حرائق الطبيعة والاقتصاد: ماذا يريد اللبنانيون؟
كانت الحرائق الواسعة التي اندلعت في لبنان يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، والتي اقتربت من 140 حريقا، دليلا جديدا للبنانيين على ضعف قدرة حكومتهم على حل الأزمات على أنواعها، فقد سبقتها أزمات أخرى عديدة، بينها أزمات المخابز ومحطات الوقود، التي أضربت مؤخرا نتيجة شح الدولار، وكذلك أزمة مخزونات الأدوية، وقبلها أزمة جمع القمامة، وكلّها إشارات على فشل كبير في الإدارة، وفي القدرة على تقديم الخدمات للمواطنين.
تلاوم المسؤولون اللبنانيون فيما بينهم، فاعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري أن هنالك «من وضع العراقيل أمام جميع الجهود» التي طرحها للإصلاح، أما جبران باسيل، وزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني» فقال إن المظاهرات ليست موجهة ضد تياره وأن «هناك سلة إصلاحات نادى بها الرئيس ميشال عون»، كما عبر «حزب الله» بلسان أحد نوابه، إبراهيم الموسوي، أنه «يعمل لإصلاحات حقيقية»، ويبدو أن هذه الأقوال لم تقع على آذان صاغية وكان الغضب وإحراق رموز وصور ومقرات حزبية هو رد الجماهير اللبنانية على ادعاء القوى السياسية اللبنانية الأساسية على أنها تعمل فعلا على إجراء إصلاحات وأن كل ما يهمها هو مصالح اللبنانيين.
لا تختلف العوامل التي دفعت اللبنانيين إلى الشوارع، في جوهرها، عن العوامل التي دفعت إخوتهم في العراق والسودان والجزائر ومصر في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية إلى الاحتجاجات العارمة، وقد رأى اللبنانيون وقارنوا بين أوضاعهم المتدهورة وأوضاع أشقائهم في البلدان العربية المنتفضة، ولعل البعض انتبهوا إلى أن أوار الحريق العربيّ الكبير الذي اشتعل عام 2011 انتهى إلى اقتراب أكبر من الديمقراطية الحقيقية في تونس، وإلى تولّي حكومة مدنية شؤون الحكم بعد انتفاضة في السودان، وإلى سقوط رموز بوتفليقة في الجزائر الذين انتهوا إلى السجن.
في المقابل فقد فضل بعض الزعماء اللبنانيين، كما هو حال الرئيس عون وصهره جبران باسيل، رؤية الجانب الآخر من الثورات، وهو الجانب الدمويّ الذي يحتفظ فيه الطغاة بالكرسيّ فوق بحر دماء شعبه، وكان ملفتا للنظر أنه قبل أيام فقط أعلن رغبته في زيارة سوريا ومقابلة رئيسها بشار الأسد، وهو ما فعله الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، في اليوم نفسه الذي كانت الانتفاضة السودانية قد بدأت ضده.
يعاني لبنان من عجز كبير في الموازنة يعتبر من أكبر أعباء الدين العام في العالم، وكما كان الأمر في ميزانيات السنوات الماضية فقد تركز «إصلاح» الحكومة على إجراءات تقشف شديدة على المواطنين عبر زيادة الضرائب والرسوم والاقتطاع من مكتسبات الموظفين وحقوقهم لكنها تصبح «ليّنة» حين يتعلق الأمر بالمصارف، وبحيتان الفساد القادرين على الاستيلاء على الأملاك العامة البحرية، وبالمتهربين ضريبيا والمهربين وعبر مكافأة الشركات والمؤسسات التي لم تدفع ضرائبها عبر إعفائها من الغرامات أو تخفيضها لنسب تقارب 85٪.
