله -صل الله عليه وسلم- فلقد آمنوا بالله ورسوله، وصدقوه وتابعوه بمجرد الوقوف معهم، بإثبات حقيقة الباطل الذي عليه أمر الجاهلية، وأنها عبدت من دون الله ما لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، من الأصنام والأحجار والأوثان، وما إيمان أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وإسلامه من ذلك ببعيد.

وثالثها: إعراضهم عن زينة الحياة الدنيا وزهدهم فيها، فلم يكونوا ممن يريدون شيئًا من متاع الدنيا وزُخرفها، ولا مُتعها وقصورها، بل ادخروا ذلك النعيم عند ربهم في الدار الآخرة، وطلبوا رضوانه بذلك، ففتح لهم كنوز الأرض.

ورابعها: الكتاب المُنزل القرآن الذي ملأ قلوبهم معرفة بالله وإجلالاً له، وتعرفًا على أسمائه وصفاته، وبيان وعد الله لهم بما أعده لأولياه وعباده في الدار الآخرة في جنات النعيم، من الثواب العظيم، والنعيم الخالد المقيم، وترغيبهم فيها، وذكر بعض ما فيها من اللذات والفرش والنظر إلى وجه الله - جل جلاله - فقاموا يتلون ويتدبرون هذا الكتاب، وقاموا به ليلهم متهجدين عابدين، حتى تورمت أقدامهم بذلك أول الأمر، وكتب السنة فيها من ذكر القيام والتلاوة شيء كثير.

وخامسها: اليقين القلبي الذي أوقعه النبي -صل الله عليه وسلم- في نفوسهم بأن الله سيمكن لهم، ويبدل خوفهم أمنًا وسلامًا، ويجعل العاقبة لهم.

فبشَّرهم ووعدهم، وجعل الأمل يدب في قلوبهم، فما كذبوا على استضعافهم، ولا نكلوا على قلتهم، بل صدقوا وثبتوا حتى يأتي أمر الله: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾، بشر عمار بن ياسر، وبشر سراقة بن مالك، وبشر خباب بن الأرت وغيرهم، فأيقنوا وصدقوا[4].
خامسًا: البناء والتمكين:
لكل هذه العوامل والمبادئ وغيرها ثبت الصحابة - رضي الله عنهم - ثباتًا ليس له في تاريخ البشرية مثال سابق بهذه الصورة الجليلة الرائعة، ولقد رأينا ثبات بعض الأمم؛ كأمثال القلة المؤمنة من بني إسرائيل مع نبي الله موسى - عليه السلام.

لكن ثبات الصحابة كان له صورة أخرى نشأت عن كمال الإيمان والتصديق بالله ورسوله، فلما ثبت النبي -صل الله عليه وسلم- ومن معه من جيل الدعوة الأول، وصبروا على الكيد والمكر، والصد والاستهزاء، والإعراض والإغراء، وتركوا كل متاعهم وأموالهم، بل ونساءهم وأبناءَهم وعشيرتهم لله ورسوله، وكانوا مثالاً واقعيًّا للثبات على المبادئ والحق، والتضحية الصادقة من أجله ونُصرته.

لما كان هذا حالهم، مكن الله لهم في الأرض، وأذِن لهم بالتمكين الموعود لأهل الحق والإيمان، والتوحيد والمتابعة، فلقد أذِن لهم بالهجرة إلى المدينة ولرسوله، تمهيدًا لعالم ومجتمع إسلامي جديد، مجتمع لا يعرف الجاهلية، ولا يعرف الشرك والوثنية، ولا يعترف بألوهية المخلوقات، ولا بفساد المعاملات، ولا بقيام الحروب والعداوات من أجل لا شيء، ولا يستمد شرائعه وأخلاقه من تصورات بشرية، أو عقائد وأفكار رومانية أو نصرانية، مجتمع لا تتملقه النفوس الدنيئة من أصحاب الشهوات الرخيصة.
 
لقد أزالت الهجرة كل ذلك، فالهجرة تجبُّ ما قبلها، لقد قام صرح شامخ للإسلام ودعوته بعد عدة محاولات للهجرة والبناء للحبشة، وزالت غربة الإسلام والرسالة الأولى، ولم تعد غريبة على أرض الجزيرة، بل ظهرت كالشمس المنيرة في رابعة النهار، وعلا صوت الحق والإيمان على أبواق الجاهلية الخاوية.
 
