من أساليب المعاملة الوالدية
في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال
أسلوب الثواب والمكافأة | style reward |
أسلوب العقاب والحرمان من الإثابة | Punishment and denial of reward style |
أسلوب النبذ والإهمال | Rejection style |
أسلوب الإفراط في التسامح والتساهل | Excessive tolerance and leniency style |
أسلوب الثواب والمكافأة style reward:
الثواب أو المكافأة المتوقَّعة أو المقرَّرة للعمل المقبول قد تكونُ حاجةً غير مادية؛ كالكلمة الحلوة، أو الابتسامة، أو الهمسة الحانية، أو النظرة الحنون، وقد تكون تصفيقًا واستحسانًا، وربما احتضانًا وتقبيلاً، وقد تكون المكافأة أو التعزيز حاجةً مادية؛ كالحَلْوى، واللعب، أو النقود، إن كلتا المكافأتينِ تؤدِّيان غرضًا واحدًا، وتَسْعَيان نحو هدفٍ معيَّن، ينبغي ألا يحصل عليهما كلُّ طفلٍ إلا بعد البَدْء في السلوك المطلوب إتمامه أو تكراره، وكما هو معروف فإن للمكافأة دورًا في دعم السلوك.
أسلوب العقاب والحرمان من الإثابة Punishment and denial of reward style:
إن المقصود هنا بأسلوب العقاب ليس العقاب البدني فقط؛ لأنه أسلوب له مضاعفات نفسية، وتشويه في البناء النفسي للطفل، ولكنه يشمل أيضًا العقاب غيرَ البدني؛ مثل: نظرة عدم الرضا، وحركة الرفض.
أسلوب النبذ والإهمال Rejection style:
يتمثَّل هذا الأسلوب في نَبْذ الوالدين لأطفالهم وإهمالهم؛ مما يؤدِّي إلى شعور الطفل بالقلق والاغتراب، والخوف الدائم، مما يؤثِّر على النمو النفسي للطفل وتكيفه.
كما أنه يتمثَّل في شعورِ الابنِ أو الابنة بأن الوالدَ أو الوالدة لا يهتمُّ بمعرفةِ أحواله أو أخباره، وينسى ما يَطلُبه منه من أشياء، وينسى مساعدتَه عندما يحتاج إليه، ولم يحدث أن يصحبَه في نزهةٍ أو رحلة في أيام الإجازات، أو المناسبات، وينظر إليه على أنه مجرَّد شخص يسكن معه.
فمثلاً إذا وُلِد الطفل وكان أنثى بعد عددٍ كبير من البنات، والوالدان يرغبان في طفلٍ ذَكَر، أو إذا جاء طفلٌ ولم يخطِّط الوالدانِ لمجيئه؛ فإنهما يَسْتَجِيبان لقدومِ هذا الطفل بطريقةٍ سلبيةٍ، وليست إيجابية، وعلى الرغم من عدمِ تصريحهما بذلك، وتنعكس مشاعرُ الرفض والإهمال هذه على سلوكياتِهم، وبالتالي تهدِّد مشاعر الأمن لدى الطفل، ويعاني من عدم تقدير والديه لذاته؛ مما يُشعِره بالإحباط وعدم إنجاز المهمات الموكلة له.
وينطوي الرفض الذي يقوم به الآباء تُجَاه طفلهما على نوعين مختلفين:
أولهما: رفضٌ شبه دائم منذ البداية، وفي مثلِ هذه الحالات لا يَشعُر الآباء بحبِّهم لأبنائهم، ويُوصَف هذا النوع من الآباء بأنهم يُحَاوِلون إخضاعَ أبنائهم لبعضِ القواعد السلوكية باتخاذِ مقاييس تتسم بالصرامة والقسوة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى عدم تقبُّلهم.
وثانيهما: رفضٌ في صورةِ تجاهلٍ لرغبات الأبناء؛ إذ إن هناك نوعًا من الآباء يُهمِلون أبناءهم، ولا يلبُّون طلباتهم واحتياجاتهم، وكثيرًا ما يعمِدُ الأطفال الذين يتعرَّضون لهذا النوع من المعاملة إلى قضاءِ كثيرٍ من الوقت خارج المنزل، ومكمنُ الخطورة هنا في احتمالية مصاحبتِهم لمجموعةٍ من رفاق السُّوء الذين يُمَارِسون ألوانًا مختلفة من السلوك المنحرف فيتأثَّرون به.