إحدى المفارقات اللبنانية أن الأحزاب المشاركة في الحكومة والتي تقرّ الموازنة بممثليها الوزاريين تقوم بالمزاودة والاعتراض عليها عبر ممثليها البرلمانيين، بل إنها تزايد على المتظاهرين والمحتجين بشعارات الإصلاح ومقاومة الفساد واستعادة «الأموال المنهوبة»، وهذه إحدى «فضائل» نظام المحاصصة الطائفية الذي يعمل على ركوب الموجات الشعبية، ويدّعي تمثيل طائفته والنطق باسمها، لكنّه يتشارك نهبها والتسلط عليها، ولو اضطر الأمر، إلى إطلاق النار عليها.
رغم دهاء النظام اللبناني وطرقه العديدة لتصريف أزماته، فإنه وصل إلى أزمة وجودية طاحنة صار المخرج الحقيقي منها هو ما عبّرت عنه الشعوب العربية من رغبتها في «سقوط النظام»، وصولا إلى منظومات ديمقراطية قادرة على تضمين الجميع والتعبير عن آمالهم وأحلامهم.
تصاعد المواجهات في لبنان.. قتيلان وعشرات الجرحى وكر وفر
تصاعدت المواجهات بين قوى الأمن اللبناني والمحتجين، بعد انتهاء خطاب ألقاه رئيس الوزراء سعد الحريري، مما أسفر عن إصابة العشرات في شوارع وسط بيروت، فضلا عن مقتل شخصين في طرابلس (شمالي البلاد).
وأطلقت قوات الأمن اللبنانية الغاز المسيل للدموع على المحتجين خارج مقر الحكومة في وسط بيروت، بعد رفض المحتجين خطاب الحريري الذي منح فيه “شركاءه السياسيين” مهلة 72 ساعة لدعم أجندة إصلاحاته، وسط تصاعد الاحتجاجات في أنحاء البلاد على تفاقم ازمة البلاد الاقتصادية.
وردد الآلاف مساء الجمعة “ارحل” رفضا لخطاب الحريري.
وحاول المحتجون شق طريقهم إلى مقر مجلس الوزراء، وتصدت لهم قوات الأمن بإلقاء الغاز المسيل للدموع، مما دفعهم للفرار في عدة اتجاهات، ففتحت عليهم قوات الأمن خراطيم المياه.
كر وفر
وشهد محيط رياض الصلح في وسط العاصمة بيروت تصاعدا للمواجهات، حيث سادت حالة من الكر والفر في الشوارع القريبة من الساحة، أسفرت عن إصابات في صفوف المتظاهرين نتيجة إطلاق قوى الأمن للغاز المسيل للدموع.
وذكرت محطات تلفزيونية محلية أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المحتجين في وسط العاصمة بيروت، بعدما أضرم متظاهرون النار في مبنى قريب.
وأظهرت لقطات بثتها كاميرا “سكاي نيوز عربية” متظاهرين يعانون من الاختناق جراء الغاز المسيل للدموع، ويطلبون المساعدة. وطالت أعمال تخريبية سيارات ومحال تجارية في وسط بيروت.
وذكرت رويترز أن بعض المحتجين، ومنهم ملثمون، يحطمون واجهات متاجر.
وفي مدينة طرابلس، شمال البلاد، قالت مصادر لسكاي نيوز عربية إن إطلاقا للنار في ساحة النور أسفر عن مصرع شخصين وإصابة آخرين.
مهلة الحريري
وأمهل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الجمعة، شركاءه في الحكومة 72 ساعة لدعم “الإصلاحات” في لبنان، متهما بعضهم بتعطيل عمله، وذلك تزامناً مع موجة تظاهرات ضخمة تشهدها البلاد ضد الطبقة السياسية والتدهور الاقتصادي.
وقال الحريري إن لبنان “يمر بظرف عصيب ليس له سابقة في تاريخنا”، وذلك في ظل موجة توتر تندلع في أنحاء متفرقة من البلاد، بفعل تراكم الغضب، بسبب معدل التضخم، واقتراحات فرض ضريبة جديدة، وارتفاع تكلفة المعيشة.
وأضاف أن أطرافا أخرى بالحكومة، لم يسمها، عرقلت مرارا جهوده للمضي في إصلاحات.