زالت الغربة بهذا التمكين، الذي قام على أكتاف خيرة البشر بعد الرسل، إنهم أصحاب الرسول وأتباعه، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه: ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
 
وكما جاء في الحديث النبوي: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء".

لقد كان الإسلام ودعوته غريبًا على عادات وتصورات وعقائد الجاهلية، كان غريبًا في عقيدته وتوحيده: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].

وكان غريبًا في نظامه وشريعته: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 161 - 163].
 
وكان غريبًا في أخلاقه: {﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

وكان غريبًا في كل شؤونه وأحكامه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

وكان غريبًا في سياسته وحكمه: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]، ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

وكل هذا البناء الشامخ كان السبب في انقلاب الجاهلية بكل مقوماتها وتصوراتها وعقائدها على الدعوة الإسلامية، والوقوف بينها وبين الناس وإيمانهم بها؛ يقول أبو الحسن الندوي - رحمه الله -: "والتَقى أهل مكة بأهل يثرب، لا يجمع بينهم إلا الدين الجديد، فكان أروع منظر لسلطان الدين شهده التاريخ.

وكان الأوس والخزرج لم ينفضوا عنهم غبار حرب بُعاث، ولا تزال سيوفهم تقطر دمًا، فألَّف الإسلام بين قلوبهم، ولو أنفق أحد ما في الأرض جميعًا ما ألَّف بين قلوبهم، ثم آخى رسول الله -صل الله عليه وسلم- بينهم وبين المهاجرين، فكانت أخوة تزري بأخوة الأشقاء، وتبذ كل ما روي في التاريخ من خلة الأخلاء.

كانت هذه الجماعة الوليدة - المؤلفة من أهل مكة المهاجرين وأهل يثرب الأنصار - نواة للأمة الإسلامية الكبيرة التي أخرجت للناس ومادة للإسلام، فكان ظهور هذه الجماعة في هذه الساعة العصيبة وقاية للعالم من الانحلال الذي كان يهدده، وعصمة للإنسانية من الفتن والأخطار التي أحدقت بها؛ لذلك قال الله تعالى لما حض على الأخوة والألفة بين المهاجرين والأنصار: ﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73][5].

هذه إشارات سريعة للوقوف على واقع الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين في بداية العصر الإسلامي النبوي الأول، وكيف استطاع النبي -صل الله عليه وسلم- صياغة جيل الدعوة الفريد، من مرحلة البناء والتكوين إلى مرحلة القيادة والتمكين، إنه منهج فريد حقًّا في كل مقوماته وإنجازاته.




[1] انظر: ماذا خسر العالم؛ لأبي الحسن الندوي (77-87).
[2] انظر: ماذا خسر العالم؛ لأبي الحسن الندوي (82).
[3] انظر: الرحيق المختوم؛ لصفي الرحمن المباركفوري.
[4] انظر: الرحيق المختوم؛ لصفي الرحمن المباركفوري.
[5] ماذا خسر العالم (82).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟    الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 10:31 am

تأثير الدعوة الإسلامية في الثقافة العالمية



يقف التاريخ اليوم بين الأمم خطيبًا مصقعًا ينطق لنا بأنصع حجة وأقوى بيان لا يحابي ولا يوارب ولا يخشى في بيان الحقيقة لومة لائم ومن بعض كلماته العظيمة التي أسمعنا إياها ورن صداها مدى الخافقين هذه الكلمات: بكي النبي - صل الله عليه وسلم - عندما سمع قيس بن عاصم يحدث عن نفسه أنه كان يئد بناته في الجاهلية وأن واحدة منهن ولدتها أمها وهو في سفر فدفعتها إلى أحد أخوالها ضنًا بها على الموت، وإشفاقًا عليها فلما عاد وسألها عن الحمل قالت له أنها ولدت مولودًا ميتًا ثم مضت على ذلك سنون عدة حتى كبرت البنت ويفعت فزارت أمها ذات يوم فرآها عندها فأعجب بجمالها وعقلها وذكائها وسألها عنها فحدثته حديثها على وجهه ولم تكتمه شيئًا طمعًا في أن يضمها إليه ويمنحها رحمته وعطفه فأمسك عنها أيامًا ثم تغفل أمها عنها ذات يوم وخرج بها إلى الصحراء حتى أبعد فاحتفر لها حفرة وجعلها فيها فأخذت تقول يا أبت ما تريد أن تصنع بي؟ وما هذا الذي تفعل؟ وهو يهيل عليها التراب ولا يلتفت إليها وهي تئن وتقول أتاركي يا أبت وحدي في هذا المكان ومنصرف عني؟! حتى واراها وانقطع أنينها.
 