ولا يلزم بالضرورةِ أن يكون الرفضُ الوالدي رفضًا صريحًا؛ فقد يتميَّز إما برباطة الجأش، واللامبالاة، والانشغال عن الطفل، أو بالتسلط الإيجابي، والمتطلبات الكثيرة، والعداوة المنافية للذوق السليم، وفي الرفض كثيرًا ما ينشأ الانطباع أن الوالد مبالغ في الحماية.
ففي بعض الأحيان يكون العطفُ الزائد، والحماية الزائدة، والرعاية المبالغ فيها بمثابةِ تكوينٍ عكسي لرفضِ الطفل وعدم الرغبة فيه، وقد يكون رفضُ الطفل مرتبطًا بانعدام الترابط العاطفي بين الوالدين، أو نتيجةً لبعض الصعوبات التي يُواجِهُها الوالدان في تربية أطفالهما.
ولذا فإن النتيجة التي تتبع نبذ كثير من الآباء لأطفالِهم أن ينمو لدى هؤلاء الآباء الشعور بالذنب، وحتى يتجنَّبوا هذا الشعور فإنهم يُلْقون باللوم - لا شعوريًّا - على وجود نقصٍ في الطفل - إعاقة مثلاً - وهكذا يصبح الطفل كبشَ فداء غير جذاب، فيه نقص جسمي، أو غير ذلك من الأسباب الواهية.
إن الشعور بالذنبِ الذي يحرِّك الأب والأم يكونُ تعويضًا لشعورِهما بالنبذ أو الرفض لطفلهما، ويدفعهما ذلك إلى العناية الزائدة به والحماية المبالغ فيها، وبهذه الطريقة يطمئنُّ الوالدان نفساهما على أنهما أبوان طيِّبان، فيُغدِقان على الطفل الهدايا والملابس والأشياء الأخرى، ويُرسِلانه إلى مدارس باهظة التكاليف، كما أنهما يعيبان على المجتمع والمدرِّسين عداوتَهما لطفلهما وتحيُّزهما ضده، وبهذه الحيلة الإسقاطية يحقِّق الأبوان شعورًا بتبرير عداوتهما نحو الطفل، ويخفِّفان من حدة الشعور بالإثم.
ويرى "محمد علي حسن" أن تأثير ذلك الرفض والنبذ على سلوك الطفل يجعلُه يقومُ بألوانٍ من السلوك التي يهدف منها إلى لفت نظر والديه إلى وجوده، وإلى حاجاته المختلفة، وقد تكون بعض هذه الألوان السلوكية وسائلَ انتقامية من الوالدين نتيجةَ تقصيرِهما في تقبله، أو عقابًا لهما على سلوكهما نحوه.
ويذهب "رونالد رونر" Rohner، R. إلى أبعد من ذلك عندما يتحدَّث عن آثار الرفض الوالدي، فيرى أنه قد يمتدُّ حتى مرحلةِ الرشد وما بعدها؛ حيث يقول: "إن الراشدين الذين مرُّوا بخبرةِ الرفض وهم أطفال يُعَانُون من فقدانِ الحب والتقبل، كما أنهم لا يستطيعون تعويضَ الحب المفقود في مرحلة الطفولة"، وبالتالي تترسَّب الخبرة السيئة، ويمتد أثرها للرشد؛ فيَصِيرون مُنْعَزِلين وسلبيِّين أثناء تفاعلهم مع الآخرين.
وعليه يمكن القول: إنالوالدين اللذين يمكن وصفُهما بأنهما غيرُ متقبلينِ لابنهما يتَّصِفان بالاستياءِ تُجَاهه، وينزعان إلى التقليل من شأنه ومن قدراته وصفاته الشخصية، ولا يهتمان به، ولا يسعدان بصحبته، ولا يقدِّمان له أي تعزيزٍ عندما يأتي بسلوك حسن، كما أنهما لا يعبأان به ولا يحترمانه، ويسخران من وجهة نظره.
أسلوب الإفراط في التسامح والتساهل: Excessive tolerance and leniency style:-
ويؤدِّي هذا الأسلوب إلى عدم النضج، وعدم تحمل المسؤولية، والاضطراب النفسي، وعدم التوافق النفسي والاجتماعي للطفل.