ودفع التوتر رئيس الوزراء لإلغاء اجتماع الحكومة الذي كان مقررا الجمعة لمناقشة مسودة ميزانية السنة المالية 2020، وألقى خطابا بدلا من ذلك.
“احتواء التوتر”
وتعليقا على ما يحدث دعت الأمم المتحدة، الجمعة، “جميع الأطراف إلى الامتناع عن أنشطة من شأنها زيادة التوتر وأعمال العنف” في لبنان الذي يشهد منذ الخميس تظاهرات ضد الفساد، وتردي الظروف المعيشية والاقتصادية، وفق ما أعلن المتحدث باسم المنظمة.
وقال ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمره الصحفي اليومي، إن “الأمم المتحدة تواصل العمل مع حكومة لبنان والشركاء الدوليين بهدف المساعدة في مواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، ويشمل ذلك وضعه الاقتصادي”.
“تحذير من السفر”
وحذرت كل من مصر والسعودية والكويت مواطنيها من السفر إلى لبنان، مع دخول احتجاجات اللبنانيين يومها الثاني مطالبين بالإطاحة بزعماء يتهمونهم بنهب الاقتصاد.
ونصحت سفارات هذه الدول مواطنيها الموجودين في لبنان بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر، والاتصال بالسفارة في بيروت عند الضرورة.
الحريري يمهل “شركاءه” 72 ساعة لدعم “الإصلاح” مع استمرار التظاهرات في لبنان- (صور وفيديو)
بيروت: تظاهر آلاف اللبنانيين، الجمعة، لليوم الثاني على التوالي، وقطعوا طرقاً رئيسية في مختلف المناطق، في تحرك موحد لرفع الصوت ضد الحكومة وقرارات فرض ضرائب جديدة عليهم في بلد يشهد أساساً أزمة اقتصادية خانقة.
وعلى وقع التظاهرات التي تطالب حكومته بالاستقالة، اتهم رئيس الحكومة سعد الحريري أطرافاً في الحكومة لم يسمها بتعطيل مساعيه للمضي في الإصلاحات، مانحاً إياهم مهلة 72 عاماً لدعمها.
واندلعت التظاهرات غير المسبوقة منذ سنوات، ليل الخميس، بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت. ورغم سحب الحكومة قرارها على وقع غضب الشارع، لم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كافة مكونات الطبقة السياسية الممثلة في حكومة الرئيس سعد الحريري.
وعلت مطالب الشارع باستقالتها، في حراك جامع لم يستثن حزباً أو طائفة أو زعيماً.
وتصاعدت نقمة الشارع في لبنان خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.
وقطع المتظاهرون طرقاً رئيسية في مختلف المناطق وتلك المؤدية إلى العاصمة ومطار بيروت الدولي لليوم الثاني على التوالي. وعملت القوى الأمنية مراراً على إعادة فتح الطرق الحيوية.
وتجمع المتظاهرون في وسط بيروت قرب مقر الحكومة، الجمعة، مرددين شعار “ثورة ثورة” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، في وقت أقفلت المدارس والجامعات والمصارف والعديد من المؤسسات أبوابها.
ورفع أحدهم لافتة كتب عليها “الإسقاط والمحاسبة، كلهم يعني كلهم”، في إشارة إلى كامل الطبقة السياسية.
وهتف متظاهرون بالعامية “برا برا برا، الحريري إطلع برا”.
واستخدمت القوة الأمنية ليلاً خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا الاقتراب من السرايا الحكومية، ما أسفر عن حالات إغماء.
وتواصلت ليلا المواجهات بين المتظاهرين وقوى الامن في وسط بيروت. واحصى الصليب الأحمر اللبناني اصابة 23 متظاهرا فيما قالت القوى الأمنية ان اصابات طاولت ستين من عناصرها.
كذلك، تظاهر المئات على الطريق المؤدية إلى القصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت.
وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية، بدا لافتاً منذ ليل الخميس خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على حزب الله، أبرز مكونات الحكومة، على غرار الضاحية الجنوبية لبيروت وأخرى جنوباً خصوصاً مدينة النبطية حيث تجمّع متظاهرون قرب منازل ومكاتب عدد من نواب حزب الله وحركة أمل.
كما مزق متظاهرون صوراً للحريري في مدينة طرابلس شمالاً، حيث يتمتع بنفوذ. وتظاهر آخرون في مناطق مسيحية محسوبة على التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون.
وفي مدينة صور (جنوب)، حيث يطغى نفوذ حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، هتف متظاهرون ضدّه، وفق ما قال أحد السكان.
وفي وسط بيروت، قالت يارا (23 عاماً) “إنها فرصتنا لإحداث تغيير في البلد، للمرة الأولى لا يهتم الناس بالدين او الحزب الذي ينتمون إليه”.
72 ساعة
ومع التظاهرات الواسعة، أبدى الحريري استعداده للتخلي عن السلطة. وقال “أنا شخصياً منحت نفسي وقتاً قصيراً جداً، إما شركاؤنا في التسوية والحكومة يعطونا جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً يقنعني أنا واللبنانيين والمجتمع الدولي (…) بأن هناك قرارا لدى الجميع للإصلاح ووقف الهدر والفساد أو يكون لدي كلام آخر”.
وأضاف الحريري “مهلة قصيرة جداً .. 72 ساعة”.
https://www.facebook.com/BBCnewsArabic/videos/947736365598519/وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام السياسي وتباين وجهات النظر بين مكونات الحكومة حول آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية وكيفية خفض العجز من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية.
وتشكل العلاقة مع سوريا بنداً خلافياً داخل الحكومة، مع إصرار التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل وحليفه حزب الله على الانفتاح على دمشق، ومعارضة الحريري وأفرقاء آخرين لذلك.
ويحمل خصوم باسيل عليه رغبته بالتفرّد في الحكم، مستفيداً من علاقته مع حزب الله وبحصة وزارية وازنة.
واستبق باسيل كلمة الحريري بإعلان رفضه استقالة الحكومة، معتبرا أن هذا الأمر قد يؤدي إلى وضع “أسوأ بكثير من الحالي”.
ودعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الممثلان في الحكومة، الحريري إلى الاستقالة.
ورداً على كلمة الحريري، قالت المتظاهرة كارول (27 عاماً) في بيروت “من المريع وغير المقبول أن يعتقد أن بإمكانه أن يترك الشعب 72 ساعة فيما كان لديهم 20 و30 عاماً للإصلاح”.
وأضافت “الأفضل أن يتنحوا” جميعاً.
ولم تخل التظاهرات من أعمال شغب بدت آثارها واضحة في شوارع بيروت، حيث انتشرت مستوعبات النفايات بشكل عشوائي وسط الطرق والاطارات المشتعلة.
الضرائب
بدأت التظاهرات الخميس بعد ساعات من فرض الحكومة رسماً بقيمة 20 سنتاً على التخابر على التطبيقات الخلوية، بينها خدمة واتساب، لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها على وقع التظاهرات.
وتدرس الحكومة فرض ضرائب إضافية على الوقود كما رفع ضريبة القيمة المضافة.
ولم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة الناتج عن تدهور الوضع الاقتصادي، والذي ترافق مؤخراً مع ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء إلى أكثر من 1600 مقابل الدولار الذي بات من الصعب جداً الحصول عليه.
وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0,2 بالمئة، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 20 في المئة.
وتعهدت الحكومة العام الماضي إجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل هبات وقروض بقيمة 11,6 مليار دولار، لكنها لم تتمكن من الوفاء بتعهداتها.
وفي 2015، شهدت بيروت تظاهرات كبيرة ضد أزمة نفايات، لكنها لم تكن بهذا الحجم واقتصرت بشكل أساسي على العاصمة.
[rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl] [rtl][/rtl]