قرر المجمع العلمي في رومية قرارًا هذه نصه: أولًا: أن المرأة حيوان نجس لا روح له ولا خلود. ثانيًا: أن المرأة أحبولة (شبكة) الشيطان. ثالثًا: يجب أن يوضع على فم المرأة كمامة وهي ما يوضع على فم الكلب العقور والبعير الحقود لمنعها من الضحك والكلام.
 
أصدر البرلمان الانكليزي قرارًا (في عهد هنري الثامن ملك إنكلترا) يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد (الإنجيل) ولماذا؟ لأنها حيوان نجس في زعمهم.
 
كان المسيحي إذا حكم عليه الكاهن بأنه بهيمة تخيل في نفسه أن له ذنبًا متحركًا وخيشومًا طويلًا وأنه يمشي على أربع ويحرم عليه أن ينظر في كتاب غير الكتاب المقدس وأن يتلقى علمًا في مدرسة غير مدرسة الكنيسة.
 
ظهرت النجمة ذات الذنب يومًا من الأيام فذعر لرؤيتها المسيحيون ورفعوا إلى البابا عرائض الشكوى فطردها من الجو فولت الأدبار.
 
أهدى الخليفة هارون الرشيد العباسي الساعة الدقاقة إلى الملك شارلمان فلما رآها الشعب المسيحي وسمع صوتها فرّ من وجهها ظنًا منه أنها تشتمل على الجن والشياطين.
 
ألفت محكمة التفتيش لمحاكمة المتهمين بمزاولة العلوم فحكمت في وقت قصير على ثلاثمائة وأربعين ألفًا بالقتل حرقًا وصلبًا، لماذا؟ لأنهم قرأوا شيئًا من العلوم والفنون.
 
أحرق الشعب المسيحي فتاة حسناء بعد ما كشط جلدها وعرق عظمها؛ لأنها كانت تشتغل بعلوم الرياضة والحكمة مع أنها كانت على دين آبائها المصريين وهي المسماة (هيباتي الرياضية).
 
اكتشفت طريقة الحقن تحت الجلد في الأستانة ثم نقلتها إلى أوروبا (مارى مونتاجو) سنة 1721 فقامت قيامة القسيسين وعارضوا في استعمالها واحتيج في تعضيدها إلى التماس المساعدة من ملك إنكلترا وعادت هذه الشدة في المعارضة عندما اكتشفت طريقة تطعيم الجدري.
 
اكتشف أمريكي طريقة تخدير المرأة ليسهل ألم الولادة عليها فقامت قيامة القساوسة على ذلك وقعدت؛ لما رأوا أنه يخلصها من تلك اللعنة التي سجلت عليها في سفر التكوين من العهد القديم.
 
هذه مرآة ترينا صورة من صور الماضي المملوء بالمخازي في القرون الوسطى وتدلنا دلالة واضحة على أن العقل كان مضطهدًا والعلم مقيدًا بأسلاك شائكة لا يمكن لإنسان ما أن يلمسه أو يدنو منه خوفًا من أن تجرحه وتسيل دمه، فأهل الجزيرة العربية مقيدون بتعاليم كهانهم وجاهليتهم وأهل أوروبا وغيرها مقيدون في عقلهم ودينهم بتعاليم رجال الكهنوت ورؤساء الكنيسة لا يجوز لأحد أن يخرج عن هذه التعاليم ومن خرج كان حظه منها اللعن والطرد والحرمان.
 
في هذا الجو المضطرب في هذا العصر المكفهر في زمان العقل المضطهد المقيد بدأت الدعوة الإسلامية بالانتشار وسرت سريان الكهرباء بالأسلاك في قلب الجزيرة العربية ولم يمض أقل من قرن حتى امتدت رايتها إلى المغول والتتار والصين والهند وفارس في الشرق والأندلس ومراكش وفاس في الغرب.
 
تربية ملكات العقل وعدم تقيده بقيد منبوذ، والحث على طلب العلوم والفنون هما العاملان الأساسيان اللذان أذاعا الدعوة الإسلامية وبهما انتشرت انتشارًا في أكثر أرجاء البسيطة لهذا كان للأمة الإسلامية تاريخ مجيد فاق تاريخ جميع البشر.
 