كما يقوم هذا الأسلوب على أساس التسامح المعقول الذي يجعل تكيُّف الفرد أسهل تحقيقًا؛ لأن هذا الأسلوب يُعطِي الفرد شعورًا حقيقيًّا بالأمن، ويخلق له جوًّا يستطيع فيه أن يتَّجِه نحو الاستقلال الشخصي والتحرر التدريجي.
ومن مظاهر هذا الأسلوب أن الأم تكون محبِّة والأب يكون لينًا، والأطفال لهم حقوق الراشدين ومسؤوليات قليلة.
ويقوم هذا الأسلوب أيضًا على أساسٍ من الحرية المطلقة، أو التساهل الزائد في التفاعل الوالدي مع الطفل، وفيه لا يُمَارِس الوالدان الضبطَ المناسب، بل يمنحان الطفل قدرًا كبيرًا من الحريَّة لينظِّم سلوكه.
ومن مظاهره تركُ الطفل دون تشجيعٍ على السلوك المرغوب فيه، أو الاستجابة له دون محاسبة على السلوك غير المرغوب فيه، وترك الطفل دون توجيه أو إرشاد لِما يجب أن يقوم به أو أن يتجنبه.
ومن أهم نتائجه أنه يخلق أشخاصًا متسيِّبين غير مسؤولين، لا يحترمون القوانين والأنظمة، مع نمو النزعة الأنانية وحب التملك، بالإضافة إلى كثرة وتنوع المشاكل السلوكية في الأسرة والمدرسة.
من أساليب المعاملة الوالدية في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال
أسلوب المبالغة والإعجاب الزائد بالطفل
أسلوب التدليل Demonstrate style
أسلوب السواء Moderation style
أسلوب المبالغة والإعجاب الزائد بالطفل: Excessive admiration of children style :-
حيث يعبِّر الآباء بصورة مبالَغ فيها عن إعجابهما بالطفل، وحبه ومرحه، والمباهاة به، ويترتب على ذلك ما يلي:
• شعور الطفل بالغرور الزائد بالنفس، وكثرة مطالبه.
• تضخيم صورة الطفل عن ذاته، ويؤدِّي هذا إلى إصابتِه بالفشلعندما يتصادم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب.
ويتضمن هذا الأسلوب أيضًا تعبيرَ الوالدين على نحوٍ مبالَغ فيه عن إعجابهما بالطفل، وحبهما له، ومدحه، والمباهاة به، ومن آثاره: شعورُ الطفل بالغرور، والثقة الزائدة بالنفس، مع كثرة مطالب الطفل دون تقدير أو مراعاة لظروف وإمكانات الأهل، وتضخيم صورة الطفل عن ذاته؛ مما قد يُصِيبه بالإحباط أو الفشل عندما يصطدم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب والاهتمام.
أسلوب التدليل Demonstrate style:
يتمثَّل ذلك الأسلوب في تشجيع الطفل على تحقيق معظم رغباته بالشكل الذي يحلو له، وعدم توجيهه لتحمل أية مسؤولية مع مرحلة النمو التي يمر بها، وقد يتضمَّن هذا أيضًا تشجيعَ الطفل على القيام بألوانٍ من السلوك الذي يعبِّر عن عادةٍ غير مرغوب فيها اجتماعيًّا، وكذلك قد يتضمَّن دفاع الوالدين عن هذه الأنماط السلوكية غير المرغوب فيها ضدَّ أي توجيه أو نقد يصدر إلى الطفل من الخارج؛ فالتدليل يتضمَّن التراخي والتهاون في معاملة الطفل، وعدم توجيهه لتحمل المسؤوليات والمهام التي تناسب مرحلته العمرية، مع إتاحة إشباع حاجاته في الوقت الذي يريده هو، والتدليل هو نوع المبالغة في التساهل مع الطفل؛ بحيث يستجيب الوالدان أو أحدهما لمطالبه مهما كانت هذه المطالب، ويغضُّون الطرف عن كلِّ ما يرتكب من أفعال تقتضي التأديب والعقاب، ويسلك الآباء مثلَ هذه الطريقةِ في معاملة الأبناء نتيجةَ ظروف معينة، كأن يكون الطفل وحيدًا، أو جاء بعد مدة طويلة من الزواج.
ففي بعض المنازل يعامل الأطفال كما لو كانوا ضيوفًا محظوظين، تشبع دائمًا أهواؤهم ورغباتهم بواسطة الأبوين، فهم يختارون ما يريدون أكله، ويَلْقَون عناية خاصة فيها كثيرٌ من المبالغة، فقد يختارون ألوانًا من الترفيه والتسلية التي يريدونها، وعندما لا يجدون فكرة جديدة يلجؤون إلى الأم وكأنهم يريدونها أن تفكِّر لهم فيما يمكنهم أن يلعبوا، وقد لا يطلب منهم إطلاقًا أن يقوموا بأي مجهود لمصلحتهم أو لمصلحة الأسرة.
وعليه، فإن الأم - الأب - المتسامحة تُحَاوِل أن تنأى عن استخدام العقاب، وأن تتقبل رغبات الطفل وأفعاله، وتكون مطالِبُ هذه الأمِّ من طفلها قليلةً؛ فهي لا تكلِّفه بمسؤوليات منزلية، ولا تطلب منه سلوكًا منظمًا ولا مرتبًا في حالات كثيرة، إنها تقدِّم نفسها للطفل كمصدرٍ يستخدمه كما يرغب، وليس كمَثَلٍ أعلى، عليه أن يقلده ويحتذي به، وهي لا تعمل على نحوٍ نشطٍ لتشكيل سلوك الطفل الحاضر والمستقبل وتعد له، إنها بذلك تتيح للطفل أن ينظم أنشطتَه بقدر ما يستطيع، وتتجنب ممارسة الضغط، وهذه الأم لا تشجع الطفل على إطاعة المعايير التي تتحدد من الخارج.
ومن ثَمَّ فإن هؤلاء الآباء الذين يخشون رفض أي مطلب للابن حتى لا يعكِّروا عليه صفو سعادته وأمنه، يتركون الأبناء يفعلون ما يريدون بلا حساب على ذلك.
والذي يدفع الوالدين لاتخاذِ هذا الأسلوب هو إصابةُ الطفل، أو مرضه مرضًا شديدًا يجعله عاجزًا لا يستطيع شيئًا، أو وجودُ نوعٍ من السيطرة عند الطفل يضلِّل به الآباء، ولا يستطيعون أن يتغلَّبوا عليه.
أما مشكلة الطفل المريض، فهي مشكلة معروفة؛ حيث يكون موضعَ عطفِ جميع أفراد الأسرة، بل وربما الأصدقاء، وهم يوفِّرون له الراحة والاطمئنان، ويرفعون عنه كل المسؤوليات، فإذا كان هذا المرض مزمنًا - كالإعاقة - فإن انغماسَ الوالدين في هذا السلوك قد يستمرُّ، أو أن يقوم الطفل بخداعِ وتضليل الوالدين ليصل إلى ما يُرِيد بالتشنج، والإغماء، والثورة، أو التهديد بترك المنزل أو الانتحار، فيضطر بعض الآباء إلى التنازل لصغارهم؛ خشيةَ تنفيذ هذه التهديدات.
أسلوب السواء Moderation style:
إن السواء يمثِّل جانبين؛ أولهما يتمثَّل في ممارسة الأساليب السوية؛ ومنها: التقبل، والتسامح، والديمقراطية، والتعاون، والمشاركة الوجدانية...، وغيرها، والآخر يتمثَّل في عدم ممارسة الأساليب غير السوية السابق ذكرها؛ مثل: الرفض، والتدليل، والحماية الزائدة، والقسوة، والتفرقة، والتذبذب في المعاملة.
يقصد به ممارسة الأساليب السوية من وجهة نظر الحقائق التربوية، وعدم ممارسة الأساليب المعبِّرة عن الاتجاهات السلبية، وقد بيَّنت جميعُ الدراسات الخاصة بموضوع العَلاقة بين الطفل ووالديه ارتباطَ اتجاهِ السواء إيجابيًّا بالثقة بالنفس، والقدرة على تحمل المسؤولية، والإبداع، والعلاقة الجيدة مع الآخرين، وضبط الذات، والارتباط الآمن، ومن جهة أخرى ارتبط هذا الأسلوب بنضج الآباء، واتزانهم الانفعالي، وتصوراتهم العلمية لمفهوم الطفولة وحاجاتهم.
إن تقبُّل الطفل لذاته على ما هو عليه يَعنِي ضرورةَ تقبُّل نوعِ الطفل، سواء كان ذكرًا أم أنثى، وأيضًا تقبل شكله - وما هو عليه من ملامح - ولونه، بصرفِ النظر عن أنه يُشبِه أشخاصًا نحبُّهم أو نَكرَهُهم، وتقبُّل ترتيب الطفل بين إخوته، وتقبل ما تَشتَمِل عليه شخصيتُه من ذكاءٍ، وقدراتٍ، واستعدادات، وميول، واهتمامات أو هوايات، ولا شكَّ أن تقبُّل الطفل غير المشروط (على ما هو عليه) يؤثِّر في فكرة الطفل عن نفسه؛ حيث توجد عَلاقة وثيقة بين تقبُّل الذات وتقبُّل الآخرين، وبالتالي يُمكِن القول: إن تقبل الطفل على ما هو عليه يعزِّز إيجابية مفهومه عن ذاته، وتقبله لها، وتكيُّفه معها ومع الآخرين؛ مما يؤثِّر في النهاية على سلامةِ صحَّة الطفل النفسية.
فالطفل في حاجة إلى أن يكون محبوبًا ومقبولاً، ومرغوبًا فيه من الوالدين ومن الآخرين حوله، ومقبولاً كما هو عليه ولذاته، وما يحتمل أن يكون عليه من عجز أو قصور، فلا يكون موضعَ استهجانٍ، أو سخرية، أو مواربة، أو مقارنة، ويتأكَّد الطفل من حب والديه خلال مواقفِ الحياة اليومية بعديدٍ من الأساليب، وطرق المداعبة؛ مثل: المعانقة، واللمسة الرقيقة، والابتسامة العذبة، فكلُّ هذا - وما يماثله من أساليب الملاعبة والتودد - يقنع الطفل بأنه يستطيع أن يعتمدَ على حب والديه، وهو بغيرِ هذا الضمان من الحبِّ والعطف لا يستطيع أن يعيش راضيًا.
هذا بالإضافة إلى أن الآباءَ الذين يُشَارِكون أطفالهم خبراتهم، ويكتسبون ثقتهم واستعدادهم الطيب للتعاون معهم حين يُظهِرون اهتمامًا مخلصًا بشؤونهم - يضعون الأسسَ السليمة للروابط القوية المشتركة بينهم وبين أطفالهم، وتلك الأسس التي ستتحطَّم عليها عواصفُ الخلافات المستقبلية بين الوالدين والابن، وكذلك فإن شعور الطفل بالأمان بالقدر الذي سيصبح معه معتمدًا على نفسه، وبالمهارة التي تجعله يقدِّر المسؤوليات الاجتماعية، وأن يعتمد إلى حد كبير على تلك الروابط التي يكوِّنها والداه معه منذ الصغر.
فمن المسلَّم به أن الحب والتعاطف داخل الأسرة من أهمِّ الأمور اللازمة لنموِّ الطفل ذي الإعاقة، ولكن ينبغي أن يكون هذا الحب وهذا العطف بشكلٍ معتدل ومتكافئ في مقداره مع بقية أفراد أسرته؛ بحيث يوفِّر للطفل الدفءَ العاطفي الذي يُشعِره بالطمأنينة، وأنه محبوب ومرغوب فيه، ويُبْعِده في نفس الوقت عن أي اضطراب نفسي قد يتعرَّض له.
والتعبير عن التقبل الوالدي يتأتَّى بطرقٍ مختلفة حسب النضج الانفعالي للوالدين؛ فالوالدان الناضجان والمتزنان انفعاليًّا يَسْعَيان لتنميةِ الشخصية المستقلة لطفليهما، ويحاولان تحقيق هذا الهدف، وعلى العكس فالوالدان غير الناضجين انفعاليًّا يتعلَّقان بطفليهما بصورة عصابية، والطفل المتقبل يكون متعاونًا، ودودًا، مخلصًا، وفيًّا، مرحًا، ويتمتع بالثبات الانفعالي.