اللاعب الذي ليس باستطاعتنا رؤيته
د محمد غاني/ المغرب
«سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لنا أنه الحق» هي الآية 53 من سورة فصلت وهي ما خطر ببالي وأنا أقف مشدوها أمام قولة عظيمة، لعالم الأحياء البريطاني توماس هنري هكسلي الذي كان يلقب بكلب داروين أو»Darwin›s Bulldog»، لدفاعه الشرس على نظرية داروين، يقول فيها «رقعة الشطرنج هي العالم، والقطع هي ظواهر الكون، وقواعد اللعبة هي ما نسميه قوانين الطبيعة، أما اللاعب المقابل لنا فليس باستطاعتنا رؤيته».
رقعة الشطرنج لها الوان مثل تلونات الكون بين أبيض وأسود بين جلال وجمال، بين نقص وكمال ورغم ظهور النقصان فهو فقط في أعيننا، أما في عيون أهل الحقيقة كأبي حامد الغزالي فإن النقصان يصير عين الكمال، يبدع الامام الغزالي تعبيرا خاصا عن هاته الحقيقة قائلا: «إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى».
قوانين الكون تبدو صارمة من تعامل معها بصرامة صعبت عليه ومن تعامل معها بذكاء أولي الالباب صارت لعبة مسلية يمشي بإرادتها وتمشي بإرادته، يقول ألبرت أينشتين عن هاته الفكرة: «لقد خلق الله الكون وفقا لقوانين لا تعترف بالمصادفة أو العشوائية»، ونسب بعضهم شعرا جميلا للشيخ أحمد زروق في نفس هذا المعنى الذي ندندن حوله
سلم لسلمي وسر حيث سارت
واتبع رياح القضاء در حيث دارت
ذلك ان ارادة الحق ومشيئته ليست عن هوى انساني كإرادة البشر وانما هي كما يرى ابن العثيمين «مقرونة بالعلم والحكمة» لذلك فاتباعها هو عين الفقه والحكمة والتسليم القلبي لها عين التحرر من الهوى، كالمبحر بالشراع يتبع اتجاه الريح يتلذذ بإبحاره كذلك الانسان المبحر في قدر الله موجها شراعه لاتجاه رياح الاقدار، تلذذ بالحكمة الكامنة وراءها عكس المنازع لها قصمت شراعه.
للتوفق في تحصيل ذلك الشعور بالتسليم برياح الاقدار ينبغي التحلي بصبر وشجاعة، صبر للتدرب على موافقة الارادة الالهية وشجاعة تبعث على الرغبة في الحياة، باعتبارها لعبة يتقلب لاعبها بين نصر وهزيمة وبين صعود ونزول فلا شيء دائم في الألعاب ولا حال خالد في مسيرة الحياة التي وصفتها الكتب المقدسة بأنها لهو ولعب.
ولا بد من هاته التقلبات بين الجلال والجمال، فبها يعرف الله، كما يذهب الى ذلك كبراء العارفين كابن عجيبة حيث لا تكمل المعرفة الانسانية عنده الا حين يستوي عند صاحبها العطاء والمنع والعز والذل والفقر والغنى والفقد والوجد والحزن والفرح الى غير ذلك من المتقابلات، وليس شيوخ المعنى فقط من يذهبون الى هذا الفهم حيث نجد ميشل ايكيم دي مونتاني يقابل في قولة رائعة له بين معنيي الألم والخوف في كيفية التعامل بسلاحيهما في الحياة قائلا: «من يخاف من الألم سيتألم من الخوف»، لذلك لا بد من التسلح في لعبة شطرنج الحياة بالتسليم لشراع القدرة للتلذذ بين مربعاته في تلوناتها مع الوعي التام بتقلبات أحوال الحياة وعدم دوامها لجعلها مطية للمزيد من السير في طريق المعرفة.