ولسماحة هذا الدين المتين وتعاليمه القويمة العالية بدأ المسلمون يعتنون بالتدوين والتأليف والترجمة ووضع القوانين والأنظمة وفق تعاليم الشريعة والكشف والاختراع حتى صارت الأمم الأوربية على اختلاف أجناسها وطبقاتها ترحل لبلاد الأندلس لأخذ العلوم والمعارف عن المسلمين الأحرار، وإليك صفحة مجيدة خالدة ما خلد الدهر من هذا التاريخ المقدس لترى بأم عينك كيف كانت الأمة الإسلامية حينما كانت متمسكة بتعاليم دينها وكيف وصلت حالتها إلى ما نرى من الضعف والانحطاط سواء في الدين والعلم والمال حينما تركت هذه التعاليم السامية.
 
تغلغل الفتح الإسلامي في الشرق والغرب وفيما هو سائر في طريقه إلى افريقيا فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر واستولى بجيشه على الاسكندرية بعد لحاق النبي - صل الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى بست سنوات وبعد أن فتحها ومهد الأمور فيها سمع أن هناك رجلًا مسيحيًا من اليعقوبيين اسمه يوحنا النحوي كان عالمًا في الفلسفة والمنطق والطب فاستدناه منه واكرمه لعلمه ووقعت بينهما محبة عظيمة ظهر أمرها واشتهر حتى قال أحد فلاسفة الغربيين: «إن المحبة التي نشأت بين عمرو بن العاص فاتح مصر ويوحنا النحوي ترينا مبلغ ما يسمو إليه العقل العربي من الأفكار الحرة والرأي العالي فبمجرد ما أعتق من الوثنية الجاهلية ودخل في التوحيد المحمدي أصبح على غاية من الاستعداد للجولان في ميادين العلوم الفلسفية والأدبية من كل نوع».
 
وبعد عشرين سنة من انتقاله عليه الصلاة والسلام اخذ الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يحض على تعلم الآداب العربية ويطلب وضع القواعد لها لما رأى من حاجة الناس إلى ذلك فأخذ المسلمون من ذاك الوقت يتحسسون نور العلم في ظلام تلك الفتن استرسالًا مع ما يدعوهم إليه دينهم الحنيف وبينما كانوا يفتحون البلدان والأقطار وينشرون الدعوة الإسلامية فيها كانوا في ذلك الوقت يشتغلون بالعلوم والمعارف ثم جاءت دولة بني أمية فلم يمض عليها مدة قصيرة إلا وقد برع فيها المسلمون براعة عظيمة في الآداب من علم بوقائع العرب وتاريخهم وقول الشعر ونشاء البليغ من النثر فلقد بلغت هذه العلوم في مدة هذه الدولة العربية مبلغًا لم تبلغه أمة قط في مثل مدتها ثم ظهرت آثار العلوم العقلية في آخر دولتهم وترجمت جملة من الكتب العقلية والصناعية قبل نهاية القرن الأول عدا ما لهم من جديد قيم.
 
انقضت دولة بني أمية ودالت دولتها لبني العباس قرب نهاية الثلث الأول من القرن الثاني سنة 132 ثم نقل المنصور عاصمة الملك إلى بغداد فصارت بعد ذلك عاصمة العلم والمدنية أيضًا وأخذ المنصور ينشئ المدارس العديدة وينفق المال لنشر العلوم الفلكية وغيرها وأكمل حفيده الرشيد ما شرع فيه وأمر بأن يلحق بكل مسجد مدرسة لتعليم العلوم بأنواعها وجاء المأمون فوصلت به دولة العلم إلى أوج قوتها ونالت به أكثر ثروتها ويقال إنه حمل إلى بغداد من الكتب المكتوبة بالقلم ما يثقل مئة بعير وكان من شروط صلحه مع ميشيل الثالث أن يعطيه مكتبة من مكاتب الأستانة فوجد مما فيها من النفائس كتاب بطليموس في الرياضة السماوية فأمر المأمون في الحال بترجمته وسموه بالمجسطي ولا يسهل على كاتب ما ترجم من كتب العلوم والفنون على اختلافها في دولة بني العباس أبناء عم الرسول - صل الله عليه وسلم - ولا يخفى أن أشد أولئك الخلفاء عناية بالعلوم والفنون هم أعلمهم بالدين الإسلامي وأشدهم محافظة عليه.
 
ولا تسل هناك عن دور الكتب العامة التي أسسوها وجعلوها موضع عنايتهم في كل بلدة نشرت فيها رايتهم وتأسست فيها دعوتهم حتى كان في القاهرة في أوائل القرن الرابع مكتبة تحتوي على مئة ألف مجلد منها ستة آلاف في الطب والفلك لا غير وكان من نظامها أن تعار الكتب على اختلاف أنواعها للطلبة المقيمين في القاهرة زيادة في تثقيف العقول والتضلع من مختلف العلوم العقلية والنقلية وكان في هذه المكتبة كرتان سماويتان إحداهما من الفضة يقال إن صانعها بطليموس نفسه وإنه أنفق عليها ثلاثة آلاف دينار والثانية من البرنـز ومكتبة الخلفاء الشهيرة في اسبانيا بلغ ما فيها ست مائة ألف مجلد وكان فهرستها أربعة وأربعين مجلدًا وقد حققوا أنه كان في اسبانيا وحدها سبعون مكتبة عمومية وكان في هذه المكاتب مواضع خاصة للمطالعة والنسخ والترجمة هذا عدا المكاتب الخاصة التي كانت في دور العلماء والحكماء وفيها آلاف المجلدات الضخمة العلمية تفد إليها الطلاب من كل جهة وصوب ويبرع أصحابها بمذاكرة من يريد ومباحثته.
 
(يتبع)
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثالث، 1354هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟    الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟ Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 10:31 am

تأثير الدعوة الإسلامية في الثقافة العالمية (2)



نتج عن الثقافات العقلية والتعاليم العلمية التي حدثتك عنها أن أنشئت مدارس وجامعات لتدريس العلوم والفنون وجلب إليها المعلمون والأساتذة الأخصائيون في فنونهم وكانت طريقة تدريسهم جميلة جدًا، يستحضر الأستاذ ما يريد أن يلقيه على تلامذته ويلقيه عليهم كمحاضرة فهناك يتسابق التلاميذ لتدوينه في دفاترهم حتى لا يضيع منه شيء وبعدئذ تصير كتبًا وأمالي تنسب لأصحابها المدرسين.
 
قال (جيبون) في كلامه على حماية المسلمين للعلم في الشرق والغرب: (إن ولاة الأقاليم والوزراء كانوا ينافسون الخلفاء في إعلاء مقام العلم والعلماء وبسط اليد في الإنفاق على إقامة بيوت العلم ومساعدة الفقراء على طلبه فنشأ عن ذلك أن ذوق العلم ووجدان اللذة في تحصيله قد انتشر في نفوس الناس من سمرقند إلى بخارى إلى فاس وقرطبة وقد انفق وزير واحد لأحد السلاطين وهو (نظام الملك) مئتي ألف دينار على بناء مدرسة في بغداد وجعل لها من الريع يصرف في شؤونها خمسة عشر ألف دينار في السنة وكان الذين يغذون بالمعارف فيها ستة آلاف تلميذ فيهم ابن أعظم العظماء في المملكة وابن أفقر الصناع فيها غير أن الفقير ينفق عليه من الريع المخصص للمدرسة وابن الغني يكتفي بمال أبيه والمعلمون كانوا ينقدون رواتب وافرة).هـ
 
وجميع هذه المدارس كان يجري فيها امتحان عام كل سنة فمن كان مبرزًا في العلوم تعطى له شهادة كما هو معمول به في هذا العصر ولا يجوز لأحد معاطاة مهنة الطب ما لم يكن حاملًا بيده شهادة من إحدى المدارس أو الجامعات وهذا النظام قد أخذوه من نظام مدرسة الطب في القاهرة.
 
وأسسوا على ذلك قوانين وقواعد عديدة زادوها على قوانين فلاسفة اليونان. نقل غوستاف لوبون عن احد فلاسفة الأوروبيين أن القاعدة عند العرب هي (جرب ولاحظ تكن عارفًا) وقال (ديلامبر) في تاريخ علم الهيئة (إذا عددت في اليونانيين اثنين أو ثلاثة من الراصدين أمكنك أن تعد في العرب عددًا كبيرًا غير محصور وأما في الكيمياء فلا يمكنك أن تعد مجربًا واحدًا عند اليونانيين، ولكنك تعد من المجربين مئين عند العرب) ولهذا عدت الكيمياء الحقيقية من اكتشاف العرب دون سواهم.
 
العرب أو المسلمون كانوا يعدون الهندسة والرياضيات من الآلات المنطقية لأنها توصل إلى المجهولات وهم أول من استعمل الساعات الدقاقة لحساب الزمن وأول من استعمل الحسابات الزوالية فيها وأول من اكتشف قوانين لثقل الأجسام جامدها ومائعها حتى وضعوا جداول في غاية الدقة والصحة كما وضعوا جداول للأرصاد الفلكية وكانت تلك الجداول معروفة يطلع عليها الناظرون في سمرقند وبغداد وقرطبة حتى لقد وصلوا بتلك القوانين إلى ما يقرب من اكتشاف قانون الجاذبية قال أحد فلاسفة الأوروبيين إن العلوم التي تلقاها العرب عن اليونانيين وغيرهم وكانت ميتة بين دفات الدفاتر مقبورة بين جدران المكاتب أو مخزونة في بعض الرؤوس كأنها أحجار ثمينة في بعض الخزائن لاحظّ للإنسانية منها سوى النظر إليها صارت عند العرب حياة الآداب وغذاء الأرواح وروح الثروة وقوام الصنعة ومهمازًا للقوى البشرية يسوقها إلى كمالها الذي أعدت له وليس في الأوروبيين من درس التاريخ وحكم العقل ثم ينكر أن الفضل في إخراج أوروبا من ظلمة الجهل إلى ضياء العلم وفي تعليمها كيف تنظر وكيف تتفكر وفي معرفتها أن التجربة والمشاهدة هما الأصلان اللذان يبنى عليهما العلم - إنما هو للمسلمين وآدابهم ومعارفهم التي حملوها إليهم وأدخلوها من اسبانيا وجنوب إيطاليا وفرنسا عليهم وكان من حظ العلم العربي والأدب المحمدي عندما دخلا إلى إيطاليا أن البابا كان غائبًا لأن كرسيه كان انتقل إلى فرنسا في (افنيون) نحو سبعين سنة فدب العلم إلى شمالي ايطاليا واستقر به القرار هناك وان شوارع باريس لم تفرش بالحجارة إلا في القرن الثاني عشر وقد رصت بالبلاط على نحو ما رصت به مدن اسبانيا. اهـ
 
إن كل ما قدمناه وبيناه من التاريخ الناطق والبراهين العقلية والحسية يدل دلالة واضحة لا ريب فيها ولا مراء أن الإسلام دين عقلي عملي دنيوي أخروي حاض وحاث على تعلم العلوم والفنون والنظر في الكائنات علويها وسفليها, ولسهولة هذا الدين ومراميه العقلية والاجتماعية والفردية أثرت دعوته في أدمغة جميع العالم من أقصاه إلى أقصاه ومنه استمدت (الثقافة العالمية) على اختلاف أنواعها ومراميها وقد شهد أكثر علماء الفرنجة المنصفين بأن المسلمين هم أساتذة العالم في الثقافة العالمية من ذلك قول (كوستاف لوبون): (إن العرب أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين).
 
أيها السلمون قد شاهدتم ما فعل أجدادكم وكيف أنهم غذوا عقول العالم بعلومهم ومعارفهم وكانوا بذلك أساتذته, شاهدتم كل ذلك وانتم بعدُ تائهون, وعن حظوظكم النفسية مفتشون, ولدينكم العظيم تاركون, وتدعون أنكم مسلمون أبناء أولئك الأكارم العاملين. والدعاوى كاذبة إن لم تقم البراهين عليها فهل تتفهمون دينكم بعيدًا عما ألصق به جهلًا وعدوانًا وتسيرون سيرة يرضى عنكم بها الله سبحانه ورسوله صل الله عليه وآله وتقر بها عيون آبائكم الكرام فتكونون مسلمين حقًا فتبلغون وتستعيدون مجدكم وعزكم؟ ﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾[البقرة: 111]،[النمل: 64].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الدعوة الإسلامية؟ وما حقيقتها؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النية .. حقيقتها وأثرها
» لمن لايعرف المرأه على حقيقتها
» البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية
» الهجرة من الدعوة إلى الدولة
» سرية الدعوة بين التاريخ والواقع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: